تمهيد

عندما وُلدنا — من وقت غير بعيد — لم تكن تكنولوجيا المعلومات أو شركات التليفزيون موجودة، وكان السفر الجوي نادرًا وضربًا من الرفاهية. أما آباؤنا، فقد وُلدوا في عالم أكثر اختلافًا عن عالمنا الحالي؛ فلم يكن التليفزيون قد اختُرع بعد، ولم يكن يوجد بنسلين أو أطعمة مجمدة. وعندما وُلد أجدادنا، لم تكن توجد محركات احتراق داخلي أو طائرات أو دور سينما أو أجهزة راديو، وعاش آباء أجدادنا في عالم لا توجد فيه مصابيح ضوئية أو سيارات أو هواتف أو دراجات أو ثلاجات أو آلات كاتبة، وربما كانت حياتهم أقرب لحياة الفلاح الروماني عن قربها من حياتنا اليوم. وخلال فترة المائة والخمسين عامًا الماضية والقصيرة نسبيًّا، تحولت حياتنا تمامًا سواءٌ في المنزل أو العمل بواسطة المنتجات والخدمات الجديدة. والسبب في تغير العالم تغيرًا كبيرًا يمكن تفسيره بدرجة كبيرة بالابتكار.

يُعرِّف هذا الكتاب الابتكار بأنه أفكار مطبقة بنجاح، ويوضح لنا سبب قدرة الابتكار على أن يؤثر فينا تأثيرًا عميقًا. ويشرح الكتاب كيفية حدوث الابتكار، وماذا ومَن يحفزه، وكيفية متابعته وتنظيمه، وما نتائجه الإيجابية والسلبية. وكذلك سيؤكد على أن الابتكار لا غنى عنه من أجل تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وأنه مع ذلك أمر مثير للتحدي ومحفوف بالفشل أحيانًا. ويشرح الكتاب أيضًا كيف يسهم الكثيرون في تحقيق الابتكار وكيف يأخذ الابتكار أشكالًا مختلفة، مما يزيد من تعقيده. ويقدم الكتاب تحليلًا لعملية الابتكار، ولكيفية حشد المؤسسات لمواردها لتبتكر، والنتائج النهائية للابتكار، التي يمكن أن تأخذ عددًا من الأشكال.

لا توجد الابتكارات فقط في الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات، لكن في كيفية قيامها بها أيضًا. وتمر عملية الابتكار حاليًّا بفترة تغير، يحفزها إلى حد بعيد فرص استخدام تقنيات الإنترنت والتصور الحديثة للوصول إلى الأفكار الواردة من جميع أنحاء العالم. وتنمو المصادر المحتملة للابتكار بسرعة كبيرة؛ فعلى سبيل المثال، يزيد عدد العلماء والمهندسين الأحياء في الوقت الحالي عن الفترات التاريخية الماضية مجتمعة. إضافة إلى ذلك، يتغير مكان الابتكار، حيث أصبحت قطاعات الخدمات مسيطرة على الاقتصادات، وأصبحت ملكية المعرفة أو الوصول إليها، أكثر قيمة مقارنة بالأصول المادية. والابتكار شارعٌ في التحول إلى مزيد من العالمية مع ظهور مصادر جديدة مهمة في الصين والهند وأماكن أخرى خارج نطاق القوى الصناعية المتمثلة في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان. وإننا نستكشف هنا المدى الذي إليه يحتمل أن نطبق فهمنا للابتكار، وهو الفهم الذي تطور عبر القرن المنقضي أو يزيد، للتعامل مع التحول والاضطراب المتواصلين اللذين سنشهدهما في الاقتصاد العالمي في المستقبل.

تشرح الفصول الثلاثة الأولى ماهية الابتكار وأهميته ونتائجه. أما الفصول اللاحقة فتمعن النظر فيمن يساهم في الابتكار وكيفية تنظيمه، وتتكهن بمستقبله.

يرتكز فهمنا للابتكار على دراسة المؤسسات المبتكرة التي لا حصر لها حول العالم، وعلى تعلمنا من الجهود المتراكمة لعدد لا حصر له من الباحثين في المجتمع البحثي للابتكار الدولي. وإننا لنتقدم بالشكر الخالص لكل المبتكرين والطلبة المبدعين الذين يجعلون رحلتنا مثيرة ومجزية. ونعترف على وجه الخصوص بفضل إرفينج فلادافسكي-بيرجر وجيرارد فيرتلاف، وهما مبتكران عظيمان كان لهما عميق الآثار في تفكيرنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤