ودخلت سنة أربع ومايتين وألف (١٧٨٩م)

في المحرم وصلت الأخبار بأن الموسقو أغاروا على عدة قلاع وممالك إسلامية، منها جهات الأوزي وكانت تغل على إسلامبول كالصعيد على مصر، وأن إسلامبول واقع بها غلا عظيم.

(وفي أواخره) حضر واحد أغا وبيده مرسومات بسبب الأمرا القبليين، بأنهم إن كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم، وإن لم يمتثلوا يخرجوا إليهم ويقاتلوهم فإن السلطان أقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير، فقروا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الأغا القادم بها وآخر من طرف الباشا.

وفي أوائل ربيع الأول

رجع الرسل بجوابات من الأمرا القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حددوه مع حسن باشا إلا بأوامر من عابدي باشا، فإنه حدد لنا من منفلوط، ثم إسماعيل بك بنى حاجزًا وقلاعًا وأسوارًا بطرا، وذلك دليل وقرينة على أن ما ورا ذلك يكون لنا وأنه اختص بالأقاليم البحرية وترك لنا الأقاليم القبلية، ولا مزية للأمرا الكاينين بمصر علينا، فإنه يجمعنا وإياهم أصل واحد وجنس واحد وإن كنا ظلمة فهم أظلم منا، وأما الغلال والمال فإننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي أرسلناها ثانيًا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نعبيها ونرسلها، وذكروا أيضًا أنهم أرسلوا صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقًا إلى إسلامبول، ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخالف أمر السلطان.

شهر جمادى الأولى

وردت أخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الإسلام وأغات الينكجرية ونفيهم، وأن حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وأنه محصور بمكان يقال له إسماعيل؛ لأن الموسقو أغاروا على ما وراء إسماعيل وأخذوا ما بعده من البلاد، ثم إنه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر إلى خروج الشتا وأن السلطان أحضر الأمرا المصرلية الرهاين المنفيين بقلعة ليميا وهم: عبد الرحمن بك الإبراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف، وأما حسين بك فإنه مات بليميا، ولما حضروا فأنزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الأحيان إلى الميدان، ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر إليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم إنعامًا، وورد الخبر أيضًا أن صالح أغا وصل إلى إسلامبول فصالح على الأمرا القبالي، وتم الأمر بواسطة نعمان أفندي منجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالأوراق إلى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه، وانحرف على نعمان أفندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما وإخراجهما من دار السلطنة، فنفى نعمان أفندي إلى أماسيه، ومحمود بك إلى جهة قريبة من إسلامبول وشاط طبيخهم، وسافر صالح أغا من إسلامبول.

(وفي شهر شعبان) ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب، وكأنه مات مقهورًا من الموسقو.

(وفي ثاني عشر رمضان) حصل زلزلة لطيفة في سادس ساعة من الليل.

وفيه أيضًا، وصل ثلاثة أشخاص من الديار الرومية، فأخذوا ودايع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا.

(وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال) قبل الفجر، احترق بيت إسماعيل بك عن آخره.

(وفي خامس عشرينه) عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان أغا محرم من وجاق الجاويشية، فأنهى حسن أغا أنه كان متكفلًا بجراية الجامع الأزهر، فإن كان المتولي يتكفل بها، مثله استمر فيها وإلا ردوا له المنصب، وهو يقوم بها للمجاورين كما كان، فلما قالوا لرضوان أغا ذلك، فلم يسعه إلا القيام بذلك، وهي دسيسة شيطانية لا أصل لها فإن أخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل، والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن أغا كتخداه، يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري، أو من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع إليه المنصب، ومعلوم أن المتولي لم يتقلد ذلك إلا برشوة دفعها، ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين أقرانه، فما وسعه إلا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز، يصنع بها خبزًا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم؛ ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر، وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم، واشتهر ذلك وعلمه العلما والمجاورون وغيرهم، وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم: الضرورات تبيح المحظورات.

(وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي) أوفى النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والأمرا على العادة وجرى الماء في الخليج.

وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والأرنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين، ثم تحزبوا أحزابًا، فكان كل من واجه حزبًا من الطايفة الأخرى أو انفرد ببعض منها قتلوه، ووقع بينهم ما لا خير فيه، وداخل الناس الخوف من ذلك، فيكون الإنسان مارًّا بالطريق فلا يشعروا إلا وكرشة وطايفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص، وهم قاصدون طايفة من أخصامهم بلغهم أنهم في طريق من الطرق، واستمر هذا الأمر بينهم نحو خمسة أيام، ثم أدرك القضية إسماعيل بك، وصالحهم.

(وفي أواخره) حضر جماعة من الأرنؤد إلى بيت محمد أغا البارودي، وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم، ونزلوا من عند الخليج المرخم، وازدحموا في المركب فانقلبت بهم وغرق منهم نحو ستة أنفار، وقيل: تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال.

ذكر من مات في هذه السنة

ومات في هذه السنة العلامة الرحلة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري، المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشتات، ولد بمنية عجيل إحدى قرى الغربية، وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الأسما، وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلا العصر، مثل: الشيخ عطية الأجهوري ولازم دروسه كثيرًا، واشتهر بالصلاح وعفة النفس، ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله إمامًا وخطيبًا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج، ودرس بالأشرفية والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من إملايه وتقريراته، وقرأ المواهب والشمايل (للترمذي) وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشا، وحضره أكبر الطلبة، ولم يتزوج وفي آخر أمره تقشف في ملبسه ولبس كسا صوف وعمامة صوف وطيلسانًا كذلك، واشتهر بالزهد والصلاح، ويتردد كثيرًا لزيارات المشايخ والأوليا، ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة.

ومات الإمام الفاضل العلامة الصالح، المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي بن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير، نزيل طندتا، ولد بالميه إحدى قرى مصر، وأول من قدمها جده فنيش، وكان مجذوبًا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة، فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن، وقدم الجامع الأزهر، وجوده على بعض القرا، واشتغل بالعلم على مشايخ عصره، ونزل طندتا فتديرها ودرس العلم بالمسجد المجاور للمقام الأحمدي، وانتفع به الطلبة وآل به الأمر إلى أن صار شيخ العلما هناك، وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد، وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرًا من النقول الغريبة، وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار، وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد إلى طندتا، وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول من السنة، ولم يتعلل كثيرًا، ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في مقام مبني عليه، رحمه الله تعالى.

ومات الفاضل النحرير الذي وقف الأدب عند بابه، ولاذت أربابه بأعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطا الله المصري الأديب، ولد بمصر وبها نشا وقرا في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والألفية وغيرهما، واشتهر بفن الأدب والتوشيح والزجل وكان يعرف أولًا بالزجال أيضًا لإتقانه فيه، وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يحاربه أحد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن، وأما في فن التاريخ فإليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه.

وكان الشيخ السيد العيدروس — رحمه الله تعالى — يتعجب منه، ويقول: هو ممن يلقنه جني.

ومن نوادره العجيبة هذان البيتان في تاريخ العام الجديد، وهما يشتملان على ستة وثلاثين تاريخًا وهما.

حارست عام اللقا ينجيك لي ملكًا
زانت معاليك جرى العام فيك جيلي
تلقى جمال طويل العمر صاينة
يجلو صداك ترى في العز نجل علي

ومدح المرحوم السيد أبا هادي الوفائي بقصايد، طنانة وكناه أبا القبول وقربه إليه، وأدناه ومن مدايحه في المولى المعظم السيد محمد أبي الأنوار بن وفا، حفظه الله تعالى.

لبني الوفا لا شك خير الباب
وبه السرور ونزهة الألباب
باب غدا لأولي الولاية مركزًا
وهو المحيط ومجمع الأقطاب
يا آل طه إن لي في بابكم
خدًّا أمرغه على الأعتاب
ووسيلتي طول المدى بمحمد
نجل الوفا من سائر الأوصاب
السيد المولى السمي لجده اﻟ
مختار خير العجم والأعراب
العالم العلم المنير ومن له
شرف عليَّ لازم الإيجاب
كشاف كنز العلم خازن دره
روض العلوم ومنهج الطلاب

وله فيه غرر قصايد فريدة ذكرها العلامة السيد حسن البدري العوضي في اللوايح الأنوارية والمدايح الأنوارية.

(ومن فوايده) التي انفرد بها عن أبناء عصره هذه الأبيات الستة:

مولاي حزت مهابة
وبلغت خير مآثر
السعد جاءك مقبلًا
صفو بحسن سرائر
دامت لعزك بهجة
بجمال وقتت باهر
لا تخش كيد حواسد
مولاك أكرم ناصر
كن في سرور آمنًا
وكفيت شر مناظر
قد لاح عزك آهلًا
بعلاك عبد القادر

وجعل لها جدولًا هكذا ونزل فيه الحروف:

م ا د لا ق و ل ا ت ن د
لا س م خ ف لا ي ع ت ش ي ح
ح د ل س ع ز ج ع ي ر ز
ت ا ز د و م ك ح ر ا
م ب و ا ا ق ا م لا
ب ب ج س ن ب ت لا ت د ا ع
و ص ب م و لا ب ف ج و
ل و م لا ف ع غ ب ا ي ب
ت ح ل ا ت د خ س و ش ا
ي ن ق ر ر ل ر س ت م م ق
م ر ب ن ن ا ا ا ا ا ا د
ث ي ص ظ ر ر ر ر ر ر عبد القادر

وطريق استخراج الأبيات من هذا الجدول على طريق المقارعة أن يضع أصبعه على بيت من بيوته، ويعد منه إلى الخامس ويكتب السادس إلى آخره، يخرج له أربعة وعشرون حرفًا فيحصل من مجموعها بيت من هذه الأبيات، ولما وقف على هذه الصفة مفرد عصره الشيخ عبد الله الإدكاوي — رحمه الله تعالى — عمل أبياتًا وجدولًا وسبق به إلى الغاية وهي هذه:

يا سيدا بجماله
وبحسنه وكماله
بذ البرية جملة
قسرًا بفرط دلاله
لا أنثني عن حسنه
إن من لي بوصاله
غصن تثنى معجبًا
وأمضني بنباله
ناديته صل آيسا
قد مل من بلباله
فأجاب مهلًا إنني
أنجيك من عذاله

والجدول على تلو هذه كما ترى:

ي ب لا غ ن ف ا ذ ا ص ا ا
س ا ن ن د ج ي ل ث ت ي ا
د ب ن ث ت ب ا ر ي ن م
ب ي ع ي ص ج ن م ل لا
م ج ح ع ا ا ا م س ج ي ن
ل ل ن ب س ن ت ا ا ي
و ق ا و ق ا ب س ن ا د ن
ح ر م م م ج س ا ن ض ل ي
ن ب ل ن م ك ف ي ي ن م
و ر ب ب ب ن ط و ن ل ع
م د ص ب ب ذ ا لا ا ا ا ا
ل ل ل ل ل ل

واجتمع يومًا في مجلس به جماعة من الأدبا كالشيخ محمد بن الصلاحي والشيخ عامر الزرقاني، وكان الوقت مطيرًا وقد جادت السما فأعطت من قطر السحاب درًّا وعبيرًا، فقال ابن الصلاحي مرتجلًا:

لقدومكم ضحك الغما
م فعلم العين البكا
ما ذاك إلا أنه
لنواك كفك قد حكى

فقال المترجم في الحال:

أفديك بالعينين يا
نجل الصلاح مع الذكا
هطل الغمام كأنه
لعزيز جاهك قد شكا

ثم أنشد ابن الصلاحي:

نقط الطل باللآلي عروسًا
جليت من جمالكم في منصه
جعل الله جمعكم جمع تصحيـ
ـح ليقضي المحب بالأنس فرصه

وللمترجم تشطير أبيات ابن الصلاحي:

(هات لي قهوة الشفا من شفاهك)
أنت زاه والروض حسن انتزاهك
لا تغرنك دلتي يا مفدى
(واسقنيها على فخامة جاهك)
(عاطنيها يا أوحد العصر لطفًا
وانعطافًا واعطف على أوَّاهك
بالمعالي غدوت حلو المعاني
(وبديع المثال في أشباهك)
(يا غزالًا لو صور البدر شخصًا)
لم يقايسك لا وحق إلهك
وإذا ما وافاك كل مليح
(ليضاهيك في البها لم يضاهك)
عاطنيها يا حب جهرًا ولا تخ
تر زحافًا عن صبك المتناهك
لا تشافه بها سواي ولا تفـ
ـش (ملامًا فلذتي في شفاهك)
(عاطنيها ولا تدع لي حراكًا)
واتخذها لعفتي عن مياهك
أنا في الصحو لو تنبهت جهدي
(لست أقوى على كمال انتباهك)
(هاتها والرخاخ في غفلات)
وقاع الرضا زهت من تجاهك
ثم فرزن فأنت أفرس منهم
(لا تدعهم فيفتكوا في شياهك)

وكان المترجم في مجلس من الأدباء فكتب إلى ابن الصلاحي يستدعيه الحضور لذلك المجلس ما نصه:

مولاي يا نجل الصلاحي
فديت منا بالنواظر
امنن وصحح جمعنا
بجميل ذاتك والمآثر
وإذا حضرت تفضلًا
فاللطف عادات الأكابر
نثر الغمام على الربا
من فيضه يتم الجواهر
ونريد نحظى عند نطق
ـك بالفرائد والأزاهر

وكتب للسيد محمد الطنبولي ما نصه:

طلعت أنجم المسرة ترنو
بعيون الهوى لبدر علاها
وعليها من الغرام غمام
فإذا ما بدا الهلال جلاها
والفتى ابن الصلاح أعظم قدرًا
من بدور الوفا وشمس علاها

فكتب ابن الصلاحي مرتجلًا قبل حضوره:

أتاني وذيل الأنجم الزهر يعثر
وكف الثريا للفراقد تستر
قد نثر الدر المنظم فازدرى
بما كان من در السحائب يقطر
وكيف ودر القطر در مبدد
ونظمكم عقد من الروض مثمر
فحرك شوقًا كان من قبل في الحشا
كمينًا؛ لأن الشيء بالشيء يذكر
فجئناكم سعيًا على العين لم يكن
ليمنعني خوفًا ولا ما يعثر
ولا زال هذا الجمع جمع سلامة
وجمع أعاديه قليل مكسر

وقال مشطرًا بيتي ابن الصلاحي:

(لقد حركت نفسي إلى ذلك الحمى)
مهامه عيس أنهلتها المهامه
مراحم أبديها بغير مزاحم
(منزل تمت لي بهن منازه)
(أنفسي مهلًا ليس بالسعي يبتغى
مشارب فيها للرجال مشاره
عليك بحسن الصبر يا نفس إنها
(مكارم حلت دونهن المكاره)

وللمترجم قصايد ومقاطيع ومدايح وموشحات وأزجال وتواريخ لا تحصى ولا تسبر ولا تعد ولا تستقصى، وقد تقدم بعض منها في تراجم الممدوحين، ومنها المزدوجة التي مدح بها الأمير رضوان كتخذا عزبان الجلفي، والموشحات المشهورة بين أرباب الفن والأغاني وهو شيء كثير جدًّا.

توفي في يوم الجمعة خامس شوال من السنة وأرخ وفاته العلامة الشيخ عبد الرحمن البشبيشي — رحمه الله تعالى — بقوله:

در نظمي أرخوه
قاسم في الخلد يرحل

ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج أحمد أغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لأحبابه، ومن يلوذ بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه، محتشمًا في نفسه مبجلًا بين أبناء جنسه، توفي يوم الأربعا ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله.

ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشئ حسين بن محمد المعروف بدرب الشمسي، وهو أحد إخوة حسن أفندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة، وكان من نوادر العصر في الفصاحة واستحضار المسايل الغريبة والنكات والفوايد الفقهية والطبية، وعنده حرص على صيد الشوارد، وأدرك بمصر أوقاتًا ولذات في الأيام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم إلى الحجاز، وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين، ولكن دون ذلك ولم يزل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يومًا، وتوفي في شهر رمضان من السنة، وصُلي عليه بمصلى أيوب بك ودفن عند أسلافه، وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الآن، بارك الله فيه ورحم سلفه.

ومات العمدة المفضل والملاذ المبجل، الشيخ عبد الجواد بن محمد بن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير الجواد من بيت الثروة والفضل، جدوده مالكية فتحنف، كان من أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين، وله حسن توجه مع الله تعالى، وأوراد وأذكار وقيام الليل، يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والأحزاب، وورد مصر مرارًا وفي آخرة انتقل إليها بعياله، واشترى منزلًا واسعًا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية، وصار يتردد في دروس العلما مع إكرامهم له ثم توجه إلى الصعيد؛ ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة، رحمه الله تعالى.

ومات الأمير المبجل صالح أفندي كاتب وجاق التفكجية، وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي، نشا من صغره في صلاح وعفة، وحبب إليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن أفندي الضيائي، والأنيس وغيره حتى مهر فيه، وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم، واقتنى كتبًا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضايل والمعارف، وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد، ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة أو مرتين، وكان مترهفًا في مأكله وملبسه معتبرًا في ذاته وجيهًا منور الوجه والشيبة، له من اسمه نصيب وعنده حزم، ومماليكه أحمد ومصطفى، تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارًا عاليًا، ويستند على أتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى، وانقضت هذه السنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤