مفاجأة لم يتوقعها «عثمان»

كانت السهرة مع «براتي» كمباراة بين قطٍّ وفأرٍ، كان واضحًا أن «براتي» يريد أن يعرف من «عثمان» معلوماتٍ ما … في نفس الوقت، كان «عثمان» يحاول أن يعرف من «براتي» معلوماتٍ عن «كريليوني» وعن العصابة. وكلٌّ منهما يخفي هدفه عن الآخر. مع ذلك انقضت السهرة في هدوء، سمع خلالها «عثمان» حكاياتٍ عن شباب «براتي»، وكيف كانت مدينة «أنكونا» قديمًا، وعندما مضت ساعاتٌ من الليل، تمنَّى «عثمان» للعجوز «براتي» نومًا هادئًا، ثم انصرف إلى غرفته.

عندما جلس في الغرفة، فكَّر في رسالة رقم «صفر». لقد طلب منه أن يشاهد فيلم «الرصاصة الوحيدة» فكيف يراه؟ وأين يمكن أن يراه. إنه لا يستطيع أن يراه في الفندق، وإلا انتقل الخبر بسرعة إلى «توب»، ثم إلى «كريليوني»، وإذا كان الفيلم له علاقة بما سوف يقوم به، فإن ذلك قد يلفت نظر العصابة. في النهاية استقرَّ رأيه على أن يشاهده في أحد أندية الفيديو، حتى يكون بعيدًا عن أية مراقبة.

كانت الساعة تدق منتصف الليل، فقال «عثمان» لنفسه: ينبغي أن أنام الآن، حتى أبدأ غدًا جولة في المدينة، وأستطيع أن أشاهد فيلم «الرصاصة الوحيدة».

وفي الحال قفز إلى سريره، ثم استغرق في النوم.

استيقظ «عثمان» مبكرًا، ثم أجرى التمارين الرياضية بعدها، أخذ طريقه إلى المطعم. كان هناك «براتي» يجهِّز الإفطار لعدد من النزلاء. ألقى عليه تحية الصباح، ثم وقف بجواره، يجهز إفطاره بنفسه، ثم حمله في صينية صغيرة. وأخذ جانبًا من المطعم، وجلس إلى منضدةٍ، ثم أخذ يتناول إفطاره، بينما كانت عيناه تتابعان «براتي» وهو يحمل الفطور إلى بعض النزلاء في غرفهم.

وعندما انتهى «عثمان» من طعامه، أعاد الصينية إلى مكانها، ثم غادر الفندق مباشرةً، لكنه ما كاد يخرج من الباب، حتى شعر أن جهاز الاستقبال في جيبه، قد ارتفعت درجة حرارته. فعرف أن هناك رسالة … ابتعد عن الفندق، حتى أصبح في وسط الزحام، وبسرعة أخرج سماعتين صغيرتين وضعهما في أذنيه، وأخذ يستمع، ثم امتلأت عيناه بالدهشة، حتى إنه نظر حوله، وارتسمت ابتسامة على وجهه.

لقد كانت الرسالة من «أحمد» يقول فيها: أنا في «أنكونا» منذ ساعاتٍ، أين ألقاك؟

قال «عثمان» في نفسه: هكذا الشياطين يتصرفون دائمًا بسرعة.

تذكر رسالة رقم «صفر»، وما سوف يحمله «أحمد». رد على الرسالة: سوف أكون في النقطة «د» بعد ربع ساعة، أنا سعيد لأنك حضرت.

كان «عثمان» يعرف منطقة أندية الفيديو في مدينة «أنكونا»، فاتجه إليها مباشرة، نظر في ساعة يده، ثم أسرع في مشيته قليلًا. بعد دقائق، كان يقف وسط المنطقة، أخذ يرقب واجهات المحال، حتى يعطي فرصة ﻟ «أحمد»، وحتى يستطيع أن يجده.

مضت دقائق، كان «عثمان» خلالها قلقًا، فلم يظهر «أحمد» بعد. فجأةً اقترب منه رجلٌ يبدو متقدِّمًا في السن، ذو لحية بيضاء كثيفة، وقال له: هل تسمح لي بسؤالٍ؟

قال «عثمان» على الفور: أمرك يا سيدي.

ابتسم الرجل ابتسامة صغيرة، وقال: إنني من الشرق الأوسط. وهذه أول مرة آتي إلى هنا، هل يمكن أن تكون دليلي في المدينة.

تردد «عثمان» قبل أن يقول متسائلًا: هل أنت في سياحة يا سيدي؟

قال الرجل، وقد سبقته ابتسامة: نعم يا بني، إنني أنزل في فندق «الشاطئ».

امتلأ وجه «عثمان» بالدهشة، وفكَّر بسرعة: قد يكون هذا الرجل من أفراد العصابة. ربما يكون رسولًا ﻟ «توب» أو «كريليوني»، فهو لا يذكر أنه رآه في الفندق.

قال الرجل مرة أخرى: لماذا التردد؟ إنني سوف أعطيك أجرك.

تردد «عثمان» مرة أخرى، فقال الرجل: إلى أين أنت ذاهب؟

لم يُجِبْ «عثمان» مباشرة، فقال الرجل وهو يبتسم: أظن أنك سوف تشاهد أحد الأفلام في إحدى قاعات أندية الفيديو.

دهش «عثمان» أكثر، نظر إلى الرجل قليلًا، فابتسم الرجل وقال: هل أخبرك بالفيلم الذي ستشاهده؟

ملك «عثمان» نفسه، فقد عرف أخيرًا من الذي يتحدث إليه.

قال الرجل بصوتٍ مختلفٍ: لا داعي، هيا بنا نشاهد فيلم «الرصاصة الوحيدة».

ابتسم «عثمان» وهو يقول: دعني أدعوك إليه.

قال الرجل: إنني مثلك لم أرَه من قبل، وهذه فرصة لأعرف كيف يختبرونك.

كان «أحمد» هو الذي يتحدَّث إلى «عثمان»، وقد فكَّر قبل أن يظهر في صورةِ رجلٍ عجوز … ذلك لأنه يعرف أن عيونًا كثيرة تحاصر «عثمان» حتى تصل إلى سرِّ هذا الشاب الذي سوف ينضمُّ إليهم.

تحرك الاثنان معًا. كان «أحمد» يستند على ذراع «عثمان» بطريقة لا يمكن معها الشك في أنه رجل عجوز، ودخلا أحد أندية الفيديو.

أخذ «عثمان» طريقه إلى مكتبة النادي، في نفس الوقت الذي جلس فيه «أحمد»، وكأنه رجل عجوز فعلًا، بحث «عثمان» عن فيلم «الرصاصة الوحيدة»، ثم دفع أجر المشاهدة، وأخذ الفيلم إلى جهاز الفيديو القريب من «أحمد»، ووضعه فيه، ثم ضغط زر التشغيل.

جلس الاثنان يشاهدان الفيلم، كان «عثمان» أكثر اهتمامًا من «أحمد»، وعندما انتهى الفيلم، نظر إليه وسأل: هذه مسألة معقدة تمامًا!

ابتسم «أحمد»، وقال: لا بأس، إن كل شيء محسوب بدقة.

انتظر «عثمان» لحظة، ثم قال: يبدو أنك شاهدت الفيلم قبل ذلك.

ابتسم «أحمد»، وقال: في المقرِّ السريِّ للشياطين.

سكت لحظةً، ثم سأل: هل تعتقد أنك مراقبٌ دائمًا؟

قال «عثمان» بعد لحظةٍ: لا أظن، لكن فقط أحتاط للأمر.

أخرج «أحمد» من جيبه عدة طلقاتٍ، وضعها في يد «عثمان» وهو يقول: هذه الطلقات ليس لها أي تأثير. وهناك عملية نقوم بها الآن، والرجل الذي سوف تطلق عليه الرصاص ليس هو في الحقيقة. فسوف يكون أحد الشياطين بمكياج خاص، وهذه الطلقات يجب أن تصيبه تمامًا، وسوف يظهر أثر الطلقات.

وسوف يسقط على الأرض، وكأنه فارق الحياة، وسوف يجتمع الناس، وكأن ما حدث حقيقة، لكنها تمثيلية محكمة جيدًا، حتى تثق فيك العصابة، وحتى تصبح واحدًا منها، ثم نضرب ضربتنا بعد ذلك.

كان «عثمان» يسمع كل ذلك في صمتٍ، أخيرًا ابتسم وهو يقول: لقد كنت متأكدًا أن رقم «صفر» سوف يجد الحل …

سكت لحظة، ثم أضاف: غير أن نهاية الفيلم ليست كذلك، فهم سوف يجهِزون على رجال العصابة، بعد أن يطلق الرصاص على الهدف المطلوب ليتخلصوا منه.

ابتسم «أحمد» وقال: كل شيء مرتب تمامًا، فلا تخشَ شيئًا.

وقف أحمد في إجهاد، وكأنه رجل عجوز فعلًا، ثم قال بصوتٍ مسموع: هيا يا بني، إنني أشكرك على هذه المشاهدة الجميلة.

خرجا معًا من النادي، كانت أشعة الشمس الرقيقة تغطي الأشياء … مشيا قليلًا، ثم قال «أحمد»: ينبغي أن أتركك الآن، ولا ينبغي أن تختفي عن عيونهم حتى لا يشكُّوا.

افترقا، فأخذ «عثمان» طريقه إلى فندق الشاطئ، في نفس الوقت الذي استقل فيه «أحمد» سيارة، إلى خارج المدينة.

عندما وصل «عثمان» إلى الفندق قال له «براتي»: لقد سأل عنك أحدهم.

سأل «عثمان»: من؟

رد «براتي» بابتسامة: لا أدري، لكنه قال إنه سوف يعود إليك.

أخذ «عثمان» جانبًا، ثم جلس، أمسك بصحيفة قريبة منه، وكأنه يقرأ فيها، لكنه في الحقيقة كان يفكر: من الذي أتى؟ وهل هو من العصابة، أو إنه شخص جديد؟

فجأة امتدت يد، وضربت طرف الصحيفة. رفع «عثمان» عينيه، فرأى «ميرو» سائق السيارة القديم، ابتسم «ميرو» وقال: ماذا خلفك؟

وقف «عثمان» مبتسمًا ومدَّ يده يصافح «ميرو»: أهلًا «ميرو»، لا شيء خلفي، هل خلفك أنت شيء؟

أجاب «ميرو» وهو يضحك: نعم.

سكت لحظة، ثم قال: في السيارة.

لم يفهم «عثمان» ماذا يعني «ميرو» بكلمة السيارة، لكنه فكر بسرعة. غير أن «ميرو» قال مبتسمًا: لا داعي للتفكير، فسوف لن تصل لحلٍّ.

ضحك «عثمان»، وقال: لأننا أصدقاء، فلماذا لا تكشف أوراقك؟

ابتسم «ميرو» وأجاب: يا عزيزي «لو» لا أستطيع؛ لأنني لا أملك الأوراق التي أكشفها.

ابتسم «عثمان» وقال: إذن … هيا بنا.

تحرك الاثنان إلى الخارج، وعندما غادرا الفندق تمامًا، ألقى «عثمان» نظره في عدة اتجاهات بحثًا عن سيارة «ميرو»، إلا أن «ميرو» ابتسم قائلًا: لا تبحث عن شيء، عليك أن تتبعني فقط يا «لو».

ابتسم «عثمان» وتحرك في نفس الاتجاه الذي تحرك إليه «ميرو». كان الاتجاه يدور حول الفندق في اتجاه «الشاطئ»، وخلف الفندق تمامًا ظهرت سيارة «ميرو». كان يبدو بداخلها أحد، فكر «عثمان» وهو يقترب من السيارة: هل هو «توب» أو إنه «كريليوني» نفسه؟ وتكون مفاجأة غير متوقعة.

لكنه عندما اقترب تمامًا من السيارة، كانت المفاجأة التي لم تخطر له على بالٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤