موازنة بين هذه الحصون والأسطول البريطاني

(١) الحصون

إن ساحل مدينة الإسكندرية سهل منبسط ليس به هضاب ولا جبال اللهم إلا بعض التلول المصنوعة، وهو لهذا السبب الطبيعي لا يصلح لإقامة حصون عليه تدفع عن هذه المدينة شر القنابل الحديثة، سواء التي اختُرعت في أيامنا هذه والتي كانت في ١٨٨٢م وقت أن ضربها الأسطول الإنكليزي الذي كان مزودًا بمدافع أقوى من مدافع هذه الحصون.

وكان حصن أم قبيبة هو الحصن الوحيد المقام على تل مرتفع عن الأرض، وكانت حصون الإسكندرية في سنة ١٨٨٢م هي ذات الحصون التي كانت في عهد محمد علي مع فرق بسيط، وهو أنه لما سلَّحها الخديو إسماعيل بمدافع من طراز أرمسترونج رفع ستائرها وزاد في سمكها وفتح فيها كوات جديدة تتناسب مع هذا التسليح الجديد، ولكن كل المدافع كانت منصوبة في العراء بدون أن يعلوها أي وقاية تقي العساكر الذين يطلقونها، وقد يجوز أن يكون نصبها بهذه الكيفية أخف ضررًا لو كانت هذه الحصون شُيدت فوق مرتفعات؛ لأن علوها حينئذٍ بالنسبة للضلع التي تضطر السفن الحربية أن تصوب منها مدافعها يمكن أن يُتخذ وقاية كافية لحماية جنودها من أذى القنابل، ولكن نظرًا لأن كل هذه الحصون تقريبًا كانت قائمة على أرض منخفضة نشأ من ذلك أضرار بالغة لرجال مدفعيتها الذين كانوا عرضة لنار مدافع السفن، وبالأخص لمدافع السربند المنصوبة على السواري والتي بواسطتها في هذه الحالة يمكن إسكات مدافع هذه الحصون بقتل جنودها وبغير حاجة إلى إتلاف هذه المدافع.

والحصن الوحيد الذي يمكن استثناؤه من هذه الحالة هو حصن قايتباي الذي كان في طبقته السفلى المسقوفة مدفعية مستورة بطبقته العليا، ولكن حيطانه لم تكن من المتانة بحالة تستطيع معها الاستهداف لمدافع هذا الأسطول، فقتلت وجرحت الشظايا التي كانت تتطاير منها كثيرًا من الجنود، فضلًا عما أحدثته من الضحايا والتلف للأهالي والمساكن، حتى لقد قال القائد جودريتش Goodrich أحد قواد أمريكا الحربيين في تقريره ص٤٨: إن هذه الحرب لم تكن إلا دهليزًا إلى مهاوي الموت السحيقة.
وقد كان هذا القائد على ظهر السفينة الحربية لانكاستر Lancaster وقت ضرب الإسكندرية، وشاهد هذه الموقعة وعاين هذه الحصون بنفسه بعد الضرب، وتتبع خطوات الجيش الإنكليزي في جميع حركاته العسكرية من أولها إلى ما بعد واقعة التل الكبير، وقدَّم تقريرًا مفصلًا لحكومته بكل ما عاينه ورآه، ومن هذا التقرير استقيت معظم معلوماتي.

وكان في كل الحصون بدون استثناء مبانٍ عديدة مرتفعة عن ستائرها، مثل مستودعات القنابل والثكنات (القشلاقات) والمخازن. وكانت هذه المباني المرتفعة بهذه الكيفية كأنها نُصبت لتكون هدفًا عجيبًا لا تخطئه نيران مدافع الأسطول، وكانت مستودعات البارود على الأخص غير مصونة الصيانة الكافية، ويؤيد ذلك انفجار مستودعي البارود في طابيتي الأطة والدخيلة. ومن العجائب أن مستودعي البارود في كلتا الطابيتين هما وحدهما اللذان أُصيبا فانفجرا وتمزقا شر ممزق دون غيرهما من المباني التي فيهما، والقنابل لم تكن على وجه العموم معبأة من قبلُ في مدافع هذه الحصون، بل كانت تُعبأ في خلال المعارك.

هذه هي الحالة التي كانت عليها حصون مدينة الإسكندرية في سنة ١٨٨٢م وقتما ضربها الأسطول الإنكليزي. أما من حيث تسليح الحصون التي كانت في ساحل المدينة وكانت معرضة لمدافع الأسطول فكان كالآتي:

جدول : حصون ساحل الإسكندرية التي كانت معرضة للأسطول وقائمة بأسمائها والمدافع التي كانت بها.
الحصون مدافع أرمسترونج ششخانة المجموع مدافع غير ششخانة أهوان الجملة العمومية
تعمَّر من الأمام تعمَّر من الخلف
عيار عيار
٧ بوصة ٨ بوصة ٩ بوصة ١٠ بوصة ٤٠ رطلًا
الجملة ٣ ١٢ ٢٢ ٨ ٤ ٤٩ ٢٢٩ ٤٠ ٣١٨
طابية السلسلة ١ ١ ٢ ٢ ١ ٥
قلعة قايتباي ٢ ٣ ١ ٢ ٨ ٣٨ ٤ ٥٠
طابية الهلالية ٤ ٤
طابية الأطة ١ ٣ ١ ٥ ١٤ ٥ ٢٤
طابية الاسبتالية ٢ ٢ ١٠ ٥ ١٧
طابية رأس التين ٢ ٢ ١ ١ ٦ ٢١ ٥ ٣٢
طابية الفنار ١ ٤ ١ ٦ ٢٨ ٣ ٣٧
طابية صالح أغا ٢١ ١ ٢٢
طابية برج رقم ١٥ ٤ ٤
طابية أم قبيبة ٢ ٢ ١٦ ٣ ٢١
طابية القمرية ٥ ٥
طابية المكس ٣ ١ ١ ١ ٦ ٣٦ ١٠ ٥٢
طابية الدخيلة ٤ ٤
طابية العجمي ١ ٥ ٣ ٩ ٩
طابية المرابط ٣ ٣ ٢٦ ٣ ٣٢

وعدا المدافع السالف بيانها نُقل اثنا عشر مدفعًا من طراز أرمسترونج الذي يعمَّر من الأمام (ششخانة) إلى الحصون الآتية:

مدفعان عيار ٩ بوصات ومدفعان عيار ١٠ بوصات إلى طابية المكس.

وثلاثة مدافع عيار ٩ بوصات إلى طابية الدخيلة.

ومدفعان عيار ٧ بوصات ومدفعان عيار ٨ بوصات ومدفع عيار ١٠ بوصات إلى حصن المرابط.

ولكن كل هذه المدافع لم يمكن تركيبها في هذه الحصون، ولا أمكن استعمالها في ضرب الأسطول الإنكليزي.

ويجب حذف المدافع التي من غير نوع الششخانة وكذلك الأهوان من قائمة المدافع المذكورة قبلُ؛ لأنها لم يكن لها في الواقع أية قيمة حربية في زمن ضرب مدينة الإسكندرية؛ إذ كانت قطعًا عتيقة يرجع تاريخها إلى عهد محمد علي، وكان مرماها قصيرًا وليس لمقذوفاتها القوة اللازمة لاختراق مدرعات الأسطول البريطاني؛ لأن القنبلة بعد أن تجتاز المسافة التي تحتفظ فيها بسرعتها تستمر في السير، ولكن مع ضعف في هذه السرعة. فإذا وصلت إلى الهدف عند ضعف سرعتها لا تحدث ضررًا يُذكر لخصم قوي في منزلة هذه المدرعات.

ولا يمكنني أن أقدِّم برهانًا على صحة ما ذكرت أسطع مما وقع لسفينة القيادة في هذا الأسطول (ألكسندرا Alexandra)؛ فقد أُصيبت هذه السفينة بستين قنبلة، فكانت نتيجة هذه الإصابات قتل جندي واحد وجرح ثلاثة. فلو أن هذه القنابل الستين كان لها تأثير حقيقي لأغرقتها.

ومن ناحية أخرى كانت عجلات هذه المدافع في حالة سيئة؛ فبعضها تحطم عند إطلاق المدافع وبعضها انقلبت من فوقها المدافع عند رجوعها على أثر انطلاقها.

ويجب أيضًا حذف المدافع الأربعة التي من طراز أرمسترونج وتعمَّر من الخلف؛ لأن عيارها صغير جدًّا بحيث لا تستطيع أن تعمل عملًا جديًّا ضد هذه المدرعات.

(٢) الأسطول البريطاني وقطعه الحربية

كان الأسطول الإنجليزي الذي ضرب مدينة الإسكندرية بقيادة الأميرال سيمور Seymour مؤلفًا من ثماني مدرعات كبيرة هي: ألكسندرا Alexandra وهي سفينة الأميرال. والإنفلكسيبل Inflexible. والسلطان Sultan. والسوبرب Superb. والتمرير Témeraire. و الإنفنسيبل Invincible. ومونارك Monarch. وبنلوب Penelope. وخمس سفن صغيرة (مدفعيات) وهي: بترن Bittern. وكندور Condor. وبيكن Beacon. وسينت Cygnet. ودكوي Deçoy.

وسأحذف عند ذكر مدافع هذا الأسطول المدافع التي عيارها يقل عن عيار مدافع الحصون وكذلك مدافع السفن الصغيرة (المدفعيات). وذلك في مقابل المدافع العتيقة والأهوان التي حذفتها من الحصون. وهذا الحذف في صالح الأسطول على ما أرى.

وقد كانت كافة المدافع المسلَّح بها هذا الأسطول من طراز أرمسترونج وتعمَّر من فوهاتها مثل مدافع الحصون التي من نوعها (الششخانة). وهاك تقسيمها على مختلف المدرعات المذكورة:

جدول : قائمة بأسماء قطعه والمدافع التي كانت مسلحة بها.
المدرعات المدافع الجملة
العيار
٧ بوصة ٨ بوصة ٩ بوصة ١٠ بوصة ١٢بوصة ١٦ بوصة مدافع
الجملة ١ ٨ ١٦ ٣٨ ١٠ ٤ ٧٧
ألكسندرا ١٠ ٢ ١٢
إنفلكسيبل ٤ ٤
سلطان ٤ ٨ ١٢
سوبرب ١٦ ١٦
تمرير ٤ ٤ ٨
إنفنسيبل ١٠ ١٠
مونارك ١ ٢ ٤ ٧
بنلوب ٨ ٨

وكان وزن المدافع عيار ١٦ بوصة ٨٠ طنًّا وتقذف قنابل وزن الواحدة منها ١٧٠٠ رطل (٦١٢ أقة أو ٧٦٥ كيلوجرامًا).

(٣) الموازنة بين السلاحين

والآن أباشر معالجة الموازنة بين سلاح الحصون وسلاح الأسطول لأبين تفوق الثاني التفوق العظيم على الأول بالعيار وبالوزن فأقول:

لقد كانت مدافع الحصون ذات العيار الواسع حسب القائمة التي سبق تدوينها كما يأتي:

جدول : قائمة بعدد مدافع الحصون من ذات العيار الواسع وعيارها وزنتها.
المدافع عيار المدفع بالبوصات وزن المدفع بالأطنان جملة العيار بالبوصات جملة الوزن بالأطنان
٤٥ ٣٩٥ ٣٨١
٣ ٧ ٧ ٢١ ٢١
١٢ ٨ ٩ ٩٦ ١٠٨
٢٢ ٩ ١٢ ١٩٨ ١٠٨
٨ ١٠ ١٨ ٨٠ ١٤٤

أما مدافع الأسطول فكانت كما ذُكر آنفًا كالآتي:

جدول : قائمة بعدد مدافع الأسطول من هذا العيار وعيارها وزنتها.
المدافع عيار المدفع بالبوصات وزن المدفع بالأطنان جملة العيار بالبوصات جملة الوزن بالأطنان
٧٧ ٧٧٩ ١٥٢٥
١ ٧ ٧ ٧ ٧
٨ ٨ ٩ ٦٤ ٧٢
١٦ ٩ ١٢ ١٤٤ ١٩٢
٣٨ ١٠ ١٨ ٣٨٠ ٦٨٤
١٠ ١٢ ٢٥ ١٢٠ ٢٥٠
٤ ١٦ ٨٠ ٦٤ ٣٢٠

فالأسطول كان يمتاز امتيازًا كبيرًا على الحصون كما يُعلم من المقارنة بين هذه الأرقام. ويكون هذا الامتياز أشد ظهورًا لو نظرنا بعين الاعتبار إلى حالة طابيتي السلسلة والعجمي؛ فحصن العجمي لم يكن قد تم إنشاؤه فلم يشترك في القتال. وكذلك لم تشترك فيه مدافع الحصون الأخرى التي لم تكن منصوبة في اتجاه الأسطول. وهذا الامتياز يتعاظم ويزداد ظهورًا بسبب سرعة تحريك الأسطول واستطاعته أن يحشد بوارجه ويصوِّب جميع نيرانها على حصن واحد فيقوضه ويدمره بدون أن يستطيع حصن آخر أن ينجده. وهكذا يهاجم الأسطول حصنًا بعد آخر فيصيبها التلف جميعًا. وهذا ما حدث فعلًا، وهذه هي الحركات البحرية الحربية التي توخاها هذا الأسطول في ذلك اليوم الأنكد المشئوم.

وكانت حامية الحصون مؤلفة من ١ جي طوبجية سواحل ومجموع قوته ١٧٦٢ ضابطًا وصف ضابط وجنديًّا. وهذا الألاي هو الذي كان في ذلك اليوم الرهيب مع عيوب هذه الحصون ونقصها والتفاوت بين القوتين المتحاربتين وضآلة معداته، يدافع بروحه ودمه عن شرف الجيش والعلم المصري بشجاعة تُعلي قدره وترفع رأسه. فحيا الله أولئك الأبطال الذين راحوا ضحية الدفاع عن الأوطان، وتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه.

(٤) الحوادث التي سبقت الضرب والمكاتبات الرسمية التي تُبودلت قبله

شرع الأميرال سيمور من أول يوليه سنة ١٨٨٢م ينتحل سببًا من الأسباب مقبولًا أو غير مقبول، معقولًا أو غير معقول؛ ليتذرع به إلى فتح باب الشر والعدوان حتى يحقق مطامع دولته في مصر، تلك المطامع التي كانت تعمل لها إنجلترا منذ زمن بعيد.

ويُقال أيضًا إن هذا الأميرال كان لديه سبب شخصي يدفعه إلى الإسراع في مباشرة الأعمال الحربية على قدر ما يستطيع؛ ذلك أن أسطول بحر المانش كان قد تلقى الأوامر بالإقلاع إلى البحر الأبيض المتوسط لينضم إلى أسطول الأميرال سيمور ويعاونه في ضرب قلاع الإسكندرية، وقد كان الأميرال دويل Dowell قائد أسطول بحر المانش أرقى منصبًا من الأميرال سيمور، فإذا انضم إليه بأسطوله كانت له الرياسة قطعًا وآل إليه دون سيمور شرف الانتصار إذا أحرزه في ذلك اليوم.

هذا هو السبب في تعجل الأميرال سيمور وخلقه للأسباب ولو لم يكن لها وجود.

وإني أسوق هنا بعض المكاتبات الرسمية التي دونتها الحكومة الإنكليزية في الكتاب الأزرق عن سنة ١٨٨٢م وهي:

١

برقية من الأميرال سيمور إلى مجلس الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في أول يوليه سنة ١٨٨٢ الساعة ٧٫٥ صباحًا

لقد شُوهدت مراكب مشحونة بالمواد المفرقعة على مسافة قليلة من الجسر (قناة السويس)، وفي هذا الموضع معسكر كبير من البدو. ومعسكر الزقازيق تلقى أوامر بحشد ٣٠ ألف رجل مزودين بالفئوس والزنابيل (يعني أن النية معقودة على سد قناة السويس). وتلقت الأهالي تعليمات أن يتزودوا بالأسلحة. وفي الإسكندرية وحصونها ما يربو على عشرة آلاف جندي. والأمداد والعساكر الاحتياطية ترد إليها بلا انقطاع. ويقول عرابي إن النبي يزوره كل ليلة ويأمل أن تقع الأساطيل المتحدة في فخ ينصبه ذلك أن يغرق مراكب محملة بالأحجار في البوغاز.

٢

برقية من مستر كارترايت Cartwright قنصل جنرال إنجلترا إلى لورد جرانفيل وزير خارجيتها
الإسكندرية في ٢ يوليه سنة ١٨٨٢
سيدي اللورد

أتشرف بإخباركم أن مجلس النظَّار قرر في جلسته التي عقدها أمس أنه نظرًا لما شُوهد من اتخاذ بعض استعدادات في البوارج الحربية، أضحى من الواجب رفع عريضة إلى السلطان يلتمس فيها الترخيص بتعمير الحصون التي كان أُوقف العمل فيها بأمر شاهاني.

٣

برقية من مجلس الأميرالية الإنكليزية للأميرال سيمور
الأميرالية في ٣ يوليه سنة ١٨٨٢

امنعوا كل محاولة يُراد بها غلق مدخل البوغاز الموصل للميناء. وإذا بُوشر إعادة العمل في الحصون أو نُصبت فيها مدافع جديدة فأخبروا قائدها الحربي بأن لديكم أوامر بالحيلولة دون ذلك. وإذا لم يوقف العمل في الحال فدمِّروا الحصون وأسكتوا مدافعها إذا أطلقت النيران، وهذا بعد أن تعطوا الأهالي والسفن التجارية والحربية الأجنبية المهلة الكافية.

٤

برقية من الأميرال سيمور إلى مجلس الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في ٤ يوليه سنة ١٨٨٢

نُصب مدفعان جديدان في قصر فاروس (قلعة قايتباي) في الليلة الماضية. وقوي حائطه المواجه للبحر أيضًا. ويفضل القنصل الجنرال أن أؤجل توجيه الإنذار إلى صباح يوم الخميس؛ لكي يجد الأوروبيون فرصة للهجرة من القاهرة. ولم يحدث أي تغيير في الوجهات المشرفة على البحر. وطلب الأميرال الفرنسي استعلامات فوردت له الإجابة من القائد الحربي ومن عرابي اللذين أرسلا الأميرال المصري؛ ليؤكد أنه ليس هنالك فكرة بعمل سد ما في مدخل البوغاز.

وفي ٥ يوليه سنة ١٨٨٢ أخبر مسيو فريسينيه Freycinet رئيس مجلس وزراء فرنسا لورد ليونز Lyons سفير إنجلترا في باريس، وهذا بدوره بلَّغ لورد جرانفيل Granville أنه ورد إليه في الصباح برقية من الأميرال كونراد Conrad قائد الأسطول الفرنسي بالإسكندرية عن التعليمات التي تلقاها الأميرال سيمور من أجل النيات التي نُسبت للحكومة المصرية، وقيل عنها إنها موجهة ضد الأسطولين الفرنسي والإنجليزي. ثم قال الوزير الفرنسي للسفير الإنكليزي إنه جمع مجلس الوزراء لبحث المسألة، فقرر أن الحكومة الفرنسية لا تستطيع أن تعطي تعليمات للأميرال كونراد أن يكون مع الأميرال سيمور، وأن يمنع بالقوة بناء الحصون أو نصب المدافع في ميناء الإسكندرية.

واستطرد مسيو فريسينيه فقال إن الحكومة الفرنسية تعد التصرف بهذه الكيفية عملًا عدائيًّا هجوميًّا ضد مصر، والاشتراك فيه لا يمكن أن يكون بدون إخلال بنص الدستور الذي يحظر الدخول في حرب بدون موافقة مجلس النواب والشيوخ، وإنه بناء على ذلك قد أرسل إلى الأميرال كونراد تعليمات تقضي عليه بألا ينضم إلى الأميرال سيمور إذا وجَّه هذا إنذارًا نهائيًّا للمصريين يختص بتحصيناتهم، وأن يتراجع إذا صمم الأميرال سيمور على إطلاق المدافع. ا.ﻫ.

•••

وبذلك أصبحت إنجلترا مطلقة اليدين وحدها أمام مصر. وهذا الموقف هو الذي كانت تتوق إليه إنجلترا لتنفيذ مقاصدها، والحصول على بغيتها التي طالما تمنتها من أزمان بعيدة، وقد مهَّد المصريون لها مع الأسف طريق الوصول إلى أمنيتها هذه بخرقهم ونزقهم وسوء تصرفهم.

٥

برقية من مستر كارترايت إلى لورد جرانفيل
الإسكندرية في ٥ يوليه سنة ١٨٨٢
سيدي اللورد

أتشرف بإخبار سعادتكم أن وكيل نظارة البحرية (المصرية) توجَّه أمس بعد الظهر للأميرال سير بوشامب سيمور Beauchamp Seymour وقدَّم له تقريرًا مطمئنًا من جهة وضع العوائق في مدخل ميناء الإسكندرية، وبعد ذلك بقليل تلقى الأميرال إجابة بالكتابة من قومندان الحامية، وفيما يلي نصها:

تلقى الخديو صباح اليوم رسالة برقية من السلطان تعلنه بأنه هو ووزراءه مسئولون إذا لم تُوقف الأعمال في الحصون؛ لأن أعمالًا كهذه تدعو الأسطول الإنجليزي لضرب الإسكندرية. وسيجتمع مجلس الوزراء في هذا الصباح لإبلاغه هذا الأمر العالي للعمل بمقتضاه.

٦

برقية من الأميرال سيمور إلى الأميرالية البريطانية
الإسكندرية في ٦ يوليه سنة ١٨٨٢

لقد أكد لي القائد العسكري ردًّا على مذكرتي المؤرخة بتاريخ اليوم بأنه لم يُوضع أي مدفع جديد في الحصون، ولم يُنجز عمل ما. وصادق درويش باشا على صحة هذا التصريح. ولم تحدث أية إشارة تدل على القيام بأعمال جديدة من بعد ظهر أمس. ويجوز أن ذلك إنما كان امتثالًا لأمر السلطان. وإني لا أتردد في الضرب إذا واصلوا هذه الأعمال. وقد تلقى الأميرال الفرنسي الأوامر بالتراجع هو وبوارجه إذا بُدئ بالعدوان.

٧

وفي ٧ يوليه سنة ١٨٨٢ وجَّه قناصل الدول الكبرى الجنرالية بالإسكندرية إلى الأميرال سيمور المذكرة الإجماعية الآتية:

الإسكندرية في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢

إن وفرة مصالح رعايانا الكثيري العدد بالإسكندرية الآن، والذين لهم أملاك جسيمة جدًّا تضطرنا أن نستعلم من جنابكم عما إذا كنتم تعتبرون إجابة الحكومة المصرية الخاصة بالتحصينات مرضية.

ونحن نرى أنه في مقدورنا أن نحصل على تأكيدات منها ترضيكم الرضاء التام إذا كان لم يزل يتراءى لكم أن الإجابة المذكورة غير وافية. وستصيروننا شاكرين غاية الشكر إذا عرَّفتمونا أن هذه المسألة قد سُويت وانتهت. أما إذا كان الأمر على نقيض ذلك فأفيدونا عمن نعتمد عليه في ترحيل رعايانا. وعلى أي حال لا يمكن أن يتم ضرب الإسكندرية بدون أن يجرَّ أخطارًا جمة على المسيحيين والأهالي معًا، ولا بدون تدمير ما لا يُحصى من أملاك الأوروبيين. وسنتقبل بمزيد السرور تكرمكم برفع هذه الملاحظة إلى حكومتكم قبل أن تنفذوا أوامرها التي صدرت بشأن هذه المسألة.

الإمضاءات
دي فورجس – بارون سورما – دي مارتينو
دي لكس – بارون كسجك

٨

وفي ٧ يوليه سنة ١٨٨٢ أجاب الأميرال سيمور على هذه المذكرة الإجماعية بالخطاب الآتي:

من ظهر المدرعة إنفنسيبل بإسكندرية ٨٢ / ٧ / ٧
سادتي

أتشرف بإخباركم بوصول مذكرتكم الإجماعية التي بعثتم بها إليَّ اليوم تسألونني فيها عما إذا كنت مرتاحًا من إجابة القائد العسكري على خطابي الذي أرسلته إليه أمس. وإني أشكركم كثيرًا على ما عرضتموه عليَّ من الحصول من القائد العسكري على إجابة مرضية إذا كنت أرغب في تأكيدات منه أوفى من الأول، كما أرجو أن تتقبلوا وافر شكري على الاقتراح الذي تلطفتم بتقديمه إليَّ.

فإذا كان نفوذكم لدى القائد العسكري يمكن أن يحمله على التصرف بإخلاص ويحول دون استمراره في أعمال التحصينات، فإنكم بذلك تصيبون الهدف المقصود؛ لأن التأكيدات المكتوبة مهما تكن عباراتها قليلة القيمة بالنسبة للمصالح التي اؤتمنت عليها.

ويلزمني أن أبيِّن لكم أني لا أنوي ولا قلت مطلقًا إني أقصد أن أضرب مدينة الإسكندرية؛ فإن أعمالي الحربية إذا أمست ضرورية فستوجه إلى الحصون، ولا أرى سببًا للخوف من وقوع تلف يصيب الأملاك الخصوصية التي أنتم من أجلها في وجل. وسأبلغ حكومة جلالة الملكة الملاحظة التي لفتم نظري إليها في الفقرة الأخيرة من خطابكم. ويجب أن أحرص مع التدقيق على نص بلاغي الذي أرسلته إلى القائد الحربي حينما تحدث أدنى محاولة يُقصد بها العودة إلى أعمال دفاعية.

وعلى أي حال فسيُعطى إنذار نهائي مدته ٢٤ ساعة فقط. وأتشرف … إلخ.

الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القيادة

٩

ويُرى من مذكرة القناصل الجنرالية السالفة أنهم بذلوا كل جهودهم في سبيل تجنب وقوع الحرب، وهذا أمر يستوجب لهم الشكر، كما يُرى أيضًا من إجابة الأميرال التصلب ليسد الباب أمام كل تسوية يمكن الاهتداء إليها؛ لأنه في اليوم نفسه أرسل بلاغًا إلى القائد الحربي هذه صورته:

من ظهر البارجة إنفنسيبل في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢
صاحب السعادة

أتشرف بإخباركم أني علمت من طريق رسمي أن مدفعين جديدين نُصبا أمس في خطوط الدفاع المشرفة على البحر، وأن بعض استعدادات حربية على وشك النجاز في واجهة الإسكندرية الشمالية، الغرض منها تهديد الأسطول الذي تحت قيادتي. فيجب عليَّ والحالة هذه أن أعلنكم أنكم إن لم تأمروا بالإقلاع عن هذه الأعمال أو تكونوا قد أمرتم بالإقلاع عنها يكن من واجبي ضرب الحصون الجاري فيها البناء.

وأتشرف بأن أكون … إلخ.

الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القيادة

١٠

وأرسل اللواء طلبة عصمت باشا القائد الحربي الإجابة الآتي نصها:

الإسكندرية في ٢٠ شعبان سنة ١٢٩٩ ﻫ / ٧ يوليه سنة ١٨٨٢م
عزيزي الأميرال الإنجليزي

أتشرف بأن أنبئكم بوصول خطابكم المؤرخ يوم ٦ يوليه الذي تذكرون فيه أنه اتصل بكم تركيب مدفعين، وأن أعمالًا أخرى على وشك أن تُقام على شاطئ البحر. فردًّا على ذلك أريد أن أؤكد لكم أن الأخبار المذكورة عارية عن الصحة، وأن هذه الأخبار مثل خبر التهديد بسد مدخل البوغاز الذي اتصل بكم وتحققتم كذبه.

هذا وإني لواثق من شريف عواطفكم المتشبعة بروح الإنسانية. وأرجو قبول احتراماتي.

الإمضاء
طلبة عصمت
قائد القوة

١١

وأرسل الخديو توفيق إلى الباب العالي في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢م البرقية الآتي نصها:

الإسكندرية في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢م

من اليوم الذي انقطعت فيه الأعمال حسب أمر جلالة السلطان لم نقم بأي عمل إلى الآن. وقد أُذيعت إشاعة مضمونها أن الحكومة تنوي سد مدخل ميناء الإسكندرية، وأنها تتخذ غير ذلك من التدابير الحربية. وقد توجَّه قنصلا إنجلترا وفرنسا إلى راغب باشا للوقوف على الحالة منه، فأكد لهما أن هذه إشاعات ليس لها أدنى نصيب من الصحة، وأن فكرة هذه التدابير لم تخطر بالبال. وبما أن ميناء الإسكندرية مزدحمة بالبوارج الحربية فهذه الحالة تخوِّل لكل بارجة من هذه البوارج حجز كل سفينة تحمل مدافع. وقد أخطر رئيس النظار ناظر البحرية بذلك، فخرج القنصلان راضيين من هذا البيان. وفي الوقت نفسه كتب الأميرال إلى قائد الجنود بالإسكندرية خطابًا صرَّح فيه بأنه ما دامت النية معقودة على سد الميناء فيلزمه هو أيضًا أن يتخذ احتياطات لوقاية نفسه. فأجابه القائد بأن هذا الخبر ليس له صحة. وذهب بعد ذلك ناظر البحرية وأكد للأميرال الإنجليزي هذه التأكيدات، فشكره ووعد أن يخبر بذلك حكومته.

الإمضاء
محمد توفيق

١٢

ولكن كل هذه التصريحات السلمية المطمئنة لم تكفِ الأميرال سيمور، وصمم تصميمًا نهائيًّا على ضرب قلاع المدينة بقنابل أسطوله، متذرعًا بالأسباب التي سبق ذكرها وأرسل البرقية الآتية:

برقية من الأميرال سيمور إلى الأميرالية الإنجليزية
الإسكندرية في ٩ يوليه سنة ١٨٨٢

إيماءً إلى برقيتي المؤرخة في يوم ٤ يوليه سنة ١٨٨٢م أقول إنه ليس هنالك أدنى ريب فيما يتعلق بالتسليح، وإني سأخطر قناصل الدول الأجنبية غدًا عند شروق الشمس وأشرع في الضرب بعد ٢٤ ساعة إن لم تسلم إليَّ الحصون القائمة على البوغاز والتي تشرف على مدخل الميناء.

١٣

وعزز مستر كارترايت هذه البرقية بالبرقية الآتية:

برقية من مستر كارترايت إلى وزير الخارجية البريطانية
من ظهر البارجة هلكن Helicon بالإسكندرية في ٩ يوليه سنة ١٨٨٢
سيدي اللورد

أتشرف بإخباركم أنه اتصل بالأميرال سير بوشامب سيمور أن مدفعين جديدين نُصبا صباح اليوم بحصن السلسلة القائم تجاه الميناء الجديدة.

ولا يستطيع الأميرال أن يلازم الصمت حيال هذا العمل العدائي، فقرر أن يطلق النار عند شروق شمس يوم الثلاثاء ١١ الجاري.

ولقد أخطرت في هذا المساء القناصل الجنرالية والخديو ودرويش باشا؛ وسأعمل الترتيبات اللازمة لترحيل جميع الرعايا البريطانيين على البواخر في هذا المساء أو غدًا صباحًا.

ويُؤخذ من شهادة الضابط الذي نقل الخبر إلى الأميرال أن المدفعين المذكورين كانا من الطراز القديم؛ أي إنهما لم يكونا من نوع الششخانة، بل كانا من المدافع الملساء التي ليس لقنابلها قوة لإصابة المرمى البعيد حتى تصيب هذه البوارج وتخترق دروعها فتحدث الضرر لهذه السفن. وحصن السلسلة هذا من ناحية أخرى واقع خارج منطقة القتال؛ ولذلك فإنه عندما حشدت سفن الأسطول عصر يوم الضرب لإطلاق قنابلها على حصن قايتباي لم تعر حصن السلسلة أدنى التفات مع أنه صوب إليها بعض القنابل، فذعرُ الأميرال كان في غير محله.

١٤

ويقول أحمد شفيق باشا في مذكراته ص١٦٣، إن مستر كارترايت أشار على الخديو توفيق أن ينزل هو وأسرته إلى إحدى البوارج الإنجليزية؛ ليكون في مأمن مما عساه أن يصيب سراي رأس التين؛ لأنها عرضة لقذائف المدرعات فأبى. وهذه المشورة لم تدوَّن في الكتاب الأزرق عن سنة ١٨٨٢م، غير أنه يُؤخذ من رسالة برقية مرسلة من مستر كارترايت إلى لورد جرانفيل في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢م أن هذا الأمر حدث فعلًا. وإليك نص هذه الرسالة:

الإسكندرية في ٧ يوليه سنة ١٨٨٢

أتشرف بإخبار سعادتكم أن سمو الخديو أرسل في طلب سير أوكلاند كلفن Auckland Colvin في ضحوة هذا اليوم؛ ليعرض عليه خطة السير التي ينوي سموه اتخاذها في هذه الظروف.

فلقد نوى سموه في الحالة التي يستقر فيها الرأي على الضرب أن يبقى في الديار المصرية. وهو يقول في تعليل ذلك إنه لا يستطيع أن يترك جميع أولئك الذين ظلوا في معيته وأولوه في غضون هذه الفتنة إخلاصهم، كما أنه من جهة أخرى لا يستطيع أن يهجر مصر إذا أغارت عليها دولة أجنبية؛ إذ يُقال حينئذٍ إنه بارحها لينجو بنفسه. أما إذا احتلت الترك مصر وصادف هذا الاحتلال مقاومة، فإن سموه ودرويش باشا يعلمان الجيش عندئذٍ بأنهما بصفتهما من رعايا السلطان المخلصين لجلالته لا يكونان قد أديا واجبهما إذا عضدا هذه المقاومة، وفي هذه الحالة ينطلقان بأحسن الوسائل الممكنة إلى يخت درويش باشا.

وأعرب سموه عن نيته في الانصراف هو ودرويش باشا إلى أحد القصور القائمة على شاطئ المحمودية إذا كان الضرب من جانب الأسطول الإنجليزي وأنه بقدر الإسراع في إنجاز الضرب يقل الخطر الذي يحيق بشخص الخديو.

وكان سموه أثناء هذه المقابلة رابط الجأش يتكلم بصوت هادئ، واختتم الحديث بتوجيه الرجاء إلى سير أوكلاند أن يبلغ قراره هذا إلى سعادتكم.

ولقد عقدت العزم على أن أخبر درويش باشا أنه في حالة حدوث ضرب تلقي حكومة صاحبة الجلالة البريطانية عليه مسئولية سلامة الخديو الشخصية وأمنه.

ولي الشرف … إلخ.

الإمضاء
كارترايت

١٥

وفي اليوم التالي ورد إلى مستر كارترايت من لورد جرانفيل الرد بالبرقية الآتية:

وزارة الخارجية البريطانية في ٨ يوليه سنة ١٨٨٢

تصادق حكومة صاحب الجلالة البريطانية على البلاغ الذي أخبرتمونا عنه ببرقيتكم أمس التي ذكرتم فيها أنكم تنوون عندما تدعو الحالة لضرب الحصون أن تلقوا على عاتق درويش باشا مسئولية أمن الخديو وسلامته.

وأنا لكم … إلخ.

الإمضاء
جرانفيل

ومن المرجح أن المشورة التي عُرضت على الخديو بضيافته على ظهر سفينة حربية إنكليزية كانت لغرض سياسي لا لشيء آخر؛ لأن وجود حكم البلد في إحدى سفنهم يجعل لضربهم صبغة شرعية كما حدث بعد ذلك في حركاتهم العسكرية التي أفضت إلى احتلال البلاد.

وعلى كل حال فإجابة الخديو تشرفه، ولكن مما يُؤسف له أنه لم يتبع هذه الخطة معهم إلى النهاية.

١٦

وأرسل مستر كارترايت إلى قناصل الدول الجنرالية وفقًا للبرقية التي بعث بها إلى لورد جرانفيل المذكرة الآتية:

الإسكندرية في ٩ يوليه سنة ١٨٨٢م
سيدي

أتشرف بإخباركم أنه من المرغوب فيه إعلان كافة الأشخاص التابعين لحكومتكم بأن يكونوا في البواخر الراسية في الميناء في مدة ٢٤ ساعة تمر من تاريخ هذا الإعلان.

١٧

وكتب أيضًا مستر كارترايت إلى درويش باشا الخطاب الآتي:

الإسكندرية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢م
إلى صاحب السعادة

بناء على بلاغ الأميرال سير بوشامب سيمور الذي وجَّهه إلى قائد الإسكندرية الحربي في صباح هذا اليوم أراني بصفتي وكيل وقنصل جنرال حكومة صاحبة الجلالة البريطانية بالنيابة، مضطرًّا إلى أن أخلي وكالة جلالتها بالإسكندرية، وأن أقطع مؤقتًا العلائق التي كانت إلى الآن بيني وبين نظارة الخارجية المصرية.

ثم أخبركم بأنني مكلَّف بأن أعلن سعادتكم بالضرورة الماسة لكفالة سلامة سمو الخديو في كل الظروف، وأن حكومة جلالة الملك تأمل من سعادتكم أن تشملوا وقاية سموه وأسرته بكل أنواع الاحتياطات التي تستدعيها الأحوال باستعمال نفوذكم المستمد من نيابتكم عن جلالة السلطان. وإنكم لتعلمون أن سموه لا ينكص أمام الأخطار الجسيمة التي يعرِّضه لها موقفه الحالي بسبب تحمله أوفر نصيب مما تفرضه عليه الواجبات. فحكومة صاحبة الجلالة البريطانية كلفتني أن أُعلِم دولتكم بأن عليكم — بحسب رأيها — مسئولية وقاية سموه من كل خطر ودرء الأخطار التي يمكن أن تحيط بسموه في أثناء هذه الحوادث.

١٨

فأجابه درويش باشا بالجواب الآتي:

الإسكندرية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢م
عزيزي نائب القنصل الجنرال

تسلمت خطابكم المؤرخ في ١٠ الجاري الذي شرفتموني بإرساله إلي، ويمكنني أن أؤكد لكم أني بذلت كل جهدي في القيام بالمهمة التي تفضل جلالة السلطان وعهد بها إليَّ.

ولقد عز عليَّ أن أدرك السبب الذي من أجله انساق الأسطول الإنكليزي فجأة منذ أمس إلى إبداء هذه النيات العدوانية بعد أن لبث مدة مديدة، ملقيًا مراسيه في ميناء الإسكندرية لم يظهر في خلالها إلا أميالًا سلمية.

إن العلائق الودية بين السلطنة العثمانية وبريطانيا العظمى ما زالت باقية. وحيث إن مصر هي إحدى ولايات السلطنة، فكان في استطاعة جناب الأميرال أن يعرض أولًا وجوه شكايته التي استوجبت التدابير التي اتخذها، بطريقة ودية. وكان في الإمكان مراجعتها والنظر في وسيلة لملافاة الشر. ومتى ظهر مرتكبو الأعمال التي أوجبت الشكوى يكن في الاستطاعة إنزال العقاب بهم.

ويبدو لي أننا لو تصرفنا بهذه الطريقة لكان الأمر قد آل إلى توطيد العلائق الودية بين المملكتين عوضًا عن الانسياق في تيار العدوان.

ولقد أتاحت الفرصة لسعادة راغب باشا ولوكيل نظارة البحرية أن يؤكد لكم وللأميرال أنه لم يخطر ببال الحكومة المصرية أن تعمل أي عمل يكدر صفو هذه العلائق الحسنة.

ومن المهم البحث عمن تقع عليه المسئولية إذا كان جواب تصريحات حكومة متشبعة بروح المحبة وحسن النية قد قدمت كل الوعود والتأكيدات الضرورية، هو القيام بأعمال عدوانية لا تستند إلى المبادئ التي تسود العلائق بين دولتين متحابتين.

أما التنبيه الذي وجهتموه إليَّ أن أكفل بكل ما لدي من الوسائل سلامة سمو الخديو فيجب عليَّ أن ألفت أنظاركم إلى أنه ليس من الصواب إيجاد تمييز بين شخصية سمو الخديو توفيق باشا السامية وحكومته. وإنه لمن الطبيعي جدًّا أن سموه ما زال يُعنى بسلامة وهناء البلاد التي يحكمها أكثر مما يُعنى بسلامة شخصه.

وتفضلوا بقبول … إلخ.

مندوب جلالة السلطان
الإمضاء
درويش

١٩

وأرسل الأميرال سيمور من جهة أخرى إلى قائد الإسكندرية الحربي الرسالة الآتية:

من ظهر البارجة إنفنسيبل بالإسكندرية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢م
صاحب السعادة

أتشرف بإخبار سعادتكم أنه نظرًا لحدوث استعدادات حربية آخذة في الازدياد منذ يوم أمس في حصون السلسلة وفاروس (قايتباي) وصالح. وهذه الاستعدادات موجهة بالطبع إلى الأسطول الذي تحت قيادتي، قد عقدت العزم على أن أنفذ غدًا (١١ الجاري) عند شروق الشمس العمل الذي أعربت لكم عنه في خطابي المؤرخ يوم ٦ الجاري إن لم تسلموا لي حالًا قبل هذه الساعة البطاريات المنصوبة على برزخ رأس التين وعلى شط ميناء الإسكندرية الجنوبي لمنع التسلح بها.

ولي الشرف … إلخ.

الإمضاء
سيمور
ولكي يستطيع القارئ أن يتبين الخطر الطفيف الذي كان الأسطول الإنكليزي مستهدفًا له أورد هنا شهادة رجل إنكليزي هو مستر رويل Royle الذي كان محاميًا بالإسكندرية ثم عُيِّن مستشارًا بمحكمة الاستئناف الأهلية. فقد ذكر في مؤلفه ذي إجبشيان كامبينز The Egyptian Campaigns ص٦٣ هذا الإنذار النهائي، ثم قال: إن الخطر الذي كانت تستهدف له بوارج الأميرال من جراء الاستعدادات المصرية لم يكن إلا خطرًا وهميًّا في ذلك الوقت. ولو فرضنا وكان خطرًا حقيقيًّا لكان في الإمكان السلامة منه والبعد عنه إذا غيَّر الأميرال موقف سفنه تغييرًا طفيفًا.

وقد أمسى في الوقت نفسه تهديده بضرب الحصون بعد حوادث ١١ يونية سنة ١٨٨٢ من بعض الوجوه ضروريًّا حتى لو لم يكن ذلك إلا لإعادة كرامة الأوروبيين. وفضلًا عما ذُكر فإنه كان يمهِّد بهذا الضرب أول خطوة في سبيل ملاشاة سطوة عرابي وجيشه الذي كان محشودًا إلى حد كبير بالإسكندرية. ا.ﻫ.

والقسم الأول من هذا الكلام يطابق الحقيقة. أما القسم الثاني فالغرض منه تلطيف هذا الفعل بإدماج الكرامة الأوروبية فيه حتى كأن الدول الأخرى قد فوضت إنجلترا في القيام بهذا العمل نيابة عنها.

٢٠

وأرسل أيضًا مستر كارترايت إلى راغب باشا رئيس النظار الخطاب التالي:

من ظهر تانجور Tanjore بالإسكندرية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢
سيدي الوزير

بناء على البلاغ الذي قدَّمه الأميرال سير بوشامب سيمور في هذا الصباح إلى القائد الحربي بالإسكندرية، أراني مضطرًّا إلى أن أخلي قنصلية صاحبة الجلالة البريطانية، وأن أقطع الآن العلائق التي كانت بين سعادتكم وبين شخصي بصفتي أنني وكيل وقنصل جنرال بالنيابة عن جلالتها في مصر.

ولي الشرف … إلخ.

الإمضاء
كارترايت
ولما تلقى راغب باشا هذا البلاغ ولم يكن قد اطلع من قبل على الإنذار النهائي طلب من مسيو دي مارتينو de Martino قنصل جنرال إيطاليا وأقدم السفراء أن يتكرم باستدعاء زملائه الفرنسي والألماني والنمساوي والروسي على ظهر المدرعة الإيطالية (كاستلفيداردو Castelfidardo) في محل وجودها ليقوموا بمساعٍ أخرى لدى الأميرال. وفعلًا لبَّى القنصل الطلب واستدعاهم، ولكنهم بعد أن اجتمعوا ظهر لهم أن الوقت قد فات.
ولما ذهب راغب باشا بصحبة عبد الرحمن بك رشدي ناظر المالية وتجران بك سكرتير مجلس النظار وقابلوا مسيو دي مارتينو في نحو الساعة الحادية عشرة صباحًا لم يستطع إلا أن ينصح راغب باشا أن يسعى هو بنفسه لدى الأميرال، فتوجَّه رئيس النظار ورفيقاه إلى البارجة إنفنسيبل وهناك تلقى الإنذار النهائي. وبعد مناقشة طويلة قبِل الأميرال تلطيفًا في شروطه لم يكن في الحقيقة إلا تغييرًا طفيفًا، وهو ينحصر في إنزال كافة المدافع التي في الحصون المشرفة على البحر، وأن يقوم بهذه العملية الجنود المصرية تحت إشراف ضباط من الإنكليز، وبارح راغب باشا ورفاقه سفينة الأميرال بعد أن وعد بإرسال الإجابة في المساء، وتوجَّهوا في الحال إلى قصر رأس التين وعرضوا على الخديو ودرويش باشا نتيجة سعيهم. فطلب الخديو عقد جلسة غير عادية لفحص الموقف وتمحيصه حضرها:
  • (١)

    الخديو توفيق.

  • (٢)

    المشير درويش باشا.

  • (٣)

    قدري بك سكرتير المشير.

  • (٤)

    السيد أحمد أسعد عضو الوفد العثماني.

  • (٥)

    إسماعيل باشا راغب رئيس النظار وناظر الخارجية.

  • (٦)

    أحمد باشا راشد ناظر الداخلية.

  • (٧)

    عبد الرحمن بك رشدي ناظر المالية.

  • (٨)

    أحمد باشا عرابي ناظر الجهادية والبحرية.

  • (٩)

    علي باشا إبراهيم ناظر الحقانية.

  • (١٠)

    سليمان باشا أباظة ناظر المعارف.

  • (١١)

    محمود باشا الفلكي ناظر الأشغال.

  • (١٢)

    حسن باشا الشريعي ناظر الأوقاف.

  • (١٣)

    لطيف باشا من نظار البحرية السابقين.

  • (١٤)

    حافظ باشا من نظار المالية السابقين.

  • (١٥)

    محمد باشا سلطان رئيس مجلس النواب.

  • (١٦)

    إسماعيل باشا حقي أبو جبل عضو مجلس الشيوخ.

  • (١٧)

    محمد باشا سعيد عضو مجلس الشيوخ.

  • (١٨)

    محمد باشا كامل وكيل نظارة البحرية.

  • (١٩)

    قاسم باشا من وكلاء نظارة البحرية السابقين.

  • (٢٠)

    محمد باشا المرعشلي مدير التحصينات العام السابق.

  • (٢١)

    محمود باشا فهمي مفتش التحصينات العام.

  • (٢٢)

    طلبة باشا عصمت القائد الحربي للإسكندرية.

  • (٢٣)

    تجران بك سكرتير مجلس النظار.

وكانت الجلسة متحمسة كثيرًا، والمناقشة حادة جدًّا والآراء متضاربة إلى أقصى حد. ويبدو أن حافظ باشا وإسماعيل باشا ولطيف باشا كان من رأيهم التسليم بشروط الأميرال. ويقول أحمد باشا شفيق في مذكراته ص١٦٢، إن درويش باشا توجَّه إلى طابية الفنار مع محمد ياور أفندي من ضباط الحرس الخديو لاختبارها واختبار المدافع المنصوبة فيها، وقال في هذا المجلس إنه بصفته من ضباط المدفعية يقرر أن الحصون والمدافع التي بها لا تستطيع مطلقًا أن تقاوم مدافع المدرعات الإنكليزية. وقال أيضًا إنه لو وثق بأن مصر تستطيع المقاومة لتولى بنفسه قيادة جيشها؛ ولذا نصح لعرابي باشا بقبول طلبات الأميرال سيمور.

وأذكر هنا حجة أخرى قيمة جدًّا هي ما قاله مرعشلي باشا مدير التحصينات العام السابق الذي حضر هذا الاجتماع الحافل وأبدى رأيه في هذه المشكلة، ونحن نرى رأيه هذا رأي رجل عاقل جدًّا فضلًا عن أنه أخصائي ملم بمهنته تمام الإلمام. ولكن مما يُؤسف له أشد الأسف أن الآراء الحصيفة التي بمثلها رأى هذا الخبير تُهمل ولا يُعمل بها في وسط ساد فيه التحمس. وهاك قطعة من تقريره الذي قدمه إلى لجنة التفتيش التي تألفت لمحاكمة المدنيين في هذه الحوادث وفيه أثبت هذا الرأي، نثبتها هنا بنصها قال:
في يوم الأحد ٢٢ شعبان سنة ١٢٩٩ﻫ  /  ٩ يوليه سنة ١٨٨٢ وردت لنا بوصلة من سعادة أحمد باشا رشيد ناظر الداخلية هذه صورتها:

بناء على التلغراف الوارد لنا من عطوفتلو رئيس مجلس النظار بإسكندرية مقتضى توجه سعادتكم لإسكندرية بالوابور المخصوص القائم من مصر يوم تاريخه بعد الظهر بربع ساعة للمذاكرة في مسألة مهمة. فالأمل التشريف بالحضور لمحطة مصر في الميعاد المرقوم لأجل التوجه معنا نحن وبعض سعادات الذوات المتوجهين أيضًا أفندم.

فبناء على هذه البوصلة قد توجهنا إلى الإسكندرية في ليلة ٢٣ شعبان سنة ١٢٩٩  /  ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢م، وفي صباح اليوم المذكور باجتماع المجلس بسراي رأس التين مركبًّا من هيئة النظار والذوات الملكية والجهادية وجد إعلان وارد من أميرال دونانمة ومذكور به أنه بعد صدور أمر الدولة العلية بتوقيف تصليح الاستحكامات وتركيب المدافع والتجهيزات الحربية الجارية بمعرفة عرابي ورفقاه ضد الدونانمة قومانداريتي، وصدور أمر الحضرة الخديوية إليهم بذلك، وامتثالهم لهذا الأمر، لم يزالوا جارين التجهيزات ليلًا ونهارًا لغاية أمس، وأجروا تركيب ثلاثة مدافع بإحدى الطوابي؛ فلعدم امتثالهم للأوامر وبناء على الأمر الصادر لي من دولتي، مجبور بضرب الطوابي باكر صباحًا، وإلا يصير نزول المدافع من على قناديقها للأرض مؤقتًا حتى تنتهي المسألة. ومن أجل ذلك توجَّه عطوفتلو راغب باشا مع سعادة عبد الرحمن بك ناظر المالية وسعادة قاسم باشا وكيل البحرية سابقًا إلى الأميرال بالبحر لأجل المرسى معه عن ذلك. وبعد عودتهم عرفوا بأن الأميرال لم يزل مصممًا على رأيه فلذلك انعقد المجلس ثانيًا بعد الظهر تحت رياسة الحضرة الخديوية. وبالمداولة فيه كان العرض للأعتاب من سعادة محمود باشا الفلكي عن لزوم النظر في أخف الضررين، إما قبول الضرب أو نزول المدافع؛ ولذا يلزم السؤال عن أحوال الطوابي ومدة مقاومتها لمقذوفات مدافع الدونانمة من مرعشلي باشا، حيث إنه خبير بذلك. فبوقته سألني حضرة الخديو عن ذلك فكان جوابي إن صاحب الوظيفة الآن محمود فهمي يُسئل منه. وبتوجيه السؤال إليه أجاب بأن طوابي سواحل إسكندرية تقاوم مقذوفات الدونانمة مدة ثلاثة شهور. فبوقته فهمت من مجاوبته أنها إما أن تكون على جهل منه أو لغرض تقوية عزم العصاة. وبإعادة استفهام الحضرة الخديوية مني عن ذلك أجبت بأن طوابي إسكندرية لا تتحمل أكثر من أربع وعشرين ساعة إذا كان الضرب مستمرًّا، وفي ظرف أربع أو خمس ساعات تتخرب الطوابي، وأغلب المدافع تُلقى على الأرض من إصابة المقذوفات لكونها مكشوفة، ويكون بداخل الطوابي مثل مجزرة من العساكر القتلى المصابين من الكلل والشرنبالات، ومن انتشار قطع الأحجار التي تصادمها الكلل في الأبنية العالية؛ وهذا لكون الطوابي المذكورة مبنية من زمن مديد بالنسبة لمقاومة الأسلحة القديمة، والأسلحة الجديدة لها تأثير أكبر من الأسلحة القديمة، والمراكب الخشب تغيرت بمراكب زرخ. وأما تلك الطوابي فإنه لم يحصل فيها تغيير. فإذا كان التصميم على الضرب فالأحسن لأجل حقن دماء العساكر لا يلزم فيها دخولها بالطوابي وقت الضرب. فكانت المعارضة لي من محمود فهمي بأقواله إنه حضر محاربة حدود الصرب، وإنه نظر تأثيرات كلل وشرنبالات بكثرة، وما كان يخاف منها. كذا عارض طلبة أيضًا بقوله نحن يلزمنا أن نذبح بكلة الإنكليز تحت المدافع ولا نتركها بدون عساكر. وكذا عارض عرابي بقوله إنه إذا تركنا الطوابي بدون عساكر فإن الإنكليز بعد أن يخربوها في الحال توضع بنديرات الإنكليز، وقال أيضًا هل كلل الإنجليز تؤثر بطوابينا وكللنا لا تؤثر بالمراكب؟ فكانت المجاوبة من مني لعرابي أن المدافع التي بطوابينا تأثيرها في المراكب قليل جدًّا، وأغلب المدافع من الطراز القديم ولا يكون لها أدنى تأثير في مراكب الزرخ، وفضلًا عن ذلك فإن مدافعهم وعساكرهم في داخل أود من الحديد، وأما عساكرنا ومدافعنا فإنهم في الكشف تنزل عليهم الشرنبالات والكلل بكثرة مثل المطر وتتلفهم في أقرب زمن. وأما القول عن الإنكليز أنهم بعد تخريب الطوابي يضعون البنديرة بها فهذا ليس من السهل بما أنهم ليسوا هم من الطير حتى يمكنهم من مسافة نحو الألف وخمسمائة متر أن يطيروا ويدخلوا الطوابي؛ لأنهم متى أرادوا التوجه على الطوابي يلزمهم تنزيل عساكرهم في صنادل لأجل طلوعهم على الساحل. فبوقتها يلزم على العساكر التي في البر أن يستعدوا للمدافعة وعدم ترك الإنكليز لأن يطلعوا على البر. وفي ذلك صعوبة جدًّا للمهاجمين بالنسبة لفن الحرب. فما كان يقبل أقوالنا وطعن في حقنا. ونحن كذلك جاوبناه بما لزم. وترتب على ذلك أن اكتسبنا زيادة عداوة مع المذكورين علاوة على العداوة الأصلية الناتج منها إخلاؤنا من الوظيفة. وكانت مجاوبتنا لهم بما ذُكر لأجل تخويف العصاة وارتجاعهم عن المقاومة وتنزيل المدافع بما أن ذلك أخف الضررين. ثم بعد تلك المحاورات التي حصلت بالمجلس في مساء يومها جهزوا العساكر طوبجية وبيادة وأهالي متطوعين بطوابي الساحل. وفي الصباح حصل الضرب من الطرفين. وبحال الضرب تلاحظ أن الضرب من المراكب ما كان إلا للطوابي التي بها العساكر فقط، وتركوا الطوابي التي لم يكن بها عساكر بدون ضرب. ثم تلاحظ أن رؤساء العصاة بدلًا عن أنهم يصيرون بالطوابي حال الضرب حتى يصير جزرهم تحت المدافع كأقوالهم بالمجلس هربوا وتوجهوا إلى طابية الدماس المنيعة، وأخفوا أنفسهم تحت العقودات من ضرب الكلل حتى تسبب مما حصل من إجراءاتهم وحالة الضرب مهاجرة الأهالي، فتركوا أمتعتهم وأموالهم وهم في أسوأ حال. وكذا الذوات السابق حضورهم من المحروسة هاجروا معهم. ومن ذلك اتضح تأييد صحة أقوالنا التي أبديناها بالمجلس بشأن عدم وضع عساكر بالطوابي، فإذا كان لم يحصل مبارزة العصاة بوضع عساكر بالطوابي كما أورينا ما كان الأميرال يأمر بضربها، ولا كان يحصل شيء من التلفيات. ثم لما رأينا هذه الحالة وبتهددي من العصاة بالكلام حال وجودي معهم وقت الضرب بطابية الدماس مع أغلب النظار وعدم وجود منزل لنا ولا مأوى بإسكندرية، ولم يكن لي وظيفة تستوجب إبقاءنا بها، فضلًا عن صعوبة الحالة التي كانت حاصلة وخشية من حصول إضراري من العصاة لما نُظر من أحوالهم وعدم استعدادي بلوازم الإقامة بإسكندرية، حضرنا مع الذوات إلى المحروسة … إلخ إلخ. ا.ﻫ.

وهناك رواية أخرى عن هذا الاجتماع رواها مسيو بيوفيس Biovés في الصفحة ١٥٠ من كتابه (الفرنسيون والإنكليز في مصر Français et Anglais en Egypt) وهذه الرواية لم أنقلها هنا إلا بعد أن تحققت من مطالعة هذا الكتاب أنه من أحسن الكتب التي سُطرت عن هذه المأساة المحزنة، وأن مؤلفه كان مسموحًا له بالاطلاع على جميع المستندات الرسمية لذلك الحادث المشؤم، وفوق هذا فإن معلوماته مستقاة من مصادر صحيحة معتبرة. وإليك ما قاله في هذا الصدد:

لقد كان الخديو توفيق يرغب في عقد اتفاقية صلح شريفة بينه وبين الإنكليز، ولكن هذا المطمح أثار غضب المشير (درويش باشا) الذي ضرب المائدة بقبضة يده وصاح قائلًا: لا تنسوا أنكم جميعًا عبيد السلطان الذي مقره بالآستانة، وليس هنا محل للمداولة، وتسليم الحصون المصرية أمر يكسو المسلمين ثوب الخزي والعار. ا.ﻫ.

أما أنا شخصيًّا فأرجح أن درويش باشا كان معارضًا لطلب الأميرال سيمور كما يُستفاد من منطوق الخطاب السالف الذكر الذي بعث به إلى مستر كارترايت.

٢١

ومهما يكن من بين هذه الروايات من التناقض، فقد تقرر بعد المناقشة إبلاغ الأميرال في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢ القرار التالي ردًّا على إنذاره:

لم تعمل مصر شيئًا يقضي بإرسال هذه الأساطيل المتجمعة، ولم تعمل السلطة المدنية ولا السلطة العسكرية أي عمل يسوِّغ مطالب الأميرال إلا بعض إصلاحات اضطرارية في أبنية قديمة. والطوابي الآن على الحالة التي كانت عليها عند وصول الأساطيل. ونحن هنا في وطننا وبيتنا، فمن حقنا بل من الواجب علينا أن نتخذ عُدتنا ضد كل عدو مباغت يقدم على قطع أسباب الصلات السلمية التي تقول الحكومة الإنكليزية إنها باقية بيننا.

ومصر الحريصة على حقوقها الساهرة على تلك الحقوق وعلى شرفها لا تستطيع أن تسلم أي مدفع ولا أية طابية دون أن تُكره على ذلك بحكم السلاح.

فهي لذلك تحتج على بلاغكم الذي وجَّهتموه اليوم وتوقع مسئوليات جميع النتائج المباشرة وغير المباشرة التي تنجم إما عن هجوم الأساطيل أو عن إطلاق المدافع على الأمة التي تقذف في وسط السلام القنبلة الأولى على الإسكندرية المدينة الهادئة، مخالفة بذلك لأحكام حقوق الإنسان ولقوانين الحرب. ا.ﻫ.

٢٢

وأيضًا نقرر من باب المسألة قبول إنزال ثلاثة مدافع يختارها الأميرال، وإذا أبى وأصر تُلقى عليه مسئولية التعدي وذلك بعدم المجاوبة إلا بعد إطلاق القنبلة الخامسة. وقد بلَّغ راغب باشا الأميرال سيمور ذلك بالخطاب الآتي:

الإسكندرية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢
حضرة الأميرال

طبقًا لما سبق أن وعدتكم به في أثناء المحادثة التي دارت بيني وبينكم هذا الصباح، رفعت لسمو الخديو في اجتماع حافل بالنظار وكبار موظفي الحكومة الشروط المدونة في الخطاب الذي تكرمتم بإرساله إلى قومندان الإسكندرية في بكرة هذا النهار، وذكرتم فيه أنكم نويتم تنفيذ أغراضكم المبينة بخطابكم إليه يوم ٦ من الشهر الحالي في فجر الغد (١١ الجاري)، وذلك إذا لم تُسلم لكم مؤقتًا البطاريات القائمة على برزخ رأس التين وساحل ميناء الإسكندرية الجنوبي لتجريدها من السلاح قبل هذه المهلة.

وإني لآسف يا حضرة الأميرال أن أُعلِمكم بأن حكومة سموه تعتبر هذا الطلب غير مقبول، وإنها لا ترغب قط في تكدير صفو العلاقات بينها وبين بريطانيا العظمى، ولكنها لا تستطيع أن تعترف بأنها اتخذت أي تدبير يمكن أن يعتبر تهديدًا للأسطول الإنكليزي، سواء أكان ذلك من جهة إقامة أعمال في الحصون أم من ناحية تركيب مدافع بها أو استعدادات حربية.

ومع ذلك فنحن مستعدون أن نُنزِل ثلاثة مدافع من البطاريات التي أومأتم إليها؛ لنبرهن لكم على أميالنا السلمية ورغبتنا في تلبية طلبكم على قدر الإمكان.

وإذا كنتم تصرون رغم هذه التقدمة على إطلاق النار فالحكومة المصرية تحفظ لنفسها الحق، وتلقي مسئولية هذا العمل العدائي على عاتقكم.

وتفضل يا جناب الأميرال بقبول … إلخ.

رئيس مجلس النظار وناظر الخارجية
الإمضاء
إسماعيل راغب

وتسلَّم هذا الخطاب ياور درويش وضابطان مصريان لتوصيله للأميرال، ولكن بسبب أن جميع السفن كانت أنوارها مطفأة لأنها كانت تعتبر الحالة وقتئذٍ حالة حرب أمست الميناء تسبح في ظلام دامس، ولم يستطع هؤلاء الضباط أن يجدوا سفينة الأميرال ليسلموه هذا الخطاب في نفس تلك العشية.

وفي صباح ١١ يوليه توجهوا إلى البارجة هلكن، وهذه أوصلتهم إلى الإنفنسيبل التي كان بها الأميرال وسلَّموه خطاب راغب باشا في الساعة السادسة صباحًا.

٢٣

وبعد أن اطلع عليه الأميرال وعلم ما جاء به أرسل معهم الرد السلبي الآتي:

من ظهر البارجة إنفنسيبل بالإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢
يا صاحب السعادة

أتشرف بإخباركم بوصول بلاغكم المؤرخ بتاريخ أمس، وإني آسف أن أخبركم أنه ليس في استطاعتي أن أقبل ما عرضتموه في هذا البلاغ.

ولي الشرف … إلخ.

رئيس قومندانية القوة البحرية البريطانية في البحر الأبيض المتوسط
الإمضاء
بوشامب سيمور

وانصرف هؤلاء الضباط ومعهم الرد وانتظر الأميرال وصولهم إلى البر، ثم أعطى الإشارة بإطلاق النار.

٢٤

وقبل حصول الضرب أرسل لورد جرانفيل باسم حكومته إلى ممثلي حكومة صاحبة الجلالة البريطانية في باريس وبرلين وفيينا وروما وسان بطرسبرج والآستانة البرقية التالية؛ إتمامًا لسلسلة هذه المكاتبات وتبريرًا للعمل الذي لا أجد ما أصفه به الوصف الكافي والذي أوشك أن يحدث، وإليك نص هذه البرقية:

وزارة الخارجية في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢

بناء على برقيتي التي أرسلتها أمس مساء، بينوا للحكومة التي أنتم معتمدون لديها أن الخطة التي أنبأنا أميرالنا أنه سيسير عليها، ليست أكثر من عمل دفاعي بسيط ومشروع، وأما قتاله — إذا كانت تدعو الضرورة لسوء الحظ إلى قتال — فسيباشره لهذه الغاية وبدون أية فكرة أخرى.

ويتضح من تقريره أن أولي الأمر والنهي بالإسكندرية على وشك أن يقوموا باستعدادات عدوانية ويضربوا بأوامر السلطان ورغبات الخديوي عرض الحائط رغمًا عن تأكيداتهم الإيجابية.

٢٥

وأرسل إلى لورد دوفرين Lord Dufferin برقية واحدة بقصد خداع السلطنة العثمانية، وهي:

يجول بفكرنا أن ما نقوم به من الأعمال لم يكن إلا في صالح السلطان الذي يستخفون بسيطرته.

فهل من الممكن تغيير الحقيقة بجرأة أشد من هذه الجرأة، ومن أي جانب يكون الدفاع المشروع؟ أمِنْ جانب أسطول قوي قدِمَ مياه بلد وصار يصوِّب مدافعه وقاذفات أنواره الكهربائية كل ليلة على حصون هذا البلد؟ أم من جانب أهالي هذا البلد الذين عندما رأوا ذلك أخذوا يحاولون — تأمينًا على حياتهم — القيام ببعض ترميمات تافهة غير مجدية في حصونهم العتيقة؟

نعم لا نزاع في أن القوة تصيِّر الباطل حقًّا، ولكنها في الحالة الحاضرة جاوزت في انتهاكها للحق كل حد.

وكان هناك على ما أرى وسيلتان للخروج من هذا المأزق:
  • الوسيلة الأولى: التي أوعز بها مرعشلي باشا وهي تقضي بالكف عن مجاوبة نيران الأسطول الإنجليزي، وإخلاء الحصون من الجنود، وبهذه الكيفية يكون الإنجليز نالوا مشتهاهم، وإذا استمروا بعد ذلك على تصويب مقذوفات مدافعهم على حصون لم تقابل عدوانهم بمثله لأجل نسف مدافعها يكونون قد أتوا بعمل لا يشرفهم ولا يهيئ لهم أي حجة لاحتلال المدينة، وبهذه الوسيلة نكون قد تجنبنا خسارة جنودنا الأبطال الذين راحوا ضحية في ذلك اليوم المشئوم.
  • الوسيلة الثانية: هي أنه كان يوجد في ميناء الإسكندرية بوارج حربية لكل الدول، فكان في الاستطاعة الاتفاق معها على أن ترسل كل واحدة منها فريقًا من بحارتها إلى البر، وتعهد إليها حراسة الحصون المطلة على البحر. وبهذه الكيفية لا يكون للأميرال حجة يتمسك بها ويزعم أنه مهدد، وإذا استمر بعد ذلك على تنفيذ خطته ولم يجنح إلى السلم وجد أوروبا كلها أمامه.

ويظهر لي أن هذين الحلين كانا هما السبيل الوحيد لاجتياز مصر هذه العقبة الخطرة، ولكن شاءت الأقدار غير ذلك بعد أن فرغ كل ما في جعبتها من وسائل السلم، فأقبلت على الخضوع إلى ما قُدر لها في عالم الغيب ومكابدة احتمال فوادح الخطوب من احتلال أجنبي أعقبه بتر أكبر قسم من أراضيها.

(٥) مواقع الحصون من موقف الأسطول

قبل أن أتكلم عن ضرب الأسطول لحصون الإسكندرية يجدر بي أن أبين مواقع الحصون بالنسبة للأسطول؛ ليكون الأمر أمام عين القارئ في صورة واضحة جلية.

إن حصون الإسكندرية القائمة على طول شاطئ البحر تنقسم إلى ثلاث مناطق بالنسبة لتعرضها لضرب الأسطول:
  • (١)

    المنطقة الأولى: وهي الواقعة شرق المدينة، ليس بها غير حصن السلسلة. وهذا الحصن لا نعده قد اشترك في القتال، وإن كان قد أطلق بعض طلقات على السفن التي كانت تصوب مقذوفات مدافعها على قلعة قايتباي؛ لأن هذه السفن لم تجاوبه بتاتًا فلم يُصَب بضرر ما.

  • (٢)

    المنطقة الثانية: وهي الواقعة شمال المدينة، بها من الحصون حصن قايتباي والهلالية والأطة والاسبتالية ورأس التين والفنار.

  • (٣)

    المنطقة الثالثة: وهي الواقعة غرب المدينة، بها من الحصون حصن صالح أغا والبرج رقم ١٥ وأم قبيبة والعجمي والمرابط. وكان حصن العجمي لم يتم إنشاؤه إلى وقت الضرب.

خريطة حصون الإسكندرية والسفن الإنكليزية التي ضربتها في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م

أما الأسطول الإنجليزي فكان مؤلفًا من ثماني مدرعات كبيرة وخمس سفن صغيرة غير مدرعة. وقد انقسمت المدرعات إلى قسمين:
  • القسم الأول: ويُسمى الأسطول الخارجي، كان مؤلفًا من المدرعات الخمس: ألكسندرا، وإنفليكسيبل، وسلطان، وسوبرب، وتمرير. وهذا القسم كان يقوده الكابتن هنت جرب Hunt Grubbe قائد المدرعة سلطان. وكانت مهمته تنحصر في الوقوف خارج الميناء في عرض البحر ومهاجمة حصون المنطقة الثانية.
  • القسم الثاني: ويُسمى الأسطول الداخلي، كان مؤلفًا من ثلاث مدرعات هي إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب بقيادة الأميرال سيمور، وكانت مهمته أن يقف في الجزء المتقدم من الميناء ويهاجم حصون المنطقة الثالثة. وهذا التقسيم كان سببًا في انتقال الأميرال سيمور من ألكسندرا سفينة القيادة لهذا الأسطول إلى المدرعة إنفنسيبل.

وأما السفن الخمس الصغيرة فقد تلقت الأمر بأن تقف خارج منطقة مرمى القنابل إلى أن تحين الفرصة المناسبة التي تسمح لها بالاشتراك في مهاجمة حصون المنطقة الثالثة؛ نظرًا لقصر عمق غاطسها.

وكانت الخطة المرسومة لكلا قسمي الأسطول كما قلنا آنفًا أن تصوِّب مدرعاته نيران مدافعها كلها سوية إلى حصن واحد، وبعد أن تسكته تقصد إلى الحصن الذي يليه وتقوم بنفس العمل الذي عملته مع الحصن السالف. وهكذا دواليك مع باقي الحصون إلى أن تسكت جميعًا سكوتًا تامًّا.

وبما أن العمل بهذه الكيفية — أي تصويب قوة كل الأسطول في آن واحد إلى حصن واحد — من شأنه أن يجعل الأسطول متفوقًا على هذا الحصن الواحد تفوقًا كبيرًا، فقد بذل القومندان جودريتش مجهودًا كبيرًا ليصل إلى الموازنة بين القوتين في الجانبين في مختلف المعارك التي دارت رحاها بهذه الكيفية بين الأسطول والحصون يبين كل واحدة منها على حدة. وهذه هي النتيجة التي حصل عليها:

جدول : جدول يبين النسبة بين قوة الحصون وقوة الأسطول.
قوة حصن قايتباي بالنسبة للأسطول الذي هاجمه ٤ : ٣٣
قوة حصن الأطة بالنسبة للأسطول الذي هاجمه ٥ : ٣٣
قوة حصن رأس التين بالنسبة للأسطول الذي هاجمه ٧ : ٢٦
قوة حصن الفنار بالنسبة للأسطول الذي هاجمه ٤ : ٢٦
قوة حصن المكس بالنسبة للأسطول الذي هاجمه ٥ : ١٦

وقد قال القومندان جودريتش بعد ذكر هذه الموازنة إنه يعدها دون الحقيقة بالنسبة للأسطول لتفوق عيار مدافعه على عيار المدافع المصرية.

وإذا أضفنا إلى ذلك تفوق رجال المدفعية الإنكليزية بالنسبة لتجاربهم على رجال المدفعية المصرية لعدم مرانهم كان البون بينهما سحيقًا بعيدًا.

(٦) حامية الإسكندرية

قبل مذبحة الإسكندرية التي حدثت يوم ١١ يونية سنة ١٨٨٢ كانت حاميتها مؤلفة من ٥ جي بيادة و٦ جي بيادة، وهما الألايان اللذان يتألف منهما اللواء الثالث بقيادة اللواء خورشيد باشا طاهر. ومن ١ جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك صبري. وكان هؤلاء جميعًا تحت إمرة الفريق إسماعيل باشا كامل.

وبعد تلك المذبحة عندما قدم إلى الإسكندرية يعقوب باشا سامي وكيل نظارة الجهادية — وكان عضوًا في المجلس الذي تألف لتحقيق هذه الحادثة وتوطيد النظام بكيفية شافية وافية في هذه المدينة، خصوصًا بعد ما جاءت إلى مينائها الأساطيل الفرنسية والإنكليزية وغيرهما ورابطت فيها — كتب سامي باشا إلى نظارة الجهادية؛ لتعزز هذه الحامية وترسل لواء مؤلفًا من ألايين من المشاة. فلبَّت النظارة طلبه وأرسلت إلى الإسكندرية ٢ جي بيادة و٤ جي بيادة بقيادة اللواء طلبة باشا عصمت. ولما رأى الفريق إسماعيل باشا كامل طلبة باشا عصمت على رأس هذا اللواء، وكان على علم بأنه لا يخضع له ولا يرضى بأن يكون له عليه أي سيطرة، وإن كان أرقى منه رتبة؛ لأن طلبة باشا من صنائع عرابي، أخذ إجازة مرضية اتقاء لهذه المحاذير وتخلص من القيادة التي انتقلت من يده ابتداء من ذلك اليوم وأصبحت في يد اللواء طلبة باشا عصمت.

وإليك بيانًا بوحدات حامية الإسكندرية يوم ضرب حصونها:

٢ جي بيادة
القائد أمير الألاي خليل بك كامل
وكيل القائد القائمقام أحمد بك عفت
بكباشي الأورطة الأولى محمد أفندي عارف
بكباشي الأورطة الثانية محمد أفندي فودة
بكباشي الأورطة الثالثة محروس أفندي شلش
١٨٦٣ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
٤ جي بيادة
القائد أمير الألاي عيد بك محمد
وكيل القائد القائمقام فودة بك حسن
بكباشي الأورطة الأولى أحمد أفندي عبد الرحمن
بكباشي الأورطة الثانية رزق أفندي حجازي
بكباشي الأورطة الثالثة حسن أفندي عاصم
١٨٨٥ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
٥ جي بيادة
القائد أمير الألاي مصطفى بك عبد الرحيم
وكيل القائد القائمقام فرج بك عبد العال
بكباشي الأورطة الأولى يوسف أفندي السيد
بكباشي الأورطة الثانية عبد الرحمن أفندي سليم
بكباشي الأورطة الثالثة سليمان أفندي تعيلب
١٨٢٤ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
٦ جي بيادة
القائد أمير الألاي سليمان بك سامي
وكيل القائد القائمقام علي بك عيسى
بكباشي الأورطة الأولى علي أفندي رمزي
بكباشي الأورطة الثانية فرج أفندي يوسف
بكباشي الأورطة الثالثة أحمد أفندي راغب
١٨٩١ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
٧٤٦٣ مجموع البيادة ضباط وصف ضباط وجنود
١ جي طوبجية سواحل
القائد أمير الألاي إسماعيل بك صبري
وكيل القائد القائمقام محمد بك نسيم. والد صاحب الدولة توفيق باشا نسيم
بكباشي الأورطة الأولى عبد العال أفندي أبو العلا
بكباشي الأورطة الثانية سيف النصر أفندي، والد حضرة صاحب العزة حمدي بك سيف النصر
بكباشي الأورطة الثالثة محمد أفندي شرمي
١٧٦٢ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
أورطتان من ١ جي سواري
القائد البكباشي محمد أفندي منيب
٢٦٢ مجموع عدد الضباط والصف ضباط والجنود
٩٤٨٧ المجموع الكلي لكل ما سبق

استعدادات القوتين المتحاربتين قبل الضرب

لقد فشلت كل الجهود التي بُذلت ابتغاء إيجاد طريق للسلم واجتناب الحرب بسبب عناد الأميرال سيمور وتصلبه، ولم يبقَ إلا تفويض الأمر للحديد والنار.

وفي ليلة ١١ يوليه سنة ١٨٨٢ أرسل عرابي باشا أمراء الألايات عيد بك محمد ومصطفى بك عبد الرحيم وسليمان بك سامي قواد ٤ جي و٥ جي و٦ جي بيادة في طلب أمير الألاي إسماعيل بك صبري قائد ١ جي طوبجية سواحل وقومندان حصون الإسكندرية. وكان عرابي باشا وقتئذٍ بالترسانة ومعه محمود باشا فهمي وطلبة باشا عصمت قائد حامية الإسكندرية ومحمد باشا كامل وكيل نظارة البحرية. فلما جاء أخبره أن الأسطول الإنكليزي سيضرب حصون الإسكندرية صبح يوم الغد، واستطرد في الكلام فقال: وإن كان المجلس الذي انعقد في سراي رأس التين برياسة الخديو قرر عدم مجاوبة الأسطول إلا بعد الطلقة الخامسة فمن اللازم أن يصدر أمرًا بأن المجاوبة لا تكون إلا بعد الطلقة العاشرة.

وبعد أن تلقى إسماعيل بك صبري هذه الأوامر انصرف هو ووكيله القائمقام محمد بك نسيم ليقابل بكباشية الألاي ويبلغهم الأوامر التي تلقاها، وبعد أن أتم مهمة التبليغ ذهب كل واحد من هؤلاء إلى مركز عمله؛ فذهب البكباشي عبد العال أفندي أبو العلا إلى قلعة قايتباي، والبكباشي سيف النصر أفندي إلى حصن الفنار، والبكباشي محمد أفندي شرمي إلى حصن المكس. أما أمير الألاي إسماعيل بك صبري فقد أخذ تحت قيادته المباشرة حصون المنطقة الثانية، وأقام مركز قيادته في حصن الأطة، وأرسل وكيله القائمقام محمد بك نسيم لقيادة حصون المنطقة الثالثة، وقد جعل مركز قيادته بحصن المكس.

وأصدر أحمد باشا عرابي الأوامر الآتية للمشاة:
  • يجب على ٥ جي بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك عبد الرحيم أن يتفرق خلف حصون المنطقة الثانية — أي من قلعة قايتباي إلى حصن الفنار — مع ٤ جي بيادة بقيادة أمير الألاي عيد بك محمد. وعلى الألاي الأخير أن يقيم بباب شرق بصفة احتياطي.

  • ويجب على ٦ جي بيادة بقيادة أمير الألاي سليمان بك سامي أن يتفرق خلف حصون المنطقة الثالثة — أي من حصن طابية صالح إلى حصن العجمي — ومعه ٢ جي بيادة بقيادة أمير الألاي خليل بك كامل. وعلى هذا الألاي الأخير أن يقيم بالقباري بصفة احتياطي.

  • وعلى الأورطتين من ١ جي سواري أن تقوما بواجب الخدمة بصفة مراسلة بين مختلف الحصون والمراكز.

هذه هي الترتيبات التي وضعتها القيادة المصرية.

أما الإنكليز فقد وجه الأميرال سيمور بتاريخ ١٠ يوليه إلى قواد وضباط بوارج صاحبة الجلالة الملوكية بإسكندرية أوامره باتباع الترتيبات التي جاءت في هذا المنشور:

من البارجة إنفنسيبل في ١٠ يوليه سنة ١٨٨٢

إنه في حالة ما إذا لم أتلقَ جوابًا مرضيًا على الإنذار الذي أرسلته إلى قائد الإسكندرية الحربي أطلب منه فيه أن يسلمني مؤقتًا الحصون القائمة على ساحل الميناء الجنوبي (حصون المنطقة الثالثة، من حصن صالح إلى حصن العجمي) وحصون رأس التين — إذا لم أتلقَ جوابًا مرضيًا — يغير الأسطول بقيادتي على الحصون عقب ما تنتهي الأربع والعشرون ساعة، وهي مدة المهلة التي أمهلت بها المحايدين ليبارحوا في خلالها المدينة. وهذه المدة تنقضي في الساعة الخامسة صباحًا من يوم ١١ يوليه.

وسيكون الهجوم من ناحيتين:
  • الناحية الأولى: داخل الميناء، وتشترك فيه إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب.
  • الناحية الثانية: خارج حاجز الأمواج، وتشترك فيه سوبرب، وتمرير، وألكسندرا، وإنفلكسيبل.

ويبتدئ القتال عند صدور الإشارة مني. وفي هذه الحالة على السفينة الأكثر دنوًّا من ساتر التراب الذي أُقيم أخيرًا في طابية الاسبتالية التي بجوار حصن الأطة، أن تصوِّب قذيفة إلى هذا الساتر.

وعندما تجاوب الحصون الأسطول الخارجي بإطلاق النار يجب على السفن بذل كل مجهودها وتدمير البطاريات القائمة على شبه جزيرة رأس التين خصوصًا حصن الفنار المطل على الميناء. ومتى تم ذلك تتجه سلطان، وسوبرب، وألكسندرا إلى الشرق لتهاجم حصن فاروس (قايتباي). وتهاجم حصن السلسلة إذا كانت مهاجمته في الإمكان.

وتتجه إنفلكسيبل في عصر هذا النهار نحو الموقع الذي بقرب البوغاز الصغير والذي عُين لها أمس، وتستعد لضرب مدافع خط المكس ومساعدة الأسطول الداخلي عندما تُعطى الإشارة بالضرب.

وتأخذ تمرير، وسلطان، وألكسندرا في ضرب حصون رأس التين من الجانب.

وتظل السفن الصغيرة في الخارج بعيدة عن منطقة القتال إلى أن تجد الفرصة المناسبة للهجوم على المكس.

ويجب على السفن أن تراعي في تنفيذ هذه التعليمات كلها دواعي الظروف مراعاة كبيرة؛ بمعنى أنها تراعي الحالة التي يجب عليها أن تقاتل وهي فيها. فإما أن تقاتل وهي راسية في مراسيها أو تقاتل وهي متحركة.

وإذا كانت الحالة تدعو إلى قتالها وهي ملقية مراسيها وجب حينئذٍ أن يُزاد حبل من الفولاذ.

وعلى الجنود أن يتناولوا فطورهم في منتصف الساعة الخامسة صباحًا، وأن يرتدوا ملابس العمل الزرقاء.

وسيكون الأسطول الداخلي تحت قيادتي الشخصية، والأسطول الخارجي تحت قيادة الكابتن هنت جرب قائد البارجة سلطان.

وتقوم السفينتان هلكن وكندور بوظيفة سفن الإعادة.

وبالجملة ينحصر الغرض من الهجوم في تخريب الحصون وتدمير البطاريات المنصوبة على واجهة بحر الإسكندرية.

ومن المحتمل أن هذا العمل لا يمكن إتمامه في أقل من يومين أو ثلاثة، فيجب استعمال المقذوفات مع الحرص. وعلى كل حال من المرتقب قدوم الباخرة همبر Humber إلى هنا في ١٢ يوليه وعليها مقدار كبير من الذخيرة.
وإذا وصلت البارجة أتشلز Achilles في الوقت اللازم يجب عليها مهاجمة حصن فاروس (قايتباي) والوقوف في الموقف الذي يأمرها قائد الأسطول الخارجي أن تتخذه.

وتقف ألكسندرا على بعد ١٥٠٠ ياردة تجاه حصن رأس التين.

وتقف سلطان على بعد ١٧٥٠ ياردة تجاه منتصف المسافة بين حصني الفنار ورأس التين.

وتقف سوبرب على بعد ١٩٥٠ ياردة تجاه حصن الفنار.

وتقف إنفلكسيبل على بعد ٣٧٠٠ ياردة في الشمال الغربي من المكس.

وتقف تمرير على بعد ٣٥٠٠ ياردة في الشمال الغربي من المكس.

وتقف بنلوب، وإنفنسيبل، ومونارك على بعد يتراوح بين ١٠٠٠ و١٣٠٠ ياردة في الشمال الغربي من المكس.

الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال وقومندان القيادة
ويُؤخذ من ترتيب هذه البوارج عدا البارجتين إنفلكسيبل وتمرير ووضعها في هذه المواقف أن الأميرال أراد أن تكون المسافة التي يرمي منها هذا الأسطول مقذوفاته وخصوصًا الأسطول الداخلي، قصيرة قريبة من الحصون على الرغم من بُعد مرمى مدافع سفنه الضخمة. ومن هذا نستنتج عدة نتائج:
  • (١)

    أن المخاوف التي كان يخشى منها الأميرال على أسطوله من جراء وضع مدافع في الحصون قبل الضرب، كانت مخاوف مختلفة أراد بها تبرير عمله.

  • (٢)

    أن هذا الأميرال لم يكن يخشى ضررًا كبيرًا من المدفعية المصرية التي في هذه الطوابي؛ ولذلك دنا منها هذا الدنو الكبير الذي لم يجرِّئه عليه إلا اعتقاده الجازم بقصر مرمى هذه المدفعية وضعف تأثير مقذوفاتها.

  • (٣)

    أنه كان على علم تام بأن هذه الحصون كلها — عدا قلعة قايتباي — كانت مدافعها منصوبة في العراء وبلا وقاية تقي جنودها، والدليل على ذلك أنه أمر باستعمال مدافعه الصغيرة خصوصًا المنصوبة منها في الطبقات العليا من سفن هذا الأسطول؛ وذلك لكي يفتك بجنود هذه المدافع فيسكتها بقتل جنودها وبدون أن يحتاج في إسكاتها إلى ضربها وإتلافها، وهذا ما حدث فعلًا في كل هذه الحصون عدا قلعة قايتباي.

(٧) البدء بالضرب

في صباح يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢ في الساعة السابعة صباحًا أعطى الأميرال سيمور إشارة الضرب غير مبالٍ أية مبالاة بحقوق الشعب، الأمر الذي يكسو الحكومة التي وافقت على سفك دماء الأبرياء ثياب العار، ويسجل في تاريخها صحائف سوداء لا يمحوها مرور الأزمان ولا كرور الأعوام.

وقد كان الجو وقت الضرب صحوًا والبحر رهوًا، إلا أن النسيم الذي يهب في هذا الفصل على الإسكندرية من الشمال الغربي كان يطرد دخان مدافع الأسطول إلى الشاطئ. فينشر الظلام على الحصون ويحول في فترات واسعة دون رؤية الأهداف التي يجب أن تسدد إليها السفن مقذوفاتها. ولو لم تظهر أمام الأسطول هذه العقبة لكان موقفه من أحسن المواقف.

وعملًا بأوامر الأميرال أرسلت ألكسندرا التي كانت أقرب السفن من حصن الاسبتالية، أول قذيفة إلى هذا الحصن، واقتدت بها بقية السفن فأطلقت مدافعها، ولكن بعض الحصون لم تجاوبها إلا بعد الطلقة العاشرة والبعض الآخر بعد الخامسة عشرة. ثم عمت المعركة الجانبين.

(٨) حركات الأسطول الخارجي

سارت سفن هذا الأسطول في بدء المعركة على الخطة الحربية التي رُسمت لها فصوبت مقذوفاتها أولًا على حصون الفنار، ورأس التين، والاسبتالية. ولم تعر مؤقتًا التفاتها إلى الحصون الأخرى. وقاتلت ثلاث منهن متنقلة وهي سلطان، وسوبرب، وألكسندرا. أما البارجة إنفنسيبل فكانت ملقية مراسيها في الممر الصغير لتعاون الأسطول الداخلي، مصوبة مدفعين من مدافعها منصوبين في برجها الأمامي وزن الواحد ٨٠ طنًّا لضرب الحصون السالف ذكرها، ومدفعين في برجها الخلفي لضرب حصن المكس.

وأما البارجة تمرير خامسة بوارج هذا الأسطول فقد نشبت في مكانها (شحطت) أثناء المناورة التي كانت تقوم بها لتتخذ الوضع الذي رُسم لها خارج البوغاز، ولكنها واصلت الضرب وهي في المكان الذي نشبت فيه، وجاءت السفينة كندور لإنقاذها فعوَّمتها بدون أن ينالها أي ضرر.

وقد كانت هذه البوارج الثلاث تقاتل وتكافح من بدء القتال في الساعة السابعة إلى منتصف الساعة الحادية عشرة وهي متنقلة وعلى بعد ١٥٠٠ ياردة حسب تعليمات الأميرال، وقاومتها الحصون مقاومة فاقت ما كان يظنه الإنكليز، وأبدى جنود مدفعيتها في إطلاق هذه المدافع مهارة لم يكونوا يتوقعونها منهم، فألقت هذه البوارج مراسيها عند منتصف الساعة الحادية عشرة؛ لأنها رأت ضربها غير محكم وهي متنقلة. وبذلك حصلت على المسافة المضبوطة التي تفصلها من الحصون، وأخذ ضربها لها ابتداء من هذا الوقت يزداد أثره.

وبانضمام البارجتين إنفلكسيبل وتمرير إلى هذه البوارج الثلاث أمكنها إسكات حصون رأس التين والفنار والاسبتالية في منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر. غير أن مدفعًا واحدًا من مدافع حصن الاسبتالية لم يسكت ولم ينقطع عن الضرب إلا في الساعة الخامسة مساء. وقد أصابت قنابل هذه البوارج سراي الحريم بقصر رأس التين فالتهمتها النيران في الساعة العاشرة مساء.

قال القومندان جودريتش إن جنود المدفعية المصرية جاوبوا نيران الأسطول الإنكليزي الجهنمية مجاوبة مدهشة لم تكن منتظرة بتاتًا، وأظهروا بسالة عجيبة رغم التفاوت الجسيم الذي بينهم وبين الإنكليز من ناحيتي عدد المدافع وعيارها.

ولقد كانت البارجة إنفلكسيبل عندما تطلق مقذوفاتها التي تزن القذيفة منها ١٧٠٠ رطل على حصن الفنار وتصطدم بساتره تثير النقع والغبار والشظايا إلى ارتفاع الفنار نفسه. ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أن ليس في استطاعة أحد من البشر أن يعيش تحت هذه النيران ولكن عندما ينقشع العِثْيَر بعد بضع دقائق يُرى جنود المدفعية المصرية في مواقفهم يطلقون القنابل على خصمهم الرهيب. ا.ﻫ.

وعقب منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر عندما أسكتت مدافعُ المدرعات الثلاث سلطان، وسوبرب، وألكسندرا مدافع الحصون الثلاثة المذكورة، اتجهت نحو حصن الأطة، ويظهر أنها كانت تعتقد أن قوتها لا تكفي للتغلب عليه؛ ولذلك طلبت من المدرعتين إنفلكسيبل وتمرير أن تأتيا لمشاركتها في ضربه، فصوبت هذه المدرعات الخمس نيرانها دفعة واحدة إلى هذا الحصن المنكود الذي دافع عن نفسه دفاعًا عجيبًا أمام غارة البوارج الخمس التي هي أقوى سفن الأسطول الإنجليزي. وسلك قائد هذا الحصن — الذي لم أُوفق لسوء الحظ إلى معرفة اسمه — في قيادته سلوكًا باهرًا غاية في البسالة والإقدام. وقد شهد له بذلك شاهد العيان الكابتن وولتر جودسول Walter Goodsall قومندان الباخرة تشلترن Chiltern إحدى سفن شركة التلغراف الشرقية، الإسترن تلجراف Eastern Télégraphe Cie الذي كان حاضرًا هذه الواقعة في ذلك اليوم. وهذا ما قاله:

لقد عجبت من هذه البطولة التي لا يمكنني أن أدرك كنه كيفيتها، والتي كانت تتحلى بها الجنود الذين يطلقون مدافع حصن الأطة، كما عجبت أشد العجب من الموقف الذي وقفه قائد هذا الحصن قرب سارية عَلَمه وهو بمفرده والمنظار في يده ينظر منه الأثر الذي أحدثته المقذوفات التي كانت تنطلق.

لقد كان حقًّا رجلًا شجاعًا مزدريًا عدد المقذوفات التي كانت تُلقى على حصنه، ذلك الحصن الذي كان يجاوب هذه المقذوفات بإطلاق مقذوفاته كلما مرت عشر دقائق. ثم رفعت البارجة إنفلكسيبل مرساتها وشرعت تصوِّب قنابل مدافعها الضخمة إلى هذا الحصن، ويظهر أنها دكت أسسه ودمرته تدميرًا. وفي منتصف الساعة الثانية بعد الظهر سددت قنبلة إلى مستودع باروده، ولا بد أنها أصابته ودخلت فيه؛ لأنه انفجر في منتصف الساعة الثالثة ونصف، ولا بد أيضًا أنه قُتل جنود كثيرون في هذا الحصن؛ لأن عددًا كبيرًا منهم طار في الفضاء، والضابط الذي كان واقفًا فيه وقفة الأسد في عرينه طار في الهواء هو وسارية عَلَمه. ا.ﻫ.

هذه كانت خاتمة ذلك البطل الصنديد وجنوده البواسل، وبعد هذا الانفجار أخلت الحامية حصن الأطة ورحلت عنه.

وقد اتجهت المدرعات الخمس على أثر تدميرها حصن الأطة نحو قلعة فاروس (قايتباي)، وظلت تصليه بنيرانها إلى الساعة الخامسة مساء؛ أي الوقت الذي أعطى فيه الأميرال الإشارة بإيقاف الضرب.

وقد أُصيبت هذه القلعة بأتلاف جسيمة، ولكنها مع ذلك لم تسكت عن إطلاق مدافعها سكوتًا تامًّا، واستمرت ترمي مقذوفاتها إلى أن صدر الأمر بالكف عن إطلاق النيران.

(٩) حركات الأسطول الداخلي

كانت المدرعات الثلاث التي يتألف منها هذا الأسطول وهي إنفنسيبل، وبنلوب، ومونارك بقيادة الأميرال سيمور مباشرة. وكان عَلَم هذا الأميرال معقودًا على أولاها، وكان موقفها حسب تعليمات القتال شمال غربي المكس. وقد ألقت هي والثانية مراسيهما على بُعد يتراوح بين ١٠٠٠ و١٢٠٠ ياردة، بينما الثالثة كانت تنتقل في منطقة على بُعد هذه المسافة عينها. وكانت مهمة هذه البوارج الثلاث مقاتلة حصون أم قبيبة، والمكس، والدخيلة ويعاونها في ذلك البارجة إنفلكسيبل التي كانت ملقية مراسيها خارج الممر الصغير وتقذف النيران منذ ضحوة النهار من مدفعيها المنصوبين في برج مؤخرتها واللذين يزن كل منهما ٨٠ طنًّا، وكذلك كانت تعاونها البارجة تمرير التي كانت ناشبة (شاحطة) خارج ممر البوغاز. وكانت كلتا هاتين السفينتين تقاتل الحصون على مسافة قدرها ٣٥٠٠ ياردة تقريبًا. وقد أُصيب في الساعة التاسعة صباحًا مستودع البارود الذي كان خلف حصن الدخيلة بقذيفة من قذائف السفينة مونارك فتطاير في الفضاء.

وعلى أثر ذلك أشار الأميرال إلى هذه السفينة بالاقتراب من الشاطئ بقدر ما يسمح لها غاطسها؛ لتسحق جنود المدفعية أو تطردهم من حول مدافعهم، فأطاعت.

وفي منتصف الساعة الثانية عشرة كفَّت هذه الحصون عن الضرب، فكفَّت السفن أيضًا عن إرسال مقذوفاتها. ولكن قبيل الظهر أبصرت السفينة مونارك جنودًا انسلوا إلى مدافع الحصون فأمرها الأميرال هي وبنلوب أن ترسلا عليهم مقذوفاتهما فأطاعتا، وانتهى الأمر بطرد هؤلاء الجنود من مواقفهم.

قال الماجور تُلك Tulloch أحد رجال قلم المخابرات، وكان على ظهر السفينة إنفنسيبل أمام حصن المكس، في كتابه (ذكريات أربعين عامًا في الخدمة ص٢٧٧) Recollection of Forty Years Serivce. عن جنود مدفعية حصن المكس ما نصه:

لقد كان حقًّا من العجب العجاب أن أرى هؤلاء الجنود رغم شدة الضرب واقفين في أماكنهم ملازمين لمدافعهم. وقد رأيت أكثر من مرة قذيفة من قذائفنا تدخل في إحدى كوات مدافعهم، فقلت في نفسي لقد قُضي على هذا المدفع وأمسى في حيز العدم، ولكن لم ألبث بعد ذلك قلت: كلا ثم كلا! فقد كان الجواب من هذا المدفع يعود في الوقت اللازم، وقد أتى مرة من المرات بسرعة فائقة جدًّا حتى لم أتمالك نفسي ووثبت إلى حافة السفينة ورفعت يدي صائحًا: لقد أجدت العمل أيها الجندي المصري! ا.ﻫ.

ثم رأت السفينة كندور أن حصن المرابط يطلق مدافعه على السفن الكبيرة ببعض الإحكام، فاقتربت منه وهاجمته لتحول دون ضربه لها. ولما شاهد الأميرال فعل هذا الحصن أمر السفن الأربع الصغيرة أن تعاون كندور في هذا العمل، ففعلت وأسكتت الحصن.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر رأى الأميرال هذه الحصون قد أخلتها الجنود، فأرسل إلى البر عشرين جنديًّا ليسمروا أو ينسفوا مدافع حصن المكس بالديناميت، ففعلوا ورجعوا دون أن يُصابوا بأذى. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الجنود البيادة الذين كانوا في حراسة هذه المنطقة لم يقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم وأهملوه إهمالًا يستحقون عليه المؤاخذة.

وفي منتصف الساعة الرابعة (الساعة ٣٫٥) أخبرت المدرعة بنلوب الأميرال بأن مدافع حصن القمرية تتأهب مرة ثانية للضرب، وأخبرته أيضًا المدرعة مونارك بعودة الجنود إلى حصن المكس.

فأمرهما بأن تسددا مقذوفاتهما إلى هذين الحصنين، فصدعتا بالأمر وأخذتا تضربهما حتى منتصف الساعة السادسة مساء؛ حيث أمر الأميرال بالكف عن الضرب في هذا الوقت. وهكذا انقضى ذلك اليوم المشئوم.

وقد بلغت خسائر الإنكليز في هذا اليوم ٦ من القتلى و٢٧ من الجرحى (وسيأتي في تقرير الأميرال أن القتلى ٥ والجرحى ٢٨، فلعل أحد الجرحى أدركته الوفاة)، أما قتلى المصريين وجرحاهم فيتعذر علينا معرفة عددهم بالضبط. وقد قدَّرهم أستون باشا رئيس أركان الحرب العام بالجيش المصري بنحو ٧٠٠ جندي.

والذخيرة التي استهلكها هذا الأسطول كان مقدارها جسيمًا حتى إن المدرعات الكبيرة كانت في آخر النهار قد استنفدت ذخيرتها، ولولا وصول النقالة همبر Humber في غد ذلك اليوم مشحونة بالذخيرة لتعذر على معظم سفن الأسطول الاستمرار في الضرب.

وهاك ما استهلكه الأسطول من أنواع الذخائر:

٢١٩٨ من قذائف المدافع الكبيرة
٧١٠٠ من مظاريف مدافع السربند (متريلوز جاتلنج)
١٦٢٣٣ من مظاريف مدافع نوردنفلت
١٠١٦٠ من مظاريف بنادق مارتيني هنري
٣٧ من الصواريخ (السواريخ)
١٣١٨٥٦رطلًا من البارود

أما مقدار ما نفد من ذخيرة المصريين فقد تعذرت معرفته أيضًا.

ونورد هنا بعض الأخبار التي كانت تذيعها جريدة الطائف لصاحبها عبد الله النديم عن ضرب الإسكندرية على سبيل المثال للأخبار التي كانت تُنشر على المصريين عن هذه الحرب، وهي:

يوم الثلاثاء ٢٤ شعبان سنة ١٢٩٩ﻫ  /  ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م في الساعة ١٢ عربية (الساعة ٧ إفرنجية) صباحًا أطلق الإنكليز النار على حصون الإسكندرية، فرددنا عليهم.

وفي الساعة ٢ عربية (الساعة ٩ إفرنجية صباحًا) غرقت مدرعة أمام حصن الأطة.

وفي الساعة ٦ عربية (الظهر) غرقت سفينتان بين قلعة قايتباي وحصن العجمي.

وفي الساعة ٧٫٥ عربية (الساعة ٢٫٥ إفرنجية مساء) غرقت سفينة حربية من الخشب عليها ثمانية مدافع.

وفي الساعة ١٠ عربية (الساعة ٥ إفرنجية مساء) أُصيبت المدرعة الكبيرة بقذيفة من قلعة قايتباي أتلفت بطارياتها، فرفعت العلم الأبيض إشارة إلى الكف عن إطلاق المدافع عليها. فامتنع الضرب من الجانبين بعد أن استمر عشر ساعات متوالية. وتخربت بعض جدران الحصون ولكنها أُصلحت ليلًا. والطلقات والقنابل التي أُطلقت من الجانبين بلغت نحو ستة آلاف، وهذه أول مرة أُطلق فيها عدد كبير من المقذوفات مثل هذا في وقت قصير كهذا.

وما من جندي في العالم كان يستطيع أن يقف بثبات في مركزه رابط الجأش أمام نار محتدمة كما وقف المصريون أمام نيران ٢٨ سفينة حربية مدة عشر ساعات.

هذه أمثلة من الأخبار التي كانت تذيعها هذه الجريدة. وهي كلها مفتراة — ويا للأسف — وليس فيها مثقال ذرة من الصحة، اللهم إلا الفقرة الأخيرة.

(١٠) التلف الذي حل بالحصون

  • (١)

    حصن السلسلة: قذف هذا الحصن المدرعة تمرير ببضع قذاف محكمة بينما كانت تهاجم قلعة قايتباي، ولم تجاوبه المدرعة المذكورة، فبقي الحصن سليمًا بعد انتهاء القتال ولم يُمس بسوء.

  • (٢)

    قلعة قايتباي: أُصيبت واجهتها الشمالية الغربية إصابات شديدة من مقذوفات الأسطول، وتخربت حيطان ملاذها (كهفها) في عدة مواضع، ودخلت بعض قذائف الأسطول من كواتها المعدة لإطلاق المدافع، وانفجرت في داخل هذه القلعة فأوقعت أربعة من مدافعها، وأتلفت ثلاثة مدافع أخرى بالأنقاض التي سدت كوات هذه المدافع، ووقفت حركة مدفع عيار ١٠ بوصات من مدافع بطارية الطبقة العليا من هذه القلعة بسبب انهيار أنقاض القصر العتيق الذي كان هذا المدفع مستندًا إليه، وقلبت إحدى قنابل الأسطول مدفعًا آخر عيار ٢٥ سنتيمترًا من مدافع الطراز القديم.

    أما الواجهة الغربية من هذه القلعة فقد دُمرت عن آخرها وفُتحت فيها ثغرة كبيرة كشفت المدافع وجعلتها في العراء، فأُصيب اثنان من هذه المدافع وأصبحا لا يصلحان للعمل.

    ولم تشترك مدافع الوجهتين الشرقية والجنوبية في القتال، ولكن رغم ذلك سقط مدفعان من مدافع الواجهة الجنوبية بضربة جنبية.

  • (٣)

    حصن الأطة: لم تشترك واجهته الشمالية الشرقية في القتال ولم تُصَب بضرر.

    وقد أُصيب أحد المتاريس المشرفة على واجهته الشمالية الغربية بنحو عشرين قذيفة، منها اثنتا عشرة دخلت دخولًا عميقًا ولكنها لم تنفجر، والأخريات انفجرت انفجارًا هائلًا فأحدثت تلفًا كبيرًا، وأُصيب فيه مدفع من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات بقذيفة فانقلب، وأُصيب متراس آخر بقذيفتين أصابت إحداهما مدفعًا من المدافع القديمة عيار ٢٥ سنتيمترًا، واقتلعت قنبلة مدفعًا من بطاريته الوسطى، وبطلت حركة مدفع آخر بسبب انهيار أنقاض منحدره العلوي القائم عليه الساتر على أثر إصابته بقنبلة.

    وأُصيبت الواجهة الجنوبية منه بقذيفة مرت فوقه ففتحت ثغرة واسعة.

    أما مستودع باروده الذي انفجر — وكان انفجاره سببًا في إخلاء هذا الحصن — فقد كان مقامًا في موقع غير صالح ولم يكن تقيه أية وقاية.

  • (٤)

    حصن الاسبتالية: أُصيب هذا الحصن إصابات كثيرة فتخرب بناؤه في نواحٍ عديدة، وخصوصًا الناحية الشمالية، ولكنه مع ذلك بقي يطلق مدافعه التي شُوهد على أحدهما بعد انقضاء المعركة أكثر من تسعة وأربعين أثرًا من آثار قذيفات الشرانبل (وهي نوع من القذائف محشو بالرصاص). وكان بعض هذه الآثار — بل كثير منها — يزيد عمقه عن سنتيمتر.

  • (٥)

    حصن رأس التين: أُصيبت بطاريته الوسطى بقذائف كثيرة كان بينها سبع قذائف دخلت من كواته، وأُصيب مدفع من مدافعه من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات بقذيفة حطمت محور عجلته فأمسى غير صالح للاستعمال، وأُصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج عيار ٩ بوصات في قاعدته وصار أيضًا غير صالح للاستعمال لانهيار أنقاض كوته.

    وأُصيبت بطاريات برجه بست قذائف دخلت من كواته وأصابت إحداها مدفعًا من طراز أرمسترونج، غير أنه بقي مع هذه الإصابة يوالي الضرب، وأُصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج أيضًا بقذيفة انفجرت في وسط عجلته فصيرته غير صالح للاستعمال، وتفكك مدفعان من البطاريات الوسطى أحدهما حدث تفككه من رجوعه إلى الخلف، والآخر على إثر إصابته بقذيفة.

  • (٦)

    حصن الفنار: أُصيبت الواجهة الغربية منه بعطب شديد من نيران الأسطول الخارجي؛ فقد انصدمت هذه الواجهة بقذيفتين أحدثتا فيه ثغرة عرضها ٤٫٥٠ من الأمتار وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار، وحفرت أربع قذائف ثقوبًا قطر استدارتها نحو ٢٫٥٠ من الأمتار، وصدمت أربع قذائف أخرى الكوات (المزاغل)، وأصابت قذيفة أُطلقت في اتجاه منخفض قمة الساتر فأطارتها على طول ٣٫٦٠ من الأمتار، وأحدثت أربع عشرة قذيفة أضرارًا غير خطيرة، وانقلع مدفع على أثر تراجعه، وأُصيب مدفعان من القذائف بعطب شديد وأمسيا غير صالحين للاستعمال؛ فقد انفجرت قنبلة تحت أحدهما فقلبته، وحطمت أخرى أوتاد المدفع الثاني وقلبته أيضًا، وكفَّ مدفع آخر عن الضرب على أثر تخريب كوته، وأُصيب مدفع من طراز أرمسترونج بضربة عكسية صيرته غير صالح للاستعمال.

  • (٧)

    حصن صالح أغا: هاجمت هذا الحصن الواقع في الداخل المدرعتان مونارك وبنلوب فترة يسيرة في آخر النهار، وأُصيبت ستائره بأضرار طفيفة، وتفكك مدفع قديم من مدافعه.

  • (٨)

    حصن أم قبيبة: قامت بمهاجمته المدرعة إنفلكسيبل وهي على بعد ٣٥٠٠ متر منه، وقد عادت عليها مهاجمتها له بالفائدة؛ إذ أصابته بثلاث عشرة قذيفة ألحقت به أضرارًا جسيمة، صدمت اثنتان منها منحدر جدار الخندق الخارجي فألقت فيه كتلة من الأنقاض تمكن الإنسان من النزول فيه بسهولة، وصدمت اثنتان أخريان جدران الخندق من ناحية الحصن، وفتحت كلتاهما ثقبًا يمكن الدخول منه. واثنتان حفرتا عند انفجارهما الذي كان على عمق كبير في أرض الساتر ثقوبًا قطرها ٥ أمتار وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار، وصدمت اثنتان الساتر بالقرب من الكوات من جانب السطح، وصيرت إحداهما أحد المدافع غير صالح للاستعمال، وألحقت الخمس القذائف الأخرى بالحصن خسائر أقل جسامة، كان من بينها أيضًا حفرتان يتراوح قطر الواحدة منهما بين ٢ و٣ أمتار وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار، كما أن الأجسام والأتربة التي نثرتها القذائف غطت المدافع وقصمت قنبلته مدفعًا عيار ١٦ سنتيمترًا نصفين، ومدفع آخر سقط عند تراجعه.

    ووجِد في فناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر.

  • (٩)

    حصن المكس: تفكك مدفع من مدافعه المنصوبة حول برجه على أثر إصابته بقذيفة، وسقط مدفع آخر عند تقهقره، وأُصيبت بطاريته الوسطى المؤلفة من مدفعين ضخمين من طراز أرمسترونج بنحو اثنتي عشرة قذيفة، وأهم الخسائر التي أحدثتها هذه القذائف ثلاث حفائر قطر كل منها نحو ٣ أمتار، وأُصيبت بطاريتاه الأخريان ببعض المقذوفات، أما مبانيه القائمة في الخلف فهي التي لحقها التلف أكثر من غيرها من جراء ضرب السفن.

    وكان داخل هذا الحصن بعد المعمعة مفعمًا بالأحجار، وإنه ليتعذر على المرء أن يدرك لِمَ لم يسقط مدفع ما من مدافعه في غضون المعركة رغم قصر المسافة التي كانت بينه وبين البوارج الحربية، ورغم نيرانها الفتاكة التي أصلته بها، غير أن المدرعة بنلوب أسقطت بعد ذلك مدفعًا واحدًا فقط لم تتمكن من إصابته إلا في الطلقة الثالثة عشرة.

    وأُصيبت مدافعه الأخرى بشظايا المقذوفات فلم تلحق بها إلا أضرارًا تافهة، وبعد جلاء جنوده عنه نزلت شرذمة من الجنود الإنكليز إلى البر ومعها أدوات النسف (طربيد)، ونسفت مدفعيه الضخمين وسمَّرت مدافعه الأخرى.

  • (١٠)

    قلعة المكس: أُطلقت على حيطانه مقذوفات كثيرة العدد، وقد تركت بها آثارًا وانفجرت إحداها بالقرب من مؤخرة مدفع أرمسترونج وأصابت جنود المدفعية، ولكن لم يحدث ضرر كبير للمدافع ولا للتحصينات.

  • (١١)

    حصن الدخيلة: لم ينله ضرر ما غير أن مدفعين من مدافعه انقلبا عند تقهقرهما، ومستودع البارود الذي كان خلفه أُصيب بقذيفة ونُسف كما ذكرنا ذلك آنفًا.

  • (١٢)

    حصن المرابط: كانت مهمة ركنه الذي في الشمال الشرقي أن يقاوم السفينة كندور وسفن المدفعية، وقد أُصيب منحدره بنحو عشرين قذيفة تركت فيه آثارها، غير أن الأضرار التي حدثت كانت طفيفة، وأصاب واجهته الشمالية الشرقية بعض مقذوفات من السفن التي كانت في الخليج الداخلي كانت أكثرها من مقذوفات المدرعة مونارك، ولكن المدافع التي بهذه الواجهة لم ينلها ضرر، واشتعلت النار في بناية صغيرة بالقرب من مستودع كبير يجاوز ارتفاعه ساتر هذا الحصن به مقدار كبير من الذخيرة، ولكن النار لم تمتد إليه، ووجد بفناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر.

  • (١٣)

    حصن العجمي: هذا الحصن لم يشترك في القتال.

(١١) خسائر الأسطول

  • (١)
    المدرعة سلطان: أُصيبت بثلاث وعشرين قذيفة، وكانت إصابات مدخنتها وسارياتها شديدة، وأصابت بعض هذه القذائف زرخها (درعها) في موضعين، وقد أحدثت واحدة منها في أسفل قنطرة بطاريتها شرخًا يبلغ ٤٥ سنتيمترًا، واخترقت قذيفتان أو ثلاث جدرانها غير المدرعة، وكان عدد قتلاها اثنين وجرحاها ثلاثة.
  • (٢)
    المدرعة سوبرب: فاقت خسائر هذه المدرعة خسائر أخواتها؛ فقد أُصيبت في جدرانها بعشر إصابات، واخترقت قذيفتان درعها، وفي أحد مواضع إصابتها انتزعت القذيفة عند انفجارها جزءًا من درعها، وكذلك أُصيبت مدخنتها.
  • (٣)
    المدرعة إنفنسيبل: أُصيبت بثلاث عشرة قذيفة في جدرانها وآلاتها، واخترقت ست منهن الجزء غير المدرع منها.
  • (٤)
    المدرعة ألكسندرا: أُصيبت بثلاثين إصابة في جدرانها وآلاتها، وبأربع وعشرين إصابة اخترقت جدرانها في أجزائها غير المدرعة فأحدثت بها أضرارًا بالغة في القنطرة الداخلية وفي غرفها وغيرها، وأصابتها أيضًا قذائف وقنابل كثيرة في الجزء المدرع منها، ولكنها على كثرتها لم تحدث فيه ضررًا يُذكر، وتلف مدفعان من مدافعها دون أن يُصابا من جراء كثرة استعمالهما في الضرب، أحدهما عيار ١٠ بوصات أو ٢٥ سنتيمترًا ووزن ١٢ طنًّا والآخر عيار ١١ بوصة أو ٢٧٫٥ سنتيمترًا، ووزن ٢٥ طنًّا، أما خسائر جنودها فقتيل وجريحان.
  • (٥)
    المدرعة بنلوب: سقط أحد مدافعها وجرح من جنودها اثنان.
  • (٦)
    المدرعة إنفلكسيبل: أُصيبت بقنبلة في جزئها الغاطس (تحت خط الماء) من مدفع من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات، وهو أكبر عيار في مدافع الحصون المصرية، وكادت هذه الإصابة تغرقها لولا إسعافها، وقد ذهبت بعد المعركة إلى مالطة لإصلاحها، ولم تُذكر إصابتها هذه في التقارير الرسمية التي قُدمت للحكومة الإنكليزية، بل عُمل منها تقرير سري للأميرالية لم يُذع، وكانت خسائر جنودها قتيلًا واحدًا وجريحين.

(١٢) تقارير الأميرال سيمور عن ضرب الحصون

وقد رفع الأميرال سيمور ثلاثة تقارير عن ضرب حصون الإسكندرية في ١٤ و١٩ و٢٠ يوليه سنة ١٨٨٢. وها هي:

١

من ظهر البارجة إنفنسيبل في ١٤ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

لي الشرف بأن ألتمس منكم أن تتفضلوا وتخبروا اللوردات مندوبي الأميرالية، أنني لم أتمكن في هذا الوقت مع الأسف من إرسال تقرير مفصل عن الهجوم على حصون الإسكندرية بسبب انشغالي بهذه المهمة الشاقة.

إنه بسبب إخفاقي في طلب الترضية عن المسائل التي كنت كُلفت بطلبها من حكومة مصر، هاجمت في ١١ الجاري البطاريات المصرية على واجهة الإسكندرية الشمالية والاستحكامات المقامة في الشمال الغربي، ونجحت في إسكات الحصون في منتصف الساعة السادسة مساء، وهو الوقت الذي أعطيت فيه الإشارة بالكف عن الضرب.

وفي صباح يوم ١٢ ثاني يوم الضرب أمرت تمرير وإنفلكسيبل بأن تهاجما حصن فاروس، وبعد إطلاق مدفعين أو ثلاثة رُفع علم الهدنة على حصن رأس التين، فأرسلت عندئذٍ ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن Hedworth Lambton وكلَّفته باستجلاء السبب، ويُؤخذ من تقريره أن كل ما في الأمر خديعة تافهة عملت لاكتساب الوقت بلا مراء. وبما أن المفاوضات قد فشلت؛ لأن طلبي هو تسليم البطاريات الحاكمة على ممر البوغاز، أُطلق مدفع على سطح بطاريات ثكنات (قشلاقات) المكس، وعندئذٍ رُفع علم الهدنة مرة أخرى، فأرسلت ضابط أركان الحرب المذكور ومعه القومندان مورسن Morrison إلى الميناء على ظهر السفينة هلكن، ولما ذهب إلى يخت الخديو (المحروسة) وجد أن طائفة هذا اليخت قد رحلت، وعند إيابه بعد دخول الليل أعلن أنه يعتقد أن المدينة أُخليت من السكان.

وأمس صباحًا توغلت في الميناء على ظهر البارجة إنفنسيبل ومعي المدرعتان بنلوب ومونارك وأنزلت إلى البر فرقة لتضع يدها على رأس التين.

وأراني متأسفًا لاضطراري أن أخبركم أن مدينة الإسكندرية أُصيبت بأضرار بالغة من الحريق والنهب.

وفي الساعة الرابعة و٤٥ دقيقة بعد الظهر وصل سمو الخديو إلى سراي رأس التين، وخصصت لحمايته ولاحتلال شبه الجزيرة سبعمائة بحار.

وفي العشية نزلت فرقة من البحارة إلى البر ومعها مدفع من طراز جاتلنج Gatling فطهرت بعض الشوارع من العرب الذين كانوا يحرقون بيوتها وينهبونها.

ويجب عليَّ أن أُعرب عن إعجابي الزائد بالسلوك الذي سلكه الضباط ورجال الأسطول عند تأدية مختلف مهامهم، وأن أثني عليهم الثناء الجم، وأخص منهم بالذكر الكابتن ولتر هنت جرب ربان المدرعة سلطان، وهو أقدم الضباط وقائد الأسطول الخارجي.

ولقد قاتل المصريون قتال الأبطال بأقدام ثابتة، وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي تصبها على حصونهم مدافعنا الضخمة إلى أن قُتل عدد كبير منهم.

وسأرسل عما قريب على قدر الإمكان تقريرًا مفصلًا وأصحبه بصور المراسلات.

وتجدون صحبة هذا بيانًا بعدد القتلى والجرحى.

ولي … إلخ.

بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد
جدول : قائمة القتلى والجرحى في هذا القتال.
عدد القتلى عدد الجرحى
٥ ٢٨
إنفلكسيبل ١ ٢
ألكسندرا ١ ٣
سوبرب ١ ١
سلطان ٢ ٨
إنفنسيبل ٦
بنلوب ٨

٢

من ظهر السفينة هلكن في ١٩ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

لي الشرف أن أبعث لكم بالتفصيلات الآتية؛ ليحيط اللوردات مندوبو الأميرالية بها علمًا.

إنه عندما ورد لي تعريف (صورته طيه) من اللفتنانت سمث دورين Smith-Dorrien مضمونه أن مدفعين سيُنصَبان عما قريب في حصن السلسلة، أرسلت بلاغًا إلى قائد الإسكندرية الحربي أعلنته فيه بأني سأضرب الحصون عند شروق شمس يوم ١١ إن لم تسلم لي قبل هذا الوقت البطاريات المقامة على برزخ رأس التين وساحل الإسكندرية الجنوبي لأعطلها، وبهذه الوسيلة أكون قد نفذت تعليمات اللوردات التي وردت إليَّ في ١٠ الجاري.

وفي الصباح الباكر من يوم ١١ شُوهدت السفينة هلكن متجهة نحو المدرعة إنفنسيبل التي كانت راسية في ممر البوغاز ويخفق عليها علمي. وفي منتصف الساعة السابعة صباحًا أخبرت هلكن بالإشارات أن على ظهرها ضباطًا من المصريين يرغبون الاتصال بي. وقد قدم هؤلاء الضباط إلى بارجتي وهم ياور درويش باشا واثنان من المصريين وسلموني خطابًا من سعادة راغب باشا رئيس مجلس النظار وناظر الخارجية (صورته طيه) يقول فيه إنه مستعد لإنزال ثلاثة مدافع، فأخبرتهم أنه من المستحيل قبول مثل هذا الاقتراح، وأرسلت إلى سعادته الرد بهذا المعنى (صورته طيه).

ولما تيقنت أن الضباط وصلوا إلى البر آمنين أمرت بإطلاق النار على الحصون، فأتى الرد حالًا بشدة من خطوط المكس، ومن البطاريات المنصوبة على الطوابي التي وراء الشعوب التي بجانبي البوغاز، ومن رأس التين، ومن حصني الأطة وفاروس.

وفي الصباح الباكر من يوم ١٢ بعد أن صوبت طلقتين أو ثلاثًا على حصن فاروس رُفع عليه علم الهدنة، وعندئذٍ أرسلت ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن إلى الإسكندرية؛ ليستطلع السبب في رفع هذا العلم وزودته بتعليمات (صورتها طيه) فحواها أن يطلب بالنيابة عني تسليم البطاريات المطلة على ممر البوغاز. وتجدون طيه إجابته التي لا تدع شكًّا في أن الغرض الوحيد من ذلك لم يكن إلا حيلة لاكتساب الوقت. وعلى أثر ذلك نزلت الراية.

وصوبت طلقة أخرى على المرتفعات القائمة عليها بطاريات ثكنات المكس، فارتفع العلم مرة أخرى، فأرسلت اللفتنانت هدورث لامبتن والقومندان مورسن من ضباط السفينة هلكن إلى يخت المحروسة الخاص بسمو الخديو، فلم يعثرا على أحد فيه وأعطيا إشارة بأن المدينة أُخليت. ولما رجعت هلكن كان الليل قد أرخى سدوله.

وعندما أشرقت شمس اليوم وأخذ الأسطول يتحرك دخلت الميناء، فتبينت أن النار كانت مشتعلة في مواضع شتى من المدينة، ومن جملتها سراي الحريم في قصر رأس التين وأن الجنود أخلت الحصون.

ووقتما علمت من مصدر يُوثَق به تمام الوثوق أن جنود عرابي لم تخلُ المدينة، بل ذهبت للإقامة قرب عمود السواري لتنتظرنا على ما يُقال هناك، رأيت أن من واجباتي استعمال الحكمة، فأنزلت فصيلة من المدرعة إنفنسيبل وأخرى من مونارك بقيادة الكابتن فيرفاكس Fairfax بقصد تسمير أو نسف المدافع المنصوبة بين القباري وصالح، وهي المدافع التي كانت تصوِّب طلقاتها على الميناء، وكان هذا العمل مني من الاحتياطات الأولية.

وفي خلال القيام بهذه الاحتياطات أرسلت سفن المدفعية إلى المدرعات الراسية خارج الشعوب المجاورة لجانبي البوغاز لتستحضر منها عساكر البحرية، فاحتلت سراي رأس التين نفسها وسمَّرت عددًا كبيرًا من المدافع التي كانت تسدد طلقاتها على سفننا. وقبيل هذا الوقت زارني أحمد توفيق أفندي ياور سعادة درويش باشا وبمعيته أمير الألاي زهران بك ياور سمو الخديو، وكان قادمًا من سراي الرمل الواقعة على بعد أربعة ميال تقريبًا من الإسكندرية ليسألني عما إذا كنت مستعدًّا لأن آخذ على عاتقي قبول الخديو؛ لأن الحالة تدعو إلى الخوف على سلامته بسبب الألايات الثائرة التي تحيط به، فأظهرت في الحال استعدادي لبذل ما يفيد سموه. وقبيل الساعة الرابعة مساء تشرفت باستقبال سموه عند باب السراي التي لم تُصب لحسن الحظ من نار السفن إلا بضرر طفيف في يوم ١١.

ولي … إلخ.

الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد

٣

من ظهر المدرعة إنفنسيبل بالإسكندرية في ٢٠ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

إلحاقًا لبياني المفصل والمؤرخ في ١٩ الجاري أتشرف بأن أرفع إليكم — لإحاطة اللوردات بما سيُذكر بعد — تقريرًا آخر أكثر تفصيلًا من البيان المذكور الذي تيسَّر لي إرساله عن القتال الذي دارت رحاه بين الأسطول الذي تحت قيادتي والحصون المدافعة عن الإسكندرية.

لقد سبق أن قررت كما يتبين من بيان ترتيب القتال المصحوب بهذا والذي سلمت منه نسخة إلى كل ربان، أن أجعل الهجوم قسمين: قسم تقوم به سلطان، وسوبرب، وألكسندرا على جانب رأس التين الشمالي، وتعاونها في ذلك المدرعة إنفلكسيبل التي كانت راسية في مدخل البوغاز الصغير بإطلاق مدافع برجها الخلفي؛ حتى تستطيع بذلك إسكات بطاريات حصن الفنار من الجنب. والقسم الآخر تقوم به إنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب من داخل الشعوب، وتعاونها في ذلك الإنفلكسيبل بإطلاق مدافع برجها الأمامي، وكذلك المدرعة تمرير التي اتخذت مقرها بجوار الشمندورة التي بواسطتها يُستدل على مدخل البوغاز.

وانفصلت كل من السفينتين هلكن وكندور؛ لأنهما كانتا من سفن الإعادة. أما السفن بيكن، وبترن، وسينت، ودكوي فقد استُخدمت حسب الأوامر التي كانت قد أُصدرت إليها للإشارات طول يوم الضرب.

وفي يوم ١١ يوليه في الساعة السابعة صباحًا أمرت البارجة ألكسندرا بالإشارة من ظهر إنفنسيبل أن ترسل قذيفة إلى الستائر الحديثة التي كان قد تم إصلاحها وسُلحت، ويُقال لها بطارية الاسبتالية، وأردفت هذا الأمر بإشارة عامة إلى الأسطول أن «هاجموا بطاريات الأعداء.» فتُبودل الضرب في الحال بين السفن وهي في المواقف التي رُسمت لها وجميع الحصون المشرفة على مدخل ميناء الإسكندرية، واستمر إطلاق النيران بشدة من الجانبين ومن كل صوب وناحية إلى منتصف الساعة الحادية عشرة صباحًا. وكانت المدرعات سلطان وسوبرب، وألكسندرا إلى هذه الساعة رافعة مراسيها فألقتها في مياه حصن الفنار. وبقذائفها المحكمة مع معاونة المدرعة إنفلكسيبل لها بعد أن رفعت مرساتها وانضمت إليها في منتصف الساعة الأولى بعد الظهر، نجحت في إسكات معظم مدافع حصون رأس التين، ولكن بعض مدافع حصن الأطة الضخمة بقيت مستمرة في الضرب، إلا أنه كان ضربًا غير متواصل. وقبيل منتصف الساعة الثانية قذفت المدرعة سوبرب — وكانت حركاتها من بعد الظهر موفقة جدًّا — قنبلة على هذا الحصن فنسفت مستودع باروده، فاضطرت بقية حاميته إلى الانسحاب حالًا. وعندئذٍ وجَّهت هذه المستودعات قوتها إلى حصن فاروس فأسكتته بعد أن انضمت إليها في منتصف الساعة الثالثة المدرعة تمرير، وكان ذلك عندما قذفته المدرعة إنفلكسيبل بقذيفة أوقعت مدفعًا من مدافعه الضخمة.

وكانت حركات بطاريات من حصن الاسبتالية من البداية إلى النهاية تُساس بطريقة موفقة جدًّا. ومع أن هذا الحصن أُسكت وقتًا ما على أثر ضربه بقذيفة من المدرعة إنفلكسيبل فإن جنوده لم يتخلوا عن مدافعهم إلا بعد أن أكرهتهم نيران مدافع هذه المدرعة والأسطول الخارجي على التخلي عنها.

والمدرعة إنفنسيبل التي يخفق عليها علمي بمساعدة المدرعة بنلوب وكانت الاثنتان ملقيتين مراسيهما، غير أن الأخيرة غيَّرت مرساها في ظرف من الظروف، والمدرعة مونارك الطليقة داخل منطقة الشعوب، والمدرعتان إنفلكسيبل وتمرير الطليقتان في البوغاز ومدخل البوغاز الصغير، قد نجحت كل هذه المدرعات بعد اشتباكها في قتال دام بضع ساعات في إسكات بطاريات خط المكس وتخريب جزء منها.

ودُمر حصن مرسى القناة على أثر انفجار مستودع باروده وبعد قتال مع المدرعة مونارك دام نصف ساعة.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر عندما شاهدت أن جنود مدفعية البطارية المنخفضة التي في الجهة الغربية من المكس تركوا مواقفهم، وأنه من المحتمل أن يكون المساعدون انسحبوا إلى القلعة أحضرت السفن والمدفعيات وتحت حماية طلقات مدافعها، أنزلت إلى البر فصيلة مؤلفة من اثني عشر من الجنود المتطوعين بقيادة اللفتنانت برادفورد Bradford من ضباط المدرعة إنفنسيبل وبمعيته اللفتنانت رتشارد بور Richard Poore من ضباط هذه المدرعة أيضًا، واللفتنانت الأونورابل هدورث لامبتن ضابط أركان الحرب، والماجور تُلك من الألاي ولش الذي بأركان حرب أميراليتي والأسبران مستر هاردي Hardy، وهؤلاء جميعًا نزلوا في زوارق سارت بهم في وسط الأمواج وأتلفوا مدفعين من نوع الششخانة عيار ١٠ بوصات بالديناميت، وسمَّروا ستة مدافع من الطراز القديم كانت مقامة بالجهة اليمنى من المكس، ثم رجعوا ولم يخسروا إلا زورقًا من زوارق السفينة بترن تحطم على الصخور. وهذا العمل يُعد ضربًا من المخاطرة ولكنه تم بمهارة فائقة.
وعندما أضحى القتال عامًّا رأى القومندان لورد تشارلس برسفورد Lord Charles Beresford من ضباط السفينة كندور القائمة بوظيفة الإعادة، أن مدفعين من مدافع حصن المرابط من نوع الششخانة عيار ١٠ بوصات يصوبان قذائفهما إلى السفن المحاربة التي أمام حصن المكس، فاقترب بسفينته إلى المسافة التي يتمكن منها مدفعها الذي عياره ٧ بوصات ووزنه ٩٠ قنطارًا من إصابة المرمى، وحوَّل حالًا وجهة ضرب المدفعين المذكورين. فأمرته وقتئذٍ أن يستمد معونة السفن بيكن، وبترن، وسينت، وكانت سينت اشتبكت قبل الظهر بقليل مع حصون رأس التين.

وأراني سعيدًا؛ إذ أخبركم بأن هذه السفن لم تُصب بأي ضرر، وذلك بفضل ما أبدته من المهارة في مناوراتها. وقد سوَّغ لها قصر غاطسها — من حسن الحظ — أن تتخذ لها موقفًا أمام أضعف نقط بطاريات الحصون.

وانتهت الحرب بالفوز في منتصف الساعة السادسة مساء، وهو الوقت الذي ألقت فيها السفن مراسيها لقضاء ليلتها.

ولو استعمل كل مدفع من المدافع المنصوبة على خط التحصينات لكانت القوة التي صادمتنا أشد هولًا وأكثر رهبة، ولكن بطاريات رأس التين استخدمت قليلًا من المدافع من الطراز القديم، وأقل منها من المدافع الفرنسية عيار ٣٦. وهذه المدافع مشتراة من عهد محمد علي؛ لأن المصريين يؤثرون استعمال المدافع الإنكليزية عيار ١٠ و٩ و٨ بوصات، وأيضًا المدافع الإنكليزية الصغيرة من طراز الششخانة، وهذه المدافع هي بالضبط نفس المدافع المسلحة بها سفن جلالة الملكة، ولا يمكن العثور على أفضل من هذه المدافع بين المدافع التي تُعبأ من فوهاتها، وكانت المدافع المصرية مزودة بقذائف من أحدث طراز، واستخدمت ذخيرتها بكثرة لدرجة الإسراف، وكان تصويب المدافع يدعو إلى الإعجاب، ويمكن أن يُقال ذلك أيضًا عن مدافع خطوط المكس لولا أنها استخدمت أكثر المدافع من عيار ٣٦ ومدفعًا أو اثنين من عيار ١٥ بوصة من طراز الششخانة، فضلًا عن المدافع التي من عيار ١٠ و٩ بوصات والمدافع الصغيرة الششخانة.

واستعمل حصن المرابط مدفعين من مدافع الششخانة ذات المرمى البعيد عيار ١٠ بوصات، وكان كل واحد منهما يرمي قذائفه تلو الآخر في اتجاه الأسطول الراسي قريبًا من الشاطئ والمصطف بكيفية تدعو إلى الإعجاب، فتخطئ المرمى بمسافة تتراوح بين ١٠ و٣٠ ياردة.

ولم تنفجر أية قنبلة من القنابل التي قذفتها بطاريات الجنوب على ظهر سفن صاحبة الجلالة في خلال اليوم. وتجدون صحبة هذا تقريرًا رسميًّا مقدمًا من الكابتن هنت جرب قائد البارجة سلطان لعرضه على أصحاب السعادة الأميرالية. وقد تولى هذا الكابتن قيادة الأسطول الخارجي، فقام بهذا العبء بكفاءة وجدارة تستوجبان الإعجاب؛ فقد تلقى هذا الأسطول ويلات الحرب كما يؤيد ذلك تمام التأييد البيان الذي مع هذا الخاص بالأضرار التي لحقت المدرعات سلطان، وسوبرب، وألكسندرا، وليس لدي ما أقوله عن الأضرار التي حلت بالمدرعة بنلوب؛ فهذه البارجة انفصلت عن أسطولي بعد أمد قليل، والجزء العلوي من بناء المدرعتين إنفنسيبل وإنفلكسيبل أصابه أكثر من قذيفة، غير أنه لم يترتب على ذلك ضرر جسيم.

وأراني عاجزًا عن أن أوفي جميع الضباط الذين قادوا السفن ما يستحقونه من المدح والثناء على ما أولوني من المعونة في هذه الظروف، ويجب علي أن أخص بالشكر الكابتن هنت جرب الذي قام بقيادة الأسطول الخارجي والذي أريد أن ألفت إليه أنظار أصحاب السعادة الأميرالية. ويسرني أيضًا أن أشكر الكابتن توماس وورد Thomas Ward من ضباط المدرعة سوبرب والكابتن تشارلس هوثام Charles Hotham من ضباط المدرعة ألكسندرا، وكلا الاثنين تابع للأسطول الخارجي، والكابتن هنري نكولسن Henry Nicholsonمن ضباط المدرعة تمرير، وجون فشر John Fisherمن المدرعة إنفلكسيبل «الذين أدوا خارج البوغاز الأعمال التي عاونوا بها الأسطول الواقف بجوار الساحل، وساعدوا بعد ذلك على الهجوم الموجه نحو الشمال»، والكابتن هنري فيرفاكس Henry Fairfax من ضباط المدرعة مونارك، والكابتن سان جورج داسي إرفين St. George D’arcy Irvine من ضباط المدرعة بنلوب، وروبرت مور ملنو Robert More Molyneux للمسلك الذي سلكوه في تأدية واجباتهم على اختلافها.
والقومندانات جورج هاند George Hand أقدم الضباط الذين في رتبته ومن ضباط بيكن، ولورد تشارلس برسفورد من ضباط السفينة كندور. وتوماس براند Thomas Brand من ضباط بترن، واللفتنانت هغ ريدر Hugh Ryder قومندان السفينة سينت، وهذا الضابط له في الخدمة أكثر من ١٥ سنة، واللفتنانت آرثر بلدرو Arthur Boldero قائد السفينة دكوي، وجميعهم ضباط جديرون كثيرًا بالترقية، والمهمة التي أُلقيت على عواتقهم قبل الحرب وبعد الحرب كانت شاقة جدًّا؛ إذ من المعلوم أنهم قاموا بالمواصلات بين السفن الواقعة داخل وخارج منطقة الصخور، وكثيرًا ما كانوا يقومون بهذه الخدم في جو مكفهر وفي أثناء الليل؛ حيث تستدعي الحالة مزيد الانتباه في المناورات والمعرفة التامة بإدارة السفن.
كما يبهجني أن أدلي باسم اللفتنانت وليم مرسن William Morrison من ضباط السفينة هلكن؛ فلقد تعرض هذا الضابط أكثر من مرة لنيران بطاريات الشمال حينما كان يعيد الإشارات التي كنت أعطيها وهو على ظهر سفينة لم تُبنَ لأغراض حربية، وعلى العموم أرى نفسي مدينًا لضباط وجنود الأسطول بوجه عام؛ فإنهم كللوا هذا الكفاح بالنصر وختموه ختامًا سريعًا.
ولقد لفت نظري بوجه خاص الكابتن هوثام من ضباط المدرعة ألكسندرا إلى عمل مجيد قام به مستر إسرائيل هاردنج Israel Harding من جنود مدفعية ألكسندرا؛ ذلك أنه رفع قذيفة ملتهبة عيار ١٠ بوصات اخترقت جنب السفينة وسكنت في القنطرة الرئيسية ووضعها في وعاء الماء، الأمر الذي لولاه لكان من الجائز أن تنفجر وتودي بحياة عدد كبير من الجنود. وقد لُفت نظري أيضًا إلى سلوك القومندان آلان توماس Alan Thomas من المدرعة ألكسندرا الجدير بالمدح والثناء طول هذا اليوم، وإني لواثق كل الوثوق بأن هذا الضابط وهسكنز Hoskins قومندان أركان حرب السفينة التي يخفق عليها علمي، وهو الذي كتب عنه الكابتن هنت جرب تقريرًا، نعم، إني لواثق أن هذين الضابطين لا يتأذيان من غيابي الاضطراري عن هذه السفينة. وكافة الربابين يوجهون عبارات المدح المستطاب والثناء الجم إلى ضباطهم وإلى الملاحين لحسن سلوكهم.
ويستحيل بالكلية أن أبيِّن بالتفصيل الأضرار الطفيفة التي حلت بسفن جلالة الملكة في خلال هذا الكفاح من القذائف والطلقات التي أصابتها، أو أفصِّل كذلك العطب الذي مُني به جسم البوارج سوبرب، وسلطان، وألكسندرا، ولا عطب المدرعات إنفنسيبل وبنلوب، وإنفلكسيبل الذي هو أقل أثرًا من عطب الثلاث الأُول، ولكني أستطيع أن أعرب عن شديد أسفلي لوفاة اللفتنانت فرنسيس جاكسن Francis Jackson ومستر وليم شنن William Shannon نجار المدرعة إنفلكسيبل. ويُؤخذ من الأخبار الأخيرة عن الجرحى أن حالتهم آخذة في التحسن، وقد أُرسلوا إلى مالطة على ظهر الباخرة همبر.

وتجدون صحبة هذا قائمة بأسماء فصيلة المتطوعين التي قامت بتسمير مدافع بطاريات المكس، وكذلك أسماء ملاحي الزوارق.

(١٣) بطولة رجال المدفعية المصرية

لقد أبدى كل الذين كتبوا عن حادث ضرب الإسكندرية الأليم بالإجماع ثناءهم، على رجال المدفعية المصرية؛ لما أظهروه في ذلك اليوم من البسالة والشجاعة في كفاح قوة لا تناسب بينها وبينهم.

وإنني لم أشأ هنا أن أذكر في التنويه بفضلهم إلا ما ذكره شهود العيان، ومن بينهم خصومهم الذين حضروا القتال، وشهادة هؤلاء جميعًا أوجه بالطبع من شهادة الذين لم يشهدوا هذه الحرب.

فلقد كان الإنكليز يتخيلون قبل الدخول في هذه الحرب — كما اعترفوا بذلك فيما بعد — أن إسكات الحصون أمر هين لين. وهذا الاعتراف يهدم مخاوفهم على سفنهم من أساسها، تلك المخاوف التي طالما ادعوها وتشبثوا بها، ولكن المقاومة التي لاقوها والثبات الذي أبداه جنود المدفعية المصرية في ملازمة مدافعهم واستماتتهم بجانبها، كل هذا أدهشهم وجعلهم ينطقون بالرغم منهم بالمديح المستطاب والثناء العاطر على هؤلاء الجنود الأبطال.

وأبدأ هذه الشهادات بشهادة الأميرال سيمور نفسه الذي قال في تقريره المؤرخ في يوم ١٤ يوليه سنة ١٨٨٢ للأميرالية البريطانية:

لقد قاتل المصريون قتال الأبطال، وثبتوا في مواقفهم ثبات الشجعان، وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي كانت تصبها عليهم مدافعنا الضخمة إلى أن فني بلا شك أكثرهم. ا.ﻫ.

وقال القومندان هنت جرب قائد المدرعة سلطان وقائد الأسطول الخارجي في تقريره للأميرال سيمور:

ولما وجدت أن الحصون أقوى مما كان يُظن قبلًا، وأن جنود المدفعية المصرية لا يُستهان بهم وأنهم في الواقع يحكمون الضرب، رأيت من الصواب أن ألقي المراسي؛ لكي أحصل على المسافة اللازمة بالدقة. ا.ﻫ.

وقال القومندان جودريتش من رجال البحرية الأمريكية الحربية الذي كان على متن السفينة الحربية الأمريكية لانكاستر Lancaster ورأى كل ما حدث بعيني رأسه في تقريره ص٣٦:

وجاوب المصريون رغم التفاوت الذي كان بينهما من ناحية العدد ومن ناحية عيار المدافع، على النيران المتدفقة من أفواه مدافع الأسطول الإنكليزي إجابة مدهشة لم تكن متوقعة بتاتًا بشجاعة تستوجب الإعجاب. وعندما كانت المدرعة إنفلكسيبل ترسل مقذوفات زنة كل منها ١٧٠٠ رطل على حصن الفنار وتصيب ساتره فتثير الأنقاض والأتربة إلى علو الفنار نفسه، ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أنه ليس في الإمكان أن يعيش أي إنسان تحت نيران كهذه النيران، لا يلبث بعد بضع دقائق عندما ينقشع الغبار أن يُرى جنود المدفعية المصرية ملازمين مواقفهم يطلقون قذائفهم على خصمهم الرهيب. ا.ﻫ.

وقال الماجور تُلك من رجال قلم المخابرات (وترقى الآن إلى جنرال) وكان على ظهر المدرعة إنفنسيبل في كتابه «ذكريات أربعين عامًا في الخدمة» ص٢٨٦:

وبعد أن نزلت إلى البر بزمن يسير طفت حول البطاريات التي بقرب رأس التين، فوجدت منظر البعض منها ينفطر منه الفؤاد، وسمعت فيما بعد من مصدر وثيق أن الخسائر في الأرواح من جنود المدفعية ومن جنود البيادة الذين كانوا خلف الحصون بلغت أكثر من ثلاثمائة. وقد وسقت بالقتلى العربات في أثناء القتال. ولكن لما كان عدد القتلى في نهاية الحرب كبيرًا جدًّا فُتحت لهم حفرة واسعة في رأس التين وأُلقيت أجسادهم فيها ثم ووريت في التراب. ومع هذه المواراة يستطيع الإنسان في عدة مواضع من هذه المقبرة أن يرى الطبقة العليا من هذه الأجساد ظاهرة على وجه الأرض. وقد سقط ساتر الحصن على بعض الجنود فأزهق أرواحهم، وبقيت أجسادهم تحت الأنقاض دون أن يستطيع أحد إخراجها. ووجدت جثة ضابط مصري وجثث ستة من الجنود المصرية البواسل تحت مدفع انقلب بقذيفة.

وعندي أنه لا يستطيع إلا القليل من الناس أن يؤدوا واجباتهم مثل ما أداها أولئك الجنود الذين كانوا في الحصون في ذلك اليوم. وليس في مقدور الإنسان أن يخفي دهشته وإعجابه من أن هؤلاء الجنود في الحالة التي كانت فيها النيران تتحيفهم من كل جهة أرادوا أن يرفعوا أحد المدافع من سقطته التي سقطها. وفي حالة أخرى وهم في معمعة القتال حاولوا أن يرجعوا مدفعًا إلى موضعه وهم تحت وابل من النيران.

وفي المكس كان يوجد ساتر من الرمال سميك تتوارى خلفه جنود المدفعية، ولكن على طول امتداد البطاريات الشرقية لم يكن يوجد إلا ستائر عتيقة من الأحجار في قليل من المواضع، والأنقاض التي تقوضت منها لا بد أن تكون قد أحدثت خسائر جسيمة في الأرواح. ا.ﻫ.

وقال البارون دكيوزل بك Le Baron De Kusel Bey وكيل مصلحة الجمارك المصرية الذي كان على السفينة تنجور أمام الإسكندرية في كتابه «ذكريات رجل إنكليزي عن مصر» ص٢٠٠:

لقد ثبت جنود المدفعية المصرية في مواقفهم أمام نيران المدرعات الإنكليزية الهائلة الفتاكة ثباتًا دل على بسالتهم وبطولتهم، وظلوا يلقون القنابل باستمرار فتصيب أهدافها من هذه البوارج — إلى أن قال في هذه الصفحة أيضًا — وليست المسألة مسألة ريبة في بطولة الجنود المصرية؛ فلقد قاتلوا مستبسلين، ولكن لم يكن لهم الإلمام التام بسلاحهم ليجنوا من دفاعهم ولو بعض النجاح.

ولم ينقضِ الضرب إلا في منتصف الساعة الثانية عشرة صباحًا (أي من يوم ١٢ يوليه)؛ لأن المصريين إذا كان لديهم مدفع في أي موضع لم يكن قد سقط، استعملوه إلى أن يكره هذا المدفع على السكوت إكراهًا. ا.ﻫ.

وقال مسيو سكوتيدس Scotidis وكيل قنصل اليونان في الإسكندرية في كتابه «مصر المعاصرة وعرابي باشا» ص١٦٨ و١٦٩:

وعند الطلقة الخامسة جاوبت بطاريات البر بنشاط وإحكام أدهشا الإنكليز. وتقدمت البوارج الإنكليزية، تلك المدرعات الضخمة، تسير ببطء واتخذت لها موقفًا أمام الحصون، وصوبت إليها نيران مدافعها في مركز واحد. وقد كانت قذائفها الهائلة تدعو إلى الظن بأنها ستدمرها تدميرًا. ولقد كانت هذه القذائف تحطم المدافع الضخمة وتقلب قواعدها وتنسف مستودعات البارود وتحفر حفرًا يقع فيها المصريون التعساء. وعندئذٍ تقترب شيئًا فشيئًا لتضعف قوة هؤلاء المصريين بتقويض حصونهم بطوفان من قذائف مدافع السربند المقامة على ساريات السفن.

وكانت قذائف المدافع المصرية تسقط في البحر وهي في منتصف الطريق فتثير عجاج الماء، والبعض الآخر يصطدم بمدرعات الإنكليز الضخمة فيرتد عنها كأنها جسم من المطاط ويغوص في البحر. ومع هذا فلا ينبغي إلا الإعجاب بما أبداه جنود المدفعية المصرية من البطولة والبسالة والثبات في مواقفهم، ورثاء أولئك الضحايا الذين راحوا طعمة للنار بطيش عرابي ورعونته وبجرأته التي أظهرها عبثًا. وكان معظم الحصون بلا ساتر فقلبت القنابل من مدافعها ما كان أكثر قوة وأعظم خطرًا وأحاطتها بالمئات من جثث القتلى. وفي خلال انتشار الدخان الكثيف الذي يسوقه النسيم في بعض الأوقات كان هؤلاء الجنود الشجعان الذين كانوا يستطيعون أن يخدموا وطنهم في ظروف أخرى، يمثلون بحق الأبطال الذين يدفعون غارات الجبابرة. ا.ﻫ.

هذه شهادات كلها صادرة من شهود عيان معظمهم من الخصوم، وإنها لأقوى برهان على أن ضباط وجنود ١ جي ألاي طوبجية سواحل قاموا في ذلك اليوم الأسود المشئوم بما هو فوق الواجب، فاستحقوا بذلك أكبر التقدير مع تخليد الذكر وعظيم الشكر. رحمهم الله وعزانا وعزى هذا الوطن الأسيف فيهم.

وإزاء ما قام به هذا الألاي من ضروب الشجاعة والإقدام والإخلاص للوطن لدرجة التضحية بآخر أنفاسه في سبيل الذود عن حياضه، رأينا تخليدًا لذكرى أعمال ضباطه وجنوده المجيدة أن نثبت أسماء مَن عثرنا على أسمائهم منهم، مع ذكر عددهم جميعًا في الجدول الآتي، وها هو كما استخرجناه من دفاتر دار المحفوظات المصرية:

جدول : اثبات أسماء من عثرنا على أسمائهم من ضباط وجنود: ١ جي ألاي طوبجية سواحل.
المجموع عدد الأسماء الرتب
١٧٦٢ المجموع الكلي
   ١ إسماعيل بك صبري أمير الألاي
   ١ محمد بك نسيم قائمقام الألاي
٨ ١ عبد العال أفندي أبو العلا ١ جي بكباشي
١ سيف النصر أفندي ٢ جي بكباشي
١ محمد أفندي شرمي ٣ جي بكباشي
١ رأفت أفندي سري ١ جي صاغ
١ صبحي أفندي هاشم ٢ جي صاغ
   ١ محمد أفندي رفعت ٣ جي صاغ
أركان حرب وأطباء وكتَّاب وغيرهم
١٥ ١ محمد أفندي سيد أحمد صاغ
١ إبراهيم أفندي كامل صاغ
١ محمد أفندي نافعي حكيمباشي الألاي
١ محمد أفندي لمعي ملازم أول أجزجي
١ محمد أفندي حسب الله ملازم ثانٍ تعليمجي الإشارة
١ محمد أفندي محمد كاتب أول الألاي
١ رضوان أفندي رضوان كاتب ثاني الألاي
١ مصطفى أفندي الخولي كاتب ثالث الألاي
١ موسى أفندي الورداني كاتب رابع الألاي
١ فرج أفندي عوض كاتب الأشغال المتأخرة
١ الشيخ محمد عبد العال إمام وخوجه
١ الشيخ عبد الله إبراهيم إمام
٣ توفتجية
١٢٩ ١ مصطفى أفندي مختار يوزباشي
١ أحمد أفندي قنديل ملازم أول
١ حسن أفندي مكي ملازم ثانٍ
١ إسماعيل أفندي صبري ملازم ثالث
١٢٥ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٨٤ ٨٤ صف ضباط وعساكر
١٣٢ ١ علي أفندي بهجت يوزباشي
١ محمد أفندي حامد ملازم أول
١ محمود أفندي خليل ملازم ثانٍ
١ محمد أفندي حلمي ملازم ثالث
١ محمد أفندي عبد الخالق صول
١٢٧ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٩٩ ٩٩ صف ضباط وعساكر
١٨١ ١ أحمد أفندي فهمي يوزباشي
١ محمد أفندي الموجي يوزباشي
١ دهشان أفندي عزمي ملازم أول
١ سليم أفندي صائب ملازم ثانٍ
١ غنيم أفندي هدهد ملازم ثانٍ
١٧٦ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٥٢ ٥٢ عدد أنفار
١١٧ ١ عبد الحميد أفندي الجندي يوزباشي
١ محمد أفندي أمين ملازم أول
١ أحمد أفندي هادي ملازم أول
١ سليمان أفندي بهجت ملازم ثانٍ
١١٣ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٧٦ ٧٦ عدد أنفار
١٤١ ١ عبد الرحمن أفندي نجيب يوزباشي
١ محمد أفندي نايل ملازم أول
١ عبد الرحمن أفندي الشافعي ملازم أول
١ محمود أفندي رضى ملازم ثانٍ
١ أحمد أفندي كامل ملازم ثانٍ
١ علي أفندي خضر صول
١٣٥ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٨٠ ٨٠ عدد أنفار
١٠٧ ١ يوسف أفندي صفوت يوزباشي
١ حسانين أفندي زغلول يوزباشي
١ عرفة أفندي أحمد ملازم أول
١ إبراهيم أفندي مسلم ملازم أول
١ عبد القادر أفندي خيري ملازم ثانٍ
١٠٢ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٩٤ ٩٤ صف ضباط وعساكر
١٥٥ ١ علي أفندي فهمي يوزباشي
١ عمار أفندي عوني ملازم أول
١ يوسف أفندي سري ملازم أول
١ أحمد أفندي فضل ملازم ثانٍ
١ محمد أفندي علي ملازم ثانٍ
١٥٠ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٣١ ٣١ عدد أنفار
١٦٦ ١ مصطفى أفندي حسين يوزباشي
١ حسانين أفندي زغلول ملازم أول
١ إبراهيم أفندي مسلم ملازم أول
١ عدوي أفندي حلمي ملازم أول
١ حسن أفندي أنيس ملازم ثانٍ
١٦١ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٦٣ ٦٣ صف ضباط وعساكر صنايعية ببلوك العمارة
٣٢ ٣٢ صف ضباط وعساكر
وإليك نبذًا صغيرة عن بعض ضباط هذا الألاي الذين أمكننا معرفة شيء عنهم نثبتها هنا؛ طمعًا في أن يطَّلع عليها المطلعون فيوافونا بما يكمل تاريخ حياتهم وتاريخ حياة مَن لم نعرف عنهم شيئًا ولم نذكر عنهم نبذًا:
  • (١) أمير الألاي إسماعيل بك صبري: حضر حرب الحبشة سنة ١٨٧٥م، وحرب الروسيا سنة ١٨٧٧م وسنة ١٨٧٨م. ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م.
  • (٢) القائمقام محمد بك نسيم: هو والد صاحب الدولة توفيق باشا نسيم. حضر حرب الحبشة سنة ١٨٧٥م، وحرب الروسيا سنة ١٨٧٧ وسنة ١٨٧٨م، ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م. وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة أمير ألاي، وأُحيل إلى المعاش بناء على طلبه، ثم أُنعم عليه برتبة الباشوية.
  • (٣) البكباشي سيف النصر أفندي: هو والد صاحب العزة حمدي بك سيف النصر. حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م، وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة قائمقام. وتُوفي في الخدمة وهو رئيس قرعة مدينة الإسكندرية.
  • (٤) الملازم الثاني أحمد أفندي فضلي: كان من أنجب تلاميذ المدرسة الحربية التي كانت تحت إدارة الجنرال لارمي باشا الفرنسي في عهد الخديو إسماعيل، وحضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢، وبعد الضرب وانسحاب جنود عرابي منها، عُين في فرقة كفر الدوار، فنصب الجنود الإنكليزية مدافعهم فوق الجبل المجاور لخزان الماء بالقرب من أبي النواتير، ويُقال إن الخديو توفيق كان قد توجَّه إلى تلك الجهة ليرى من فوق هذا الجبل خط نار العرابيين الذي كان بجهة عزبة خورشيد، فعندما أبصر أحمد أفندي فضلي بمنظاره تجمعهم فوق الجبل المذكور، وكان لا يعلم بوجود الخديو معهم، أطلق عليهم قنبلة من مدفع كروب وقعت بجوار الخديو توفيق ولكنها لم تنفجر. وقد ترقى بعد الاحتلال إلى رتبة لواء ثم أُحيل إلى المعاش وهو في منصب مدير عموم القرعة.
  • (٥) الملازم الأول محمد أفندي لمعي: هو ابن الشيخ عبد الله البوهي ابن الشيخ إبراهيم البوهي إمام المغفور له سعيد باشا والي مصر. تعلم بقسم الصيدلة بمدرسة الطب بقصر العيني وتخرج منه والتحق صيدليًّا بالجيش إلى أن جاءت الحوادث العرابية، فكان ملازمًا أول وصيدليًّا أول في ١ جي ألاي طوبجية سواحل الذي دافع عن حصون الإسكندرية يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م. وقد نجا من الموت وبقي بالجيش إلى أن كانت حوادث السودان وثورة المهدي، فأُرسل إلى السودان صيدليًّا بإحدى الألايات المصرية. ولما تغلَّب المهدي على السودان انقطعت أخباره عن ذويه. ومن ذلك الحين لم يتلقوا عنه خبرًا إلى أن فُتح السودان، وقد تحققوا بعد ذلك أنه قُتل مع مَن قُتل من المصريين بعد تغلب المهديين على السودان. وقد ترك من الذرية ولدًا واحدًا كان يُسمى إبراهيم محمد لمعي تُوفي وهو فتى لم يبلغ مبلغ الرجال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤