تحنيط الحيوان

لعبت الحيوانات دورًا خطيرًا هامًّا في معتقدات قدماء المصريين، ليس هنا مجال البحث فيه، مما دعاهم إلى حفظ أجسامها وتحنيطها، والعناية بتكفينها، وكان لكل منطقة حيوان مقدس، وكان لكلٍّ منها مدافن خاصة.

وكانوا يختارون أصناف الحيوان للعبادة بطريقة خاصة دلت عليها مستنداتهم، وما كتبه المؤرخون عنها، وقد قال هيرودوتس١ مثلًا في انتخاب العجل أبيس: «هو ابن البقرة التي لا تلد بعده، ويقول المصريون: إن نارًا مقدسة تسقط من السماء على هذه البقرة، فتحمل بأبيس، وهذا الفحل يتميَّز في رأسه بعلامة بيضاء مثلثة الشكل، وعلى ظهره شكل نسر، وفي ذيله شعور مزدوجة من مَخرج واحد، وتحت لسانه خنفساء.» وجميع التماثيل النحاسية لهذا العجل تدلُّ على صدق ما ذكره هيرودوتس.

وقد كان لهذه الحيوانات جبانات خاصة في جميع بلدان القُطر؛ ففي أبيدوس جبانة الطائر أبيس وكذلك في تونا الجبل، وللكلاب في أبيدوس أيضًا وفي مدينة بوباست للقط، وكانت جبانة العجل في منف معروفة بالسيرابيوم.

وأغلب هذه الحيوانات المحنطة التي عثر عليها المُنقِّبون يرجع تاريخها إلى العصر اليوناني الروماني، وكانت عملية التحنيط الفعلية غير مهذبة؛ إذ كانوا يضعون أجزاء وأجسام الحيوانات في النطرون، دون أي محاولة لحفظ كيان أشكالها، وكانت غايتهم متجهة أكثر ما يكون إلى المظهر الخارجي؛ حتى تشبه الموميا في النهاية بعد تحنيطها الشكل الطبيعي للحيوان كما هو مبين في الصور رقم ٥ و٦ و٧ و٨.

وكانت اللفائف حول الحيوان كثيرة تأخذ شكلًا هندسيًّا جميلًا كما يظهر من الصور المرفقة، وكانت توضع مومياء الحيوانات في توابيت خاصة، فخارية أو خشبية، أو برونزية أو جرانيتية، كما هو الحال في العجل أبيس، وكما هو واضح في الصور.

وبعد فحص كثير من الموميات وُجد أن بعض الحيوانات كانت تُدفن في التربة دون عناية إلى أن تتآكل أنسجة الجسم عدا العظام التي يستخرجونها، ويعتنون بلفها، ومظهرها الخارجي.

وقد أدت عملية تحنيط الحيوان عند قدماء المصريين خدمة جليلة لعلوم الحيوان؛ إذ كشفت لنا عن فصائل مختلفة كانت تعيش في مصر في الأزمان السحيقة، وأمكن دراستها علميًّا، وتمييز أنواعها والتطورات التي نشأت بها، ومكانتها من العقائد المصرية.

وقد عثرنا على أنواع كثيرة من الحيوانات المحنطة المحفوظة في متاحف أوروبا، وأمريكا والمتحف المصري، ومتحف فؤاد الأول الزراعي بالدقي، بينها: الغزلان، وابن آوى، والقط، والكلب، والقرد، والتمساح، والسمك، والثعبان، والسحلية، والضفدعة، والجعران، والعجول، وطائر أبيس، والصقر … وقد اهتم كثير من العلماء بهذه الدراسة، وعلى رأسهم العلامة الأستاذ الدكتور كايمر وجايار ودارسي.٢

وكانت عجينة الراتنج تغطي في كثير من الأحيان موميات بعض الحيوانات، وكان جسم الطيور في الغالب يُغمس في مصهور من الراتنج، والقار المعدني ثم يلف، وقد أخذت قطاعًا عرضيًّا في مومياء حورس بعد فك الأكفان، وتبين منه أن جسم الحيوان مشبع بالراتنج، وأنه قد أجريت عليه عملية التحنيط كما هي؛ إذ تحتفظ في القطاع بالأجنحة والأحشاء وجميع أجزاء الجسم، وقد أجريت بعض التجارب على تحنيط بعض الطيور كما هي بمخلوط من منصهر بعض الراتنجات، والقار المعدني فأعطتني تجارب حسنة، ولا تزال هذه الحيوانات محتفظة بكيانها حتى الآن منذ ٣ سنوات.

وإذا فككنا أحد هذه الموميات عرفنا مدى اهتمام المصريين بذلك، وقد أجريت البحث على مومياء من حفائر تونا الجبل، محفوظة ضمن مجموعة في متحف معهد الآثار المصرية، وكان طول المومياء ٣٢ سم وعرضها ١١ سم كما هو واضح في الرسم [آخر الكتاب]، وفيما يلي شرح وافٍ لهذه المومياء.

  • (١)

    اللفافة السطحية عبارة عن رباط من نسيج الكتان، عرضه ٢ سم، مثني منه نصف سم، والرباط مكوَّنٌ من ثلاث قطع، طولها بالترتيب: ١٢٠، ٨٥، ٧٥ أي إن مجموع طولها جميعًا ٢٨٠سم، هذا عدا بعض قطع صغيرة مربعة، ضلعها ١٥سم تقريبًا، وضعت بين اللفات، وكانت مشبَّعة بالراتنج، ويظهر أن الغرض منها تقوية الأربطة، وإعطاء المومياء بعض الخصائص المميزة للحيوان، وهذه اللفائف مربوطة جيدًا برباط معقود من الحلفاء.

  • (٢)

    يلي ذلك قطعة كِتَّان مستطيلة تقريبًا غير منتظمة الشكل طولها ٢٧سم وعرضها ١٥سم، وهي تغطي الرأس، وتطوقها بحيث تحفظ للرأس شكله الطبيعي.

  • (٣)

    لفائف عرضية ملفوفة عرضيًّا يتفاوت عرضها بين ٥–١٠سم، وهي عبارة عن ٣ قطع، مجموع طولها حوالي ٤ أمتار، وُجدت موصولة بعضها بخياطة دقيقة وملفوفة تحت الأربطة الطويلة.

  • (٤)

    طبقات من النسيج بعضها فوق بعض، موضوعة على الجسم؛ حتى ترفعه إلى مستوى الرأس، ثم بعد ذلك بعض اللفائف الطولية والعرضية متقاطعة، وتكشَّفَت المومياء عن جثة كلب صغير طولها ٢٧سم، ممدودة أرجلها الخلفية إلى الوراء، وعرضها ٦سم، وطول الرأس ٨سم، وعرضها ٥سم، والجثة متآكلة وملآنة بالحشرات، وقد تفتتت العظام، ولكن الرأس قد احتفظ بشكله الجميل [بالرسم آخر الكتاب] وشعره الذهبي، واحتفظ الجسم بالجلد والشعر والأظافر، ودلَّ الفحص على أنها مومياء كلب صغير لا يتجاوز سنُّه ثلاثة شهور، وقد اشترك في الفحص طبيب بيطري، والأستاذ محمد عبد التواب الحته.

ونسيج اللفائف دقيق يحتوي كل سم٢ على ١٠ خيوط.

وقد أجريت بعض التجارب على أجزاء هذه المومياء، وكانت النتائج كالآتي:
  • (١)

    نسيج اللفائف ١٠ × ١٠ خيوط في كل سم٢.

  • (٢)

    المومياء لكلب، وكان المظنون أنها لقرد، وبذلك يظن أنه كان للكلاب مدافن خاصة في تونا الجبل.

  • (٣)

    أمكن اختبار كلورور الصوديوم، وكربونات الصوديوم، مما يدل على أن النطرون قد استعمل في تحنيطه.

  • (٤)

    أمكن اختبار مركبات الكروم (الكرومات الصفراء) التي يُظن أنها استعملت في صباغة الأقمشة، وهذه أول مرة يشار فيها إلى الكروم، وهذه النقطة تحتاج إلى تحقيق أكثر.

١  Heradotus III, 8.
٢  Gaillard et Daressy: La Faune Momifieé de L’aateque egypte daas “Service des aatequités d’egypte, Catalogue general ds anteguite egyptiene du Musée du Caire” 1905.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤