مشروع إجمالي لبرنامج قومي

أصول هذا البرنامج هي الواردة في بيان افتتاح الجبهة المرفق بعدُ، والموضوعات التي نعرضها اليوم هي مقترحات نطرحها على الشعب المصري الكريم، وعلى الصفوة من العلماء والمفكرين، للمناقشة والمشاورات العامة، ونرحب بكل تعديل يحقق غاياتنا القومية.

تمثلنا مصر في الصورة المثالية التي يريدها كل مواطن صالح، وبحثنا وسائل تحقيق هذه الصورة المأمولة لبلادنا.

وهذه طريقة الإصلاح التي تجمع إلى القصد في النفقات سرعة الإنجاز:

أولًا: الشئون الخارجية

  • (١)

    تحقيق الجلاء.

  • (٢)

    تحقيق الاستقلال السياسي التام لمصر والسودان ووحدتهما تحت التاج المصري، باعتبار وادي النيل وطنًا مشتركًا، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات العامة لجميع سكانه، وعلى أن يكون للسودان الحكم الذاتي طبقًا لمشيئة أهله، فتتم بذلك الوحدة الوطنية الديمقراطية.

  • (٣)

    سياسة الدولة لا تحدها إلا الاتفاقات الدولية التي تكون قد اشتركت مصر فيها أو قبلتها وهي حرة.

  • (٤)

    توحيد الوسائل والخطط كما وحدت الأهداف والغايات حتى تتوافر للسياسة الخارجية المصرية أسباب الوحدة والاستمرار مما يكفل للبلاد سياسة ثابتة مستقرة.

  • (٥)

    تدعيم أواصر الجامعة العربية بتمكين أواصر المودة والإخاء بين شعوبها، والتضامن معها في استكمال حقوقها الوطنية والدفاع عن حريتها، وتحقيق التعاون بين دولها بخطط عملية شاملة، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ودفاعيًّا، في نطاق ميثاق الأمم المتحدة.

  • (٦)

    توثيق أواصر الصداقة وتنمية العلاقات الودية ووسائل التعاون الحر مع الأمم المتحدة وفقًا للتطورات العالمية الجديدة.

  • (٧)

    تأييد السلام والأمن الدولي بالاشتراك مع الأمم المتحدة عامة، ومع الدول العربية في الساحة الإقليمية خاصة، وبذل كل ما يُستطاع من توطيد المبادئ، وتحقيق الأهداف التي يرمي إليها ميثاق الأمم المتحدة، بغية أن يزداد التعاون بين الدول في كل الميادين على أساس العدل والحرية، وبغية أن تتطور هيئة الأمم المتحدة في اتجاه المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الشعوب، وذلك لخير الإنسانية.

(أ) الدفاع

إن الأمم في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تدرك ضرورة التعاون بين سياستنا الخارجية وقوتنا الدفاعية لصون استقلالنا وسلامة أراضينا.

ليس الاعتداء من نوايانا، ولكننا نريد تنظيم الجيش على أساس ديمقراطي، لإعداد وسائل الدفاع عن الوطن، وتمكين البلاد من المساهمة في تأييد الأمن الإقليمي والسلام العالمي، ويكون ذلك:
  • (أ)

    بتقرير الخدمة العسكرية الإجبارية في صورة جيش مرابط هو الحرس الوطني.

  • (ب)

    وإنشاء جيش فني كامل العدة تحدده ضرورات الدفاع ومقدرة البلاد.

  • (جـ)

    إنشاء قوة جوية وبحرية كافية لمواجهة تطور وسائل القتال الحديثة.

  • (د)

    إنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة والعتاد.

على أن تقدم قواتنا الدفاعية مرتبط بتقدمنا الصناعي، وزيادة مصادر ثروتنا الطبيعية، ومقتضيات الاتجاهات الجديدة لتأييد الأمن الدولي وتحقيق السلام.

ثانيًا: الشئون الداخلية

  • (١)

    إعادة بناء الدولة على أسس العدل والحق والحرية، وذلك باحترام كرامة الفرد، وكفالة حرية الرأي، وتوطيد الحكم الديمقراطي الحر، بتعاون حر بين السلطات جميعًا، وبتعبئة عامة تشمل صفوة المفكرين من أبناء الأمة وغيرهم من المواطنين الصالحين أفرادًا وجماعات، وتنظيمها للعمل على تحقيق الأهداف القومية، والاضطلاع بأعباء الإصلاحات الكبرى التي تقتضيها النهضة المصرية الجديدة.

  • (٢)

    تنزيه الحياة النيابية والحزبية، والعمل على استقرار الحكم الدستوري بإقرار مبدأ التعاون في جميع نواحيه، وبإصلاح النظام الحزبي، وبتحقيق التعاون بين الأحزاب في أمهات المسائل، حتى توجد في البلاد سياسة مستقرة موحدة في الشئون القومية.

  • (٣)
    العمل على تكوين رأي عام، قوي، حر، مستنير، حول مبادئ قومية ترسم معالم الغد، وذلك:
    • (أ)

      بتقرير حرية الصحافة وحرية الإذاعة في نقل الأنباء الصحيحة ونشر الحقائق على الشعب، وإشاعة روح الشورى في البلاد، والاعتماد على الحق والصراحة التامة والتشاور الحر، وإنشاء النوادي وبيوت الشعب، وتنظيم عقد اجتماعات عامة في أنحاء البلاد لمناقشة مسائلنا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدفاعية، حتى يدرك المواطن واجبه ويقوم بنصيبه في الإصلاح.

    • (ب)

      تحقيق التعاون الوثيق بين أولي الرأي تعاونًا لا يلحظ فيه إلا الصالح العام، والعدل العام، والحرية العامة، والكرامة العامة.

      فإن الاعتماد الزائد على العلم في شئوننا العامة يحملنا على إعادة النظر في نظمنا وخططنا، وإشراك العلماء والفنيين في شئون السياسة والاجتماع والاقتصاد التي ترتبت على التقدم في العلوم النظرية والتطبيقية، ومن الخير أن يدرك العلماء والفنيون مسئولياتهم الجديدة، وأن الواجب عليهم تدريب الشعب على التفكير الجدي في حياتنا العامة؛ حتى يدرك واجبه نحوها، ويقلب أوجه الرأي في الإصلاحات الكبرى، ليقوم بنصيبه فيها؛ إذ لا بد لنجاح النهضة واطراد تقدمها من أن يشعر الشعب بأنه واضع خططها وصاحب الرأي فيها.

  • (٤)

    تعديل طرائق الانتخاب وجعلها محلية، وضمان حرية الانتخاب بمنع التدخل الحكومي، ومنع الضغط والإرهاب والغش، حتى تُعبر الانتخابات عن إرادة الشعب تعبيرًا حرًّا، وجعل أساس الانتخاب الإقامة في القرية والمدينة والإقليم، حتى تتحقق الديمقراطية، وحتى تمثل الناحية الاقتصادية والناحية الاجتماعية في البلاد في مجالسنا النيابية أسوة بالناحية السياسية.

    أما تمثيل المرأة فيكون بالطريقة التي تلائم طبيعتها ومكانتها ورسالتها السامية.

  • (٥)

    إقرار الحكم الذاتي للقرى والمدن والأقاليم، حتى تقوم هيئاتها المحلية المنتخبة بكافة شئونها ومرافقها العامة بمعاونة الفنيين من رجال السلطات المركزية التي تتولى توجيهها، وتنسيق أعمالها، ووضع خططها.

    تخطيط المنشآت القروية الزراعية والاجتماعية والصحية والثقافية موحدة في معهد القرية، ففي توحيد الأعمال والمنشآت في القرية وقيامها على أساس التعاون اقتصاد كبير في النفقات، وفي تدريب أهل القرية على الحياة الجديدة العامة تكوين لشخصية المواطن الصالح.

    كما يُعنَى عناية خاصة بالطرق الريفية، وبإعادة بناء القرى في الريف بيد أهله، وتجديد الأحياء الفقيرة في المدن لتهيئة المساكن الصحية للفلاحين والعمال، وإيجاد قاعات عامة للتنوير العام، ومناقشة الشئون العامة، وإحياء الأعياد والمواسم.

    وتُلقى مسئولية محاربة الجهل في الكبار، والعناية بالتعليم العام على مجالس القرى والمدن والأقاليم المحلية وعلى الحكومة معًا.

    وتُلقى مسئولية الأمن العام المحلية وإدارة الانتخابات على هذه المجالس المحلية كذلك، وتكون المعاونة الحكومية في هذه الشئون مقرونة بالتوجيه والتشجيع.

    وتتعهد المجالس المشار إليها شئون الصحة وتوزيع المياه والنور وغيرها من المرافق العامة، وتشرف على الأعمال التعاونية، وكل ذلك في نطاق السياسة العامة للدولة.

    على أن تنظيم الأمور في دور الانتقال، بحيث يشترك في مجلس القرية أهلها جميعًا حتى الذين لا يقيمون فيها مهما علا مركزهم في الدولة أو في الأعمال الحرة، وتكون الخدمة في القرية والعمل في مجلسها من مؤهلات النيابة في البرلمان والخدمة في الوظائف العامة.

    ولأجل تيسير الأعمال تكون القرى المتقاربة وحدة تخصص الحكومة من خمسين فدانًا إلى خمسمائة فدان لمرافقها العامة والعناية بها، وتمنحها من المال ما يوازي ضرائب الأطيان فيها، وتكون زيادة ثمن الأراضي الناتجة من انتقالها من أراضي زراعية إلى أراضي بناء من حقها؛ وغير ذلك حتى نحقق لها ميزانيات خاصة.

  • (٦)

    تجديد أداة الحكم، وجعل نظام التوظف في أمن من الحزبية، والقضاء على المركزية في غير ما هو ضروري لصون كيان الدولة وضمان الوحدة القومية.

    كفالة حرية تصرف الموظفين المختصين في الأعمال الموكلة إليهم في أية جهة وجدوا، وإلقاء تبعتها عليهم بعد تحصينهم بالضمانات التي تصون حقوقهم، وقصر مهمة الوزراء على التوجيه والرقابة ورسم الاتجاهات الجديدة.

    تحقيق العدالة الإدارية على أسس ديمقراطية واسعة النطاق في نظام غايته كرامة الفرد وحريته والمساواة بين المواطنين جميعًا، وانتهاج أساليب حرة من شأنها أن تشيع الروح الديمقراطي بين الموظفين والأهالي، فيصدر الموظف في تصرفاته عن قاعدة أنه أمين الشعب وخادمه، ويتقدم المواطن إلى معاونة الموظف بوصف كونه مواطنًا صديقًا، فيكون الموظف خادم الشعب، والشعب صديق الموظف يعاونه في أداء واجباته العامة.

  • (٧)

    كفالة استقلال القاضي بجعل أمر التعيين والترقية والنقل والعزل في كفالة هيئة مستقلة بعيدة عن كل صبغة سياسية.

    وكفالة استقلال القضاء حتى يكون للشعب حق الالتجاء السريع للمحاكم، والاتصال المباشر بالقاضي والشكوى إليه في جميع أحوال الاعتداء على الحرية الشخصية، أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور، وتحريم كل تدخل حكومي في هذا الشأن.

ثالثًا: الشئون الاقتصادية

(أ) ديمقراطية اقتصادية واجتماعية

إنشاء ديمقراطية اجتماعية واقتصادية تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية، وترسم فيها السياسة العملية الكفيلة بتعبئة موارد البلاد جميعها، على أساس بحوث فنية ومالية، للنهوض بالزراعة والصناعة إلى أوسع ما يحتمل مداها، واستثمار كنوزها المعدنية ومواردها الطبيعية على أكمل وجه؛ لمضاعفة الثروة العامة حتى تتمكن البلاد من مواجهة الأعباء الاجتماعية الملحة، ورفع مستوى المعيشة في سائر نواحيها.

وإذا كنا لا نتحيز لأي مذهب اجتماعي لذاته أو نظرية اقتصادية من تلك النظريات التي تتقاسم العالم، فإننا نؤمن بأن الإصلاح الحقيقي العملي يستمد مبادئه من حاجات الناس، وأن البيئة هي التي تقرر نوعه ووسائله.

إن أساس اقتصادنا القومي هو في رفاهية الفلاح والعامل، ورفع مستواهما الاجتماعي، ليكون ركنًا من أركان النهوض بالبلاد.

وخططنا هي زيادة الثروة القومية بإنهاض الزراعة والصناعة والتجارة، وباستغلال الموارد الطبيعية بأنواعها على أساس البحوث العلمية والنظم الفنية.

(ب) الزراعة

تنمية غلة الأرض

  • (١)

    تنويع المحصولات على أساس المصلحة العامة، مستعينين بكافة الوسائل العلمية والآلات الحديثة.

    إنشاء الصناعات الزراعية حتى يشغل الفلاح أوقات فراغه، ويزيد في أسباب رزقه، ويستغل خامات بلاده.

  • (٢)

    التوسع في المساحات المزروعة بإصلاح الأراضي البور، والاتجاه إلى الصحاري، لاستغلال أكبر قدر يستطاع فيها، بالانتفاع بمشروعات الري الكبرى وبالمياه الجوفية ومياه الأمطار والزائد من مياه الفيضان، والاهتمام بشئون الصرف وتعميمها في البلاد لما يترتب عليها من زيادة الإنتاج، وتحسين صحة الإنسان والحيوان، والاستعانة في ذلك كله بالبحوث الفنية.

السياسة الزراعية

  • (١)

    لن تكون لمصر سياسة زراعية سليمة إلا إذا قامت على حماية الفلاحين؛ فالفلاحون هم الينبوع الدائم لشباب الأمة، وصحتهم وزيادة عددهم أمران أساسيان لبناء الدولة. وإن قوة مصر وسعادتها قائمة على الأرض، وستظل قائمة على الأرض، ولا سبيل للرخاء ما دام الفلاح فقيرًا.

    وهنا نعلن الحقيقة القومية الخالدة: وهي أن أراضي الوطن يجب أن تبقى وقفًا على المواطنين المصريين، بوصف كونها موطنًا لهم وسبيلًا لمعايشهم.

    إن بلادنا فسيحة، وميادين استثمار الأموال فيها واسعة متنوعة، ومصر ترحب بمشاركة الأجانب بعلومهم وخبرتهم وأموالهم في أعمالها التجارية والصناعية، وتعرف لهم ما قدموه لها من خدمات، وتريد استمرار تعاونهم معها في الغد في بناء مصر المأمولة، على أنه بسبب ضيق أراضيها الزراعية وسرعة ازدياد سكانها؛ نجد من أهم أسباب توفير معايشهم قصر ملكية هذه الأراضي على فلاحيها حتى ننتشلهم من الفقر ومن البطالة.

  • (٢)

    وأراضي الوطن باعتبارها أساس الثروة القومية ينطوي حق امتلاكها على واجب استغلالها مع رعاية المصالح القومية، سواء كان ذلك من ناحية وفرة الإنتاج أو تركيزه أو توجيهه، أو من ناحية حمايتها من المضاربات التجارية. والقروض الزراعية تقدمها بنوك الدولة أو بنوك تحت إشرافها، عن طريق الجمعيات التعاونية بشروط سمحة.

  • (٣)

    وأراضي الوطن حق لأهله جميعًا، فينبغي تيسير اقتنائها لكل مزارع مُجِدٍّ، على أن توزع توزيعًا عادلًا يقوم على تشجيع ملكية الحقول الصغيرة، والاحتفاظ بحصة مناسبة من زمام القرية للملكية الصغيرة. ويُوضع حد أقصى للملكية الكبيرة، فتكون الضرائب التصاعدية بعد هذا الحد الأقصى، مما يجعل استثمار المال في غير الملكية الزراعية أجدى وأنفع. وإذا وُضع حد أقصى للملكية الكبيرة، فينبغي كذلك وضع حد أدنى للملكية الصغيرة حتى لا تتجزأ بحالة لا تسمح بحسن استغلالها.

  • (٤)

    تيسير السكن في الريف بكافة الوسائل، وتشجيع الإقامة فيه، وفرض ضريبة إضافية على الملاك غير المقيمين تخصص حصيلتها لتحسين المرافق العامة في القرية.

  • (٥)

    وتقوم السياسة الزراعية العامة على وفرة الإنتاج، ورعاية مصالح الأهلين جميعًا بتنظيم علاقات الملاك والمستأجرين والعمال والزراعيين، على وضع يُراعى فيه تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعهم الزراعي، ويكون للدولة حق الرقابة والتحكيم.

  • (٦)

    تكون الجمعيات التعاونية أساسًا لتحقيق وفرة الإنتاج، وتخفيض مصاريف الزراعة، وتزويد الفلاحين بأدوات الزراعة وبالسماد والبذور والمواشي والدواب، وتخفيض سعر فائدة القروض الزراعية، وإرشاد الفلاحين إلى حسن استغلال الأراضي بتقديم النصائح ونشر المعلومات.

    وعلى الدولة أن تضع لهذه الجمعيات النظم التي تعينها على أداء رسالتها، وأن تقدم لها المساعدات الكاملة.

(ﺟ) الصناعة

  • (١)

    العمل على إنهاض الصناعة بتدبير المواد الأولية، والقوى المحركة الرخيصة، وتيسير المواصلات، وتوفير سبل الائتمان الصناعي، والكشف عن مخابئ ثروتنا المعدنية، واضطلاع الدولة أصلًا باستغلالها.

  • (٢)

    تشجيع إقامة المصانع، وتوزيعها في نواحي البلاد على أسس اجتماعية واقتصادية، وتوزيع أعمال الإنشاء والتعمير بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية والبلدية والقروية، وبين الشركات والأفراد، بما يلائم الصالح العام.

  • (٣)

    حماية الصناعات الناشئة السليمة.

  • (٤)

    فتح مجال العمل الاقتصادي الحر للشباب المصري بالتوجيه والإقراض، حتى نكفل في جيل واحد تكوين كفايات صناعية مستنيرة.

  • (٥)

    ولرفع مستوى المعيشة ينبغي أن يكون هدفنا رفع مستوى الإنتاج إلى أقصاه، وزيادة الدخل، وتشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة حتى يساهم كل مواطن بنصيبه في العمل لخدمة بلاده.

(د) تعاون الزراعة والصناعة

إن الرخاء القومي يستند إلى تعاون الزراعة والصناعة، وإن من أهم الأعمال التي ستواجهنا تحقيق الموازنة بين الإنتاج الزراعي والصناعي بالقدر الذي يسمح للصناعة والزراعة معًا بالازدهار ووفرة الإنتاج.

فإن توفير العمل الكامل والمنتجات الصناعية والأجور الطيبة في المدن المصرية يجعلنا نأمل في زيادة الإنتاج والرخاء في الريف المصري.

(ھ) العمال الزراعيون والصناعيون

  • (١)

    حماية العمل الزراعي والصناعي بالتوسع في تشريعات التأمين الاجتماعي بأقصى ما تحتمله موارد الدولة، والعمل على أن يكون التأمين الشامل هو الهدف الأخير.

  • (٢)

    تنظيم شئون العمل الزراعي والصناعي بحيث يكفل للعامل معيشة تتفق مع كرامة الإنسان، فلا تقل الأجور عن الحد الكافي للوفاء بضرورات الحياة وفاء كاملًا، وتزداد بما يناسب وفرة الإنتاج وإجادة العمل.

  • (٣)

    تنظيم العلاقات بين العمال وأرباب الأعمال على أسس اقتصادية تتفق مع قواعد العدالة الاجتماعية، وفضلًا عن ربط مصلحة العمال بالمصنع تُيسَّر لهم سبل المعيشة من مسكن وكساء وغذاء وعلاج، وتُنشَأ لهم المدارس والنوادي الرياضية والجمعيات التعاونية، ويُفرَض كل ذلك بالقانون.

  • (٤)

    وضع ميثاق للعمل، وتنظيم جماعات العمال كأعضاء عاملين في المجتمع، والاعتراف بهيئاتهم العامة في جميع الظروف والأحوال، وإقامة هيئات دائمة للنظر في شئون العمل تجتمع في فترات معينة للمساعدة في حسم مشاكل العمال، وتتألف هذه الهيئات وقوامها رجال الصناعة والعمال، وتختص بأوجه الخلاف الرئيسية، وتُعاوِنُها هيئات مماثلة ذات مستوى أدنى، وتختص بأوجه الخلاف الأقل أهمية، فيتبادلون وجهات النظر المختلفة في فترات دورية متقاربة، ويتداركون المسائل التي يواجهها كل منهم في الوقت المناسب، فيتفادون المشاكل والصعاب.

(و) إنهاض التجارة الداخلية والخارجية

  • (١)

    إنعاش التجارة المصرية في الداخل بمحاربة الاحتكار، وتنظيم السوق تشجيعًا للمنافسة الصالحة، وتقرير المساواة في حق الحصول على المواد الأولية.

  • (٢)

    توجيه تجارتنا الخارجية وفقًا للمبادئ التجارية الملائمة لاقتصادنا القومي، على نظام يكون بمنجاة من القيود غير الاقتصادية.

رابعًا: الشئون المالية

  • (١)

    وضع مالية الدولة على أساس جديد يلائم التطورات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وتوجيه أموال الدولة لخير الأهلين جميعًا، وحمايتها من نفقات الزهو والزخرف؛ ويكون تحقيق الحاجات الضرورية الأولى للسواد الأعظم من الأمة في المقام الأول من نفقات الدولة، وتكون العناية بالمشروعات الكبرى التي تزيد في موارد الدولة من أهم الاتجاهات المالية.

  • (٢)

    إعفاء الطبقات الفقيرة من الضرائب إلى الحد الأدنى الضروري لرفع مستوى المعيشة، وإعفاء الملكية العائلية الصغيرة من أرض أو مسكن من الضرائب.

    وجعل أساس الضرائب تصاعديًّا بما يتفق ومقتضيات العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، وتوزيع الضرائب توزيعًا سليمًا يضمن قوة شرائية كافية للفرد، ويكفل حماية المنشآت الأهلية وتقدمها.

  • (٣)

    جعل المرافق العامة الحيوية قومية، ووضعها تحت إشراف الدولة مباشرة.

  • (٤)

    تشجيع رءوس الأموال المصرية على المساهمة بنصيبها الكامل في النهضة الاقتصادية وتحرر الاقتصاد المصري من القيود المفروضة عليه.

  • (٥)

    توطيد الاستقلال المالي على دعائم بنك وطني مركزي تحت إشراف الدولة، وتأميم بعض المصارف المالية عند الاقتضاء.

(أ) تعاون الخطط السياسية والاقتصادية لرفع مستوى المعيشة

إن الجهود الاقتصادية لا تكفي وحدها لرفع مستوى المعيشة في الطبقات العامة، ولن يوجد تحسين ثابت مستقر ما لم يكن التعاون وثيقًا بين رجال الاقتصاد ورجال السياسة؛ لأن العبودية السياسية هي من أهم أسباب فقر الشعب، ومن الضروري إذن اشتراك الخطط السياسية مع الخطط الاقتصادية لمكافحة الفقر. وسياسة تحرير الشعب هي التي تصلح أساسًا لنظام اقتصادي ثابت؛ فينبغي تدعيم الحرية السياسية وحمايتها حتى تكون الديمقراطية المصرية حقيقة واقعة، وحتى نصل إلى تحرير اقتصادي مستقر.

(ب) الاستقرار الاقتصادي

ولا بد من إقامة نظام اقتصادي متين لتنظيم الإنتاج، وتنظيم موارد الدولة، ولا بد من اتخاذ تدابير اقتصادية تسمح للشعب بالتعجيل في الإنتاج بأقصى سرعة ممكنة لمسايرة التعاون الاقتصادي الدولي.

خامسًا: الشئون الاجتماعية

(أ) التعليم

  • (١)

    يكون نشر التعليم على أساس التعاون الكامل بين الشعب والحكومة.

    وتقوم التربية على تعاون بين المدرسة والأسرة، ويحقق هذا التعاون جمعيات من الآباء والمعلمين في جميع البيئات صغيرها وكبيرها.

  • (٢)

    تحقيق مرحلة من التعليم موحدة بقدر الإمكان في ثقافتها القومية، وتوجيهها الوطني، يشترك فيها أبناء مصر جميعًا، وتتحمل الدولة والإقليم والقرية أعباءها.

  • (٣)

    بث الشعور الوطني في نفوس الناشئة، وجعل التربية عملية تطبيقية لإعداد الناشئة للحياة الحرة بتكوين جيل مثقف يميل إلى الحياة القروية، وتكوين فلاح مُلمٍّ بالزراعة الفنية، والصناعات المحلية، وكذلك تكوين العامل المستنير للنهوض بالصناعة على أساس الربط بين الدراسة وحاجات المصانع الحقيقية.

  • (٤)

    العناية بتعليم الدين وتيسير رسالته الشعبية.

  • (٥)

    مكافحة الأمية والجهل، وتنوير أفراد الشعب في الشئون العامة، وتثقيفهم لتدعيم الصالح من العادات، وحماية الآداب العامة، وإثارة التعاون بين مختلف الطبقات.

  • (٦)

    العناية بالتعليم الفني والعالي، والتوسع فيه بما يتناسب مع النهوض القومي، وتطور العالم الاقتصادي والثقافي.

(ب) الصحة العامة

  • (١)

    وضع برنامج عملي لتوفير الغذاء والكساء للفلاح والعامل والطبقات الفقيرة عامة، وتيسير الحصول عليها.

  • (٢)

    توفير المياه الصالحة للشرب وتيسير استعمالها المنزلي.

  • (٣)

    تحسين حالة المساكن للطبقات العامة في القرى والمدن، ومراقبة الأطعمة والمشروبات التي تُقدم للجمهور، والعناية بالنظافة العامة والتخلص من الفضلات، وردم البرك والمستنقعات.

  • (٤)

    مكافحة الأمراض المتوطنة بطرائق حاسمة: التيفوس، الملاريا، البلهارسيا، الإنكلستوما، الرمد والجذام وغيرها.

  • (٥)

    العناية بالأطفال لتقليل نسبة الوفيات، ونشر التعاليم الصحية وجعلها إجبارية بالمرحلة الأولى في التعليم.

  • (٦)

    توفير العلاج المجاني لكل محتاج إليه.

  • (٧)

    تشجيع إنشاء ملاجئ ومصحات للأطفال والمصابين بأمراض مستعصية، ومنشآت للعناية بالحامل والمولود، على أن يعتبر كل ما يُصرف في هذه الشئون من وسائل زيادة الثروة القومية والقوى الحية في البلاد.

(ﺟ) المجتمع المصري

إقامة المجتمع المصري على أساس الدين والأخلاق والوطنية؛ فهي وحدها التي تقرر الحقوق والواجبات معًا.

الدين

  • (١)

    الدين يكفل للشعب أسمى المبادئ الروحية التي هي مصدر سعادته وقوته، وبالدين نعطي هذه الحضارة المادية تلك الناحية الروحية التي فقدتها، ونُقيم نهضتنا ورسالتنا على الإخاء والتعاون مع جميع الأديان، وبين جميع أفراد المجتمع المصري.

  • (٢)

    ويكون الدين أساسًا عمليًّا في تربية الناشئة وفي حياة الأسرة، والأخلاق الكريمة أساس السلوك في المجتمع.

  • (٣)

    بث روح التسامح الديني عملًا بتقاليدنا التاريخية، وبث مبادئ العدالة الاجتماعية في الحياة المصرية العامة، وتأييد حق كل فرد في أن يعيش عيشة تتفق مع كرامة الإنسان.

الأسرة

  • (١)

    تدعيم الأسرة، وتوثيق الروابط بين أفرادها، وإدخالها في عوامل التقدير في الشئون الاجتماعية والاقتصادية.

  • (٢)

    تنظيم أمور الأسرة في شئون النفقة والزواج وغيرها، بما يكفل تحقيق غايات التراحم والتعاون بأوسع معانيها في الظروف العصرية الحاضرة تمشِّيًا مع روح الدين وأصول الشريعة.

  • (٣)

    إنشاء مجلس عائلي للنظر في شئون الأسرة، وإيجاد صندوق للأسرة يُموِّنه القادرون من أفرادها بالمال.

  • (٤)

    إنشاء مجلس أعلى قومي للعناية بشئون الأسرة وبالتقاليد والعادات بوجه عام حتى تتطور بما يلائم العصر.

الشباب

نحن نؤمن بأن الواجب على كل جيل أن يهيئ الجيل الذي يأتي بعده ليكون خيرًا منه، وأوسع منه علمًا، وأعمق ثقافة، وحق الجيل المقبل يسبق كل شيء في المجتمع المستنير.

ونؤمن بأن ثروة الأمة الحقيقية في شبابها، والتي بها أحسنُ الشباب لها خيرُ مستقبل.

ولتهيئة نشء صحيح الجسم، قوي الخلق، مزود بالعلم والإيمان، ينبغي:
  • (١)

    تقصي أحوال الأطفال والفتيان والفتيات والأهلين في بيئاتهم الخاصة، وتقديم النصائح والإرشادات اللازمة لهم، ونشر القواعد الصحية للأمومة والطفولة في أوساطهم، ومعاونتهم على الأخذ بأسبابها.

  • (٢)

    حماية الطفولة المشردة وإعدادها للعمل للقضاء على الجريمة في بيئتها.

  • (٣)

    حماية الشباب إلى بلوغ الرشد في المجتمعات العامة، بالبعد بهم عن مشاهدة الأفلام والمطبوعات التي تثير الغرائز والشهوات، أو تدفع بهم إلى الجريمة، وعن ارتياد الأماكن التي تُباح بها المسكرات، أو تبعث إلى الفساد.

  • (٤)

    العناية بأوقات الفراغ، وتشجيع إنشاء النوادي الشعبية التي تضم الملاعب الرياضية وضروب التسليات البريئة، والمكتبات وقاعات الاجتماعات للمحاضرات العلمية المبسطة، والمناقشة في الشئون العامة والمحلية.

  • (٥)

    إعداد جماعات المرشدين الأكفاء والزائرات الصحيات والاجتماعيات لرعاية كل هذه الشئون.

  • (٦)

    تعميم دور الكتب في المدن والريف، وتشجيع الرياضة البدنية ونشر أدبها، وتشجيع الرحلات العلمية والتعارفية في داخل البلاد وخارجها.

  • (٧)

    العناية بالتدريب العسكري وبشئون الكشافة؛ لتعويد الشباب على الخشونة وبساطة العيش، والاعتماد على النفس، وحب الخير.

  • (٨)

    تدريب الفرق من متطوعي الشباب على شئون الإسعاف والهلال الأحمر، وتلقينهم المبادئ الإنسانية.

  • (٩)

    ترقية الأغاني القومية السامية المقاصد والرفيعة المعاني.

  • (١٠)

    عقد مؤتمرات سنوية لتوجيه نهضة الشباب، وتحقيق التعاون بين أنديتهم، وتنظيم المباريات العامة بينهم.

المدينة

  • (١)

    تعمل كل مدينة ما تستطيع في محيطها على توفير أسباب العيش لأبنائها وتهيئة أنواع العمل، واستغلال مرافقها وخاماتها، وتشجيع المنشآت الصناعية في دائرتها.

  • (٢)

    تنشئ المدينة حولها مستعمرات: زراعية، صناعية، اجتماعية؛ لرعاية الأحداث وتعليمهم إحدى المهن بعد تمام المرحلة الأولى من التعليم، وتدربهم على إدارة شئونهم بأنفسهم، وتنمية الروح الوطنية فيهم، وبث أسباب التعاون العملية بينهم ليكونوا مواطنين صالحين في مجتمع سعيد.

المراكز الاجتماعية في القرى والمدن

  • (١)

    تؤسس لجان من كرام كل قرية وكل حي في المدينة لمعاونة المراكز الاجتماعية في نشاطها، وجمع الزكاة والتبرعات والإعانات لمساعدة العائلات ذات الأطفال الكثيرة.

  • (٢)

    يقوم المفكرون والأعيان والنواب ورجال الأعمال والأطباء ورجال الإدارة والتعليم بمعاونة المراكز الاجتماعية، والمساهمة في أعمالها، وتعضيدها بالفكر والمال والعمل.

هذه مقترحات في تدعيم بناء النهضة السياسية، وتركيزه على أسس قومية تُعيد له سابق روعته، وتكفل لهذه الأمة متابعة خطواتها في طريق العمل لمجدها ورفاهية بنيها، والمساهمة بنصيب في السير مع العالم إلى خير الإنسانية.

وهذه هي دعوة إلى الصفوة المختارين من قادة الرأي لنتعاون وإياهم على العمل على تعبئة جميع القوى في البلاد من شباب وشيوخ، أفرادًا وأحزابًا وهيئات وجماهير؛ للنهوض بالأعباء القومية المشتركة، وبث روح الإيمان بمصر وإيثارها بالمحبة الكبرى، على أسس واضحة صريحة تصلح سنادًا للرأي العام، ودعامة مستقرة للإصلاح المنشود، وبداية مباركة لأداء رسالة مصر على أقرب ما يكون إلى الكمال.

ونحن إذ ننشر هذه الدعوة نرجو أن يوافينا كل مواطن بما قد يعن له من ملاحظات تُعين على استكمال الغاية منها أو توضيحها؛ حتى تخرج البلاد منها بميثاق قومي يكون أساس الاستقرار، وطليعة السياسات الثابتة.

وهذا الميثاق يُعين على معالجة مشاكلنا الداخلية التي تتفاقم يومًا بعد يوم بحيث أضحى خطرها يهددنا أكثر من أي خطر خارجي.

ولن يتوفر لأمة مجد خارجي ومكانة عالمية إلا إذا حققت مجدها الداخلي.

وفي هذه الساعات التاريخية الحاسمة نتوجه إلى المولى عز وجل بقلوب خاشعة، ونفوس مطمئنة؛ ليلهمنا السداد والتوفيق في خدمة هذا الوطن العزيز؛ نقدم له خير تجاربنا، وخلاصة تجارب غيرنا، ونمحص الرأي بعد الرأي، متعاونين في إخلاص ووفاء لبناء الغد المأمول، والله معنا.

لتحي مصر.

ليحي الملك.

الأحد ١٦ ذي الحجة سنة ١٣٦٥ / ١٠ نوفمبر سنة ١٩٤٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤