المواد المستعملة في التحنيط

دراسة هذا الموضوع حديثة العهد لم يصل العلماء في بعضها إلى نتائج حاسمة، وهو موضوع طريف يحسن الاهتمام به ودراسته معمليًّا حتى يمكننا أن نعرف الكثير عن علوم قدماء المصريين، ومدى تقدمهم في الكيميا، والمواد التي استعملوها، ومواطن استخراجها وغير ذلك، وسنلخص هنا ما وصلت إليه الدراسة العلمية على هذه المواد.

(١) الجير الحي

يقول جرانفيل:١ إن الجير الحي قد استعمل كوسيلة؛ لتجفيف الأجسام، وأنه قد أمكن اختباره في بعض الموميات بنسبة قليلة، ولكن هذا لا يقوم دليلًا قاطعًا على أن المصريين قد استعملوه؛ إذ ربما تكون آثار الجير التي اختبرها جرانفيل مصدرها النطرون الخام المصري الذي استعمل دائمًا في التحنيط.

وقد كشف الدكتور بول هاش كربونات الجير بنسبة ٨٫٦٪ في مومياء من الأسرة ١٢ وقال بأن المصريين قد استعملوه على هيئة الجير الحي، وثنى على نتائجه الدكتور مرجريت موري.

ولكن لوكاس وهو حجة في هذا الموضوع يقول: إنه ليس هناك من النتائج الكيماوية القاطعة ما يمكن أخذه لإثبات أنهم استعملوا الجير، بل النتائج التي أمكن استخلاصها من الموميات مصدرها أغلب ما يكون هو النطرون.

(٢) الملح أو كلورور الصوديوم

من المقطوع به أن الملح قد استعمل منذ أقدم العصور في تحضير الأسماك المحفوظة المملحة، وكان استعماله في هذه الحالة كحافظ وعامل مجفف، والمعروف أن الملح لم يستعمل كما هو في التحنيط قبل العصر القبطي وكل الآثار التي أمكن اختبارها في الموميات من كلورور الصوديوم مصدرها النطرون.

ومع ذلك فإن شمدت٢ يؤكد أن الملح هو الذي استعمل وليس النطرون، ويؤكد ألبوت سميث في أنه لا شك أن الأجسام والأحشاء كانت تنقع في محلول الملح المركز، ويقول إليوت سميث ووارن داوسون: إن الملح قد استعمل كمادة هامة في التحنيط في جميع العصور، ويؤكد داوسون أيضًا أن حمامات الملح الخام هي التي استعملت، وليس النطرون.

ولكن لوكاس يقول العكس إذ قد حلَّل عينات كثيرة من النطرون الحديث والنطرون القديم الخام، ووجد أن نسبة الملح تتفاوت فيها بين ٥٧–٢٪.

ويمكن تلخيص الحقائق الخاصة بكلورور الصوديوم فيما يلي:
  • (١)

    في مومياء من الأسرة ١٢ كشف هاس أن نسبة الملح هي ٤٫٨٪، وفي مومياء أخرى بنسبة ٠٫٦٪، ويعلل لوكاس ذلك باختلاف أنواع النطرون ومصادره.

  • (٢)
    وجد على جلد كتفي مومياء توت عنخ آمون بعض بلورات من الملح، وبعض مجموعات من هذه البللورات داخل التابوت الذهبي عند نهاية الرأس،٣ وهذه الكميات قليلة جدًّا لا تقطع باستعمال الملح، ولا تقطع بأنها ناتجة عن استعمال النطرون أيضًا، بل هي ناتجة من الماء المستعمل للغسل، وربما كان ناتجًا عن بعض المياه المقدسة المستعملة، أو من مياه الآبار التي كانت في المعابد.
  • (٣)

    يقول إليوت سميث: إن مومياء منفتاح من الأسرة ١٩ مغطاة بطبقة من الملح، وكان لوكاس قد اختبر هذه الجثة كيماويًّا، ولم يجد إلا كميات قليلة من الملح ربما كانت ناتجة عن النطرون.

  • (٤)

    اختبر شمدت جثة من الأسرة ١٧ ووجد أن كمية الملح فيها لا تزيد عن النسبة الموجودة في جسم الإنسان.

  • (٥)

    في بعض عينات الراتنج التي حللها لوكاس وجد أنها تحتوي على آثار من الملح ربما كانت ناتجة عن ماء الغسل.

  • (٦)

    في موميات العصر القبطي ارتفعت نسبة الملح بدرجة قد تكون دليلًا على استعماله في التحنيط في ذلك العصر.

  • (٧)

    يقول لوكاس: إنه لا يمكن الكشف في بقايا التحنيط التي عُثر عليها من عصور التاريخ المختلفة عن الملح كمادة للتحنيط، وإنما كأحد مركبات النطرون الخام.

(٣) النطرون

مركب ملحي استعمله المصريون القدماء بكثرة، وجاء ذكره في كثير من نصوصهم وبردياتهم، وقد استخرجوه من وادي النطرون وهذه المادة تحتوي كيماويًّا، وبنسب متفاوتة، على كربونات وبيكربونات الصوديوم، وكلورور الصوديوم، وسلفات الصوديوم، وماء، ومواد غير قابلة للذوبان كما هو مبين في الجدول الآتي:

نتائج تحاليل بعض عينات النطرون
التركيب الكيماوي عينات من وادي النطرون عينات من المقابر
رقم١ رقم٢ رقم٣ رقم٤ رقم٥ رقم١ رقم٢ رقم٣
كربونات الصوديوم ٣٨٫٢ ٤٣٫٥ ٧٥ ٦٧٫٨ ٢٢٫٤ ٣٦٫٩ ١٦٫١ ٧٣٫٨
بيكربونات الصوديوم ٣٢٫٤ ٢٥٫٨ ٥ ٢٥٫٢ ٦٫٢ ٨٫٣ ١٠٫٧ ٧٣٫٨
كلورور الصوديوم ٦٫٧ ١٤ ٩٫٤ ٢٠٫٨ ٢٦٫٤ ٩٫٩ ٢٥٫٢ ١٣٫٠
كبريتات الصوديوم ٢٫٣ ٣ ١٫٢ ٦٫١ ٣٩٫٣ ٣٣٫٩ ٢٧٫٨ ١٣٫٢
ماء ١٦٫٥ ١٥٫٧ ٣٫٧ ١١٫٦ ٥٫٦ ٥٫٦ ٨٫٧
مواد غير قابلة للذوبان ٣٫٩ ٨ ٥٧ ٢٫٩ ‫—٠٫‬‎ ٥٫٤ ١١٫٥
١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠
وقد عثرنا على النطرون في مخلفات قدماء المصريين في الحالات الآتية:
  • (١)

    في أوانٍ مختلفة في المقابر من عصور مختلفة، وفي آنية من بين ٥٢ في مقبرة من الأسرة ١٢ مخلوط من النطرون والنشارة.

  • (٢)

    في آنية من الأسرة ١٨ مخلوط من الراتنج والنطرون والنشارة.

  • (٣)

    في آنية من مقبرة توت عنخ آمون.

  • (٤)

    في مقابر الأسرة ١٨.

  • (٥)

    في مقابر الأسرة ١٩ في الرمسيوم.

  • (٦)

    في أكياس في مقابر الأسرة ١٨.

  • (٧)

    مدفون في حفر في بعض المقابر مع بعض فضلات التحنيط.

  • (٨)

    في عينة من آنية من حفائر تونا الجبل، وقد قمت بتحليلها، وهي مخلوط من الرمل والنطرون.

  • (٩)

    في أكياس في مقبرة توت عنخ آمون.

  • (١٠)
    وجد نافيل٤ في مقابر الدير البحري أوانٍ تحتوي على النطرون.
  • (١١)

    وجد ونلوك في مقابر طيبة من الأسرة ١١ بعض ترابيزات، وأدوات التحنيط الخشبية، ووجدها مغطاة بطبقة من بقايا مواد التحنيط، ثبت بالتحليل أنها تحتوي على النطرون والراتنج.

  • (١٢)

    وجدت قطع من النطرون بعضها يشبه الكرات في جثة موميا، من الدولة القديمة في فراغ الصدر.

  • (١٣)
    اللفائف من الأسرتين ١٩ و٢٠ مشبعة بالنطرون.٥
  • (١٤)

    مخلوط مع مواد دهنية على بعض الموميات مثل مومياء تحتمس الثالث، ومرنبتاح.

  • (١٥)
    وجده برانتون٦ على شكل محلول في إناء جنائزي من المرمر في مقبرة من الأسرة ١٢ من اللاهون وقد حللها لوكاس.
  • (١٦)
    وجده ريزنر في مقابر الأسرة الرابعة٧ على شكل محلول أيضًا، وهذا مما يدل على أن النطرون لم يستعمل جافًّا فقط، بل قد استعمل أحيانًا على شكل محلول، وقد حلل لوكاس هذه المحاليل، ووجد أنها تحتوي على ٣٪ من النطرون.

ويمكن القول: إن النطرون قد استعمل في التحنيط منذ الأسرة الرابعة حتى القرن الخامس قبل الميلاد كما يقول هيرودوتس، وقد كان السبب في أفضلية النطرون على الملح في التحنيط أنه كان من أهم مواد التطهير عند قدماء المصريين كما ذُكر ذلك في نصوص الأهرام، وأنه سهل الحصول عليه، وأنه من المواد المستعملة للتنظيف؛ لما لاحظوه من قوة التصبين؛ لما يحتويه من الكربونات والبيكربونات.

كيف استعملوا النطرون؟

اختلف العلماء ورجال الآثار على الطريقة التي استعمل فيها النطرون أثناء عملية التحنيط، وخصوصًا بعد أن عثرنا على النطرون في هيئة مسحوق وفي محلول، كما ذكرنا.

وكان هناك رأيان يناصر كل منهما نخبة من العلماء لهم مكانتهم، ولهم أبحاثهم في هذا الموضوع.
  • الرأي الأول: استعمال حمامات النطرون.
  • الرأي الثاني: استعمال النطرون الخام الجاف.
وقد اشتغل على هذا الموضوع Rettigrew ووارن داوسون، وإليوت سميث، وراول Raûlle، وولكنسون، وسير روفر، ولوكاس وغيرهم، ومنهم من ناصر نظرية استعمال النطرون، ومنهم من ناصر الثانية.

وفي الحق أن هذا الموضوع لا يزال في حاجة شديدة إلى دراسة عملية علمية منظمة، لا يمكن أن تتوفر لإنسان إلا في كلية الطب المصرية، وبمساعدة المسئولين فيها، وعلى جثث الأطفال حديثي الولادة، أو الأجسام التي تُجرى عليها تجارب التشريح، وأرجو أن يوفَّق رجال كلية الطب إلى العمل على إخراج هذه الدراسة والبحث إلى حيز الفعل.

واهتم كثير من العلماء بما جاء عن هيرودوتس وديودور في هذا الموضوع، فقد استعمل هذان المؤرخان كلمة Tarixeuouci اليونانية التي هي فعل ومعناها أصلًا في اللغة اليونانية: «حفظ السمك بالملح»، وخصص هذان المؤرخان تلك الكلمة بالكلمة التي تبعتها Litrw التي معناها النطرون، فكأن هيرودوتس وديودور قد استعملا هنا الكلمة الأولى مجازًا فقط؛ لتحنيط الأجسام البشرية، ثم خصصاها بعد ذلك بالنطرون بدل الملح؛ إذ لو تركاها وحدها لفُهم منها أن عملية تحنيط الأجسام البشرية تشبه تمامًا عملية حفظ الأسماك، بما في ذلك المادة المستعملة.

ولما كنا نعرف جميعًا أن المصريين قد حفظوا الأسماك والبطارخ، وتفنَّنوا في ذلك كما تدلُّنا رسومهم الكثيرة، وأنهم حفظوا هذه الأسماك بالملح الجاف، وبنفس الطريقة التي يستعملها المصريون الآن لتحضير «الملوحة والفسيخ والسردين»، وعلى هذا القياس يقصد هيرودوتس وديودور أن تحنيط الأجسام البشرية بالنطرون الجاف.

وكذلك استعمل أثينايوس Athenaeus وهو مواطن مصري من نوقراطس عاش في القرن الثاني ق.م. نفس الكلمة اليونانية لتمليح الأسماك.

وقد أَخَذَ لوكاس هذا الموضوع أَخْذَ عالم مقتدر، وأجرى عليه أبحاثًا معملية مستعملًا في ذلك الطيور وأفراخها، بعد أن انتزع ريشها، وأجرى تجاربه هذه على محلول النطرون المختلف النسب، ومسحوق النطرون الخام، وكان يغمر هذه الطيور في مسحوق النطرون، أو في محلوله لمدة ٤٠ يومًا، وكانت النتائج حسنة جدًّا في حالة استعمال مسحوق النطرون، كما أمكنه أن يعطينا النتائج الآتية:

  • (١)

    رغم المدة الطويلة التي مكثتها أجسام الطيور في النطرون لم يمكنه اختباره في أنسجتها، أو أمكن اختباره بنسبة ضئيلة جدًّا، وذلك لما يحتويه الجسم، وما يتولد منه من أحماض حيوانية ودهنية، تتفاعل مع مركبات النطرون.

  • (٢)

    أن كلورور الصوديوم أمكن اختياره في أنسجتها بنسبة تعطينا فكرة على أنه ناتج من استعمال النطرون.

  • (٣)

    أن السطح الخارجي للأجسام المحفوظة في محاليل النطرون أصبحت مخاطية لَزِجَة، يصعب مسكها حتى بعد غسلها، وأن البشرة الخارجية قد تآكلت، وهذا يخالف ما لدينا من مستندات مصرية قديمة بأن البشرة يحتفظ بها المصريون بعد قشرها ولفها.

  • (٤)

    أن الأجسام المحفوظة في مسحوق النطرون أحسن مظهرًا وحالًا من الأجسام المحفوظة في محاليله.

ومن ذلك يرجِّح لوكاس استعمال مسحوق النطرون، ولا يقطع بذلك، والموضوع كما ذكرت قيم شيق، ويحتاج إلى دراسة معملية منظمة؟

(٤) شمع العسل

العسل والشمع قديمان في مصر، أرجو أن أوفق لأحاضر فيها، واستُعمِل الشمع في عملية التحنيط؛ لتغطية الآذان والأعين، والأنف والفم، وقطع التحنيط، وإجمالًا في جميع فتحات الجسم، وخصوصًا التناسلية عند المرأة.

وقد اشترك لوكاس ودري في الكشف عنه عند فحص مومياء سيدة، وجدها ونلوك في حفائر الدير البحري من الأسرة الحادية عشرة.

(٥) القطران، أو القار النباتي، أو الزفت النباتي

قد عرف اليونانُ القطرانَ أيامَ ثيوفراست في القرن الرابع ق.م.، وأيام ديستوريدس في القرن الأول ب.م.، وعند الرومان أيام بليني في القرن الأول بعد الميلاد، وقد سماه بالزفت السائل.

وقد وجد رويتر٨ القطران من أيام قدماء المصريين في حالتين إحداهما فوق مومياء أيبيس، والثانية مختلطًا مع مادة راتنجية في آنية جنائزية.
وقد حقق روفر٩ عينة من زفت خشب السيدار من الأسرة ١٢، ولكن لوكاس قرر أيضًا بعد تحليلها أنها زفت نباتي من العائلة الصنوبرية.

وكذلك قد حلَّلَ لوكاس عيناتٍ كثيرةً من محتويات الجماجم وبقايا الموميات من عصور البطالسة، ووجد بها القطران.

وجميع أنواع الزفت النباتي التي أمكن تحقيقها مصدرها العائلة الصنوبرية، مما قد يقوم دليلًا على استيراده من الخارج؛ لأن نباتات هذه العائلة لم تكن تنمو بمصر.

(٦) التوابل، أو المساحيق العطرية

قد أشار إليها هيرودوتس وديودور، ولكن لم يقم كثير بتحقيق أنواعها التي استعملت، مع أن لوكاس قد حقَّق بعضًا منها مثل: القرفة والسليخة، وهذه الأخيرة قد أشير إليها في التوراة، واستعملها اليهود بعد خروجهم من مصر بين وصفاتهم المقدسة.

ونوعا القرفة: وهما القرفة الدارصيني وقرفة سيلان، من عائلة واحدة، وأول ما أشير إليهما وخصوصًا الدارصيني في بردية هاريس من الأسرة ٢٠ والقرفة عامة من الأسرة الثامنة عشرة والأسرة التاسعة عشرة، حيث ذكر أنها استجلبت من بلاد بونت.

وقد عُرِف النوعان جيدًا أيام اليونان، وذكرهما هيرودوتس، وثيوفراست، وديسقوريوس، وبليني، وذكر الأخير أن نبات القرفة ينمو في بلاد إثيوبيا.

ولم نعرف من مستندات قدماء المصريين كيف استعملوا القرفة، ولكن من الدراسة المقارنة ومما جاء عنهما في التوراة عند اليهود يمكن أن يعطينا فكرة عن استعمالهما كمواد للتطهير أو للبخور، كما ذكر هيرودوتس وديودور أن القرفة قد استعملت في التحنيط.

وهذا الموضوع أيضًا ناحية تحتاج إلى دراسة علمية ميكروسكوبية؛ لتجلو ما غمض عنه؛ إذ كل ما جاء عن علماء المصرولوجيا هو ما قاله أسبورن:١٠ على أن مومياء من الأسرة ١٢ كانت مغطاة بطبقة من التوابل ربما تكون من القرفة، وما قاله بيتجرو: إن فراغ جسم موميا كان ملآنًا بالتوابل بينها القرفة.

(٧) الزفت المعدني، الأسفلت، القار المعدني

من دراسة ما جاء عن تاريخ التحنيط يمكننا أن نقطع أن الزفت المعدني قد استعمله قدماء المصريين في التحنيط، فقد ذكر ديودور وسترابو عند الكلام عن البحر الميت أن الزفت المتحصل منه يستعمله المصريون في التحنيط، ولو أن ديودور لم يذكر تفصيلًا عند الكلام عن التحنيط.

ولكن لوكاس يقول: إن القار المعدني لم يستعمل في التحنيط قبل العصور اليونانية الرومانية، وكذلك يقول روفر.١١

والأدلة على ذلك:

  • أولًا: حلل رويتر ٦ عينات من موميات مصرية قديمة، وجد فيها الزفت المعدني، وهذه الموميات يرجع تاريخ واحدة منها إلى عصر الأسرة ٣٠، واثنين لم يمكن معرفة عصرهما، وواحدة من مومياء أيبيس، وواحدة من مومياء طائر مجهول العصر، وواحدة من آنية فخارية.

    والأولى كما ذكرنا من عصر متأخر، واستند في نتائجه جميعها إلى الاختبارات الكيماوية.

  • ثانيًا: اختبر سبيلمان بعض العينات تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية، وهذه هي أحدث الطرق لاختبار القار المعدني.
    وكذلك اختبرها بطريقة التحليل الطيفي Spectroscopy وهي أحدث الطرق لاختبار الراتنجات.

    ورغم أن النتائج التي حصل عليها لم تكن قاطعة تمامًا من حيث التحليل الطيفي؛ إذ وجد أن المواد تحت الاختبار تشغل مكانًا بين الزفت والراتنج، ثم أعاد تحليلها فوجد أنها تعطينا أطيافًا لعناصر الفاناديوم، والنيكل، والموليبيديوم، وهذه جميعها يحتويها القار المعدني، ولا يحتويها الراتنجات.

  • ثالثًا: بعض نتائج لوكاس إيجابية لهذه المادة.
  • رابعًا: يوجد في متحف معهد الآثار المصرية قطعتان [كما بالرسم آخر الكتاب]، وجدت في حفائر تونا الجبل يملآن فراغ جماجم بشرية، وقد أخذ كل منهما شكل المخ البشري تمامًا، وتقاطيع الجمجمة من الداخل.

وقد قمت باختبار واحدة منهما، وهي قارية اللون من الداخل، رمادية بُنِّيَّة من الظاهر، ويعتبر شكلها من الخارج تحفة تشريحية، أو هي نموذج للمخ.

واللون الرمادي البُنِّيُّ الظاهري ناتج من التصاق بعض الأغشية المُخِّيَّة، والأنسجة التي تبقَّت داخل الجمجمة بعد إخلائها، يثبت ذلك الرائحة الحيوانية المتميَّزة عند حرق جزء منها.

ومادة الحشو جميعها متماسكة كتلة واحدة غير سهلة الكسر.

لا تذوب في الماء، قليلة الذوبان في الكحول، أكثر ذوبانًا في الأثير، سريعة الذوبان في الكلورفورم، مكونة فوق سطح المحلول غشاء شبيهًا بالدهني.

وعندما تنصهر المادة يتصاعد منها أبخرة سمراء، تتكثَّف على جدران الأنبوبة على شكل مادة زيتيَّة، ورائحة هذه الأبخرة كريهة نوعًا، وتشبه كثيرًا رائحة الأسفلت تحت هذه الظروف، والأبخرة المتصاعدة تلتهب في لهب مدخن.

وبالتسخين على طرف سكين تسيل أولًا، ثم تحترق في لهب أسود ذي رائحة أسفلتية تمامًا، تاركًا بقايا متفحمة.

وقطَّرت جزءًا مع المادة مع استلام الأبخرة المتصاعدة منها، وتكثيفها داخل أنبوبة اختبار تحتوي ماء مقطرًا، وحلَّلتُ المحلول الناتج فلم أجد به أيَّ مادة من عناصر القار النباتي.

وبتسخين المادة مع حامض الكبريتيك المركز، واختبار الأبخرة المتصاعدة، أمكن اختبار حامض الكبريتور؛ أي إنه يحتوي على كبريت.

واستخلصت هذه المادة بالكلوروفورم، ثم أضفت إليها الماء، وفصلت الطبقة الكلورفورمية، وبخرت الكلورفورم، فحصلت على مادة تشبه تمامًا مادة الأسفلت في خواصها الطبيعية وفي طراوتها، بحيث لا يمكن تمييزها عنها، وهي تحتفظ بطراوة الأسفلت زمنًا طويلًا، رغم استخلاصها من مادة جافة سهلة السحق.

ويُظنُّ أن عوامل الطبيعة والزمن هي التي أكسبت المادة نتيجة تفاعلات كيماوية، تلك الطبيعة الجافة التي نلْمَسُها في ذلك الحشو.

وبما أن هاتين القطعتين يرجع تاريخهما إلى عهد البطالسة، وبما أن العلماء والمؤرخين قد أجمعوا على أن القار المعدني استعمل في هذا العصر، وبمساعدة الاختبارات الكيماوية السابقة، يمكن أن نقطع بأن هذه المادة من القار المعدني.

(٨) الزيوت الصنوبرية

العلاقة الوثيقة بين مصر والأقطار الشقيقة منذ أقدم الأزمان تقطع بوجود صلات تجارية بينها، ومن بين مواد التجارة أخشاب الصنوبر ومنتجاتها.

وقد ورد عن هيرودوتس، وديودور استعمال زيت السيدار Cedar oil في التحنيط، ويقول بعض العلماء: إنه من المحتمل أن يكون ما ذكره هيرودوتس ليس هو زيت السيدار، وإنما هو أحد حاصلات الأشجار الصنوبرية.

وهذا الموضوع يحتاج إلى بحث علمي مرتب طويل لتجربة زيوت العائلة الصنوبرية في التحنيط كما ورد.

(٩) الحناء: Lausonia Alba. Lausonia Inermis

استعملت الحناء في عصور التاريخ كثيرًا، وقد استعمل المصريون أوراقها وزهورها في مستحضرات الزينة، والعطور، وفي صباغة الشعر، والأيدي والأقدام، وهذه أقدم فكرة للمانيكور.

وقد وجدنا كثيرًا من الموميات اصطبغت أيديها وأرجلها بلون الحناء الأحمر.

وأرجو أن تتاح لي الفرصة لأكتب لكم عن الحناء؛ فهو موضوع تاريخي طريف.

(١٠) العرعر Juneperous species

أول ما عُثر على حبة من عنيبات هذا النبات من عصور ما قبل التاريخ،١٢ وعثر شيباريللي١٣ على ثمار هذا النبات في مقابر الأسرة ١٨.

وحقق لوكاس كثيرًا منها في مقابر توت عنخ آمون؛ حيث وجدت أربع سلال ملآنة بها، اثنتان منها ثمارها أكبر حجمًا من الأخرى.

وذكر لوريه١٤ بعض عنيبات منها من مقابر طيبة.
وحقق نيوبري كثيرًا من غصينات هذا النبات twigs علقت بها حباتها من مومياء تمساح عثر عليها بيتري في هوارة.

وقد وجد إليوت سميث في حفائر النوبة من العصر الخامس بعد الميلاد أن الموميات محشوة بكمية كبيرة من مخلوط الملح وثمار العرعر، وكذلك أن مومياء قبطية من ذلك العصر في نجع الدير محشوة بهذا المخلوط أيضًا.

ويقول ونلوك: إنه وجد في مقبرة في طيبة من العصر القبطي أن الجسم قد طرح فوق مخلوط من الملح، وقد نثرت ثمار العرعر بين الساقين وعلى الجسم.

ويوجد في المتحف ثمار وبذور العرعر من الأسرة ٢٠ من الدير البحري، وربما كان استعمال هذه الثمار لعاملَين:
  • (١)

    أنها ضمن مواد التحنيط اللازمة للرائحة والتعطير.

  • (٢)

    أنها لعبت دورًا في العقائد الجنائزية.

ويقول لوكاس: إن زيت السيدار — الذي ورد ذكره — ربما كان من ثمار هذا النبات بنقعها، أو استخلاصها؟

وهذا النبات لا ينمو في مصر الآن، ولكن لوجود ثماره بكثرة في الموميات؛ يظن بعض العلماء أنه قد استجلب إلى مصر، وتأقلم فيها فترة من الزمن.

(١١) الشيبة: Parmelia furfuraceae

هي من فصيلة الحزاز Lichens وقد وجدت موميات كثيرة محشوَّة بهذا النبات، وموضوعها يحتاج إلى دراسة علمية كبيرة.

(١٢) نبيذ النخيل

المصريون أول من اكتشف الاختمار الكحولي، رغم أنه ذُكر أيام نوح عليه السلام، وأنه أول من صنع الخمر.

وقد حضَّر المصريون الجعة، والنبيذ من ثمار النخيل، ويقول هيرودوتس وديودور: إنهم استعملوا هذا النبيذ في غسيل الأجسام أثناء عملية التحنيط، وغسيل الأحشاء أيضًا، وهذا وضع معقول ومقبول.

ولكن لسوء الحظ إننا لا يمكن أن نختبر آثار الكحول في موميات مضى عليها آلاف السنين.

ومن المعقول أيضًا أن النبيذ قد استعمل كسواغ لإذابة بعض المواد المستعملة في التحنيط مثل الراتنجات التي وجدت بعض اللفائف مشبعة بها.

(١٣) الراتنجات Resins

موضوع الراتنجات عند قدماء المصريين كبير هام، يحتاج إلى محاضرات كثيرة؛ إذ قد استعملت هذه المواد في أغراض كثيرة أهمها:
  • (١)

    التحنيط.

  • (٢)

    بعض الحُلِيِّ صنع المصريون حبَّاتِها من الراتنج.

  • (٣)
    استعمل كدهان Varnish.
  • (٤)
    استعمل كمادة لاصقة، وفي لفائف، وهذه أوحت إلى استعمال الراتنجات في طب العظام والجراحة وصنعوا منها حديثًا مستحضرًا اسمه ماستيوسول Mastisol وتركيبه كالآتي:
مستكة ٢٠٠
قلفونيا ١٠٠
زيت تربنتينا ٧٠
زيت بذر كتان ٥
بنزول نقي ٥٠٠

وسنقصر الكلام هنا على الراتنجات التي استعملت في التحنيط.

ولم يدرس العلماء هذه المادة إلا منذ عهد قريب جدًّا، وأهم المراجع في هذا الباب ما كتبه لوريه، وفلورنس١٥ بلندن، وتحاليل الدكتور لويس رويتر١٦، وتحاليل هولمز١٧ التي نُشرت في مجلة الصيدلة البريطانية عام ١٨٨٨م.
ثم أبحاث لوكاس.١٨

وقد قال فلورنس: إن الراتنجات المستعملة من مصدر صنوبري.

وقال رويز: إنه وجد الميعة Styrax وAleppo Resin والمستكة Hastic وراتنج السيدار بين بعض الراتنجات.
وفي بعض تجاربه الأخرى وجد بعض الراتنجات الصمغية مثل بلسم مكا Mecca Balsam.
والمر، والصبر، وراتنج Pisticia Terebinthus وراتنج السيدار، وقد أرسل لي حضرة الأستاذ عبد الرءوف طنطاوي مدير قسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعي عينة من الراتنج، ثبت أنها المستكة.
١  Pettigrew: a History of Egyptian Mumuies P. 62.
٢  W. A. Schmidt: Uber Mumien fets auren chemiker Zeitung 1908, No 65.
٣  D. E. Derry: Appendix I, the tomb of Tut Ankh Amun. Howarda Carter, II, p. 152.
٤  Naville: the Temple of Dier el Bahari II 1896, p 16.
٥  Lucas: preservative Materials used By the ancient Egyptians in Embalming 99. 13.
٦  Brunton: Lahun I, 1920 p. 20.
٧  Reisner: Bull: Museum: of fine arts, Boston XXVI, 1928, p 81.
٨  L. Reuter: De L’embaumement avant et apres Jesus-Christ pp. 56.
٩  Lucas: ancient Egyptian Materials P. 362.
١٠  Osburn: An account of an Egyptian Mummy Presented to the Museum of the Leeds Philosophical & Literery Society 1828, p. 6.
١١  M. A. Ruffer: Histological studies of Egyptian Mummies in Mem: de L’inst Egyptian VI fasc. III. 1911, p.6.
١٢  G. Brunton: Mostagadda p. 91.
١٣  E. Schiaparelli: La Tomba della Archetette cha p. 164, f. 149.
١٤  V. Loret: La Flora pharaonique 2nd Ed. p. 41.
١٥  Lortet & Gaillard: La faune Momm fiée de L ancient Egypte I, (1905) pp. 329–21.
١٦  Lucas: Ancient Egyptian Materials & endustreis 3 nd ed 1949 p. 349.
١٧  E. M. Holmes: Pharmaceutical Journal. XIX (280–9) pp. 387–9.
١٨  Lucas: Preservative Materiels used by the Anciet Egyption in Em balmig 1911.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤