الفصل الخامس

الأنظمة الكوكبية

بدأ علم الفيزياء الفلكية بدراسة نيوتن لديناميكا النظام الشمسي (الجدول ٥-١)، وما يزال العمل على فهم كيفية تشكُّل النظام الشمسي وتطوُّره إلى حالته الحالية في طليعة اهتمامات الفيزياء الفلكية حتى يومنا هذا.

في عام ١٩٩٥، أعلن ميشيل مايور وديدييه كيلوز اكتشاف كوكب يدور حول النجم ٥١ بيجاسي، وهو نجم لا يختلف عن الشمس. منذ ذلك الحين، اكتُشِف نحو ١٠٠٠ نظام كوكبي خارج المجموعة الشمسية، ويُشكِّل فهم كيفية تكوُّن هذه الأنظمة وتطورها إلى حالتها الحالية أثرًا عميقًا في طريقة تفكيرنا في نظامنا الكوكبي، بل في مكاننا في الكون. يتطور فهمنا لتشكُّل النظم الكوكبية وتطوُّرها بسرعة، لكننا ما زلنا لا نعرف مدى تفرُّد نظامنا.

ديناميكا الأنظمة الكوكبية

أثبت نيوتن أنه إذا تحركَت الكواكب في مجال جاذبية الشمس وحدها، فإن مداراتها ستكون إهليلجية (الشكل ٥-١). وكان مدركًا أن هذا الإثبات ليس سوى بداية رحلةٍ طويلةٍ نحو فهم الديناميكا الكاملة للنظام الشمسي؛ لأن الكواكب لها كتل غير صفرية، ويجب أخذ تأثير الجاذبية المتبادلة بين الكواكب في الاعتبار. كانت هذه المهمة في طليعة الفيزياء الرياضية خلال فترة اﻟ ٢٥٠ عامًا التالية. تُوجَت هذه الجهود بعمل أوربان لو فيرييه (١٨١١–١٨٧٧)، الذي أثبت أن الفيزياء النيوتنية اكتشفَت شذوذًا طفيفًا للغاية في مدار عطارد. وفي عام ١٩١٦، كانت إحدى الحُجَج لصالح صحة نظرية النسبية الجديدة كليًّا لأينشتاين هي أنها تفسر هذا الشذوذ بشكلٍ طبيعي للغاية.
جدول ٥-١: النظام الشمسي: يشير الرمز إلى الكتلة الأرضية، بينما يشير الرمز إلى الفترة المدارية لكوكب المشتري. نُدرج بلوتو هنا، على الرغم من أن الاتحاد الفلكي الدولي قد سلبه في عام ٢٠٠٦ شرف اعتباره كوكبًا، بحجة أنه مجرد جِرمٍ كبير في حزام كايبر.
الكوكب الاختلاف المركزي ( ) زاوية الميل ( ) الفترة
عطارد ٠٫٠٥٥ ٠٫٣٨٧ ٠٫٢٠٦ ٦٫٣٤ ٠٫٢٤١ ١ : ٤٩٫٢
الزهرة ٠٫٨١٥ ٠٫٧٢٣ ٠٫٠٠٧ ٢٫١٩ ٠٫٦١٥ ١ : ١٩٫٣
الأرض ١ ١ ٠٫٠١٧ ١٫٥٨ ١ ١ : ١١٫٩
المريخ ٠٫١٠٨ ١٫٥٢٤ ٠٫٠٩٣ ١٫٦٧ ١٫٨٨١ ١ : ٦٫٣١
المشتري ٣١٧٫٨ ٥٫٢٠٣ ٠٫٠٤٩ ٠٫٣٢ ١١٫٨٦
زحل ٩٥٫١٥ ٩٫٥٨٢ ٠٫٠٥٦ ٠٫٩٣ ٢٩٫٤٦ ٢٫٤٨ : ١
أورانوس ١٤٫٥٤ ١٩٫١٩ ٠٫٠٤٧ ١٫٠٢ ٨٤٫٠٢ ٧٫٠٨:١
نبتون ١٧٫١٥ ٣٠٫٠٧ ٠٫٠٠٩ ٠٫٧٢ ١٦٤٫٨ ١٣٫٩ : ١
بلوتو ٠٫٠٠٢ ٣٩٫٢٦ ٠٫٢٤٥ ١٧٫١ ٢٤٧٫٧ ٢٠٫٩ : ١
fig22
شكل ٥-١: قطع ناقص مداري ذو اختلاف مركزي ( ) يساوي ٠,٥. طول المحورَين الرئيسيَّين و . يقع مركز الجذب، المميز بنجمة، على مسافة من مركز القطع الناقص.

في اﻟ ٢٠ عامًا الأخيرة، أعادت تطوراتٌ جديدة الاهتمامَ بديناميكا الكواكب. أول هذه التطورات كان توفُّر أجهزة الكمبيوتر السريعة والرخيصة نسبيًّا، مما جعل من الممكن لأول مرة دمج المعادلات الكاملة للحركة عَبْر مليارات السنين، وثانيها كان اكتشاف الأنظمة الكوكبية خارج المجموعة الشمسية، التي هي في الغالب مختلفة اختلافًا كبيرًا عن نظامنا، مما دفع الفيزيائيين الفلكيين للتساؤل عن السبب في ذلك، وعما يمكن أن يخبرنا به عن النظام الشمسي.

الكواكب المضطربة

نظرًا لأن كتل الكواكب أصغر بكثيرٍ من كتلة الشمس، فإن النهج الطبيعي لدراسة ديناميكا الكواكب هو استخدام «نظرية الاضطراب»؛ حيث نضع الكواكب على مداراتها كما لو كانت جميعها عديمة الكتلة، ثم نسأل كيف سيتطور مدار كوكبٍ معين استجابةً للقوة المؤثِّرة فيه من الكواكب الأخرى. في هذا الإطار، يكون مدار الكوكب دائمًا أحد المدارات الإهليلجية لنيوتن حول الشمس، ولكن المدار يتغير تغيُّرًا بطيئًا استجابةً للاضطرابات الناجمة عن الكواكب الأخرى.

الأعداد الرئيسية التي تصف المدار الإهليلجي هي «المحور شبه الرئيسي» ، الذي يتحكم في طاقة المدار ( )، و«الاختلاف المركزي» ، الذي يصف شكل الإهليلج (الشكل ٥-١)، و«الميل» ، الذي يمثل الزاوية بين مستوى الإهليلج و«المستوى الثابت»، وهو مستوًى تخيلي يُحدَّد بزخم النظام الشمسي الزاوي (الشكل ٥-٢). يسرد الجدول ٥-١ هذه الكميات لكواكب الشمس. نستخدم نظرية الاضطراب لحساب مدى تغيُّر هذه القيم بمرور الوقت.
fig23
شكل ٥-٢: الميل هو الزاوية بين المستوى الثابت ومستوى مدار الكوكب.
يُعتبر الزخم الزاوي كمية حاسمة في ديناميكا الكواكب، كما هي الحال في ديناميكا الأقراص التراكمية (الفصل الرابع). بالنسبة إلى محور شبه رئيسي ثابت ، يكون الزخم الزاوي
(5-1)
أكبر عندما يكون الاختلاف المركزي والمدار دائريًّا، وينخفض إلى الصفر مع اقتراب من القيمة واحد.
نتخيل أن كتلة كل كوكب موزَّعة على مداره؛ بحيث يتحول كل مدار إلى سلكٍ إهليلجي الشكل بكثافةٍ غير منتظمة قليلًا، وتكون الكثافة أكبر في النقطة الأبعد عن الشمس؛ حيث تكون حركة الكوكب أبطأ (الشكل ٥-٣). تتجاذب هذه الأسلاك بفعل الجاذبية، ولكونها إهليلجية الشكل ولا تقع في المستوى نفسه، فإنها تبذل عزمًا (الفصل الرابع) بعضها على بعض كما هو مبين في الشكل ٥-٣. يعطي العزم معدل التغير في الزخم الزاوي (الفصل الرابع)؛ ومن ثَم تتبادل الكواكب الزخم الزاوي. وبقَدْر ما يكون من المناسب تقريب الكواكب كأسلاكٍ إهليلجية الشكل، فإن الكواكب لا تتبادل الطاقة؛ ومن ثَم يظل المحور شبه الرئيسي ثابتًا بينما يتغير الاختلاف المركزي .

إذا كانت الكواكب ذات كتلةٍ ضئيلةٍ جدًّا، فإن اتجاه المحور الطويل لكل إهليلج كوكبي سيبقى ثابتًا في الفضاء. وإذا كان تأثير كتلة النظام الكوكبي مشابهًا لتأثير قرصٍ رقيق متماثل المحور من المادة في المستوى غير المتغير، فإن المحاور الطويلة للإهليلجات الكوكبية ستدور ببطء في الاتجاه المعاكس لدوران الكواكب حول إهليلجاتها. يُطلق على هذا الحركة العكسية للمحاور الطويلة اسم «المبادرة».

fig24
شكل ٥-٣: يظهر موقعان لكوكبَين على مدارَين متشابهَين في ١٠٠ نقطة زمنية موزَّعة على نحوٍ متساوٍ. نمثل كل كوكب بسلكٍ إهليلجي الشكل كثافته الكُتلية متناسبة مع كثافة النقاط المرسومة هنا. تُظهر الأسهم اتجاه عزم الدوران الذي يتعرض له كل إهليلج نتيجة جذب الجاذبية للإهليلج الآخر.

في هذا النموذج المحوري المتماثل للنظام الكوكبي، لكل كوكب تردُّد مبادرة خاص به. ونتيجةً لذلك، يتغير اتجاه عزم الدوران الذي يمارسه كوكب على آخر باستمرار؛ لأن الزاوية بين المحورَين الطويلَين لإهليلجي الكوكبَين تتغير مع مرور الوقت؛ بحيث ينتقل الزخم الزاوي من الكوكب الأول إلى الثاني بقَدْر ما ينتقله من الثاني إلى الأول. في ظل هذه الظروف، يتذبذب الاختلاف المركزي لمدار كل كوكب قليلًا، ولكن لا يحدث أي شيء أكثر إثارة للاهتمام. وعلى وجه الخصوص، تستمر الزاوية بين المحورَين الطويلَين لإهليلجي الكوكبَين في التزايد.

قد يقترب تردُّدا المبادرة و لكوكبَين من «الرنين»؛ أي إن:
(5-2)
حيث و عددان صحيحان صغيران. عندئذٍ، يمكن للكوكب الأول أن ينقل الزخم الزاوي إلى الكوكب الثاني لفترة زمنية كافية بحيث يتغير الاختلاف المركزي لكل كوكب بشكلٍ كبير. مع تغيُّر الاختلاف المركزي للكوكب، يتغير أيضًا معدل مبادرته؛ ومن ثَم يصبح معدل زيادة الزاوية بين المحورَين الطويلَين للإهليلجَين غير منتظم. في الواقع، يمكن أن تتذبذب هذه الزاوية بدلًا من أن تتزايد باستمرار. نقول إن الزاوية بين الإهليلجَين «تتحرر» ولا «تدور» كما هي الحال عند عدم وجود حالة الرنين، كما في المعادلة (5-2).

تُعدُّ حالات الرنين المشابهة للحالات الموصوفة للتو مفتاحًا لفهم العديد من الظواهر في أي فرع من فروع الفيزياء؛ حيث تكون الاضطرابات الصغيرة مؤثِّرة؛ لأن الاضطراب الصغير لا يصبح ذا أهمية إلا إذا استمرَّ في التأثير بالطريقة نفسها لفترة طويلة. في غياب الرنين، يتغير اتجاه الاضطراب باستمرار، مما يجعل تأثيره المتوسط زمنيًّا معدومًا، ولكن الرنين يمنح اضطرابًا ضعيفًا فرصة للعمل في الاتجاه نفسه لفترة طويلة، مما يؤدي إلى إحداث تغييرٍ كبير.

يُطلَق على الرنين الذي ينشأ عند إحلال الأسلاك الإهليلجية محل الكواكب اسم «الرنين العلماني»، وذلك لتمييزه عن الرنين الأساسي الأكثر جوهرية بين التردُّدات التي تتحرك بها الكواكب حول مداراتها الإهليلجية، وفي نموذج السلك، نتجاهل هذه الحركة بإيجاد المتوسط الرياضي. يُقال إن كوكبَين في حالة «رنين متوسط الحركة» إذا وُجد عددان صحيحان صغيران و بحيث نحصل على المعادلة التالية:
(5-3)
تتمتع الكواكب التي تقع في رنين متوسط الحركة بالقدرة على تبادل الطاقة بالإضافة إلى الزخم الزاوي. ومن ثَم يمكن أن يتغير المحور شبه الرئيسي لكلٍّ منهما إلى جانب الاختلاف المركزي.

ولادة الكواكب

يُحيط بالنجم حديث العهد جدًّا بالتكوُّن قرص يُراكم المادة منه. ومع ازدياد كتلة النجم، ترتفع درجة الحرارة في لُبه (الفصل الثالث)، وإذا تجاوزَت كتلته ٠,٠٨ كتلة شمسية، تبدأ عمليات الاحتراق النووي داخله (الفصل الثالث). ومع ازدياد إضاءة النجم، تعمل إشعاعاته على تسخين القرص المحيط به، مما يؤدي إلى هروب الغاز الدافئ من مجال جاذبية النجم الشاب إلى الفضاء البينجمي. لكن جُسيمات الغبار في القرص تكون أكثر كتلة من أن تتمكن من الهروب، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الغبار إلى الغاز في القرص مع استمرار تسخين النجم له. في هذا القرص المتزايد الغبارية، تتصادم جُسيمات الغبار وتندمج لتكوين جُسيمات أكبر. في النهاية، تصل بعض جُسيمات الغبار الأكثر ضخامة إلى أقطار تصل إلى عدة كيلومترات، مما يجعل مجالات جاذبيتها قوية بما يكفي لتغيير سرعات الغاز والغبار المحيط بها بشكلٍ ملحوظ. وهكذا تتكون «الكويكبات».

تتصادم الكويكبات تدريجيًّا وتندمج لتكوين كويكباتٍ أكبر فأكبر. وتؤدي الجاذبية الذاتية للكويكبات الضخمة إلى تشكيلها في أجرامٍ كرويةٍ منتظمة؛ حيث تستقر المواد الأكثر كثافة في المركز بينما ترتفع المواد الأقل كثافة إلى السطح. تُعرَف هذه الأجرام بالألباب الكوكبية.

إذا تشكَّل لُب ضخم مبكرًا، قبل أن يتلاشى الغاز عند نصف القطر، فقد يتمكن اللُّب من جذب بعض الغاز إلى مجال جاذبيته. بهذه الطريقة، تشكَّلَت الكواكب الخارجية العملاقة مثل المشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، فيما لم تتمكن الكواكب الداخلية مثل عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ من اكتساب كمياتٍ كبيرة من الغاز؛ لأن مجالات جاذبيها لم تكن قوية بما يكفي للاحتفاظ بالهيدروجين والهيليوم في ظل درجات الحرارة المرتفعة السائدة في الجزء الداخلي من النظام الشمسي.

تطوُّر الأنظمة الكوكبية

في المراحل المبكرة، عندما لا تكون لجُسيمات الغبار مجالاتٌ جاذبية ذات ثِقلٍ ديناميكي، يكون كل شيء، سواء الغاز أو الغبار، في مدارات شبه دائرية تقع في المستوى الثابت للنظام. لاحقًا، يولِّد مجال الجاذبية لكل كوكبٍ شاب موجةً حلزونية عَبْر القرص (الشكل ٥-٤). يخضع الكوكب لجاذبية الأجزاء القريبة ذات الكثافة الزائدة في الحلزون. تجذبه المنطقة الداخلية في اتجاه الدوران، مما يتيح له اكتساب الزخم الزاوي من هذه المنطقة، وتجذبه المنطقة الخارجية للخلف مما يُفقده الزخم الزاوي لصالحها. تُظهر الحسابات التفصيلية أن الكوكب يفقد زخمًا زاويًّا أكثر مما يكتسبه. إذا كان الكوكب ذا كتلةٍ كبيرةٍ نسبيًّا، فإن هذه التبادلات في الزخم الزاوي تؤدي إلى تكوين حلقةٍ منخفضة الكثافة حول الكوكب. وتُمتَص المادة التي كانت موجودة في هذه «الحلقة المُفرَغة» داخل الكوكب أو تُدفع إلى خارج حدود الحلقة.
fig25
شكل ٥-٤: كوكب (في الوسط على اليمين) يدور حول نجم مركزي (غير مرئي) ويولِّد موجةً حلزونية داخل القرص الغازي المحيط به. من خلال هذه الموجة، يكتسب الكوكب زخمًا زاويًّا من الجزء الداخلي للقرص داخل مداره، ويفقد زخمًا زاويًّا لصالح الجزء الخارجي من القرص. تؤدي هذه التبادلات في الزخم الزاوي إلى تكوين منطقةٍ ذات كثافةٍ شبه معدومة حول الكوكب.

عندما يفقد الجسم المداري زخمه الزاوي، فإنه يتحرك نحو الداخل. لذلك يتحرك الكوكب ببطء نحو النجم. وتتحرك المادة الموجودة خارج الحافة الداخلية للحلقة المُفرغة نحو الداخل أيضًا نتيجة فقدانها للزخم الزاوي لصالح الكويكب، ولكن ما دام الغاز متوفرًا بكثرة، تنقل اللزوجة الزخم الزاوي إلى الخارج عَبْر القرص بسرعةٍ كافيةٍ لتعويض الزخم الزاوي الذي فقده الكوكب. وبالمثل، خارج الحافة الخارجية للحلقة المُفرغة، تحمل اللزوجة الزخم الزاوي الذي يوفره الكويكب وتمنع الحافة الخارجية من التحرك نحو الخارج. وهكذا يتحرك الكوكب وحلقته المُفرغة ببطء نحو الداخل، «وفي عقبه» مادة القرص بحيث يبقى على اتصالٍ جاذبي جيد مع الكوكب على جانبَي الحلقة المُفرغة.

تختلف معدلات انجراف الكواكب نحو الداخل؛ لذا يمكن أن تلامس الحافة الداخلية للحلقة المُفرغة لأحد الكواكب الحافة الخارجية للحلقة المُفرغة لكوكبٍ آخر. وتشير المحاكاة العددية للأقراص الغازية التي تحتوي على كواكبَ مضمَّنة إلى أنه قد يكون كوكبان في حالة رنين متوسط الحركة (راجع المعادلة (5-3))، مما يمكِّنهما من تبادل كلٍّ من الطاقة والزخم الزاوي. اتضح أن هذه التبادلات تؤدي إلى تثبيت الكواكب في حالة رنين متوسط الحركة. ومن ثَم، يكتسب الكوكب الداخلي الطاقة والزخم الزاوي من الغبار والغاز الموجودَين خارج الحافة الداخلية لحلقته المُفرغة، فيما يمنح الكوكب الخارجي الطاقة والزخم الزاوي للغبار والغاز الموجودَين خارج الحافة الخارجية لحلقته المُفرغة. يُزوِّد الكوكب الداخلي الكوكب الخارجي بالقَدْر اللازم من الطاقة والزخم الزاوي اللازمَين للحفاظ على كلا الكوكبَين في حالة الرنين المتوسطة الحركة. عندما يتبادل الكوكب الطاقة والزخم الزاوي مع القرص بمفرده، فإنه يفقدهما وينتهي به المطاف بالانجراف نحو الداخل. ولكن عندما يعمل كوكبان معًا، فلا يفقدانهما بالضرورة، وقد يتحركان ببطءٍ شديدٍ نحو الخارج أو نحو الداخل.

النظام الشمسي الشاب

يُعتقد أن كوكب زحل في فترة تكوُّنه المبكرة اصطدَم بالمشتري في فترة تكوُّنه المبكرة بالطريقة التي وصفناها، ودخل في حالة رنين متوسط الحركة بنسبة ٢ : ٣ مع المشتري (حيث تُعادل ثلاث سنوات على المشتري سنتَين على زحل)، ثم توقف الكوكبان عن الانجراف نحو الداخل بشكلٍ كبيرٍ بفضل عملهما المشترك. ثم جاء الكوكب التالي، الذي سنُسميه العملاق الجليدي الأول، وبتحركه نحو الداخل، واجه الزوج المشتري-زحل شبه الثابت، ودخل في حالة رنين متوسط الحركة على الأرجح أيضًا بنسبة ٢ : ٣ مع زحل، وأصبح النظام المكوَّن من ثلاثة كواكب مترابطة يتحرك ببطءٍ شديد في نصف القطر. ثم جاء الكوكب التالي، العملاق الجليدي الثاني، ودخل في حالة رنين متوسط الحركة مع العملاق الجليدي الأول. ربما بنسبة ٣ : ٤. وهكذا، بقيَت الكواكب الأربعة، بفضل عملها معًا، في أماكنها تقريبًا بينما كان النجم الشاب الشمس يبدِّد الغاز الموجود في القرص.

نظرًا لأن الزمن المداري حول النجم يزداد مع نصف القطر بمعدل ، فإن الوقت اللازم لتراكم الغبار ليُشكِّل كويكبات وللكويكبات لتُشكِّل كواكب يزداد كلما ابتعدنا إلى الخارج، وعند مسافة تزيد على نحو ٢٠ وحدة فلكية، لم تكن هذه العملية قد اكتملَت عندما تلاشى الغاز بفعل الشمس. لذلك، لم يكن يتكوَّن عملاق جليدي ثالث بعد العملاق الجليدي الثاني، بل عدد كبير، نحو ١٠٠٠، من الأجرام بحجم بلوتو وعدد لا يُحصى من الكويكبات. بمجرد زوال الغاز، لم يكن هناك أي عامل يقلل من الاختلاف المركزي للكويكبات التي زادت بفعل مجالات جاذبية الأجرام بحجم بلوتو. أحاطت هذه المجموعة من الكويكبات والأجرام بحجم بلوتو بالكواكب الأربعة المرتبطة، لكنها لم تمتد إلى الحلقة المُفرغة الخاصة بالعملاق الجليدي الثاني. حزام كايبر الحالي للكويكبات هو السليل لهذه المجموعة، التي سنشير إليها باسم «حزام كايبر الأوَّلي» (PKB).

كان أحد العملاقَين الجليديَّين، ربما العملاق الجليدي الأول، يدور في مدار ذي اختلافٍ مركزي طفيف، وكان قادرًا على تبادل الطاقة والزخم الزاوي مع الكويكبات الموجودة بالقرب من الحافة الداخلية لحزام كايبر الأولي عند نصف قطر أصغر من ٢٠ وحدة فلكية. لو لم يكن مقيدًا برنين متوسطة الحركة مع الكواكب الأخرى، لكان قد استجاب لهذا الفقد بالانتقال إلى مدارٍ شبه دائري بنصف قطر أصغر. ولكن نظرًا لأنه كان مقيدًا، فقد استجاب بالانتقال إلى مدار ذي اختلافٍ مركزي أكبر. لفترة من الزمن، استمر اختلافه المركزي في التزايد تدريجيًّا، إلى أن تسبَّب فجأة رنينٌ علماني داخل النظام المكوَّن من أربعة كواكب في الاختلاف المركزي للعملاق الجليدي الأول، مما أدى إلى تغيير زخم الكواكب الزاوي بطريقة أدت إلى كسر شروط الرنين المتوسطة الحركة.

عند كسر شروط الرنين، لم تعُد الكواكب قادرة على تبادل الطاقة؛ ومن ثَم فإن أي فقدان للزخم الزاوي سيؤدي إلى زيادة الاختلاف المركزي (انظر المعادلة 5-1). ارتفع الاختلاف المركزي للعملاقَين الجليديَّين بسرعة إلى قيمٍ كبيرة، مما أدى إلى أن يعبُر كلٌّ منهما مدار الآخر، وربما حتى مدار زحل. كانت هذه لحظةً خطيرة جدًّا على النظام الشمسي؛ لأنه في حالة ارتفاع الاختلاف المركزي للكوكب فمن المرجَّح أن يدفع الكواكب الأخرى إلى مداراتٍ ذات اختلافٍ مركزي مماثل، وبمجرد أن يصل كوكب المشتري إلى مدار ذي اختلافٍ مركزي مرتفع، فلن يمُر وقتٌ طويل قبل أن يدفع بجميع الكواكب الأخرى إما نحو الشمس أو خارج النظام الشمسي بالكامل.
سوف نرى لاحقًا أن كارثة من هذا النوع ربما حدثَت في العديد من الأنظمة الكوكبية. ونحن مدينون بوجودنا للحظ الجيد والدور الذي لعبه حزام كايبر الأوَّلي في تخفيف الاضطرابات المدارية. فمع ارتفاع الاختلاف المركزي للعملاقَين الجليديَّين، اخترقا حزام كايبر الأوَّلي، وبدآ يواجهان تقارباتٍ شديدة مع الكويكبات والأجرام بحجم بلوتو. أدى تشتُّت الأجرام داخل حزام كايبر الأولي إلى إخماد الاختلاف المركزي للعملاقَين الجليديَّين، مما سمح للنظام بالاستقرار في تكوينه الحالي. نبتون الآن في رنين متوسط الحركة بنسبة ١ : ٢ مع أورانوس، وفي مدار منخفض الاختلاف المركزي ومحور شبه رئيسي يساوي ٣٠,١ وحدة فلكية، مما دفع به عميقًا داخل حزام كايبر الأوَّلي. حتى مدار أورانوس نفسه يقع، على الأرجح، ضمن حزام كايبر الأوَّلي (انظر الجدول ٥-١). في بعض المحاكاة الحاسوبية لتطور النظام المكوَّن من أربعة كواكب بعد انهيار شرط الرنين، ينتهي الأمر بالعملاق الجليدي الأول في مدارٍ أصغر من مدار العملاق الجليدي الثاني، بينما في محاكاةٍ أخرى، ينتهي به الأمر في مدارٍ أكبر. لذا، نحن لا نعلم أي العملاقَين الجليديَّين هو كوكب نبتون.
عندما اجتاح العملاقان الجليديان حزام كايبر الأوَّلي، لم يتبقَّ من كواكبه سوى حوالي ٠,٠٧ كتلة أرضية ( ) مقارنةً بكتلته الأصلية التي تُقدَّر بنحو ٤٠ كتلة أرضية، وطُرِدَت جميع الأجرام بحجم بلوتو البالغ عددها ١٠٠٠ جِرم تقريبًا والعديد من الكويكبات خارج النظام الشمسي. على الرغم من ذلك، ظهر العديد من هذه الأجرام في مرحلةٍ ما داخل حزام كايبر الأوَّلي، وتعرَّضَت لتشتُّت بفعل الكواكب من عطارد إلى زحل، مما أدى إلى حفر أسطحها وإخماد اختلافها المركزي. في الواقع، يمكن تحديد معدل ارتطام الكويكبات بالقمر من خلال أنماط الفوهات الصدمية التي خلَّفتها، ومنذ فترةٍ طويلةٍ قبل أن تتضح لنا الصورة الحالية لتطور النظام الشمسي، كان معروفًا أن القمر تعرَّض لقصفٍ شديد متأخر (LHB) قبل حوالي ٠,٧ مليار سنة من تكوُّن الشمس، الذي كان منذ ٤,٦ مليار سنة. تتمثل إحدى النتائج المحتملة لهذه الفترة من الكثافة العالية للكويكبات في «كويكبات طروادة» الخاصة بالمشتري، التي تدور في مداره ولكن على الجانب الآخر من الشمس. يُعتقد أن المشتري التقط هذه الأجرام خلال هذه الفترة.

النظام والفوضى والكارثة

ترك لنا نيوتن أداةً رائعة للتنبؤ بالمستقبل، وهي المعادلات التفاضلية (الفصل الأول). باستخدام الأعداد التي تصف التكوين الحالي لنظامٍ ديناميكي كشروطٍ ابتدائية لحل المعادلة، يمكننا من خلال الحل استخراج توقعات لحالة النظام في أي وقت من الأوقات. ولكن للأسف، ظهر في القرن العشرين أن هذا النهج غالبًا ما يكون غير فعَّال. تكمن المشكلة في أن سلوك الحل يمكن أن يكون «شديد» الحساسية للشروط الابتدائية. اكتشف هنري بوانكاريه، ابن عم الرجل الذي قاد فرنسا خلال معظم الحرب العالمية الأولى (١٩١٤–١٩١٨)، هذه المشكلة في بداية القرن العشرين، ولكن لم تتضح أبعادها إلا في ستينيات القرن العشرين؛ إذ أصبح من الممكن حل المعادلات التفاضلية للأنظمة الديناميكية العامة باستخدام أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية. يوفر النظام الشمسي مثالًا واضحًا ومذهلًا في الآن نفسه لهذه الظاهرة.

يمكن بسهولة كتابة المعادلات التفاضلية التي تحكم حركة الكواكب، كما أن الملاحظات الفلكية توفر شروطها الابتدائية بدقة عالية. ولكن هذه الدقة لا تتيح لنا التنبؤ بتكوين الكواكب إلا لنحو ٤٠ مليون سنة في المستقبل؛ وإذا تعدَّلَت الشروط الابتدائية ضمن حدود عدم اليقين في الملاحظات، فإن التنبؤات للفترات الزمنية بين ٥٠ و٦٠ مليون سنة لاحقة تختلف اختلافًا كبيرًا. للحصول على توقعات تمتد حتى ٦٠ مليون سنة بالدقة نفسها التي حصلنا عليها لتوقعات تمتد حتى ٤٠ مليون سنة، نحتاج إلى شروط ابتدائية أكثر دقة بمقدار ١٠٠ مرة، على سبيل المثال يجب معرفة المواقع الحالية للكواكب بهامش خطأ لا يتجاوز ١٥ مترًا. وإذا أردنا دقة مماثلة تمتد حتى ٦٠,١٥ مليون سنة، فعلينا معرفة مواقع الكواكب الحالية بهامش خطأ لا يتجاوز ١٥ مليمترًا. نحن هنا نواجه حدودًا صارمة لمعرفتنا؛ فمن غير المتصور أن نتمكن يومًا من تحديد التكوين الحالي للنظام الشمسي بدقة كافية تسمح لنا بالتنبؤ بمواقع الكواكب لأكثر من نحو ٦٠ مليون سنة في المستقبل. وهذا يمثل جزءًا ضئيلًا ومخيبًا للآمال من العمر الإجمالي للنظام الشمسي، الذي يبلغ ٤٦٠٠ مليون سنة.

في ظل هذه الظروف، كل ما يمكننا فعله هو استخدام المعادلات التفاضلية لحساب التكوينات الأكثر احتمالًا في المستقبل. ونفعل ذلك عَبْر أخذ عيناتٍ عشوائية من التكوينات الحالية التي تتفق مع البيانات الرصدية، ثم نحسب الحل المقابل لكل تكوينٍ مأخوذ لنتمكن من التنبؤ بمواقع الكواكب في كل حالة. التكوينات المستقبلية الأكثر احتمالًا هي تلك التي يمكن الوصول إليها عَبْر العديد من التكوينات الحالية المأخوذة كعيِّنات.

إحدى السمات المهمة لحلول المعادلات التفاضلية للنظام الشمسي هي أنه بعد تأرجح متغير معيَّن — مثل الاختلاف المركزي لعطارد — ضمن نطاقٍ ضيق لملايين السنين، فإنه يتحول فجأة إلى مدًى مختلف تمامًا. يعكس هذا السلوك أهمية الرنين في ديناميكا النظام؛ فعند نقطةٍ زمنية معيَّنة، تتحقق حالة رنينية تؤدي إلى تغيير تدفق الطاقة داخل النظام؛ إذ يمكن لاضطرابٍ صغير أن يتراكم على مدى آلاف أو ملايين الدورات ليؤدي إلى تأثيرٍ كبير. إذا بدأنا التكاملات من تكوين يختلف ولو قليلًا عن التكوين السابق، فقد لا تتحقق الحالة الرنينية، أو قد تتحقق في وقتٍ أبكر أو لاحق، مما يؤدي إلى حلولٍ مختلفة تمامًا.

تكمن أهمية الرنين في أنه يجعل سلوك النظام حساسًا للغاية حتى لأدق التفاصيل في القوانين الفيزيائية. في الفصل السادس، سنتناول نظرية النسبية لأينشتاين، ونناقش بعض تطبيقاتها الفلكية. لكننا هنا نشير إلى أن أهمية النسبية تُحدَّد بواسطة النسبة ، حيث هي السرعة النموذجية و هي سرعة الضوء. بالنسبة إلى الأرض، تبلغ هذه النسبة نحو وهي نسبةٌ صغيرة جدًّا، وحتى بالنسبة إلى عطارد فهي أكبر بنحو ٢,٥ مرة فقط. ولكن ثمَّة تجربة أجراها جاك لاسكار ومايكل جاستينو تشير إلى أننا ربما لم نكن لنُوجَد في هذا الكون لولا التأثير الطفيف الذي تُحدثه تصحيحات أينشتاين على معادلات نيوتن للنظام الشمسي.

أجرى لاسكار وجاستينو محاكاة لتطور النظام الشمسي من تكوينه الحالي باستخدام مجموعتَين من الحلول. في كل مجموعة، استخدما تكويناتٍ متوافقة مع أفضل البيانات الرصدية المتاحة كشرطٍ ابتدائي للحل. وقدَّرا مجموعةً من الحلول تمتد إلى خمسة مليارات سنة في المستقبل باستخدام نظرية نيوتن وحدها، بينما استخدما في المجموعة الأخرى تصحيحات أينشتاين الطفيفة. وقد وُجِد أنه عند إدراج تصحيحات أينشتاين، كان الاختلاف المركزي لعطارد أكبر من ٠,٧ في واحد في المائة فقط من الحلول، بينما في غياب هذه التصحيحات، كان هناك حل واحد فقط من بين ٢٥٠٠ حل أبقى عطارد في مدار باختلافٍ مركزي أقل من ٠٫٧. إذا وصل عطارد إلى اختلاف مركزي أكبر من ٠٫٧، فإن العواقب على الأرض ستكون كارثية؛ إذ سرعان ما يؤدي الاختلاف المركزي لعطارد إلى زيادة الاختلاف المركزي للزهرة، مما يؤدي إلى زيادة الاختلاف المركزي للأرض، الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الاختلاف المركزي للمريخ. وتترتب على ذلك تداعياتٌ هائلة؛ فمن بين الحلول البالغ عددها ٢٥٠٠ للمعادلات النيوتنية غير المصحَّحة، اصطدم عطارد بالزهرة في ٨٦ حالة، واصطدم بالأرض في ٣٤ حالة. وحتى في الحالات التي لا تصطدم فيها الكواكب الداخلية ببعضها، فإنها إما تسقط في اتجاه الشمس أو تُقذف خارج النظام الشمسي تمامًا.

يبدو إذن أننا نعيش على حافة الهاوية، ولولا تصحيحات أينشتاين الطفيفة للغاية على معادلات نيوتن، لما كان كوكب الأرض على الأرجح قادرًا على توفير الملاذ لنا. وحتى مع تصحيحات أينشتاين، فإن استقرار كوكبنا غير مضمون إلا لفترة لا تتجاوز تقريبًا ٨٠ مليون سنة في المستقبل. على الرغم من ذلك، وبفضل النسبية العامة، فإن احتمال بقاء كوكب الأرض مرتفعٌ جدًّا حتى تبتلعه الشمس المتضخمة بعد حوالي أربعة مليارات سنة.

تجعل تصحيحات أينشتاين الحياة ممكنة من خلال تعطيل رنين ضعيف بين المشتري وعطارد. ونظرًا لضعف هذا الرنين، فإنه لا يؤثِّر على النظام إلا في ظل ظروف محدَّدة للغاية. وتصحيحات أينشتاين تجعل من الصعب تحقق هذه الظروف.

الأنظمة الكوكبية خارج المجموعة الشمسية

كان أول اكتشاف لا يشوبه اللبس لنظامٍ كوكبي خارج المجموعة الشمسية حديثًا نسبيًّا في عام ١٩٩٥ على يد ميشيل مايور وديدييه كيلوز، لكننا نعرف اليوم أكثر من ١٠٠٠ نظام كوكبي. يمكننا فهم تطوُّر الأنظمة الكوكبية من خلال تحليل إحصائيات تكويناتها المعروفة، وكأن الكون قد أجرى عددًا هائلًا من الحسابات لحلول معادلات التطور، التي يُفترض أنها دقيقة تمامًا.

لقد رأينا أن النظام الشمسي تمكَّن من الاحتفاظ بثمانية كواكب ذات مداراتٍ شبه دائرية رغم تعرضه لتهديدَين خطيرَين على الأقل، الأول وقع بعد ٧٠٠ مليون سنة من نشأته عندما فقدَت الكواكب العملاقة استقرارها المداري، والثاني لا يزال قائمًا اليوم؛ إذ إن أي تعديل طفيف في الفيزياء التي تحكم النظام الشمسي، حتى بمقدار جزء من ١٠٠ مليون، قد يؤدي إلى انهيار استقراره الداخلي.

لذلك، لم يكن مفاجئًا أن أولى الأنظمة التي أمكن اكتشافها كانت تشبه الحالة النهائية لإحدى هذه الكوارث؛ إذ تتكون من كوكبٍ مشابه للمشتري على مدار ذي اختلافٍ مركزي قصير نسبيًّا. ولكن ينبغي أخذ تأثيرات تقنيات الرصد في الاعتبار عند تفسير هذه النتائج، نظرًا لأن التقنية الرصدية المستخدَمة للعثور على هذه الأنظمة كانت منحازة انحيازًا كبيرًا لصالح اكتشاف الأنظمة التي تحتوي على كوكبٍ كبير في مدارٍ قصير؛ فقد اكتُشِفَت هذه الأنظمة من خلال مراقبة سرعات النجوم لرصد تغيرات السرعة الدورية التي تدل على دوران النجم حول مركز الكتلة المشترك بينه وبين كوكبه. فكلما كان الكوكب أكثر ضخامة وأقرب، زادت هذه التغيرات في السرعة؛ ومن ثَم زادت احتمالية رصدها وسط الضوضاء.

استُخدِمَت لاحقًا تقنيةٌ مختلفة تمامًا لاكتشاف الكواكب، وباستخدام هذه التقنية، أصبح من الممكن اكتشاف أنظمة تحتوي على عدة كواكب تدور في مداراتٍ شبه دائرية، وقد أمكن بالفعل اكتشاف مثل هذه الأنظمة. تعتمد هذه التقنية على مراقبة سطوع النجوم لرصد الانخفاض الطفيف في سطوعها عندما يمُر كوكب بين نجمه وكوكب الأرض. إلا أن هذه التقنية لا يمكنها سوى الكشف عن الأنظمة التي تُرصَد من زاوية حَدِّيَّة تقريبًا، كما أن جمع البيانات بالدقة المطلوبة لا يمكن تحقيقه إلا من الفضاء. في مايو ٢٠٠٩، أطلقَت ناسا القمر الاصطناعي كبلر لمراقبة النجوم في منطقةٍ صغيرة من السماء. وخلال السنوات الأربع التالية، تمكَّن كبلر من اكتشاف ما يقرب من ١٠٠٠ نظامٍ كوكبي، كما أعدَّ قائمة بعدة آلاف من النجوم التي أظهرَت مؤشراتٍ على وجود أنظمةٍ كوكبية. ولا يزال تقييم أهمية هذه البيانات مجالًا نشطًا للبحث العلمي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥