المسمع الأول

(بينما يكون الشباب منشغلين بترتيب المقاعد والكراسي في الساحة تحت السنديانة يتنحنح شيخ ثم يسعل، فيقول أحد الشباب لرفيقه: يا الله يا فريد … عجِّل! حقيقةً الدنيا أم العجائب، غيرُنا كرَّم رجال العلم والأدب، ونحن يا حسرتا! ما لقينا غير الشجرة العتيقة حتى نكرِّمها، ضَيْعتنا فقيرة بالرجال.)

فريد : ضيعتنا فقيرة بالرجال وبس! (ثم يعد على أصابعه) فقيرة بالمال، فقيرة بالغلال، فقيرة بالمياه، ما هي غنيَّة إلا بالحجار واللسانات الطويلة.
خليل : أنت غريب عجيب يا فريد، لسانك بسبع شناخيب وتعيِّر بطول اللسان! صفَّ الكراسي صف، بعد قليل يشرِّف الذوات (يُسمع طقطقة كراسي وبنوك، ويرتفع صوت شيخ كهل قاعد حده قبالة المهتمين بترتيب المقاعد): هذه فكرتي يا عمي بو كريم، أنا عرضتها على رئيس البلدية والمختار.
(يضحك فريد ويقول له خليل): سماع، عمك بو فهد اخترع البارود، اقترح حفلة تكريم للسنديانة (يُقهقهان معًا ثم يخبط خليل بيديه على فخذيه ويصرخ): حفلة مباركة يا ست!

صرت أستاذة وفيلسوفة وشاعرة … من قلة الرجال سموا الديك بو قاسم، غنِّ معي يا خليل (يُغنيان معًا):
هيَّ قهوتنا وقاعتنا
منفلش تحتا بضاعتنا
بضاعة حكي بحق الناس
ريتك تقبر ساعتنا
يقول الشيخ لجاره: أيش من يقولوا؟
الكهل : الشباب أيش بيقولوا يا بو فهد؟ (يضحك بو فهد ويقول له): ذكرتني كلمتك الآن بسالفة عتيقة.
خليل : بَدُّو يسولف عمنا بو فهد (يصغيان معًا ويتنحنح الشيخ ويقول): سأل ولد صغير والده عن حمارة بلعام،١ أيش قالت عندما حكت، فأجابه والده: حمارة وحكيت، أيش بتحكي الدابة يا ابني! فَهَمْهَمَ فريد وقال: عال عال، يا عمي بو فهد، بعد كل تعبنا شبهتنا بالدابة، كتر الله خيرك!
أبو فهد : تنجل يا ابني، هذي حكاية. صفُّوا الكراسي وانتبهوا للغربا المشرِّفين الضيعة.
خليل (يتهكَّم) : دام شرفك يا عمي بو فهد، حقيقة إن فكرتك بديعة!
فريد : دق على الخشب، الله يطول عمره حتى يخلق لنا كل سنة حفلة جديدة … اشتغل، جا ريس البلديَّة.
خليل : بلا ريِّس بلديَّة بلا بلوط، أهو دافع لنا أجرة نصف الألف يتفضل يشتغل معنا.
ريس البلدية : عوافي يا شباب، سلم الله أيديكم (يلتفت ويرى بو فهد) الله معك يا عمي بو فهد.
خليل (هامسًا) : صبحه صبح، ديرلك ضربة كم كبيرة من صندوق البلدية …
فريد : لا تجرَّسنا يا خليل، الريس من حزبنا، إذا كنا نحن نحكي بحقه ماذا يعمل غيرنا؟
ريس البلدية : هاتوا كراسي رفاص للصف الأول، وفي الصدر حطوا كرسي فوتيل للمحافظ.
فريد وخليل (يصرخ) : المحافظ! المحافظ جايي؟ يحرز دينك يا عمي بو فهد! يا الله يا فريد، انحشرنا وضاق الوقت، شباب، هجمة على البيوت، هاتوا كل الفوتيل والسجاد …
أبو فهد : يبدأ بضحكة كبيرة تنتهي بسعال ديكي … ويغني الشباب:
صندانتنا قاعتنا
منفلش تحتا بضاعتنا
بضاعة حكي بحق الناس
ريتك تقبر ساعتنا
ويقدم شابان يلهثان ويطحران، فيسكت الغناء، ويسألهما ريس البلدية: شباب، وزعتم الإعلانات في كل الضياع وسلمتم الدعوات لأصحابها؟
الشابان : نعم، نعم.
ريس البلدية : والهيئة كيف؟
الشابان : أبشر، على ذوقك يا ريسنا.
أبو فهد (للذي حده) : أيش من يقولوا؟
الكهل : الحفلة موفقة، الناس جايين مثل النمل.
أبو فهد : الله يبشركم بالخير.
١  إشارة إلى قصة وردت في التوراة، أن ملك مؤاب أرسل بلعام رسولًا من قِبله ليلعن بني إسرائيل، وعندما ركب بلعام حمارته ظهر له ملاك بيده سيف، فتحوَّلَت الدابة من طريقها، فنطقت موبِّخة بلعام على قسوته، فبارك بلعام بني إسرائيل ولم يلعنهم (عدد ٢٢–٣٥).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤