الفصل السادس

العولمة والصراع الثقافي

يتناول هذا الفصل دعاوى أن جوانب العولمة تُولِّد أشكالًا من الصراع الثقافي، وسنبدأ بفحص أعمال كُتَّاب بارزِين ممن عقدوا هذه الصلة وبخاصة «بنجامين باربر Benjamin Barber»، و«صمويل هنتجتون Samuel Huntington»، و«ماثيو هورسمان Mathew Horsman»، و«أندرو مارشال Andrew Marshall» وفي القسم الثاني نستكشف الأساليب التي يمكن أن تسهم بها العولمة والعمليات الاجتماعية – الثقافية والاقتصادية، في الصراع الثقافي في العالم المعاصر؛ بينما يتناول القسم الثالث العلاقة المتبادَلة بين العولمة والإرهاب العالمي والأصولية الإسلامية، مع التركيز بشكل أساسي على ظاهرة «القاعدة»؛ واتساقًا مع التأكيد العام على التعقد الثقافي والتعددية والثقافة بوصفها عملية مستمرة أكثر منها كيانًا محددًا، سوف نعرض لكثير من الصلات المعقودة بين العولمة والصراع الثقافي.

(١) العولمة والصراع الثقافي

(١-١) العولمة: هل هو الجهاد في مواجهة «عالم ماك»؟

في كتابه «الجهاد في مواجهة عالم ماك Jihad vs. McWorld» (١٩٩٦) يدرس بنجامين باربر عالَمَين متصارِعَين بالنسبة للبشرية: عالَم الجهاد وعالَم ماك، الجهاد ينطوي على عملية إعادة القبلية للعالم، وبعبارة أخرى يصبح عَالمًا تسوده زيادة مفرطة في الأصوليات والقوميات العرقية التي هي نقيض حقوق الإنسان والديمقراطية والحوار المفتوح؛ ويطلق «باربر» على ذلك مصطلح «لبننة العالم» بمعنى أن تصبح هناك حالة في داخل الدول القومية: «الثقافة فيها ضد الثقافة وأناس ضد أناس وقبيلة ضد قبيلة» (Barber, 2000: 23). وتكون القومية العرقية في كل مكان: «القوى التي أعتبرها والجهاد شيئًا واحدًا تحاول أن تعرف ما إذا كان يمكن أن تكون هناك صربيا أخرى … فلاندرز أخرى … قطالونيا أخرى …» (١٩٦٦م، ١٦٤) المُضِيُّ على هذا المسار سوف يقضي على كل أشكال التعاون الاجتماعي ويدمر كل المشاعر والعواطف المتبادلة. المستقبل الآخر، عالم ماك، يقوم على شبكات كونية من الرأسمالية الاستهلاكية، عالم تقوده تكنولوجيات الاتصالات والثقافة الشعبية والنزعة التجارية التي تضم لاعبين رئيسيين؛ مثل شبكة CNN و«ديزني»، و«ماكنتوش»، حيث التأكيد على الوجبات السريعة والكمبيوترات السريعة … ويمكن أن نقول الحياة السريعة بوجه عام. لقد رأينا في الفصول السابقة أن أشكال التجانس الثقافي وصور التقارب المختلفة التي يقترحها عالم ماك كانت كذلك محل اهتمام كُتَّاب آخرين.
بعض المعلقين يلاحظون ذلك التشابه بين مولات التسوق والمساحات المخصصة لأغراض معينة في ظاهرة أصبحت تُعْرَف ﺑ «نمط ديزني» لتسلية العملاء والترفيه عنهم (Ritzer and Liska, 1977). وبالمثل فإن تليفزيوناتنا هي الوسيط الذي نتسلَّى عن طريقه، كما أنها وسيلة نواصل التسوق من خلالها، وهذا واضح في زيادة عدد القنوات المخصصة لذلك، كما أننا مواجهون دائمًا بمطاعم الوجبات السريعة التي يعلن عنها قبل بدء عرض الأفلام السينمائية، ومجمعات السينما التي أصبحت تضم كذلك قاعات ومنافذ لبيع الوجبات السريعة.
نتيجة لهذا التسليع الواسع الانتشار، يصبح العالم مجرد «تجربة تسلية وتسوق» ضخمة، يتحول البشر أثناءها وتتغير أساليب حياتهم، والواقع أن التسوق أصبح شكلًا من أشكال التعبير الشخصي والاسترخاء وربما يكون أهم جزء في العطلات والإجازات. وكما يشير كل من «ريتزر Ritzer»، و«ليزكا Liska» فإن «الكنديين الذين يذهبون الآن إلى «مول وست إدمنتون» أكثر ممن يذهبون إلى شلالات نياجرا» (١٩٩٧م، ١٠٣)، هذا السلوك في رأي «باربر» يعتبر نقيضًا للديمقراطية، حيث إن طاقتنا هنا تكون مُكرَّسة لأنماط فردية من الاستهلاك؛ ولذلك نجده يقدم رؤيتين متنافرتين للعالم: واحدة تدعم فكرة التجانس الثقافي والثانية تسير ضدها مباشرة، «الكوكب يتداعى … ويلتئم على كره في اللحظة ذاتها» (٢٠٠٠م، ٢٣) ويتوقع صراعًا مستمرًّا بين هاتين القوتين، والقوتان بالنسبة له تفعلان الكثير لتشكيل حقبة العولمة … وتضران بالديمقراطية. وهكذا يكون الجهاد وعالَم ماك موجودين جنبًا إلى جنب في علاقة جدلية تنتج كل ما هو شاذ وعبثي: الحكومة الفرنسية — مثلًا — لا تتوقف عن الاحتجاج وتُحاوِل أن تَحمي نفسها من «الأمركة»، وعلى الرغم من ذلك تقوم بتمويل إنشاء «يورو ديزني» على أطراف باريس.

على أن طرح «باربر» إشكالي لعدة أسباب؛ فهو يرى أن العولمة رأسمالية استهلاكية كونية وعالم ماك، بينما هناك في الحقيقة قوى مختلفة تسهم في شكلها المعاصر بما في ذلك الإسلام المعولم الذي ليس له صلة كبيرة بالرأسمالية الاستهلاكية. في هذا السياق فإن «باربر» يهمل كذلك التنويعات الموجودة من الرأسمالية، مفترِضًا وجود شكل استهلاكي واحد سائد. كما أنه لا يتساءَل عن مدى عمق حاجتنا للتسوق والاستهلاك؛ وبينما التسوق تجربة ذات معنى، وبينما أصبح أسلوب حياة بالنسبة للبعض فإن كثيرين لا يصلون إلى درجة التشبع ويسعون وراء المزيد، تمامًا مثل تنامي الاهتمام بالأديان والروحانيات بشكل عام. أما بالنسبة لطرح «باربر» عن «لبننة الدولة-الأمة، باعتبار ذلك مستقبلا سياسيًّا محتمَلًا»، فهو طرح غير دقيق؛ حيث إن تلك القوى كانت موجودة دائمًا وكانت تطفو على السطح من وقت لآخر حسب كل حالة. الباسكيون، والقطالونيون، والفلمنكيون، والكويبكيون، والولونيون، كلهم لهم تاريخ طويل من محاولات الحصول على الحكم الذاتي من دولهم. مثل هذه اللبننة أو القومية العرقية هي بالتالي ظاهرة في حد ذاتها، ووجودها لا يتطلب علاقة جدلية بقوى عالم ماك.

(١-٢) عولمة وقبلية؟

بينما يعين «باربر» توجُّهات متعارضة ومتناقضة، فإن «ماثيو هورسمان Mathew Horseman»، و«أندرو مارشال Andrew Marshall» في كتابهما: After the Nation-State: Citizens, Tribalism, and the New World Disordes Order (1995) يحاولان أن يَربطَا بينها، باعتبار العولمة تسهم في أشكال من القبلية، ويجادلان بأن الأفراد يَأوُون إلى مجتمعات يميزها «تشابه الأديان والثقافة والعرقية أو تجارب مشتركة أخرى»، من أجل الاطمئنان والحماية، كنتيجة للخوف والارتباك الذي تُولِّده العمليات المعاصرة وخاصة العولمة (1995: X).

هذه القبلية واضحة بالنسبة ﻟ «هورسمان»، و«مارشال»، في عودة نشاط الهُويَّات العرقية والقومية في شكل الإقصاء والتمييز، وهو ما يتم ضد الأقليات وجماعات الهجرة، وفي نشاط الحركات الانفصالية أو الاستقلالية وصعود الأصولية الدينية. سوف نعرض للعولمة والعمليات المتعلقة بها في القسم التالي، ولكن لا بد من الإشارة — مؤقتًا — إلى أن من الانتقادات المُوجَّهة لارتباطها بالصراع الثقافي، ما يُعْتَبر عوامل شارحة لخلفيتها، والتركيز عليها ربما يشجع التحليلات التي تظل عامة ومُجرَّدة. هذه الانتقادات تفترض أيضًا أن العولمة والعمليات المرتبطة بها تعمل بنظام خاص عندما يكون من المُحتمَل أن تعمل بِطُرق جديدة ومتناقضة في أي لحظة. والحقيقة أنه سوف تكون هناك عدة أسباب أمام الناس الذين يلجئون إلى أنماط قَبَلية في السلوك، ولكنها سوف تكون مُتوقِّفة على أُطر وظروف محلية خاصة. يضاف إلى ذلك أننا حتى إذا أبقينا استقصاءنا عند مستوى التفسير العام، فهناك عدد من التطورات الحديثة يسهم في هذه الظاهرة مثل انتهاء الحرب الباردة، ودخول الديمقراطية إلى مناطق جديدة، وهي تطورات ليست ذات صلة كبيرة بالعولمة؛ وبالطبع فإن أي تفسير معقول لوجود الصراع الثقافي، لا بد من أن يضع في اعتباره العمليات التي تعتمد عليها المرحلة المعاصرة، ومرة أخرى … سوف نعرض لذلك في القسم الثاني من هذا الفصل.

(١-٣) عولمة وصراع حضاري

يرى صمويل هنتنجتون (١٩٩٣م، ١٩٩٦م، ١٩٩٧م) أن المصادر الرئيسية للصراع أثناء الحرب الباردة، كانت أيديولوجية (الشيوعية ضد الرأسمالية) واقتصادية، بينما بعدها سيكون الصراع ثقافيًّا مع «صدام حضارات» ومع التقاليد السائدة في السياسة الكونية، على نحو أكثر تحديدًا، يتصور «هنتنجتون» أن مستقبل العالم سوف يَتشكَّل من خلال تفاعُل سبع أو ثماني حضارات رئيسية: الغربية واليابانية والكونفوشيوسية والإسلامية والهندوسية والأرثوذوكسية السلاقية والأمريكية اللاتينية والأفريقية، ربما … وأن أهم صراعات المستقبل سوف تحدث على امتداد خطوط الصَّدْع الفاصلة بين تلك الحضارات وبعضها. عند «هنتنجتون»، هناك عدة نقاط اشتعال محتملة في آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وكثير منها يعتمد على التوترات بين الإسلام والغرب؛ وهو بذلك يرفض طرح «فرانسيس فوكوياما» (١٩٩٢م) الذي يرى أننا، بانتشار الرأسمالية، قد وصلنا إلى «نهاية التاريخ». بدل ذلك، نحن في رأي «هنتنجتون» مُتَّجِهون نحو عالَم مُتعدِّد الحضارات، تتصاعد فيها الفوارق والاختلافات ولا تتلاشى. يضاف إلى ذلك أن الفوارق الحضارية، مقارنة بالانقسامات الأيديولوجية، لها جذور تاريخية عميقة، وعليه فهي مُهمَّة وذات معنى بالنسبة لنا، ولذلك كله فإن احتمالات الصراع في المستقبل تصبح قوية. كما يعتقد «هنتنجتون» أن سبب نشأة ذلك، كون كثير من الموضوعات التي تَتصدَّر الأجندة العالمية قضايا بين الحضارات؛ مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والهجرة، وبينما بإمكاننا أن نغير أيديولوجياتنا السياسية، لا نستطيع أن نغير «من نحن»، وبالتحديد لا نستطيع أن نغير خلفياتنا العرقية والثقافية.

العولمة في رأي «هنتنجتون»، تفاقم صدام الحضارات؛ لأن التفاعل الثقافي المتزايد الناتج عن عمليات العولمة المعاصرة يجعلنا أكثر وعيًا بما بيننا من فروق واختلافات. وهو يُجادل بأن «قوى التكامل في العالم حقيقية، وهي بالتحديد ما يُولِّد قوى مضادة للتوكيد الثقافي والوعي الحضاري» (١٩٩٧م، ٣٦)، على سبيل المثال، أحد التطورات المرتبطة بالعولمة، وتحديدًا زيادة أنماط الهجرة، أدَّى إلى بناء ما يُسمَّى ﺑ «أوروبا الحصينة»، من خلال إجراءات وتدابير لتقييد الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما أدَّى إلى تصاعُد الدعوة في الولايات المتحدة للحد من أعداد المهاجرين الجدد إليها. «هنتنجتون» يرى أن ذلك يعكس رغبة في الغرب للحفاظ على أساليب الحياة والحضارة الغربية. العولمة بالتالي تُقوِّي الانشقاقات الحضارية؛ وكما يقول، فإن «الحروب تَحدُث في معظم الأحيان بين مجتمعات ذات مستويات عالية من التفاعل، والتفاعل عادة يُقوِّي الهويات الموجودة ويُنتِج مقاومة وردود فعل ومواجهة.» (Huntington, 1996: 63).
نُقَّاد «هنتنجتون» يجادلون بأن الحضارات — إن كان لها وجود — ليست متمايزة أو كيانات أحادية متفردة، بل إنها متنوعة بداخلها ومُعقَّدة وتستعير من ثقافات وتقاليد ومؤثرات أخرى مختلفة. كما أنه متهم بأنه يُهَوِّن من شأن الصراع داخل الحضارات؛ لأن ذلك لا يتفق مع طرحه عن «الصدام بين الحضارات»، المسألة ببساطة، هي أنه إذا كانت هناك انقسامات داخل الحضارات، فليس من المُرجَّح أن يكون هناك صدام بين الحضارات (Harries, 1994).
من الانتقادات الأخرى المُوجَّهة لطرح «هنتنجتون»، هي أنه يقلل من شأن وثاقة الصلة بين الدولة-الأمة والشئون العالمية: الحكومات القومية سوف تتصرف أولًا وأخيرًا بما يتفق والمصلحة الوطنية أكثر منها من أجل المصلحة الحضارية (Weeks, 1996). وفي هذا السياق هناك قدر محدود من الاعتراف داخل عمل «هنتنجتون» بأن الناس يملكون هُوِيَّات متعددة وبالتالي سيكون لهم ولاءات متعددة كذلك. باختصار … طَرْح «هنتنجتون» يُجانِس، بينما هناك تَنافُر في حقيقة الأمر.١ يضاف إلى ذلك أن مثل هذا الاستشراف — بالنسبة لبعض النقاد — يفشل في الاعتراف بأن العمليات والتطورات التي تُمثِّل العولمة المعاصرة بالفعل تُقدِّم هجنة وتنوعًا وتعقدًا أكثر. والواقع، بما أن «هنتنجتون» يحاول أن يرسم خريطة لمستقبلنا الكوني، فإنه يُولى اهتمامًا ضئيلًا لِفَهم طبيعة العولمة، وهذا هو موضوع القسم الثاني من هذا الفصل.

(٢) العولمة: والعمليات الاجتماعية – الثقافية والاقتصادية المعاصرة

الفكرة الرئيسية المتكررة في هذا القسم، هي أن العولمة ليست بمعزل، فهي تُسْهِم بعدد من العمليات الاجتماعية – الاقتصادية، والاجتماعية – الثقافية المعاصرة، كما تكتسب في الوقت نفسه قوة منها. هذا البحث سيبدأ بفحص الأساليب التي تسهم بها تلك العمليات في المزيد من عدم الأمان، وكيف يمكن أن يُولِّد ذلك بدوره أشكالًا من التماسك الثقافي والصراع. هذه المناقشة سوف تركز — على نحو خاص — على المجتمعات الغربية، رغم أن ما سَيَرد لاحقًا يمكن تطبيقه على مجتمعات أخرى.

(٢-١) عدم الأمان والتماسك الثقافي

إذا كانت العولمة تنطوي على أشكال أكثر قوة من التواصل الكوني، فمن الحتمي أن تتراكم هذه الأشكال وتتضافر مع عمليات وتطورات رئيسية أخرى في هذا العصر؛ مثل الابتعاد عن الموروث والتقاليد ونزعة ما بعد الصناعية. الابتعاد عن التراث هو المصطلح الذي يستخدمه علماء الاجتماع لوصف التحديات المتزايدة التي تواجه الممارَسات التقليدية، والمؤسَّسات، وأشكال السُّلطة (مثل: الكنيسة والزواج والأسرة والمؤسسات الحكومية والدولة-الأمة والمجتمعات المحلية واتحادات العمال ونُظُم العمل المستقرة … إلخ). الجوانب المختلفة للعولمة تسهم في هذا التوجه بطُرق عدة وخاصة من خلال نشر مبادئ السوق؛ وانتشار الأسواق العالمية وقيمها والنزعة الاستهلاكية لا تؤكد أن معظمنا تتوفر له خيارات أكثر فحسب، وإنما يستتبعه مؤسَّسات قومية وأحزاب سياسية وأديان وشخصيات دينية تتنافس في السوق للاستيلاء على اهتمامنا، ضد أشكال ثقافية ومُنتَجات استهلاكية أخرى، وبذلك تُجرِّدها من بعض هالتها ومكانتها وسلطانها. إلى جانب ذلك، فإن نُظُم المعلومات والاتصالات الكونية الناشئة تعمل على إزاحة البِنَى الاجتماعية والقومية القائمة، مشجعة على الانعكاس على الذات بتمكيننا من أن نرى إلى ما هو أبعد من تلك الآفاق المحدودة (Lash and Urry; 1994, 2003).

وكما رأينا في الفصل السابق، فإن سلطة الدولة-الأمة قد تكون معرضة للتآكل بفعل عمليات العولمة، وفي هذا السياق فإن القوة الاقتصادية النامية للأسواق المالية العالمية والمؤسسات المتعددة الجنسية قد تجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للحكومات القومية لكي تدير اقتصاداتها على نحو مستقل، ومن ثم يصعب أن تؤدي الكثير من وظائفها في فترة ما بعد الحرب وخاصة في مجال توفير الرفاه الاجتماعي. كذلك يواجه الحكم القومى الكثير من التحديات بسبب تلك الصلة القائمة بين النزعة ما بعد الصناعية والعولمة.

على نحو أكثر تحديدًا، فإن تكنولوجيات المعلومات والاتصال الكونية التي تُسهِّل كِلا التَّوجُّهين، قد مكنت الأعمال التجارية ما بعد الصناعية في الغرب من إعادة تمركزها واللجوء إلى اقتصادات قليلة الأجور في الدول النامية بإقامة مراكز استدعاء للعمالة المؤقتة، وبذلك تسهم في العولمة، ولكن على حساب التوظيف في الدول النامية، وهو تَوجُّه لا تستطيع أن تمنعه الحكومات الغربية ولا اتحادات العمال بالطبع. بعض المعلقين يرون أن مثل هذه التطورات يقلل من قدرة الدولة-الأمة على القيام بدورها التقليدي في حماية مواطنيها، وهو ما يُؤدِّي بدوره إلى إضعاف ارتباطهم بها … وإضعاف سلطتها. الأثر التراكمي لكل هذه العمليات — كما يقال — هو أننا ندخل عصرًا حديثًا متأخرًا، مرحلة تحديث انعكاسي نكون فيها أكثر قدرة على تحديد مساراتنا الحياتية بسبب كوننا أكثر تَحرُّرًا من تقاليد وقيود وأنماط سلطة الماضي.٢
الحالة التي انتهينا من وصفها تَوًّا، تُوفِّر لحياتنا حرية أكبر، وفي الوقت نفسه قَدرًا أكبر من عدم الشعور بالأمان. أشكال الحماية والتماسك الاجتماعي وخطوط الماضي الإرشادية يتزايد غيابها، بما يُملي علينا أن نكون أكثر إنتاجًا لأنفسنا وأكثر اعتمادًا على الذات، وهو ما يعكسه التحول إلى المهن الحرة، والعمل في المنزل، والعمل نصف الوقت، والحصول على راتب تقاعدي خاص، ومشروعات الرعاية الصحية وتأكيد انتهاج أساليب المعيشة الخاصة. الواضح أن بعض الناس ينتعشون في ظل الظروف المعاصرة، حيث الحرية تتسع وفرص السفر والاستمتاع بتجارب جديدة تتزايد، بينما هناك آخرون تصبح الحياة الاجتماعية بالنسبة لهم أكثر تَشظِّيًا وأقل أمانًا مع تراجُع مصادر الهوية؛ مثل زملاء مكان العمل والاتحادات والمجتمعات المحلية؛ ويعتقد كثير من الكُتَّاب أن مثل هذه العمليات يُؤدِّي بالأفراد «المنعزلين» إلى أن ينهمكوا في أشكال مختلفة من التماسك الاجتماعي (e.g., Bauman, 1996b; Beck-Gernsheim, 1996; Melucci, 1989; Wieviorka, 1994).
إنهم ينسحبون إلى جماعتهم الثقافية أو القومية الخاصة ويعيدون اكتشاف اليقينيات القديمة وأنماط السلوك الجمعي على هيئة هويات عرقية-ثقافية، لأسباب تتعلق بالشعور بالأمان والجوانب المجتمعية ولتحقيق شعور بالهدف والمعنى. وعليه، ومن منظور المَعنِيِّين بذلك، فإن إحياء وتأكيد الجوانب العرقية-الثقافية، وحتى أشكال النشاط العنصري، يسمح ببناء شكل من إعادة البناء الاجتماعي والهروب من الفردانية الانعزالية (Wieviorka, 1994). وهكذا فإن التَّوجُّه نحو الداخل للاحتماء، يصحبه تَوجُّه ضد مَن يتصور أنهم «دخلاء»، بينما الثقافة في هذه المرحلة المُعاصرة من العولمة، تؤكد صور كثيرة من الهجرة الشاملة والواسعة أنَّنا نلتقي بأعداد أكبر من أولئك الذين يوصفون بأنهم «دخلاء»، وهو ما يجعل البعض يستنتج أن ثقافتهم الخاصة مُهدَّدة، وأنهم غير قادِرين على التحكم فيما يحدث في مجتمعاتهم. في إطار الشعور المتزايد بعدم الأمان، سوف يُؤدِّي كثير من المواجهات المتكررة مع «الدخلاء» إلى المنافسة وإلى توترات بين الجماعات الثقافية المختلفة. باختصار، تحت مثل هذه الظروف قد يذكرنا التواصل بأولئك الذين ينتمون إلى ثقافات أخرى، بمدى اختلافنا عنهم.
بالنسبة للدولة-الأمة والحكومات القومية، فنتيجة للتحديات المختلفة التي تواجهها، أصبح الناس يَتوجَّهون نحو ثقافتهم الوطنية الخاصة في مواجهة الدولة-الأمة. في المملكة المتحدة مثلًا، نجد هذا النموذج واضحًا في تَوجُّه البعض وتماهيهم مع ثقافتهم الأسكتلندية أو الويلزية أو الإنجليزية أكثر منهم مع البريطانية، وهذا بالمثل انسحاب إلى «أمان التماثل»؛ لأن الدولة-الأمة، باعتبارها من نتاج التنوير والثورة الفرنسية، تقوم على مبادئ المُواطَنة العامة. على النقيض فإن القوميات العرقية الثقافية مؤسَّسة على الإقصاء أكثر منها على الديمقراطية والاستيعاب، والحقيقة أن إحدى نتائج دفاع المرء عن ثقافته ضد التحديات الخارجية، أن طبيعة الثقافة تتغير. عند الدفاع مثلًا عن مفهوم مثل «أن تكون إنجليزيًّا» أو «أن تكون فرنسيًّا»، فإن درجة التنوُّع العرقي أو الثقافي الموجودة في المجتمع يتم تخفيضها أو تهميشها في هذه العملية (Tomlinson, 1997a). وكما أشار «مانويل كاستلز» (1997a). فإن القوميات المعاصرة «هويات مقاومة»، بمعنى أن المنتسبين لها يشعرون بخطر العولمة والعمليات المصاحبة لها؛ وهذا رد فعل قومي دفاعي في جوهره، ولكنه «يتأكد دائمًا ضد الغريب» (ibid., 27)؛ هناك إذن قدر من إعادة النظر يحدث فيما يتعلق بالدولة-الأمة، وبالتحديد بما يعتبره الناس مجتمعهم القومي، ينعكس في الصعوبة التي تجدها بعض الدول-الأمة لاحتواء المطالب العرقية القومية بالاستقلال الذاتي والانفصال، مما يؤدِّي ببعض الكُتاب للتساؤل عن مستقبل الدولة-الأمة بشكلها الحالي (e.g., Horsman and Marshall, 1995). في داخل أوروبا على سبيل المثال، هناك تَوجُّه نحو تكوين دول أكثر تجانسًا عرقيًّا وثقافيًّا، وهذا واضح في تفتُّت الاتحاد السوفيتي السابق وتقسيم تشيكوسلوفاكيا في ١٩٩٣م إلى دول تشيك وسلوفاك الحركات الانفصالية تظل — أو أصبحت — قوة ذات أهمية في السياسات الداخلية لدول؛ مثل بلجيكا وكندا وإسبانيا والهند، والآن نجد أن اسكتلندا وويلز تتمتعان باستقلالية أكبر داخل المملكة المتحدة، نتيجة لهذا التطور. الأمثلة الأكثر وضوحًا للدول التي تُناضِل من أجل احتواء التوترات العرقية والثقافية، موجودة بالطبع في أفريقيا، التي شَهِدَت سلسلة من الحروب المحلية وغيرها من الصراعات والخلافات، وعلى حد تعبير «زيجمونت بومان Zygmunt Bauman»: «الدولة-الأمة تخرج … القبيلة تدخل» (١٩٩٣م، ٤١).
المتشككون سوف يُعبِّرون عن ارتيابهم في هذا التوصيف للحالة الراهنة للدولة-الأمة، حيث يعتقد كل من «هيرست»، و«طومسون» (١٩٩٦–٢٠٠٠م) أن الحكومات القومية تحتفظ بالاستقلال الذاتي لكي تواصل إدارة قومية اقتصادية سياسية حقيقية؛ وكما رأينا في المقدمة نجدهما يتساءلان ما إذا كنا نشهد عولمة كاملة في زماننا. من منظورهما، تظل الدولة-الأمة قوة لها شأنها، وأن إمكاناتها ووظائفها قد قَوِيَت وزادت باطراد في مرحلة ما بعد الحرب، مع دخول دولة الرفاهة وأنظمة التعليم بما يؤكد أنها — الدولة الأمة — مستمرة في القيام بدور بارز في حياة مواطنيها (انظر كذلك فيما يتعلق بهذا المجال: Dunn 1995, Holton, 1998; Mann, 1997). وبينما تحاول بعض الحكومات الآن إدخال عنصر من عناصر الخصخصة في دولة الرفاه عندها، وخاصة فيما يتعلق بالصحة والمعاشات، فإن مستويات الإنفاق العام لم تنخفض بشكل عام. يضاف إلى ذلك أن الحكومات القومية عندما تلوم العولمة بسبب الصعوبات التي تُواجهها دولها مثل انكماش اقتصاداتها، فتلك وسيلة لصرف الاهتمام عن أدائها الخاص.

وعلى أية حال، بينما تلك نقاط مهمة، فلعل الأهم هو فهمنا للعولمة؛ وهكذا قد تستمر الدولة-الأمة في أن تكون قوة حيوية ومهمة في المرحلة المعاصرة، ولكن إذا كان هناك تَصوُّر يتنامى بأنها تُكافِح بسبب العمليات والتَّوجُّهات التي تمثل العولمة، فالأرجح أن الناس سوف يبحثون عن أشكال من الأمان والمعنى في أماكن أخرى. يضاف إلى ذلك أنه إذا كان هذا التحليل صحيحًا، فمعنى ذلك أننا نشهد تضاؤل وضعف هوياتنا (دولنا-الأممية)، وهو ما يُلازِمه إحياء لهوياتنا القومية. الأقدم والأقل شمولًا؛ أي إننا نبرز الآثار المتناقضة للعولمة.

باختصار، عمليات العولمة المعاصرة تبدو مثيرة لردود انتقائية، وضَيِّقة الأفق، يتم التعبير عنها في أشكال من التماسك الثقافي والإقصاء، على أنه لا بد من الاعتراف بأن بعض الناس فقط هم الذين يتصرفون على هذا النحو، ومن هنا تكون التنوعات القومية والإقليمية؛ وإن مثل هذا السلوك ليس حالة دائمة بالضرورة، حيث إن هوياتنا وولاءاتنا الثقافية يعاد تَشكُّلها على نحو مستمر في خضم عملية التفاعل المتواصل بين ما هو كوني وما هو محلي. البشر كذلك يمتلكون هويات متعددة، كلها ترفد سلوكنا بطُرق مختلفة؛ أي إن ولاءاتنا القبلية ليست هي التي تسيطر علينا، أو هي التي نعرف بها. يضاف إلى ذلك، وبالعودة إلى نقطة أثيرت في القسم السابق من هذا الفصل، أن أشكال التماسك والصراع الاجتماعي سوف يكون سببها في الغالب الأعم عوامل لا علاقة لها — أو ذات علاقة محدودة — بالعولمة، حيث المرجح أن تكون الأهمية الكبرى للظروف المحلية. على سبيل المثال، نجد أن انبعاث القومية العرقية في البلقان منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، كان نتاج عوامل مثل التاريخ والديناميكيات الثقافية في المنطقة، بالإضافة إلى دور القادة السياسيين المعاصرين، أكثر مما كانت رد فعل على العولمة. مرة أخرى يمكن أن نرى أننا لكي نَستَجْلي تأثير العولمة، لا بد من فحص الأطر الخاصة التي يتقاطع فيها الكوني والمحلي، على الرغم من أننا في غِنًى عن القول إن العولمة المعاصرة على هيئة أشكال أكثر اتساعًا من التواصلية البينية الكونية، تُثري المضمون — دائم التغير — الذي تحدث فيه تلك التطورات.

(٣) التدفقات الثقافية والتوترات الثقافية

التدفقات الثقافية الكونية الأكثر كثافة التي تميز عصرنا، قد تثير القلق كذلك لأنها تؤكد أننا، يوميًّا، مواجهون ﺑ «الآخر» بما يُقوِّي أحيانًا الهُويَّات والفوارق العرقية الثقافية؛ وكما يشير «ستيوارت هال Stuart Hall» (١٩٩٦)، فإن الهوية يتم سبكها في العلاقة بيننا وبين «الآخر»، في ظل العولمة المعاصرة، ليس من الضروري أن تكون هذه المواجهة بين أشخاص؛ إذ إنها قد تتكون — بكل بساطة — من الصور والرموز والأفكار والأصوات التي نستطيع تجربتها، قادمة إلينا من أنحاء العالم دون — حتى — أن يكون علينا أن نبرح مكاننا، دلائل التوترات التي قد تنتج عن ذلك يمكن أن نراها في محاولة الحكومات الإسلامية أن تضع قواعد وأن تتخذ إجراءات قد تصل إلى الحظر كما في حالة إيران بالنسبة لاستخدام الأطباق اللاقطة للإرسال التليفزيوني، في معظم الحالات يكون الهدف من هذه السيطرة تقييد وتحجيم التأثير الثقافي الغربي والشرقي أو كليهما الذي يُنْظَر إليه باعتباره قوة مُجانِسة، رغم أنه في حالة حكومة إيران نجد أن الدافع هو الرغبة في الاحتفاظ بالسيطرة السياسية، وخاصة لأن المحطات الفضائية الأجنبية يديرها مَنفِيُّون أو لاجئون إلى الولايات المتحدة، ويرون أنها لعبت دورًا مُهمًّا في الاحتجاجات الطلابية في ٢٠٠٣م.

على أية حال، هي الحركة المتزايدة للناس عبر كوكب الأرض، التي أثارت وحَفَّزت تلك الورطة السياسية والثقافية الواسعة في المرحلة الحديثة، مُؤدِّية إلى جدال حول الهوية والانتماء، وكذلك إلى خلق أشكال جديدة من الإقصاء، كما عَبَّر عن ذلك «إيريك هوبسباوم» بقوله: «أينما كنا نعيش في مجتمع حضري فنحن نلتقي غرباء: رجالًا ونساء مجتثة جذورهم يذكروننا بهشاشة أو جفاف جذور عائلاتنا» (١٩٩٢م، ١٧٣). هجرة عصر الطائرات النفاثة، كما رأينا في الفصل السابق، جعلت مجتمعات كثيرة أكثر تعددية من الناحية الثقافية وأفرزت قضايا كثيرة عن كيفية استيعاب ثقافات وشعوب جديدة في المجتمعات القومية القائمة، وخاصة مع زيادة الجدل حول تَمثُّل الثقافات الأخرى في مواجهة التعددية الثقافية كما قد نرى في الحالات التالية:

(٣-١) التوترات الثقافية في فرنسا

كان هناك جدال استمر طويلًا في فرنسا حول ظاهرة ارتداء الحجاب في المدارس، انتهى بتصويت في البرلمان الفرنسي، بأغلبية كبيرة، في فبراير ٢٠٠٤م لحظر ذلك وغيره من الرموز الدينية الصريحة، في المدارس الرسمية. إرث الثورة الفرنسية يجعل الدولة ترى أن من واجبها الدفاع عن النظام الجمهوري والعلمانية، وبالتالي تحاول دائمًا أن تتجنب مَنْح أي دين اعترافًا رسميًّا. هذا الأمر يصب في قلب المفهوم الفرنسي للمواطنة الذي يتأسس على الأفراد أكثر مما هو على الجماعات، سواء كان ذلك ثقافيًّا أو غيره، المُواطن الفرنسي، باختصار، مَدين بولائه للدولة، ويتمتع بالحقوق والحريات على هذا الأساس، على أن مُعارَضة الدولة الفرنسية للتعددية الثقافية تُعْتَبر في نظر بعض المعلقين مُعوِّقًا أمام استيعاب مسلمي فرنسا. كما يُنْظَر إليها باعتبارها عاملًا خلفيًّا لأعمال الشغب التي انطلقت من ضواحي باريس الفقيرة إلى المدن الأخرى عَبْر فرنسا في آواخر ٢٠٠٥م، على الرغم من أنه كانت هناك — بالطبع — عوامل عدة وراء هذه الاضطرابات إلى جانب جماعات أخرى متورطة في الأحداث.

(٣-٢) التوترات الثقافية في الولايات المتحدة

هناك بالمثل نزاعات وخلافات في المدارس والجامعات في الولايات المتحدة حول محتوى المناهج الدراسية، أدَّت إلى عدد من المظاهرات وأحدثت اضطرابات في الحرم الجامعي (انظر: Chavez, 1996; William, 1996). هذه القضية تم استقطابها غالبًا بين مُؤيِّدِي التعددية الثقافية وأولئك المهتمين بتنمية هوية أمريكية وثقافة مدينية. المؤيدون يؤكدون حق الشباب في أن يدرسوا عن خلفياتهم العرقية أو الثقافية الخاصة، مع بعض الجدال بأن الثقافة الأمريكية يسيطر عليها الأوروبيون في الأساس، بينما المعارِضون يعتبرون ضغوط الأمركة آخذة في التراجع، بسبب تنمية التعددية الثقافية والترويج لها في الحياة العامة، وخاصة في المدارس والجامعات (e.g., Briemlow, 1995). إلى جانب الجدل الدائر حول المناهج التعليمية، تظهر وجهات النظر المختلفة كذلك الجدال حول التعددية اللغوية وغيرها، وهو ما جعل بعض المعلقين يتساءلون ما إذا كانت مُجرَّد مَثل أعلى ينبغي أن تسعى إليه البلاد، والأهم هو التفكير في معنى «أن تكون أمريكيًّا» (Lapham, 1992). من تجليات هذا القلق، ظهور سياسات الهُوية في المجتمع الأمريكي، الذي أصبح يُلام، بدوره، عن فشله في الاستيعاب (Shain, 1995). بعض النقاد يعتقدون أن سياسات الهوية في المجتمع الأمريكي هي التي أفرزت سياجات ثقافية محصورة، أدَّت إلى انخفاض التسامح ومُضاعَفة إمكانيات الصراع الاجتماعي، بحيث أصبحت الحياة اليومية في الولايات المتحدة حربًا ثقافية مستمرة منخفضة الكثافة (e.g., O’Sullivan).٣
ينظر كذلك إلى سياسات الهوية باعتبارها قد أَضرَّت بالعملية الديمقراطية؛ لأنها أدَّت بمجموعات خاصة للتصويت ككتلة؛ لتعميق مصالحها الخاصة على حساب المجتمع الأوسع. كذلك فإن قراءة بديلة لما يحدث داخل المجتمع الأمريكي ترى أن التعددية الثقافية والأهمية المتزايدة لسياسات الهوية تعكس كُلًّا من حاجة عميقة للتعبير عن التنوع والاختلاف الثقافي، وخيبة أمل كبيرة في الشكل الذي اتخذه الاستيعاب تقليديًّا، وخاصة تنمية الهيمنة الثقافية للواسب٤ انظر: (Smelser and Alexander, 1999).
والواقع أن «ريتشارد ميريلمان Richard Merelman» (١٩٩٤) يرى أن سياسات الهوية والشواهد الحديثة على الصراع الثقافي في الولايات المتحدة بمثابة أعراض لتدهور الهيمنة الأيديولوجية الأوروبية البيضاء على المجتمع الأمريكي، هذا التطور في رأيه، يمهد الطريق أمام المزيد من المنافسة بين الجماعات المختلفة، وأمام مقاومة أكبر من قبل الأقليات لقوة الجماعة المسيطرة.

(٣-٣) العولمة والتعددية الثقافية والتهجين

بالإضافة إلى إسهامها في تَطوُّر المجتمعات متعدِّدة الثقافة، يمكن أن تؤدي العولمة إلى تمزيق مثل هذه المجتمعات؛ لأن التدفقات الكونية المتزايدة وتجلياتها المختلفة قد تؤدي إلى التهجين الثقافي. هناك جنوح يمكن فهمه لدى دعاة التعددية الثقافية وخاصَّة مُمثِّلي جماعات الأقليات؛ للتهوين من شأن درجة التنوع داخل الثقافات وربما تجاهلها تمامًا، حيث إن وضعها يستند إلى فكرة أن الثقافات كيانات متجانسة ومتمايزة. بنظرة أوسع، مع تسهيل عملية التهجين فإن عمليات العولمة يكون لديها الإمكانية لإضعاف دور كل من يصرون على التمايز الثقافي والحضاري بأي صورة، بتوضيح وتدعيم وزيادة درجة التنافر الموجودة داخل الثقافة بالإضافة إلى توليد ثقافات هجينة جديدة. إلى جانب التعين اليومي، وغالبًا الاستيعاب غير الواعي تمامًا للثقافات الأخرى على شكل صور وأفكار وأصوات كلنا منهمكون فيها، فإن أحد التجليات الواضحة لزيادة الهجنة، تلك الزيادة في عدد الزيجات بين الأجناس المختلفة وزيادة نسبة الأطفال من أجناس مختلطة وخاصة في المجتمعات الغربية، الجنس المختلط هو الآن ثالث أكبر جماعات الأقليات في المملكة المتحدة والمتوقَّع أن يصبح أكبرها في العقد القادم، بينما في الولايات المتحدة — وهو ما يعكس مدى التغير — مسموح أن يسجل في الإحصائيات اليوم صفة «متعدد الجنسية»، كما يتحدث المعلقون عن جيل ملتبس عرقيًّا. هذا الغموض العرقي نجده أكثر وضوحًا في الإعلان والتسويق والترفيه وصناعة الأزياء، مشاهير مثل «كريستينا أجيليرا Christina Aguilera»، و«تيجر وودز Tiger Woods» تعتبرهم الشركات قادرين على بيع منتجاتها لأنهم ملتبسو العرق، وعليه فمن المرجح أن تروق الكثيرين في سوق الشباب التي يتزايد باطراد تنوعها العرقي والثقافي. قد تكون تلك آخر صيحة ثقافية، ولكنها تعكسها كذلك تغيرات ديموغرافية في أمريكا وغيرها من الأماكن، وكذلك في عدد «المهجنين». المغزى السياسي لهذا التطور، كما يشير «نيكوس باباسترجيادس Nicos Papastergiadis» هو أن الهجنة ينظر إليها دائمًا وكأنها «مُخفِّف للاحتكاكات» في عملية صدام الثقافات (٢٠٠٠م، ١٧٦).
وهكذا فإن مثل هذا التنوع العرقي والثقافي، هذا التعقد في الحقيقة، يمكن أن يعمل ضد تفاقُم الصراع الثقافي الذي يتطلب مسبقًا وجود تمايُز واختلاف. من هنا، فإن الهجنة تَتحدَّى الجوهرية؛ لأنها تزعزع الثقافات والهويات الثقافية الراسخة وتُمكِّنُنا من التعرف على تواريخها المُعقَّدة والمتداخلة والأسلوب الذي اقترضه كل تقليد من سواه ومن المؤثرات الأخرى (انظر ندرقين بيتيرس Nederveen Pieters) (٢٠٠٤).

من ناحية أخرى، يتضاءل اعتبار الثقافات الأخرى خطرًا، كما تقل الحاجة للدفاع عن ثقافتنا الخاصة، حتى عندما نكون على وعي بأنها كلها نتاج مصادر متعددة. من هنا، فإن الاعتراف بالهجنة وقبولها يمكن أن يساعد على النظر إلى ما هو أبعد من ثقافتنا الخاصة، وأن نتعرف إلى المشترَك بيننا وبين الآخَرِين. والحقيقة أنه من منظور مُنظِّري الهجنة، فإن الحدود والتصنيفات الثقافية وغيرها من التقسيمات تجعلنا نَتهيَّب استكشاف جذورنا الهجينة ومن ثم لا نفهم أنفسنا.

التعقد الثقافي نفسه، بالطبع، قد يثير الأصوليين لأسباب واضحة، ولكن حالة «التهجين المتسارع»، إذا قبلنا أن يكون وصف «ندرفين بيتيرس» (٢٠٠٤م) للمرحلة المعاصرة دقيقًا، تثير أسئلة حول الملاءمة المستقبلية لاتخاذ موقف متشدد دفاعًا عن الثقافة أو عن جماعة ثقافية مُعيَّنة. استكمالًا لهذا الطرح، هل من الممكن أن تؤدي بنا موروثاتنا الثقافية المختلطة، وولاءاتنا المتعددة إلى أن نرفض في النهاية أناسًا يقومون بحملات باسمنا من أجل ثقافات أحادية وعرقيات أحادية نتماهى معها جزئيًّا؟ إن تصنيفنا باعتبارنا ننتمي إلى جماعة ثقافية معينة، يجلب معه توقُّعات بالولاء والالتزام بقيم ومبادئ الجماعة وهو ما يمكن أن يقيد سلوكنا (Appiah, 1994; Kuper, 1999). بكل بساطة، ثقافتنا يمكن أن تخفي ذاتنا الحقيقية (Taylor, 1994)، وليس ذلك بمفرده أحد اهتمامات الفردانيين الغربيين؛ فعلى سبيل المثال سوف تجد ممارَسات من قبيل الزيجات المرتبة التي أصبحت مرتبطة بثقافات مُعيَّنة، مُعارضة شديدة غالبًا، من قبل أفراد ينتمون إلى هذه الثقافات، وفي سياق مشابه هناك أمثلة لا حصر لها على أناس يقومون بأعمال وأفعال باسم ثقافة معينة، بينما سلوكهم يُؤدِّي إلى إقصاء أفراد من مجتمعهم الثقافي الخاص، الأغلبية الساحقة من المسلمين مثلًا تروعهم الأعمال التي يقوم بها المتطرفون من بين صفوفهم.

(٣-٤) تكنولوجيات المعلومات والاتصال الكونية والتعبئة الثقافية والتطرف

تدفقات المعلومات والاتصال جزء لا يتجزأ من تدفقات الثقافة الكونية المعاصرة كما رأينا في الفصل الثالث، ولكنها أيضًا يمكن أن تُستَغل من قِبَل الأصوليين والقوميين العرقيين لتحقيق أهدافهم واحتياجاتهم الخاصة، وتحديدًا من أجل إعادة إحياء وتدعيم هوياتهم الثقافية الجمعية، ومن ثم فإن التطورات المشهودة في الميديا الإلكتروني وتكنولوجيات الاتصال التي تُسهِّل عمل المنظمات غير الرسمية وغير التابعة للدول، تُسهِم كذلك في التعبئة العرقية والثقافية. إنها تمكن الجماعات العرقية والتجمعات القومية من نشر رسالتها، وتمهد الطريق لإرساء شبكات دعم على مستوى العالم وخاصة بين السكان وتجَمُّعات المهاجرين والشَّتات القادرين على الإبقاء على الاتصال بأوطانهم الأصلية (Richmond, 1984; Schlesinger, 1991). كما يتضح لنا مثال آخر على وصف بندكت أندرسون Benedict Anderson (١٩٩٤) ﺑ «قومية المسافات الطويلة»، وذلك في حالة القومية الهندية في الهند، التي لقيت دعمًا مُهمًّا من الهندوس المقيمين في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة وكندا (انظر كذلك: Appadurai, 1996). هذه الممارسات تُعبِّر عن الانخلاع الثقافي عن الإقليم (ثقافة أبناء الهجرة والشتات منفصلة عن الإقليم الأصلي)، ولكنها واضحة كذلك في ثقافة «إعادة الأقلمة» حيث يحاول أبناء المجتمعات العرقية والقومية تنمية مشاعر الارتباط بالأقاليم (الأوطان) الأصلية بين أبناء جماعتهم الثقافية أو الاجتماعية أينما كانوا. مثل هذا المشروع، إذن، دلالة على الارتباط المستمر بين الثقافة والإقليم؛ وبعبارة أخرى: في إطار العولمة المعاصرة يظل بالإمكان دائمًا «تَخيُّل» مجتمعنا من على البعد.
كما هو معروف جيدًا، الإنترنت والشبكة العالمية والبريد الإلكتروني، كلها مستخدمة لنشر التطرف والكره، وبأساليب مزعجة تتراوح بين أفراد منخرطين في إنكار الهولوكوست وجماعات تؤيد العمليات الانتحارية لمن يقومون بتفجير أنفسهم أو خطف رهائن. التكنولوجيات الحديثة — على نحو خاص — سهلت للمتطرفين العمل دون أن يتعرف عليهم أحد، بما يمكنهم من نشر مادتهم والالتفاف على القوانين الوطنية، ومن هنا تجد الحكومات صعوبة في المراقبة والسيطرة ومقاضاة المتورطين في مثل تلك الأنشطة، على مستوى سياسي أوسع، يتزايد استخدام الجماعات اليمينية المتطرفة للإنترنت من أجل نشر رسالتهم، فقد نشرت وكالة المخابرات الألمانية في تقريرها السنوي (أبريل ٢٠٠٤م) عن خطورة المتطرفين ما يفيد أن الجماعات اليمينية الألمانية المتطرفة قد أنشئت ٣٠٠ موقعًا للترويج لأفكارها وتجنيد أعضاء جدد. (BBC World Service, 4 April, 2000).

وبنظرة أكثر اتساعًا تتضح على نحو خاص الجوانب الثقافية التي تتداخل فيها العولمة مع أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ وذلك لأن مَن ينتمون إلى مثل تلك الجماعات وينتهجون النشاط نفسه الذي نصفه هنا وهم غالبًا من الأقسام المُهمَّشة في المجتمع، الذين لديهم الكثير الذي يخشونه من ظروف العولمة المعاصرة، وخاصة أن فُرص عملهم أصبحت تنتقل إلى أماكن أخرى من العالم، وعليهم أن يتنافسوا مع قادمين جُدد، بينهم كثيرون أكثر منهم مهارة.

تكنولوجيات المعلومات والاتصال الكونية الحديثة، بالإضافة إلى ظهور الميديا العابرة للحدود، تبدو كذلك قادرة على توليد مَعارف ثقافية عالمية حول الأفكار والصور وأساليب الحياة٥ وبالفعل فإن «ماليس رُثفن Malise Ruthven» يعتقد أن صدام الحضارات «عندما يقع، فسوف يكون ذلك في الفضاء الإلكتروني وليس بين الجيوش أو التكتلات الإقليمية» (١٩٩٥م، ٦). فالميديا والاتصالات المعاصرة على سبيل المثال أسهمت كثيرًا في نشر الجدل الخلافي المحيط بالرسوم الكاريكاتورية الدنماركية للنبي «محمد» في ٢٠٠٦م، وفي غضون أيام قليلة حوَّلَت جدلًا دنماركيًّا محليًّا إلى قضية عالمية رئيسية.

في السياق نفسه، هناك مقارنة مثيرة للاهتمام بين ما أثير من لغط وخلافات حول رواية «سلمان رشدي»: «آيات شيطانية» في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأدت بالزعيم الإيراني «آية الله الخميني» أن يصدر فتواه الشهيرة بإهدار دم مؤلفها. قضية «رشدي» أخذت وقتًا أطول بكثير لكي يكون لها صدًى عالمي، أخذت شهورًا، وليس أيامًا لكي تصبح حكاية عالمية. من الواضح أنه كانت هناك عوامل أخرى وراء التأثير المتباعد لهاتين القضيتين، وخاصة أن الرسوم الدنماركية ظهرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي إطار حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، بما يعني أن الحساسيات الثقافية ظلت عالية على كل الجوانب. على الرغم من ذلك فإن السرعة التي انتشرت بها معرفة الرسوم الدنماركية من دولة لأخرى في أواخر يناير وأوائل فبراير ٢٠٠٦م لكي تصبح «قضية اليوم»، دليلًا على قوة الاتصالات والميديا الحديثة واتساع المدى الذي تصل إليه. وإذا انتقلنا إلى ما هو أبعد من النزاعات الثقافية الخاصة، فإن إسهام هذه القوى في ضغط العلاقات الاجتماعية عَبْر الزمان والمكان، واضح في ظهور الإسلام الراديكالي، الذي ورط النشطاء الإسلاميين في استخدام واسع للإنترنت والبث عَبْر الأقمار الصناعية كما سنرى.

(٤) العولمة والأصولية والرعب الكوني

العولمة ليست سببًا للإرهاب العالمي. الإصرار على مثل تلك الصلة قائم على تَصوُّر العولمة كيانًا حيًّا له أهداف وأغراض سياسية، بينما هي ليست شيئًا من ذلك. الهدف هنا في هذا الفصل هو مُجرَّد تقييم المدى الذي تسهم به عملياتها وتجلياتها في زيادة الشعور بالرعب، بالتركيز على ظاهرة «تنظيم القاعدة». إحدى الصعوبات الرئيسية في الكتابة عن «القاعدة» التي ظهرت في ١٩٩١م، وتشير إلى قاعدة بيانات كونية عن الداعمين والفاعلين، هي أنها لا جود لها فعليًّا (Burke, 2003). الحقيقة، هي أن القاعدة أيديولوجيا، أو رؤية للعالم كما أنها تنظيم، وقد أصبحت «اسم تغطية» لجماعات إرهابية مختلفة. القاعدة — باختصار — تستعصي على التعريف أو التصنيف المُحدَّد، وهو ما يلخصه «جاسون بيرك Jason Burke» الذي يرى أن «أسامة بن لادن»، والقاعدة: ألفيون، أصوليون، إحيائيون، وهابيون، سلفيون إسلاميون … على الأقل في تَجذُّرهم في الحداثة، إن لم يكن في برنامجهم٦ (٢٠٠٣م، ٣٩) القاعدة، أيضًا، عرَض من أعراض الصراع الدائر داخل المجتمع الإسلامي عن التوجه المستقبلي للإسلام، مع المعلقين الذين، على نحو متزايد، يشيرون إلى أكثر من إسلام … وربما التأسلم،٧ ومع وضع هذا التنوع في الاعتبار، فإن النقاش التالي عن الإسلام والقاعدة يدور بشكل عام.
كثير من المسلمين، وليس الراديكاليين أو المتطرفين فقط، يربطون بين العولمة والاختراق الاقتصادي الغربي أو الأمريكي تحديدًا، الذي ينظرون إليه بدوره باعتباره سببًا رئيسيًّا للحالة الاقتصادية المُتردِّية لكثير من مجتمعاتهم. من هذا المنظور، مَكَّنَت العولمة الولايات المتحدة وحلفاءها من أن تمارس قوتها الاقتصادية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم الإسلامي وأن تُوسِّع استخدامها نتيجة لذلك (Falk, 1999).٨ وبالمثل فإن البُعد الثقافي للعولمة يعتبر في نظر كثير من المسلمين، خطرًا على ثقافتهم الدينية الخاصة من وجهة نظرهم، بمعنى أن مجتمعاتهم تتعرض لقصف يومي بصور أساليب الحياة الغربية عن طريق التليفزيون والأفلام والإعلانات، جاعلة من الصعب الحفاظ على خصوصيتها وهُوِيَّاتها الثقافية (انظر: Mohammad, 2001). باختصار، هناك قلق من أن العولمة أصبحت تَعني انتشار النزعة الاستهلاكية والمادية، وكذلك العلمانية والفردانية، وتعتبر كلها عوامل إضعاف لأساليب الحياة والقيم الإسلامية. آية الله الخميني حذَّر من «مستقبل أسود مخيف» للأمة الإسلامية، وهي العبارة التي فهمت في العالم كإشارة إلى الهيمنة الكونية للقوة الاقتصادية والسياسية الأمريكية. العولمة نفسها يُنْظَر إليها كأحد مُستهدَفات القاعدة (Talbott and Chanda, 2001). من هنا لم تكن مُصادَفة أن تكون هجمات الحادي عشر من سبتمبر مُوجَّهة نحو مراكز القوة الرئيسية في الولايات المتحدة، وباستهداف مركز التجارة العالمي، كانت القاعدة تضرب أحد رموز العولمة.
الانتشار السريع لتكنولوجيات المعلومات والاتصال وبخاصة «الإنترنت»، يجعل من الصعب بدرجة كبيرة، إن لم يكن من المستحيل، على الأنظمة الإسلامية أن تتحكم في تَدفُّق المعلومات إلى دولها. في عام ٢٠٠٧م كانت هناك تقديرات تشير إلى أن إيران يوجد بها أكثر من ٥ ملايين مستخدم للإنترنت، ولكن طهران في الوقت نفسه قلقة بسبب احتمالات النشاط الثوري المضاد الذي يقوم به الإيرانيون الذين يعيشون خارج البلاد ولا سيطرة لها عليهم. والحقيقة أنه كانت هناك زيادة هائلة في التدوين باللغة الفارسية وصلت إلى وجود نحو ٤٦٠٠٠ مدون داخل إيران، وأكثر من ٧٥٠٠٠ مدون نشط بالفارسية في عام ٢٠٠٥م في أنحاء العالم (Boyd, 2005)، وهو ما يعني أن الحكومات الإسلامية لا تستطيع القيام بأكثر من الجهد الوقائي، حيث إن مواطنيها تصلهم تقارير متضاربة عن الواقع السياسي، وكان ذلك واضحًا في محاولة الحكومة الإيرانية في أواخر عام ٢٠٠٦م تقييد سرعات الإنترنت بهدف تخفيض التأثير الثقافي الغربي في البلاد، بأن تجعل من الأكثر صعوبة على الإيرانيين تحميل الموسيقى الأجنبية والأفلام وبرامج التليفزيون (Tait, 2006). بالإضافة إلى ذلك فإن مؤسَّسات الميديا والتكنولوجيات العالمية تجعل المسلمين أكثر وعيًا بضعف مستوياتهم المعيشية وسوء أحوالهم مقارَنة بالشعوب الغربية، وهو ما يجعل أعدادًا متزايدة منهم تهاجر إلى المجتمعات الغربية (هناك الآن حوالي ٦ ملايين مسلم يعيشون في الولايات المتحدة، وفي أوروبا يصل الرقم إلى نحو ١٦ مليونًا). على أية حال، القادة المسلمون قلقون لأن أولئك المسلمين الذين يعيشون في الغرب لا يترددون على المساجد كثيرًا ويكيفون التعاليم الإسلامية لكي تتناسب مع بيئتهم وأساليب حياتهم الجديدة، بينما يرى الأصوليون أن التجمعات الإسلامية في المجتمعات الغربية تعيش في «جاهلية» الكفر؛ وبالطبع فإن العولمة تعنى كذلك أن أثر «الجاهلية» أخَذ في الانتشار في المجتمعات الإسلامية، ومن هنا كانت الحاجة — من وجهة نظرهم للجهاد. في هذا السياق، فإن مؤسَّسات التَّحكُّم الحديثة مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي تُعْتَبر تحت السيطرة الغربية، كما تُعْتَبر آليات يستطيع الغرب من خلالها فرض قيمه وممارساته على المجتمعات الإسلامية، وخاصة في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية.

(٤-١) العولمة الإسلامية

على الرغم من ذلك، ينبغي ألا نعتبر العولمة غريبة عن الإسلام. الإسلام دين كوني والمسلمون جزء من مجتمع كوني بالفعل (الأمة). يضاف إلى ذلك أن للإسلام تاريخًا من الإمبراطوريات والسَّلْطَنات، انتهت فقط مع انهيار الإمبراطورية العثمانية؛ وهناك كثيرون من الراديكاليين الإسلاميين، بما في ذلك القاعدة وشركاؤها، الذين يرغبون في عودة الخلافة والانتشار الكوني المتواصل للإسلام. هناك إذن تاريخ للخروج الثقافي عن الإقليم وإعادة الأقلمة في إطار الإسلام. هناك كذلك معنى تعمل فيه جوانب العولمة باعتبارها مفيدة للإسلام. هذه الأشكال المتعددة للتواصلية الكونية مثل السفر والاتصالات والميديا الحديثة تقرب المسلمين من بعضهم وتُقوِّي هُوِيَّتهم المشتركة، والمؤكد أنها أسهمت في «إعادة أسلمة» الإسلام خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بين المسلمين، بشكل عام، هناك مستوى عالٍ من الوعي بمعاناة «الإخوة» المسلمين في أجزاء كثيرة من العالم، والمؤكد أن وجهات النظر داخل «الأمة» تَتشكَّل على أساس تلك المعرفة؛ وربما نجد أصداء لذلك في مفهوم «رولاند روبرتسون» للعولمة، باعتبارها تُمثِّل «انضغاط» العالم، حيث سيكون للأحداث نتائج وتداعيات لأحداث أخرى في مناطق أخرى. وربما تكون مرجعية لها في مناطق أخرى أبعد. إنشاء صحف ومنظمات إعلامية إسلامية وعربية عالمية مثل تليفزيون الجزيرة، يلعب دورًا مُهمًّا في هذا السياق؛ وبينما توجه اتهامات لبعض هذه المصادر بأنها تقدم تقارير منحازة وتثير النزعات الراديكالية، فإن ذلك يعني أن المسلمين لم يَعُد حتمًا عليهم أن يعتمدوا على المؤسَّسات الإخبارية الغربية مثل اﻟ CNN، واﻟ BBC للحصول على المعلومات. الصور الإعلامية عن الفظائع التي ارتُكِبَت بحق المسلمين سواء في شِيشينْيَا، أو فلسطين، أو العراق، أو البوسنة، أو كشمير أو غيرها، تُدعِّم شعورًا بالتضامن كما تثير في البعض الرغبة في الانتقام، كل ذلك مفيد إلى حدٍّ بعيد بالنسبة للجماعات المُتطرِّفة مثل القاعدة، والحقيقة أن الإسلاميين الراديكاليين يستخدمون مثل هذه المعلومات التي يتم نشرها عَبْر العالم من خلال الأفلام، واﻟ DVD، ومواقع الإنترنت بهدف تجنيد أعضاء جُدد من أجل الجهاد العالمي.

(٤-٢) تنظيم القاعدة والعولمة

يشار إلى القاعدة دائمًا على أنها تضم جوانب مُتعدِّدة من العولمة، وباعتبارها شبكة عالمية فالجانب الأبرز هو اعتمادها الكبير على الاتصالات الحديثة. «جون جراي John Gray» (٢٠٠٣) يعتقد أنها بهيكلها التنظيمي واستخدامها لتكنولوجيات الاتصال، والوعي بأهمية الميديا، تُعْتَبر ظاهرة حديثة. القاعدة تستخدم مُنتَجات الحداثة الكونية؛ مثل الإنترنت واللاب توب والتليفونات المحمولة … والطائرات بالطبع. مواقع الإنترنت يستخدمها عدد من الجماعات الإسلامية للتجنيد ولأهداف تنظيمية أخرى، ولكن القاعدة تستخدم مواقع مُشفَّرة. أما بالنسبة للوعي بأهمية الميديا، فمن منظور قيادة القاعدة أنَّ نَقْل الصور المشهدية في زمن الاتصالات العالمية السريعة يجعلها تصل إلى جمهور كوني كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، والحقيقة أن الميديا العابرة للحدود القومية قد ساعدت قضية القاعدة، وربما دون قصد، بأن جعلت رسائل الفيديو والرسائل الصوتية من أسامة بن لادن وغيره من قيادات القاعدة تُبثُّ في أرجاء العالم، كما كانت هناك إشارات مزعجة إلى أن شبكة القاعدة بصدد استكشاف إمكانية استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال العالمية للدخول في إرهاب إلكتروني ضد ما يسمى ﺑ «المجتمع الشبكي». يضاف إلى ذلك أن القاعدة والمنظمات ذات الصلة نفسها، أسست شبكات مالية عالمية متطورة لجمع ونقل الدعم المالي والتبرعات واستخدام المؤسسات الإسلامية ومنظمات الأعمال الخيرية وكذلك البنوك والشركات التي تعمل «واجهات» لتمويل عملياتها. ونتيجة للطبيعة المُعقَّدة والمتشعبة للأسواق المالية العالمية، ولضخامة حجم الصفقات، تجد الحكومات القومية صعوبة بالغة في تتبع الإرهاب الدولي في عالم المال. القاعدة في رأي «جون جراي»: «منتج فرعي من منتجات العولمة».
باختصار، التطورات المختلفة التي تمثل العولمة مَكَّنَت القاعدة من أن تُنظِّم نفسها وتحافظ على بقائها. على أننا إذا كنا نريد بالفعل أن نفهم جيدًا كيف تسهم العولمة في الإرهاب العالمي الذي تنتجه القاعدة، فمن الضروري أن نفهم تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب. كثير من المسلمين يعتبرون العولمة المرحلة الأحدث في تاريخ طويل من الاعتداءات الغربية على الإسلام وهو ما يعود في نظر البعض إلى الحملات الصليبية. في مراحل أحدث، كانت تلك الاعتداءات واضحة في انتشار الحكم الاستعماري الأوروبي عبر الشرق الأوسط خلال النصف الأول من القرن العشرين، ودمج العالم الإسلامي في الحرب الباردة، ودعم الحكومات الغربية للأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتَدخُّل الغرب في الأراضي الإسلامية المُقدَّسة بسبب الحاجة إلى النفط. هناك بالتالي شعور عام في العالم الإسلامي بأنه تحت حصار العالم الغربي وأنه يعمل من موقع ضعف (انظر: Fuller and Lesser, 1995). يتبع ذلك أن صحوة الحركات الإسلامية والجهادية هي في جزء منها رَد فعل دفاعي على هذه التطورات، كما تعكس رغبة في التمسك بأسلوب الحياة الإسلامي (Halliday, 1996)، وهكذا فإنه عند النظر إلى العولمة أو تصويرها باعتبارها استمرارية للاستغلال الغربي، فإن ذلك يكون لصالح القاعدة والجماعات المشابهة. على أن هذه الصلة بين القاعدة والعولمة في حاجة إلى موازنتها باعتبارات ربما لا يتسع المجال هنا لمناقشتها، مثل المشكلات الأحدث التي تواجه المجتمعات الإسلامية: الاقتصادات الراكدة، والأنظمة السلطوية، والفساد السياسي، والزيادة السكانية المطردة، إلى جانب اللغط الديني والانقسامات السياسية التي تحدث في المجتمع الإسلامي، وكلها عوامل ساعدت في ظهور القاعدة. من هنا، نكرر أنه لا بد من النظر إلى العولمة باعتبارها عاملًا مساعدًا أكثر منها سببًا للرعب والإرهاب العالمي.
وأخيرًا، من الممكن أن تُؤثِّر حملة الإرهاب التي تقوم بها القاعدة على المسار المستقبلي للعولمة فيصبح الناس أكثر حذرًا وتردُّدًا في مسائل السفر والتَّنقُّل في العالم، بالإضافة إلى التأثير الضار على التجارة العالمية والاستثمار؛ ففي الولايات المتحدة مثلًا وُضِعَت قيود مُشدَّدة على انتقالات البشر ورءوس الأموال إلى داخل وخارج البلاد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإن كان ذلك لا يعني أن عمليات العولمة سوف تتوقف أو أن مسارها سينعكس بسبب الإرهاب العالمي، كل ما هنالك أن شكلها هو الذي سيتأثر. هذه القضية تُحِيل إلى جدال أكاديمي أوسع عمَّا إذا كانت العولمة سوف تتعرقل بفعل الانقسامات الثقافية. «رولاند روبرتسون» (١٩٩٢م) يعتقد أن العولمة تقدم الإطار الذي تؤكد فيه الحضارات نفسها، والحقيقة أنه يناقش العولمة وكأنها قد تحققت بالفعل، وعلى العكس منه نجد «فايتوتس كافوليس Kavolis Vytautas» (١٩٨٨)، وهو مُحلِّل متخصص في الحضارة، يؤكد الحيوية المتواصلة للحضارات إلى جانب تمايزها وعدم تكافؤها، ومن هنا، فهو ينتقد نظرية العولمة. وبينما يقبل «روبرتسون» خصوصيات الأديان الفردية فإنه يؤكد نسبيتها. بعبارة أخرى، العولمة تضع الحضارات الدينية المختلفة كلها معًا وتجبرها على أن تقيم وزنًا بعضها لبعض، وهو ما يفسر المستوى العالي الحالي للوعي الحضاري والوعي الذاتي العرقي، وهذا يُعزِّز بدوره فكرة مهمة عند «روبرتسون» تناولناها في الفصل الرابع، وهي أن العولمة تتضمن «تعميم الخصوصية وليس مجرد تخصيص العمومية» (١٩٩٢م، ١٣٠).

(٥) صراع ثقافي أم تعقد ثقافي؟

الكتاب الدين تناولنا أفكارهم في هذا الفصل أوضحوا، بطرق مختلفة، الصلة بين العولمة وأشكال الصراع الثقافي، على أن هناك مشكلة عامة في توصيفهم وهي تناول العولمة على نحو غير نقدى، وهو ما يتضح في نقص الإشارة إلى ما يُصاحِب الموضوع من جدال. الأهم من ذلك أن هناك إدراكًا غير كافٍ للعولمة باعتبارها عملية مستمرة تنطوي على عدة عمليات مُعقَّدة، غير كاملة، غير منتظمة تؤثر بدورها في الثقافات والمجتمعات المختلفة بعدة طرق؛ وعليه تصبح معادلة التواصلية الكوكبية المتسارعة بالصراع الثقافي مسألة إشكالية وهو أقل ما يمكن قوله في هذا السياق. والحقيقة أنه على ضوء الأساليب الخاصة التي سوف تمارِس بها العولمة عملياتها المتعددة، ويفهمها جماعات اجتماعية ومجتمعات مختلفة لكل منها ثقافته وتاريخه، فمن المُرجَّح أن تجلب تنافرًا وتعقيدًا أكثر بدلًا من مُجرَّد إثارة الصراع، يضاف إلى ذلك أن العولمة لا تخلق صراعًا ثقافيًّا، وبينما قد يكون ذلك أحد آثار عملياتها المتعددة فإن نتيجة كهذه سوف تتحدد في النهاية بطبيعة الديناميكيات الكونية/المحلية في أُطر مُعيَّنة، يتضح ذلك مثلًا في ردود الفعل المختلفة للدول إزاء أن تصبح أكثر تَعدُّدية من الناحية الثقافية نتيجة لتوجُّه عولمي خاص، وبالتحديد زيادة الانتقال والهجرة.

وهكذا بينما رفضت الدولة الفرنسية التعددية الثقافية لأسباب تاريخية، وهو تَوجُّه قد يكون مسئولًا في جزء منه على الأقل عن الاضطرابات الكبيرة بين جماعات الأقليات العرقية والثقافية في الفترة الأخيرة، نجد أنه كانت هناك توترات ثقافية أقل في الفترة نفسها في المملكة المتحدة، حيث التعددية الثقافية سياسة تنتهجها الحكومات المتوالية منذ ستينيات القرن الماضي، يضاف إلى ذلك أن استطلاعًا للرأي أجرته اﻟ BBC في أغسطس ٢٠٠٥م يكشف عن أن ٢٦٪ من ألف شخص تم استطلاع رأيهم، كانوا يشعرون أن «التعددية الثقافية جعلت بريطانيا مكانًا أفضل للعيش» (BBC, 2005). على أنه في دولة أوروبية أخرى مثل هولندا نجد مثلًا على كيفية تأثير عمليات العولمة، مثل الهجرة، في المجتمع وكيف تغيره، هولندا، تاريخيًّا، بلد ليبرالي، ومعروف عنها الترحيب بالمهاجرين، ولكن مؤخَّرًا كان هناك تعبير عن القلق في المجتمع بخصوص مستوى الهجرة — في مطلع القرن الحادي والعشرين كان أكثر من ١٠٪ من سكان هولندا (البالغ ١٦٫٣ مليون نسمة) مهاجرين «غير غربيين» — ونقص الاندماج الملحوظ في المجتمع الهولندي لبعض المسلمين يثير مطالبات بضوابط أشد من بعض الدوائر. إلا أن أي أثر لعمليات العولمة على تآكل روح التسامح الهولندية المعروفة، لا بد من موازنته بعوامل أخرى مثل قتل المخرج السينمائي الهولندي «ثيو فان جوخ Theo van Gogh» في عام ٢٠٠٤م على يد متطرف إسلامي، وهو ما أثار قلقًا واسعًا حول وضع الدولة.
تفسيرات «باربر» وآخَرِين، تصوير يَعُوزه الوضوح للشئون العالمية. في هذا السياق نجد أن أحد جوانب أشكال التواصل الكوني التي تُعبِّر عن العولمة المعاصرة، هي التطور الكبير لمنظمات التحكم العالمية فيما يتعلق بتنمية الحوار بين الثقافات. «اليونيسكو» على سبيل المثال، تُولي هذا الهدف اهتمامًا كبيرًا، من خلال تنظيم المؤتمرات العالمية والاحتفاليات، وتبادُل الوفود التربوية وتشجيع إصلاح برامج المدارس والجامعات. وفي سياق مماثل ظهرت آليات كثيرة لحل النزاعات وبحث الشكاوى. وكما سنرى في الفصل السابع، هناك رؤية مفادها أن مثل هذه المؤسَّسات، مع النمو المستمر في حجم وعدد المُنظَّمات غير الحكومية، قد تسهم في تكوين مجتمع مدني عالمي يكون بديلًا للجهاد في مواجهة عالم ماك.٩ من المرجح أن يرد «باربر» وغيره بأنهم منشغلون أساسًا بتحديد توجُّهات وميول عريضة في المرحلة المعاصرة، أكثر من انشغالهم بتناول ما يحدث في أُطر مُعيَّنة؛ على أن نتيجة استشرافهم هي أنهم يميلون إلى تعريف العولمة باعتبارها تشجيع التطورات التي تسير في اتجاه واحد أو اتجاهين فقط، بينما عمليات العولمة، كما رأينا، قادرة على إنتاج استجابات متنوعة، متوقفة على ظروف أو أطر خاصة وعلى التفاعل بين الكوني والمحلي (Holton, 1998).

باختصار، بينما يركز «باربر» ومن معه على الصراع الثقافي في علاقته بالعولمة، من المرجَّح أن يكون الملمح المحدد لها هو التعقد الثقافي الأكبر، وخاصة إذا لم نفكر بالثقافة باعتبارها ثابتة، ونقبل مزاعم «روبرتسون» بالاختراق المتبادَل بين الكوني والمحلي. الفكرة العامة للكُتَّاب الذين يربطون العولمة بالصراع الثقافي، هي أنهم يرون الكوني والمحلي مَوجودَين في علاقة جدلية، كما أن لهم رؤيتهم الخاصة حول ما تتضمنه العولمة وكيفية عملها؛ ولكن بعض العمليات والتجليات المُعبِّرة عن العولمة، إلى جانب الانعكاسية الموجودة في القلب من التفاعل بين الكوني والمحلي، يمكن أن تُؤدِّي إلى نتائج كوزموبوليتانية، كما سنرى في الفصل القادم.

للمزيد

  • انظر أعمال (Barber, 1996)، و(Horsmann and Marshall 1995) للمزيد عن العولمة وانبعاث القومية العرقية.
  • صمويل هنتنجتون هو الكاتب الأهم في مجال الصراع الثقافي وقد قام بتطوير رؤاه في عدد من المقالات والمقابلات، ولعل أبرز أعماله كتابه الشهير:

The Clash of Civilization and the Remaking of the World Order (1997).
  • من الأعمال الرئيسية عن التحديث الانعكاسي والانعكاسية والخروج عن التقليد مؤلفات:

Beck et al. (1994), Lash and Urry (1994) and Heelas et al. (1996).
  • للاطلاع على تقييم للمتضمنات المجتمعية لاستخدام المتطرفين للإنترنت، انظر:

Susan Zickmund, “Approaching the Radical Order: The Discursive Culture of Cyberhate” (1997).
  • للمزيد عن الخلفية الثقافية واللاهوتية والسياسية للقاعدة انظر:

Jason Burke’s “Al-Queda: Casting a Shadow of Terror” (2003).
١  ينكر «هنتنجتون» أنه يحاول تصوير العولمات باعتبارها كُتلًا مُوحَّدة، وفي مقابلة معه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير، أشار إلى أن «الجزء الرئيسي عن الإسلام كان بعنوان «وعي دون تماسك» حيث أتحدث عن الانقسامات في العالم الإسلامي، وعن القتال بين المسلمين والمسلمين. حتى في الأزمة الحالية ما زالوا منقسمين. لديك بليون شخص بتلك الثقافات الفرعية … القبائل. الإسلام أقل وحدة من أي حضارة أخرى.» (Huntington: 2001).
٢  على الرغم من ذلك، ينبغي ألا نُبالِغ في هذه الفرضية. إذا كان الخروج عن التقليد أو التراث موجودًا مثلًا، فهو يصف عملية أو تَوجُّهًا، نحن لم نتحرك، هكذا ببساطة، إلى ما هو أبعد من التقليد أو التراث لندخل مرحلة ما بعد تراثية. بعبارة أخرى، بينما نحن أكثر انتقادًا بشكل عام للمؤسَّسات والممارسات التقليدية مُقارَنة حتى بالماضي الحديث، إلا أنها ما زالت مستمرة في ممارسة نفوذها على معظمنا (Heelas: 1996).
٣  على الرغم من ذلك، فإن فكرة كون الولايات المتحدة مبتلاة ﺑ«حروب الثقافة» لها معارضون كثر (انظر: Fiorina et al., 2005). كما أن «آلان وولف Alan Wolfe» في كتابه: One Nation After All الصادر في 1998 يؤكد أن كثيرًا من الأمريكيين لا يرون بلادهم هكذا. وتأسيسًا على بحث لتَوجُّهات الأمريكيين من الطبقة الوسطى، يكتشف درجة قوية من التسامح والقبول بالثقافات الأخرى. وبينما لا يقدم لنا بحث «وولف» شيئًا عن أفكار وقطاعات أخرى من المجتمع الأمريكي، فإنه يفيد في مواجهة بعض التقييمات الكئيبة للعلاقات الثقافية داخل الولايات المتحدة.
٤  White Anglo-Saxon Protestants البروتستانت الأنجلوساكسون البيض. (المترجم)
٥  فيما يتعلق بالصورة، فإن عملية المسح الواسعة التي قامت بها الحكومة الكويتية في ٢٠٠٥م تكشف عن أن تصوير المسلمين في الميديا الأمريكية والأوروبية كان نمطيًّا وسلبيًّا باستمرار، وذلك إلى حد كبير، بسبب أن الصورة الذهنية للإسلام عند الغرب اختططها متطرفون (انظر: Feuilherade, 2005).
٦  الوهَّابية أو الإسلام الوهابي حركة محافظة ظهرت أول ما ظهرت في القرن الثامن عشر بهدف تنقية الإسلام وتخليصه من البدع والإضافات التي دخلت عليه منذ وفاة النبي. هذه الحركة أسَّسها محمد بن عبد الوهاب (۱۷۰۳–۱۷۹۲م)، هي التي شَكَّلَت الذهنية الدينية لأسامة بن لادن، وحيث إن مصطلح «وهَّابي» غير واضح، يفضل البعض استخدام مصطلح «سَلفي» عند وصف جماعات معينة خارج العربية السعودية (Oliveti 2002). ولكن، كما يشير «جون اسبوزيتو John Esposito» كِلا المصطلحين: الوهابي والسَّلَفي يمكن أن يكون مُضلِّلًا، فَهُمَا يستخدمان باعتبارهما مصطلحات «مظلة» تُغطِّي أيديولوجيات وحركات مختلفة (٢٠٠٢م، ١٠٦).
٧  للمزيد عن الإسلام والتأسلم، انظر: Burgat, 2003.
٨  الشرق الأوسط وأجزاء من آسيا الوسطى بالفعل منفصلة، إلى حدٍّ ما، عن جوانب من العولمة الاقتصادية، بينما تَدفُّقات تجارة رأس المال مستمرة بين المناطق الأخرى من العالم، ولكن كما هي الحال دائمًا فإن الحدس يمكن أن يكون مُهمًّا مثل الحقيقة عندما يكون الأمر مُتعلِّقا بالعولمة.
٩  يؤكد «باربر» وآخرون أن القوى القبلية، في هذه المرحلة من التاريخ، أقوى من نظيرتها الكوزموبوليتانية والديمقراطية المبينة هنا، فنشاط المنظمات غير الحكومية العالمية، على سبيل المثال، يظل حِكرًا على عدد محدود من الناس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤