ماسترخت!
اجتمع الشياطين اﻟ «١٣» في الصباح الباكر مع أكواب الشاي الساخن وصور أفراد عصابات الأسلحة أو تجارها … وقد أيدوا جميعًا رأيَ «أحمد» في خطورة «لورا» الفرنسي الساحر … لقد كانت المعلومات خلف صورته أكثر توضيحًا، وكانت المعلومات توضح أن الذي يقوم بحراسة الساحر مجموعة من الفتيات المدربات بشكل جيد … كما أوضحت المعلومات أيضًا صعوبة معرفة هؤلاء الفتيات؛ فهن كثيرات ويصطحب معه ثلاثًا كل مرة يتخفين في ملابس مختلفة، ويستعملن السلاح بكل مهارة ودقة، وأكَّدت المعلومات أيضًا أنهن قد أحبطن عدة محاولات لاغتيال «لورا» الزعيم الساحر.
انتهى الشياطين من فحص الصور وتدوين المعلومات حين دقت ساعة الحائط العملاقة العاشرة صباحًا … في الوقت نفسه الذي أعلن فيه عبر الإذاعة الداخلية للكهف السري … عن اقتراب موعد لقاء الزعيم أو الاجتماع الذي يسبق السفر عادة.
توجَّه الشياطين إلى القاعة الكبرى … حسب التعليمات، وما إن دخلوها حتى سمعوا رقم «صفر» وهو يُحيِّيهم ثم قال بعدها: لقد اقترب موعد سفركم الذي تحدد غدًا … ولم يَعُد أمامنا سوى مراجعة بعض الخطط ومعرفة المجموعات وإن كان لي رأي في أن يكون «أحمد» هو المتوجه ومجموعته إلى «إيطاليا»؛ فالساحر الفرنسي موجود هناك الآن … وأنا أقترح أن تكون هذه المجموعة مؤلفة من «أحمد» و«إلهام» و«زبيدة» و«هدى»، ثم أكمل رقم «صفر»: إن ﻟ «إلهام» و«زبيدة» و«هدى» دورًا بارزًا في القضاء على «لورا» وتسليمه إلى السلطات … فهن الأقدر في التعامل مع حرَّاسه من النساء والفتيات … وصمت رقم «صفر» قليلًا، أكمل بعدها قائلًا: أما بقية المجموعات فليس لديَّ أي اعتراض أو اقتراح بشأنها …
أما بخصوص السفر … فالمجموعة الأولى سوف تتوجه إلى «إيطاليا»، والثانية إلى «فرنسا» والأخيرة إلى «ألمانيا» … على أن تكون المجموعة الثانية الموجودة ﺑ «فرنسا» على أهبة الاستعداد للرحيل الفوري عبر البحر الأبيض المتوسط لإمكانهم إحباط أية شحنة أسلحة قد تصل قريبًا إلى شواطئ إحدى البلدان العربية، والموقف حساس بهما الآن ولا يحتاج إلى تأخير … فالأسلحة الآن في متناول كثيرين والجرائم تنتشر بسرعة من مكان إلى آخر، بفضل هذه الأسلحة التي تدخل مهربة دون أن يدريَ بها أحد!
صمت رقم «صفر» قليلًا وأخذ يقلب في دوسيه أمامه، ثم قال بصوته العميق: رحلة «إيطاليا» ستكون في الثانية عشرة ظهرَ غدٍ …
رحلة «ألمانيا» ستكون في الواحدة بعد الظهر لنفس اليوم … أما الرحلة الأخيرة إلى «فرنسا» فسيكون لديكم ميعادها غدًا صباحًا لأنها لم تكتمل بعد … وجارٍ الآن ترتيب رحلاتكم، ورجالنا الآن في كل من «إيطاليا» و«فرنسا» و«ألمانيا» يقومون بهذه الترتيبات.
أكمل رقم «صفر» حديثه: لاحظوا أنكم تعملون في محيط بلدان أوروبا، ويمكنكم التنقل فيها بسهولة؛ فأنتم تعرفون هذه البلاد جيدًا، وكثير من مغامراتكم تمت بها … ولكنها المرة الأولى التي تعملون في «ماسترخت» على غرار ماسترخت الوحدة الأوروبية، وإن كانت «هولندا» ليست في الحسبان الآن.
ضحك رقم «صفر» قليلًا وهو يقول: أعتقد أنكم لستم في حاجة لمعرفة أن «ماسترخت» البلدة «الهولندية» التي شهدَت اجتماع رؤساء المجموعة الأوروبية لتوحيد أوروبا اقتصاديًّا وتوحيد العملات النقدية بينهم وقد سُميت الوحدة الأوروبية باسمها!
أكمل رقم «صفر»: أتمنى لكم حظًّا سعيدًا مع مغامرتكم هذه الحساسة! والتفاصيل سوف تكون معكم في صباح الغد … وقت سعيد! سمع بعدها الشياطين صوتَ قدمَيه فعرفوا جميعًا أن رقم «صفر» غادر المكان!
أمضى الشياطين بقية الوقت في الإعداد للسفر … وتوزيع مجموعات المغامرة.
كانت المجموعة الأولى المسافرة إلى «إيطاليا» كما حددها الزعيم تتكون من: «أحمد»، و«إلهام»، و«زبيدة»، و«هدى».
بينما كانت المجموعة الثانية تتكون من: «بو عمير» و«فهد» و«قيس» و«مصباح» وتتجه إلى «ألمانيا».
بينما تكونت المجموعة المسافرة إلى «فرنسا» من: «عثمان» و«باسم» و«رشيد» و«ريم» و«خالد».
انتهى الشياطين من الإعداد للسفر في التاسعة مساء حين أَوَوا جميعًا إلى فراشهم وقد ارتسمَت على وجوههم جميعًا علاماتُ التحدي والاستعداد؛ فهي المرة الأولى التي يقومون فيها جميعًا بالمغامرة في وقت واحد؛ ولذلك فقد أخذوا معهم مجموعة من أجهزة اللاسلكي الحساسة جدًّا وقد ضُبطت على موجة واحدة كي تستقبل إشارات البث اللاسلكي في أي وقت.
كان السكون يخيِّم على أرجاء الكهف السري المشيد بأحدث الطرق والمجهز بكل وسائل الاتصال والتنقل … ولا ثمة أجهزة الحراسة المتقدمة التي تُصدر صوتًا عاليًا بمجرد اقتراب أي أقدام غريبة من الكهف.
استيقظ «أحمد» مبكرًا قبل كل الشياطين، وتبعه «عثمان» ثم توالى بعد ذلك استيقاظ الشياطين واحدًا وراء الآخر، حتى اجتمعوا مكتملين في الساعة السابعة صباحًا.
كانت تعليمات رقم «صفر» بانتظارهم … وكانت التعليمات محددة وواضحة، مجموعة «إيطاليا» ستتجه إلى «روما» وسيكون بانتظارها عميلنا «باريزي» ومعه ستكون تفاصيل أخرى … وتعليمات جديدة …
مجموعة «ألمانيا» ستتجه إلى «هامبورج» وسيكون بانتظارها عميلنا «موللر» ومعه كلُّ التعليمات … وأخيرًا مجموعة «فرنسا» وبانتظارها أيضًا عميلنا في «باريس» «جان كلود» ومعه كل ما يلزم المجموعة من التفاصيل.
قرأ الشياطين التعليمات جيدًا … ثم سارعوا للاطمئنان على احتياجات المغامرة، وسرعان ما انتهَوا من كلِّ الاستعدادات وانتظروا ساعة التحرك التي جاءت مسرعة مع دقات الساعة الثانية عشرة ظهرًا حين انطلقت المجموعة الأولى المتجه إلى «إيطاليا» بقيادة «أحمد» … وكانت العربة الحمراء الكاديلاك بانتظارهم، حيوا بقية الشياطين، وسرعان ما صعدوا إلى العربة التي انطلقت بأقصى سرعتها باتجاه المطار.
لم تمضِ سوى ساعة واحدة حتى استعدت المجموعة الثانية المتجهة إلى «ألمانيا» للرحيل بقيادة «بو عمير»، وأخيرًا انطلقَت المجموعة الثالثة المتجهة إلى «فرنسا» بقيادة «عثمان».
كانت مجموعة «عثمان» آخر مَن غادرت الكهف السري في الرابعة عصرًا حين انغلقَت بوابته الصخرية العملاقة أوتوماتيكيًّا ليلفَّ الصمتُ المكانَ وتسكن كلُّ الأصوات في المقر السري عدا صوت الساعات الحائطية وهي تُعلن الوقت كل ساعة بدقاتها المنتظمة!
كانت المجموعة الأولى المتجهة إلى «إيطاليا» أول مَن وصلت من المجموعات، وكان بانتظارها في مطار «روما» «باريزي» الذي يعرفه الشياطين جيدًا، وكان بصحبتهم في مغامرة «المهمة الانتحارية» التي جرَت في «يوجوسلافيا» بالتحديد في «البوسنة والهرسك» … ابتسم «باريزي» وهو يصافح الشياطين ويصحبهم إلى العربة «الليموزين» الزرقاء التي سرعان ما انطلقَت بهم إلى أحد الفنادق الفاخرة بقلب العاصمة «روما»، وما إن صعد الشياطين غُرَفهم حتى صافح «أحمد» «باريزي» الذي قال وهو يودع «أحمد»: إلى اللقاء غدًا في الصباح الباكر، وابتسم وهو ينصرف ويلوح بيده مودعًا الشياطين.
قال «أحمد» بعدما انصرف «باريزي» مخاطبًا «إلهام»: لقد كان معنا «باريزي» في مغامرة «المهمة الانتحارية» عندما دخلنا «سراييفو» عن طريق ميناء «باري» الإيطالي وقد مكث «عثمان» معه يومين قبل أن نستدعيَه لمهمة خاصة أثناء تحرير «عبد الرحمن خميس» الصحفي.
قالت «إلهام» وهي تضحك: عندما التهم «عثمان» ثلاث فطائر من البيتزا الإيطالية الشهيرة!
ضحك «أحمد» وهو يقول: لقد حدث هذا بالفعل!
تدخَّلَت «هدى» في الحديث قائلة: ما دمتم قدت ذكرتم «البيتزا»، فما رأيكم في العشاء منها الآن؟!
قالت «زبيدة»: هذه فكرة رائعة!
قال «أحمد»: فلنذهب إذن للتجول قليلًا على أن نختار المطعم الذي يناسبنا سعرًا.
ابتسمَت «زبيدة» وقالت: الحساب على «الزعيم» … وأشارت إلى «أحمد» … الذي صاح: لقد تنازلت عنها حتى ينتهيَ العشاء.
ضحك الشياطين على مداعبة «أحمد»، وانطلقوا خارج فندق «انترناشونالي» الشهير بقلب العاصمة «روما».
كان الوقت شتاء والبرد يحيط ﺑ «روما» من كل جانب، وسماء «إيطاليا» تُظلِّلها السحب الرمادية المتحركة باتجاه الجنوب بناحية «كالياري» البلدة الإيطالية التي استضافت مجموعة مصر في كأس العالم الماضي، وهي «إنجلترا» و«هولندا» و«أيرلندا».
قال «أحمد» وهو يضع يدَيه بداخل جيوب سُتْرته: … إن البرد دائمًا ما يُشعر الإنسان بالجوع!
فابتسمَت «إلهام»، وقالت: أين سنأكل البيتزا؟
أشار «أحمد» إلى أحد المطاعم التي تنتشر على جانب الطريق، كان مكتوبًا على المطعم بالإيطالية فطائر بيتزا على الطريقة الشرقية!
قالت «زبيدة» وهي توجِّه حديثها ﻟ «أحمد»: ما المقصود بالطريقة الشرقية؟!
فقال «أحمد»: إن الإيطاليين يعرفون جيدًا كيف يجتذبون الزبائن العرب …
وأكمل حديثه وهو ينظر ﻟ «إلهام»: فالمعروف أن فطائر البيتزا تُصنع بأكثر من طريقة، منها على سبيل المثال بلحم الخنزير!
قالت «هدى»: ولذلك هم يعرفون أن العرب وبخاصة المسلمون لن يأكلوا مثل هذه الفطائر بسبب تحريم القرآن للحم الخنزير.
قال «أحمد»: هذا بكل تأكيد؛ ولذلك فهم يصنعون البيتزا للعرب المسلمين بالتونة … والجبن الرومي … وبأنواع أخرى من الأسماك …
قالت «إلهام» وكانوا جميعًا على وشك دخول المطعم: فلنطلب إذن بيتزا بالتونة!
قضى الشياطين ما يقرب من نصف ساعة تناولوا فيها عشاءهم بفطائر البيتزا الإيطالية، وتوجهوا بعدها إلى الفندق.
وما إن دخلوا غرفهم … حتى شعرت «إلهام» بحرارة تنبعث من جهاز اللاسلكي، فأسرعت إليه لتلتقط الرسالة التالية: «من المجموعة الثانية: ٥٠٠ – ٣٥٠ – ٢٠٠ – ٥٠٠، «وقفة» – ٣٧٥ – ٣٠٠ – ١٥٠ – ٢٥ – ٧٥ – ٤٠، «وقفة»، ثم كلمة «ناو» بالإنجليزية، وتعني الآن … وأخيرًا … ٧٠٠ – ٦٥٠ – ٥٠٠ – ٤٧٠ – ٢٨٠ – ١٥ انتهى.»
أسرعَت «إلهام» بترجمتها وناولَتها ﻟ «أحمد» … الذي قرأها بصوتٍ عالٍ … كانت كلمات الرسالة تقول: «من المجموعة الثانية ﺑ «ألمانيا» … وصلنا إلى «هامبورج» منذ نصف ساعة ونحن الآن بصحبة عميلنا «موللر»، وننتظر منكم رسالة، هل أنتم بخير؟!»
قال «أحمد» وهو يكتب الردَّ ويعطيه ﻟ «إلهام»: لعل الرسائل اللاسلكية أكثر وضوحًا هنا بسبب قرب المسافات بدول أوروبا … وهذا سيساعدنا بكل تأكيد في هذه المغامرة مع سماسرة السلاح وعصابات الأسلحة.
أخذت «إلهام» الرسالة وقامَت بترجمتها على الفور وإرسالها إلى المجموعة الثانية ﺑ «ألمانيا».
كانت كلمات الرسالة التي كتبها «أحمد» تقول: «وصلَتنا رسالتكم … نحن بخير … وسنتحرك غدًا بعدما نلتقي بعميلنا «باريزي» صباحًا … لَكُم تحياتنا جميعًا وفي انتظار رسائل أخرى.»
وما إن انتهت «إلهام» من إرسال الرسالة إلى المجموعة الثانية ﺑ «ألمانيا» … حتى ذهبوا جميعًا إلى فراشهم مبكرًا … ليقوموا في الصباح الباكر في غاية النشاط كما اعتادوا.
كان «بو عمير» في هذه الأثناء يقوم بترجمة رسالة المجموعة الأولى، وأخذ يقرؤها على الشياطين بالمجموعة الثانية.
قال «مصباح»: أعتقد أن المناخ الألماني يقترب من الإيطالي!
أجاب «قيس»: قد يكون هناك بعض الاختلافات؛ فدرجة البرودة مثلًا تجدها أكبر في «ألمانيا» حتى إنها تنعكس على وجوه الألمان أنفسهم.
تدخَّل «فهد» في الحديث قائلًا: إن «فرنسا» و«إنجلترا» يتشابهان في المناخ إلى حدٍّ كبير، ولكنهما لا يتطابقان أبدًا …
ردَّ «بو عمير» قائلًا: إن اختلاف درجات الحرارة تحدث من بلد إلى آخر … بل من محافظة أو مدينة إلى أخرى في بلد واحد … وعلى سبيل المثال … ﻓ «هامبورج» التي نحن فيها الآن تختلف عن «برلين» في درجة الحرارة … كما تختلف عن «ميونخ».
كانت الساعة تقترب في «هامبورج» من انتصاف الليل حين شعر «بو عمير» بجهاز اللاسلكي يستعد لاستقبال رسالة، فصاح وهو يستعد لاستقبالها: لعلها المجموعة الثالثة … وكان ما توقَّعه «بو عمير» صحيحًا … لقد كانت الرسالة من المجموعة الثالثة بقيادة «عثمان» وكانت الرسالة تقول: «لقد وصلنا الآن «باريس» ونحن بصحبة «جان كلود»، ما أخبار المجموعة الأولى، إنهم لا يردون على رسائلنا؟» ثم سأل سؤالًا آخر في آخر الرسالة: تُرى ماذا حدث في «إيطاليا»؟!
