نماذج من المسرحيات العربية

مسرحية «شارلمان»

الفصل الثالث

شارلمان : جرال قد كشف لنا السكسوني الأمر … إن التوفيق خالفك وأنت في أول الرجاء، وكان ينقص مجدك يا جرال الصبر والاحتمال. وإني قد عرفت الأمر منذ أمس ووازنت بين الجريمة والاستحقاق فرأيت أن إحساناتك رجحت سيئات أبيك. وكفاك فخرًا أنك أعدت مجد فرنسا وأدركت ثار رولان الذي رأيته أنا تحت ظلال الأشجار الضخمة في ساحة رونسفو، فضممته وهو ملطخ بدمه وأقسمت أن أبكيه ما حييت. ثم طلبت حسامه فلم أجده واشتد عليَّ ذلك؛ لأن رولان كان قد عهد أن يدفن سيفه معه. وقد استولى عليه العدو وأعيانا تخليصه، ولك وحدك الفضل في استرجاعه، وسيعود هذا الحسام في ضريحه. فافخر إذن أيها الهمام وتبوَّأ المنزلة التي أنت لها أهل بين أولادي. وأنتِ يا ابنتي يا برت أصيلة المجد تكلمي فذلك حق لك!
برت : وما الداعي إلى ذلك يا سيدي، كلمة واحدة تكفي: الهيكل معدٌّ وأنا مستعدة. هلمَّ جرال هلمَّ! لماذا تخفض رأسك؟ لا، لماذا تحول نظرك جرال؟ ما هذا السكوت؟ أعندك في ودادي ريب؟ أتريد أن أرفع صوتي مصرحةً؟ سيدي، أنا أحب جرال بمقدار ما أُجِلُّه وقد زدت فيه حبًّا؛ لأن هذه النائبة التي حلَّت به لم تُنقص من عزمه. فهلمَّ الآن يا جرال.
شارلمان : هلمَّ جرال واقتبل يد برت ثانية!
جرال : سيدي إني شاكر لك في نفسي ولكني أرفض هذه النعمة الأخيرة.
برت : يا رباه … جرال!
جرال : اسمحي أن أبسط سريرتي لديك في حضرة الملك. نعم يا سيدي، إني لا أكون مستحقًّا لهذه النعمة الجسيمة إن لم أرفضها. فإني اسمع في نفسي هذا الصوت الذي لا يكذب: أنا ابن الذنوب لا ابن التوبة، وأحب أن يكون القصاص أكبر من الذنب. وأن يقاص الابن البريء نفسه ليكون العفو عن الأب أحق. وخير لي أن أجرح بيدي قلبي، وإن لم أفعل يقال إني لم أُكفِّر ذنوب أبي، كما أن أبي يهاجر وأنا أرافقه، ومن العدل أن نكون دائمًا معًا.
فليعتبر من كان ذا نظر
ولينتبه مِن نومه مَن رَقَد
ومَن له وسوس إبليس من
يعذر فلينظر بعقبى الولد
إن ذنوب الوالدين إلى
أبنائهم تُنقل يا ذا الرشد
برت : أنت راحل يا جرال؟
جرال : نعم برت.
برت : آه إن كنت تحبني لا تكن قاسيًا.
جرال : أنا لا أجسر أن أحبك.
برت : وأنا جرال … أنا … ما ذنبي لتعاملني بهذه القساوة؟
جرال : ما خَصْمُنا إلا القدر.
برت : لا تُجَارِهِ على ظلمه واحرص على السعادة!
جرال : أيحلو لك خجلي؟
برت : انظر إلى المستقبل.
جرال : الماضي نُصْبَ عيني.
برت : ما من ينظر إليه غيرك! ألا يكفيك عفو الملك؟ أم تريد أن تسمع صوت أبي من أعماق قبره أو من أعالي مقامه في السماء مصرحًا بالعفو والرضا! أستحلفك يا جرال باسم أبي رولان!
جرال : اخفضي صوتَك أو يسمعكِ أبي كانلون.
برت (ساقطة بين ذراعي تابعتها) : آه، قُطع الرجاء.
من لم يذق في الناس كأس فراق
لم يدرِ كيف مصارع العشاق
قد كان كأس الفراق بقية
فشربت وحدي كل ذاك الباقي
يا من يلوم على الأسى إن الهوى
يومان: يوم نوى ويوم تلاقي
وافى النوى فَجَرَتْ بوادر أدمعي
ومن الوداع فضيحة المشتاق
لا تحسبوا دمعًا جرى من أدمعي
هذا فؤادي سالَ من آماقي
جرال : سيدي خذ بيدي فبكاؤها أعياني. كنت آملًا أن أنال ابنة رولان وأما الآن فهذا الأمل قد كرهني بنفسي لكوني ابن … يا رباه! لا لا، هذا لا يكون، اليومَ تراني بعين الشفقة، ولكن غدًا!
شارلمان : أصبت يا جرال، إني لا ألومك على هذه الشهامة، ولكن هذا قضائي الملكي النهائي. أمس سلمتك جوليس لتسترجع درندال، واليوم أصنع فوق ذلك؛ فإن بسالتك تقتضي جزاءً أعظم، فأريد أن يكون درندال لك. ولو كان رولان حيًّا لسلمك إياه، فهو ظمآن لورود دم الأعداء، فأنت أهل له. فَاسْقِه نَهْلَتَه من دمهم، حتى إذا بلغت فيه منانا وطردت به عدونا من المغرب إلى المشرق تعيده إلى قبر رولان.
جرال : نعم إلى قبره إلى أكتينا، ثم أذهب لألتقي المنية في مكان أقصى.
برت : وإذا باعدتك المنية؟
جرال : أَجِدُّ في طلبها حتى أدركها.
برت (بعد سكوت طويل) : مناسب، كن كما شئت فإن من تحبك تماثلك، وقد خلق الله قلبَيْنا متشابهين وهو وحده يجمع بينهما. أستودعك الله يا جرال!
شارلمان : أيها الأمراء والأبطال اخفضوا رءوسكم لديه فهو أعظم منا. «تمت».١

مسرحية «مدهشات القدر»

الفصل الخامس

الأمير : سبحان مَن يَرِثُ الأرض ومن عليها! يولي ويعزل ويعز ويذل بيده الخير وهو على كل شيء قدير. هذه نتيجة سوء استعمال النعم … ليأتي شمس الدين فقد تمَّ الأمر.

(يذهب البعض لإحضاره.)

شمس الدين : السلام على الأمير.
الأمير (يقوم لملاقاته) : وعليكم السلام (يجلس ويجلسون) أيها الأمير، الدنيا أدوار، لك دور وعليك مثله، وعلى الباغي تدور الدوائر. يلزمك أن تسلم سيفك للغالب.
شمس الدين (يقوم وينزع السيف ويقدمه للأمير) : هذا سيف عدوك مُسلَّم إليك.
الأمير : إنما يسلم المغلوب للغالب، فلتسلم سيفك للأمير حازم.
شمس الدين (لحازم) : بالأمس كنت أميرك آمرك في هذا المكان، واليوم أسيرك مغلوبك فيه يقدم لك السيف.
حازم (لشمس الدين) : نعم، ذلك كان حيث كنت أنا الغريب وأنت الأمير، أما اليوم فأنا حازم وأنت الخائن. أمهلك الله وما أهملك فرد الحق لأهله ورد الفرع لأصله وجازى كل ذي فعل بفعله.
الأمير (لحازم) : عنك يا حازم كفاك أخذ السيف فاجلسا.
حازم وشمس الدين : أمرك (يجلسان).
الأمير : يا شمس الدين، ماذا فعلت بمولاك الأمير أرسلان؟
شمس الدين (لنفسه) : ويلاه! ذهب المال والمُلك وهذه مقدمة ذهاب الحياة (للأمير) لا أعلم شيئًا جرى عليه إلا أنه ترك أهله وسافر، ثم بلغنا أنه توفي إلى رحمة الله. وتزوجتُ أهله فبقيتْ معي نحو سنة واختارها الله، ولي منها بنتها أمل.
الأمير : ليس الأمر كذلك، بل أنت دسست عليه فقتلته غيلة في طريقه، وورثته في ملكه وماله وحرمه وقتلتها تسميمًا ليخلص لك كل شيء. فعلت كل ذلك فاعترف!
شمس الدين : إذا كانت الغاية قتلي فلا حاجة للاحتجاج. وإذا كان القصد الوصول إلى الحقيقة فالواجب البحث عن الثبوت.
الأمير : لتحضر الأميرة والمربية.
حازم : أمرك المطاع (يذهب).
الأمير : أولى لك الاعتراف والقتل من أن تذوق مر العذاب.
شمس الدين : أيها الأمير! افعل ما بدا لك فالخطب يسير.
حازم : ها هما يا مولاي.
الأمير (لأمل) : اجلسي يا صاحبة الدم، (لأمينة) ماذا تشهدين على شمس الدين وما فعله مع مولاه أرسلان؟
أمينة : الذي أشهد به أن شمس الدين دسَّ على الأمير والأميرة فقتلهما وفرَّق مَن كان مِن خدمهما وأهلك البعض، وما عشت إلا بالكتمان والمداراة كل هذا الزمان.
الأمير (لشمس الدين) : ماذا تقول في هذا الكلام؟
شمس الدين : ما هذا العدل، أتقتلني بنصف شهادة؟
الأمير : لقد ظننت أن التعالي علَّمك شيئًا من شِيم الأعالي فإذا به لم يزل ثوبًا عاريةً تنتزعه بلا تكلف. ولهذا كنت أكتفي منك بالكلام فإذا بك تزاحم العوام. فقم يا شيخ السوء مقام الخادم! (ينظر إلى بعض الجند) أقيموا هذا.

(الجند يتبادرون فيقيمونه.)

الأمير (للجند) : لِيُنزع ما عليه من زي الأمراء.

(الجند ينزعونه.)

الأمير : الآن تستنطقك السياط.
همام : أيها المولى الأمير، أشهد أن شمس الدين قتل الأمير أرسلان بيد والد الأمير سعيد هذا.
سعيد (للأمير رحيم) : الحق أقولَ إن والدي قتل الأمير أرسلان بأمر شمس الدين.
الأمير (لشمس الدين) : هذان من شِيعتك وقد شهدا عليك، فماذا تقول؟
شمس الدين : الآن حصحص الحق اعلم أيها الأمير أنني قتلت أرسلان وغلبته على ملكه وماله وجاهه وحليلته ثم قتلتها، واتخذت أبا سعيد هذا سكين الذبح ثم قتلته هو، وهذا (مشيرًا لسعيد) الجبان لا يدري. فافعل ما تريد.
سعيد : أيها الظالم الغاشم قتلت أبي وقتلته وتركتني أعترف بفضلك طول هذه السنين.
الأمير : لا عذر لمن أَقرَّ، خذوه فاقتلوه وعجلوا به إلى سقر وبئس المقر!
سعيد (للأمير رحيم) : مولاي، إن دم الخائن لا يؤخذ في دم الطاهر البريء، فمرني أن أكون القاتل لهذا الخائن ثم أُقتل. (لأمل) أيتها الأميرة اشفعي لي عند الأمير بأن أَقتل شمس الدين ثم أُقتل! (لحازم) أيها الأمير المحسود عندي اتخذني سكين ذبح هذا الوجود النجس ثم خذوا ما شئتم من حياتي.
الأمير (لسعيد) : كن سيَّافه وخذ لنفسك حظها، فنحن لا نطلب بدمنا من خادم خائن.
سعيد (لشمس الدين) (يتقدم ويمسك شمس الدين ليقتله) : استعد إلى النار.
شمس الدين (لسعيد) : أما كان غيرك أولى بهذا منك؟
سعيد (لشمس الدين) : الدم حي يا ظالم، قمت تذكرني بحق إحسان بعد هذا الامتهان! لا لا.
لا تنسَ بالإحسان سيئة مضت
فالكلب بالإحسان ينسى السيئة

(ثم يضربه بالسيف فيموت لوقته.)

الأمير (للجند) : خذوا هذا الجسد الخبيث! (لحازم) يا حازم ويا أمل وأنت يا ثابت إن الله مكَّن لنا من عدونا وأقدرنا عليه، والقدرة نعمة شكرها العفو عن العاجز، وهؤلاء مأجورون فلا تسرفوا في القتل والظلم؛ إن الله لا يحب المسرفين. واشكروا الله إذ جعلكم الغالبين ولو شاء لسلطهم عليكم فاعفوا واصفحوا إن الله يجزي المحسنين.٢

مسرحية «عظة الملوك»

الفصل السادس

(تفتح الستار عن ساحة يُعِدُّ فيها الجلادون آلات العذاب.)

ملك :
سوف تُجلى بالانتقام همومي
وأنال المنى بقتل غريمي
أي نعم فليمت بآلات فتك
مثلما قد أزال عني نعيمي
وسوف تُظهر الآن هذه الآلات عجائب أعمالها في الخناس. اسحقوه عما قليل أيها الجلادون سحقًا، وأمطري عليه أيتها السماء من سحب غضبك زفتًا وكبريتًا ونارًا، واجعلي له في وهدة جهنم مقامًا (يدخل أرتانيس).
أرتانيس :
أبكي على ولدي بدمع جاري
لكن دمعي ليس يطفئ ناري
قَتَل الشقي ولدي بغير جناية
والآن خذ مولاي منه بثاري
قتل الخناس ولدي من غير جرم ولا ذنب فأورثني نكدًا وأضرم في قلبي من الحزن لهبًا.
ملك :
خفف همومك يا رئيسًا واصطبر
ودع البكا يا سيد الأحبار
فالآن نرباس الشقي ينال ما
تبغي بحد الصارم البتار
أرتانيس :
إن نرباس دون جرم رماني
بسهام الضنى فشكَّت فؤادي
يا رجائي وبغيتي ومرادي
لك أمري مسلَّم وقيادي
ملك : تفضل وأعدَّ الآن حفلة الإعدام حسبما تقتضيه القوانين والأحكام. ستأخذ بثأرك وتطفئ نار الحزن المضمرة في فؤادك … ها هم الجند قادمون به لهذا المقام. (يؤتى بنرباس مكبلًا بالقيود) اقترب أيها الخائن الماكر، اقترب أيها المخادع.
نرباس : رويدك أيها الظالم! أي فعل أتيته يستوجب كل هذا القصاص؟! أخدمتي للوطن أو مدافعتي عن الملك في الغارات والحروب؟! أبهذه الخيانة تعاملني على إخلاصي لك؟!
ملك : لقد اجترمت واجترحت ومكرت وما استفتحت. سأجازيك على سوء مكرك، وتلاقي عاقبة فعلك. اقترب من الساعة التي تزهق الأرواح وترهق الأشباح، فلا يحوم عليك متأسف ولا يندم متلهف. ادْنُ من سرادق المنون الذي يجري فيه دمك كسيحون وجيحون.
نرباس :
لك الله ما هذي الفعال فإنها
تبوء بما يجزي الظلوم لدى الحشر!
أهذا جزائي منك حين أقمتني
لصد الأعادي بالصفاح وبالسُّمْر
بنيت لكم بيتًا بحد مهندي
وشيدته من فوق أجنحة النسر
فَجُرْ واحتكم واظْلِم فموعدنا غدًا
وإن غدًا يأتيك بالويل لو تدري
أرتانيس :
قتلت وحيدي يا شقي وهذه
عواقب من يفري على الناس بالغدر

(ويخرج.)

نرباس :
قتلت ظلومًا رام قتلي تعمدًا
وقابلت فعل الشر يا صاح بالشر
وأنت أيها الملك إذا رمت الإصرار، فلا يقر لك قرار ولا يطيب لك من تبكيت ضميرك عيش لا بالليل ولا بالنهار. ثم إن التي تظنها زوجتي لم تكن إلا أنوش ذات دين وأمانة، تجتنبك وتجتنب الخيانة. فكيف تسلم بنفسها إليك، وقد عاهدت الله شرفًا بأن قلبها لا يميل عن العفاف؟!
ملك : آتوني بالأسيرة وبخادمتها حالًا. سوف آمر بقتلها بعد أن أجرعك كأس الردى.
نرباس :
وسوف تصبح مَبئوسًا على ندم
تبكي الدجى وتنادي آه وا تَعَسي!

(يؤتى بزعفران وأنوش.)

ملك : ويل لك يا خائنة! كيف كنتِ تخدعيني بدموعك؟! وقد تيقنت الآن أنني كنت مغدورًا بحبي لك بين صبغة حنجور وتزجيج حواجب وتكحيل عيون. سأجازيك الآن على إعراضك، وبحد هذه الآلات أقابلك على وقاحتك.
زعفران : عفوًا يا سيدي فهذه المعشوقة.
ملك : اقبضوا على هذه الخائنة، وأنت اذهبي حالًا من أمامي. ومن ذلك يتضح أنني لم أكن أبدًا تائهًا في غرامي. (يرجع أرتانيس يتبعه كهنة الموت رافعين راية مكتوب عليها: الموت. وكهنة الحياة رافعين أيضًا راية مكتوب عليها: الحياة) انطق يا حبر الأحبار كالمعتاد بالحكم القاضي على المجرمين بالإعدام.

(بلحن):

كهنة الموت :
نحن زمر الهول والموت الزؤام
قد رفعنا راية فيها الحِمام
من رفعنا راية الموت له
بعد حكم الحبر يلقى هوله
كهنة الحياة :
نحن للبُشرى ورمز للنجاة
قد رفعنا راية فيها الحياة
راية بيضاء عنوان السرور
من رفعناها له يلقى الحبور
حبر : حكمنا، فلترفع راية الموت ولتخفض راية الحياة!

(الكل بلحن واحد راكعين.)

الكهنة : يا مالكًا للنواصي، مِن طائع وعاصِ، نجِّ مِن القصاصِ، مَن جاء بالإخلاصِ، أَجِرْ مِن الجحيمِ، مِن حرها العظيمِ، مِن هولها المُقيمِ، مِن خطبها الجسيمِ.

(بينما الكل ينشدون يقدم اثنان من الكهنة سراجين إلى حبر الأحبار فيطفئهما شيئًا فشيئًا في الماء؛ دلالةً على أن روحين نفذ فيهما القضاء.)

أنوش : أشهد على باسط الأرض ورافع السماء أنني بريئة من كل ذنب نُسب إليَّ.
نرباس : هذا صوت أنوش.
أنوش : آه نرباس!
نرباس : يا إلهي، زوجتي!
أنوش : زوجي حبيبي.
نرباس : هذا ما كنت أخشاه.
ملك : أبعدوهما عن بعضهما واقتلوهما.
أنوش :
ألا أيها الفظ الظلوم المغفل
أَفِقْ عن فعال الظلم إن كنت تعقل
أَفِقْ قد أفاق الظالمون وإنما
تماديك في الظلم الضلال المضلل
سلا كل ذي ظلم عن الظلم وارعوى
وأنت بفعل الظالمين موكَّل
نرباس :
أتقصد قتلي دون ذنب جنيته
ولم تدرِ ماذا تلتقي حين أُقتل
أهذا جزائي منك من بعد نصرتي
ومنحك مجدًا فضله ليس يُجهل؟!
وخوض غمار الموت والموت عابس
ونار الردى في ساحة الحرب تُشعل
فَجُرْ واحتكم واظلم فموعدنا غدًا
لدى حاكم عدل يقول ويفعل
ملك : اقتلوه واقتلوها ولا تبقوا عليهما (بينما السياف يرفع يده لتنفيذ الحكم يسمع صوت رعد شديد ثم يدخل الجيش والشعب هائجين وفي المقدمة طيفور).
طيفور : ردوا علينا قائدنا. الويل الويل لمن يجسر أن يوصل إليه أقل أذى (وتظهر وقتئذٍ الطبيعة).
الطبيعة :
ألا خائضًا بحر المعاصي
ألا احذر يوم يؤخذ بالنواصي
ملأت الشرق طغيانًا وجهلا
فمهلًا أيها المغرور مهلا
الجميع (نشيد) : أمرك الفعَّال يا ذات السنا … إلخ
الطبيعة : فيروزاد فيروزاد، ما هذه الفعال أيها الظالم؟ أهذا هو العدل الذي أمرتك بالحكم به؟ أهذه هي الأخلاق الحميدة التي أمرتك بالتحلي بها؟ أهذه هي المحبة التي أمرتك ببثها؟ هل فقدت رشدك حتى لم تعد تميز بين النافع والضار؟ ونبذت ظهريًّا كل وصاياي وضربت عن العدل صفحًا؟ فأي جزاء تستحق الآن فضلًا عن عقاب الآخرة أيها الظالم!
ملك : مهلًا مهلًا أيتها الطبيعة.
الطبيعة :
فكيف تُرى أُحكِّم في العباد
ظلومًا قد أضل عن الرشاد
إن الخطر المحدق بك عظيم ولكن عفو الله قريب وهو غفور رحيم، هذا إن عملت بالعدل في رعيتك. فهل تَعِد الآن وعدًا صادقًا مقدسًا أنك لا تعود إلى هذه الأعمال.
ملك : نعم نعم.
سلوت عن المظالم والعناد
وملت عن التهتك للرشاد
ولست أعود في إعطا قيادي
إلى نشر الغواية والفساد
بغير الرفق لن أسلك طريقًا
وغير العدل لن أحكم بلادي
وإذ آليت لا ينفك دأبي
رعاية أمر ملكي بالسداد
الطبيعة : بماذا تؤكد صدق هذا المقال؟
ملك :
أؤكده بما أبدي لديك
من الحزن المفطِّر للفؤاد
وأرسل من دموع العين مُزنًا
فتطفئ نار ظلم في اتقاد
وأكسر كل آلات أُعِدَّت
لتعذيب الكمي حامي البلاد
الطبيعة : هذا هو جُلُّ مرادي.
الجميع :
أمرك الفعَّال يا ذات السنا
نافذ في الكون من فضل الحكيم
فامنحينا حكمة تبدي لنا
نعمة منها الصراط المستقيم

(ينزل الستار على الطبيعة.)

ملك : الآن عرفت الحقيقة، فشكرًا لك يا باسط البسيطة. فهيا أيها الجلادون واكسروا هذه الآلات، وفكُّوا هذه المشنقة. واطفوا هذه النار أيها الكهنة، فاليوم يوم مهرجان لا يوم عذاب. اليوم نادوا بالأمان أيها القواد. ولترفع المظالم عن العباد ولتنزع من الصدور كل أرجاس ووسواس. فأنا أرد لكم القائد نرباس (تخرج كهنة الموت).
كهنة الحياة :
نحن للبشرى ورمز للنجاة
قد رفعنا راية فيها الحياة
راية بيضاء عنوان السرور
من رفعناها له يَلقى الحبور
ملك : اسمح لي يا أطهر الناس وأنت اسمحي لي يا ملاكًا بريئًا من العيوب والأدناس. اسمح لي أن أفك بيدي هذه القيود التي قيدتكما بها ظلمًا وعدوانًا. وتجاوز عما كان مني واقبل عذري وكن وزيري الأول وحاميتي ومَن عليه في مملكتي المعول، وشاركني في حكمي وأزل معي المظالم والعلل وساعدني على سد الخلل. وأنتم يا قوم انهضوا جميعكم. وأنت يا بهروز أقم مع المطربين الأفراح للاحتفال بيوم فرح ومهرجان؛ تذكارًا لخلاص القائد نرباس.
(وتختم الرواية بمهرجان.)٣

مسرحية «مطامع النساء»

الفصل السادس

الجزء الأول

(كترين – كاهن)

(برج لندره … ظلمة حالكة.)

كترين :
أهذي حياتي؟! بئس عمري وأيامي
عذاب هموم في عذوبة أوهام
وما هي لذات الحياة وكلها
بكور خطوب أو أصائل أسقام
الكاهن : قد أُمرت من المجلس العالي بتبليغ الملكة الحكم الصارم القاضي بإعدامها، فساعدني اللهم على أداء هذه المهمة وألهمها في هذه الساعة الباقية من حياتها صبرًا جميلًا! (لكترين) السلام عليك يا بنيتي.
كترين : السلام عليك يا أبتي.
الكاهن : الحكم يا كترين لعلام الغيوب، واعلمي أن هذه الدار دار زوال، فتجلدي ولا تيأسي من رحمة الله وأصغي لما صدر به حكم المجلس العالي.
كترين : ويلاه يا ربي! حكم؟! آه، وما هي نتيجته يا ترى؟
الكاهن : هاك مآله حرفيًّا: «حكم صادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بتاريخ ٩ فبراير سنة ١٥٤٢ بسراي ويت هول الساعة الرابعة والدقيقة عشرين مساء. اطَّلعنا على الشكوى المقدمة لنا من جلالة الملك في ٧ فبراير الجاري، وبناءً على الشواهد والأدلة التي بُنيت عليها قد اتضح لمجلس البرلمان ثبوت تهمة الخيانة والغدر على الملكة كترين. وعليه، فقد قرر المجلس الحكم على المتهمة وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلًا في ساحة لندرة العمومية الساعة السادسة مساءً.»
كترين (تقع) : ربي خذ بناصري.
الكاهن : فاعتصمي يا بنيتي بالصبر الجميل، ولا تقنطي من رحمة الله إن الله غفور رحيم (يخرج).
كترين : أوَّاه! جرى إذن المقدور ونفذ القضاء … آهٍ، تبًّا لحياة كان كل الشقاء ذخيرة لي في مستقبلها. ويلاه ما أسهل الموت قولًا وأصعبه فعلًا! (سكوت. يدق جرس الساعة دون أن تعد ثم تعي على نفسها وتقول بلهفة) … ثلاثة … أربعة … خمسة … ساعة واحدة وأُمسي في عداد الأموات. آه أسفي عليك يا كترين فسيضمك القبر بعد ساعة! يا من كنت منتظرة عمرًا مديدًا … لهفي على شبابك يا كترين فسيواريه التراب! وقد كنت منتظرة مستقبلًا نيرًا وعيشًا سعيدًا … فموتي الآن وأنت في الثامنة عشر من عمرك فما هو إلا نتيجة أعمالك، وويل لك من هول الآخرة … أواه! قلبان طاهران نقيان انقادا إليَّ فخدعتهما بغروري فأنا أشقى الناس وأكفر خلق الله بنعمة ربي. ويلي من هول الآخرة …(يدخل السياف ويركع أمامها).

الجزء الثاني

(كترين – السياف)
السياف : أعرفت من أنا يا مولاتي؟
كترين : … أنت … أنت … (تحوِّل وجهها عنه).
السياف : نعم … نعم أنا هو.
كترين : ولِمَا راكع؟
السياف : لألتمس منك السماح حسب عوائدنا.
كترين : عجائب! تلتمس السماح على أمر ثم تُقدِم على فعله.
السياف : نعم، هذه عوائدنا.
كترين (تنظر الخاتم الذي بأنملها) : ولكن قل لي بحقك ألا تجد حالتك هائلة مبغوضة مرذولة من الجميع.
السياف : أشد بغضًّا مما تظنين.
كترين : فلما إذن اخترتها؟
السياف : لأن أجدادي أورثتها لأبي وأبي أورثنيها.
كترين : وهل أنت السياف الوحيد في لندرة؟
السياف : الوحيد.
كترين : وإذا هجرت لندرة من يخلفك في هذا المنصب؟
السياف : يصبح خاليًا.
كترين : تضطر الحكومة إذن أن تحضر سياف مدينة كاليه.
السياف : لا شك.
كترين (لنفسها) : وفي هذه الأثناء يمكني أن أرى الملك ويُحدث الإله أمرًا لم يكن في الحسبان. (نحوه) ينبغي عليك يا صديقي أن تهجر لندرة.
السياف : أمر محال.
كترين : ولِما؟ لا مستحيل مع الإرادة.
السياف : ومن يُعيِّش امرأتي وأولادي؟
كترين : وإذا كنت أصيِّركم أغنياء، أنت وأولادك!
السياف : أغنياء! أغنياء!
كترين : نعم … نعم … كم تدفع لك الحكومة سنويًّا؟
السياف : خمسماية شلن.
كترين : أتنظر هذا الخاتم؟
السياف : أنظره، نعم.
كترين : فهو يساوي مبلغ ثلاثين ألف شلن. وهو مال يلزمك لأن تتحصل عليه خمسين عامًا. فهو لك وملكك إذا أردت.
السياف : لي! ولكن … وما أفعل مقابل ذلك.
كترين : أن تهرب، وهذا كل ما أطلبه منك. نعم … لا أطلب منك خلاصي. فإن هذا ليس بمقدرتك كما أن نفسي لا تساعدني على الهرب. ولكن أنت … ما من أحد يترقب أعمالك. فانتهز هذه الفرصة واهرب فالوقت ثمين.
السياف : ولكن ألا تعلمين أن هذا الخاتم يخصني دون أن أُقدم على هذا الأمر الخطير وأنني الوريث الوحيد لكل ملبوسات من أقتله بأمر الحكومة.
كترين : ولكن ألا تعلم أنه يمكنني أن أهبه لإحدى نسائي؟
السياف : ولكن ألا تعلمين أنك لن تنظريهن بعد؟
كترين : أولا تعلم أنه يمكنني أن أرميه وأنادي أنه نصيب من يلتقطه؟
السياف (بنزق) : عي لنفسك أيتها الملكة ولا تكوني سببًا لتهييج غضبي، فتيقني أن فعلك هذا مخالف لعوائدنا. ولا تعلمي أخيرًا أنه يمكنني أن أخطفه منك وآخذه بالقوة قهرًا؟
كترين (تضع الخاتم في فمها) : اخطفه إذن!
السياف : والله لا بد ولا مناص من أخذه. فإما أن تسلميني إياه وإما أن تستعدي لفقد نفسك. فاختاري ما يحلو.
كترين : أرني ذلك إن كنت رجلًا.
السياف : دعينا من هذا الكلام يا مولاتي. وهل حقيقة هذا الخاتم يساوي ثلاثين ألف شلن.
كترين : نعم ثلاثين ألف شلن.
السياف : أتقسمين لي بذلك؟
كترين : إي وربك.
السياف : أعطني إذن إياه وأسافر للحال … هاتي!
كترين : وعلى أي شيء تقسم لي بدورك أنك تسافر؟
السياف : أقسم لك بأكبر أولادي … بحياتي بشبابي ﺑ …
كترين : لا بل أقسم لي على هذه الكتب المقدسة …
السياف : أقسم لك بهذه الكتب المقدسة الطاهرة أنه حالما يصلني هذا الخاتم أهجر لندرة وسكانها.
كترين : هذا هو … قم … ارحل (تخرجه بقوة).

الجزء الثالث

(كترين – رئيس الأساقفة)
كترين : … بزغت لي شمس الرجاء وانتشر ضياء الفرج، فساعديني الآن أيتها التقادير على نوال مرادي، فالظروف تضطرني السعي لآخر نسمة من حياتي … ولكن، بأية طريقة وبأي سبيل … بالمكر والخبث والخداع، هو مسلك به بدأت، ومن أجله نزعت جلباب الحياء والوقار ولقيت الرذيلة والهوان فلست أحيد عنه الآن … (لرئيس الأساقفة) أرأيت السياف ذاهبًا، أليس يا أبتي؟
الكاهن : نعم، ولكنه ليرجع في الحال.
كترين : ليرجع … وهل هو الذي قال؟
الكاهن : لم يقل لي شيئًا. ولكن لم يبقَ لك غير نصف ساعة من الزمن.
كترين : نصف ساعة … ولكنه لا يعلم كيف انقلب الأمر … ألتمس منك يا سيدي أن تأخذني لأرى الملك!
الكاهن : أنا؟! ألا تعلمين أنه بعد بضع دقائق …
كترين : وإذا كان عوض بضع دقائق يتبقى لي عدة أيام؟
الكاهن : ولكن تنفيذ الحكم محدد الساعة السادسة.
كترين : وإذا كان بدل الساعة السادسة يُلغى هذا التنفيذ ولا يُعمل به؟
الكاهن : ومن يؤخر تنفيذه والسياف لهذا الأمر بالاستعداد.
كترين : وإذا كانت المتهمة تنتظر السياف للتنفيذ ولا يأتي؟
الكاهن : لا أفهم لك كلامًا.
كترين : سأبسط لك إذن حقيقة الأمر، وتيقن أن ما أقوله هو أول اعتراف بذنوبي والإله محرِّم عليكم إفشاء كل سر … (بصوت منخفض) لا ينفَّذ أمر بدون منفِّذ، فالمنفِّذ هرب حينما رأيته خارجًا. نعم هرب مغادرًا لندرة على وعد منه أن لا يرجع إليها ثانيًا.
الكاهن : ما أعجب ما تقولين!
كترين : لا شيء يورث العجب يا سيدي نظرًا للحالة التي أنا فيها … ولكن، ماذا نسمع؟
الكاهن : هذه غوغاء الشعب، فقد أخذوا يَفِدون إلى ساحة المدينة.
كترين : خذني إذن بحقك يا أبتي لأرى الملك. (يدخل حارس وينظر بعجب واندهاش في أنحاء السجن ويخرج مرددًا) يا للعجب … ليس … هنا … عفوًا يا مولاتي …
كترين : وما تريد؟ (بفرح) أترى يا أبتي إنه لم يجد الذي يبحث عليه … فقد قام بوعده.
الكاهن : هو الإله الذي يساعدك يا بنيتي (يسمع صوت نفير).
كترين : وما هذا أيضًا؟
الكاهن (متحسرًا) : لا أعلم.
منادي : أيها الشعب، قد غاب بغتةً سياف المملكة حينما حانت ساعة تنفيذ الحكم على الملكة. ولعدم رغبة الحكومة في تأجيله فهي تقدِّم مبلغ خمسماية شلن لمن يُقدِم على تنفيذ هذا الحكم وله أن يتنكر إذا شاء. وهي خدمة جليلة تستحق الشكر بكل لسان.
كترين : أسمعت يا أبتي؟ وهل يوجد قلب قاسٍ ليقوم بهذا العمل الفظيع؟
الكاهن : عسى يا بنيتي!
كترين : إذن لا بد أن أذهب وأرى الملك، ولكن بأي كلام أخاطبه؟ أرشدني بالله يا أبتي فقد ضاع رشدي … ولكن هل تظن أن أحدًا يُقدِم على هذه المأمورية؟ فقلبي يحدثني … آه ربي ربي!
الكاهن : هيا يا بنيتي إذا أردت الذهاب!
كترين : هيا يا أبتي … (ولا تكاد تسير قليلًا حتى يفاجئهما السياف فترجع بخوف ووجل).

الجزء الخامس

(المتقدمون – أتلود متنكرًا بهيئة سياف)
كترين : ويلي الأقدار تعاندني! فقد علا نجم نحوسي، وخاب لي كل رجاء …
السياف : هل أنت بالاستعداد أيتها الملكة؟
كترين : ويلي … ويلي!
الكاهن : إذن استعيني يا بنيتي بالله وكفى به وكيلًا. وإنه وإن كانت خطاياك كثيرة وذنوبك عظيمة، ولكن رحمة الله أكبر وأعظم. فتضرعي إليه بقلب منسحق وباسمه تعالى أكشف عنك ضبابات اللعنة وأحلك من خطاياك وأوزارك (تخرج مع الكاهن والسياف).
سجان : رحماك اللهم! لقد صببت عليها من صوت رجزك وحمَّلتها من أليم العذاب ما لا تطيق، فارمها الآن بنظرة منك والحظها بعين عنايتك. وعسى الأحزان التي صادفتها في حياتها تكون كفارة عن ذنوبها …

الجزء السادس

(ساحة لندرة: الملك – هيئة المملكة – مجلس البرلمان – حرس – السياف – كترين راكعة وبجانبها رئيس الأساقفة)
الكاتب : «بناءً على الحكم الصادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بجلسته المنعقدة في ٩ فبراير سنة ١٥٤٢ بسراي ويت هول بخصوص الشكوى المقامة من جلالة الملك هنري الثامن ضد الملكة كترين، وبناءً على ثبوت الخيانة على الملكة المذكورة؛ فقد صدر الحكم عليها وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلًا في ساحة لندرة العمومية الساعة السادسة مساء.»
الملك : هل لكم أن تبدوا شيئًا يا حضرات الأعضاء؟
الأعضاء : كلا.
الملك : إذن، نفِّذ الحكم أيها السياف.
السياف (يهمس في أذنها) : اعلمي يا غادرة أن سيافك … لا … بل المنتقم لنفسه منك، هو من سلَّم لك قلبه فخنتيه، وأودع كفك حياته فازدريتيه.
كترين : آه … أنت أتلود!
السياف : نعم نعم، إني الآن أقطع عنقك باليد التي كانت تحب أن تُقطع فداءً عن قلامة ظفر من أظافرك. فاستعدي لشرب هذا الكأس وأنت في زهرة الصبا … (الساعة تضرب) ولتقتل أطماعك الباطلة وحبك لذاتك … (الساعة السادسة) موتي بحسراتك … (صراخ عظيم من الشعب).
السياف (بعد أن يضرب) : بشراي! ليس لي ما أشكو بعد أن فزت بالانتقام.
الملك : الجزاء الحق من جنس العمل.
الجميع : الجزاء الحق من جنس العمل.
السياف : والآن أيها السادة قد كان ما كان ونُفِّذ الحكم على الخائنة بالإعدام. ولكن أين شريكها؟ هل من العدل أن يبقى حيًّا يتمتع بنعيم الحياة؟ أين هو؟ أين هو؟ هو أنا … (يرفع النقاب. دهشة عامة. صراخ من الشعب).
الملك (بغضب) : ويكم! اقبضوا عليه (تتقدم الجند).
أتلود : حذار أحدًا أن يتقدم.
الملك : بل دعوني أروي بدمه غليلي.
الكاهن (وقد كان يتأمل بإمعان في أتلود) : تمهل يا مولاي! فهو اللورد أتلود.
الجميع : اللورد أتلود!
الملك : اللورد أتلود؟!
أتلود : أي نعم أتلود، ولا تستغرب يا مولاي ما ترى لأن غدر الزمان أجبرني أن أشهر عن نفسي الموت وأنا باقٍ في قيد الحياة، ثم أن أتنكر بهذا المنظر القبيح حتى يتسنَّى لي الانتقام من هذه الخائنة الغادرة؛ لأنها امرأتي …
الملك : امرأتك؟!
الجميع : امرأته … امرأته!
أتلود : أي نعم، واسأل جلالتكم الشيخ فلمنك يخبركم بحقيقة الحال. أما الآن، فحكم مجلس البرلمان إذا أردت لن يقضي أبدًا علي. ولكن هل من العدل أن أبقى حيًّا بعد كل هذه الأعمال؟ لا لا، الموت أفضل وأوقى … (يهم برفع الخنجر فتبادر مرجريت وتقبض على يده).

الجزء السابع

(المتقدمون – البرنس مرجريت)
مرجريت : لا لا، لا تنتهي حياتك أو تنتهي بحياتين!
أتلود : مرجريت، آه!
مرجريت : نعم، المنسحقة القلب المنكسرة الخاطر التي فدتك بكل موجود ولم تفدها يا قاسيًا بشيء من الوجود. أنقذك من الموت مرتين فلا أحظى منك يا ظالمًا إلا بالصد والإعراض، أواه يا للشقاء.
الملك : ويلاه ماذا أسمع وماذا أرى!
مرجريت : أخي عذرًا ومغفرة، واعلم أنني إذا أحببت الحياة فما هو إلا لأكون دعامة راحته وركن سعادته، فإما أن أعيش وإياه تحت سقف واحد، أو أن أنضم وإياه في لحد واحد.
أتلود : حاشا لله ما أنت بشرا إن أنت إلا ملك كريم! فعفوًا عفوًا إن ذنبي إليك لعظيم.
الملك : طِيبي يا شقيقتي نفسًا وقَرِّي عينًا، فقد عاد إليك مَن فقدت، فإن اقترانكما مقسوم من القدر، وما جمعه الله لا يفرقه بشر. وأهنئ الآن نفسي ثم أهنئكم يا رجال مملكتي، يعود إلينا صديقنا اللورد أتلود بعد أن كنا يأسنا من غالي حياته. فإليَّ الآن أيها اللورد لأقبلك بين عينيك. وها يد شقيقتي البرنسس مرجريت أقدمها لك فلتكن لك عروسًا. واعلم أنها قاست من حبك أمورًا لا تطاق ورأت من العذاب لبعدك ما لا تحتمله الجبال، فكن نحوها عادلًا، واقضيا حياتكما الآن في رياض الهناء بسلام وطائر المسرة والأفراح يشدو بأطيب الأنغام.
(تمت)٤
١  أديب إسحاق، مسرحية «شارلمان»، مكتبة نخلة قلفاط، مطبعة السلام بشارع كلوت بك بمصر، ١٨٩٨، ص٦٨–٧٢.
٢  حسن حسني الطويراني باشا، مسرحية «مدهشات القدر»، المطبعة العمومية، ١٨٩٩، ص٥٦–٦٠.
٣  بشارة كنعان، مسرحية «عظة الملوك»، مطبعة التمدن، ١٣٢١ﻫ، ص٦١–٧٠.
٤  توفيق كنعان، مسرحية «مطامع النساء» أو «كترين هوار»، مطبعة النيل بمصر، د.ت، ص٨٥–٩٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤