عذاب حتى الموت!

فرك «أحمد» عينَيه جيدًا وهو ينظر أمامه، وفعلَت «هدى» مثله تمامًا؛ فلم يكن يخطر بباله أن يشاهد ما يراه مطلقًا، فأصابَته حالة ذهول وقتية لم تستمر طويلًا؛ فقد تأكد أن كل شيء قد انتهى. لقد وجد أمامه «بو عمير» و«فهد» و«قيس» و«مصباح» مقيدين بسلاسل حديدية وحولهما بعض الحراس يتسامرون ويضحكون!

ضحك «دونادوني» ضحكة مرعبة وهو يردد: هؤلاء أيضًا كانوا يريدون صفقة «كلاشنكوف»! ثم استمر في الضحك بصوتٍ عالٍ حتى شعر «أحمد» بأن الرجل قد يموت من كثرة الضحك … وتوقف «دونادوني» فجأة عن الضحك وكأنه يعبث بأحد الأزرار، ودفع الحراس برجل آخر مكبل بالسلاسل الحديدية، كان «باريزي»، وقد ظهر على وجهه آثارُ ضربات أصابَت معظم أنحاء وجهه!

قال «دونادوني» مخاطبًا «أحمد»: أتعرف هؤلاء أيها الصغير … ثم أخذ يضحك.

قال «أحمد» وهو يتظاهر بأنه لا يعرف شيئًا وكذلك فعلت «هدى»: نحن لا نعرف ماذا يحدث هنا! أهؤلاء هم صفقة الكلاشنكوف المتفق عليها؟!

ضحك «دونا» هذه المرة بطريقة هيستيرية وهو يقول: بالضبط هي الصفقة الكلاشنكوفية! واستمر في الضحك، وتوقف فجأة ليأمر الحراس بتقييد «أحمد» و«هدى»، ثم قال: بعد قليل سترون أشياء لا تخطر ببالكم، وسنعرف بعدها مَن أنتم.

غادر «دونا» المكان في الوقت نفسه الذي بدأ فيه الحراس تقييد «أحمد» و«هدى» بالسلاسل الحديدية القوية. كان الموقف في غاية الصعوبة … فتلاقت أعين الشياطين وقد أخذتهم الدهشة فلم يقووا على الكلام، بل استمروا في تبادل النظرات الاستفهامية، وتعالَى صوت «دونادوني» خارج الحجرة التي انفتح بابها بعد قليل مع اقتراب الصوت، كان «دونادوني» وبصحبته ثلاثة رجال قد اقتحموا الغرفة، وعندما رآهم الشياطين عرفوهم على الفور. لقد كانوا «جون بوستر»، «ماكس»، و«لورا» الساحر … زعماء تجارة الأسلحة. نظر الرجال الثلاثة للشياطين ثم تحدثوا ﻟ «دونادوني» بلغة غريبة عرف الشياطين أنها شفرة، واقترب الساحر الفرنسي «لورا» من الشياطين، وحملق فيهم قليلًا، ثم تحدث مرة أخرى بلغة الشفرة مع «ماكس» الرجل القنبلة و«جون بوستر» ملك المسدسات، وخاطب «دونادوني» الحراس المتأهبين بلكنة إنجليزية قائلًا لهم: إلى الخارج ومعكم هؤلاء.

اقتاد الحراس الشياطين المقيدين بالسلاسل إلى خارج الغرفة، وساروا عبر دهليز طويل، ثم توقفوا بناء على أوامر الحراس أمام باب ضخم من الحديد، وسرعان ما انفتح الباب «أتوماتيكيًّا»، ودفع الحراس الشياطين بداخل زنزانة واسعة، سمعوا بعدها أصواتًا غريبة تحيط بالمكان بعد أن انغلق باب الزنزانة الحديدي العملاق حتى ارتفعَت إحدى الحوائط الصناعية، وظهرَت مجموعة من الأسود الضارية، كانت تزأر بصوت مخيف وأخذت تتقافز بشكل مرعب على السياج الحديدي الذي يفصل بينهم وبين الشياطين … كان المشهد مرعبًا فنظر الشياطين جميعًا باتجاه «هدى» التي حاولَت أن تتماسك دون جدوى؛ فمع زئير الأسود وقفزاتها الهائلة على السياج الحديدي الذي اهتز مع ضربات مخالبها الرهيبة … سمع بعدها الشياطين صوت «دونادوني» وهو يخاطبهم قائلًا عبر السماعات المثبتة بجدران الزنزانة: هل سيكون اعترافكم كاملًا في خلال ساعة أم نرفع السياج الحديدي … وتنتهون للأبد؟ ثم أكمل ببرود شديد: نحن لا يهمنا اعترافكم، ولكننا قد نترككم لو عرفنا إلى أيِّ جهة تنتمون!

اختفى صوت «دونادوني» الذي رسم الرعب على وجه «باريزي» فتهاوى بعدها على الأرض فزعًا ورعبًا. كان الموقف عصيبًا جدًّا … وكان عقل «أحمد» يعمل بسرعة في الوقت نفسه الذي راح فيه يحاول طمأنة «هدى» بنظرات عينَيه، كان الجهاز اللاسلكي المثبت بمكان حساس بجسده يعطيه بعض الأمل؛ فلم تزل مجموعة «فرنسا» حرة طليقة ومعهما «إلهام» و«زبيدة»، ولكن سرعان ما تلاشى تفاؤل «أحمد» … فكيف تتغلب المجموعة على هؤلاء الزعماء وهذا الكم الرهيب من الحراس المدججين بأحدث الأسلحة؟!

كان «رشيد» في تلك الأثناء قد التقى ﺑ «إلهام» و«زبيدة»، وشرح لهما تراجع مجموعة «فرنسا» عن لقاء الساحر «لورا» في آخر لحظة، وعندما ذهبت محاولات «إلهام» أدراج الرياح للاتصال ﺑ «أحمد» عبر جهاز اللاسلكي صحبهما «رشيد» إلى فندق آخر ﺑ «روما»، ومن هناك استدعى بواسطة جهاز اللاسلكي مجموعة «فرنسا» «عثمان» و«باسم» و«خالد» و«ريما».

كان الوقت يمضي سريعًا وتحذيرات «دونادوني» باقتراب الموعد الذي أعطاه مهلة للشياطين للاعتراف تجعل الوقت أكثر صعوبة … وأخيرًا وافق «أحمد» على الاعتراف … كان يريد أن يكسب بعض الوقت ربما استطاع بقية الشياطين إنقاذهم.

ووافق «دونادوني» على اعتراف «أحمد» … الذي لم يكن يدري أنه سيوضع تحت جهاز كشف الكذب!

حاول «أحمد» تضليل الجهاز لكنه لم يستطع … فبعد نصف ساعة فقط من الاعترافات دوَّى صوتُ جهاز كشف الكذب ليُعلن أن ما يقوله «أحمد» ليس حقيقيًّا … فصاح «لورا» الساحر الرهيب وهو يعض على أسنانه: كفى أطلقوا عليهم الأسود … ثم تعالَى صوت «جون بوستر» قائلًا: فلنترك لهم بعض الوقت على أن تظهر لهم وسيلة أخرى.

وافق «لورا» بينما انفجر الرجل القنبلة «ماكس» معترضًا … وسرعان ما هدأ عندما أقنعه «جون بوستر» بضرورة معرفة إلى مَن ينتمي هؤلاء … بعدها سيستقرون ماذا يفعلون بهم …

كانت الوسيلة الأخرى في منتهى الغرابة؛ فقد ظهر قفص كبير به مجموعة من الفئران كبيرة الحجم تعضُّ على أسنانها فيصدر منها صرير غريب! وهبطت هذه المجموعة في قفصها الكبير من أعلى الزنزانة، وأخذت تدور وتعض على أسنانها الحادة الصلبة، وأخذت تحاول الخروج من القفص … كان المنظر غريبًا فلم يرَ الشياطين مثل هذه الفئران العجيبة … فلا أحد يعرف من أين أتَوا بهذه الفئران المتوحشة، وضحك «لورا» الساحر الفرنسي عبر السماعات ثم قال: هناك أسلوب آخر، وأعتقد أنه سيجعلكم تعترفون بسهولة. وضحك ضحكة مخيفة … كان الأسلوب الذي اتبعه «لورا» الساحر الفرنسي الصدمات الكهربائية أو صدمات الموت … بينما كان عقل «أحمد» يعمل بسرعة غريبة، فحاول مرة أخرى لاكتساب الوقت، فطلب الاعتراف ووافق «لورا» و«ماكس» القنبلة ومعهما «جون بوستر» الرهيب، وفورًا خرج «أحمد» من زنزانة الموت.

قال له «دونادوني»: لن نترك لك فرصة أيها الفتى لخداعنا هذه المرة؛ فإذا لم تعترف بالحقيقة فستكون أول من يهبط إلى الأسود الجائعة! ثم ضحكوا جميعًا وهم يقولون بصوت واحد: وما تبقَّى منك سنرميه للفئران المتوحشة … فأومأ «أحمد» برأسه موافقًا ولكنه طلب شيئًا واحدًا … أن يتناول بعض الأكل والشرب حتى يستطيع التحدث … ووافقوا على طلب «أحمد»، وأحضروا له بعض الساندويتشات وكوبًا من الشاي، راح «أحمد» يمضغ ببطء وعقله كاد يتوقف من كثرة التفكير … وفجأة سمع صوت الوطواط وتبعه صوت البومة.

كان في هذه الأثناء قد اجتمعت المجموعة الثالثة الموجودة ﺑ «فرنسا»، والتقوا ﺑ «إلهام» و«زبيدة»، وبواسطة أجهزة اللاسلكي الحساسة تمكنوا من تتبُّع مسيرة الشياطين حتى منزل الحدوة … كان «عثمان» أول مَن اقترب من المنزل ببشرته السمراء التي أصبحت جزءًا من الليل الكثيف، وعاد بعد أن عرف عدد الحراس الموجودين في الخارج، وأخذ يتشاور مع الشياطين عن كيفية اقتحام المنزل … وسرعان ما واتَتهم الفكرة!

فقد ألقوا بقنبلة دخانية وأعقبها «باسم» بوابل من الإبر المخدرة، فقضوا على معظم حراس المنزل من الخارج … وما إن اندفعوا داخل المنزل حتى فوجئوا بمجموعة أخرى من الحراس ولكنهم بدون السلاح … معتمدين على الحراس الموجودين في الخارج … فاشتبك الشياطين مع الحراس، كان الحراس في منتهى القوة؛ فقد أمسك أحدهم ﺑ «رشيد»، وعاجله بضربة قوية، لكن «رشيد» تفادى الضربة وسدد له ضربة هائلة طرحَته أرضًا في اللحظة نفسها التي اندفع فيها «عثمان» ليسدد «مواشي جرى» وهي بلغة الكاراتيه تسديدة الموت لأحد الحراس الذي تفاداها، في الوقت نفسه الذي أمسك فيها زميله بإحدى المواسير الحديدية، وهوى بها على «خالد»، وما كادت الماسورة تلمس «خالد» حتى طارت «ريما» وسدَّدت بقدمها ضربة قوية للحارس الذي اختل توازنه، فاندفع إليه «باسم» وعاجله بضربة أخرى فأوقعَته على الأرض بلا حراك، وشعر زعماء عصابة الأسلحة بما يدور داخل المنزل عندما تعالَى صياح الحراس واستغاثاتهم، وقد أمسك كلٌّ منهم بمدفع سريع الطلقات … وكان «دونادوني» أول مَن أطلق مجموعة من الرصاص لإرهاب الشياطين الذين تسمَّروا في أماكنهم عدا «عثمان» الذي زحف على الأرض ليختبئ تحت أحد الكراسي المنتشرة بالمنزل، وأخذ يراقب من وضع الانبطاح ما يدور. كان الزعماء قد فوجئوا بما يحدث فنسوا «أحمد» على كرسي الاعتراف الذي يكشف الكذب، فاندفع «أحمد» ناحية مصدر الكهرباء، وسرعان ما نزع الوصلات الخاصة بالمنزل ليتحول في ثوانٍ إلى ظلام حالك فزع له «دونادوني» فأخذ يُطلق النار من سلاحه بطريقة عشوائية وهو يركض وخلفه «ماكس» الرجل القنبلة، وقد أمسك هو الآخر بسلاح وأخذ يُطلق دون أن يدري، ومن خلفهما «جون بوستر» و«لورا» الساحر، وفجأة سمع الشياطين صياحًا عاليًا يصدر من الناحية العكسية للمنزل، فاندفعوا إليه بصحبة «أحمد» وسرعان ما أضاء «أحمد» المنزل ليكتشف الحقيقة المرعبة، لقد سقط زعماء العصابة ومعهم «دونادوني» من شرفة المشاهدة التي تُطل على الأسود الجائعة والفئران المتوحشة، وشاهد الشياطين الأسود وهي تفترس الزعماء الذين أغرقوا منطقة الشرق الأوسط والبلاد الفقيرة بالسلاح كي تنتشرَ فيها الفوضى والقتل، وسارع «أحمد» بفتح زنزانة الموت ليخرج بقية الشياطين وهم لا يصدقون أن المغامرة قد انتهت، وأن «جون بوستر» الداهية، و«لورا» الساحر، و«ماكس» القنبلة، قد انتهوا أيضًا إلى الأبد … ولكن السؤال الذي حيَّر الشياطين كيف عرف هؤلاء الزعماء بأمرهم؟! والإجابة على هذا التساؤل قد تظهر في المغامرة القادمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤