بداية عهد «نقطانب» الثاني (٣٦٠–٣٤٣ق.م)

نخت-حور-حبت-مري-آمون سترم-اب-رع-ستب-ن-آمون
حكم نقطانب الثاني ثماني عشرة سنة (راجع: Unger Chronologic des Manetho) — على حسب ما ذكره مانيتون — وهذا يتفق تمامًا مع ما جاء على الآثار في نقش في معبد إدفو.

لا نزاع في أن هرب الملك «تاخوس» إلى بلاط ملك الفرس، كان خدمةً جليلة لتوطيد عرش «نقطانب»، ومن ثم أخذ موقفه باطراد يظهر العداء لملك الفرس، وذلك على حسب التقاليد الموروثة في هذه الفترة مِن تاريخ «مصر» ونِضالها مع الفرس، والواقعُ أن وُقُوف الهجوم الذي قام به المصريون في عهد «تاخوس» على الملك العظيم «منمون» الفارسي لم يكن معناه — بأية حال — عقد اتفاق صامت مع الفرس، بل كان يرجع سببُهُ إلى ما حدث في «مصر» من فتن ومشاغبات جديدة — من جهة — وبسبب السياسة المالية القاسية التي كان قد اتبعها الملك «تاخوس».

هذا، ولم تفقد مصر شيئًا من استقلالها، غير أنها انطوتْ على نفسها كما كانت في عهد «نقطانب» الأول، وعلى أية حال نَلحظ أنَّ فرار «تاخوس» لم يقض على كل خطر كان يُهدد سيادة «نقطانب» الثاني؛ وذلك أنه على أثر فرار «تاخوس» قام مُدَّعٍ جديد لملك الكنانة في «منديس» وأعلن الحرب الأهلية على الملك الجديد «نقطانب» الثاني، (Plut. Ages. 38).
ويتساءلُ الإنسانُ الآن: هل قام هذا المدعي بهذه الثورة لأطماعٍ شخصيةٍ، أو أنه عاد يُطالِب بعرش الأُسرة المنديسية الثانية، وهي الأسرة التي طُردت من الملك عام ٣٧٩ق.م؟ والواقع أن هذا الادعاء كان جائزًا، وتَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أن هذا المدعي قد أراد أن يفيد من التغير الذي وقع حديثًا في عرش «مصر»، وقد أفلح فعلًا في جمع جيشٍ قوامُهُ مائة ألف مقاتل، (راجع: Plut. Ages. 38; Diod XV. 93, 2).
ثم زحف على جنود «أجيسيلاس» و«نقطانب» الثاني، ولدينا روايتان عن موقف هذين الملكين وما أَحَسَّا به عند اقتراب جيش الثائر المنديسي المدعي للملك، والأسباب التي دعتْهما إلى عدم مُنازَلته في العراء، فالروايةُ الأُولى هي ما ذكره لنا «ديودور» (وقد أخطأ في قوله: إنه الملك «تاخوس»)، وقد قال لنا إن الفرعون قد فزع وتحاشى فكرة الالتجاء إلى السلاح، ولكن «أجيسيلاس» نصحه بأن يثق بنفسه وألا يجزع، ولكن «نقطانب» حين وجد نفسه غيرَ قادر على التغلُّب على ما أصابه مِن فَزَع وذُعْر تقهقر بجيشه وتبعه «أجيسيلاس» إلى داخل موقع هام وهناك حاصره العدو، (Diod. XV. 93, 2).
والرواية الثانية ما قصه علينا «بلوتارخ» فيقول على عكس ما قاله «ديودور»: إن «نقطانب» كان مملوءًا ثقة، وقد أظهر كُلَّ احتقار لجيش المدعي الذي كان في الواقع عديدًا، غير أنه كان قد جند بمحض الصدفة، ويتألف من صناع ليس لهم خبرةٌ بالحرب وفنونها، وكان «أجيسيلاس» خائفًا مِن أن عدم الدراية قد تربك العدو، ولا تجعل الإنسان يعرف حيلة يقضي بها عليه، (راجع: Plut. Ages. 38).

وفي نهاية الأمر نجد أن «أجيسيلاس» هو الذي ينصحُ «نقطانب» بالمجازفة بالحرب، وأن «نقطانب» يَتَنَصَّلُ من الدُّخُول بنفسه في واقعة للأسباب التالية: وهي أن هذا الثائر المنديسي لم يجسر على المجازَفة بجيشه غير المدرَّب في واقعة فاصلة، ومن جهة أُخرى نرى — من جديد — أنَّ الدسائسَ بدأت تُحاك كما كانت الحال صباح سقوط الملك «تاخوس» حول قوات الجنود المرتزقة الجبارة؛ وذلك لأن المدعي بالعرش الجديد قد أخذ في فتح مفاوضات.

وقد كان مِن جَرَّاء مناورته هذه أنْ أَخَذَ «نقطانب» الثاني على الأقل يظن الظنون في «أجيسيلاس» ويشك في إخلاصه، وقد بدأ الفرعون يُظهر فعلًا عدم ثقته وضعفه عندما خاطبه «أجيسيلاس» ناصحًا إياه: بأن لا يُرجئ الفرصة تذهبُ صراحة في حربٍ مع الأعداء الذين يجهلون — بلا شك — فن الحرب، ولكنهم سيصلون إذا تركنا لهم الوقت للإحاطة بجيشِ «نقطانب» وإغراقه بعددهم الهائل، وعندما سمع الفرعونُ هذه الكلمات ظَنَّ أنه قد نصب له فخًّا وبذلك تَنَحَّى عن الدخول في معركة، وتقهقر بجيشه إلى داخل مدينةٍ عظيمة محاطة بجدران جميلة متينة الأركان، وقد كان من جراء ذلك أن هاج «أجيسيلاس» هياجًا عظيمًا بسبب عدم الثقة فيه من جانب حليفه «نقطانب»، ولكن حدثتْ خيانةٌ أُخرى غمرتْه بالعار والخزي، ولم يكن في مقدوره وقتئذٍ أن يغادر البلاد المصرية دون أن يقوم بعمل حاسم تاركًا «نقطانب» والمدعي الجديد للملك وجهًا لوجه، وعلى ذلك اضطر أن يتبع الفرعون إلى المكان الذي كان فيه وحيث جاء المنديسيون في الحال لمحاصرته، (راجع: Plut. Ages. 38).

وإذا فحصنا هاتين الروايتين بدقة؛ نجد أنهما تتحدثان بصراحة عن الأمور الأساسية التالية: كان هناك اختلافٌ في الرأي بين ملك «أسبرتا» والفرعون «نقطانب» فيما إذا كان يمكن الصمودُ للعدو في العراء ومنازلته، ولكن على الرغم من نصائح ملك «أسبرتا» كان الفرعون خائفًا فَزِعًا، ومن ثم أخذ يبحث عن حماية له وراء جدران مدينة كبيرة، وعلى ذلك لا يوجد صراحة تضارُب بين رواية «بلوتارخ» ورواية «ديودور»، غير أننا نجد أن الرواية الأولى، وهي أَتَمُّ وأدقُّ على طابع خاص وتحمل إلينا مجموعة حقائق لا نجدها في رواية «ديودور» مما يجعلها أكثر فهمًا، وبذلك يمكن الأخذ بما جاء فيها بوجه عام، وإذا سلمنا بذلك فإن الفزع الذي استولى على «نقطانب» بسبب اقتراب جيش مناهضه الجبار؛ قد تضاعف بما كان يشعر به من شكوك في إخلاص «أجيسيلاس»، وكان خوفًا لا يكاد يظهره؛ ولذلك لم نجدْه مذكورًا في رواية «ديودور».

وعلى ذلك فإن ما رواه «بلوتارخ» عن الدسائس التي حاكها المدعي المنديسي، وما نتج عن ذلك من مخاوف «نقطانب» وشكوكه؛ يمكن قبولها، وعلى أية حال فإنه ليس لدينا أي برهان يعين على رفضها؛ وذلك لأن الدسيسة التي دبرها المنديسيون لجلب «أجيسيلاس» إلى جانبهم كانت أمرًا عاديًّا جدًّا؛ لأنه لو كان «أجيسيلاس» قد انحاز بجنوده إلى المدعي لعرش لكانت آمالُهُ تزداد في تَوَلِّي عرش ملك «مصر»، وإذا فرضنا أن هذا المدعي لم يكن في مقدوره إغراء «أجيسيلاس» بارتكاب خيانة جديدة فإن مجرد إشاعة هذا النبأ، كان يُزعزع ثقةَ «نقطانب» وينشر الخلاف في معسكر العدو، هذا إلى أن الشكوك كانت قد أدخلت في روع الفرعون عدم إخلاص الملك «أجيسيلاس» وأنه كان قد نال أخيرًا مساعدتَه بخيانة.

ومن الجائز أن نعترض على هذه القصة بأنه يظهر فيها شيءٌ من التفكُّك، حقًّا كان «أجيسيلاس» رافضًا تمامًا العروض التي قدمها له المدعي للملك، ولا أَدَلَّ على ذلك من أنه قد سار في ركاب «نقطانب»، وعلى الرغم مِن كل أعماله السيئة منحه النصر في النهاية، وعلى الرغم مِن أنَّ شُكُوكَ الفرعون كانت معقولةً جدًّا فإنها لم تحقق، ولكن كيف يمكن أن نفسر أن «أجيسيلاس»، الذي كان قد ظهر بأنه يخشى العدو وأنه قد أجبر «نقطانب» على ثقته المتناهية بنفسه؛ قد أتى ليقدم له النصيحة بهجوم جريء، وذلك على ما يظهر خلاف رأيه الأول؟

والواقعُ أنه لا يوجدُ هنا إلا تناقضٌ ظاهري؛ إذ قد أعلن «أجيسيلاس» أولًا أن عدوًّا غير مدرب كان من الصعب إساءةُ استعمالِهِ؛ لأنه يكون محصنًّا تمامًا بعدم تجاربه حتى أمام خدع العدو فهل غير «أجيسيلاس» رأيه؟ والجواب على ذلك بالنفي؛ لأنه كان دائمًا يأبى استعمالَ الخدع التي لا تُفيد، ويجنح إلى نظام منازلة العدو وجهًا لوجه بكل وحشية وشجاعة، وفضلًا عن ذلك فإنه يلحظ أن بين مقترحاته الأولى وبين نصيحته بالدخول في معركة مع العدو؛ قد حدثتْ محاولة المدعي للعرش لاستمالته إلى جانبه، وهذه المحاولةُ تكشفُ — من جانب صاحبها — على أنه كان مزعزعَ الثقةِ بالنسبة لِما في يديه من مادة يعتمد عليها أو مهارة يتمتع بها.

وقد كان في ذلك ما يكفي لتشجيع «أجيسيلاس» ويحدو به إلى اتخاذ قراراتٍ صارمة وعلى أيَّة حال، فإن هذه كانتْ دائمًا خطته (وعلى أية حال فإنه إذا كان «أجيسيلاس» مخلصًا، وإذا كانت خطتُهُ ليس فيها التواءٌ أو تناقضٌ؛ فإن عدم ثقة «نقطانب» وشكه فيه كانت مفهومة تمامًا، وذلك بالنسبة لِما كان يعلمُهُ من الدسائس المنديسية التي كان يُديرها المدعي للملك، وذلك على أثر الخيانة التي كانتْ قد حدثتْ بالأمس، وكان هو شاهدَها والمستفيدَ منها، وقد نصح له «أجيسيلاس» أن يَتَحَصَّنَ خلف الجدران، وأنه هو الذي — على ما يظن — قد قَرَّرَ ملاقاةَ العدو في السهل في معركة فاصلة).

ومن ثم نرى أن قصة «بلوتارخ» ليست إلا رواية متماسكة جدًّا لما حدث، وأن الرواية التي سار على نهجها «ديودور» لم تحفظ لنا إلا الحقائق الأخيرة — وكانت هي عمليًّا الأهم والفاصلة — وهي الخلاف الذي قام بين «أجيسيلاس» والفرعون عن موضوع الخطة التي تتبع والتقهقر المشترك نحو المكان المحصن.

ومن ثم نرى أن «نقطانب» قد أخلى للعدو الإقليم المكشوف وتبعه «أجيسيلاس» على الرغم منه، ولم يكن وقتئذٍ — بأية حال من الأحوال — هو المسيطر على سير الأعمال الحربية؛ وذلك لأنه كان متهمًا ويُخشى جانبُهُ، ولكنه — بحكم وظيفته — كان مفوضًا على قيادة الجيش المصري.

وقد زحف جيشُ المدعي للعرش لمحاصرة المدينة التي كان الفرعون مختبئًا وراء أسوارها، ونجد في هذه المرحلة أنه قد وجد خلاف جديد بين الرواية التي قدمها لنا «بلوتارخ» وتلك التي ذكرها «ديودور»، وقد ذكر الأول (Ages 39) أن الحصار قد بدأ دون تأخير، وعلى حسب ما جاء في «ديودور» أن الحصار قد بدأ على إثر هجمات دامية، وذلك بأن أخذ المحاصرون في حفر خنادقَ (Diod. XV, 93, 3)، وقد كان العمل الذي أنجزه العمال العديدون سريعًا، وبعد أيام قلائلَ بدأت المواد الغذائية تنفد عند المحاصرين؛ إذ لم يكن لديهم من الغلال إلا كميةٌ قليلةٌ داخل المدينة، وعندئذ أخذ الخوفُ والهلعُ يستوليان على «نقطانب» خشية أن يحاصره العدو حصارًا تامًّا، ومن أجل ذلك فَكَّرَ في الخروج ومقابَلة العدو وجهًا لوجه، وقد كان هذا هو رأي الجنود المرتزقين الذين خافوا على أنفسهم من الموت جوعًا (Ages, 39).

وإذا كان لزامًا علينا أن نصدق ما رواه «أجيسيلاس» عن نفسه في تاريخ حياته، فإنه كان هو الذي وضع هذه الخطة على حسب الموقف للخلاص من براثين العدو، وهي خطة كان قد حفظها في طي الكتمان حتى يضمن لها النجاح، وقد كان من الضروريِّ نجاحُ خطة الهجوم التي أرادها الفرعون، وهي استعمالُ الجنود المرتزقين الذين كانوا وحدهم القادرين على ذلك، غير أن «أجيسيلاس» رفض ذلك، ولا بد أن مثل هذا الرفض قد أثار غضب «نقطانب» وحاشيته، وقد كان في وسعهم بطبيعة الحال أن يفكروا أن «أجيسيلاس» بعد أن يغري حلفاءه بالنزول في ساحة قتال معدة؛ قد عمل على خسارة الموقعة بعدم الاشتراك فيها، مضافًا إلى ذلك القحط الذي كان قد بدأ يعمل في صفوف «نقطانب»، وقد بدأت الشائعاتُ المشينة تنتشر عن «أجيسيلاس» كما كان يُتهم بأشنع التهم.

والواقع أن مثله في هذا الموقف كان كمثل موقف القائد «إفيكراتس» عام ٣٧٤ق.م، غير أنه سواء أكان أعظم سعادة أو أكثر أمانة من «إفيكراتس»؛ فإنه كان عليه أن يخرج لساحة القتال للمغامرة في هذه المخاطرة.

وقد كانت أعمال التحصين التي يقوم بها «نقطانب» تسير بسرعة، فقد حفرت خنادق حول كل المدينة المحاصرة وعندئذٍ أمر «أجيسيلاس» جنوده المرتزقين بحمل السلاح عند دخول الظلام، وقد كان مخفيًا تصميمَه عن «نقطانب»، وكانت الخنادق وقتئذٍ قد بلغت تقريبًا منتهى طولها البعيد جدًّا. هذا، وكان على معظم الجنود المحاصرين أن يحتلوا هذه الخنادق على طول امتدادها، ومن ثم أصبح التفوقُ العدديُّ للمحاصرين؛ وذلك لأن ما كان قد تم حفرُهُ من الخنادق يمنعهم من أن يفيدوا من كثرة عددهم، وعلى ذلك إذا حاول الإنسانُ الاندفاعَ للهجوم من المكان الخالي من الخنادق؛ فإنه لا يجد أمامه إلا عددًا محدودًا جدًّا من جيش العدو، وقد كان في مقدُور الجنود المرتزقين — بما فُطروا عليه من شجاعة — أن يقضوا عليه بسرعة خاطفة.

وقد اقتنع الملك «نقطانب» هذه المرة بتلك الخطة البارعة، ويتساءل الإنسانُ — كما يقول «بلوتارخ» — هل كان «نقطانب» — حقيقة — مقتنعًا؟ وعلى أية حال فإنه لم يكن لدى الفرعون خيار؛ وذلك لأن المدينة كانتْ محاصرةً تمامًا، وأن خرابها كان محقَّقًا إذا أبدى أي تردد، ومن أجل ذلك جَنَّدَ نفسه في وسط الجنود الإغريق، وبدأ الهجوم وعندئذ أخذ جزءٌ من جنود العدو الذين كانوا على الطريق يَفِرُّون أمام الهجوم المفاجئ وأمام حماس المهاجمين، أما الفئةُ القليلةُ التي وقفتْ في وجه المهاجمين فقد مَزَّقُوها شر ممزق.

ويُلحظ هنا أن «ديودور» لم ينسب إلى «أجيسيلاس» تنظيمًا طويلًا مبيتًا، بل اقتصر على الإشارة إلى أنَّ ملك «أسبرتا» قد هاجم العدوَّ ليلًا، ونجح في خلاص الجنود المحاصرين، على الرغم مِن فقدان كل أمل في خلاصهم. ويجوز لنا أن نتساءل فيما إذا كان «أجيسيلاس» قد دبر فعلًا منذ زمن طويل تصميم هذه الخطة الناجحة، كما أبداها للملك «نقطانب» أو إذا كانت هذه الخطةُ قد اتخذتْ في آخر لحظة؛ أي في اليوم نفسه الذي نفذتْ فيه عندما رأى أنه لم يكن أمامه طريقة أخرى للإفلات من قبضة المحاصِرِين له.

والواقعُ أن الميزة الحربية في هذه الموقعة لم تكن تعد شيئًا باهرًا؛ وذلك لأن كلًّا من الملك «نقطانب» والملك «أجيسيلاس» لم يقم إلا بملاحظة توزيع الجنود في ساحة القتال توزيعًا عاديًّا، أما الفضلُ في كسب المعركة التي جاءتْ على أثر ذلك؛ فقد رجع إلى الهجوم الليلي المفاجئ، غير أن هذا النصر كان — من الوجهة الأدبية والسياسية — قد عُدَّ بالنسبة لأجيسيلاس أمرًا هائلًا؛ وذلك لأنه كان قد اتهم في إخلاصه وولائه للملك «نقطانب»، ولكنا الآن نجده قَدْ قَدَّمَ بُرهانًا على ولائه الذي كان لا يقل عن ذكائه الحربي، ومنذ تلك اللحظة أصبحت ثقة «نقطانب» فيه لا حَدَّ لها، ومن ثم تابع «أجيسيلاس» إدارة الحرب على حسب خططه ومشيئته في العراء (Diod. XV, 93, 4).

وقد عَوَّضَ قلةَ عدد جيشه ما كان عليه جنودُهُ من مرونة وخِفَّة حركة وتنفيذه لخططه على حسب مقتضيات الأحوال، فنجدُهُ أحيانًا يَتَصَنَّعُ الفرار أمام العدو فيغريه على متابعته، وأحيانًا ينتقل من مكان إلى مكان، وبهذه المحاولات (المناورات) كان في مقدور «أجيسيلاس» أن يبدد قوة العدو ويستنفدها.

وأخيرًا نجح في سحب الجيش المعادي إلى المكان الذي اختاره للقضاء عليه، وهو إقليمٌ ضيقٌ يقع بين ترعةٍ عميقةٍ واسعةٍ (Diod. XV, 93, 4; Ages 93). ومُنْذُ أنْ نجحت تلك الخطةُ البارعةُ أصبح تَفَوُّقُ جيش المدعي المنديسي في العددِ لا يُجدي فتيلًا، وقد مَهَّدَ «أجيسيلاس» لجيشه رقعةً شاسعةً من الأرض تُضارع الطوار الذي كان يسير عليه العدوُّ. هذا، وجعل كل محاولة يقوم بها العدوُّ لتطويق جيشه من الجناحين أو من الخلف أمرًا مستحيلًا، وقد ظلت الغلبةُ في القتال الذي وقع في مُقَدِّمَة الجيش في جانب المشاة الإغريق الشجعان (Diod. XV, 93, 5)، وقد سقط عدد كبيرٌ من القتلى في جيش المدعي على أثر اختراق صفوفه، وبذلك وقعت الكارثة وقُضِيَ على كل آمال المدعي المنديسي.
بعد أن أصبح الملك «نقطانب» موحَّد الأركان بالقضاء على عدوه، أخذ في إغداق الانعامات، وكَيْل الثناء على مخلصه ملك «أسبرتا» واستبقاه في خدمته، ورجاه أن يمضي الشتاء معه، ولكن «أجيسيلاس» بعد أن أحرز هذا النصر المبين الذي طالما عمل من أجله؛ إذ أعاد للجيش اللاسيدموني مكانته بعد أن كان غير معترف به؛ لم يبد أي أسف بلا شك على ترك «مصر» وهو مكلَّلٌ بهذا الفوز العظيم، يُضاف إلى ذلك أن «أسبرتا» كانت وقتئذٍ في حاجة إليه، وإلى المال الذي كان قد جمعه وهو في خدمة الفرعون، وقد أقلع إلى بلاده في خلال شتاء عام ٣٥٨-٣٥٧ق.م حاملًا معه غير هداياه الشخصية مبلغ ٢٣ تلنتًا من الفضة (راجع: Diod. XV, 12, 1).
وقد كان البحرُ هائجًا في خلال رحلته مما اضطر سفينته إلى أن ترسو في «سيريني» حيث أدركه الموت هناك، وبذلك أنزل الستار على مجال حياة «أجيسيلاس» اللامعة بعد أن بلغ من العمر الرابعةَ والثمانين، وقد حُفظت حثته في الشهد، وحملت إلى «لاسيدمون»، وهناك احتفل بها على حسب التقاليد المرعية (Ages, 40; Diod. XV, 93, 6).

وهكذا نُشاهد من عام ٣٦٠-٣٥٩ق.م أن الجُنُود الإغريق قد أثبتوا مهارتَهم وشجاعتهم في المعارك المصرية التي كانت تدورُ رحاها تارة في جانب «مصر» وتارة أُخرى عليها، وذلك بقوةٍ لا تعرف الهزيمة، ونجد أن النصائح الجريئة والتجارب الحربية التي قدمها «خابرياس»؛ قد حققت الحصولَ على مبالغَ طائلةٍ من المال، وكذلك حرية التجارة البحرية والاستيلاء على قاعدة بحرية حسنة لأعمال البحرية في «فنيقيا» ولسنا في حاجة إلى القول — من جهة أُخرى — بأن سفر «أجيسيلاس» ومعه جيشُهُ من المشاة المرتزقين كان الضربةَ القاضية على عرش «تاخوس» الذي كانت قد قوضتْه ثورةٌ وطنيةٌ.

وأخيرًا نلحظ أن قوة إرادة «أجيسيلاس» وفكره وجرأته في وقت واحد، مضافًا إلى ذلك قوة هجوم مُشاتِهِ من الإغريق وسلاحهم الجبار؛ قد تغلب على سوء ظن «نقطانب» وخلصت حياته وحريته، وثَبَّتَتْ له تاجه مدةً طويلة، قام خلالها بأعمالٍ عظيمة في داخل البلاد — كما سنشرح ذلك بعد.

سياسة نقطانب الثاني الداخلية والخارجية

يَدُلُّ تاريخ «نقطانب» الثاني الذي بلغ نحو الثمانية عشرة سنة، أنه كان متبعًا سياسة الدفاع المحض بوجه عام، وبذلك كان يُعتبر سائرًا على خُطَّة مؤسس الدولة السمنودية وتقاليده، وهذه السياسة كانت إذا قُورنت بسياسة «تاخوس» أَقَلَّ لَمَعَانًا وأَقَلَّ قوة، غير أنها كانت على أية حال على ما يظهر؛ تتفق مع مزاج المصريين، ولم نر قط أي ثورة قامت في البلاد لتعكر صفو حُكم هذا الفرعون الذي كانت ماليتُهُ أَقَلَّ بكثيرٍ عن مالية سلفه صاحب الأطماع البعيدة؛ إذ الواقعُ أن «نقطانب» الثاني قد عامل بحذق أو حابى بمهارة طبقةَ الكهنة الذين كانوا معارضين لمشاريع «تاخوس» معارضة صارمة، وقد ربط مشاريعه العامة بما كان يدخل للبلاد من فوائد من التجارة الخارجية والخزانة.

وإذا كنا نراه قد حفظ لنفسه تسع أعشار دخل الضريبة التي كانت تُجبى من بلدة «نقراتيس»؛ فإنه قد منح العشر المتبقي لمعبد «سايس»، وقد كان هذا يعد هدية محضة (راجع: Baillet. p. 77).
وإذا كُنَّا سنرى في عام ٣٤٢-٣٤١ق.م أن سلطانه قد تَدَاعَى وفي الوقت نفسه كذلك ضاع استقلالُ وطنه؛ فإن ذلك كان قد أتى — بوجهٍ خاصٍّ — من ضربة صوبها جيشٌ إغريقيٌّ كان في خدمة العاهل «أوكوس» الفارسي، ولا بد أنْ نَذكر هنا أن «أوكوس» قد بدأ في القيام بأول محاولة قوية لأجل أن يُعيد «مصر» تحت النير الفارسي حوالي ٣٥١ق.م، ويقال: إن التعبئة للقيام بهذه الحملة على «مصر» كانت طويلة الأمد؛ إذ يقال: إنها امتدتْ عدة سنين، وهذه النظرية إن صحت فإنها لا تخرج عن كونها كسابقتها التي قام بها الفرسُ منذ عام ٣٨٠–٣٧٤ق.م في عهد الفرعون «نقطانب» الأول، ومن ثم يكون من الجائز أن الاستعدادات والتجهيزات الحربية والمالية العظيمة التي بدأتْ حوالي ٣٥٤-٣٥٣ق.م في البلاد الفارسية كان المقصود منها على ما يظن غزو البلاد المصرية، وقد يكونُ المقصود بها غزوُ «مصر» وغيرها، وقد بدأ ملِك الفرس هجومه على «مصر» في عام ٣٥١ق.م، وقد استنبط ذلك من الخطبة التي أُلقيت عن حُرِّية أهل «رودس»، وقد كان ملك الفرس نفسه هو الذي يُدير العمليات الحربية (راجع: Isocrate Phil. 101)، وإذا صدقنا ما حدثنا به «إسوقراط» فإن الملك «أوكوس» كان تحت تصرفه أقوى جيش يمكنُ جمعُهُ، غير أن ما ذكره هذا الخطيبُ لا يمكنُ الاعتمادُ عليه بصفة جدية؛ إذ كان متهمًا بتحقير هذا العاهل على طول الخط، وبخاصة عندما نعلم أنه قد حاول عام ٣٤٦ تحريض الإغريق على الدخول معه في حرب. أما «ديودور» فنجده قد حقر قوله في هذا الصدد في وجود جيش كثير العدد جدًّا.
هذا، ويمكن لنفس السبب كذلك أن ملك الفرس لم يكن هو القائد المقصود الذي أظهره أمامنا «إسوقراط» في هذه الصورة الحقيرة، ولا نزاع في أن ما أجمع عليه في هذا الصدد هو أنَّ هذه الحملة قد لحق بها هزيمةٌ منكرةٌ (راجع: Isocrate Phil. 101, Demosth., XV, 12; Diod. XVI, 40, 3; 44. 1; 48, 1-2).

أما عن تطوُّرات هذه الحملة وسبب هزيمة ملك الفرس فيها؛ فإن ما لدينا من متون لا يوجد فيها — بكل أسف — إلا إشاراتٌ ضئيلةٌ لا تشفي غلة، ومع ذلك فإن بعض الحقائق الهامة تبدو لنا من بين السطور، فنستنبطُ أولًا ما يظهر من متن «إسوقراط» أن المصريين كان لديهم الوقتُ الكافي — كما كانت الحالُ قبل عام ٣٧٤ق.م — لاتخاذ العدة أو لتقوية الدفاع عن شرق الدلتا.

ومن المؤكد أنَّ الحصون الدفاعية التي كان قد أقامها «خابرياس» فيما مضى لم تكن قد هُدمتْ تمامًا، وكانوا يخافون كثيرًا كما يقول «إسوقراط» الخطيب راجين ألا يستولي الملك على معابر النيل، وعلى كل الترتيبات الأخرى للدفاع، ويقول «إسوقراط» إن هذه المخاوف لم تحقق، ومن ثم نفهم أن الفرس قد رأوا أن هجومهم قد أخفق عند سفوح المعاقل التي كانت تعوقهم عبر النيل.

وبعد ذلك — وهذا هو الأمر الرئيسي — نُشاهد أن «نقطانب» الثاني لم يكن يحارب وحده، بل كان إلى جانبه يعاضده قائدان مِن ألمعِ قُوَّادِ العصر؛ لِمَا امتازا به من شجاعة وذكاء فائقين، أولهما القائدُ الأثينيُّ «ديوفانتوس Diophantos» والآخر هو القائد الأسبرتي «لامياس Lamias» وقد كان وجودُهُما — على ما يظهر — إلى جانب «نقطانب» مصدرَ سُرُور عظيم؛ إذ كان كما يقول «ديودور» بصورة مؤكدة من الوجهة الحربية لا كغاية له (Diod. XVI, 48–1) كما شاهدنا ذلك في حربه مع المدعي المنديسي.

والآن يتساءلُ الإنسانُ: هل كان وجود هذين القائدَين في جيش الفرعون يتفقُ مع بعض جفوة أو تحرج سياسي بين بلاد الفرس وبين وطنيهما بالتوالي؟ والغرضُ التالي الذي يرد على الخاطر هو أنه في عام ٣٥١-٣٥٠ق.م قد قامت الحربُ المقدسةُ في بلاد الإغريق.

هذا، ونعلم — منذ ٣٤٦ق.م — أن «أثينا» و«أسبرتا» قد تحالفتا مع الفوسيديين Phocidians، وكانوا أعداء ألداء لطيبة اليونانية منذ عام٣٦٢ق.م، والواقع أن كلًّا من «أثينا» و«أسبرتا» بعد قيام عداوة بينهما وبين ملك الفرس مدة لم يطل أَمَدُها وكان سببها إرسال «بامنيس» وبرفقته خمسة آلاف من المشاة الإغريق إلى الشطربة «أرتابازوس» لمساعدته على ملك الفرس العظيم في عام ٣٥٢ق.م؛ قد أحكما أواصرَ الأُلفة القديمة التي كانت بينهما، وبين ملك الفرس في عام ٣٥١-٣٥٠ق.م، (راجع: Diod. XVI, 40, 1-2)، ولَمَّا كانت الحربُ القوسية قد أنهكتهما فإنهما طلبتا العفوَ من الملك «أوكوس» الذي لم يَتَوانَ في منحه لهما، وقد أرسل مع عفوه هذا هدية قدرها ثلاثمائة تلنت من الذهب.
ومن ثم يتساءلُ الإنسانُ فيما إذا كانت كُلٌّ مِن «أثينا» و«أسبرتا» بإرسالهما أو بالسماح لقائديهما «ديوفانتوس» و«لامباس» لِمُسَاعَدَةِ المصريين بنجاح؛ لم يكونا قد سُرَّا سُرُورًا عظيمًا بإنزال هزيمةٍ قاسيةٍ بالملك العظيم الذي كان متحالفًا مع أعدائهم أهل «بوشيا»، غير أن مثل هذا الغرضَ تعترضُهُ عدةُ عقباتٍ، ولا بد أن نحترس بوجهٍ خَاصٍّ من الاعتقاد في وُجُود قَطْع علاقات عالميةٍ بين الفرس والأثينيين أو نستنتج وُجُود محالفة بين هاتين البلدين وبين «نقطانب»، فأولًا نجد أن الموقف الذي سلكه «خابرياس» في عام ٣٥٩ق.م يبرهن لنا على أنَّ حكومة إغريقية يمكن أن تكون ذات علاقة طيبة جدًّا دون أن تقطع علاقتها تمامًا مع ملك الفرس، وبدون أنْ تتحالف مع «مصر»، وتسمح لأحد مواطنيها أن يخدم بقوةٍ ولِمُدَّةٍ طويلة دون الموافقة الرسمية من مجلس الأُمَّة (Demos)، وكذلك على حسب ما ذكره «ديمونستين»، وهو شاهدٌ معاصرٌ أنه حدث في عام ٣٥١ق.م أن الشعبَ الأثينيَّ في مجموعه أو أغلبيتِهِ قد رَفَضَ — في صمت — كل فكرة ترمي إلى قطع العلاقات بين «أثينا» وبين ملك الفرس لمصلحة الفرعون، ويقول «ديموستين» (Diod. XV, 5) «إني لَفِي دهشةٍ أنْ أرى نَفْسَ الخطباء الذين كانوا قد حاولوا إغراءَ مدينتنا أن تدخل في حرب مع الملك من أجل معاضدة مصالح المصريين.»

وعلى ذلك كان يوجدُ في غُضُون هذا العهد «حزبٌ مصريٌّ» بصورةٍ ما وإنه لَمِنَ المحتمل إذا كان قد ذهب «ديوفانتوس» بتحريضٍ منه أو بموافقته ليصد التعديَ الفارسيَّ على «مصر»، غير أن المشاريع الرامية إلى عقد معاهدة مع «مصر» وهي التي قَدَّمَها هذا الحزبُ إلى «التربيون» (مجلس النواب)؛ لم تَلْقَ نجاحًا من الشعب الأثينيِّ، على أنَّ ذلك لم يَكُنْ يعني أن أهل «أثينا» كانوا في أغلبيتهم يميلون إلى الفرس، ولكن كان من الممكن أن كثيرًا من المواطنين الآثينيين كانوا يخشون وُقُوعَ ارتباكاتٍ مع الفُرس، كما حدث في عام ٣٥٤-٣٥٣ق.م.

ومن الممكن كذلك أن «أثينا» — مع المحافظة بكل أنفة على كل حقوق الإغريق لحريتهم بالنسبة للملك العظيم — كانت تنشد الموافقةَ على بقاء الحالة كما هي في داخل الإمبراطورية الفارسية؛ ولذلك قد خطأت كُلَّ اضطرابٍ مِن شأنِهِ تمزيقُ أواصرِ هذه الإمبراطورية، وقد كان «ديموستين» من أجل ذلك يرى أن «مصر» كانت تؤلف جُزْءًا من الإمبراطورية الفارسية، ويُلحظ ذلك من قوله: عندما كان يجيب أولئك الذين يميلون إلى «مصر» لا يجهل إنسان أن هؤلاء (يقصد أهل «رودس» الذين كان يبحث على تأمين حريتهم بتدخُّل الأثينيين) إغريق في حين أن الآخرين (أي المصريين) يؤلفون جُزءًا من الإمبراطورية (Demos., XV, 5).
ومن ثم هل تفهم من عبارة «ديموستين» هذه أنه كان لا يعترف باستقلال «مصر»؟ وبعد هذه العبارة بقليلٍ يضيف قائلًا: إذا كان الملك قَدْ سمح له بأن يكون في مجلسه، فإنه كان يحرِّضُهُ على المحارَبة من أجل ممتلكاته؛ إذ كانت تهاجمها إغريق (Diod. Ibid. XV, 7)، وبعِبارةٍ أُخرى: فإن مهاجمة الملك العظيم أو المساعدة على مهاجمتِهِ كما فعل القائد «ديوفانتوس» بالمحافظة على حرية «مصر» التي كانت فيما سبق ضمن أملاك «فارس»؛ يُعَدُّ شيئًا واحدًا، ومِنْ ثم يظهر أنَّ القائدَ «ديوفانتوس» لم يكن — بأية حال من الأحوال — مبعوث أهل «أثينا» في «مصر» حتى ولو بصفة ودية، بل قد يكون ممثلًا للحزب المصريِّ اليوناني في «أثينا»، هذا بالإضافة إلى أن عمله هذا قد استُنكر رسميًّا بجزء كبير من الرأي العام الأثيني.
هذا، ولدينا ما قد يؤكد هذا الاستنباط: ففي الربيع التالي عام ٣٥٠ق.م تدخل «فوسيون Phocion» الأثيني لمصلحة ملك الفرس على أهل «قبرص» على رأس جيشٍ قِوامُهُ ثمانية آلاف من المرتزقين (Diod. XVI, 42, 7–9)، ومثل هذا التدخُّل لا يقل عن تَدَخُّل «ديوفانتوس».
وعلى أيَّة حال فَإِنَّ مهارة «ديوفانتوس» هذا مضافةٌ إلى مهارة القائد «لامياس» قد ثبتت أحوال الفرعون «نقطانب» تثبيتًا باهرًا، وإذا كانت الجائحةُ التي حَلَّتْ بالملك «نقطانب» الثاني فيما بعد في عام ٣٤٢ق.م، وهي التي على أثرها قد فَرَّ إلى بلاد «كوش» وقد كان مِن جَرَّائِها في المستقبل البعيد أن أُلِّفَتْ روايةٌ خاصةٌ تَحُطُّ من قدره، قاضية بالحق وبالباطل على كبرياء هذا الأمير المهزوم، وما فطر عليه من جبن، (راجع: Revillout, Revue Egyptol. p. 61-2) فإنه مع ذلك يظهر بعد الانتصارات التي أحرزها قُوَّادُهُ الإغريق يستحق بحق المدائح التي أغدقها عليه كهنةُ «سايس» وهم الذين — بطبيعة الحال — كان قد خصص لهم عُشْرَ الضرائب التي كانت تُجبى مِن «نقراش»، وعلى ذلك كان يمكنُهُ أن يظهر كما لم يحدث من قبل بأنه «الملك القوي الذي يمنح «مصر» السلام والجدار البرنزي الذي يحمي بلاد «كمى» والعظيم الشجاعة … ورب السيف الذي يدخل الرعب في النفوس عندما يصوب نظره نحو الأعداء»، (راجع: Stele de Naucratis, p. I. 2-3; Baillet, 128, Maspero., etc.).
ولكن هذا الجدار البرنزي كان لا بد له أن يهزم يومًا ما، ومنذ السنة التالية لهذا النصر بدأ الحظُّ يقلب له ظَهْرَ المجن، وقد كان للإغريق الذين ساعدوه بنصيبٍ في ذلك أثرٌ واضح، وذلك أنَّ الصدمةَ التي صدم بها «أوكوس» على يد المصريين في عام ٣٥١ق.م قَدْ شجعتْ قيامَ العصيان في «فنيقيا» وفي الدويلات الصغيرة في «قبرص» (Diod. XVI, 40, 5;41 etc.) وقد ولى العصاة وجههم شطر الفرعون سواء أكان قد أراد أم لم يرد أن يمد نفوذه خارج حدود «مصر»، وعلى ذلك أرسلوا رسولًا إلى «نقطانب» لمساعدتهم على الخلاص من يد الفرس، وأن يكون حليفًا لهم، وعلى أثر قبوله أخذ في الاستعداد للحرب (Diod. 41, 3).
ولم يمضِ طويلُ زمنٍ حتى غادر الديارَ المصرية أربعةُ آلافِ جنديٍّ من الإغريق المرتزقين، وعلى رأسهم «منتور» القائد الروديسي؛ وذلك لمساعدة ملك «صيدا» المسمى «تنس Ten nes»، على طرد شطربة الفرس من «فنيقيا» (Diod. 42, 2)، والآن يتساءلُ المرءُ هل كان يجدُ في هذا العمل الأخير أنه كان رجلًا محبًّا للفتح، وبخاصة بعد أن سكر بخمرة النصر الذي ناله على الفُرس، وإن كان ذلك عودة إلى سياسة «تاخوس» الذي كان يرمي إلى توسيع رُقعة بلاده؟ ولا شك أن هذا لم يكن الواقع؛ وذلك لأن المبادرة في هذه الحرب الجديدة لم تكن من جانبه، بل جاءت من جانب الفنيقيين، فهم الذين طلبوا إبرام معاهدة بينهم وبين «نقطانب»، وفضلًا عن ذلك لم نَرَ في مجرى الأمور أن «نقطانب» قد فَكَّرَ في الإفادة لمطامعه الشخصية من هذا النصر المشترك؛ إذ نلحظ أنه لم يغادر «مصر» إلى «فنيقيا»، بل تَرَكَ لقائدِهِ الروديسي قيادةَ الجيش الذي أرسله للمساعدة على هزيمة الفرس، يضاف إلى ذلك أن النجدة التي أرسلها كانت ضئيلة، إذا ما قرنت بالجيش الذي أرسله «تاخوس» عند غزوه «فنيقيا»، و«سوريا» على رأس جيش قوامه ٩٠ ألف مقاتل منهم عشرة آلاف من الإغريق وثمانون ألفًا من المصريين، في حين أن خلفه لم يرسل إلا أربعة آلاف من المرتزقين، وعلى ذلك فإنه من الطبيعي أن ما فعله «نقطانب» الثاني في هذه الحالة لم يكن — في الواقع — للدفاع وحسب، وذلك أن تحرير «فنيقيا» يُبعد عن البحر المتوسط وعن «مصر» تهديد الفرس، ومن ثم تكون انتصارات «منتور»، الروديسي تتويجًا للانتصارات التي أحرزها القائدان «لامياس» و«ديوفانتوس».

ومما يؤسف له جد الأسف أن «نقطانب» بدلًا من أن يحاول بعمله هذا فتحًا جديدًا لمصر، فإنه قد ذهب لخلق تهديد جديدٍ لبلاده على يَدِ حليفِهِ ملك «صيدا»، فقد خانه كما سقط كذلك حربيًّا في أعيُن الجنود المرتزقين الذين أرسلهم إلى «فنيقيا».

ولَمَّا رأى ملك «صيدا» ما سيَحيقُ به من جيش الفُرس الجبار؛ تفاوض سرًّا مع الملك العظيم، وقد عرض عليه أن يسلمه «صيدا» ويساعده على هزيمة «مصر» وإخضاعها للحُكم الفارسي، وذلك لِما لديه من معلوماتٍ دقيقة عن نهر النيل والإقليم الذي يُحيط به، وقد قبل ملك الفرس ذلك على الفور بالفرح والسرور، وقد رأى «تنس» قبل أن يقع فريسة في يد «أوكوس» أن يكاشف القائد «منتور» الروديسي رئيس الجُنُود الإغريق المرتزقين الذين أرسلتْهم «مصر» بالمؤامرة التي دَبَّرَها، وقد انضم إليه الأخيرُ، وبفضل «منتور» هذا الذي كان يُشرف على حراسة جُزْءٍ من المدينة، وكذلك بفضل جُنُوده المرتزقين دَخَلَ الملك العظيم مدينة «صيدا» يرافقُهُ «تنس»، وعلى أثر ذلك انتشر الرعبُ في المدن الأُخرى ووضعت سلاحها أمام قوة الفرس (Diod. XVI, 45, 1–6).
ومن ثم نرى أن تدخل «نقطانب» للمساعدة قد انقلب عليه فحَرَمَه من أربعة آلاف من خِيرة الجنود المرتزقين، وكذلك من مستشار حربي وسياسيٍّ محنك هو «منتور» الذي بخيانته هذه قد فتح للفرس طريقًا إلى «مصر»، أما الطريق الأُخرى المؤدية إلى «مصر» فهي جزيرة «قبرص»، فقد سقطت تقريبًا في نفس الوقت (٣٥٠ق.م)، وذلك بفضل مجهودات إغريقيٍّ آخرَ هو «فوسيون» (Diod. XVI, 42, 7–9).
وهكذا، نجد في مدة سنة واحدة أن شجاعة الجنود والقُوَّاد الإغريق وخيانتهم قد قلبتْ ظهر المجن لمصر، ولعبتْ دورها في تقويض سُلطان الفرعون، وتدلُّ الأحوالُ على أنَّ إخضاع «فنيقيا» وجزيرة «قبرص» قد مَهَّدَ الطريقَ إلى الحملة الفارسية الفاصلة على «مصر»، وقد اتخذت أولًا العمليات السياسية التي سبقت الحملة ومهدت لها، وقد أرسل عاهل الفرس «أوكوس» يطلب مساعدة أهم البلاد الإغريقية على «مصر»، وقد لَبَّى الدعوةَ بعض هذه المدن مثل «طيبة» و«أرجوس»، ووعدتا بإرسال المدد العسكري الذي طلب إليهما (راجع: diod. XVI, 44, 1-2)، في حين أن بعض المدن الأخرى — وبخاصة «أثينا» و«أسبرتا» — قد وعدت باتخاذ خطة الحياد (XVI, 44–1).

ويتساءلُ الإنسانُ هل طلب مبعوث ملك الفرس من «أثينا» و«أسبرتا» نفسَ المساعدة التي طلبها إلى «طيبة» و«أوجوس»، أم كان يرى أن مثل هذا الطلب لا يُمكن أنْ يحوز أيَّ قبول؛ ولذلك طلب إلى كل منهما أن تُحافظ على التقاليد كما أكد لنا ذلك ما ذكره «ديديموس»؟

والواقعُ أنه ليس لدينا أيُّ سببٍ يحملنا على الميل لأيٍّ مِن هاتين النظريتين، بل ينبغي علينا أنْ نَقتصر على الملاحظة التالية، وهي: أن المملكتين القويتين اللتين قد اتخذتا هكذا خطة الحياد بين «مصر» وبلاد الفُرس، ويحافظان في «أوروبا» على قوتيهما البحرية والبرية، هما بالضبط هاتان المملكتان اللتان كان التهديدُ من جانب «مقدونيا» قد ضغط عليهما بخطورة بالغة، فقدْ برهن لنا «ديموستين» (Diod. VI 9, 15–19)، أنه بالضبط في عام ٣٤٤-٣٤٣ق.م كان الملك «فيليب» المقدوني والد الإسكندر الأكبر يتبع نحو «أثينا» خطة عداء خطيرة، وذلك في الوقت نفسه الذي كان يُساعد فيه «مسينا» على «لاسيدمون».
هذا، وتقرأ في نفس الخطبة التي ألقاها «ديموستين» أن «فيليب» كان على وُدٍّ ومصادقة مع «أرجوس» و«طيبة»، وقد أظهر ذلك لهما في خلال الحرب المقدسة، (Diod. VI, 7, 9, 11, 15, 18, 19)، وعلى ذلك كان في مقدور هذَين البلدَين أنْ يَتَصَرَّفَا فيما لديهما مِن جُنُود بإرسالهم إلى ساحة القتال الآسيوية والإفريقية، وبذلك تمتد المحالفة التي جمعت بينهما في مناسبات مختلفة على «لاسيدمون» والفوسيين، وبخاصة في عامي ٣٥٣–٣٤٦ق.م.
وقد وضع الطيبيون تحت تصرف الملك «أوكوس» ألف مقاتل من المشاة، وعلى رأسهم القائد «لاكراتس» وأرسلت «أرجوس» ثلاثة آلاف جندي، وقد تركت لملك الفرس تعيينَ القائد عليهم بنفسه، فنصب عليهم قائدًا يُدعَى «نيكوستراتوس Nicostratos»، وهو شخصيةٌ غريبةٌ في منظرها؛ فقد كان معجبًا بطول قامته الهركولية، وكان يرتدي جلد أسد ويتسلح بمقمعة في ساحة القتال، ومع ذلك فإن «ديودور» يعلن عنه في صراحة تامة «أنه كانت له قيمة محترمة في ساحة القتال وفي المشورة»، وأخيرًا نجد أن إغريق آسيا الصغرى الذين كانوا حلفاء الفرعون «تاخوس» قد أرسلوا ستة آلاف جندي من المرتزقين إلى جيش الملك العظيم، (Diod. XVI, 44, 2–4). على أن جيش الفرس نفسه كان عرمرمًا؛ فقد كان يحتوي على ثلاثين ألف مقاتل من المشاة، وثلاثين ألف مقاتل من الفرسان، وثلاثمائة سفينة حربية، وخمسمائة سفينة من ناقلات الجنود (Diod. XVI, 40–6).

وإذا كُنا نجدُ أنه منذ الحملة العظيمة التي أرسلها ملك الفرس على «مصر» عام ٣٧٤ق.م، وهي التي جَهَّزَها في عدة سنين لم يزد عددُ السفن البحرية؛ فإننا مِن جهةٍ أُخرى نجد أن عدد الجُنُود المشاة، قد زاد على ثلاثة أضعاف ما كان عليه، والآن يتساءل المرءُ: ما هي القوة التي أعدها «نقطانب» لمحاربة القوة الفارسية الإغريقية؟ لقد وضع «نقطانب» في ساحة القتال عشرين ألف مقاتل من الجُنُود الإغريق المرتزقين، ومن المحتمل أنَّ القائدَ الذي كان على رأسهم هو «كلينياس» صاحب «كوس»، هذا إلى عشرين ألفًا من الجنود اللوبيين، وستين ألفًا من المصريين، وهذا الإحصاء يدل على أن الجنود المصريين كانوا أَقَلَّ بكثير مما كانوا عليه في عهد الملك «تاخوس»، وهؤلاء الستون ألفًا من الوطنيين كان يظهر عليهم أنهم كانوا قد دربوا على فنون الحرب أكثر من الغوغاء الذين كان قد جمعهم المدعي المنديسي.

وأخيرًا لم يظهر أن «نقطانب» قد حاول أن يحافظ على قوته البحرية أو يجعلها متفوقة، ولم يشر المؤرخ «ديودور» إلى أن «نقطانب» قد بنى سفنًّا حربية، حقًّا أن ثلاثمائة السفينة الحربية التي كان يملكها عاهل الفرس لم يكن يضارعها أسطول «تاخوس» البحري الذي كان يبلغ مائتي سفينة ولم يكن قد بلغ هذا العدد في عصر أي فرعون من فراعنة هذا العصر، ومع ذلك لم يكن في مقدوره أن يغلق الطريق في وجه الأسطول الفارسي إلا بكل صعوبة، ومن ثم نفهم أن السيادة البحرية، كانت في يد الفرس كما كانت الحال في عهد «نقطانب» الأول (٣٧٢ق.م)، ويُلحظ أن «نقطانب» الثاني قد رفض أي سياسة أو خطة هجومية؛ ولذلك كان عليه أن يقوم ببناء أُسطول نهري ليحارب العدو على النيل، ويقول «ديودور»: إن هذا الأسطول كان يحتوي على عدد من الوحدات لا يمكن تصديقُهُ، وأخيرًا نجد أنه قد ضاعف عدد التحصينات، هذا بالإضافة إلى تحصين كل فُرُوع النيل للدفاع وبخاصة الفرع البلوزي الذي كان مُعَرَّضًا لأول هجوم، وقد أُقيمتْ فيه عدةُ حُصُون وحواجز وخنادق (راجع: Diod. XVI, 46-7, 47, 6-7).
وقد كان كل شيء قد نظم لمجرد الدفاع عن الحدود وحتى في داخل الدلتا، وعلى أيَّة حال لم تتركزْ كل قوة «نقطانب» البالغة مائة ألف مقاتل في كتلة واحدة، بل نجد أن مصبات النيل قد مُدَّتْ بحاميات قوية وقد قاد الفرعون نفسه ثلاثين ألف مقاتل من المصريين وخمسة آلاف من الإغريق وألفين وخمسمائة من اللوبيين لحراسة الأماكن التي كانت هدفًا صالحًا للغزو، (Diod. XVI, 48, 3)، وتدل شواهد الأحوال على أنه من المحتمل أن جيش «نقطانب» الذي كان أمامه جيشٌ من الفرس يَزيد على ثلاثة أضعافه، كان مبعثرًا بعض الشيء، وإذا كانت قد ارتكبت أخطاء في هذا الصدد الآن، وفي العمليات السابقة فمَنْ كان المسئولُ عن ذلك؟ والواقعُ أنَّ ما ذكره «ديودور» يدل على اتهام «نقطانب» في ارتكاب هذه الأخطاء بشدة فيقول لنا «ديودور» إنه في عام ٣٥١ق.م كان الفرعون قد ترك لقائديه الإغريقيين «لامياس» و«ديوفانتوس» الحرية التامة، لكن في عام ٣٤٢ق.م نجد أنه قد ظن في نفسه أنه قائد ممتاز؛ ولذلك لم يشرك أيُّ فرد معه في إدارة الأعمال الحربية؛ وذلك لأنه كان لا يزال سكرانًا بانتصاراته السابقة، وقد كان مِنْ جَرَّاء ذلك أن عدم قدرته الحربية قد عاقتْه عن اتخاذ أية إجراءات صالحة لقيادة الحرب (Diod. XVI, 48, 1-2)، وهذا الحكم قد يمكن أن يكون سببُهُ الكارثةُ التي حَلَّتْ بالملك «نقطانب»؛ إذ الواقعُ أنَّ التقاليدَ تَميل بسهولة إلى نسبة اللوم إلى المهزومين.

وقد يكون من الممكن جدًّا — وبدون أي شك — أن «نقطانب» بسبب كبرياء نفسه أو لأنه كان يخاف خيانةً كالتي حدثت في عامي ٣٥٩، ٣٥٠ق.م؛ قد وضع تحت تصرفه العمليات الحربية التي كان يقوم بها قواده الإغريق، وبذلك يكون قد ارتكب أخطاء، وهذا جائزٌ جدًّا والظاهرُ أنه كان قائدًا عاديًّا جدًّا في الخطط الحربية، وهذا ما يَميل المؤرخ «بلوتارخ» إلى إظهاره في قصته في الخطط الحربية، وهذا ما يميل المؤرخ بلوتارخ إلى إظهاره في قصته المفصلة التي رواها عن الحرب التي وقعتْ في عام ٣٥٩-٣٥٨ق.م، ولكن من المبالغة أن تتهمه بأنه لم يتخذ أي إجراء مفيد في الحرب، ولا نزاع في أن الوصف الذي تركه لنا «ديودور» نفسُهُ عن الاستعدادات التي قام بها للدفاع عن البلاد تَكفي لبراءته من مثل هذا الاتهام.

كانت الفترةُ الأُولى من عام ٣٤٣ق.م هي الوقت الذي زار فيه سفراءُ الملك «أوكوس» البلاد الإغريقية، وقد كانت مخصصةً للاستعدادات النهائية لإعلان الحرب، وعندما جمع ملك الفرس كل قواه الآسيوية والأوروبية زحف على «مصر» بطريق بادية الشام عام ٣٤٣-٣٤٢ق.م، وقبل أن تصل الحملة إلى النيل الشرقي اعترضتها مستنقعات «سربونيس Serbonis» التي كانت مياهُها البعيدة الغور تظهر في صورة أرض صلبة، وذلك بسبب الموجات الرملية التي نشرها الهواء على سطحها (Diod. 1, 30, 4–6).
وفي هذه الرمال المشبعة بالمياه قد ترك جزء من جيش «أوكوس»، وبعد ذلك زحف حتى وصل إلى أمام «بلوز» الواقعة عند نهاية فم النيل الذي كان محصنًا تحصينًا مكينًا، وقد عسكر الفرس على مسافة أربعين استادًا من هذا المكان، وعسكر الجنود المرتزقة بجانب القناة التي كانت تحمي أطراف «بلوز»، (Diod. XVI, 46, 6).
وكانت قلعة «بلوز» تحتوي على حامية مؤلفة من خمسة آلاف رجل يقودهم «فيلوفرون Philophron»، وقد قال «ماسبرو» إنهم خمسة آلاف إغريقي، وهذا ممكن، غير أن متن «ديودورو» لم يذكر شيئًا عن ذلك، ومما لا شك فيه أنه كان يوجد إغريق في «بلوز» (Diod. XVI, 49–2)، ولكن التعبير الذي يعبر به عن جيش «فيلوفرون» الصغير (Diod. 46, 8)، ليس من الضروري أن ينطبق على الجنود المرتزقة وحسب فقد أطلقه «ديودور» على مشاة الفرعون «تاخوس» مثلًا، (Diod. XV, 92, 2).
وعندما أقام جيش «أوكوس» معسكره على مقربة من «بلوز» لم يكنْ قَدْ قَرَّرَ شيئًا على حسب رواية «ديودور»، ولم تكن قد اتخذت؛ أي استعداداتٍ للهجوم واقتحام مَصَبَّاتِ النيل، وفي صبيحةِ اليوم الذي كان قد نظمت فيه فرق الجيش ووزعت؛ حدث أولُ تصادُم بين حامية «بلوز» والجنود المرتزقين الطيبيين، وهؤلاء كانوا يتحرقون شوقًا لإظهار أنفسهم بأنهم أشجعُ جُنُود إغريق، وهكذا نجدهم وحدهم دون معين يقتحمون الخنادق العميقة التي تفصل معسكرهم عن أطراف المكان وانبطحوا أمام الجدران، وقد خرج عليهم رجالُ الحامية ونشبت بينهم موقعةٌ حاميةُ الوطيس، استمرت طول اليوم ولم تسفر عن نتيجة حاسمة، وقد فصل الظلامُ المتحاربين (Diod. 46, 9)، وفي اليوم التالي فقط (Diod. 47, 1 etc.)، نظم جيش الملك «أوكوس» نفسه للهجوم وقسم جيشه ثلاث فرق.
ويجوز لنا أن نتساءل فيما إذا كانتْ هذه العمليةُ الحربيةُ لم تكن قد سبقتْ وصولَ الجيش الفارسيِّ أمام «بلوز»، وسبقت الواقعة الأولى؟ والواقعُ أن هذه الواقعة قد دارتْ رَحَاهَا في سفح جدران «بلوز» بجنود الفرقة الطيبية التي يظهر أنها كانت منهمكة تمامًا في عمليات الحصار التي كانت قائمةً أمام هذا المكان بجنود الفرقة الأولى التي كانت تحتوي بالضبط على الجنود الطيبيين الذين كان يقودهم القائد «لاكراتس»، وهذه العملياتُ الحربيةُ لم يأتِ ذِكْرُها فيما رواه لنا «ديودور» إلا بعد ذلك بكثير جدًّا، (Diod. XVI, 49–7, etc.).
وهاك ترتيبُ ما ذكره: هجومٌ منفردٌ قام به الطيبيون على «بلوز» (Diod. 46, 8-9)، تقسيم الجيش الإغريقي الفارسي (Diod. 47, 1–5)، تعداد قوات «نقطانب» الثاني، وتقدير خططه وتنظيم دفاعه (Diod. 47, 5–7, 48, 1–3)، العمليات الحربية الناجحة التي قامت بها الفرقة الثانية، وهرب «نقطانب» إلى «منف» (Diod. 48, 3–7)، والأعمال الحربية التي قامت بها الفرقة الأولى — وهي الفرقة الطيبية — التي نصبت الحصار أمام «بلوز» (Diod., 49, etc.)، ومن ثم نفهم أن الحوادث كما وصفها «ديودور» لم يجعل فيها فاصل بين سلسلتي الأعمال الحربية التي قام بها الطيبيون أمام المكان (وهو أولُ تصادُم حدث وجهًا لوجه وأعمال الحصار)، غير أن هذه نظريةٌ يصعبُ فَهْمُها.
أما بقية قصة هذه الحملة فمفهومهٌ تمامًا، فبعد اجتياز الصحراء وصل جيش الملك العظيم «أوكوس» إلى أمام «بلوز» ونصب معسكره، وقبل أن تعمل أية تنظيمات قام جنود «طيبة» مدفوعين بالمحافظة على شهرتهم التقليدية، ويحتمل كذلك رغبتهم في التأكد من اجتياز القناة بسرعة، فعبروها واقتربوا من الجدران، وقد دارتْ بينهم وبين المصريين — في خلال ذلك — معركةٌ كان لهمُ الفوزُ فيها؛ فقد ثبتوا أقدامهم بصعوبة على الشاطئ الآخر للقناة وحاصروا القلعة عن كثب جدًّا، وفي اليوم التالي قسم قواد الجيش الإغريقي الفارسي جُنُودهم ثلاثة أقسام مؤلفين ثلاث جماعات، وقد ترك الطيبيون بطبيعة الحال في مكانهم مواجهين «بلوز» في ساحة القتال التي اختاروها لأنفسهم، وهناك سنجدهم فيما بعد، (راجع: Diod. XVI, 49–1).
وقد قسمت القوات الإغريقية على حسب المبدأ الآتي: كانت كل فرقة من الفرق الثلاث الإغريقية يقودها قائد إغريقي ومعه قائد فارسي (Diod. XVI, 47–1)، والواقع أن القواد الإغريق هم الذين قاموا بالدور الهام، ولكن ملك الفرس لم يكن يقصد — بطبيعة الحال — أن يترك قيادة هذه الفرق المرتزقة كلية في يد هؤلاء القُوَّاد، بل كان يراقبُهُم عن كثب وبخاصة الأفراد الذين لم يكن يطمئنُّ إليهم «منتور» الروديسي الذي خان الفرعون عام ٣٥٠ق.م — كما رأينا من قبل.
وكانت الفرقةُ الأُولى وهي التي نصبت الحصار أمام «بلوز» تحتوي أولًا على الفرقة الطيبية وعلى رأسها القائد «لاكراتس» الإغريقي والقائد «روزاكس» الفارسي الذي قيل عنه: إنه مِن نَسْل أحد السبعة الذين كانوا قد قلبوا حُكومة «ماجي» وشطربة «أيونيا» وبلاد «ليديا» (Diod. XVI, 47, 2)، وكانت هذه الفرقةُ تحتوي كذلك تحت قيادة «روزاكس» على مجموعة من الخيالة وعدد عظيم من المشاة الآسيويين، أما الفرقةُ الثانيةُ فكانت مؤلَّفة أولًا من الجنود المرتزقين الأرجيين يقودهم «نيكوستراتوس» الإغريقي والقائد الفارسي «أرستازانس»، وكان أقرب الناس ثقة إلى ملك الفُرس بعد «باجواس Bigous»، وكانت هذه الفرقةُ تحتوي خِلافًا لثلاثة الآلاف أرجيني على خمسة آلاف من خيرة الجنود بقيادة «أرستازانس» أيضًا، وقد كان تحت تصرفهم ثمانون سفينة (Diod. XVI, 47, 3).

وأخيرًا كان يرأس الفرقة الثالثة «منتور» الروديسي الإغريقي الأصل، وهو الرجل الذي سلم «صيدا» خيانة، وكان يقود في ساحة القتال جنوده المرتزقين الذين كان على رأسهم في عام ٣٥٠ق.م، وهؤلاء كان الفرعون «نقطانب» الثاني قد اشتراهم، وقد أصبحوا الآن يعملون على خرابه، وقد انتخب على رأس هؤلاء المرتزقين كذلك «باجواس» الذي كان يُعَدُّ أقربَ الناس للملك «أوكوس»، وكان رجلًا جريئًا لا يرعى إلًّا ولا ذمة، وسيجد سيده في شخص «منتور»، وقد كان يسير بأوامرَ خاصة من «باجواس» الرعايا الإغريق الذين في حوزة الملك، هذا بالإضافة إلى عدد عظيم من البربر؛ وكان يقود فضلًا عن ذلك عددًا عظيمًا من السفن، وبالاختصار نلحظ أن القواد الإغريق لم يكن في أيديهم أيَّةُ قيادة على الأقل رسمية أو ظاهرية على الرعايا الإغريق أو البربر التابعين للملك العظيم، أما القُوَّادُ الفرسُ فكان في يدهم جزءٌ من السلطة على الأقل رسميًّا في قيادة الفرق الهيلانية.

هذا، ونجد في النهاية خلف فرق الهجوم هذه احتياطيًّا عظيمًا من الجيش الفارسي مع الملك نفسه، الذي على ما يظهر لم يشترك فعلًا في العمليات الحربية، والدور الذي كان قد لعبه هذا الملك في حروب عام ٣٥١ق.م قد بُولغ فيه كما يدل على ذلك تهكُّمُ الكاتب «إسوكراتس» (Phll. 101)، وعلى أية حال نجد أن ما قام به في عام ٣٤٢ق.م كان دورًا فَعَّالًا محسًّا، وبعد تقسيم الجيش على هذه الصورة بدأت الأعمالُ الحربيةُ، وقد وضح لنا «ديودور» أولًا ما قامت به الفرقةُ الثانيةُ، (Diod. XVI, 48, 3 etc.)، وذلك أن القائد «نيكوستراتوس» كان يرشده في سيره أفرادٌ من الشعب المصري، كان قد أخذ الفرس أطفالهم ونساءهم رهينة إن هم خانوه؛ وقد أفلح بأُسطوله في الاستيلاء على جُزء من التحصينات المصرية، وبهذه الطريقة أمكنه أن يُعسكر في إقليمٍ بعيدٍ عن أنظار العدو، وقد كان لديه كل الوقت الكافي ليتحصن فيه (Diod. XVI, 48, 3)، فهل كان يا ترى يريد أن يهاجم المصريين بعد مدة؟ أو كان يريد أن يسحب الحاميات المجاورة التي كانت في أماكن قوية، ثم يسحقها سحقًّا أو كان يرمي إلى بَثِّ الذُّعر بتهديد قلب جيش العدو وجعله يتقهقر؟

والمؤكد في كل ذلك أن هذا القائد لم يكن المبادر في الدخول في موقعة؛ وذلك أنه عندما علم الجنود المرتزقة الذين كانوا يحرسون الإقليم محمد ريال الله رالمجاور بوجود العدو؛ أسرعوا بقيادة «كلينياس» صاحب «كوسي»، وكان عددُهُم سبعة آلاف مقاتل، وقد نشبتْ موقعةٌ حاميةُ الوطيس، وقد كانت هناك كذلك شجاعة الإغريق فاصلة؛ إذ يقول لنا «ديودور»: إن شجاعة الأرجيين قد منحتهم النصر، ولكن لا بد أن نُضيف أسبابًا أُخرى للحصول على هذا النصر؛ وذلك أن متانة الموقع الذي اختاره وحصنه القائدُ «نيكوستراتوس»، ويحتمل كذلك بعض التفوق في عدد الجنود الإغريقية الفارسية؛ قد ساعد على هذا النصر.

وعلى أية حال فإن الفرقة التي كان يقودها «نيكوستراتوس» بالإضافة إلى ثلاثة آلاف من الأرجيين، قد احتوت خمسة آلاف من خيرة البربر، وقد خر صريعًا من جيش «كلينياس» أكثر من خمسة آلاف رجل في هذه المعركة، وعندما أخبر «نقطانب» بهذه الهزيمة ووجد نفسه قد كُشف خارتْ عزيمتُهُ، وخيل إليه وقتئذٍ أن سائر جُنُود العدو سيذهبون بدون أية صعوبة لاقتحام النهر ويحملون حملة واحدة على «منف»، وهذا هو نفسُ التهديد الذي كان قد حدث في عام ٣٧٤ق.م، وقد جُدد الآن، ولكن في هذه المرة لم يقاوم المصريون؛ إذ في عام ٣٧٤ق.م قد امتد أَمَدُ الغزو بعد الاستيلاء على الحصن مما سمح للملك «نقطانب» الأول أن يحصن «منف» وأن يقوم بهجوم معاكس باهر، ولكن في عام ٣٤٢ق.م نجد أن «نيكوستراتوس» على الرغم من أنه قد نال النصر لم نشاهده على ما يظهر قد أبدى جرأة أكثر من التي أظهرها «فارنابازوس» بالتقدم إلى الأمام، وفي هذا الموقف نجد أن «نقطانب» بدلًا من أن يقوم بهجوم للانتقام عاد إلى «منف» مع جنوده الذين كانوا تحت إمرته مباشرة، وتحصن هناك ولم يتحرك منها، (Diod. XVI, 48, 6-7).
وهذا التقهقر السريع الحاسم لم يحرم أرض الدلتا من جيش هام وحسب، بل كان من جرائه انهيار ركن من أقوى الأركان للدفاع عن «مصر»، وفي أثناء قيام القائد بتنفيذ حركة التفاف لم يكن القائد «لاكراتس» خاملًا أمام حصون «بلوز»، وقد كان في مقدوره أن يتحرك بحرية في القناة كما كان مسيطرًا على الأطراف القريبة من المكان، غير أنه مع ذلك كان عاجزًا عن القيام بهجوم جبار لكسر قوة الحامية؛ ولذلك نجد أنه صمم على محاصرة القلعة حصارًا منظمًا، (Diod. XVI 49, 1)، ومن أجل ذلك حول جزءًا من مياه القناة، وعمل سدًّا في عرضه، ونقل بواسطته الآلات التي كانت لازمة لتحطيم جدران الحصن، وقد هدمت هذه الجدران إلى مسافة طويلة، غير أن المحاصرين قد تمكنوا من عمل غيرها بسرعة عظيمة، وبنوا برجًا هامًّا من الخشب، (Diod. XVII 49, 1).
وقد استمرت المعركة حول جدران الحصن وشرفاته لمدة مِن الزمن، وقد كانتا لحامية تحتوي في مجموعها — أو بالأحرى في جزء منها — على جُنُودٍ مرتزقين من الإغريق، وهم الذين صَدُّوا هجمات «لاكراتس»؛ غير أن هرب الفرعون إلى «منف» قد كشف الجزء الخلفي من الحصن، وهنا نجد أن الرعب قد استولى على المحاصرين؛ ولذا فإنهم طلبوا المفاوضة مع العدو للتسليم، (Diod. XVI, 49–2).

وعلى ذلك يجوز لنا أن نظن أن مبادرة «نيكوستراتوس» وانتصاره كانا أَهَمَّ بكثير من مهارة «لاكراتس» ونشاطه، وبذلك سقطت «بلوز»، وفي هذه الحالة على الأقل كما قيل قد أدى اندفاع «نيكوستراتوس» الموفق إلى إنزال ضربة قاسية غير مباشرة بالفرعون.

وقد قابل «لاكراتس» بالترحاب مفاوضات المحاصرين ووعد الإغريق بالأيمان أنه عند تسليم القلعة يكون في إمكانهم كلهم العودةُ إلى بلاد الإغريق حاملين معهم أمتعتهم، وبعد ذلك دخل «بلوز»، ولكن كان فتح الإغريق للمدينة لتصير في قبضة الملك العظيم، وعلى ذلك أرسل «أوكوس» إلى «بلوز» «باجواس» الذي كان موضع ثقته يصحبه عدد عظيم من البرابرة ليستولوا على المدينة، وقد وصل «باجواس» في الوقت المناسب ليُسهم في رحيل إغريق الحامية، وقد سلب منهم الفرسُ عددًا عظيمًا من أشيائهم التي حملوها معهم، ولم يسع «لاكراتس» أمام احتجاجات الإغريق إلا أن يتدخل وأجبر البرابرة على الفرار، بعد أن قتل منهم بعضَ الجنود، وقد عرض «باجواس» هذا الأمر على «أوكوس» متهمًا «لاكراتس» رسميًّا، غير أن الملك «أوكوس» لم يوافقْ على العقاب الذي أنزل بجنود «باجواس» وحسب، بل أمر بقتل السارقين (Diod. XVII, 49, 4–6).
والآن يتساءل المرء: هل هذا الحكم الذي أصدره أمير كان معروفًا عادة بالقسوة والخيانة؛ قد صدر عن شُعُور خالص بالعدالة؟ وعلى أية حال نعلم أن غرضه كان عدم الرغبة في صدم شعور «لاكراتس»، والمهم في كل ذلك كان الاستيلاء على «بلوز» التي عَدَّها الملك منذ ذلك الوقت أحدَ مفاتيح القلعة المصرية، ولكن هناك قد انتهتْ حدود نتائج النصر الذي ناله «نيكوستراتوس» في «مصر» فقد كانت هناك نتائجُ ضخمةٌ وفاصلةٌ في هذه الحملة نال شرفَها رجلٌ آخرُ؛ وأعني به: «منتور» الروديسي الذي قاد بصحبة «باجواس» الفرقة الثالثة من الجيش الإغريقي الفارسي، فإليه يرجع الفضل بما أبداه من سياسة ملتوية أكثر مما أظهر من مهارة أو أعمال حربية قوية، فقد عرف كيف يجمع عددًا عظيمًا من المدن تحت لواء الملك وفي طاعته ونال فخار هذا النصر العظيم، وقد حَصَّنَ مركزه الشخصيَّ بنيل ثقة الملك «أوكوس»، ولما كان يعرف أكثر من القواد الآخرين بما له من تجارب بخدمته تحت إمرة «نقطانب» أنه لن يكون هناك اتحاد تام بين العنصرين اللذين يتألف منهما الجيش المصري، وهما الشعبان اللذان يتألف منهما حاميات المدن المصرية؛ أي الجنود المرتزقة الإغريق والجنود الوطنيين (Diod. XVII, 49–6)؛ فقد أخذ في العمل على بَثِّ الأحقاد وإثارة الفتن بينهما؛ بغية أن ينال فائدة من ذلك، وهكذا نجد أنه بوحيٍ منه أخذت تنتشر شيئًا فشيئًا الشائعاتُ التالية: أن أولئك الذين يسلمون أماكنهم عن طيب خاطر سيعاملهم الملك معاملة سخية، أما أولئك الذين سيلجئون إلى القوة فسيصيبهم ما أصاب صاحب «صيدا» (Diod. XVI, 49, 7-8).
والواقع أن هذا التهديد كان جد حاذق فقد أزعج بطبيعة الحال على الأقل جزءًا محسًّا من المحاصرين، وأصبحوا يرغبون بشدة في التسليم، وقد كان المصريون بوجه خاص أكثر تَعَرُّضًا وأكثر إجرامًا في عيني ملك الفرس من الأجانب الذين كانوا في خدمة الأمير العاصي، وعلى ذلك كان لزامًا عليهم أن يخضعوا مسلمين مدنهم، وسنرى أن هؤلاء هم الذين طلبوا المفاوضات الأولى؛ أما الإغريق فإنهم — على العكس — كان في مقدورهم أن يُنقذوا وظيفتهم بشدة بوصفهم جنودًا مرتزقين، ومن هنا بطبيعة الحال نشأ عدمُ الثقة والخلافات بين الفريقين، مما سبب شَلَّ حركة المقاومة، والواقعُ أنه يُفهم مما جاء في «ديودور» أن الإغريق قد قاموا من جانبهم بالمفاوضة لصالحهم (Diod. XVI, 49–6)؛ ومن ثم قامت اضطراباتٌ وخلافاتٌ في صالح المحاصر، ولقد كان مِن جراء انتشار الشائعة التي قذف بها «منتور» أن ثبتت في وقت قصير الفرقة بين العنصرين، وزادت شقة الخلاف بينهما (Diod. 49, 8)، وقد أعطت «بوبسطة» المثل في الخُرُوج من الحرب، وذلك أنه عندما كان معسكر كل من القائدين «منتور» و«باجواس» قد نصب أمام تحصينات هذه المدينة بدأتْ مفاوضات التسليم، وقد كانت المبادرة من جانب المصريين، وذلك على حساب الجنود المرتزقين، وكان ما يخشونه من الملك هو انتقامُهُ، وما يرجونه هو تسامحُهُ، وقد خاطبوا ثقته «باجواس» في أمر المفاوضة (Diod. XVI, 50, 1).
غير أن الإغريق كانوا يَشُكُّون في أمرهغير أن الإغريق كانوا يَشُكُّون في أمره، وقد أفلحوا في القبض على الرسول، وانتزعوا منه الاعتراف بالحقيقة، وعندئذ ثار غضبُهُم وانقضُّوا على المصريين فجرحوا منهم بعضَ الأفراد وقتلوا آخرين، ثم قذفوا بالباقين في ناحية من المدينة، وعلى أية حال لم يكن في مقدورهم أن يمنعوا أعداءهم من إخبار «باجواس» بالحادث، ودعوته للحضور والاستيلاء على المدينة بأسرع ما يمكن (Diod. XVI, 50, 2-3)، ولكن الإغريق في قرارة أَنْفُسهم — كما يُفهم مما رواه لنا «ديودور» منذ بداية قصته عن ذلك، (Diod. XVI, 49, 8) — لم يكونوا مدفوعين بعزيمةٍ قويةٍ للمقاومة، وسواءٌ أكانوا يأملون في مفاوضة حاسمة لمصلحتهم الشخصية، أم كانت حالة المصريين قد نزعت من نفوسهم كُلَّ أمل في الخلاص، وأنهم كانوا يخافون عدمَ قُدْرتهم على منع وُقُوع خيانة، فإنهم قد قرروا من جانبهم فتح مفاوضة بوساطة «منتور»، (Diod. XVI, 50, 3)، وقد كان جُلُّ ما يرغب فيه «منتور» هو تسليمُ «بوبسطه» دون حرب، غير أن مفاوضات المصريين مع «باجواس» قد هددت مطامع «منتور» الذي خاف أن تسليم المدينة رسميًّا إلى «باجواس»، وقد كان هذا الروديسي يريد أن يجني لنفسه شرف هذا الفتح، ولكن بمهارة فائقة عرف كيف يتحاشى هذا الخطر.
وفي الوقت نفسه نجد أن هذا الخطر — بعينه — قد جلب عليه فائدة لا تُقدر، وهي الاعتراف بالجميل والمحبة له من جانب أكبر ثقة عند «أوكوس»؛ فقد دعى «منتور» في سرية تامة الإغريق الذين في «بوبسطة» ليتفاوضوا معه، وقد أشار عليهم أن يتركوا «باجواس» يدخل المدينة ثم ينقضون على البربر الذين بصحبته، وقد دخل جزءٌ مِن جُنُوده في داخل جدران المدينة أغلق الإغريقُ الأبواب وذبحوا كل الفرس الذين دخلوا واستولوا على «باجواس» (Diod. XVI, 50, 3-4)، وعلى ذلك لم يكن لدى «باجواس» الذي فاوض المصريين أي أمل إلا أمل واحد وهو استعمال «منتور» كل ما لديه من نفوذ على الإغريق الآخرين وعندئذ أَذَلَّ نفسه معترفًا بالخطأ الذي ارتكبه، وهو المفاوضةُ منفردًا مع المصريين دون أَخْذِ رأي «منتور»، ووعد أن يستشيره دائمًا في المستقبل، ورجاه أن يخلصه من هذه المصيبة، وعلى أثر ذلك أطلق الإغريقُ سراح صديق الملك بوحيٍ من «منتور»؛ وكذلك كان بفضل «منتور» أن سلم الإغريقُ «بوبسطه».
وهكذا، نرى أن كل فخار تلك العملية قد عاد على الروديسي الماكر، وقد كسب بذلك لُبَّ «باجواس» أبديًّا. ويقول «ديودور»: إنه قد نَشَأَ بين الرجلين محبةٌ وثيقةُ العرى، أكدتْها أيمانٌ متبادلةٌ بينهما، (Diod. XVI, 50, 5–8)، وقد كان من جراء خضوع «بوبسطه» أن سلمت مدنٌ أُخرى استولى عليها الفزع والهلع.
ولَمَّا رأى «نقطانب» ما صارتْ إليه حالُ المدن المصرية، وقد كان يعمل من «منف» على غزو الدلتا؛ فإنه لم يجسر أنْ يخاطر بكل شيء بالدخول في موقعة في العراء، ومن أجل ذلك فَضَّلَ النزولَ عن الملك، ووصل إلى بلاد النوبة حيث حمل معه إلى هناك الجزءَ الأعظمَ من كنوزه، (Diod. XVI, 51, 1)، وبعد ذلك اجتاح الفاتحون الفرس «مصر» فهدمت تحصينات المدن وانتزع كل ما في المعابد من ذهب وفضة، وكذلك سلبتْ سجلاتها التي كان «باجواس» يأمل أن يجبر الكهنة يومًا على شرائها مرة أخرى بمبالغ باهظة، وقد ولي أمر الحكم في «مصر» فرانداتس Phrandates ووضع بذلك «مصر» تحت النير الفارسي في حين أن الجنود المرتزقين قد عادوا إلى أوطانهم محملين هم وقوادهم بالهدايا، وهؤلاء كانوا أحسن صناع للنصر الذي ناله «أواكوس»، (Diod. XVI, 51, 2).

وهكذا قُضي على استقلال المملكة الفرعونية بعد أن تمتعت به أكثر من ستين عامًا بعد طرد الفرس أول مرة، وفي خلال تلك المدة الطويلة كان تأثير بلاد الإغريق يتمثل في صُور متعددة ومتغيرة، وقد كانت في ذلك خاضعة إلى إلهامات متنوعة جدًّا، انتهت بنتائجَ غاية في التنوُّع، وعلى الرغم من هذا التنوُّع البالغ فإنه يجوز لنا أن نضع عن العلاقات الإغريقية المصرية منذ ٤٠٥ق.م إلى ٣٤١ق.م بعضَ نتائج عامة، سنتحدث عنها فيما يلي:

تَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أنَّ القصد من هرب «نقطانب» أنه ربما أُتيحت له الفرصةُ بعد مدة أنْ يعود إلى «مصر»؛ غير أن الملك «أوكوس» قد اخترق كُلَّ بلاد «مصر» الوسطى والوجه القبلي، بعد أن استولى على كل الدلتا دون أن يُصادف مقاومةً تُذكر.

وقد قبض الغزاةُ على «مصر» بيدٍ حديدية بعد أن تمتعت باستقلالها مدة تربي على الستين عامًا، وقد كانت «مصر» في تلك الفترة أخطرَ عدو على بلاد الفرس، كما كانت في الوقت نفسه أعظمَ مُناهض نجح في التغلب على أسرة الأخمينيسيين، ولكن الفرس في آخر المطاف تغلبوا عليها وسلبوها كل ما تملك من استقلال ومال، وقد وصف لنا واضع الحوليات المصرية حالة البلاد بعد الفتح الفارسي الأخير بقوله: لقد كان بحرنا وجزرنا مملوءة بالنبيذ؛ أي أن بيوت المصريين كانت لا تحتوي على أناس سكنوها، ويمكن للإنسان أن يقول عن تلك الفترة بوجه خاص: إن الميديين قد جلبوا إليهم التعاسة، فقد استولوا على بيوتهم وسكنوا فيها، (راجع: Demotische Chronik col. IV 22, 23; Com p., Ed. Meyer Kl. Schr. II, 86, 87).
والواقع أن كل الإجراءات التي اتخذها الفرسُ بعد الفتح كانت شديدة، ولكنها كانتْ لأغراضٍ معينة، وقد كان كُلُّ عصيانٍ جديد لا بد من إخماده بطريقةٍ واضحةٍ سريعة، وعندما نرى فيما بعد أن الكُتَّاب الإغريق يؤكدون أن الملك «أوكوس» قد ذبح العجل «أبيس» — ويضيف إلى ذلك الكاتب «سويداس» أنه ذبح كذلك العجل «منفيس» وكبش «منديس» — وأن هذه الجريمة الشنعاء تُعد من أفظع الجرائم الوحشية في التاريخ؛ فإن ذلك يضع أمامنا السؤال فيما إذا كان ذلك يضع أمامنا صورةً مشابهة للتي رُويت عن «قمبيز»، وقد تحدثنا عنها طويلًا، أو إذا كان لدينا هنا قصة تعسة من القصص التي ترجع إلى أصل مصري، وهذا ما ليس له أساس قط في النقوش المصرية؟ (راجع: Keinitz, p. 108 Note 4).

حالة الدولة الفارسية في تلك الفترة

كانت الحالةُ في الدولة الفارسية في تلك الفترة قد عادت إلى ما كانتْ عليه في أَبْهَى عصورها؛ إذ قد أصبحتْ أَقْوَى مما كانت عليه منذ مائة وخمسين سنة مضت، فقد كانت أحوالها في الداخل ثابتةَ الأركانِ قويةَ الدعائم، وعلى أثر انتهاء الحملة على «مصر» قضى القائدُ «منتور» على كل العناصر الثائرة في آسيا الصغرى وبخاصة الأمير «هرمياس» صاحب «أتارنوس» (Diod. XVI, 52, 5–8).
وكان قد أظهر «أوكوس» هو وجيشُهُ من الوجهة الحربية في أشد المواقف في ساحة القتال مع الجيش المصري تَفَوُّقًا عظيمًا، فقد كانت خططُهُ الحربيةُ تَدُلُّ على مهارة في وضع الخطط الممتازة، كما كان تنفيذ خططه يتم دون احتكاك، وقد كان «منتور» الروديسي وأخاه «ممنون» في المملكة الفارسية يُعَدَّان القائدين الإغريقيين اللذين يقومان بتنفيذ الخطط الحربية بمهارة على أي عدو، وكان «منتور» قد هرب مع «أرتابازوس» إلى «مقدونيا»، وها نحن أُولاء نرى الآن «منتور» قد رد اعتباره واعتبار زميله بما قام به مِن عظيمِ الأعمال، وكان «منتور» بوجه خاص على أحسنِ ما يكون من الود مع الملك العظيم، (Diod. XVI, 52, 1–4, 50, 8).
أما في السياسة الخارجية فكانت «فارس» بوجه عام أعظم دولة في ذلك الوقت، ولم تكنْ مملكةُ «مقدونيا» في تلك الفترة في عهد ملكها «فيليب» الثاني الذي كان يسير بها نحو المجد قد بلغت المرتبة الأولى، وقد كانت كل أعمال الملك العظيم «أرتكزركزس» «أوكوس» تدل على أنه كان يَفُوقُ كُلَّ حكام الشرق في تاريخ الشرق، على أن شخصية «أوكوس» غالبًا لم تُقدر حق قدرها، كما أنها كانت مجهولة، حقًّا أنه كان رجلًا شديدًا كما كان من وقت لآخر متوحشًا وقاسيًا، ولكنه كان سياسيًّا موهوبًا واستراتيجيًّا وصاحب نشاط ومُثابرة وذكاء، كما كان عادلًا، ولا نزاع في أنه كان الرجل الذي تحتاج إليه دولةُ الأخمينيسيين في ذلك الوقت؛ إذ كانت تصرفاتُهُ غايةً في الجرأة والأهمية؛ وذلك لأنه بعد عهده بسنوات قلائلَ كان ناقوسُ سُقُوط بلاده قد دَقَّ، وفي صيف عام ٣٣٨ق.م قضى بصورة خاطفة على ذلك الفلاح الجديد الذي نالتْه الدولة الفارسية بعد خروجها من حرب «مصر» وقهرها إياها، فقد دس السم «باجواس» لصديقه الحميم «أرتكزركزس الثالث» «أوكوس» ملك الفرس كما قتل كل أسرته تقريبًا، وبعد ذلك ولى أصغر أولاد «أوكوس» المسمى «أرسس» عرش الملك (Diod. XVII 5, 3-4).
غير أن نتيجة ذلك لم تلبث أن ظهرت في الحال؛ وذلك أنه بعد مرور بضعة أسابيعَ على هذه الحوادث نجد أن «فيليب» الثاني المقدوني قد انتصر في موقعة «كايرونيا Chaironeia»، وأصبح سيدَ بلاد الإغريق، ولم تكن بلادُ الفُرس في مركز بعد هذا التغير الأساسي يربطها ببلاد الإغريق، وفي نهاية عام ٣٣٨ق.م كان لا بد من ضياع مصر مرة أخرى من يد الفرس، غير أن الثورة لم يندلع لهيبها في «مصر» نفسها، والظاهر أن أميرًا من بلاد النوبة السفلى، قد أعلن نفسه ملكًا على البلاد، وهو الفرعون «خبا باشا»،١ الذي يجب أن توضع آثاره في هذه السنة، ومن المحتمل أن الملك «نقطانب» الثاني الذي فر إلى بلاد النوبة قد أوعز إلى «خبا باشا» غزو بلاد «مصر»، وقد كان هذا الفرعونُ الجديدُ يحمل اسم التتويج: صورة الإله «تنن» المختار من «بتاح»، ومن الممكن إذن أن ذلك يدل على أنه كان قد تُوج في عاصمة الملك القديمة «منف» وأنه قد اتخذها حاضرةً لملكه، ولما كان قد مات في السنة الثانية من حكمه عجل «أبيس»، فإن هذا الفرعونُ قَدْ دفنه في تابوت فاخر.

هذا، وتُحدثنا الآثارُ على أن الفرعون «خبا باشا» قد أعاد الأرض التي اغتصبها الفرس من آلهة «بوتو»، وهذا ما نجدُهُ مذكورًا على الآثار البطلمية بعد مُرُور خمسٍ وعشرين سنة على طرد الفرس من «مصر»، وفضلًا عن ذلك عمل هذا الفرعون على أن يحصن بلاد الدلتا ثانية؛ خوفًا مِن غَزْوٍ جديد يقوم به الفرسُ، وعلى أية حال لم ينل أي نجاح في ذلك، ومن المحتمل جدًّا أن الفرس في شتاء ٣٣٦-٣٣٥ق.م قد نجحوا في استرداد «مصر» ثانية تحت سُلطانهم.

هذا، ولا نعلم بعد ذلك ماذا صار إليه أمرُ هذا الفرعون.

ومما يؤسف له جد الأسف أن المصادر التي وصلت إلينا حتى الآن لم تحدثْنا بشيء عما حدث ما بين الاضطرابات التي وقعت في البلاط الفارسي، وكذلك فُقدان «مصر» كرة أُخرى أثناء عام ٣٣٨ق.م حتى ٣٣٦؛ إذ نجد أنه في هذه الفترة كان تاريخ الفرس مبتورًا، وقد كان آخر ملوك الأخمينيسيين الذين حكموا مصر هو «دارا» الثالث «أوكوس» الذي تولى الملك على أكثر تقدير في يناير-فبراير ٣٣٦ق.م، وذلك بعد أن قتل «باجواس» الملك «أرسس».

وعندما نعلم أن الأثر الوحيد الذي جاء ذكر اسمه عليه بالهيروغليفية هو لوحة العجل «بوخيس» مؤرخة بالسنة الرابعة من حكم «الإسكندر الأكبر» ٣٢٩ق.م؛ إذ جاء عليها مهمشًا بعض الشيء ما يأتي: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري «دارا» عاش مخلدًا»، فإن ذلك ليس إلا مجرد بيان تاريخي، ولا يمكن استنباطُ شيءٍ من ذلك له قيمةٌ تاريخية، ولم يكن لدى المصريين أيَّةُ وسيلة يؤرخون بها السنين التي ما بين ٣٣٥ إلى ٣٣٣ق.م، إلا الملك الفرعون «دارا» الثالث.

ولدينا مصدرٌ آخرُ نقش بالهيروغليفية، يُلْقِي بعض الضوء على السياسة المصرية التي اتبعها الفرسُ في السنين الأخيرة من حُكمهم، وهذا المصدرُ هو لوحة لأمير من بلدة «هيراكيوبوليس» (إهناسيا المدينة)، يُدعى «سماتوي تفنخت» وهو رجل مِن عِلية القوم تَقَلَّبَ في عدة مناصب إدارية وكهنوتية (راجع: Stele Von Neapel L. Reinsch. Ag. Chiestomathie 1, 16; Brugsch thesaurus. p. 632; sethe Urk. II, p. 1–6; Tresson B.I.F.O. 30 (1931) p. 369–91) والنقش يحتوي على شكر للإله المحلي «حرشفي» الذي حفظه ورعاه مدة حياته، ومن هذا النقش نعلم بعض البيانات عن حياة «سماتوي تفنخت» (راجع: Sethe. Urk. II, 3. L. 11 ff. 4, L. 1 ff.)، وهاك المتن: أنت «حرسفيس» تعمل الطيبات غالبًا باستمرار؟ وأنت تجعل مدخلي واسعًا إلى بيت الملك، وكان قلب هذا الإله الكامل (الفرعون) فرحًا بذلك بما قلته، وإنك ترفعني أمام الجماهير عندما تُدير ظهرك نحو «مصر» وإنك تضع حبي في قلب حاكم «آسيا» وعظماء رجاله يحترمونني وقد منحني وظيفة الكاهن الأكبر للإلهة «سخمت» بدلًا من أخي أمي «خالي» الكاهن الأكبر ﻟ «سخمت» في الوجه القبلي والوجه البحري المسمى «نخت حنب»، وإنك قد حفظتني في الحرب الإغريقية، وذلك عندما قهرت «آسيا» وقد قتل كثير من حولي، ولكنه لم يرفع واحد يده عليَّ، وقد رأيتك فيما بعد في المنام عندما قال جلالتُك لي: أسرعْ إلى «إهناسيا»، تأمل أني معك — ولقد اخترقت وحيدًا الأراضي الأجنبية وعبرت البحر، ولم يَعْتَرِني خوفٌ، وإني لم أتعدَّ أمرك، لقد أتيت إلى «إهناسيا» ولم تنثن شعرةٌ واحدةٌ من رأسي …»
ومن ثم نرى — أن الأمير «سماتوي تفنخت» قد تمتع أولًا بحظوة فرعون وطني، ثم وضع في مكانة رفيعة في عهد الملك العظيم عاهل الفرس، وبعد هزيمة الفرس هزيمة منكرة، وهو يحارب في صفهم على يد الإغريق هرب على أية حالٍ إلى بلادٍ أجنبيةٍ بحرًا، حتى وصل إلى «مصر»، وكذلك نجد أنه في عهد الملك الذي تَوَلَّى عرش «مصر»، بعد ذلك قد حافظ على منصبه وعلى ذلك أمكنه أن ينقش الأثر الذي تركه لنا متحدثًا فيه عن حياته، غير أن الوقت الذي بدأتْ فيه حوادثُ هذه اللوحة على حسب ما جاء فيه؛ لا يمكنُ تحديدُهُ بوجه التأكيد، وقد وضع الأثري «بركش» (راجع: H. Brugsch Gesch. Egy p. 762–4)، الأمير «سماتوي تفنخت» في عهد تغلُّب «الإسكندر الأكبر» على «مصر»، وقد ظن الأثري «كرال» (راجع: A.Z. 16, p. 6–9)، أنه عاش في عهد «أناروس» وقد ظن «فيدمان» أنه عاش ما بين الثورة التي قام بها «أناروس» والثورة التي قامت في ٤٨٦ق.م أما الأثري «أرمن» (راجع: A.Z. 31, p. 91)، فقد أظهر أن اللوحة؛ لما جاء فيها من ذكر هزيمة الفرس والملك العظيم دون ذِكْرِ الألقاب الفرعونية لا يمكن أن تكون قد وصلت إلى عهد تسلُّط الفرس على «أحمس» الثاني و«قمبيز» و«دارا» الأول، وأنه قد هرب من وقعة «ماراتون» ووضع لوحته في خلال الثورة التي قامت ٤٨٦ق.م.
ومِنْ جِهَةٍ أُخرى نرى أن الأثرى «شيفر» يقول (راجع Agyptiaka festschr. für oeorg. Ebers 1897 p. 92 ff): إن هذه اللوحة يمتد عهدها من ٥٢٥ق.م حتى ٣٨٦ق.م، وكذلك يمكن أن تكون من ٣٤٣ إلى ٣٣٢ق.م، وذلك لأن الكتابة الرمزية التي يحتوي عليها متنُ اللوحة كانت أقرب إلى العهد البطلمي وليس من العهد الساوي، وذلك يقرر أنها كانت من عهد «الإسكندر»، وعلى ذلك تكون الهزيمةُ التي لحقت بالفرس، وهي التي جاء ذِكْرُها في اللوحة هي واقعة «آسوس»، ويقول الأثري «ترسون» (Tresson B.I. F.O, 30, 1931 p. 387–391) أن هذه الواقعة هي واقعة «جاو جاملا» وبدلًا من «آسوس»، على أنه يعارض ذلك سياحة «سماتوي تفنخت» بحرًا، ولا بد أن يلحظ الإنسان أنه بالنسبة لسماتوي تفنخت لا يوجد أي سبب — بعد عام ٣٣٢ق.م، وهو العام الذي أقام فيه لوحته — لِيَتَمَلَّقَ الفرس، وإذا فرضنا أنه عاش في عهدِ آخرِ ملوكِ الفرس، فإننا نرى أنه حافظ على منصبه العالي، وأنه حارب في جانب الفرس ضد «الإسكندر».
ومن ثم نجد أن «سماتوي تفنخت» لم يكن صنيعة الفرس؛ إذ إنه لم يذكر لنا فقط بنفسه أنه كان قبل ذلك في حظوة حاكمٍ مصري، بل كان أميرًا في «إهناسيا المدينة»، ومن المحتمل إذًا أنَّ جده البعيد كان من أول الرجال الذين عاشوا في عهد «بسمتيك» الأول كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ومن المحتمل أنه أَحَدُ أفراد سلالة الملك «بفنفدوباست» الإهناسي من عهد الملك «بيعنخي»، ولدينا أميرٌ آخرُ يُدعَى «سماتوي تفنخت» من «إهناسيا» محفوظٌ إلى الآن تمثالُهُ، ويحتمل أنه مِن عهد الأسرة الثلاثين، وقد يجوزُ أنه كان الأمير «سماتوي تفنخت» الذي من عهد «الإسكندر الأكبر» (راجع: Daressy. A.S. 21, 141) وقد كان جَدُّ الأمير يُدْعَى «زدسماتوي أوف عنخ» (راجع: Sethe. Urk, II, 2 L. 10)، ولدينا قطعة بردي مؤرخة بالسنة الثامنة من عهد «نقطانب» الأول ٣٧٣ق.م، عُثر عليها في «إهناسيا»، وقد جاء عليها ذكرُ اسم فرد يُدْعَى «هرماكوروس» بن «سماتوي تفنخت»، وبعد كسر في الورقة نجد كلمة «إهناسيا» و«سماتوي تفنخت»، وهذا يمكن أن يكون موحدًا مع الذي تحدث عن تمثاله «دارسي» وهو الذي سبقت الإشارة إليه، وعلى ذلك يُمكننا أن نتتبع كيف أنَّ تاريخ هذه الأسرة قد بقي ممتدًّا على الرغم من كل التقلُّبات التاريخية، مما يدل على أنَّ الأرستقراطية في هذه الأُسرة كانت قويةَ الأركان تتنقل من نسلٍ إلى نسل، وفي باكورة عام ٣٣٤ق.م عبر الإسكندر المقدوني البوسفور، وفي شهر مايو نال أولَ انتصارٍ عظيم على شطاربة الفرس في «جرانيكوس Granicos»، وفي خريف ٣٣٢ق.م بعد انتصاره على الملك العظيم في «آسوس» انتزع الإسكندر كل عربي آسيا من الدولة الفارسية.
وفي تلك الأثناء كانت «مصرُ» هادئة لم تُبْدِ حراكًا، وكذلك نلحظ أنه لَمَّا سقط الشطربة «سباكس» في موقعة «آسوس» مع الجزء الأعظم من الحُصُون الفارسية؛ بقي كُلُّ شيءٍ هادئًا ساكنًا، ولم يحدث بعد استيلاءِ الإسكندر على «صور» و«غزة» أيُّ حركة تَدُلُّ على العصيان في «مصر» من جانب المصريين في بقية الحاميات التي كانتْ تحت إمرة القائد «مازاكس»، (راجع: Arrian. Anabasis III 1, 2.)

وهكذا نرى مرة أُخرى أنَّ كل الثورات التي قامتْ على الفرس في خلال المائة والخمسين سنة المنصرمة لم يكن مصدرُها مصريون، وفي هذه المرة لم يكن هناك أميرٌ لوبيٌّ أو نوبيٌّ لينتهز هذا الموقف ويفيد منه ويعتلي عرش «مصر»، وبعد موقعة «آسوس» زحف أمينتاس المنفي على رأس بضعة آلاف من الجنود من «آسوس» عابرًا «فنيقيا» و«قبرص» وموليًا وجهه شطر «بلوز» مؤكدًا أن الملك «دارا» قد عهد إليه أمر «مصر» وقد اخترق بلادَ الدلتا مشيعًا فيها — على يد جُنُوده — السلبَ والنهب، وعندئذ خرج «مزاكس» بجيشه الفارسي والمسلحين من المصريين وهزم «أمينتاس» وشركاءه في الجريمة بعد أن أشاعوا الموت في جماعة منوعة.

(راجع: Arrian. Anabasis II, 13, 2-3; Diod. XVII 48, 2–5; curtius Rufus IV 1, 27–33; Com p. Alexandarreich Bd. II, No. 485, p. 245-6, Mazakes & No. 58, p. 28, 29, Amyntas, bis p. 29, A. I.)

وعندما ظهر الإسكندر في نهاية عام ٣٣٢ق.م في «مصر» سلم له «مازاكس» البلاد دون قتال.

(راجع: Arrian. Anabasis III 1,2; curtius Rufus IV 7, 3-4.)

وهكذا انتقل ملك «مصر» من يد دولة الفرس الغاربة إلى يد دولة الإسكندر العالمية المشرقة.

أهم الآثار التي خلفها نقطانب الثاني

(١) لوحة من الحجر الرملي

المائل إلى الاصفرار مؤرخة بالسنة الثانية، الشهر الرابع اليوم التاسع عشر من حكم الملك «نقطانب» الثاني، وُجدت في دير القديس «أرميا» بمنف، مستعملة عتب باب.

وصف اللوحة: يبلغ ارتفاعُ هذه اللوحة ١٫٦٢ مترًا، وعرضها ٠٫٩٢ مترًا، وسمكها ٠٫٤٠ مترًا، وهي من الحجر الرملي من الجبل الأحمر الواقع بجوار «القاهرة»، وجزؤها الأَعْلَى على هيئة نصف دائرة في حافتها صورةُ السماء منحنية حسب تقويسة اللوحة وتحت نهاية صورة السماء من الطرفين صولجان، وتحت صورة السماء والشمس المجنحة يُحيط بها صلان، وتحت الجناحين المتن التالي: «بحدتي» الإله العظيم، رب السماء، وتحت كل هذا نجد صورة العجل «أبيس» يتعبد له الفرعون وهو راكعٌ أمامه، ويوجد خلف الملك صورة روحه: روح الملك التي تعيش في «بيت الصباح» وفي «جبات» ويشاهد اسم روح الملك تخرج من ساق تقبض عليه ذراعان، ونقش في المربع الذي يحمله الساق: «حور» محبوب الأرضين.

ويشاهد أمام الملك مائدة قربان نقرأ عليها «قربان من خبز وجعة للعجل «أبيس» المتوفى وهاك النص: «حابي» العائش وقرناه على رأسه.»

المتن الهيروغليفي: (١) في السنة الثانية من عهد جلالة الملك «حور» محبوب الأرضين ممثل السيدتين «المسمى» مهدئ قلب الإلهة «حور» الذهبي (المسمى) مثبت القوانين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري (المسمى) «سنزم-اب-رع ستب-ن-آمون» بن رع (المسمى) «نخت حور حبت نقطانب» الثاني العائش أبديًّا، المحبوب من «أبيس» حياة «بتاح» المتكررة ومُعطى الحياة، (٢) والإله الكامل الحي ابن «أوزير» والذي ولدتْه «إزيس» ليعملَ الشعائر لمعابد الآلهة، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نزم-اب-رع-ستب-ن-آمون» بن رع «نخت حور حبت» العائش أبديًّا، عندما كان جلالتُه في قصره يحكم في حياة وقوة في الجدار الأبيض «منف»، وعندما أراد أن يُتمم أعمالًا فاخرة، (٣) لآلهة «مصر» (؟) أمر جلالتُه بإقامة مكان «أبيس» بناءً فاخرًا للأبدية، وبعد وقتٍ محدد أتى إنسانٌ ليقول لجلالته: إن مكان «أبيس» الحي قد بُني، (٤) وعلى حسب أمر جلالته فإن أبوابه صُفِّحَتْ بالذهب (؟) ومصراعاه وشيا … بالفضة، ووشيت (…) وكل شيء جميل مشاهدته، وبعد أن سمع جلالتُه هذا ذهب جلالته إلى معبد «بتاح» وعمل، (٥) (…) الذي عمله جلالتُه وبعد ذلك أقام جلالتُه مكانًا لهذا الإله لأجل أن يرتاح فيه (يموت) بشغل فاخر من (٦) … عمل ذلك في المكان الجميل الذي أقامه جلالتُه، كل شيء في مكان التحنيط من هذا اليوم الجميل حتى يوم الدفن، قائمة بالأشياء التي أمر جلالتُه بإحضارها إلى حجرة التحنيط:
  • ذهب: ٤٧٦ دبنًا، وثلاث قدات من الذهب.
  • فضة: ٥٦٩٨ دبنًا، وثلاث قدات من الفضة.

(٧) … قربان للإله في حجرة التحنيط هذه ١٢٦٦ دبنًا من الماشية (؟) ٣٢٢٦ بخور؟ ١٠٠ دبنًا من المعدن مما يورد البيت الملك من نسيج (؟) ١١٤٠٠ دبنًا من قار بلاد «فنيقيا» وقار من (…) س دبنًا، ومر ٣٠٠٠٠ دبنًا … «قبرص» ١٠٠ دبنًا، راتنج جديد ١٥٠٠٠ دبنًا وراتنج من الواحة ٢٠٠ دبنًا، وراتنج مصري ١٠ دبنات، ومحصول راتنج (؟) ٢٥ دبنا، وزفت (٩) س دبنًا، نطرون من «وادي النطرون» ٥٩ دبنًا، ونطرون من الواحة ٢٠٠ دبنًا ونطرون من الكاب ١٥٠٠ (؟) دبنًا مع كل (…) كما هو مبين كتابة؟ ودني ٢٠٠٠ دبنًا، وشهد ٢٠٠٠ هنا، وزيت واحات ٢٠ إناء «هنو» زيت الوجه القبلي (١٠) س + ٣٠٩٠ (مكيالًا) وزيت الراتنج ١٢٠٠٠ + س هنا (مكيال) (…) + ١٠٠٠، ٣٩٤ ثورًا، و٢٩ فحلًا، ٧٧٣ إوزة، ٢٨٥ حمامة.

(١١) (…) نبيذ من الواحات ٢٢ هنا، نبيذ جديد من الواحة ٥ (؟) هنات، وتبي ٣٥٠٠٠ دبنًا، ١٠٠ مكي من «قبرص»، وسلات مفعمة (؟) (١٢) (…) وأشياء كثيرة جميلة وحلوة ٢٠ أردبًا (؟) … وكحل من «قفط» ١٠٠ دبنًا، كحل من «ببلوص» (جبيل)؟ ١٠٠ دبنًا وثلاث قدات، وما هو أحسن من؟ … ١٠ دبنات، ومعدن حتم ٥٠ دبنًا ومعدن (خنتي)، (١٣) س دبنًا (…) ٢٥٠ (؟) دبنًا ٥٠٠٠ دبنًا … (؟) … ٣٠٠٠٠ دبنًا، ٢٠٠٠٠ من خشب السنط، و١٥٠٠ أردب فحم بلدي (؟) ٢٠٠٠٠ حزمة من البردي، ٥٠٠ حصيرة من بوص البردي س حزمة من البردي اليانع، (١٤) (…) … (؟) … (؟) … نسيج من عمل الكهنة (؟) والكهنة المرتلين والعمال (؟) الذين يقومون بالتطهير في حجرة التحنيط (؟) وعمل جلالته (قربانًا عظيمًا) … بكل شيء (…) في حجرة التحنيط …؟ وأمر جلالته بتنظيم قربان عظيم لمدة ٤٥ يومًا، وأمر جلالته أن تُعمل تعاويذُ جميلةٌ من الذهب، ومن كل الأحجار الكريمة التي لم يكن قد عُمل مثلها من قبل، وكذلك ملابس، (١٦) … وعمل جلالته التحنيط فعطر أعضاء الإله بالزيت وأمر جلالته بإحضار نسيج من نوع نسيج الآلهة كلهم، وكذلك نسيج من الحجرة الجنوبية والحجرة الشمالية من نسيج الإلهة «تيت» (إلهة النسيج) في ١٩ كيهك (أي الشهر الرابع من فصل الزرع اليوم ١٩)، (١٧) … وقدم جلالته قربانًا عظيمًا من ثيران وإوز ونبيذ وكل شيء جميل في قاعة القربان العظيمة الخاصة بحجرة التحنيط …؟ … وأمر جلالته بإحضار ست آلاف لفافة تعادل ست آلاف دبنًا (؟) إلى السرابيوم، (١٨) وجلالته … دفنه في السرابيوم بجانب جبانة «منف»، وبعد ذلك فإن قداسته (؟) (أي العجل «أبيس») مَرَّ في وسط الباب العظيم وجد جلالته واقفًا هناك مع أتباعه مثل ما يقف الصقر على بيرقه.

مضمون اللوحة

لقد أقام الملك «نقطانب» الثاني في السنة الثانية من حكمه الذي بدأ حوالي ٣٦٠ق.م مأوى العجل «أبيس» الحي، ومن المحتمل أن هذا المبنى موحَّدٌ مع المعبد الذي أقام «نقطانب» في هذه البقعة، وهو المعبد الذي قام بحفره في جنوبي السرابيوم ويسمى معبد «نقطانب» الثاني، وهو معبد لأبيس الحي، (راجع: Le Serapeum de Memphis (Ed.) Maspero p. 76)، ومن ثم نعلم أن هذا المأوى كان للعجل «أبيس» الحي؛ إذ هناك كانت حظيرتُهُ وحجرة عبادته، وذلك بعد موت سلفه، غير أن الجزء الأكبر من هذا المتن؛ أي من سطر ٥ إلى سطر ١٨ قد خصص لمراسيم دفن هذا العجل «أبيس»، فقد أمر الملك بإقامة حجرة دفنه في السرابيوم وعُني بتحنيط هذا الحيوان في حجرة الطهور (أي حجرة التحنيط)، وهذا ما تُحدثنا عنه الكثيرُ من اللوحات العدة التي وجدناها في السرابيوم، وهي الحجرة التي يجري فيها تحنيطُ عجل «أبيس»، وقد وصفها لنا «ديودور» الصقلي (راجع: Diod. I, 83–5) وقد خصص لهذا الغرض الملك «نقطانب» وقفًا عظيمًا عدد في صلب المتن،٢ وهذه هي الأشياءُ التي كانت ضرورية للتحنيط، هذا فضلًا عما يحتاج إليه من قربان يتطلبها العجل «أبيس»، وبعد ذلك أمر الملك بدفن العجل المحنط في «السرابيوم»، وقد اشترك جلالتُه شخصيًّا في الدفن، فقد سار في ركاب الموكب الجنازي حتى ثوى «أبيس» في مأواهُ الأبدي، (راجع: S.9, 1908 p. A. 154–7; Spiegelberg in Quibell Saqqara III 1907–18 p. 89.9903 and Pl. LII, ComP. p. 10).

(٢) لوحتان بالديمقوطيقية

محفوظتان في متحف «اللوفر» مؤرختان بالسنة الثانية من عهد الملك «نقطانب» الثاني وقد عُثر عليها في سرابيوم «منف»، (راجع: Mariette No. 3372 et. 199)، وقد ترجمهما الأثري «ريفييو»، (راجع: Notice des papyrus demotiques p. 478 et. 479)، وقد أرخ إحداهما بالثامن والعشرين من شهر بابه والثانية بشهر «مسرى».

(٣) لوحة العجل بوخيس

المؤرخة بالسنة الثالثة؟ السادس عشر من شهر «توت» من عهد الملك «نقطانب» الثاني (حوالي ٣٥٧ق.م)، وهو التاريخُ الذي وُلِدَ فيه العجل «بوخيس» وقد نصب في السنة الثالثة في ١٣ أمشير من نفس السنة، ومات في السنة الرابعة عشرة ٣٠ كيهك عام ٣٤٦ق.م، وقد عُثر على هذه اللوحة في «أرمنت»، (راجع: Mond. Meyers Bocheum Vol. II p. 28, Pl. in Vol. III=XXX VII 1).

(٤) منشور حظر مؤرخ بالسنة الخامسة الشهر الثاني عشر من عهد الملك «نقطانب» الثاني

وفي عام ١٨٩٤ نقل الأثري «دارسي» نقشًا محفورًا على صخرة في الجبل الواقع جنوبي «العرابة المدفونة» في مواجهة قرية «غابات»، وهذا النقش كان محفورًا على ما يظهر في محجر قديم مكشوف، (راجع: Rec. Trav. 16, p. 126-127)، غير أنَّ تجار الآثار قطعوا هذا النقش وباعوه لمتحف «برلين»، ولكن مما يؤسَف له أنه أصابه أضرارٌ عند القطع، وضاع منه جزء.
وقد تناول الأثريُّ «بورخاردت» هذا المنشور بالبحث، (راجعْ: A.Z., 44 (1907-8) p. 55–58)، كما نشر صورة الحجر المنشور بعد قطعه من الجبل.
وصف الحجر: يبلغ ارتفاعُهُ ٧٣ سنتيمترًا وعرضُهُ من ٤٨ إلى ٥٠ سنتيمترًا، وقد ضاع منه بعضُ أجزائه وكتابة النقش على وجه عام خشنة.
يشاهد في أعلى اللوحة أمام الآلهة «أوزير» و«حور» و«إزيس» و«نفتيس» الملك «نقطانب» الثاني ومعه النقش التالي:
  • (١)

    «رب الأرضين سنزم-اب-رع ستب-ن-أنحور».

  • (٢)

    رب التيجان «نخت حور حبت».

  • (٣)

    مُعطَى كل الحياة والثبات والقوة مثل «رع».

وينحصرُ نَشَاطُ الملِك في كونه في هذا المنظر يقوم بتقديم البخور والماء البارد لوالده، ويشاهد خلف الملك الصيغة العادية التالية: «كل الحماية والحياة خلفه مثل «رع»، ويقول «أوزير» سيد أهل الغرب والإله العظيم رب «العرابة» للملك: «إني أُعطيك كل الحياة والقوة»، ويقول «أوزير» حامي والده للملك: «إني أعطيك كل القوة»، وتقف خلف «حور» الإلهة «إزيس» العظيمة المقدسة ربة السماء، ونقش أمام «نفتيس» اسمها «نب حت».

وفي الجُزء الأسفل من اللوحة يأتي متن المنشور الذي يتألف من ثلاثة عشر سطرًا، ويلاحظ أن أحد عشر منها سليمة، أما السطران الباقيان فقدْ ضاعا عند نشر الحجر من مكانه الأصلي، ولكن حفظا لنا في المتن الذي نقله «دارسي» عن الأصل قبل إزالته من مكانه، وهاك الترجمة: (١) السنة الخامسة الشهر الرابع من فصل الصيف في عهد جلالة الملك «حور»، (٢) محبوب الأرضين ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «سنزم-اب-رع ستب-ن-أنحور» بن رع رب التيجان «نخت حور حبت» عاش أبديًّا، (٣) المحبوب من «أوزير» أول أهل الغرب والإله العظيم رب «العرابة»، لقد أتى إنسانٌ ليقول لجلالة «حور» الملك إن جبل «العرابة» المقدس الذي يقطع منه الحجر هو الذي يوجد بين الصقرين اللذين يحملان هذا الجبل المقدس؛ وذلك لم يحدث قط من قبل، وعلى ذلك أمر جلالة «حور» بأن لا يقطع أي حجر من هذا الجبل المقدس الذي بالمكان المسمى «حامي سيده»، وأن أي إنسان سيوجدُ فيه (أي في مكان «قطع الأحجار») يقوم بقطع حجر من هذا الجبل فلا بد أن ينفذ فيه العقاب بسبب ذلك وهو بتر عضو منه كما يحدث مع كل من يرتكب جريمة ضد مكان مقدس (…) الملك المكافأ بكل (العافية) والصحة …»

تعليق: هذا المنشور — كما يظهر — صدر في السنة الخامسة والخمسين بعد الثلاثمائة قبل الميلاد، والذي أصدره هو الملك «نقطانب» الثاني، ويلاحظ هنا أن «بورخاردت» عندما كتب عن هذا المتن كان المؤرخون والأثريون يعدون الملك «نخت حور حبت» «نقطانب» الأول، ولكن الكشوف الحديثة أظهرت أنه «نقطانب» الثاني، ومِن ثم قلبت الأوضاع والتواريخ في كل الكتب التي كتبت عن هذين الملكين، ومما هو جديرٌ بالذكر هنا أن الملك «نقطانب» الثاني قد اتخذ لقبه بوصفه «حلو قلب رع» والمختار من الإله «أنحور»، وهذا الإلهُ الأخير كان إله الحرب، وقد اتخذه ملوك الأسرة الخامسة والعشرين إله حرب وتعبدوا إليه كثيرًا، (راجع: مصر القديمة، الجزء الحادي عشر)، ولا غرابة أن يتخذه هنا «نقطانب» الثاني إلهًا له ويضعه في لقبه؛ فقد كان ملكًا حربيًّا قام بحروب طاحنة مع الفرس.

أما موضوع المنشور الذي أصدره «نقطانب» في هذا المتن فهو عبارة عن ظلامة خاصة بقطع أحجار من مكان مُقَدَّس في غرب «العرابة المدفونة»، وهذا المكان يقعُ بين «الصقرين»، ولا بد أنَّ هذا مكانٌ يقعُ بجوار المكان الذي وُجدت فيه هذه اللوحة؛ أي في الجبل الواقع جنوبي «العرابة المدفونة» في مواجهة قرية «غابات» ولا بد أن يتصور الإنسان تحت الصقرين خارجتين لجبلين، ولا شك في أن هذه التسمية قد يرجع اشتقاقُها إلى شكل المكان، أو أنها ترجع إلى خُرافة قديمة.

ومما يَلفت النظرَ هنا أنه لم يذكر اسم صاحب الشكوى غير أنه لا بد أن نفهم أن الظلامة قد أتت من جانب كهنة «العرابة» الذين يسكنون بجوار هذا المحجر، وقد كانوا على يقين من إجابة طلبهم؛ لأن «العرابة» كانت الموطن الأول الذي عبد فيه الإله «أنحور» (أنوريس) الذي اختار «نقطانب» ليكون ملكًا على البلاد في تلك الفترة العصيبة من تاريخها.

وأخيرًا يلحظ أنه لم يذكر العضو الذي كان لا بد أن يبتر كما هي العادة في المتون الأُخرى، ومن ثم نفهم أنَّ أَقَلَّ حَدٍّ للعقاب قد ذُكر، وأن شدة العقوبة قد تُركت لتقدير القاضي الذي كان سيفصل في أي تعدٍّ على هذا المحجر، ومتنُ اللوحة يَدُلُّ على مقدار نُفُوذ الكهنة في هذا العهد.

(٥) لوحةٌ مكتوبةٌ بالخط الديموطيقي

في السنة الثامنة الشهر الثامن من حُكْم الملك «نقطانب» الثاني عُثر عليها في سرابيوم «منف».

(راجع: Revillout. Notices des Papyrus Demotiques archaiques, p. 479; Rev. Egypt. 6, (1891), p. 139-140.)

ويُلحظ في متن هذه اللوحة أن العادة كانت وقتئذٍ أن يُذكر أولئك الذين خدموا «أوزير-أبيس» في وقت حادث ما خاص بهذا الإله، والواقعُ أنه قد جاء ذِكْرُ الأعمال التي تمت في مقصورة «أبيس» كما ذُكر كذلك أولئك الذين خدموا «أبيس» وقتئذٍ.

وقد جاء فيها السنة الثامنة شهر برمودة من عهد الملك «نخت حور حبت»، وهو الوقت الذي بنيتْ فيه مقصورةُ «أبيس» التي قد أُقيمت واسم الرجال الذين خدموا أمام «أوزير-حابي»: «بي أوزير-حابي»، حا … ابن «عنخ حابي»، وأمه هي شماتى، و«بي «روح» الخاص بأبيس أوزير … ابن عنخ حابي وأمه هي شماتى، «بي» الخاص بأبيس أوزير «بتوزور-حابي» ابن عنخ حابي وأمه هي شماتى، بي أبيس أوزير بخني حابي ابن عنخ حابي، وأمه هي سيننح Seanx، كتبه بي أبيس أوزير، «بتورسو-حابي» بن «عنخ-حابي».

(٦) لوحةٌ مؤرخةٌ بالسنة الثالثة عشرة من عهد الملك «نقطانب» الثاني

وهي محفوظةٌ الآن في «روما»، وقد أشار إليها «شمبليون» في تاريخ «مصر» (Egypte Ancienne, p. 385) غير أن الأثري «كارل كينتز» يشك في أنها لهذا الملك بل هي للملك «نقطانب» الأول، (راجع: Kienitz Ibid. p. 215).

(٧) السنة الخامسة عشرة من عهد الملك «نقطانب» الثاني الشهر الثالث

يوجَد بالمتحف المصري تابوت لموظف كبير يُدعَى «ثاي حور بتا» ويرجع تاريخُهُ إلى عهد الملك «نقطانب» الثاني، (راجع: Cairo Museum No. 29306)، وقد تناول الكلام عن هذا التابوت ونقوشه عدةُ علماء، (راجع: Maspero, Cat. Gen. Sarcophages des Epoches Persane et Ptolemaiques I, p. 218–315 et Pl. XIX–XXI; Quibell Excavations at Saqqara 1912–1914, Vol. VI p. 13 & Pl. XXXIV; Spiegelberg, A.Z. 64, 1929, p. 76–83).

وسنتحدث عن صاحب هذا التابوت فيما يلي:

مقبرة العظيم «ثاي-حور-بتا» وقزمه

في عام ١٩١١ عندما كان الأثريُّ «كويبل» يقوم بأعمال الحفر في «سقارة» بجوار منطقة هرم «تيتي» صادفه أثناء الحفر مكانُ مقبرة يرجع عهدُها إلى الأسرة الثلاثين، وجد فيها ما لا يقل عن تسعةِ توابيت، من بينها اثنان من الجرانيت القاتم، وهما الآن بالمتحف المصري.

ولفت النظر أن التابوتين غير متكافئين من حيث الحجم والمنظر؛ إذ إن واحدًا منهما كبيرٌ وفخمٌ، والثاني صغيرٌ ويظهرُ عليه أنه تابوت طفل، والواقعُ أنَّ الفحص دَلَّ على أن واحدًا منهما كان لموظف عظيم يشغل مكانة عظيمة في الدولة، والآخر كان لرجلٍ قصير القامة جدًّا، وبعبارة أخرى: قزم، وسنرى السر في وجودهما معًا من النقوش التي وُجدت على تابوت القزم الذي يحمل رقم ٢٩٣٠٧ وهو الذي سنتحدثُ عنه هنا، والواقعُ أنه لم ينشر بعد ولم يتعرض له «ماسبرو» في كتابه عن توابيتِ العهد الفارسي حتى العصر البطلمي، ولكنه نشر نقوش التابوت الكبير رقم ٢٩٣٠٦، (راجع: Maspero, Cat. Gen. d’Ant. Eg. d. Musée du caire No. 29303–29306).

وهذا التابوتُ الأخيرُ قد عرف منه بعض المتون منذ زمن طويل، ومن بين هذه المتون المتن الصعب الذي يشتمل على تاريخ، غير أن معناه الصحيح لم يعرف بعدُ، وهاك الترجمة الصحيحة بقدر المستطاع:

السنة الخامسة عشرة (حوالي ٣٤٤ق.م)، الشهر الثالث من فصل الفيضان (هاتور) في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «نخت-حور-حبت» ابن «رع» محبوب «أنحور» «نقطانب» الثاني العائش أبديًّا.

لقد أخبر كتابة كاتب بيت الغرب بالقائد في حامية «سيله» (تل أبو صيفة الحالي)، والكاهن «خبر» (؟) لمقاطعة «حور» الغربية والكاهن «ورتخنو» الخاص بمقاطعة «حور» الغربية، وكاتب كتاب الإله «حور خب» المعظمين ليكلفوا بحفظ جثة «أوزير»، «ثاي حوبتا» وهو الأمير المشرف على الوجه القبلي ومفتش الأراضي، والمشرف على الحقول المقرب ليجعلوها قدسية في عالم الآخرة حتى يمكنه أنْ يتقمص أي شكل يريده في كل الأبدية.

ومن الألقاب التي يحملها «ثاي-حور-بتا» في هذا المتن، وبخاصة أنَّ المكلف بعمل الرسميات بدفنه كان قائد حامية «سيله»، نعلم أنه كان يشغل مكانةً عظيمةً مِن مناصب الدولة، وهذا بِغَضِّ النظر عن الألقاب التي كان يحملها في كتابات تابوته؛ فإنها لا تحصى، وكذلك بغض الطرف عن ألقابه الكهنوتية التي كان يحملها، فإنَّا نذكر هنا فقط الألقاب الدنيوية التي كان يتمتع بها، والواقعُ أنَّ أَهَمَّ لقب كان يحمله هو المشرف على الحقول، وهي وظيفةٌ يحتمل أنها تقابل وظيفة وزير الزراعة في أيامنا هذه.

هذا، ولدينا متنٌ على تابوته يدلُّ دلالةً واضحةً على أنه كان مقربًا من الفرعون «نقطانب» الثاني، (راجع: Maspero Ibid. p. 223)، وهاك النص: «الأمير الوراثي والحاكم والسمير الوحيد المحبوب، والذي جعله ملك الوجه القبلي والوجه البحري عظيمًا بمعرفته، والذي رقاه ملك الوجه البحري لفطنته والذي جعله سيد الأرضين (واسع النعمة) بما خرج من فمه، والذي مَيَّزَهُ الملك «نقطانب» بجعله أميرًا ومشرفًا على «جبعت» (مدينة في الدلتا) … والذي رفعه ملك الوجه القبلي والوجه البحري»، نخت حور «محبوب» «حور» و«آمون» إلى وظيفة الكاتب الأعلى، والذي يحسب كل شيء في الديوان في حين أنه كان يملأ أذني «حور» (أي الملك) بالعدل، ومن ميزاته أمام الإله الكامل، قد أعلنت بوصفه مفتش الأراضي والمشرف على الحقول وذلك لنصائحه الممتازة.»
هذا، ونقرأ في فقرة أخرى (راجع: Maspero. Ibid. p. 240) «الأمير الوراثي، والحاكم، والسمير الوحيد المحبوب، والذي رفعه رب الأرضين بسبب علمه، والذي مَيَّزَهُ «حور رع» حامي المدينة محبوب الأرضين بوصفه أميرًا وراثيًّا وحاكمًا مشرفًا على الوجه البحري؛ لأنه يملأ قلبه بسبب فطنته، والذي رفعه الملك «نقطانب» الثاني إلى وظيفة كاتب الديوان بسبب فوقان إدارته.» وإذا كانت هذه الوظائفُ في نظر البعض ليست إلا عبارات محفوظة ثابتة تكرر، فإننا من جهة أخرى نرى أنها في هذه الحالة ليست بالجُمَل العادية؛ وذلك لأن هذا الرجل لم يرثها عن أب أو أم ولكن ورثها بما أوتيه من ذكاء وفطنة؛ فقد كان والدُهُ يُدعَى «عنخ حابي» وأمه تدعى «تفنت» وقد ذكر كلًّا منهما بدون أن يصحبه لقب، ومن ثم نعلم أنه لم يكن من علية القوم؛ أي لم يكن من الطبقة الأرستقراطية، ومن أجل ذلك قد نال هذه المكانة وهذه الألقاب؛ بما أوتيه من علم وفطنة.

ومما سبق نعلم أن هذا الرجل قد نشأ من وسط متواضع ثم نال مكانته العظيمة في عهد «نقطانب»، الذي لمح فيه الذكاء والفطنة فقربه إليه وأعلى شأنه.

غير أنه مع أصله المتواضع أخذ يتمثل بعد وُصُولِهِ بعظماء القوم بسرعة، وقد اتخذ لنفسه هواية اقتناء قزم للتسلية؛ والواقع أنه قد وجد تابوت قزم في قبر «ثاي-حور-بتا» (راجع: Cairo 29030)، ومن نقوش هذا التابوت نفهم أنه لم يوجد في قبر «ثاي-حور-بتا» بطريق الصدفة، ولا أَدَلَّ على ذلك من النقش الذي جاء على تابوت هذا القزم حيث يقول: «بيان: «أوزير» القزم «زحر» (تيوس؟) سيد الاحترام ابن المرحوم «بدي خنسو» «بتيخونسيس» الذي وضعته «تارنش» والتي تنادى باسم «تاحابي» المرحومة، يا سيد الأسياد يا «أبيس-أوزير» أول الغربيين ورب الأبدية وملك الآلهة، إني قزم قد رقصت في قم (السرابيوم) حيث كان يدفن العجل «أبيس» وفي «شو-كبحو» (في هليوبوليس حيث كان يدفن العجل «منفيس») في يوم عيد الأبدية، فكل رجاء إليك نَفِّذْهُ لي، ليست روحك تميز الأمير الوراثي والحاكم والمشرف على الوجه القبلي، العظيم الخلق، الحسن الطبع الفهيم اللب، الحلو اللسان؟ … ومن يدخل في الأعماق وأنه ممتازٌ في الحب، منبسط الكف نحو كل إنسان، ومحبوب من الملك المفضل عند الإله والذي يعمل ما تحبه الناس، ومن دفن والده في قبره (في جبانته)، ومن دفن أمه في مثواها والمشرف على الحقول (وزير الزراعة) «ثاي-حور-بتا» صاحب الاحترام ابن «عنخ حبو» المرحوم، والذي ولدته ربةُ البيت «تفنوت المرحومة، ليت جسمي يكون بجواره في مبنى قبره؛ لأن رهبتك (أي رهبة العجل «أبيس») عظيمةٌ في قلبه، امنحه حياةً طويلة، وهي ملكك وسنوات مديدة بصحة بجوارك، وليتك تساعد روحه بين الأرواح العائشة على أن تحترم وأن يصل إلى سن الاحترام في سرور عندما يكون ممتازًا لدى الملك، إنه يرغب أن يدفن بالقربات الملكية، وإنه يرغب في دفنه في جبانة «منف» قبالة رب الآلهة، وليته يدخل ويخرج في حين يخدم روحه، وليته يتسلم قربانًا من مائدة القربان يوميًّا، وليت اسمه يُذكر في معبدك أبديًّا، وليتك تجعلني أمكث بجواره حينما أكون في مبنى قبره، وحينما أخدم روحك يوميًّا جزاء لما قد فعله لي.»

هذا، وقد نقش فوق صورة القزم التي على غطاء تابوته سطران أفقيان، جاء فيهما: «المقرب لدى «أوزير»، أول أهل الغرب الإله العظيم رب «روستاو» القزم الذي يرقص في «قم» في يوم دفن العجل «أبيس-أوزير» الإله العظيم ملك الآلهة الذي يرقص في «ش-كبح» (جبانة العجل «منفيس») في يوم عيد الأبدية «لأوزير منففيس» الإله العظيم «ب-ون-حتف» واسمه الجميل (أي الاسم الذي يُنادى به) وهو «زحر» (تيوس) ابن «بدي خنسو» والذي وضعته المرحومة «تا أبيس».»

هذا، ويلاحظ وجود صورة قزم على سطح غطاء التابوت الذي عليه هذا النقشُ السالفُ الذكر مصورًا بصورة غريبة، والواقع أنه يمثل صاحب التابوت المسمَّى «ب-ون-حتف» واسمه الذي يُنادى به هو «زحر» (تيوس) ابن «بدي خنسو» وأمه تُدعَى «تاونش» (الذئبة) واسمها الذي تنادى به هو «تاجي»، وعلى الرغم من أن اسمَي والديه لم يوجدا كثيرًا في المتون المصرية، فإنه بكل تأكيد ليس بالقزم الذي يرجع إلى سُلالة الأقزام في أواسط إفريقيا، بل وُلد قزمًا من والدين مصريين، ومع ذلك فإنه قد أسهم في الدور الذي كان يقوم به الأقزام في رقص القبور، وقد رأينا أنه قام بأدوارِ الرقص في الشعائر الجنازية الخاصة بالعجل «أبيس» في مدفن السرابيوم في «منف»، كما قام بالرقص الجنازي الخاص بالعجل «منفيس» في المكان المسمى «ش-كبح» التابع لمدينة هليوبوليس، وكذلك نعلم بأن هذا القزم كالكثير من أمثاله كان ملكًا لأحد أصحاب البيوتات التي تنتمي إلى رجال البلاط، وكان هو بمثابة مُضحك أو مُسَلٍّ لصاحبه، وقد كان «ثاي-حور-بتا» صاحبه يحتل مكانة عالية في بلاط الملك «نقطانب» الثاني، ومن ثم وجدنا هذا القزم مدفونًا معه في قبره، ومن النقوش التي وُجدتْ على تابوت القزم، نعلم أن أكبر أُمنية له كانت أن يُدفن بجوار سيده الذي كان يحبه حبًّا جمًّا.

ومِنْ ثم نراه يوجه دعاءه لأوزير أبيس ويرجوه أن يمنح سيده رضاه وعطفه، وأن يقدر له عمرًا طويلًا في شرف، وأن يضمن له قبرًا جميلًا بجوار السرابيوم، وقد أراد هذا القزمُ أن يُدفن هناك بجوار سيده؛ لأجل أنْ يقوم بخدمته، وذلك إظهارًا واعترافًا بكل الطيبات التي عملها له، ونجد أنه قد نال بُغيته تمامًا كما جاء على تابوته من نقوش تُحدثنا بذلك صراحة.

(٨) قطع بردي بالديموطيقة

مؤرخة بالسنة السادسة عشرة، العشرون من الشهر السابع من حكم الملك «نقطانب» الثاني والخامس والعشرون من نفس الشهر (؟).

عثر في «منف» (سقارة) على قطع من البردي مكتوبة بالخط الديموطيقي تحتوي على حسابات مؤرخة بالسنة السادسة عشرة، وهذه القطع محفوظة بالمتحف المصري (رقم: No. 30871–3)، (راجع: Spiegelberg Cat, Gen., Demot. PaP. p. 191-2 & Pl. LXVI & pl. LXV.; L.R, 173 No. 4 & A. 1).

(٩) نقوش من عهد «بطلميوس» التاسع

مؤرخة بالسنة الثامنة عشر من عهد الملك «نقطانب» الثاني.

توجد نقوش من عهد الملك بطليموس التاسع، على الجهة الخارجية، شرقي جدار سور معبد «إدفو» تُحدثنا عن هباتٍ مختلفة، أهداها ملوك مختلفون قبل عهد هذا الفرعون، وهذه النقوش تتحدث عن زيادة أملاك معبد «إدفو» بإهداء أراضٍ، وقد ذكر في هذه النقوش الملوك «نقطانب» الأول والثاني والملك «دارا» الفارسي بأنهم قد أهدوا أراضي لمعبد «حور» في «إدفو»، (راجع: L.D.IV 43 a, b, 44 a; L.D.T. IV p. 67; Brugsch Thesaurus III p. 538 ff. Pl. 1, 3, 18; 11, 7, 8; III 19; IV 18; VIII 19 Com p. Otto. Priester und Temple, Bd 1, p. 263 Anm. 2; De Rochemonteix-Chassinat, Le Temple d’Efu VII p. 189 ff; X. Pl, CLXXI–CL.XXVII, XIV Pl, DCXLVI-DCLIV; Porter & Moss. VI p. 167).

(١٠) بتوم (تل المسخوطة)

وجدت في الحفائر التي قام بها «كليدا» قطعتان من الحجر الجيري الأبيض، ونقش على إحداهما جزء من طغراء الملك «نقطانب» الثاني، وعلى الأخرى نقش أول متن معه لقب هذا الفرعون، (راجع: Rec. Trav. 36, p. III No. XI, 1, 2).
وهاتان القطعتان محفوظتان بمتحف «الإسماعيلية» الآن (Comp. Ancient Egypt, 1915 p. 28).

(١١) بتوم

عثر الأثر «نافيل» على قطعة من عمود مذهبة عليها اسم الملك «نقطانب» الثاني في بلدة «بتوم» تل المسخوطة؟ (راجع: Naville, A.Z. 21, p. 43; Naville Pithom, p. 11).

(١٢) بتوم

وكذلك عثر «نافيل» على قِطع كثيرة من الحجر الجيري الأبيض، يشاهد عليها الملك «نقطانب» الثاني يُقدم قربانًا للإله «آتوم»، وهذه القطع وُجدت عند الجدار الشرقي، وعند مدخل معبد «آتوم» وهي الآن بمتحف «الإسماعيلية» (راجع: Naville, Pithom. p. 12; Petrie, Tanis. I. p. 28 & Pl. XII, 7; Neuffer, Bittel. Schott. Mitt. D. Inst. II (1931), p. 58 & Pl. XI. D).

(١٣) قنتير

عُثر في «قنتير» على قِطع من مناظر عليها اسم الفرعون «نقطانب» الثاني، وهي آيةٌ في جمال الصُّنع ومحفوظةٌ في متحف الفن الصغير في مدينة «ميونيخ»، (Spiegelberg A.Z. 65, p. 103-4 & Pl. Vi, No. a & b).

(١٤) الطويلة

وجدت قطعة من الجرانيت الأحمر من عمود عليها اسم الملك «نقطانب» الثاني، وقد عُثر عليها مبنيةٌ في جدار منزل، ويحتمل أن هذه القطعة أتي بها من الكوم الأحمر الذي يبعد حوالي أربعة أميال غربي «الطويلة»، (راجع: Naville Goshen p. 4 & Pl. IX, H).

(١٥) صفط الحناء

وجد في هذه المدينة قطعةٌ من الجرانيت الأحمر، منقوشةٌ باسم الملك «نقطانب» الثاني، وهذه القطعة كانت مستعملة عند العثور عليها بمثابة حجر زاوية، (راجع: Naville Goshen p. 1, 5 Pl. VII C 1, 2).

(١٦) تل بسطة

تُعَد القاعة التي بناها «نقطانب» الثاني في «بوبسطة» من أهم المباني التي أقامها الفراعنةُ الأواخر في «مصر»، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أنه قد عُني عناية خاصة بمبانيها في «تل بسطة»؛ وذلك لأن العمارة التي أقامها في هذه الجهة تُعَد من أكبر العمائر التي أقامها، ومِن أعظم الآثار التي تركها لنا، وخرائبُ هذا المبنى تمتد نحو ٥٠ مترًا من جانبٍ واحدٍ، والظاهرُ أن المبنى الأصلي لم يكن أَقَلَّ من ذلك بكثيرٍ، ولا تزال توجدُ قطعٌ كثيرةٌ ملقاةٌ على الأرض هناك، ولكن لأجل أن نتصور المنظر الأصلي لهذا المبنى لا بد لنا أن نفهم أنَّ عشرات القطع الكبيرة من هذا المبنى قد نُقلت إلى أماكنَ أُخرى وإلى متاحفَ عدة، هذا فضلًا عن أنه توجد قطعٌ صغيرةٌ حول الخرائب هناك، وهي مِنْ أنواعٍ عدة من الأحجار المختلفة، وبخاصة الحجر الجيري، وحجر الكوارتز، وهذا يدل على أن المكان قد استُعمل يومًا ما محجرًا بعد أن هجر المعبد.

وقد تكلم «نافيل» عن هذا المعبد، ثم تناول من بعده الكلام عليه الأثري «لبيب حبشي» وأضاف بعض الآراء والنقوش التي غابت عن «نافيل» كما وصف المبنى وحدده بقدر المستطاع على حسب رأيه.

وهاك وصف هذا المبنى مبتدئًا من الجهة الشرقية، ففي هذه الجهة لا تزال توجد أجزاءٌ مِن عتبتي بابين وجدهما «نافيل»، ولعتب من هذين العتبين إفريز محلي بعلامة «خكر» (= زينة) فوق قرص شمس مجنح له ذراعان ممتدتان إلى أسفل، ويوجد بين الذراعين نقشٌ يذكر «حور» رب الحماية، ويشاهد خارج الذراعين صقورٌ بتيجان مختلفة وصلان ويسمى الأول «نخبيت حزيت» والثاني يسمى «اجو» صاحبة «دب» وعلى اليسار بقايا نقش مهشم.

وهذه القطعة يظهر أنها تلتئم مع أُخرى، مثل عليها الملك راكعًا أمام مائدة قربان وبإحدى يديه صولجانٌ وبالأخرى قدح بخور، وقد نقش أمام الملك وفوقه اسمه ولقبه، وسطر عمودي جاء فيه: «كلام «حور» رب الحماية.» وفي أعلى خط عمودي جاء فيه: «بحدتي الإله العظيم، رب السماء، صاحب الريش الملون، والذي أتى من الأفق.» وهذا المتن الأخير يتلاءم مع المتن الذي مع قرص الشمس المجنح الذي على القطعة السالفة الذكر، وهناك قطعةٌ أُخرى قريبةٌ من السابقة، عليها رسمُ مائدة قربان وقطعةٌ من صورة الملك، وعلى ذلك فإن هذه القطع الثلاث تكون وحدةً منسجمة مثل عليها الملك مع موائد قربان تواجه صور صقور بينها.

ويوجد عتبٌ آخرُ لم ينشر بعد، عُثر عليها في الجزء الجنوبي الشرقي من خرائب المعبد، على مقربة من الأجزاء الأخرى من العتب، ويوجد في وسطه أفريز مؤلف من حلية «خكر» رسم تحته شمس مجنحة بذراعين يقبض كل منهما على ريشة ونقش مع القرص: «بحدتي» الإله العظيم رب السماء.

وأسفل من ذلك نسرٌ يلبس تاج «اتف»، ويُلحظ أن النسر يقدم رمز السلطة إلى صقر يلبس تاجًا مزدوجًا (الملك)، وخلف النسر النقش التالي: «نخبيت» (البيضاء) صاحبة «نخن»، صاحبة الذراع الطويلة (سيدة قصر الوجه البحري) سيدة «برنسرت» (= بيت النار).

ويقابل النقش الأخير هذا صورة إله النيل، وعلى رأسه حزمةٌ من البردي، وبين يديه مائدة قربان، عليها فطائرُ وأزهار، ويشاهد عند قدمي «حعبي» عجل محلًّى بالزهور وكتب فوق صورة «حعبي» (النيل) كلام «حعبي»، وأمامه صقرٌ يقف على محراب، وبجانبه قرص شمس بجناح واحد، وهذا المنظرُ يكاد يكونُ أَقَلَّ من نصفه محفوظًا؛ ومن ثم يُمكن أن يكونَ طُولُهُ في الأصل لا يَقِلُّ عن ثلاث أمتار، ويشاهد على وجه قطعة مجاورة جزءٌ من منظر كان يُزَيِّنُ سقف المدخل، ومن هذا الجزء من السقف ومن الأجزاء الأخرى المماثلة على العتبات الأُخرى يفهم أن السقف كان على جوانبه عمودٌ من النقوش، جاء في بدايته: الإله الكامل رب الأرضين «سنزم آب-رع ستب ن انحر» (لقب «نقطانب» الثاني)، وقد مثل بين هذين السطرين على التوالي نسر الوجه القبلي وصل الوجه البحري، وقد نقش فوق النسر: «نخبيت» (البيضاء) صاحبة «نخن»، صاحبة الذراع الطويلة سيدة قصر الوجه القبلي، ليتها تُعطى الحياة والثبات والسلطان لملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم-اب-رع ستب-ن-انحر» بن «رع» نخت حور حبت («نقطانب» الثاني) بن «باستت» محبوب — «انحر»، ونقش فوق الصل «إجو» صاحبة «بي-دبت» سيدة «بوتو» وربة «برنسرت» ليتها تُعطى الحياة والثبات والسلطان لابن «رع» «نخت-حور-حبت-سا-باستت مري-انحر»، «نقطانب» الثاني.

والواقعُ أنه كان يوجدُ على الأقل مدخلان لهذا المبنى في الجهة الشرقية، يؤديان إلى هذه القاعة، وكان لكُلِّ واحدٍ منهما عتب، وكان يلاصق هذين العتبين قطعتان من الحجر يجوز أنهما كانتا تحليان الواجهة، وقد رسم على إحداهما صل على سلة فوق حزمة من البردي، ونقش في الخلف الإلهة «إجو» صاحبة «بي-دبت» صاحبة «برنو» القاطنة في «برنسرت» (= بيت النار) ليتها تُعطى الحياة والسلطة مثل «رع» أبديًّا.

أما القطعة الأخرى فقد رسم عليها الجزء الأعلى من الإلهة «باستت» ومعها النقش التالي: إني أعطيك الحياة كلها والثبات والسلطان مثل «رع» (؟): بيان «باستت» العظيمة سيدة «بوبسطة» التي تخلق التحول في حقل الإله، والواحدة التي على أسرار «آمون».

هذا، وتوجد بجوار هذه القطعة قطعة أخرى يحتمل أنها كانت في أعلى الواجهة.

الجزء الأوسط من الخرائب: اعتقد الأستاذ «نافيل» الذي كشف عن خرائب معبد «تل بسطة» أن القاعة التي أقامها «نقطانب» الثاني لم تكن قد تمت بعد عند وفاة «نقطانب»، ولكن البحث الذي قام به الأثري «لبيب حبشي» يدل على أن هذه القاعة قد تمت — على حسب رأيه — والواقع أنه قد وُجدت أجزاءٌ كثيرةٌ في الجزء الأوسط من هذه القاعة قد تم نقشها، مما يدل على أن القاعة كانت كاملة عند موت «نقطانب»، وهذا فضلًا عن أنه نقل عدد كبير من أجزاء هذه القاعة إلى جهات أُخرى خارج «تل بسطة»، وهذه الأجزاء الباقية يمكن أن تُقدم لنا فكرة لا بأس بها عن هذا الجُزء من المعبد؛ وذلك لأن من الواضح أن هذه الجدران كانت محلاة بصفوف عدة، فصل بعضها عن البعض الآخر بعلامات السماء المزينة بالنجوم، وكان كل صف يحتوي على صور للملك يؤدي شعائرَ أمام آلهة «بوبسطة» الذين كانوا يعدونه بالإنعامات مقابل صنع يده لهم.

ولم يوحد في هذا الجزء من المعبد إلا أجزاءٌ صغيرةٌ من العمد، كانت صالحة لعمل الطواحين؛ ولذلك فإنها كانت تُحمل إلى جهات نائية لهذا الغرض، وقد وُجدت قطع من هذا النوع على مقربة من المعبد نُقش عليها بعض النقوش التي تحتوي على لقب «نقطانب» الثاني، وفي نهاية هذا الجزء من المعبد عثر «نافيل» على قطعتين كبيرتين مع إفريز طويل مزين بعلامات «خكر» (زينة) وفي أسفلها جزء من سطرين أفقيين بحروف كبيرة أولهما يتحدث عن إهداء المعبد للآلهة «باستت»، والثاني عليه نقشٌ جاء فيه: أن «باستت» قد طهرت «رع» في الأزل وأنها ترضع «إزيس» في «تترت» … المحارب»، وقد عثر الأثري «لبيب حبشي» على قطعة ثالثة، عليها نقش يتحدث كذلك عن إهداء المعبد مثل القطعة الأولى: «… محبوب «باستت» سيدة «بوبسطة» الواحدة التي على أسرار «آتوم» وأنه (أي الملك) قد عمله بمثابة أثره، (٢) … سأعمل للمعبد «باستت» كما عمل …»

الجزء الغربي من الخرائب: كشف «نافيل» في خرائب المعبد؛ ناووسين من الجرانيت الأحمر أرسل أحدهما إلى متحف «القاهرة»، والثاني إلى المتحف البريطاني، فالناووس الأول يحتوي على الجزء الأسفل، وقد ظهر على جدرانه صورة الملك مرتين راكعًا وهو يقدم رمز العدالة، وقد نعت على أحد جوانبه بأنه محبوب «اجو» سيدة «نبت» القاطنة في «بوبسطة» وأنها تعطى كل الحياة، أما جزء الناووس الذي في المتحف البريطاني، فقد مثل عليه الملك مرتين أمام الآلهة «باستت» التي تسمى «باستت سيدة الناووس» وعين «حور» البارزة في حقل الآلهة، ربة السماء، وسيدة كل الآلهة، وفوق ذلك بعض صقور ناشرة أجنحتها حامية طغراء الملك، وفي أسفل ثلاث صور للملك وهو يرفع السماء المحلاة بالنجوم.

وهناك ناووس آخر وجد في «القاهرة» مستعمل في بناء حديث، وعلى حسب نقوشه لا بد أن يكون قد أقيم في معبد «تل بسطة» وقد نعت — على جانبه الأيسر — الملك بأنه محبوب «باستت» العظيمة سيدة «تل بسطة» و«عين رع» سيدة السماء وربة كل الآلهة، ونعت على الجانب الأيمن بأنه محبوب «حرسفيس» ملك الأرضين الذي يسكن في «بوبسطة»، (راجع: Roeder, Cat. Gen. p. 44-5).
ولا بد أن نضيف إلى هذه النواويس الثلاثة أربعة أخرى وجدت أجزاؤها في مكان آخر، وعلى ذلك كانت توجد على أقل تقدير سبعة نواويس في البناء الذي أقامه «نقطانب» الثاني في «تل بسطة»، ومما لا شك فيه أن ملوك الأسرة الثلاثين كانوا مغرمين بإقامة النواويس، ونحن نعلم أن من بين النواويس التي في المتحف المصري أحد عشر من أعمال ملوك هذه الأسرة، وقد تحدث «نافيل» عن البناء الذي أقامه «نقطانب» الثاني في «تل بسطة» على أنه قاعة، وقد عارضه الأثري «لبيب حبشي» الذي فحص المعبد من جديد، وأورد حججًا على أنه معبد قائم بذاته، (راجع: A.S. Cahier No. 22, p. 85 etc).

ومما هو جديرٌ بالذكر هنا أن الملك «نقطانب» الثاني قد وجه عناية خاصة لعبادة الإلهة «باستت» ولا أدل على ذلك من أنه اتخذ نعت «ابن باستت» بدلًا من «ابن إزيس» في طغرائه.

هذا فضلًا عن أنه قد أراد على ما يظن أن يقوي مكانته في الجزء الغربي من الدلتا، حيث كان يوجدُ بعضُ الخطر من غزو جديد للبلاد، ومع ذلك فإن هذا مجرد زعم قد يُصيب أو يخطئ.

تل بسطة

(١٧) وفي نهاية القاعة وجد ناووس من الجرانيت الأحمر أقامه «نقطانب» الثاني للإلهة «باستت» وكان ارتفاعه في الأصل ١٫٥٣ مترًا (راجع: Roeder, Cat. Gen. Näos, p. 49)، ولم يبق منه إلا الجزءُ الأماميُّ من القاعدة، وكذلك بَقِيَ جزءٌ من الزَّاوية الأمامية، وقد مثل على هذا الجزء الأمامي من الجهة الشمالية الملك يقدم العدالة لآلهة لم تمثل وقد ركع على طوار، ويرفع الملك في يده اليسرى إلهة العدالة، ويده اليمنى إلى الأمام، وقد نقش معه المتن التالي: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم آب-رع ستب-ن-أنحور» (٢) ابن رع من جسده على عرشه رب التيجان «أخت حور حبت» ابن «باستت» محبوب «أنحور»؟ محبوب «وازيت» ربة القوة نزيلة «باست»، ليتها تعطى كل الحياة.»

ونقش أمام الملك: «يعطي العدالة أمه وتعطيه الحياة.»

ونقش على الجزء الأيمن متن مهشم بعض الشيء، ويحتوي على علامات غامضة، (راجع: Ausf. Verz. p. 246).
(١٨) ويوجد في المتحف البريطاني قطعةٌ من ناووس نُقش عليها «حور» الذهبي وطغراءه تشملان لقب الفرعون «نقطانب» الثاني واسمه، ويشاهد صورة الملك يتعبد للإلهة «باستت» واسمه وألقابه، كما تُشاهد صورة الملك يؤدي حفلًا دينيًّا، وهذا الأثر عُثِرَ عليه في «تل بسطة» ويبلغ ارتفاعه خمسة أقدام وست بوصات، (راجع: Egyptian Galleries Sculprure p. 248).
ويُقال إن هذا الجُزء من الناووس والجزء السابق له من ناووس واحد وقيل من ناووسين، (راجع: L.R. IV p. 176; Kienitz Ibid. p. 217).

(١٩) بوبسطة

جزء من تمثال للملك «نقطانب» الثاني، ومن المحتمل أن هذا التمثال كان يمثل الفرعون جالسًا، وبالقرب منه شخص آخر صغير الحجم، وقد نقش على جانبي التمثال، وعلى ظهر العرش موكبٌ من الصورة، ونقش يشير إلى أعياد، وتواريخها، (راجع: Naville, Bubastis, p. 58 & Pl. XLIII … F.F.F.). ٣٫١ تجاه تماثيل معبد أمه «وسرت» (القوية) «باستت»، (…) ٤٫١ رب التيجان في عيد أول يوم في الشهر وفي عيد نصف الشهر، (…) ٥٫١ في الخامس من شهر طوبة، وهو اليوم الذي نحت فيه التمثالُ.

(٢٠) تل بسطة

وجد في «تل بسطة» قطعةٌ من تمثال مصنوع من الجرانيت القاتم، محفوظة الآن بالمتحف المصري، وهذه القطعةُ هي عبارة عن القدم اليمنى للملك «نقطانب» الثاني، وقد نُقش عليها جُزءٌ من اسمه، (راجع: Kienitz, Ibid. p. 217).

(٢١) بسطة

وُجد في «بوبسطة» ناووسٌ من الجرانيت القاتم المبرقش، ويبلغ ارتفاعُهُ ١٫٩٥ مترًا، وُجد في «القاهرة»، ولكنه — على حسب نقوشه — لا بد كان قد أُتي به من «بوبسطة»، وقد نقش على عضادتي بابه المتن التالي:

على المصراع الأيمن: حور «محبوب» الأرضين ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم آب-رع ستب-ن-أنحور» ابن رع رب التيجان «نخت حور حبت» ابن «باستت «محبوب» أنحور» ومحبوب «حرشف» ملك الأرضين القاطن «باست»، ليته يُعطى الحياة مثل «رع» أبديًّا.

ونقش على المصراع الأيسر: «حور» محبوب الأرضين ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «سنزم آب-رع ستب-ن-أنحور» ابن «رع» رب التيجان «نخت-حور-حبت» ابن «باستت» محبوب «أنحور» محبوب «باستت» العظيمة ربة «بوبسطة» وعين «رع» رب السماء وسيدة الآلهة «ليته يُعطَى كل الحياة مثل «رع» أبديًّا»، (راجع: Koeder, Cat. Gen. p. 44-45; Maspero Guide (1914) p. 194, No. 820, Daressy, Rec. Trav. 14 (1893) p. 29, No. XLIII).

(٢٢) تل بسطة

يوجد بالمتحف المصري منظر نحت في الجرانيت الأحمر مستخرج من «تل بسطة»، ويرجع إلى عهد الملك «نقطانب» الثاني، (راجع: Maspero-Quibell, Guide p. 169-170, No. 646; G.L.R. IV p. 176 No. 3).

(٢٣) تل بسطة

وعُثر في «تل بسطة» على الجزء الأسفل من مسلة من الجرانيت، محفوظةٌ بالمتحف المصري (f. 17631)، (راجع: Kuentz. Cat. Gen. Obelisques. p. 62-63; Maspero-Quibell, Guide. p. 197 No. 751).

وقد نقش عليها اسم الملك «نقطانب» ويحتمل أنها من «هربيط» (؟).

(٢٤) تل بسطة

عُثر في «تل بسطة» على جذع تمثال صغير لحامل خاتم الوجه البحري المسمى «عنخ حاب»، وهو مصنوعٌ من الشست الأسود (راجع: J.D.E 41677)، وقد عاش هذا العظيم في عهد الملك «نقطانب» الثاني، والمتن الذي على هذا التمثال يشبه المتن الذي على لوحة «مترنيخ» التي سنتكلم عنها بإسهاب فيما بعد، والواقع أن الحالة التي وُجد عليها هذا التمثالُ تجعل من الصعب ترتيب متونه وأشكاله، وقد حاول نقلها الأثري «دارسي» دون التعرض لحلها، (راجع: A.S., II p. 187–191).

وعلى أية حال فإن المتن كله عبارة عن تعاويذ سحرية تتفق مع ما كان شائعًا في ذلك العصر. ويلاحظ أن صاحب التمثال قد مثل قابضًا على ناووس عليه نقوش سحرية.

(٢٥) تل بسطة

وجد في بلدة «دنديط» مركز ميت غمر قطعة من حجر الكوارتزيت عليها اسم الفرعون «نقطانب» الثاني، ويقال إن هذه القطعة قد جيء بها إلى «دنديط» من «تل بسطة» التي لا تبعد كثيرًا عنها، وهذه القطعة كان قد استعملها أهالي «دنديط» بمثابة حجر طاحون، (راجع: A.S. XIII, p. 123).

(٢٦) هربيط

وجد في معبد «هربيط» قطعٌ كبيرةٌ مبنيةٌ فيه عليها اسم الملك «نقطانب»، (راجع: Naville, Goshen p. 4).

(٢٧) بلبيس

عثر على من الأثريين «نافيل» (Mound of the Jews p. 22 Pl. 11, a, b, c)، «وإدجار» على عدة قطع منقوش عليها اسم «نقطانب» الثاني، وهي من حجر الجبل الأحمر ويُلحظ هنا أن الإلهة «باستت» كانت الإلهة الرئيسية التي كان يقدم لها القربان.
هذا، وقد رأى الأثريُّ «إدجار» في بيت في وسط المدينة قطعتين من الجرانيت الأسود لنفس الملك، وهما مِن ناووس للملك «نقطانب» الثاني، ويلاحظ هنا أن النقوش الهيروغليفية قد نُحتت بدقة ولُوِّنَتْ باللون الأحمر، وجاء عليها:
  • (١)

    محبوب الأرضين ممثل السيدتين (المسمى) المفرح قلب الإلهة، «حور» الذهبي (المسمى) المثبت …

  • (٢)

    «محبوب» الأرضين ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «سنزم-اب-رع» الذي اختاره «أنحور» بن «رع» رب التيجان «نخت حور حبت» ابن «باستت» محبوب «أنحور».

هذا، وقد وُجدت قطعتان منقوشتان في منازل الأهالي، الأولى قطعةٌ من الجرانيت يظهر أنها من ناووس أو باب، وهي من الجرانيت الأسود، وهي بلا نزاعٍ موحدة بالقطعة التي وجدها «نافيل» في «تل اليهودية»، (راجع: Mound of the Jews Pl. 11-a).
والقطعة الثانية من الحجر الأحمر، وكلاهما قد نقش عموديًّا، والإله «منتور» الذي ذكر هنا معروف من النقوش أنه كان يعبد في «بوبسطة» مع الإلهة «باستت» (راجع: Naville, Bubastis p. 24; A.S. XIII p. 124 No. 1).

والنقش الذي على القطعة الأولى هو: «حور» محبوب الأرضين ممثل السيدتين (المسمى) المفرح قلب الإلهة «حور» «الذهبي».

(٢) وجاء على القطعة الأخرى: محبوب «منتو» عظيم القوة القاطن في «بوبسطة»، ليته يُعطَى كل الحياة وكل الثبات وكل القوة وكل السلامة مثل «رع» أبديًّا، (راجع: Naville, Mound of the Jews p. 22 & Pl. 11. a. b, c; Edgar, A.S. 13, p. 279-280; Junker, Mitt. D. Inst. I, (1930) p. 30–32, p. 3 Abb. 3-a, b, d.).
وقد شرح الأثري «ينكر» كل الكتابات التي على هذه الأحجار التي وجدت في «بلبيس» شرحًا وافيًا، وتناول الأثري «لبيب حبشي» كل القطع التي عُثر عليها في «بلبيس» وأورد حججًا على أنها كلها كانت في الأصل في «تل بسطة» ثم نقلت إلى «بلبيس» لأغراض أخرى، (راجع: A.S. Cahier 22, p. 123–140).

(٢٨) البقلية

يوجد بالمتحف البريطاني الآن مسلتان من البازلت الأسود، ضاع الجزء الهرمي منهما، وقد أهديا للإله «تحوت» المضاعف العظمة، وقد أهداهما الملك «نقطانب» الثاني ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم-اب-رع» المختار من «آمون» بن رع «نخت حور حبت» محبوب «آمون».

وقد أخذت هاتان المسلتان من بلدة في الدلتا، ويحتمل كثيرًا أنها بلدة «البقلية» الحالية خلال القرن الثامن عشر لتُقام أمام أحد جوامع «القاهرة»، وقد أُخذتا فيما بعد إلى المتحف البريطاني عام ١٨٠٢م.

وتُحدثنا النقوشُ التي عليهما أنهما كانتا قد أُقيمتا عند باب محراب حجرة من معبد «تحوت»، (راجع: Descr. De l’Egypte, V. Pl. 21-22; X, p. 486-7 Guide Brit, Mus. p. 395, fig. 218; Guide Brit, Mus. Sculptures. p. 247 No. 919-20; G.L.R. IV p. 178 No. 30; Porter & Moss. IV 72-3 p. 168).

(٢٩) سمنود

معبد «أنوريس-شو» في «سمنود» جدده «نقطانب» الثاني، احتفظت بلدة «سمنود» باسمها القديم فهو محرف عن المصرية القديمة «ثاب نتر»؛ أي «بلدة العجل المقدس» ومن ثم اشتق الاسم الحالي من «سابنوتي» البابلي والقبطي «تمنوتي» والعربي «سمنود»، و«سمنود» عاصمة المقاطعة الثانية عشرة من مقاطعات الوجه البحري، وكان معبودُها هو الإله «أنحور = أنوريس»، وكان في المدينة معبد لعبادة الإله «أنحور» هذا، وكانت تعبد فيه كذلك الإلهة «حتحور» باسم «حوريت» محبوبة «أنحور»، وكانت أم «أنحور» هي الإلهة «تفنت»، وهو نفسه ابن الإله «شو»، وتدل شواهدُ الأحوال على أنه في هذه المدينة قد أقام الملك «نقطانب» الثاني معبدًا لهذا الإله؛ فقد وجد فيه «نافيل»، (راجع: Naville, Mound of the Jews Pl. VI).
قطعًا من الجرانيت باسم نقطانب الثاني، واحدةٌ منها عليها صورة إله النيل، ووُجدت قطعةٌ باسم هذا الملك، وعليها حامل قربان بنيت في جامع، (راجع: Porter & Moss IV p. 43)، أما الأثري أحمد كمال فقد عثر على قطعتين من الجرانيت الرمادي عرض الأولى ١٫٢٠ مترًا وطولها ٠٫٨٠ مترًا وسمكها ٠٫٦٠ مترًا، وقد مثل عليها الملك واقفًا يقدم قربانًا ونقش لقبه «سنزم-اب-رع» المختار من «أنحور»، ثم مثل الملك ماشيًا أمامه الحياة والثبات والعافية، ثم بقية ثلاثة أسطُر جاء فيها:
  • (١)

    … «شو» ابن «رع» رب «سمنود» إنه يحفر لك …

  • (٢)

  • (٣)

    كل … وكل السلامة وكل فرح القلب مثل «رع» أبديًّا.

والقطعة الثانية: من الجرانيت الرمادي عرضها ١٫٢٥ مترًا وطولها ٠٫٨٠ مترًا باسم «نقطانب» الثاني، وقد نُقش عليها لقب هذا الفرعون، ثم قربان يقدمه الملك، ولدينا بعد ذلك ثلاثة أسطر جاء فيها:
  • (١)

    نخت حور حبت «محبوب» «أنحور» إنك تعطيه حماية الأراضي عندما يظهر على عرش «رع» عائشًا مثل «رع» أبديًّا.

  • (٢)

    «حور» قوي الوجه والساعدين القاطن في «نبو» (تل أدفينا)، إنه يمنحك كل شيء طيب يخرج من الأرض.

  • (٣)

    «سنزم-اب-رع» المختار من «أنحور» لقد أحضر إليك بيت «شو» ابن «رع» رب «سمنود» …

هذا، وقد ذكر «نافيل» (راجع: Rec. trav. X. p. 57)، أنه من بين قطع هذا المعبد يوجد بقايا قائمة بأسماء المقاطعات من عهد الملك «نقطانب» الثاني.
والظاهر من النقوش السالفة الذكر هنا أن المحراب الجديد الذي أقامه هذا الفرعون كان يسمى بيت «شو» وهو بالإغريقية Pherso وفي عهد الملك «نقطانب» الثاني قد عملت إصلاحاتٌ في المعبد القديم، وأُضيف إليه جزءٌ جديد، والظاهرُ أنه كان قد تم الإصلاحُ والإضافة في السنة السادسة عشرة من حكم هذا الفرعون، ولكن قد بقي نقش الرموز الهيروغليفية الخاصة بالمحراب.
والظاهرُ — على حسب القصة الإغريقية — أن الموظف الذي كان مكلفًا بهذه الأعمال قد تَوانى كثيرًا في انجازها، وعلى أثر هذا الإهمال ظهر الإله «أنوريس Ares»، وهو إله الإغريق، في المنام للفرعون وخاطب «إزيس» شاكيًا «ساموس Samous» الذي كان قد وكل إليه أعمال المعبد، وقال الإله إن الحاكم قد أهمل معبدي، وإن أعمال المحراب قد بقيتْ لهذا السبب لم يتم غيرُ نصفها، وعندئذٍ استيقظ الملكُ من نومه وأمر بأن يرسل على وجه السرعة إلى «سمنود» في أعماق الإقليم في طلب الكاهن الأعظم وكاهن «أنوريس»، وعند وصولهما إلى القصر سأله الملك: ما هي الأعمال الباقية التي لم تتم في معبد «فرسو» (معبد شو)؟ فأجابه أن كل شيء قد تم إلا حفر الهيروغليفي على الجدران المصنوعة من الحجر، وبإذن من الملك كلف مهندس العمارة «بتيزيس» أحد مواطني بلدة «أفروديت» بإنهاء هذه الأعمال في مائة يوم، (راجع: Naville, Mound of the Jews p. 25-26, Pl. VI A; Ahmed Kamal A.S. 7 (1907) p. 88-89).

(٣٠) سمنود

الجزء الأعلى من ناووس من حجر الديوريت الأخضر، مثل عليه قربانٌ من النبيذ للآلهة «شو» و«باستت» و«أنوريس» محفوظٌ بالمتحف المصري، (راجع: Cairo Museum No. 70015)، ونقش فوق صورة الملك اسمه ولقبه ونصبتْ أمامه مائدة قربان عليها آنية خمر …

ونقش أمام الإله «شو»: «بيان: إني أعطيك المملكة العظيمة بقلب فرح.»

ونقش أمام الإلهة «باستت»: «بيان: لقد منحتك كل القوة وكل النصر، الإلهة «باستت» ربة «بوبسطة» وعين رع ربة السماء.»

ونقش أمام «أنوريس»: «بيان: لقد منحتك كل الحياة وكل الثبات وكل القوة وكل السلامة «أنحور» قوي الساعد الإله العطيم ورب السماء.»

(راجع: Roeder, Cat. Gen Naos. p. 47-48 & Pl. 63 c, d; Naville. Details Relevés dans les ruines de quelque tomples Egyptiens Pl. 17, A. 1, 2.)

(٣١) سمنود

ناووس الإله «أنوريس» من الشست الأخضر محفوظ بالمتحف المصري ولم يتم صنعه، (راجع: Cairo Museum No. 70012).
وجد في مستشفًى بالقاهرة، ويبلغ ارتفاعُ هذا الناووس ٢٫٠٣ مترًا، ورسم فوق فتحة الباب قرص الشمس المجنح يكنفه صلان، والمتن الذي على مصراع الباب الأيمن هو الذي نقش وهو: «حور» محبوب الأرضين … ممثل السيدتين «المسمى» مهدئ قلوب الآلهة، والذي يضرب البلاد الأجنبية، ملك الوجه القبلي والوجه البحري (المسمى) «سنزم آب = رع» المختار من «أنحور» ابن رع (المسمى) «نقطانب» محبوب «أنحور» و«إزيس» مُعطَى الحياة مثل «رع» محبوب «أنحور-شو» بن رب «سمنود» و«محيت» بوبسطة، (وجه إلهة في صورة لبؤة) … (راجع: Roeder Ibid, p. 42-43, 14; Porter aud Moss. II, p. 44).

(٣٢) بهبيت الحجر: معبد الإلهة «إزيس» (أزيوم)

تدلُّ شواهدُ الأحوال على أنه قد أُقيم للإلهة «إزيس» معبدٌ يرجعُ تاريخُهُ للملك «نقطانب» الأول (نخت نبف)، وقد يجوزُ أنه يرجع إلى ما قبل ذلك، غير أننا لم نعثرْ على ما يُثبت ذلك.

ولكن من المؤكد أن الملك «نقطانب» الثاني قد أقام محرابًا لهذه الإلهة، وجاء بعده ملوكُ البطالمة وزادوا فيه، وبخاصة «بطليموس» الثاني والثالث.

وقد أشار الجغرافي الفرنسي «إنفيل»٣ منذ زمن بعيد إلى معبد «بهبيت الحجر» «بالدلتا ووحده بالمعبد الذي جاء ذكره في «بليني» المسمى Isides Appldum.
(راجع: Hist. Natur. Ed. Ludov. Janus p p. 5, KaP. 11.)
كما أشار إليه «ستيفان» البيزنطي باسم Iseum هذا، وقد أشار إليه الإنجليزي Recard Pocoke في كتابه «وصف الشرق»، (راجع: A. Descripition of the East and some other countries (London 1743) Vol. I, 21).
هذا، وقد وصف هذا المعبد للمرة الأولى في كتب الآثار في مجموعة وصف «مصر» التي يرجع عهدها إلى حملة «نابليون»، (راجع: Description de l’Egypte Tome. 5 (paris 1826) 160–166 et Tome 15 (paris 1826) p.p. 202–205).

وقد تكلم طويلًا «السير جاردنر ولكنسن» عن «بهبيت الحجر».

(راجع: Wilkenson Modern Egypt and thebes (London 1843) Vol. 1, 434–37.)
وقد أحضر «لبسيوس» من «بهبيت» رسومًا من مناظر ودون بعض الملاحظات، (راجع: L.D. III 287 b; L.D.T.I. p. 5 & 220; L.D. III 301 No. 83, 84; Piehl, A.Z. 26 (1888) p. 109–111).

وقد بقي في أنقاض المعبد بقايا منظر للملك «نقطانب» الأول وهو يقرب كتانًا، هذا بالإضافة إلى صورة إله من منظر آخر.

(راجع: Naville. Details relevés dans les ruinesde quelques Temples Egyptiens, p. 6 A, 7 A.B.C.; Com p. Röeder, A.Z. 46, p. 62 ff..)

هذا، وقد نقل جزءًا كبيرًا من نقوش هذا المعبد الأثري «رويدر» والأثري «إدجار» ومعظمها من آثار الملكين «بطليموس» الثاني والثالث، أما عن آثار «نقطانب» الثاني، فقد نقل «رويدر» نقوش حوالي ١٤ قطعة، قد ترجم معظمها، وكل ما جاء فيها لا يخرج عن كونه صيغًا عادية مما يُنقش على المعابد.

ويعتقد الأثري «إدجار» أنه من الممكن إنقاذ جزء كبير منه، ووضع الأحجار في أماكنها الأصلية، والظاهر — على حسب رأيه — أن المعبد كان يواجه الغرب، وقد وُجدت النقوشُ القديمةُ في النهاية الشرقية، أما النقوش الحديثة؛ أي التي مِن عهد البطالمة، فقد وُجدت في النهاية الغربية من التل.

هذا، ويكتفي «إدجار» بالقول: إن في الشمال الشرقي توجد عدةُ قِطع مبعثرة، يحتوي الكثير منها على اسم الملك «نقطانب» الثاني، أما على الحافة الشرقية من المعبد فنجد صفًّا من الأحجار عليها طغراءات «بطليموس» الثاني، أما طغراءات «بطليموس» الثالث فتوجدُ عند النهاية الغربية من الخرائب.

هذا، وقد عُثر على بعض قطع في قرية «بانوب» القريبة من «بهبيت»، جاء عليها اسمُ «نقطانب» الثاني.

وقد ذكر على أحجار هذا المعبد آلهةٌ عدةٌ، نخص بالذكر منها «إزيس» و«أوزير» و«رع حور آختي» و«آتوم» و«آمون» و«سبك» و«تانن» و«أمست» و«حعبي» و«نفتيس» و«نيت» و«محيت» و«ورت حكاو» و«وازيت» و«نخبيت» وغيرها، كما هي العادة في نُقُوش المعابد؛ إذ يذكر عليها معظم الآلهة المصريين، وبخاصة في العهد المتأخر.

(راجع: Rec. Trav., 35 (1913) p. 89 ff; A.Z., 46, p. 62, ff..)

(٣٣) بهبيت الحجر

يوجد في «روما» صور أربعة آلهة من عهد الملك «نقطانب» الثاني «يُقال إنها من بهبيت غير أن ذلك فيه بعض الشك»، (راجع: Porter & Moss; IV p. 40; Sphinx 18, p. 67–9).

(٣٤) بهبيت الحجر

قطعة نحاس متداخلة (عاشق ومعشوق) عليها طغراء «نقطانب» الثاني اشتريت من «بهبيت الحجر» في عام ١٨٠٢م، وهي موجودة في فالنتيا Valentia (جزيرة صغيرة وقرية في غرب أرلندا)، (راجع: Voyages and Travels (1809) II Pl. 23, 2; III p. 438).

(٣٥) بهبيت الحجر

قطعة من تابوت مصنوع من البازلت لصاحبه «حور سا إزيس» وزير الملك «نقطانب» الثاني، وذكر عليها كذلك اسم «نقطانب» الأول، (راجع: Spiegelberg, A.Z. 64 (1929) p. 88-89; p. & M. IV p. 42).

ومما هو جديرٌ بالذكر هنا أن الأثري «آرثر فيل» في قائمته عن وزراء العصر المتأخر قد ذكر وزراء كثيرين بهذا الاسم، غير أنه لم يمكن تحديد عهد كل واحد منهم بصفة قاطعة، ومن أجل ذلك فإن وُجُود النقش الذي نحن بصدده الآن مؤرخًا بعهد الملك «نقطانب» الثاني وباسم وزيره «حورسا إزيس» قد جعل له قيمة عظيمة.

وهذا الأثر الذي عليه هذا النقشُ يحتمل أنه قطعة من البازلت الأسود مساحتها (٤٥ × ٦٢) سنتيمترًا، وهي محفوظةٌ الآن في متحف «القاهرة».

(٣٦) المحلة الكبرى

وعُثر في «المحلة الكبرى» على قطعةٍ من تمثال صقر ضخم مصنوع من الجرانيت الأسود نقش عليه اسم الملك «نقطانب» الثاني «نخت حور حبت».

(راجع: Porter & Moss IV p. 42.)

(٣٧) الإسكندرية

تابوت الفرعون «نقطانب» الثاني، عُثر على هذا التابوت في «الإسكندرية»، وهو محفوظٌ الآن بالمتحف البريطاني، وهو مصنوعٌ من حجر البرشيا، ومزيَّن من الداخل بصور آلهة الموتى، ومعظمها الآن قد مُحي، ومن بين هؤلاء الآلهة أولاد «حور» الأربعة وهم «أمستي» و«حابي» و«دواموتف» و«قبح سنوف»، هذا بالإضافة إلى «أنوبيس» إله الموتى والتحنيط.

كما يُشاهَد على التابوت — عند رأس المتوفى وقدميه — صورتا الإلهتين «إزيس» و«نفتيس» ناشرتين أجنحتهما، وكل منهما راكعةٌ على رمز الذهب، ويشاهد حول حافة التابوت مِن أعلى شريطٌ مؤلفٌ من رموز الثبات والحماية، وخارج التابوت مغطًّى بسلسلة مُتُون ورُسُوم منقوشة من الفصول: الأول والثاني والثالث والسادس والثامن والتاسع، من الكتاب الذي يحمل عنوان: «ما يوجد في العالم السفلي»، وهذا الكتاب يُفسر لنا سير الشمس ليلًا في أقسام العالم السفلي الاثني عشر، وقد كان المقصودُ منها أنْ تكون بمثابة مرشد في هذا العالم الآخر، وتساعد أرواح الموتى لتمر من هذا العالم إلى العالم الآخر.

  • والقسم الأول: قد حفر في رأس التابوت المستدير، وهو يصفُ عالم الآخرة الذي مَرَّ فيه إلهُ الشمس في أول ساعة من ساعات الليل، وهذا الإقليمُ يُسَمَّى «نت رع»، ويشاهد في الصفين اللذَين في الوسط سفينة «رع» ومعه أتباعُهُ من الآلهة، وكذلك سفينة «أوزير» ومعه أتباعُهُ من الآلهة، وفوق هذا المنظر وأسفله نُشاهد آلهةً تغني أناشيد المديح للإله «رع» وهو في رحلته السفلية.
  • القسم الثاني: ويمثل إقليمًا في العالم السفلي، وهو محفورٌ في الجانب الأيمن من التابوت، ويحتوي على السفن السحرية التي يسبح بها «رع»، وهي تحتوي على القمر ورمز «حتحور» والإله الذي في صورة «ورل» وإلهة الحبوب، وفوق هذا المنظر وأسفله يوجد آلهةٌ مختلفةٌ يُشرفون على فُصُول السنة والحصاد … إلخ، وكذلك الذين يقومون بأداء حاجات إله الشمس، وينيرون طريقَه ويُهلكون أعداءه.
  • والقسم الثالث: يمثل إقليمًا يُدعَى «نت نب رع خبر أوت» حفر في الجانب الأيسر للتابوت ويحتوي على ثلاثة سُفُن، يوجد فيها آلهةٌ ساعدوا إله الشمس، وفوق هذه السفن وأسفلها يوجدُ الآلهة الذين أهلكوا العدو «سبا» وأتباعه وحرقوا بالنار الخارجة من أجسامهم كُلَّ أولئك الذين حالوا دون طريق إله الشمس، وهذه الآلهة جعلت النيل يجري.
  • القسم السادس: ويمثل الإقليم الذي يسمى «مجت-مو-نبت-دوات».

    وقد حفر في الجانب الأيمن للتابوت بالقرب من موضع القدمين، ويحتوي على مسكن الملوك وأرواح العظماء وحجرات «رع»، والكائنات التي في هذا الإقليم قد عادتْ إلى الحياة عندما سمعتْ كلمات إله الشمس، وقامت له بخدمة.

  • والقسم الثامن: هو الذي يمثل الإقليم «تبات-تترو-س».

    حفر على الجانب الأيسر للتابوت بالقرب من القدمين، ويحتوي على عدة دوائر أو مساكن للآلهة الذين عادوا إلى الحياة عندما ظهر إله الشمس، وأَدَّوْا خدماتهم، وناحوا عاليًا عندما غادرهم.

  • القسم التاسع: ويمثل الإقليم الذي يسمى «بست-عارو-عنخت-خبرو» وقد حفر على قدم التابوت، وفيه سكنُ الآلهة الذين كانوا يقدمون نورًا جديدًا ونارًا لإله الشمس، وجهزوا صورته المادية لولادة جديدة.

والفصول الستة الباقية من كتاب ما يوجد في عالم الآخرة «دوات»، يحتمل أنها كانت قد نُقشت على غطاء التابوت الذي هشم في الأزمان القديمة.

هذا، ويحتوي الجزء الأسفل من كل جانب من جوانب التابوت — وكذلك عند الرأس والقدم — على منتخب من كتاب المدائح الخاص بأشكال إله الشمس «رع» الخمسة والسبعين، وبه سبعٌ وثلاثون صورة من هذه الأشكال.

وهذا التابوتُ كان قد عُثِرَ عليه في ردهة عمارة بالإسكندرية، وكان قد أُهدي إلى «سنت أثناسيوس St. Athanasius»، حيث كان يستعمل بمثابة حمام منذ مائة سنة مضت، قبل نقله إلى المتحف البريطاني، وقد عمل فيه اثني عشر ثقبًا في جانبيه وطرفيه؛ ليتسرب الطين الذي كان يتخلف من مياه النيل في قاعه من الداخل، ويزنُ هذا التابوت الضخم ستةَ أطنان وحوالي ثلاثة أرباع الطن وطوله ١٠ أقدام وثلاث بوصات ونصف، وعرضه خمس أقدام وثلاث بوصات وثلاثة أرباع البوصة وارتفاعه ثلاث أقدام وعشر بوصات وثلاثة أرباع البوصة.
راجع: Description de l’Egypte V. Pl. 40-41, X. p. 525–9; Guide Brit, Mus. p. 396, Fig. 219, p. 87 Fig. 33, p. 215 Fig. 115; Guide Brit, Mus. Sculptures, p. 248-9, No. 923 & Pl. XXXII, XXXII; Budge, Egypt, Sculptures in the Brit, Mus. p. 20-21, Pl. XLIV.

لوحة «مترنيخ» السحرية

هذه اللوحة التي ترجع نقوشُها إلى عهد الملك «نقطانب» الثاني، عُثر عليها في مدينة «الإسكندرية» في أوائل القرن التاسع عشر، وكان قد أهداها «محمد علي» والي «مصر» للأمير «مترنيخ» النمسوي الذي بدوره حافظ عليها في قصر «كينجز وارت» في «بوهيميا» ولم ينشر متن هذه اللوحة إلا في عام ١٨٧٧م، وقد قام بذلك الأثري العظيم «جولنشيف»، (راجع: Meltiernicshtele in folio Texte et 9 Planches).

ويبلغ ارتفاع هذه اللوحة ٨٢ سنتيمترًا، وعرضها ٢٦ سنتيمترًا، وسمكها ٨ سنتيمترات، وهي مصنوعةٌ من حجر الثعبان، وقد حُفرت نقوشها حفرًا بديعًا؛ كما كانت العادة في هذا العصر الذي أُحيي فيه الفن.

موضوع المتن

دل الفحص اللغوي على أن متن هذه اللوحة هو عبارة عن تعاويذَ سحريةٍ، كان المصريون يضعونها في منازلهم، أو يحملونها معهم؛ ليكونوا في مأمن من الحيوانات والحشرات الضارة بوجه عام؛ وقد أَطلقوا على مثل هذه اللوحات اسمًا أصبح اتباعيًّا، وهو «لوحات حور على التماسيح»، وهذه التسميةُ تمتازُ بأنها مختصرةٌ مفيدة. غير أنه يجب علينا أن نلحظ أن المتون التي على هذه اللوحات خاصةٌ بالثعابين والعقارب أكثر منها بالتماسيح، وعلى أية حال فإن أهمية هذه اللوحات الأسطورية يتخطى كثيرًا حدودَ الحماية السحرية من الحيوانات المؤذية.

وتوجدُ أمثلةٌ كثيرةٌ من هذه الآثار الصغيرة الحجم، والواقعُ أنها كلها تكاد تكون من العصر المصري المتأخر، الذي يقع بعد الأُسرة السادسة والعشرين (٦٦٣–٥٢٥ق.م)، وأقدم مثال لدينا من هذه المتون يرجع إلى عهد الأُسرة التاسعة عشرة (١٣٢٠–١٢٠٠ق.م).

وتدلُّ محتويات الأوراق البردية والتماثيل الصغيرة التي تقدم لنا أحيانًا نفس المتون التي على هذه اللوحات أنها من عصر بعد العهد الطيبي.

هذا، ولدينا — من جهة أُخرى — لوحاتٌ من هذا النوع تؤرخ بالعهد الروماني.

(راجع: Daressy, Textes et Dessins Magiques Catalogue du Caire No. 9403–9413.)

وعلى الرغم من أن البلاد المصرية كانت مملوءة بأنواعٍ من الحشرات السامة أو الخطرة في بداية تاريخها أكثر منها في نهايته؛ فإن هذه المتون انتشرتْ في العهد المتأخِّر، والواقعُ أن المكانَ العظيمَ الذي تأخذُهُ التماسيحُ والعقاربُ وبنوعٍ خاص الثعابين في الأساطير المصرية؛ يشهد بما كانت تحدثه هذه الحشراتُ من خوف وفزع في نفوس المصريين الأُوَل.

وتدلُّ الوثائقُ التي في متناولنا على أن السحرة في عهد الدولة القديمة كانوا يهتمون اهتمامًا بالغًا بمحاربة هذه الزواحف، ولا غرابة في ذلك؛ فإن أكثر من ربع «متون الأهرام» وعدد كبير من «متون التوابيت» في الدولة الوسطى وطائفة عظيمة من فصول «كتاب الموتى» قد خُصصت لمحاربة هذه الحشرات الضارة لإبعادها عن «أوزير» وعن المتوفين عامة، كل ذلك بتعاويذَ سحرية، ومِن ثم نفهم أنَّ ظُهُور لوحات «حور» على التماسيح»، في العُهُود المتأخرة لم يكن سبُبُه كثرةُ الحشرات في هذا العهد، بل كان لأسبابٍ أُخرى، سنذكرها فيما بعد.

مصادرُ دراسة اللوحة

ولوحة «مترنيخ التي نحن بصددها تُعَد طرازًا وافيًا للصيغ التي كانت تُتلى لإبعاد الحشرات المؤذية، والواقعُ أنها تُعَد مثلًا من حجمٍ خارقٍ للمألوف، كما أنها تُعَد أكثرَها تَطَوُّرًا من حيث الصور التي رُسمت عليها، ومن حيث المتن الذي تحتويه. وأخيرًا: تُعتبر أحسن لوحة محفوظة لدينا حفظًا تامًّا، وأقلها من حيث الأخطاء التي تعتور مثل هذه المتون المتأخرة.

وقد تناول هذه اللوحة بالبحث أثريون عظماء نذكر منهم:
  • (١)
    جولنشيف: (راجع W. Golenischeff, Die Metterichestele Leipzig 1877).
  • (٢)
    موريه: (راجع Moret. Revue de l’Histoire des religions 36). وقد نقل اللوحات التي رسمها «جولنشيف» وهي الخاصة بمتن لوحة «مترنيخ».
  • (٣)
    نورا سكوت: (راجع: Norn E. Scolt in the Metropolitan Museum of Art Bulletin, April 1951, p. 201 ff).

ولم تترجم «سكوت» من هذه اللوحة إلا بعض فقرات.

هذا، وقد قام الآتي ذكرهم بترجمة نصوص هذه اللوحة:
  • (١)
    بركش: (راجع: A.Z. 17 (1969), p. 1, ff).
  • (٢)
    ريدر: (راجع: G. Roeder, Urkunden Zur Religion des Ahen Agypten Jena 1915 (Ubersetzung)).
  • (٣)
    فرنسوا لكسا: (راجع: François Lexa, La Magie dans l’Egypte Antique (1925)).
  • (٤)
    كلاسنز: (راجع: Klasens, A. Magical Statue, base Leiden 1952)، حيث نجد بعض مقتطفات مترجمة.
  • (٥)
    ساندر هانسن: (راجع: Analecta Aegyptiaca, Vol. VII Die Texte Der Metternichstele (Sander-Hansen)).

عصر اللوحة

نُقشت هذه اللوحة في عصر الملك «نقطانب» الثاني، وذلك لحساب كاهن يُدعَى «نستوم» الذي قال: إنه أخذ صورة منها من نسخة محفوظة في معبد جبانة ثيران «منفيس» بمدينة «عين شمس»، كما جاء في السطر ٨٧ وما بعده من المتن، ومن ثم نفهم أنَّ هذه الوثيقةَ خارجةٌ من مدارس لاهوت «عين شمس»، أو على الأقل منسوبةٌ إلى الوجه البحري، وهذا ما يؤكد الأهميةَ التي يُشير إليها المتنُ للآلهة الذين من أصل دلتوي مثل «رع» و«أوزير» و«إزيس» و«حور» وغيرهم من الذين جاء ذكرُهُم في سياق الكلام.

الفكرة العامة عن المتن: والفكرةُ العامة عن متن هذه اللوحة هي أن كُلَّ رجل قد هاجمتْه أو لدغتْه حشرة؛ فإنه في هذه الحالة كان يوحد نفسه بإله مثل «رع» أو «أوزير» أو «حور» أو «مين» أو بإلهة مثل «إزيس» أو «باستت» أو «سلكت»؛ وذلك لأن هذا الإله أو هذه الإلهة كان يزعم في سالف الزمان أنه قد هُوجم أو لُدغ بنفس الطريقة، ولكنه كان قد أُسعف بسحر «رع» أو أي إله آخر، وعلى ذلك فإن الرجل المصاب الذي تُقرأ عليه نفسُ التعويذة السحرية التي قُرئت على الإله كان يُشفى في الحال مثله.

ويُلحظ أن المتون وصور الآلهة التي مُثلت على اللوحة قد وزعت بطريقة منظمة.

وصف اللوحة

الوجه الأمامي (Pl. 1–11).
تعبد للإله «رع» (cf, Pl. 1).

يشاهد في وسط الجُزء الأعلى المقوس من اللوحة قُرصُ الشمس يرتفع في السماء، وقد مثل الانحناء برمز السماء المقوسة، ويشاهد في القرص إله عاري الجسد وقاعدًا القرفصاء بجسم إنسان، ويقبض بيده على عصا الحكم والدرة، وقد ثبت في رقبة هذا الإله أربعة رءوس لكبش، اثنان يتجهان شمالًا واثنان يتجهان يمينًا، أو بعبارة أَصَحَّ تتجه هذه الرءوسُ نحو الجهات الأربعة الأصلية، أو على حسب ما جاء في الصيغة السحرية نحو أربعة (بيوت العالم)، وهذه الرءوسُ مغطاةٌ بأصلال وتيجان شمسية، ويوجدُ قرصُ الشمس في إطارٍ كأنه محمولٌ في الهواء بذراعين ترتكزان على قاعدة مؤلَّفة من العلامة الدالة على الأرض والعلامة الدالة على الماء. ويشاهد على يمين هذا القرص وشماله أربعةُ قردة في صفين واحدٌ منهما فوق الآخر (ويُلحظ أن القردين الأولين لكل منهما عضو تذكير منتشر) واقفة تتعبد للشمس.

هذا، ويشاهد الملك «نقطانب» على اليسار يقوم بنفس التعبُّد راكعًا للإله «تحوت» الذي يُشاهَد واقفًا في الجهة اليُسرى من اللوحة، ويوجد متنٌ يشرح هذا المنظر فنشاهد فوق قرص الشمس متنًا جزءٌ منه في الجهة اليُمنى والآخرُ في الجهة اليسرى، ويحتوي كُلٌّ منهما على نفس الألقاب في كِلْتَا الحالتين وهو:

التعبُّد لرع «حرمخيس» الإله العظيم رب السماء «الصقر» ذي الريش المختلف الألوان خارجًا من الأُفُق.

ونشاهد أمام الإله «تحوت» الذي مثل برأس «أبي منجل» وجسم إنسان رمز الإله «نفرتم» وهو زهرة لوتس مفتحة وتخرج منها ريشتان، وكذلك يَتَدَلَّى منها ثقالتا عقد «منات»، وساق اللوتس يرتكز على خاتم ومعه المتن التالي:

بيان يقوله رب الأرضين «سنزم-اب-رع ستب-ن-آمون» (لقب «نقطانب» الثاني): يا سيد اللهيب والموقد والنار! دع لهيبك يذهب حتى حدود العالم، ولكن لا تحرقني!

والمنظر غايةٌ في الوُضُوح، وذلك أن الإله «رع حور أختي» ليس إلا إله مُركَّب يجمع في شخصه قوة الشمس و«حور الكبير» يرتفع في الأفق، وهذا الإلهُ يمثل النور والنار، وكانت أعداؤه التقليديةُ عند كل الأقوام هي المردة والحيوانات المؤذية، غير أنه يُرسل عليها لهيبًا يمثل في صورة الصل «نسرت» (النار)، فيقضي عليها، وسنرى فيما بعد ما هو الدور الذي يلعبُهُ هذا الصل، غير أنه يطلب إلى «رع» ألا يرسل هذا الصل دون تروٍّ؛ وذلك لأنه من الممكن أن قوة طبيعية أو سحرية قد تكون ضارة للمحسن وللمسيء، وتذكر الصيغة التي جاءت مع «تحوت» الإله «رع» أنه من فائدته أن يمد يد المساعدة للملدوغ على الأرض؛ وذلك لأن نفس هؤلاء الأعداء يهاجمون سفينة الشمس في دورتها اليومية، وعلى ذلك فإنه إذا حارب من أجل البشر، فإنه يُحارب من أجل نفسه.

نعود الآن إلى وصف الصورة التي تتوسط اللوحة، فنشاهد صورةَ هذا الإله له أربعةُ رُءُوس كباش، قاعدًا في الشمس، وهو الذي تمثلُهُ الآثار في صورة «رع» أو «آمون»، ففي ورقة «هاريس» السحرية نَقرأُ في الفصل الخاص بمحاربة التمساح: تتلى على صورة لآمون له أربعة رءوس كباش، برقبة واحدة، ويدوس تحت قدميه تمساحًا، وعلى شماله ويمينه آلهة الأشمونين (وهم القردة الثمانية) تقوم له بالتعبد! (راجع: Chabas, Le Papyrus M. giques, Harris p. 90, IV 6).
وتوجد آثارٌ كثيرةٌ تؤكدُ هذا التفسير، ولكن تعزو إلى أربعة رءوس الكباش أسماء الآلهة الخاصة بالعناصر الأربعة، وهي: النار (= رع) والأرض (= جب) والماء (حعبي = النيل) والهواء (= شو) (راجعْ: عن هذا الموضوع: Brugsch, Thesaurus p. 735 ff.).

هذا، ويُلحظ في الصورة أنَّ التعبُّد قد قام به القردةُ الثمانيةُ، وهي أربعةٌ من الذُّكُور وأربعٌ من الإناث، وهذه تمثلُ أربعة الأرواح من الآلهة الأزلية، وبذلك يكمل معنى اللوحة الدنيوي.

ولكن ما معنى وجودها في بداية متن سحري؟ وتفسير ذلك أن الدنيا جميعها بعناصرها الأربعة لها منفعةٌ في شجار الساحر مع الحشرات المؤذية، وذلك أن السحر أو الساحر يظن أنه في مقدوره أن ينجي الإنسان بأنْ يجعل هناك صلة بين بقاء الإنسان غير الثابت وحياة العالم الأبدية، والساحر يربط كل العالم بأعماله (راجع: Hubert. p. 1510)؛ ولذلك فإن حالة أي إنسان آذاه حيوانٌ مضرٌّ تكبر بصورة غير عادية، حتى إنها تتطلب محاربة إله النور، وخالق العالم للقوى المخربة ومردة الظلم، كما سنرى في سياق المتن، وهذا هو السبب في أنه منذ البداية نجد أن الساحر المصري يحث الشمس «رع» التي تعد الإله الأزلي رب العناصر الأربعة أو أجزاء العالم لأجل أن تقتنع بالأهمية البالغة للحالة الراهنة وبالقوة التي لا تقهر للصيغ الشافية، وهذا ما يدل عليه كذلك وُجُود رمز الأرض ورمز الماء، وهما اللذان ترتكز عليهما صورة الكا (القرين) التي تحمل الشمس في الفضاء، وهي تَدُلُّ على الحماية، ومِن ثم نفهم أن الطبيعة تعبد وتحمي خالقها وتنتظر منه بدورها سلامتها؛ وذلك لأن القوة السحرية (حكا) هي مادة روح «رع».
أما عن الشخصين الآخرين اللذين نجدهما هنا في هذه الصورة فهما «تحوت» رسول «رع» ورب «السحر» بين الآلهة، ثم الملك الذي يُعدُّ وسيطًا بين الناس والآلهة كما يُعدُّ ساحرًا عظيمًا على الأرض، (راجع: Moret, Au Temps des pharaons. p. 276; et Mysteres Egyptiens p. 217).

واللوحات التي تحت هذا المنظر تمثل صورًا إلهية مستعملة تعاويذ.

ونشاهد في وسط هذه اللوحة ما يشبه الناووس مثل إطاره الخارجي، ويشاهد فيه «حور» عاريًا تمامًا، وعلى جبينه الصل وخصلة الشعر المتدلية التي تدل على الطفولة، ويدوس بقدميه تمساحين يلتفتان برأسيهما، ويقبض بيده اليُمنى على ثعبانٍ وعقرب وغزال، وفي يده اليُسرى سبعٌ وعقربٌ وثعبانٌ، وفوقه يُشاهَد رأس عظيم للإله «بس» مبتسمًا وقد رُسم هذا الرأس بصورة يظهر أنه عبارة عن غطاء وجه قد أعد ليوضع على رأس «حور»، ويُلحظ أنه على الوجه الخلفي للوحة نجد صورة الإله «شو» وهو ابن الإله «رع» وغالبًا ما يقرن بحور ابن «أوزير»، ويظهر هناك «شو» برأسه مغطًّى بغطاء الرأس هذا الذي يمثل «بس» وهو الذي يظهر أن «حور» هنا مستعدٌّ لاستعماله.

وليس من شك في أن صورة الإله «بس» لا بد من وُجُودها؛ وذلك لأنه تكاد تكون كل اللوحات التي من هذا الطراز التي فيها وجه «حور» الطفل يكون مركبًا عليها قناع ممثلًا بوجه «بس»، وهاك السببُ في وُجُود «بس» هنا؛ ذلك أن حور الممثل هنا قد وُلد في بطاح غاب «بوتو» والإله «بس» كان قريبًا منه في دوره الذي يقوم فيه بوصفه حامي الولادة، وهذا كما يظهر لنا في معبد الولادة «مميزي» حيث تضع الملكة الفرعون الطفل، وحيث وضعت «إزيس» «حور»، ونجد أنه في هذا المكان تصاحب «بس» الإلهة «تواريت» التي في صورة فرس البحر وتحمي الطفل من شر الشياطين الضارة.

والواقع أننا نجد أن «بس» ترافقه فرس البحر إما واقفًا، وإما قاعدًا القرفصاء في هيئته الخاصة على الصفين الأفقيين اللذَين يكنفان اللوحة التي نحن بصددها (راجع: Ibid. Pl. Reg. VI, VIII)، وعلى ذلك فإن لدينا تحت بصرنا إذن ولادة لحور مساوية للتي مثلت في «مميزي Mamise» (= بيت الولادة)، ووجود الإله «بس» والإلهة «تواريت» يمثل بنفس الطريقة، ومن جهة أخرى يلحظ أن «بس» هو إله اللهيب؛ ولذلك نجد في حجرة الولادة أنه قد وضع حول الطفل إله اللهيب الذي يبعد عنه الإله «ست» والأرواح الشريرة، ولا شك أن لوحتنا توضح أن لهب الشمس يُعدُّ من أحسن الأسلحة ضد الشياطين والحشرات المؤذية، وأخيرًا نجد أن الإله «شو» في الصور السحرية يقوم بدور خاص له صبغةٌ تتسم في الوقت نفسه بالبهجة والتهديد، وبالاختصار نجد أن «بس» هنا هو حامي الطفل «حور» واللهيب الذي يؤكد الحماية والمخلوق المكشر عن أنيابه أو المنشرح الذي يبعد عدو الإله والناس.

ويوجد خلف «حور» في الصورة الإله «رع حر مخيس» في صورة إنسان برأس صقر مُزَمَّل بعباءة «أوزير» وعلى رأسه قرص الشمس، ويدوس بقدمه ثعبانًا مطويًّا مثل المصارين، وهو خلفه «حور» لحمايته، ويوجد رمزان لحور المولود، فعلى اليسار نُشاهد الصقر خارجًا من زهرة اللوتس، وعلى اليمين رمز الإله «نفرثم»، ويُلحظ هنا أن ريشتَي تاج الشمس خارجتان من زهرة اللوتس، هذا بالإضافة إلى ثقالتي العقد منات اللتان تكنفان الصورة المتوسطة، ويشاهد خارج الناووس آلهةٌ أُخرى تؤكدُ حماية «حور»، فنجد أولًا العينين المقدستين مجهزتين بذراعين تتعبدان، ثم نُشاهد على يمين «حور» «إزيس» تدوس بقدميها ثُعبانًا مطويًّا ومطعونًا في رأسه بسكين.

ويُلحظ أن الآلهة التي تلبس على رأسها قرص الشمس بين قرنين تحمي بيديها ناووس «حور»، ويشاهد خلفها ساق زهرة اللوتس مزهرة عليها إلهةُ الجنوب في صورة رخمة «نخبيت»، وقد نقش سطرٌ عموديٌّ خلفها جاء فيه: «بيان لإزيس العظيمة أم الإله: لا تخف! لا تخف! يا بني «حور» لأني خلفك بحمايتي مخضعة كل البلاد الأجنبية لوجهك، ولكل رجل قد جرح بالمثل»، وعلى الجهة اليمنى من اللوحة خارج الإطار نُشاهد على يسار «حور» صورة الإله «تحوت» برأس الطائر «أبو منجل» وجسم إنسان وهو يدوس بقدمه ثعبانًا في رأسه سكين، وخلفه نشاهد على ساق من البردي الإلهة صل الشمال؛ أي «وازيت» وقد نقش خلفها «تحوت»، بيان لتحوت رب «الأشمونين»: «لقد أتيت من السماء بأمر من «رع» لأجل أن أقوم بالحماية بالقرب من سريرك كل يوم ولحماية كل رجل قد جُرح بالمثل.»

الوجه الخلفي للوحة

يوجد في أعلى اللوحة منظر ومتون تابعة للمنظر الذي يمثل «رع» على الوجه الأمامي للوحة، ونرى في هذا الوجه من اللوحة صورًا مركبة، لها جسمُ إنسانٍ واقفًا يرتدي قميصًا قصيرًا، ويحتذي نعلين والذراعان تقبضان على صولجان الملك ورمز الحياة، ويَتَدَلَّى من رقبته تعويذةٌ في صورة القلب، وقد وضع على وجهه قناع في صورة الإله «بس» ولباس الرأس معقدٌ جدًّا وقد مثل في هيئة ناووس يعلوه قرنَا كبشٍ، وصورة تمثل إله ملايين السنين في وسط مجموعة من المدى، وتخرج من الناووس بنصف جسمها بقرةٌ وغزالةٌ تهدداها من جهة اليسار سكين الضحية.

هذا، ويُلحظ أنه في ظهر الإله ريش طائر (= با) وهي أربعةُ أجنحةٍ منتشرة، وذراعان إضافيتان منبسطتان أيضًا، ومجموعة في حزمة واحدة سيوف «حور» وسكاكين وعلامات الحياة والثبات والقوة، وكل يكنفها ثعبانان، ويُلحظ أن هذا الإله يدوس بقدمه نوعًا من الوكر مغلقًا حبس فيه سبعة أنواع من الحيوانات الخطرة، وهي أسد وثعبانان وذئب وتمساح وعقرب وخنزير وسلحفاة، ويرتفع وينخفض حول الآلهة لهيب، كما نُشاهد العينين المقدستين على يمين الآلهة وعلى يسارها، وكل منهما مجهزة بذراعين تتعبدان، ويوجد متن خلف كل عين.

فعلى اليمين نقرأ: أن العين اليمنى مليئةٌ بذخائرها وبمؤنها، وكذلك تمثال الإله قد ثبت بإحكام على مقعده، وصلال التاج تضيءُ الأُفُق الغربي للسماء متعبدة لمن في السماء وهم الآلهة الذين رفعوا وجههم بالتاج الأبيض والتاج الأحمر.

يا أيها الروح الحية إذا عاش «رع» فإن ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم-اب-رع-ستب-ن-آمون» سيحيا أيضًا، والعكس بالعكس.

وعلى الجهة اليسرى نقرأ: أن العين اليسرى مجهزة بجمالها وأنها تولد ثانية كل شهر وكل نصف شهر، وأن الذي يضم ذراعه خلف نفسه فإن الإله «شو» يحمله في الهواء على سفينة العين المقدسة، والآلهة في أسفارهم، وإذا كانت العين سليمة فإن ابن «رع» نقطانب الثاني يكون سليمًا والعكس بالعكس.

ويُلحظ هنا أن العين اليُمنى هي الشمس والعين اليسرى هي القمر:

وقبل أن نبدا ترجمة النصوص نجد أنه من الصواب أن نضع ملخصًا للمتن بأكمله تسهيلًا لفهم الترجمة المفصلة.

يحتوي متن هذه اللوحة على أربع عشرة تعويذة، أو تعزيمة، أو رقية:
  • التعويذة الأُولى: لإبعاد إله الشر «أبو فيس».
  • التعويذة الثانية: خاصة بالتعزيم على السم بوساطة الإله «حور».
  • التعويذة الثالثة: خاصة بشفاء قطة لدغت، وفي هذه التعويذة يلحظ أن السم قد سرى تمامًا في جسمها، فيتدخل الساحر بأن يوحد كل عضو من أعضائها بكل عضو يُقابلُهُ من أعضاء إله، كما يحدث في متون الحماية المشابهة، وقد حدث له ذلك وشفي، هذا، ويختار في كل حالة الإله الخاص بها.
  • التعويذة الرابعة: هذه التعويذةُ خاصةٌ بنفس الغرض الذي ذُكِرَ في التعويذة السابقة؛ أي حماية القطة التي وحدت بالإلهة «باستت»، ونجد أنها قد نَجَتْ بوساطة الإله «رع» والإله «شو» والإلهة «إزيس».
  • التعويذة الخامسة: خاصة بنداء إله الشمس للتعزيم على حيوانات الماء، والأُسطورة التي بُنيت عليها هذه التعزيمةُ هي موت أوزير وغرقه في الماء، وقد نجي من الغرق بعين «حور» والجعران الذي يمثل الشمس، وذلك حينما كان في طريقه إلى «بوصير»، ومن جهة أُخرى يلحظ في هذا الفصل توحيدٌ بعيدُ المدى، فعين «حور» تعتبر بداهة بمثابة العين الوحيدة للشمس التي بكت على أوزير والسمكة «أبدا»، وهي التي كانت تعتبر مرشدة سفينة الشمس وحاميتها، قد وحدت أحيانًا بالشمس، وفي هذا المتن تعني ولادتها في شروق الشمس، وقد ربط مصيرها بالإله «أوزير» في أحوال مُعَقَّدَة، وقد أَلحق بكل منها الإلهُ «ست» أضرارًا، وكان يهددهما دائمًا في الماء.
  • التعويذة السادسة: خاصة بفرد لدغة عقرب، والسابقةُ الأسطوريةُ لذلك مأخوذةٌ عن قصة «أوزير»، وكانت «إزيس» قبل أن تهرب من السجن الذي وضعها فيه «ست» قد وضعت ابنها «حور»، وقد ظهر لها الإله «رع»، ونصحها بكلماتٍ حكيمة، وأشار عليها أن تبحث لنفسها عن مخبأ تأوي إليه إلى أن يشتد عضُد صغيرها، ويصبح قادرًا على أن يقبض على زمام الحكم في البلاد، وعلى ذلك ولَّتْ وجهها شطر «بوتو» يُرافقها سبع عقارب لحراستها، وفي أثناء سيرها على الطريق فرضتْ سيدةٌ عليها أن تُدخلها بيتها، وقد أهاج ذلك العملُ غضبَ العقارب التي في حراستها، وانتقمت إحداها لها بأنْ لدغت ابن هذه السيدة.

    وهذا الحادثُ قد تبعهُ ثورةٌ في الطبيعة، وخرجتْ هذه السيدةُ هائمةً على وجهها، غير أن «إزيس» أو الأم الإلهية قد أخذتْها الشفقةُ على الطفل المتألم الملدوغ، فرَقتْه بسحرها وأعادتْه إلى الحياة، ومنذ تلك اللحظة طلبت «إزيس» إلى حُرَّاسها من العقارب بألا يقوموا بعمل أي سوء خلال هربها، وبعد ذلك ذهب الخطرُ وذهب غضب الطبيعة وهدأ، وعادت السيدة إلى بيتها وقدمت للآلهة كُلَّ ما تملك هدية، في حين أن الخادمة قد كوفئت بسخاء.

    ثم يختم المتن بتعليمات طبية، ومن ثم نجد أن العلاج كان يجمع بين الطب والسحر، كما يُشاهَد ذلك في معظم الكُتُب الطبية المصرية القديمة؛ ولهذا السبب فإنه لا يُمكن أن يُعتبر هذا المتن خياليًّا تمثيليًّا كما ادعى «دريتون» في مقاله عن المسرح المصري (راجع: Drioton, Le theatre Egyptien, Le Caire (1942), p. 82, f).

    ومن ثم فإن الموضوع في هذا الفصل لا يدور حول «حور» الطفل، وإن الملاحظات التي نجدُها في الرقى الخاصة بشفاء «حور» ليست سؤالًا وجوابًا، ومما هو جديرٌ بالملاحظة أنه ليس في المتن ما يَدُلُّ على أن «إزيس» هنا هي زوجُ «أوزير»، بل على العكس نجدُ أنها قد ذُكرت بوصفها محبوبة «رع» مما يَزيد في الرأيِ القائل: إنها هنا تمثل «حتحور» بوصفها عين الشمس، وتقدم لنا مثلًا من أمثلة توحيد الآلهة الواحد بالآخر.

  • التعويذة السابعة: هذه التعويذةُ عبارة عن سحر للحماية من السم، ونجد فيه أن «إزيس» يلجأ إليها لشفاء كل من «حور» والمريض، وهنا يلحظ التوحيد القويُّ الذي نجده بين «حور» ابن «إزيس» و«حور» الكبير ابن إله الشمس، هذا فضلًا عن أننا نجده، قد دعى «حور» ابن الإله «جب».
  • التعويذة الثامنة: وهي عبارة عن تعويذة للحماية من سم الثعبان، والحامي هنا هو إله الشمس «رع» الذي استغاثتْ به «إزيس»، أما المحميُّ هنا فقد مثل بحور بن «إزيس»، وقد ظهر ثانية بوصفه «مين-حور»، وقد قام بدور المنفذ للاتقاء من لدغة الثعبان وسمه الإله «تحوت».

    وفي هذه التعويذةِ نجد اسم الكاهن الذي نقل هذا الكتاب من جديد، بعد أن كان في بيت العجل «منفيس» في «عين شمس».

  • التعويذةُ التاسعةُ: هذه التعويذةُ عملت لحماية «حور» والمريض الذي كان يلدغ، والسابقة الأسطورية لذلك هي أن «حور» في غياب والدته كان قد لُدغ، وكان قد وقع هذا الحادث بجوار مدينة «عين شمس» وقد أمر إله الشمس الإله «أوزير» رب النوم أن يرسل دواء شافيًّا للملدوغ.
  • التعويذة العاشرة: تحتوي هذه التعويذةُ على تعبُّد للإله «حور» لأجل أن يحمي الناس من شر الحيوانات المؤذية برًّا وبحرًا، مثل الأسود والثعابين والتماسيح، ويُلحظ في هذا الفصل أن «حور» يظهر هنا من جهة بوصفه ابن «أوزير وإزيس» (سطر ١٠٦)، ومن جهة أُخرى (سطر ١١٠-١١١) يظهر بوصفه ابن الإله «نون» والإلهة «نوت» وأخو إله بلدة «ليتوبوليس» (= أوسيم الحالية) ومن ثم نفهم أن «حور» ابن «إزيس» و«حور» الأكبر لا فرق بينهما من جديد في هذا المتن.
  • التعويذة الحادية عشرة: ١٢٦–١٣٧، هذه التعويذةُ تشتمل على رقية ضد الثعابين في أحجارها وعلى الطريق، ويوحد هنا المحمي بالعجل «ممفيس» والإله «سبا» وبثعبان ذكر لم يعرف من قبل وبالإله «رع» والإله «تحوت» والإله «نفرتم» وأخيرًا يوحد بابن «أوزير».
  • التعويذة الثانية عشرة: تحتوي هذه التعويذةُ على رُقية لطرد سُمِّ العقرب مِن جسم «حور» ومن جسم المريض بوساطة الإله «تحوت» الذي نزل من السماء لهذا الغرض، وهذه التعويذة تختلف عن السحر الخاص بحماية المريض الذي ورد في التعويذة الثالثة، وهو الذي كان الغرض منه أن يصل بوساطة الموازنة بين كل عضو من أعضاء كل إله بكل عضو من أعضاء المصاب، إلى أن أعضاء «حور» هنا في هذه التعويذة جميعها ملكه، وأنه مسيطرٌ عليها، يستعمل كل واحد منها فيما خُصص له، وهنا نلحظُ أن صورة «حور» بهذا الوصف ليستْ متجانسةً قط؛ فهو الإله والملك على الوجه القبلي، (سطر ١٤١) بوصفه ابن «جب»؛ أي «حور» الكبير إله الشمس، ثم نراه بوصفه ابن «أوزير» (أسطر١٤٤–١٤٨) وقد نصبه «بتاح»، وكذلك نُشاهده «حور» الكبير بوصفه ابن الإله «رع» (سطر ١٤٣-١٤٤)، وقد وحد كذلك بإله الشمس كما سمي بوالد أولاد «حور»، وأَخيرًا نسبتْ إليه صفات «حور» ابن «إزيس»، ولكن على غير العادة (أسطر ١٥٨-١٥٩).
  • التعويذةُ الثالثة عشرة: تحتوي على رقية لحماية قطة ملدوغة، وقد وحدت بالإلهة «باستت»، وهذه الرقية متصلة بالرقية رقم ٤ في التعويذة الرابعة، ويجب أن تُقرأ معها.
  • التعويذة الرابعة عشرة: (١٦٨–٢٥١)، وهي رقيةٌ للحماية من لدغة العقرب، وترتكز السابقة الأسطورية، لهذه الرقية على أُسطورة «إزيس» وقصة «حور».

وذلك أن «إزيس» قد وضعت ابنها «حور» في خبيئة خوفًا من أخيها «ست»، وقد طافتْ به في صورة متسولة طالبة النجدة لها ولابنها في كل مكان، وعندما عادت إلى بيتها وجدت ابنها مريضًا وفاقدَ النطق، فكان لا يجيب وليست له شهيةٌ للأكل، وقد كان فزعُ الأم عظيمًا؛ إذ كان أهلُها وزوجها قد ماتوا، وأخذتْها الحيرةُ في أنْ تجد مَنْ يُساعدها في موقفها هذا، وقد كان سُكَّانُ الدلتا الذين أسرعوا لنجدتها لا يعرفون الرُّقَى السحرية، ولكن امرأةً ذكية الفؤاد واستْها وعرضتْ عليها أن تفحص طفلها بدقة؛ إذ من الجائز أن ثعبانًا قد لدغه، وقد اتضح لها فعلًا حقيقةُ ذلك، وقد حركت الإلهة الطفل وهزتْه ثم صرختْ صرخةً مدويةً نحو إله الشمس، وعلى ذلك حضرت الإلهتان الحارستان «نفتيس» و«سلكت» وقد أخذت الأولى في النحيب، أما الأُخرى فقد أتت بنصيحة طيبة، وهي أن تجبر سفينة الشمس على الوقوف، وكذلك تخضع الإله الذي فيها، وقد وقع ذلك فعلًا؛ إذ إن السفينة قد أصبحتْ غيرَ قادرة على الإبحار، وقد وصل الإله «تحوت» ليضع الأُمُور في نصابها بما له من قوةٍ جَبَّارَة، وبعد تبادُل إيضاحات منوعة أصبح بها محميًّا مثل إله الشمس نفسه.

وحدث أن الطفل انتعش، وذهبتْ حدةُ السم الذي كان في جسمه تمامًا، لدرجة أنه أصبح لا ينتظر أيَّ اضطرابٍ في الطبيعة.

وعلى ذلك اختفى المرضُ وطلب «تحوت» إلى المجتمعين أن ينصرفوا، غيرَ أن «إزيس» لم تكن بعدُ سعيدة، وطلبتْ أمانًا مستديمًا لهذا الطفل إلى أنْ يمكنه من اعتلاء عرش الملك، وقد مُنحت كل ما أرادت، وبذلك أمكن «تحوت» أن يرجع حاملًا لسيده الأخبار السارة، وعلى ذلك أمكن لسفينة الشمس أن تُبحر مرة ثانية.

ويُلحظ في هذا المتن أن «حور» هو «حور بن إزيس» والمنتقم لوالده، وقد جاء ذكرُهُ مرة واحدة بوصفه «حور» بن «رع» وأن «ست» أخاه، وهذا خلطٌ لا يتفق مع الحقيقة.

متن لوحة مترنيخ

الفصل الأول

(١) تقهقر يا «أبو فيس» أنت يا عدو «رع» يا لفافة الأمعاء تلك، والذي لا ذراعان له، ولا رجلان له، أنت ليس لك جسم وجدت فيه، ومن ذيله طويل في حجره، أنت أيها العدو هناك اخضع لرع، ليت رأسك قطع عندما ينفذ إعدامك، يجب ألا ترفع رأسك، وإذا يكون لهيبه في روحك ورائحة مكان إعدامك في جسمك.

ليت صورتك تقطع بسكين الإله العظيم، ليت «سلكت» تسحرك وتحول قوتك، ابق واقفًا! ابق واقفًا! بعد أن سلمت أمام سحرها.

الفصل الثاني (أ)

تدفق أنت يا سم! تعال اخرج على الأرض، ليت «حور» يسحرك، ليته يعاقبك بعد أن يكون قد بصقك، يجب عليك ألا ترفع إلى أعلى، بل يجب أن تسقط إلى أسفل، يجب أن تصير ضعيفًا، ويجب ألا تكون قويًّا، يجب أن تصير جبانًا، ويجب ألا تحارب، يجب أن تصير أعمى، ويجب ألا تبصر، يجب أن تقف رأسًا على عقب، ويجب ألا ترفع رأسك، ويجب أن تضل، ألا تجد الطريق، يجب أن تحزن، ويجب ألا تفرح، يجب أن تخطئ، ويجب ألا ترشد، وإن ما قاله «حور» الفاخر في السحر عال.

الفصل الثاني (ب)

إن السم الذي كان في فرح، والذي حزنت به (٦) كثيرٌ من القلوب، يجب أن يقتله «حور» بقوته، وبذلك يصبح الحزن فرحًا، قِفْ أنت يا من كنت في حُزن بعد نقلك «حور» إلى الحياة، (٧) تعال يا من تصير محملًا، اخرجْ من تلقاء نفسك وأسقط العدو العاصي، (٨) إن جميع من يتهمهم «رع» ليتهم يمدحون ابن «أوزير»، تحول أنت أيها الثعبان واسحب سمك الذي في أعضاء كل مريض، تأمل أن قوة سحر «حور» منتصرة عليك.

ليتك تسيل إلى الخارج أيها العدو.

تحول أنت أيها السم.

الفصل الثالث (أ)

(٩) فصل في رقي القطة.

بيان: يا «رع» تعال لابنتك.

بعد أن لدغها عقربٌ على طريق منفردة، ليت صياحها يصل إلى السماء، وعلى ذلك تسمع على طريقك، وعندما يسري السم في أعضائها، ويتغلغل في لحمها، وتفغر فاها عليه (لتخرجه)، (١٢) تأمل أن السم كان في جسمها، تعال، إذن بقوتك وبغضبك في حمرتك، (١٣) تأمل أنه أمامك مختبئ، ومع ذلك فإنه قد سرى في كل أعضاء هذه القطة تحت أصابعي، (١٤) لا تخافي، لا تخافي يا بنتي الفاخرة، تأملي أني خلفك (لحمايتك)، لقد هزمت السم، (١٥) الذي كان في كل عضو لهذه القطة، أنت أيتها القطة إن رأسك رأس «رع» سيد الأرضين الذي يضرب كل الناس الثائرين.

ولذلك فإن خوفه في كل البلاد وفي كل الأحياء أبديًّا.

أنت أيتها القطة، إن عينيك عين رب العين الفاخرة.

الذي يضيء الأرضين بعينه، والذي يضيء الوجه على الطريق المظلمة.

(١٨) أنت يا هذه القطة، إن أنفك هو أنف «تحوت».

صاحب العظمة المزدوجة، ورب الأشمونين، والرئيس الأعلى لأرض «رع» والذي يمنح النفس لأنف كل رجل.

(١٩) أنت يا هذه القطة إن أذنيك أذنا رب الكل.

ويسمع بهما صوت كل إنسان عندما يناديه، ويفصل في الأرض قاطبة.

أنت يا هذه القطة، إن فمك فم «آتوم» رب الحياة الذي يوحد الأشياء.

(٢١) وهو الذي جعل توحيد الأشياء، والذي خلا من كل سم.

أنت يا هذه القطة إن رقبتك هي رقبة الإله «نحبكاو» الذي قرب في البيت العظيم.

(٢٢) والذي تحيا الناس بقوة ساعديه.

أنت يا هذه القطة مَن قلبك هو قلب تحوت رب العدل.

(٢٣) لقد أعطاك هواء وجعل زورك يتنفس.

ومنح دخله هواء.

أنت يا هذه القطة إن قلبك هو قلب «بتاح».

(٢٤) لقد أشفي قلبك من السم الخبيث الذي في كل عضو من أعضائك.

(٢٥) أنت أيتها القطة هذه، إن يديك يدا التاسوع الكبير والصغير، لقد خلصت يدك من سم الثعبان كله.

(٢٦) أنت أيتها القطة هنا، إن بطنك بطنُ «أوزير» رب «بوصير»، إنه لم يسمح أن يعمل هذا السم كل ما يُريد في بطنك.

(٢٧) أنت أيتها القطة هنا: إن فخذيك فخذا «منتو» (إله الحرب) إنه أوقف فخذيك.

(٢٨) وأحضر هذا السم إلى الأرض.

أنت أيتها القطة هنا، إن ركبتيك ركبتا خنسو (إله القمر).

(٢٩) الذي يخترق الأرضين ليل نهار.

لقد جعل هذا السم يقفز على الأرض.

(٣٠) أنت أيتها القطة هنا إن قدميك قدما آمون العظيم رب طيبة، وإنه يثبت قدميك على الأرض.

وجعل هذا السم يسقط.

(٣١) أنت أيتها القطة هنا إن فخذيك فخذا «حور» الذي انتقم لوالده «أوزير».

وعلى ذلك فإن «ست» تَنَحَّى عن الشر الذي عمله.

أنت أيتها القطة هنا، إن نعليك نعلا «رع».

إنه كنس هذا السم الذي على الأرض.

(٣٢) أنت أيتها القطة إن أمعاءك هي أمعاء «محيت ورت».

ليت هذا السم الذي في أحشائك يسقط ويمزق إربًا إربًا من كل أعضائك، ومن كل أعضاء الآلهة الذين في السماء، ومن كل أعضاء الآلهة الذين على الأرض.

(٣٣) ليته يسقط كل سم فيك.

ليس فيك عضو خالٍ من الإله.

(٣٤) ليتهم يهزمون وليتهم يمزقون سم كل ثعبان ذكرًا كان أم أنثى، وكل عقرب وكل دودة تكون في كل عضو لهذه القطة أصابه المرض.

تأمل أن ما نسجت «إزيس» وما غزلت «نفتيس».

ضد السم.

(٣٥) ليت هذا الرباط الفاخر، وهذا السحر يطرده بما قاله «رع حور أختي» الإله الرفيع الذي يسيطر على الشاطئين.

أنت أيها السم الخبيث الذي توجد في كل عضو من أعضاء هذه القطة المريضة، تعال اخرج على الأرض.

الفصل الرابع

فصل آخر (تعويذة) بيان:

(٣٦) يا «رع» تعال لابنتك.

يا «شو» تعال لزوجتك.

يا «إزيس» تعال لأُختك.

نَجِّها من هذا السم الخبيث.

الذي في كل عضو فيها.

(٣٧) أنتم أيها الآلهة تعالوا هنا.

وبذلك تهزمون هذا السم الخبيث.

الذي في كل عضو من أعضاء هذه القطة المريضة.

الفصل الخامس

(٣٨) يا أيها الشيخ الذي تَصَبَّى في زمنه.

والمسن الذي عاد شابًّا.

ليتك تجعل تحوت يأتي على صوتي.

وبذلك يَرْتَدُّ عني «نحا-حر».

(٣٩) إن أُوزير على الماء في حين أن عين «حور» معه.

وجعران الشمس الكبير ناشرًا جناحيه فوقه (حماية له).

أنت يا من قبضتُهُ عظيمة.

أنت يا من خلقت الآلهة وأنت صغير.

ليت الذي في الماء يخرج سالمًا.

وعندما يقترب (بسوء) ممن هو على الماء.

فإنه يقترب من عين «حور» الباكية.

(٤٠) ابتعدوا أنتم يا من في الماء.

أنت أيُّها العدو هناك «ميت» و«ميتة»، وخصم وخصمة وهلم جرًّا.

لا ترفعوا وجوهكم يا من في الماء حتى يمر بكم «أوزير».

تأملوا أنه في طريقه إلى «منديس».

(٤١) ليت فمُكُم يصبح مسدودًا، وزوركم يصير مغلقًا.

تقهقر أنت أيها العدو.

لا ترفعوا وجهكم على مَنْ هُمْ في الماء.

إنهم «أوزير».

إن «رع» قد نزل في سفينة ليرى تاسوع «مصر القديمة» (خر عحا).

في حين أن أرباب العالم السفلي يقفون لمعاقبتك.

(٤٢) وإذا أتى «نحاحر» إلى «أوزير».

فإن عين «حور» تكون عليه؛ لتقلب وجهكم.

حتى تكونوا على ظهوركم.

أنتم يا من في الماء إن فمكم سيسده «رع».

وزوركم سيغلق بالإلهة سخمت.

(٤٣) ويقطع لسانكم تحوت.

ويعمي أعينكم حكا (إله السحر).

هؤلاء الآلهة الأربعة العظام الذين يقومون بحماية أوزير، عليهم أن يقوموا بحماية جميع الذين في الماء.

(٤٤) وكل الحيوان الذي على الماء في يوم الحماية هذا.

أنتم يا من في الماء.

إن السماء ستصير محمية عندما يكون رع فيها.

إن الإله الرفيع الذي كان في الماء، سيحفظ في التابوت.

إن صوتًا صاخبًا قويًّا في بيت «نيت».

وإن صوتًا عاليًا في البيت العظيم.

وإن صوت حزن قوي في فم القطة.

ويقول الآلهة والإلهات.

انظر انظر! إلى سمكة «أبد».

عندما ولدت.

أقص عني خطوتك أيها العدو.

إني خنوم رب «حر-ور» (الشيخ عبادة الحالية).

(٤٦) احذرْ أنْ تكرر الشر مرة ثانية بما عمل معك في حضرة التاسوع العظيم، يجب أن تُسيطر على نفسك، وأن تخضع أمامي.

إني إله.

(٤٧) ها، ها، لقد قلت نعم، ألم تسمع صوت العويل العظيم عندما جاء الليل من شاطئ «نديت» (= المكان الذي مات فيه «أوزير» غرقًا)، وهو الصوت المدوي العظيم لكل الآلهة وكل الإلهات بمثابة حزن على الشر الذي عملته بخبث أيها العدو.

(٤٨) تأمل لقد اهتاج «رع» من الغيظ بسبب ذلك.

وأمر بتنفيذ إعدامك.

ارتد أيها العدو، ها، ها.

الفصل السادس

إني إزيس.

(٤٩) عندما خرجت من بيت الغزل الذي وضعني فيه أخي «ست»، وقد قال لي تحوت الإله الرفيع المشرف على العدالة في السماء والأرض.

تعالي إذن يا إزيس الإلهية.

إنه لحسن كذلك أن يسمع الإنسان، وأن يعيش الفرد.

عندما يرشده آخر.

(٥٠) خبئي نفسك إذن مع الابن الصغير.

وبذلك يأتي إلينا.

عندما تكون أعضاؤه صلبة (منتعشة).

وعندما تتكون كل قوته.

وتجعليه أنت يجلس على عرشه.

لأنه قد منحت له وظيفة حكم الأرضين.

(٥١) وعندما خرجت في وقت المساء حدث.

إنه خرجت سبعة عقارب خلفي.

وقامت بخدمة لي.

وقف.

وفي حين كان «تفن» و«بفن» خلفي.

كانت «مستت» و«مستتف» تحت محفتي.

وكانت «بتت» و«ثتت» و«ماتت» تمهد الطريق.

(٥٢) وناديت عليها بإلحاح جدًّا.

وقد دخل كلامي في آذانها:

لا تعرفي الأسود.

ولا تحيي الأحمر (لأنه يشبه الإله «ست»).

لا تعملي أية مفاضلة بين ابن الرجل (أي الغني) وبين المعتر.

وطأطئ رءوسك على الطريق.

واحذري أنْ تأتي بمن قد بحث عني.

(٥٣) إلى أنْ نصل إلى بيت التمساح.

(أي) مدينة الأختين التي في بداية الدلتا.

وهي مستنقع «بوتو».

ولكني وصلت بعد ذلك إلى بيوت السيدات المتزوجات.

فلمحتْني سيدةٌ من بعيد.

(٥٤) وأغلقتْ أبوابها في وجهي.

لأنها خافت من مرافقاتي، (= العقارب).

وعندئذ تآمرت فيما بينها لهذا السبب.

ووضعت اسمها على شوكة «تفنت».

وعندما كانت عذراء من الدلتا تفتح بابها لي.

(٥٥) وكانت قد اقتحمت بيتها الحقير.

وكانت حينئذٍ «تفنت» قد دخلت تحت مصراعَي بابها.

ولدغت ابن الأميرة.

وعندما اندلعت النار في بيت الأميرة.

ولم يكن هناك ماءٌ لإطفائها بدأت السماء تمطر في بيت الأميرة.

وعلى الرغم من أنه لم يكن أوانٌ لذلك (للمطر).

لأنها لم تفتح لي.

وكان قلبها تعسًا.

لأنها لم تعرف إذا كان حيًّا (أي «حور»).

فطافت مدينتها معولة.

ولكن لم يأت فردٌ على صوتها.

ولم تألم قلبي للصغير بسبب ذلك.

(٥٧) أي لإحياء الطفل البريء.

ناديت عليها.

تعالي إليَّ! تعالي إليَّ.

تأملي، إن فمي فيه الحياة.

وإني ابنةٌ معروفة في مدينتها.

تخضع الحشرة المؤذية لرقيتها.

وهي التي علمني والدي أن أعرفها (أي الرقية).

(٥٨) وإني ابنتُهُ المحبوبة من ظهره.

وبعد ذلك وضعت «إزيس» يديها على الطفل لإحياء المخنوق، (وقالت).

يا سُمُّ «تفنت» تعال.

اخرج على الأرض.

يجب ألا تسري.

يجب ألا تنفذ.

ويا سم «بفنت» تعال.

اخرج على الأرض.

إني «إزيس» الإلهية ربة السحر، والتي تزاول السحر، والممتازة في الرُّقَى، ومن ثم يُصغي إليَّ كلُّ ثعبان لادغ.

فيجب أن تسقط يا سم «مستت».

ويجب ألا تسرع.

ويا سم «مستتف» يجب ألا ترتفع.

ويا سم «بتت» و«ثتت» يجب ألا تنفذ.

(٦٠) ويا سم «ماتت»، اسقط أنت يا فم اللادغ.

وهكذا تكملت «إزيس» الإلهية عظيمة السحر التي على رأس الآلهة، والتي أعطاها «جب» قوته الروحية لتطرد السم بقوتها.

تحول.

انصرف.

تقهقر.

إلى الوراء أيها السم.

لا تقفز إلى أعلى.

هكذا قالت محبوبة «رع» وبيضة الإوزة (سمن) التي خرجت من شجرة الجميز.

هكذا كلماتي التي أمر بها منذ المساء.

وسأقولُ لكم.

عندما أكون منفردة.

لا تمح أسماءنا من المقاطعات.

لا تنكح السوداء.

ولا تحيي الأحمر.

ولا تنظر إلى سيدات في بيوتهن.

وليت وجهك يكون إلى أسفل على الطريق (أي غُضَّ بصرك).

(٦٥) إلى أن نصل إلى المختبئ في «خميس» (كوم الخبيزة الحالية في شمالي الدلتا).

آه ليت الطفل يعيش.

ويموت السم.

ليت «رع» يعيش.

ويموت السم.

(٦٦) وإذن ليت «حور» يشفى لوالدته «إزيس».

وكذلك ليت المريض يشفى بالمثل.

(٦٧) وعندما أُطفئت النار.

وهدأت السماء برقية «إزيس» الإلهية.

وعادت الأميرة.

أحضرت إلى رزقها.

(٦٨) بعد أن ملأت (أولًا) بيت العذراء بالطعام، لأجل العذراء التي فتحت لي بابها.

في حين كانت السيدة مريضة وتطوف وحدها في الليل.

بعد أن أغلقت بابها أمامي.

(٦٩) وعلى ذلك لدغ ابنها.

وقد أحضرت متاعها.

مقابل أنها لم تفتح لي.

ليت الطفل يحيا.

وليت السم يموت.

وبذلك يشفى «حور» لأمه «إزيس».

وبذلك يشفى كل مريض بالمثل.

إن عيش الشعير يطرد السم.

وبذلك يرتد.

إن حمن وهو أحسن (؟) ما في الثوم يطرد النار من الأعضاء.

الفصل السابع ٧١–٨٣

(٧١-٧٢) يا «إزيس» يا «إزيس»! تعالي إلى «حورك» (إلى ابنك حور).

أنت يا من تعرفين رقيته، تعالي إلى ابنك.

هكذا قالت الآلهة الذين بجوارها.

(٧٣) لأن عقربًا قد لدغه.

ومن ثم تخلى العقرب من أجلها.

ومن أجلها هرب «أنتشت» (اسم حيوان).

(٧٤) ليت «إزيس» تخرج.

ولباس «مسدت» على صدرها.

وذراعاها منبسطتان.

(وتقول) إني هنا يا بني «حور».

لا تبتئسْ، لا تبتئسْ! يا بن قوية الروح.

لن يحدث لك أيُّ شيءٍ مؤذٍ.

(٧٦) لأن الماء الذي فيك (أي بذرتك) هو الذي قد صنع ما هو كائنٌ.

إنك الابن القاطن في «مسقت»،٤ والذي خرج من «نون».

وإنك لن تموت بلهيب السم.

(٧٧) وإنك الطائرُ «بنو» العظيم الذي وُلد على شاطئ البوص في «البيت العظيم» في «عين شمس».

(٧٨) إنك أخو السمكة «أبدو» التي أعلنت ما هو كائنٌ.

(٧٩) لقد ربيت القطة في بيت «نيت» (الإلهة «نيت»).

في حين أن الخنزيرة٥ و«حيت» (إلهة) كانتا تحميان جسمك.

(٨٠) يجب ألا يقع رأسك بمثابة عدو لك.

ويجب ألا يأخذ جسمك نار سمك.

ويجب ألا تتقهقر على الأرض.

(٨١) ويجب ألا تكون متخاذلًا على الماء.

ولن يكون ثعبان لادغ له قوة عليك.

(٨٢) ولن يصير لأي أسدٍ قوةٌ عليك.

لأنك ابن الإله الفاخر الذي خرج من «جب».

إنك «حور».

ولن يسيطر السم على أعضائك.

إنك الابن الإلهي الفاخر الذي خرج من «جب».

وكذلك المريض بالمثل.

وإن أربع الآلهات المعظمات حماية جسمك (= «إزيس» و«نفتيس» و«نيت» و«سلكت»).

الفصل الثامن

إني (أنا) الذي إشراقُهُ في السماء.

وغروبُهُ في العالم السفلي.

وكينونتُهُ في بيت التل الأزلي.

وعندما يفتح عينيه يوجدُ النور.

وعندما يغمض عينيه يصيرُ الظلام.

(٨٤) وتتلاطمُ أمواجُ النيل على حسب أمره.

والآلهة لا تعرف اسمه.

إني أنا الذي يضيء الأرضين، ويمحو الظلام، والذي يُشرق يوميًّا، وإني ثور «بخن» (الجبل الشرقي) وأسد «منو» (الجبل الغربي) الذي يخترق السماء يوميًّا دون أن يمل.

(٨٥) إني آتٍ على صوت ابن «إزيس».

تأمل لقد لدغ ثور.

يا ثعبان كُن أعمى، يا سم زُلْ من كل عضو في المريض.

تعال على الأرض.

(٨٦) إنه ليس المريض الذي لدغ.

إنه «مين» رب «قفط» ابن الخنزيرة البيضاء (أي إزيس) التي في «عين شمس»، الذي لُدغ.

يا «مين» رب «قفط» أعطِ المريض نفسًا، وعلى ذلك يجب أن تعطي نفسًا.

(٨٧) إن كاهن «نب ون» (المسمى) «نست آتوم» ابن كاهن «نبون».

وكاتب الفيضان (المسمى) «عنخ بسمتيك» الذي وضعتْه «ربة البيت» «تنت حتنوب»، قد جَدَّدَ هذا الكتاب.

بعد أن كان قد وجد بعيدًا في بيت العجل «منفيس».

(٨٨) وبذلك سيبقى اسمه، وبذلك فإنه سيؤجل الموت، وكل ضرر يفرضه الإله، وسيعطي نفسًا كل من يحتاج نفسًا.

وعلى ذلك فإن اتباع كل الآلهة يبقون.

وإن سيدة «أوزير منفيس» تجعل عمره طويلًا في سرور.

ويمنح دفنًا جميلًا بعد شيخوخة بسبب هذا الذي عمله لبيت «أوزير منفيس».

الفصل التاسع

(٨٩-٩٠) عندما لدغ «حور» وهو في حقل «هليو بوليس» شمالي «حتب».

(٩١) وكانت والدته «إزيس» في البيوت العليا تصب قربان الماء لأخيها «أوزير».

(٩٢) وعندما دوى صوت «حور» في الأفق.

فإن «أميو بنو» (= إله الشمس) قد سمع (وقال):

(٩٣) افتحوا يا حراس الأبواب الذين في شجرة «أشد» من أجل صوت «حور».

(٩٤) صيحوا من أجله حزنًا.

ومُرُوا السماءَ أن يشفي «حور».

(٩٥) وأن يحفظه حيًّا.

(٩٦-٩٧) واجعل «أسدن» إلهي (= تحوت) الذي في إقليم «خوس» يقول:

هل يجب أن تنام؟

(٩٨) اذهب إلى رب النوم.

ويتألم الإنسان حقًّا يا بني «حور»، ويتوجع الناس حقًّا يا بني «حور».

(٩٩-١٠٠) فأحضر كل شيء لأجل أن تطرد به السم، الذي في كل من أعضاء «حور» بن «إزيس» وفي كل عضو من أعضاء المريض بالمثل.

الفصل العاشر

(١٠١) صلاةٌ لحور لأجل أن يصير منعمًا (أي روحانيًّا).

(١٠٢) تُقال على الماء، وعلى الأرض.

بيان من «تحوت» مخلص هذا الإله.

مرحبًا بك أيها الإله ابن الإله.

(١٠٣) مرحبًا بك أيها الوارثُ ابنُ الوارث.

(١٠٤-١٠٥) مرحبًا بك أيها الثور (أي السيد) ابن السيد الذي وضعتْه البقرة المقدسة.

(١٠٦) مرحبًا بك يا «حور» الذي أنجبه «أوزير» ووضعتْه «إزيس» الإلهية.

(١٠٧) لقد تكلمت بقوتك الروحانية.

(١٠٨) وعزمت بكلماتك.

(١٠٩) التي خلقت في صدرك.

إن كل سحر يخرج من فيك.

(١١٠) فإن والدك «جب» قد أمر لك به (أي نقله لك).

(١١١) ومنحتْه إياك والدتُك «نوت».

وقد تعلمه أخوك «خنتي خم» (إله بلدة أوسيم الحالية = حور الكبير).

ليعمل على حمايتك.

(١١٢) ويكرر المحافظة عليك.

(١١٣-١١٤) ويختم على فَمِ كل الثعابين التي في السماء، والتي في الأرض، والتي في الماء، لتحفظ الناس أحياء وتسعد الآلهة.

(١١٥) ولأجل أن ينعم «رع» بمدائحك.

(١١٦) تعال إليَّ مسرعًا! تعال إلي مسرعًا! في هذا اليوم كما فعل لك الذي يجدف في سفينة الإله.

(١١٧-١١٨) ليتك تطرد من أجلي كُلَّ أسد في الصحراء، وكل تمساح في النهر، وكل ثعبان لادغ في جحره.

(١١٩) ليتك تجعلها لي مثل حجر الصوان الصحراوي، ومثل أواني فخار الشارع.

(١٢٠) ليتك تسحر لي السم الذي يقفز، والذي في كل عضو للمريض.

(١٢١) احذرْ أن يهمل كلامك في هذا الصدد.

تأمل أن اسمك سَيُنادى اليوم.

(١٢٢) ليت هيبتك توجد لك عالية بقوتك الروحانية.

(١٢٣) ليتك تحيي المختنق.

(١٢٤) ومن ثم يقدم لك الناس المديح.

ويجب أن تمدح العدالتان في صورك.

(١٢٥) ويجب أن تنادى كل الآلهة مثلك.

تأمل أن اسمك سينادى في هذا اليوم.

إني أنا مخلص «حو» (كلام تحوت).

الفصل الحادي عشر

(١٢٦) آه أنت يا من تكون في الجحر، آه أنت يا من تكون في الجحر.

(١٢٧) آه أنت يا من تكون على مدخل الجحر.

آه أنت يا من تكون على فم الطريق.

(١٢٨) إنه العجل «منفيس» (أي عجل عين شمس المقدس).

(١٢٩) الذي سيقترب من كل إنسان، ومن كل حيوان بالمثل.

إنه «سبا» (اسم إله).

إنه (في طريقه) إلى «عين شمس».

(١٣٠) إنه العقرب.

الذي في طريقه إلى البيت العظيم.

يجب عليك ألا تلدغه.

(١٣١) إنه «رع» ويجب عليك ألا تلدغه.

(١٣٢) إنه «تحوت» يجب عليكم ألا تصوبوا السم نحوه.

إنه «نفرتم» الذي يأكل ثعبانًا ذكرًا.

(١٣٣) ويأكل ثعبانًا أنثى ويأكل حيوان «أنتش» (= اسم حيوان).

(١٣٤) التي تعض بفمها، وتلدغ بذيلها.

(١٣٥) يجب ألا تلدغيه بفمك ويجب ألا تلدغيه بذيلك.

(١٣٦) ابتعدي عنه ولا تجعلي لهيبك عليه.

(١٣٧) إنه ابن «أوزير» ليتك تقذفينه إلى الخارج (تكرر الجملة أربع مرات).

الفصل الثاني عشر

(١٣٨) إني «تحوت».

إني آتٍ من السماء؛ لأقوم بحماية «حور».

(١٣٩-١٤٠) ولأجل أن أطرد سُمَّ العقرب الذي في كل عضو من أعضاء «حور».

إن رأسك ملكك يا «حور».

ليته (أي الرأس) يثبت تحت التاج الأبيض.

(١٤١) وعينك ملكك يا «حور».

(١٤٢) وأنت «حور» ابن «جب» ورب العينين بين التاسوع.

(١٤٣) وإن أنفك ملكك يا «حور».

وأنت «حور الكبير» ابن «رع».

(١٤٤) ويجب ألا تستنشق ريحًا ملتهبًا.

وساعدك ملكك يا «حور».

(١٤٥) وليت قوتك تعظم لتذبح أعداء والدك.

وذراعاك ملكك.

(١٤٦) يا «حور».

(١٤٧) ليتك تستولي على وظائف والدك «أوزير».

(١٤٨) لأن «بتاح» يقضي لك في يوم ولادتك (بأنك ابن أوزير).

إن قلبك ملكك يا «حور».

(١٤٩) و«آتون» ليته يقوم بحمايتك.

إن عينك ملكك يا «حور».

(١٥٠) في حين أن عينك اليمنى هي الإله «شو».

وفي حين أن عينك اليُسرى هي الإلهة «تفنوت».

(١٥١) طفلا «رع» (أي العين اليُمنى والعين اليُسرى هما طفلا رع).

إن جوفك ملكك يا «حور».

(١٥٢) الذي فيه أولادُ الآلهة.

فيجب ألا يأخذوا سُمَّ العقرب.

(١٥٣) إن مؤخرك ملكك يا «حور».

ولن تنشأ قوة «ست» ضدك.

(١٥٤) إن ذكرك ملكك يا «حور».

(١٥٥-١٥٦) وأنت ثور أمك، الذي انتقم لوالده والذي يجيب أولاده يوميًّا، إن ركبتيك ملكك يا «حور».

(١٥٧) وبقوتك تقتل أعداء والدك.

(١٥٨) إن ساقيك ملكك يا «حور»، لقد سواهما (خنوم).

(١٥٩) وكُسيتا «بأزيس».

(١٦٠) إن نعليك ملكك يا «حور».

(١٦١) في حين أن الأقواس التسعة تكون تحت قدميك بوساطتهما.

(١٦٢) ليتك ترى مثل «رع» (تكرر الجملة أربع مرات) والمريض بالمثل.

الفصل الثالث عشر

(١٦٧) فصلٌ آخرُ مماثلٌ للسابق.

لا تخافي لا تخافي يا «باستت» يا قوية القلب، يا من تُشرف على الحقول النضرة.

فأنت هناك مسيطرةٌ على كل الآلهة.

ويجب ألا يسيطر عليك.

(١٦٨) تعال إلى الخارج على حسب رقيتي أنت أيها السم الناقع الذي في كل أعضاء القطة المريضة.

الفصل الرابع عشر

إني «إزيس».

عندما كانت حاملًا في طفلها.

ورزقت «بحور المقدس».

وقد وضعت «حور» بن «أوزير» في عش في «خميس».

وقد فرحت بذلك كثيرًا جدًّا وقلت.

(١٦٩) لقد رأيت من سيُجيب والده.

وقد خبأته.

وأخفيه خوفًا من ذلك المتسول للشحاذة ومن فاعل السوء، وبحثت أثناء النهار عما هو مفيد، واهتممت بحاجياته.

وبعد ذلك عدت لأبحث عن «حور».

(١٧٠) ووجدته «حور» الجميل الذهبي الطفل اليتيم الأب.

وكان قد بلل الشواطئ بدموع عينه وبريق شفتيه.

وكان جسمُهُ ضعيفًا وقلبُهُ متعبًا.

ولا حركة في عروق جسمه.

فأرسلت صيحة حزن وقُلت:

أنا (هنا) أنا (هنا).

وكان الطفل ضعيفًا ليجيب.

وعلى الرغم من أن ثديي تفيضان.

فإن المعدة كانت خالية.

والفم متلهف لطعامه.

وعلى الرغم من أن البئر كانت فائضة.

فإن الطفل كان عطشان.

وعندما رغبت في أن آتي لحمايته.

فإن المصيبة كانت كبيرة.

(١٧٢) فقد رفض الطفل البريء الزجاجة.

لأنه ترك طويلًا وحده.

(١٧٣) وكم كان خوفي عظيمًا؛ لأنه لم يكن أحدٌ هناك يمكن أن يأتي على صوتي.

فقد كان والدُهُ في العالم السفلي.

وأمي في الخيانة.

(١٧٤) وأخي الكبير في التابوت (تقصد أوزير).

في حين كان الآخر عدوًّا (تقصد الإله «ست»).

(١٧٥) وكان قلبه غاضبًا عليَّ طويلًا.

والأصغر مني في بيته.

(١٧٦) فمن يجب عليَّ أن أناديه من بين الناس.

وبذلك يلتفتون إليَّ بقلبهم.

(١٧٧) سأنادي سكان الدلتا.

وسيخدمونني في الحال.

(١٧٨) وعندما أتى إليَّ سكان البطاح من بيوتهم.

(١٧٩) قفزوا نحوي على صوتي.

وصاحوا سويًّا قائلين:

ما أعظم حزنك.

(١٨٠) ولكن لم يكن واحدٌ منهم … في فيه.

وكل واحد منهم تَوَجَّعَ كثيرًا جدًّا (وحسب).

(١٨١) ولكن لم يكن واحدٌ من بينهم يعرف الإحياء ثانية (بالسحر).

(١٨٢) وقد أَتَتْ إليَّ سيدةٌ معروفةٌ في بلدتها، أميرةٌ في إقليمها.

وقد أتت إليَّ.

(١٨٣) وفاها مملوءٌ بالحَيَّاة، وكان يوثق بها تمامًا في علاجها.

لا تخف لا تخف أيها الابن «حور».

(١٨٤) لا تبتئسي لا تبتئسي يا أم الإله.

لأن الطفل محمي مِن شَرِّ أخيه.

(١٨٥) وبما أن العشب مخفيٌّ فإن العدو لا يمكنه أن يقتحمه.٦

(١٨٦) وبعد أن يسحره «آتوم» والد الآلهة الذي في السماء، والذي صنع حياتك.

فإن «ست» لا يمكنه أن يدخل هذا الإقليم.

(١٨٧) ولا يمكنه أن ينفذ إلى «خميس».

وعلى ذلك حمى «حور» من شر أخيه.

(١٨٨) ومن ثم لا يمكن أتباعه الإضرار به.

وإذا بحث السبب الذي من أجله حدث ذلك، فإنه يجب أن يعيش «حور» لأمه.

(١٨٩) فمن المحتمل أن عقربًا قد لدغه.

(١٩٠) أو شيطانًا قد جرحه.

(١٩١) وعندئذٍ وضعت «إزيس» أنفها على فيه وعرفت رائحة من في تابوته.

وقد تحققت من الضرر (الذي لحق) بالوارث الإلهي.

(١٩٢) وقد وجدت أنه وقع تحت السم.

(١٩٣) فاحتضنته بسرعة وقفزت به هنا وهناك كما تقفز السمكةُ التي وُضعت على موقد.

(وقالت) لقد لدغ «حور» يا «رع».

لقد لدغ ابنك.

(١٩٤) لقد لدغ «حور» وريثك الذي ضم (وَحَّدَ) مملكة «شو».

(١٩٥) لقد لدغ «حور» الطفل الخميسي، والصغير الذي من بيت الأمير.

(١٩٦) لقد لدغ «حور» الطفل الجميل الذهبي، والصغير اليتيم الأب.

(١٩٧) لقد لدغ «حور» ابن «وننفر» (= أوزير)، والذي وضعته النائحة (= إزيس).

(١٩٨) لقد لدغ «حور» الذي لا ذنب له، والابن الصغير للآلهة.

(١٩٩) لقد لدغ «حور» الذي أثريت متاعه بالنظر لما أجابه عن والده.

(٢٠٠) لقد لدغ «حور» الذي يعني بالسر، وهو الابنُ الذي خِيف منه وهو في بطن أُمِّه.

(٢٠١) لقد لدغ «حور» الذي احترست من نظرته والذي من أجل قلبه أحببت الحياة.

(٢٠٢) عندما بكى البريء بسبب المغرق «أوزير»، وأصبح حراس الطفل في نصب.

(٢٠٣) وقد أتت إليه «نفتيس» باكية وعويلها طاف مناقع الدلتا، وعندئذٍ قالت «سلكت.»

(٢٠٤) ماذا؟ ماذا؟ ما الذي ضد الابن «حور»؟ تَضَرَّعِي يا «إزيس» إلى السماء.

(٢٠٥) وبذلك يحدث الركود بين بحارة «رع» فلا تسير سفينة «رع».

(٢٠٦) عندما يكون «رع» على جانبه (أي مُلقًى على جانبه مريضًا).

(٢٠٧) وعلى ذلك أرسلت «إزيس» صوتها إلى السماء وصراخها إلى «سفينة ملايين السنين».

ومن ثم فإن «آتون» التفت تجاهها، ولم يتحرك من مكانه في حين كان «تحوت» مقبلًا.

(٢٠٨) ومجهزًا بسحره وبمرسومه العظيم في شرعيته (الصادق القول).

(٢٠٩) (وقال) ماذا؟ ماذا؟ يا «إزيس» الإلهية المنعمة التي تعرف رقيتها لن يكون شر للابن «حور»؛ لأنه قد حفظ بسفينة الشمس.

(٢١٠) ولقد أتيت اليوم من السفينة المقدسة.

و«آتون» (الشمس) في مكانه الذي كان فيه البارحة.

(٢١١) وقد نشأ الظلام وزال النور.

(٢١٢) إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس».

وكذلك كل مريض بالمثل.

وبعد ذلك تكلمت «إزيس» الإلهية.

(٢١٣) «قائلة» يا «تحوت» ما أعظم إرادتك (قلبك).

ومع ذلك ما أبطأ مسلكك.

هل أنت آت؟

(٢١٤) وأنت مجهز بسحرك، ومعك المرسومُ العظيمُ القانونيُّ الذي فيه الرقية تلو الرقية التي لا حصر لها؟

(٢١٥) تأمل أن «حور» في ضائقة بسبب السم الذي شره مُؤْذٍ جدًّا (لا مثيل له).

(٢١٦) لدرجة أن ألمه مميتٌ تمامًا.

آه، ليته مع والدته دون أن أرى ذلك وراءه.

(٢١٧) وإذن يفرح قلبي بذلك قبل أن أقترب في سرعة للإجابة عنه (أي للدفاع عنه).

يا «حور»! يا «حور»! ابق على الأرض.

(٢١٨) ومنذ اليوم الذي استقبلت فيه «حور» رغبت في التضرُّع إلى روح والده.

(٢١٩) وعندما كان الطفلُ مريضًا بعض الشيء فلا تخافي، لا تخافي يا «إزيس» الإلهية.

ويا «تفتيس» لا تولولي حُزْنًا.

(٢٢٠) لقد أرسلت من السماء بنفس الحياة لأجل الطفل، ولتفرح أمه.

فيا «حور»! يا «حور» إن قلبك باقٍ، دون أنْ تهدمه النار (أي السم).

(٢٢١) إن حماية «حور» هي التي في قُرص الشمس، وبالمثل حماية المريض.

(٢٢٢) إن حماية «حور» هي حماية بكر السماء الذي ينظم ما هو كائنٌ وما لم يكن بعد، وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٣) إن حماية «حور» هي ذلك القزم العظيم الذي يخترق الأرضين في الظلام وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٤) إن حماية «حور» هي أسد الليل الذي يخترق جبال «مانو» (الغرب) وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٥) إن حماية «حور» هي الكبشُ العظيمُ الخفيُّ الذي يدور مع عينيه وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٦) إن حماية «حور» هي الباشق العظيم الذي يطير في السماء وعلى الأرض، وفي العالم السفلي، وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٧) إن حماية «حور» هي الجعران الفاخر الذي يحلِّق في السماء، وحماية المريض بالمثل.

إن حماية «حور» هي الجثة السرية في احترامها، والتي تسيطر في تابوتها، وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٨) إن حماية «حور» هي سكان العالم السفلي للأرضين الذين يخترقون النصف الأعلى بأشياء سرية، وحماية المريض بالمثل.

(٢٢٩) إن حماية «حور» هي الطائرُ المقدَّس «بنو» الذي يطير في داخل عينيه («بنو» = صورة من صور «رع»)، وحماية المريض بالمثل.

(٢٣٠) إن حماية «حور» هي جسمُهُ،٧ الذي سحرتْه أُمُّه «إزيس».

(٢٣١) إن حماية «حور» هي أسماء والده التي تقودُهُ في المقاطعات، وحماية المريض بالمثل.

(٢٣٢) إن حماية «حور» هي عويلُ أُمِّه ونَحيب أخواته، وحماية المريض بالمثل.

إن حماية «حور» هي «رنف جسف» الذي تخدمه الآلهة وتقوم على حمايته، وحماية المريض بالمثل.

(٢٣٣) استيقظ يا «حور» إن حمايتك ثابتة.

ويجب عليك أن تسر قلب أمك «إزيس».

(٢٣٤) لأن كلمات «حور» ترفع القلب (تنعشه)، وهو الذي هدأ من كان في حزن، فلتكونوا فرحين يا من في السماء.

(٢٣٥) فإن «حور» قد انتقم لوالده.

فَلْتتقهقرْ إذن أيها السم، ويجب أن تسحر بفم «حور».

(٢٣٦) ويجب أن تطرد بلسان الإله العظيم.

عندما تكونُ سفينةُ الشمس واقفةً دون أن تسبح، ويكون قرص الشمس في مكانه بالأمس.

(٢٣٧) إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس».

وإلى أن يشفى المريض لأمه بالمثل.

(٢٣٨) فلتخرج على الأرض؛ «أي السم» حتى تسافر السفينة ثانية، ويقلع بحارة السماء.

(٢٣٩) فليت طعام القُرْبان يمنع ويغلق المعبد إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس» وإلى أن يشفى المريض لأمه بالمثل.

(٢٤٠) وعندما يصل ذلك الأذى.

(٢٤١) ليت الاضطراب (إذن) يعود إلى مكانه بالأمس.

(٢٤٢) إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس» ويشفى المريض لأمه بالمثل.

(٢٤٣) وليت الشرُّ يدور دون أن يفصل الزمن، ودون أن يرى ذلك النور أكثر من الظل يوميًّا إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس» وإلى أن يشفى المريض بالمثل.

(٢٤٤) وليت منبعي النيل يُسَدَّان، ويجف النبات وتذهب الحياة الأحياء.

(٢٤٥) إلى أن يشفى «حور» لأمه «إزيس» وإلى أن يشفى المريض بالمثل، فلتخرجْ إذن إلى الأرض أيها السُّمُّ، وبذلك تفرح القلوب وينتشر النور.

إني «تحوت» بكر «رع».

وقد أمرت «آتوم» والد الآلهة أن يشفي «حور» لأمه «إزيس»، ويشفي المريض بالمثل.

يا «حور»! يا «حور»! إن روحك هي حمايتُك.

في حين أن صورتك تعمل على حمايتك.

فليمت السم وليطرد لهيبه؛ لأنه لدغ ابن القوية (= إزيس).

(٢٤٦) فاذهبوا إذن لبيوتكم فإن «حور» يعيش لوالدته والمريض بالمثل.

وبعد ذلك قالت «إزيس» الإلهية: ليتك إذن تزكيه عند أولئك.

(٢٤٧) اللاتي في «خميس» وهن المرضعات اللاتي في «ب» و«دب»، ليتك تأمرهن كثيرًا جدًّا، ليحفظن الطفل لأمه وليحفظن المريض بالمثل، ولا تجعلهن يعرفن حضرتي في «خميس» بوصفي قروية قد هربتْ من قريتها.

وبعد ذلك تكلم «تحوت» للآلهة.

وقال الذين في «خميس»: أنتُنَّ يا أولئك المرضعات اللاتي في «ب»، واللاتي يضربن بيدهن، ويحاربن بسواعدهن؛ من أجل ذلك العظيم الذي خرج من بيتهن.

(٢٤٨) اسهرن على هذا الطفل، واحرسن طريقه بين الناس.

وحَوِّلْنَ طريق الأعداء عنه، لأجل أن يتسلم عرش الأرضين.

و«رع» في السماء يُجيب عنه، ووالده يسهر عليه.

وسحر أمه حمايته، والحب له، وليجعل الخوف منه بين الناس.

(٢٤٩) لقد انتظر مني أن أبعث سفينة الليل وأن أجعل سفينة النهار ترحل، وعلى ذلك يملكها «حور»، وبذلك سيمنح الحياة.

(٢٥٠) وعندما أنقل الحياة لوالده ويفرح سكان سفينة الليل، فإنه بذلك يسافر البحارة و«حور» هناك يعيش لأمه، وكذلك يعيش المريض لأمه بالمثل، ويصير السم لا قُوَّةَ له.

(٢٥١) وعندئذ سيمدح المفتن في زمنه؛ لأنه أجاب من أرسله.

ليت قلبك يا «حور أختي» يفرح؛ لأنه بذلك يمنح ابنك «حور» الحياة.

تعليق: لست في حاجة إلى القول إن محتويات متن لوحة مترنيخ هذه تدل دلالة واضحة على أن كل تعاويذها تنطوي على معانٍ إنسانية غاية في الرقي، كما أن أساس العلاج بها لا يختلف كثيرًا عما نُسميه الآن: العلاج النفسي بالإيحاء، والدور الهام في علاج المريض في كل حالة كان يرجع في أُصُوله إلى العلاج الذي عُولج به الآلهةُ في قديم الزمان، عندما كانوا يحكمون العالم وتصيبُهُمُ الأمراض التي أصابت البشر مِن بعدهم، ومن ثم اتخذ السحرةُ أو الأطباءُ الآلهةَ نموذجًا يسيرون على نهجه فما كان شافيًا للإله أصبح يداوى به بنو البشر، وبه يتم شفاؤه وتذهب عِلَّتُهُ، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أن هذه الطريقة كانت ناجعةً إلى حَدٍّ بعيدٍ في الأزمان الأولى، حتى تَقَدَّمَ الفكرُ الإنسانيُّ والبحثُ العلميُّ، فأخذ القومُ في مصر يَستعملون العقاقيرَ جنبًا لجنب مع التعاويذِ السحرية إلى آخر عهد الفراعنة.

وقد استمر العلاج بالسحر والرقى بعد ذلك، وبقي حتى زمننا هذا في مصر الحديثة، ولم تتمكن المدنيةُ الحديثةُ مِن قَلْع جُذُوره، بل على العكس نجد أنَّ الطب النفسانيَّ قد أخذ ينتعشُ من جديد، ويأخذ مكانةً مرموقةً في نُفُوس القوم لا في مصر وحسب، بل في كل أُمم العالم، وما التنويمُ المغناطيسيُّ إلا صورة من صور السحر عند قُدماء المصريين.

هذا، وقد فَصَّلْنا القول بعض الشيء عن السحر في غير هذا المكان، (راجع: مصر القديمة الجزء السابع).

(٣٩) تل أتريب (بنها)

توجدُ في متحف «بروكسل» قطعةٌ من نقش غائر من الحجر الأزرق، عليها بقايا طغراء الملك «نقطانب» الثاني «نخت حور حبت»، (راجع: Speleers, Rec. des. Insc. Egypt, p. 88 (336); Porter & Moss IV p. 66).

(٤٠) هليوبوليس

عُثر في معبد «حتبت» بالقرب من «هليوبوليس» على قاعدة تمثال صقر، باسم الملك «نقطانب» الثاني، وهي محفوظةٌ الآن بمتحف «برلين»، (راجع: Ausfutirliches Verzeichniss (1899) p. 248, No. 11577).

(٤١) هليوبوليس

مائدة قربان من الجرانيت أُسطوانية الشكل للملك «نقطانب» الثاني، عُثِرَ عليها في معبد الشمس بمدينة «هليوبوليس»، وهي الآن في متحف «تورين» تحت رقم (No. 1751)، وقد مثل على هذه المائدة الأسطوانية الملك «نقطانب» ومعه كاهن يقدم قربانًا سائلًا، وتدل شواهد الأحوال على أن مؤلف هذه المتون التي على المائدة هو كاهن «هليوبوليس» الأكبر المسمى «باكننف»، ونقش حول الجزء الأُسطواني سبعةٌ وستون إلهًا، والنظام الذي اتُّبع في نقش أسماء هذه الآلهة هو نظام الجهات الأربع، على حسب الطريقة المصرية، وذلك بتقديم الجنوب على الشمال؛ لأن النيل كان قبلة المصريين.

ويلفت النظر في هذا الأثر أنه كان موضوعًا بحيث تكون جوانبُهُ الأربعةُ مواجهةً للجهات الأصلية الأربعة، وهذه الجهات قد تدل عليها — فضلًا عن ذلك — بدقة وضع إشارات هيروغليفية مواجهة آلهة كل جهة، في حين أنَّ النقوشَ الأُخرى وضعت مواجهة جهة أُخرى.

والمنظرُ الذي يسبقُ كُلَّ صَفٍّ من صفوف آلهة الجهات الأربع واحد، فيُرى أولًا كاهن يُقدم قُرْبَانًا سائلًا، وقد مثل لابسًا تاقية وجلد فهد، والنقوش التي أمامه هي: «تقديم قربان بوساطة الكاهن»، وبعد ذلك يُرى الملك «نقطانب» الثاني وبيده مبخر، وقد مثل لابسًا «النمس»! (= لباس رأس)، الذي يعلوه الصل الملكي ويرتدي قميصًا، وقد نقش أمامه اسمه ولقبه: «الإله الكامل رب الأرضين — نخت حور حبت أنحور (أنوريس)»، والسطر الذي فوق رأسه جاء فيه: «القيامُ بالشعائر الإلهية في الجنوب.»

وبعد ذلك تأتي أسماءُ آلهة الجنوب، وهم ثلاثةٌ وعشرون إلهًا.

ثم يكرر نفس المنظر السابق لآلهة الغرب، وعددهم اثنا عشر إلهًا.

ثم يُكرر نفس المنظر لآلهة الشرق، وعددهم عشرةُ آلهة.

ثم يكرر نفس المنظر لآلهة الشمال، وعددهم اثنان وعشرون إلهًا.

ويأتي في آخر المتن اسمُ الكاهن «باكننف»، وقد لقب الأمير الوراثي والحاكم والرائي العظيم ﻟ «أون» «باكننف».

ويقول الأثري «بركش» عند التحدث عن محتويات هذه المائدة: «إنني لا أُريد أن أمر في صمت دون أن أقول: إن مؤلف هذا المتن، وهو الكاهن الأكبر للشمس في مدينة «هليوبوليس» وهو «باكننف»؛ قد وضع هذه القائمة بأسماء الآلهة، ومكان عبادة كل منهم، وفقًا للجهات الأربع الأصلية، مُبتدئًا إياها بالجنوب ومنتهيًا بالشرق، وذلك على غِرار عددٍ كبيرٍ من المتون الأُخرى التي وُجدت على الآثار.» (راجع: Brugsch, Dict. Geogr. p. 1055 ff; Bonomi, T.S.B.A. 3/1874, p. 422–424 with Plates: Farbretti, Rossi, Lanzone, Regio, Museo di Torino I. p. 202; wiedemann, Aegypt, Gesch. p. 288; suppl-707; petrie Hist, III p. 379; Gauth., L.R. IV p. 177-8, Nr. 28).

(٤٢) هليوبوليس

تمثال للملك «نقطانب» الثاني مثل بين مخلبي صقر، وهو محفوظٌ الآن بمتحف «مترو بوليتان» بمدينة «نيويورك»، (راجع: Bosse. Menschliche Figur. p. 70 No. 187 & pl. VIII, c. Winlock, Bull. Metro p. Museum, 1934 N. 11, p. 186-7, With fig. p. 187, fg, 2; Portrait 178 Breasted-Ranke, Geschichte Agyptens).

(٤٣) هليوبوليس

الجزء الأسفل من تمثال للملك «نخت حور حبت» مصنوع من حجر السربنتين الأخضر وهو محفوظ الآن بمتحف «جلاسجو»، (راجع: Petrie & Mackay, Heliopolis, p. 7 & Pl. VIII No. 12; Porter & Moss. IV p. 61).

(٤٤) محاجر «طره» و«المعصرة»

عُثر في محاجر «طرة» على لوحة للملك «نقطانب» الثاني، وتمثله وهو يقدم رمز الحقل للإله «تحوت» والإلهة «نحمت عاوي» والإله «نفرحور»، كما وُجدت كذلك لوحةٌ مشوهةٌ لنفس الملك (؟) قدم فيها رمز الحقل كذلك الإله، يُضاف إلى ذلك أن اسم هذا الفرعون قد نُقش على صُخُور محاجر «طرة» بالديموطيقية، (راجع: Porter & Moss, IV p. 75; Gauth. L.R. IV O, 175 A. 3; A.S., 6, p. 222 No. 2).

(٤٥) منف (السرابيوم)

أقام الفرعون «نقطانب» الثاني معبدًا صغيرًا بالقرب من السرابيوم له مدخل وبوابة، (راجع: Mariette, Serapeum 1, p. 18; Mariette Serapeum Ed. Maspero 15, 36, 76; Wilcken Urkunden der Ptol. Zeit 1, p. 10; Wiedemann Die Agypt. Gesch. p. 705-6, & Supple. 76 zu p. 706, A. 1; Porter & Moss III p. 205 & Plan. p. 204; Gauthier-L.R. IV p. 175, A. 3).

وهذا المعبد أقامه الملك «نقطانب» الثاني على شرف العجل «أبيس» المقدس.

(٤٦) منف (السرابيوم)

وقد وجد قبل البوابة التي أقامها «نقطانب» الثاني، وهي التي تؤدي إلى السور الخارجي لمدفن السرابيوم في النهاية الغربية من الطريق؛ أسدان باسم «نقطانب» الثاني، وهما مصنوعان من الحجر الجيري، ويبلغ طولُ الواحد منهما ١٫٢١ مترًا، وهما محفوظان بمتحف «اللوفر».

وهذان الأسدان قد مثل كل منهما رابضًا على جانبه، ورأسه مُلتَفٌّ إلى جنبه، ومخالبه اليسرى ملفوفةٌ أو متقاطعةٌ مع مخالبه اليُمنى الملتفة، مما يُبرز لنا تأثيرًا فنيًّا يمتاز بالقوة والهدوء معًا، مما يجعل طرازَ هذا الأسد أَحَدَ الاختراعات ذات الأهمية البالغة في الفَنِّ المصري في هذا العصر المتأخر.

(راجع: Chassinat, Rec. Trav. 21, p. 57 No. 432)، وقد ذكر هذا المؤلف أنه وجد ثلاثة أسود.
(راجع: Boreux, Guide Catalogue paris 1932, I, p. 169 & Pl. 21 Com p., Scharff, Bemerkungen zur kunst der 30 Dynastie, Vatikan-festschrift (1941) p. 195 ff. fig. II p. 197.)

ونقش على قاعدة التمثال المتن التالي: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري.» «سنزم-اب-رع ستب-ن-أنحور» بن «رع» رب التيجان «نخت حور حبت مري أنحور» عاش أبديًّا، «حابي» العائش من جديد «بتاح» (؟).

(٤٧) منف (السرابيوم)

وكذلك وجدتْ زاويةُ عارضةِ بابٍ، مصنوعة من الحجر الجيري، عليها اسمُ هذا الفرعون، وهي محفوظةٌ بمتحف «اللوفر»، (راجع: Chassinat Ibid. p. 57 No. 402; Gauthier L.R. IV p. 175, A. 3; Wiedemann, Gesch. Agyptens p. 288 & Aegypt. Gesch. p. 706).

(٤٨) منف (السرابيوم)

منظر مثل فيه الملك «نقطانب» الثاني أمام العجل «أبيس»، وهو محفوظٌ بمتحف «اللوفر»، (راجع: Louvie, Serapeum No. 119; chassinat Rec. Trav. 21. p. 57 No. 423; L.R. IV 175, A. 3).

(٤٩) منف (السرابيوم)

قاعدة تمثال «بولهول» عيها اسم الفرعون «نقطانب» الثاني، محفوظةٌ الآن بمتحف «اللوفر»، (راجع: Chassinat Ibid. p. 57 no. 424; L.R. IV p. 175, A. 3).

(٥٠) منف (السرابيوم)

لوحة الكاهن «وننفر»

هذه اللوحةُ موجودةٌ الآن بمتحف «اللوفر» وقد عُثر عليها في سرابيوم «منف»، وهي مصنوعةٌ من الحجر الجيري، ويبلغ ارتفاعُها ٠٫٥٤ مترًا، وقد كُتب متنُها أولًا بالحبر الأحمر، ثم أُعيد عليها بالحبر الأسود، وجُزْؤُها الأعلى مستديرٌ، وقد مثل فيه من اليمين العجل «أبيس» واقفًا ونقش أمامه: «أبيس-أوزير» أول أهل الغرب … ويشاهد أمام العجل في صفين ثمانيةُ أشخاصٍ يتعبدون، وهذا المنظرُ قد مُحي نحو نصفه.

وفي الجزء الأسفل متنٌ مؤلفٌ مِن اثني عشر سطرًا، جاء فيه ألقابُ الكاهن «وننفر» وهو والد كاهن قُربان الإله «بتاح»، والكاهن المطهر لمعبد «الجدار الأبيض» «منف»، وكاهن «أوزير» في مثواه وكاهن تماثيل الملك «نقطانب» الثاني في نفس المعبد، وكاهن الإله «أنوبيس»، وكان كذلك كاهن ملك الوجه القبلي والوجه البحري «مينا»، وكاهن ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تيتي»، ومن هذا نفهم أن الملك «نقطانب» الثاني، كان يُعَدُّ ضمن الملوك الذين أُلِّهوا بعد موتهم، وقد جاء منهم في هذه اللوحة اثنان، وهم الملك «مينا» والملك «تيتي»، وقد جمع من هؤلاء الملوك الذين كانوا يُعبدون، وتُقام لهم شعائر على ما يظن الأثري «أرمان» ثمانية ملوك، وكلهم في منطقة «سقارة» أو «الجيزة».

وعلى أيَّةِ حالٍ فإن لوحتنا هنا تدل دلالةً واضحةً على أن «نقطانب» الثاني كان من بين الملوك الذين كانوا يُعبدون بعد مماتهم، وتُقدم لهم القربان، (راجع: A.Z. 38, p. 122; Rec. trav. 21 p. 69-70).

ويُلحظ أنه قد كتب في نهاية هذه اللوحة سطرٌ واحدٌ بالديموطيقية.

(٥١–٥٣) منف (السرابيوم)

انظر رقم ١، ٣، ٥ من قائمة آثار هذا الملك.

(٥٤) أبو رواش

عُثر في «أبو رواش» على قطعةِ حجر عليها اسم الملك «نقطانب» الثاني وُجدت في مقبرة صخرية، (راجع: Eisson de la Roque, Rapport sur les fouilles d’Abou-Roash 1, (1922-3), Pl. XXXV, (4) & p. 4, 65-6).

(٥٥) أبو رواش

مائدة قُربان من الجرانيت لفرد يُدعَى «عان-م-حر».

يوجد بالمتحف المصري مائدةُ قربان باسم الملك «نقطانب» الثاني، وهي مصنوعةٌ من الجرانيت، ويبلغُ طولُها ٠٫٢٤ مترًا وعرضها ٠٫٢٩ مترًا … وهي صورةٌ لكلمة «حتب» المصرية، ومعناها القربان، وقد نقش حول حفرة المائدة المتن التالي:

يعيش «حور» محبوب الأرضين حامي «مصر» ممثل السيدتين (المسمى) مهدئ قلب الآلهة والذي يهاجم البلاد الأجنبية، «حور» الذهبي (المسمى) مثبت القوانين وضارب الأقواس التسعة، ملك الوجه القبلي والوجه البحري ورب الأرضين «سنزم-اب-رع ستب-ن-آمون» ابن «رع» المُسَمَّى «نخت حور حبت» محبوب «ماعت» عاش مثل «رع» محبوب «أوزير» تزيل «ليتوبوليس» (= أوسيم) «حور» محبوب الأرضين حامي «مصر»، وممثل السيدتين (المسمى) مهدئ قلوب الآلهة، والذي يهاجم البلاد الأجنبية «حور» الذهبي مثبت القوانين وضارب الأقواس التسعة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «سنزم آب-رع ستب-ن-آمون» ابن رع رب التيجان «نخت-حور-حبت» محبوب «ماعت» عاش مثل «رع» محبوب «حور».

ونقرأ الصيغتين التاليتين المنقوشتين حول المائدة من اليمين:

إني أقدم لك يا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم-اب-رع ستب-ن-آمون» شعائر يومية — قربانًا يقدمه الملك ألفًا من الخبز، وألفًا من الجعة، وألفًا من البقر والإوز، وألفًا من النسيج وألفًا من العطور، وألفًا من الخبز، وألفًا من الماء البارد، وألفًا من النبيذ وألفًا من اللبن؛ وعلى اليسار تكرَّر نفس الصيغة.

(راجع: A. Kamal. Tables d’Oifrarodes. Cat. Gen. p. 94-5 No. 23115.)

(٥٨) منف (سقارة)

انظر ما كتب عنهما في رقمي ٧، ٨.

(٥٦-٥٧) منف (سقارة)

لوحة «عان-م-حر» كاهن «نقطانب» الثاني والملكة «أرسنوي» الثانية، عاش هذا الكاهن في عهد ملوك البطالمة الأربعة الأول، وقد ترك لنا هذا الكاهن لوحة عُثر عليها في السرابيوم، وهي محفوظة في متحف «فينا» تحت رقم ١٥٣، (راجع: Reinisch, Aegyptische Chrestomathie, Pl. 18; text. Brugsch Thesaurus, 852 & 902–6; B.ugsch, R.C. du. Mon. 1, Pl. IX).

وقد كُتب مع هذه اللوحة متنٌ بالديموطيقية مختصرٌ جاء فيه: الكاهن «ستم» المُسَمَّى «عان-م-حر» الذي وضعتْه «نفر سبك»، وكان يومُ ولادته هو اليوم الرابع من الشهر الثالث من فصل الشتاء، وقد غادر بيته في اليوم السادس والعشرين من الشهر الرابع من فصل الشتاء، ومدة حياته اثنتان وسبعون سنة وشهر وثلاثة وعشرون يومًا.

والمتن الهيروغليفي المقابل لذلك هو: «الكاهن «ستم» «عان-م-حر» الذي وضعتْه «نفر سبك» في السنة السادسة عشرة الشهر الثالث من فصل الشتاء مِن حُكم ملك الوجه القبلي والوجه البحري «فليبوس» بن «رع» «بطليموس»، ومات في السنة الخامسة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم السادس والعشرين من حكم ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس» «يورجتس»، ومدة حياته على الأرض هي اثنتان وسبعون سنة وشهر وثلاثة وعشرون يومًا.» (راجع: Rec. Trav. 30 p. 148-9).

أما اللوحةُ الكبيرةُ المحفوظةُ في متحف «فينا» فقد ترجمها الأثري «بركش»، وهي في الواقع لا تحتوي على معلوماتٍ تاريخية أكثر مما جاء في النص الديموقيطي — على الرغم من طولها.

والمهم في النص هو ما نلحظُهُ من اهتمام البطالمة بملوك «مصر» السابقين، والمحافظة على إقامةِ شعائِرِهم على الرغم من طولها، وهاك النص:

قربانٌ يُقدِّمه الملك لأوزير أول أهل الغرب لأجل أن يقدم خُبزًا ونبيذًا وثيرانًا وإوزًّا وعطورًا ونسيجًا (لأجل) دفنة جميلة من كل شيء حسن وطاهر وحلو مما تُعطيه السماء وتنبته الأرض، مما يعيش منه الإلهُ وروح «أوزير» الكاهن والد الإله المحبوب والكاهن «ستم» للإله «بتاح»، والكاهن العظيم للأرواح، (ثم يستمر المتن فِي ذِكْر ألقابه بوصفه كاهنًا لعدة آلهة، ثم كاهنًا للملك «نقطانب» الثاني والملكة «أرسنوي» الثانية)، وينتهي المتن بذكر تاريخ موته وعدد سني حياته، كما ذكرنا من قبل.

(راجع: Rec. Trav. 30 p. 148-9 cf.; thesaurusp. 902–6.)

(٥٩–٦٢) منف (سقارة)

مدفن الملكة «خدب نيت أري نبت» زوج الملك «نقطانب» الثاني.

تَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أنَّ الملكة «خدب نيت أري نبت» هي زوج الملك «نقطانب» الثاني، وقد ترجم «بركش» اسم هذه الملكة بأنه يعني: الإلهة «نيت» التي تعاقب المذنب، وقد شَكَّ الأثريُّ «فيدمان» في أول الأمر في نسبتها للملك «نقطانب» الثاني، عندما لم يجد اسم هذا الملك على غِطَاءِ التابوت الجرانيتي الذي وُجِدَ في بئرٍ جنازية في «سقارة»، وهو الآن محفوظٌ بمتحف «فينا»، غير أن الكشف عن تمثال مجيب لنفس الملك في هذه البئر قد جعل «ماسبرو» يرجح كثيرًا أنها زوج هذا الملك.

هذا بالإضافة إلى وجود أواني الأحشاء الخاصة بهذه الملكة مع غطاء التابوت، وقد نقش على هذه الأواني اسمها كما يأتي: «أوزير» الابنة الملكية وزوج الملك «خدب نيت أري نبت».

والظاهر أن الأمر الذي دعا إلى الشك في نسبة هذه الملكة هو وجود دفنة أخرى معها لعظيم يُدعَى «بسمتيك»، حامل أختام الملك، وقد دُفن في الجزء الشرقي لهذه البئر، (راجع: Mariette, Mon. Divers, textes Maspero p. 29; V. Bergmann, Rec. Trav. 12 p. 23, No. XXIV; Wreszinski Aegypt. Inschr. Aus dem K.K. Hof. Museum in wien, p. 151-2; Brugsch Rec. du. Mon. I., pl. 7–2 & 2; Porter and Moss. III p. 178).

وغطاء التابوت الذي عُثِرَ عليه لهذه الملكة نُقش في وسطه خمسةُ أَسْطُر عمودية، جاء فيها:

بيان: إن والدتك «نوت» تنشر نفسها عليك باسمها أسرار السماء، وأنها لن تفصل نفسها عنك باسمها السماوية، وأنها تحفظك؛ لأنك إله، وأن أعداءك لن يكونوا، الأميرة الوراثية القوية جدًّا، الزوجة الإلهية، والأم «خدب نيت أري نبت» المرحومة، تعالي إلى «نوت»، التي ستضمك بقوة جسمك وتتحد معك مثل ما اتحدت بالعين اليُسرى «لأوزير بوصفها القمر»، وإن جسمها مثل نُور الأفق، وإنها تطرد الظلام بمحياها.

(٦٣) منف (السرابيوم)

لوحة باسم الملكة «خدب-نيت أري نبت»، ويقول الأثري «فيدمان» (راجع: Wiedemann, Aegypt. Gesch. p. 659)، إن المتحف المصري فيه لوحةٌ عُثِرَ عليها في السرابيوم مُثلت عليها هذه الملكة واقفةٌ تتعبد أمام الإله «بتاح» والإلهة «إزيس» غير أنَّ هذه اللوحة قد أَصَابَهَا تلفٌ كبير جدًّا.
هذا، وقد نسب كل من «لبسيوس» (Konigsbuch No. 680) و«بركش» و«بوريان»، (راجع: Livre des Rois. No. 738)، هذه الملكة بأنها امرأة «نقطانب» الأول ومن جهة أُخرى فضل الأثري «بدج» أنْ تكون زوجة «نقطانب» الثاني، وهذا ما يتفق مع اقتراح «ماسبرو» كما ذكرنا من قبل، (راجع: L.R., IV p. 181).

(٦٤) منف

قطع أحجار منقوشة، عُثر على عددٍ من الأحجار المنقوشة باسم الملك «نقطانب» الثاني في «ميت رهينة»، وهي مبنيةٌ على هيئة حَوض، غير أن شواهد الأحوال تَدُلُّ على أنها مأخوذةٌ من مبنى لهذا الفرعون، ولكن لم يُعرف كُنهها حتى الآن.

(راجع: A.S. II p. 241–243.)

(٦٥) منف

تمثالٌ لفرد يُدعَى «خبواسو» وهو والد وأخو ملك، والبقيةُ الباقية التي على العمود الذي يستند عليه هذا التمثالُ يغلب على الظن كثيرًا أنه للملك «نقطانب» الثاني، وكان يلقب الأمير الوراثي والحاكم والقائد الأعلى للجيش، والتمثالُ مصنوعٌ من حجر البرشيا، وكان يبلغ طولُهُ وهو سليمٌ حوالي ٣٨ بوصة؛ أي أكثر مِن نِصف الحجم الطبيعي، وقد صُنع بإتقان، ولكن تمثيل تشريح جسمه عادي، وقد نُقش على حزامه الإلهان «بتاح» و«سوكر»: «لأجل الأمير الوراثي والحاكم والأخ الملكي لوالد الملك.»

هذا، ويُلحظ في السطر الثالث من النقش الذي على ظهر التمثال بقايا طغراء يُحتمل — في أغلب الظن — أنه للملك «نخت حور حبت»، وهذا يفسر لنا كيف أنه كان أخًا ملكيًّا لوالد الملك، وليس أَخَا الملك.

والواقعُ أن «نخت حور حبت» لم يكن مِن أُسرةٍ ملكية، وأخوه لم يكن ملكًا، وعلى ذلك فإن العَمَّ كان له الحقُّ أن ينسب نفسه لابن أخيه، الذي كان ملكًا وهذه الوظيفةُ العاليةُ تفسر لنا توليه أعظم المناصب في الدولة، وأسلوبُ صناعة التمثال تتفقُ مع فن الأسرة الثلاثين، والتمثال الآن موجودٌ «بنيويورك» في متحف «متروبوليتان».

(راجع: Petrie. Memphis I, p. 13 & 20-1 and Pl. XXXI; Bosse Menschliche figure, p. 16 No. 11.)

(٦٦) إهناسيا المدينة

قطعةٌ مِن ناووس من الجرانيت الأحمر

عُثر على قطعة من ناووس في معبد «إهناسيا المدينة» على اسم الملك «نقطانب» الثاني، وهذه القطعةُ تُبرهن على أن الناووس الذي تؤلف هذه القطعةُ جُزْءًا منه كان عُمقه ٤٣ بوصة من الداخل، ومن الخارج خمسُ أقدام، (راجع: Petrie, Ehnasya p. 12 & 17).

(٦٧) أبو صير الملق (مصر الوسطى)

بقايا معبد للإله «بتاح سوكاريس أوزير»

يوجد هذا المعبد تحت جامع بقرية «أبو صير الملق»، وقد وُجدتْ بعضُ قطعٍ منه في مكانها الأصلي، وهي مبنيةٌ في جدران الجامع، وقد وُجد عليها اسمُ الملك «نقطانب» وألقابه.

(راجع: Möller-scharff, Archeol. Ergebnisse des Graberfeldes Von Abu-sir El Meleq p. 102 & Pl. 77.)

(٦٨) هرموبوليس (الأشمونين)

ناووسٌ مِن الجرانيت الأسود المبرقش للإله «تحوت»

عثر الأثري محمد شعبان في مبنًى باللبنات على هذا الناووس على حافة الصحراء في «تونة الجبل»، وهو الآن بالمتحف المصري، وصناعة هذا الناووس رديئة، غير أنه عُمل بأسلوبٍ حَسَن معتنًى به، وهو في حالة جيدة، ولا يوجد فيه نقشٌ، غير ما وجد على عارضتيه، ونقوشُهُما موحدةٌ، وهي: «حور» محبوب الأرضين حامي «مصر» ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين الذي يؤدي الشعائر «سنزم آب رع ستب-ن-أنحور» ابن «رع» من جسده محبوبه (نخت حور حبت) ابن «إزيس» ومحبوب «أنحور»، عاش محبوب «تحوت» مُعطي الفخار لكل الآلهة، ليته يُعطَى كل الحياة وكل الثبات والسلطان مثل «رع» أبديًّا.

(راجع: Roeder, Cat. Gen. Naos. p. 45-6, Pl. 11, B. 49 d, e; A.S. 8. p. 222, 1.)

(٦٩) العرابة المدفونة

جذع تمثال من الحجر الجيري لامرأة، وعلى القاعدة تضرعات للملك.

كما وجد كذلك رأس تمثال للملك «نقطانب» الثاني، وكلاهما بمتحف «القاهرة» وقد عُثر عليهما في حفائر العرابة المدفونة، (راجع: Petrie, Abydos I. p. 33 & Pl. LXX, No. 12; Ayrton, Abydos III Pl. XXVIII, No. 4, & p. 52; Bissing Denkmäler Text Pl. 73 A B, S p. 5-6; (K. Bosse Die Menschliche Figur in der Rundplastik der Agyptischen Spätzeit von der XXII bis XXX Dynast., Ag. Forsch, 1, 1936. p. 66 No. 179 & p. 77 No. 215)).
ويقول: «بتري» عن صناعة هاتين القطعتين — وغيرهما — من عهد «نقطانب» الثاني ما يأتي: كانت أعظم نتيجة غير منتظرة في هذا العام هو الكشف عن أُسلوب النحت الرفيع في الحجر الجيري في عهد الملك «نقطانب» الثاني؛ فإنه قد أبقى على تقاليد الأُسرة الثامنة عشرة دون تغيير فيها تقريبًا، ولم يظهر فيه أثرٌ ما من تأثير الفن الإغريقي الذي كان يُحيط به؛ ففي الكتلة المربعة مِن خرائبِ المعبد وجدتْ قطعٌ أربع من تمثال من الحجر الجيري الصلب معظمُها مشوهٌ، وقد كشف عن الجزء الأعظم من تمثال جالس، رقم ١٢، ويَدُلُّ ما تَبَقَّى من هذا التمثال على حُسْنِ التنسيقِ ومراعاة النسب والتمثيل التي نعرفها في جذوع تماثيل «نفرتيتي» وغيرها من عمل الأسرة الثامنة عشرة، (راجع: Petrie, Abydos I p. 33).

(٧٠) العرابة المدفونة

ناووسٌ مِن الجرانيت الأحمر المبقع

عُثر على هذا الناوُوس في «العرابة المدفونة»، في عام ١٨٩٨م، في المعبد الصغير غربي «شونة الزبيب»، ولم يَبْقَ منه إلا جزءٌ صغيرٌ مِن جانبه الأيسر، وقد نقش عليه من الخارج اسمُ هذا الفرعون ولقبه، ومن الداخل يشاهد الملك واقفًا أمام ثالوث «طيبة» وبيده رمزُ العدالة يقدمه لهم، ومع كل واحد من هذه الآلهة وهم «آمون» و«موت» و«خنسو» متن خاص، فأمام «آمون» نقش المتن التالي مخاطبًا به الملك: «إني أعطيك الأراضي كلها في سلام.»

ونقش أمام «موت»: «إني أمنحك عمر «رع» في السماء.»

ونقش أمام «خنسو»: «إني أعطيك سني «شو».»

(راجع: Reoder. Naos., Cat, Gen. p. 50–52.)

(٧١) العرابة المدفونة

عثر على ناووس آخر كالسابق باسمي «نقطانب» الأول والثاني معًا، وقد تحدثنا عنه عند الكلام على «نقطانب» الأول.

(٧٢) العرابة المدفونة

تابوت كاهن تماثيل الملك «نقطانب» الثاني، وهو مصنوعٌ من الحجر الجيري، ومحفوظٌ الآن في متحف «فتزوليام»، وقد جاء عليه النقشُ التالي: «كاهن تماثيل الفرعون نقطانب.»

(راجع: Randall, Mac lver und Mace, El-Amrah and Abydos p. 85, 96 and Pl. XXXV.; Gauthier, L.R. IV p. 180 No. 44; Porter & Moss V. p. 76.)

(٧٣) غابات

الواقعة جنوبي «العرابة المدفونة»، (انظر رقم ٤ من آثار نقطانب الثاني).

(٧٤) قفط

توجدُ في المعبد الجنوبي في «قفط» بوابةٌ باسم الملك «نقطانب» الثاني، ويشاهد على الجزء الأسفل من عارضتَي البوابة من الجهة اليسرى؛ الملك يقف أمام الإله «مين» رب هذه الجهة، وكذلك أمام «سا إزيس»، ويشاهد على الجهة اليمنى الملك «نقطانب» الثاني أمام الإله «مين» وأمام الإلهة «إزيس».

(راجع: A. Reinach, Rapports sur les fouilles de Koptos, Bull. de a société FranÇaise des Fouilles Archeologiques, 1910, Tom. I, p. 2.)

(٧٥) قفط

قطعةٌ من مسلة مصنوعة من الجرانيت البني، وهي لشخص يُدعَى «أرتراثا» من عهد «نقطانب» الثاني، وقد جاء عليها لقبُهُ، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أن «أرتراثا» هو الذي صنعها.

(راجع: Petrie, Koptos, p. 17 & Pl. XXVI, 2; L.R. IV p. 174; Porter & Moss V. p. 134.)

ويُلحظ أن «بورتر» و«موس» قد نسبتا هذا الجزء من المسلة للملك «نقطانب» الأول وهذا خطأ.

(٧٦) قفط

توجدُ مقصورةٌ صغيرةٌ على مسافةٍ من جنوب بوابة المعبد بالقرب من جدار المدينة، وتحتوي هذه المقصورة على صورة الملك «نقطانب» الثاني.

(راجع: Petrie Koptos. p. 17.)

(٧٧) قفط

قاعدة تمثال من المرمر للملك «نقطانب» الثاني، من المعبد الصغير، من العهد البطلمي والروماني، وقد وُجدت مستعملة ثانية في الباب الغربي للمعبد، وهي محفوظةٌ الآن بمتحف «اللوفر»، (راجع: A.S. XI, p. 119).

(٧٨) قفط

وُجد في جهة «قفط» مائدةُ قُربان من المرمر باسم الملك «نقطانب» الثاني، وقد رسم على جوانبها الأقواسُ التسعة؛ أي أن «نقطانب» قد هَزَمَ قبائلَ الأقواس، وأصبحوا تحت سلطانه.

(راجع: Reinach, Rapports sur les Fouilles des koptos Bull. Soc. Fran. Des Fouilles Archeologiques. 1910 p. 6 & 13.)

(٧٩) وادي حمامات

يوجد في «وادي حمامات» نقشٌ على صخر مثل فيه الملك «نقطانب» الثاني يحرق البخور أمام الآلهة «مين» و«حربوخراد» و«إزيس»، وهذا يدلُّ دلالةً واضحةً على أن هذا الملك كان يرسل بعثاتٍ إلى محاجرِ هذه الجهة لاستثمارها بقطع الأحجار منها.

(راجع: L.D. III 287 a; Couyat-Montet, Les Inscriptions du Ouadi Hammamat p. 44, No. 29 et Pl. VIII.)

(٨٠) وادي حمامات

يوجد في محاجر «وادي حمامات» نقش باللغة الديموطيقية (راجع: L.D. VL. t9, No. 167)، وأول ما يلحظ في هذا النقش الذي يرجع إلى عهد الملك «نقطانب» الثاني هو أن كلمة الميديين تعني الفرس، وفي هذا النقش نجد أن أحد الموظفين المكلفين بقطع الأحجار يقول إنه كان مكلفًا بالتفتيش على قطع الأحجار من المحاجر في عهد الملك «نقطانب» الثاني، وفي عهد الميديين (أي الفرس)، وفي عهد الأيونيين؛ أي الإغريق، ومن ثم نفهم أن هذا الموظف باشر عمله هذا في عهد الفرعون «نقطانب» الثاني، وفي عهد ملك الفرس «أرتكزركزس» (أوكوس) وفي عهد «الإسكندر الأكبر»، وخليفته في «مصر» «بطليموس» الأول.

هذا، ويُلحظ هنا أن الملك «تاخوس» (تيوس) الذي خلف «نقطانب» الأول، ولم يمكث على عرش الملك إلا سنتين لم يذكر اسمه في هذا النقش.

(راجع: Die Sogenannte Demotische Chronik, p. 6, 94, Fig. No. 332.)

(٨١) الكرنك

نقش اسم الفرعون «نقطانب» الثاني على البوابة التي أقامها «نقطانب» الأول، (راجع: Porter & Moss. II, p. 5).

(٨٢-٨٣) الكرنك

نقش الملك «نقطانب» الثاني اسمه على عضادة باب معبد الكرنك الصغير، (راجع: LDIII, 287 c, d.).
وقد مثل وهو يقدم قربانًا، ويُلحظ أن اسمه الحوري قد هشم وهو «حور» محبوب الأرضين حامي «مصر»، (راجع: L.D. III 287 f; L.D. r, p. 3). وقد مثل الملك في صورة «بولهول» أمام الآلهة «آمون» و«خنسو» و«تحوت».

(٨٤) الكرنك – معبد الإله خنسو

يشاهد عند مدخل قاعة العمد الخارجية طغراء الملك «نقطانب» الثاني، (راجع: ChamP., Notices Descr. II, 232, 238, 240.)

ويشاهد على عِضَادَتَي الباب كذلك في الصف الثاني من النقوش الملك «نقطانب» الثاني أمام الإله «خنسو».

هذا، ويشاهد في أسفل الجدار متن مجدد في عهد البطالمة.

(راجع: L.D. III 287, B.)

وكذلك يشاهد على عضادة الباب الثاني في الصف الأسفل الملك «نقطانب» الثاني أمام الإله «خنسو» رب هذا المعبد، كما يشاهد على القاعدة متن مجدد.

(راجع: L.D. III 287, G.)

(٨٥) الكرنك

أقام الملك «نقطانب» الثاني معبدًا في الجهة الشرقية من معبد الإلهة «موت»، ولم يَتَبَقَّ منه إلا نقشٌ صغيرٌ في أسفل عضادة باب، جاء فيه اسم هذا الفرعون، وهاك ما تَبَقَّى من النقش:

رب التيجان «نقطانب» الثاني عمله بمثابة أثره لأمه (أي «موت») (راجع: Cham p. Not. Descr. II p. 264; Porter & Moss II, p. 97).

(٨٦) الكرنك

تمثال «أحمس» بن «سمندس» من عهد الملك «نقطانب» الثاني، من بين التماثيل العدة التي عُثِرَ عليها في خبيئة الكرنك التمثال الذي يحمل رقم ١٩٧ ورقم ٣٧٠٧٥ في سجل المتحف المصري، ويعد من أجمل التماثيل وأهمها؛ فهو في حالةٍ جيدةٍ جدًّا، ولا ينقصُهُ إلا جزءٌ من طرف الأنف، وهو لفرد يُدعَى «أحمس سمندس» الذي كان كاهنًا للملك «نقطانب» الثاني المقدس، ومِنْ ثَمَّ نفهم أنَّ «نقطانب» — على ما يظهر — كان قد تُوُفِّيَ عندما صنع هذا التمثال، ويمكننا أن نؤرخه — بحقٍّ — ببداية عهد البطالمة، أو بأول حُكم «الإسكندر الأكبر»؛ وقد صُنع هذا التمثال من حجر الشست، ويبلغُ ارتفاعُهُ ٩٥ سنتيمترًا، وقد مثل «أحمس» هذا في هيئة رَجُلٍ في ريعان الشباب واقفًا، قدمه اليسرى تخطو إلى الأمام قليلًا، وظهره متكئٌ على عمود في هيئة مسلة، ويرتدي فقط قميصًا قصيرًا، ورأسه حليق تمامًا.

والتمثالُ في منظره يُعَدُّ الطرازَ الخاصَّ بالعهد البطلمي الأول، والواقعُ أن القوة والصبغة اللتين تُمَيِّزَان الكثيرَ من تماثيلِ العهدِ الساوي معدومتان هنا، وليس أمامنا إلا صورةُ إنسانٍ تقليدية مرسومة، وعلى شفتيه بسمةٌ صغيرةٌ متكلفةٌ، وساقاه غيرُ مُتْقنتين في صناعتهما، وكتفاه قد بُولغ في تمثيلهما، والجسمُ قد صُنعتْ تفاصيلُهُ باختصار.

ومِن المحتمل أن «أحمس» هذا كان أولَ كاهن عرف لنا عن العجل «بوخيس»، وأقل ما يُقال هنا إن من المؤكد أن واجباته الرسمية قد جعلتْه على صلة مع «هرمنتس» (وبخاصة في استعمال لقب «حنك» وهو الذي يحمله كهنة آخرون للعجل «بوخيس»)، عجل «مدمود وامنمؤبت»، ولهذه الأسباب — وغيرها — فإنه من الصواب أن نفرض أنه كان متصلًا بعبادة العجل «بوخيس»، الذي ظهرتْ عبادتُهُ في عهد الملك «نقطانب» الثاني.

النقوش التي على وسط التمثال

  • من اليمين: يعيش والد الإله وكاهن «أوزير» والمحنط والمطهر الإلهي «أحمس» المبرأ.
  • من اليسار: يعيش الكاهن والد الإله، وكاهن «آمون» في «ابت سوت» «طيبة»، والمحنط والمطهر الإلهي «أحمس» المبرأ.

النقوش التي على العَمُود الذي على هيئة مسلة، ويستند عليه التمثالُ: ظهر السنادة: الجزء الأعلى

يشاهَد في الجُزء الأعلى في الوسط قرص الشمس المجنحة، يتدلَّى منه تسعةُ رموز للحياة «عنخ»، في ثلاثة صفوف كل صف مؤلَّف من ثلاثة رموز، وأسفلُ من ذلك يشاهَد «أحمس» يتعبد ﻟ «آمون» و«أوزير» على اليمين وعلى الشمال بالتوالي، وقد نقش أمام «آمون».

«آمون-رع» ملك الآلهة، والواحد الأزليُّ للأرضين، صاحب اليدين المرفوعتين، وكتب كذلك: «الخادم الذي يمجد سيده، والكاهن والد الإله «أحمس» المبرأ.»

ونقش أمام «أوزير»: «أوزير وننفر» والتابع لأوزير في «برشتان» (؟) والكاهن والد الإله «أحمس» المبرأ.

النص الرئيس الذي على ظهر التمثال:

  • (١)

    الكاهن والد الإله، وكاهن «آمون» في «طيبة» «أحمس» المبرأ يقول: يا «آمون-رع» ملك الآلهة، والواحد الأزلي للأرضين، وموجد نفسه؛ إني خادمك الذي يتبع روحك (كا) وواحد محترم يرى سيده، امنحني حياتك في ركاب جلالتك، ليتني لا أُصبح سائمًا من رؤية وجهك، ومحنطًا تحنيطًا طيبًا ومزينًا بصفة ممتازة، وجبانتك بجوار «يات جامت» (= مدينة هابو)، ليتك تضع أطفالي في مدينتك كأولئك الذين نصبهم الآلهة.

  • (٢)

    الكاهن المحنط والمطهر لآمون «أحمس» المبرأ يقول: يا «نون» القديم الذي جاء إلى الوجود في البداية، والواحد الأزلي للأرضين بذراعيه مرفوعتين، إن قلبي موالٍ لك، ليتني أكون في ركابك، وليتني أمدحُ جمالك في محرابك الشريف، وليتك تثبت صورتي في مكانك المقدس، وليت اسمي ينطق به خدمُك وأطفالي في معبدك، وفي ركاب جلالتك كل يوم دون انقطاع في طيبتك (أي مدينة طيبة مُلكه).

  • (٣)

    كاهن «آمونت» التي في «طيبة» «ابت أسوت» «أحمس» المبرأ، يا «موت» التي أتت إلى الوجود قبل الزمن إني طفلك في بلاطك، إني لم أرتكبْ جُرْمًا (؟) بيدي اليُسرى في حق المعبد خائفًا من «خنسو» (؟) إن قُربانًا عظيمًا في عيده الكبير للسنة الجديدة محتويًا على بخور «بنت» لأجل أن تكون مكافأتي منك يا سيدة الآلهة والآلهات تكون حياةً طويلةً، مع حظ كل يوم دون انقطاع في طيبتك (أي مدينة طيبة ملكك).

  • (٤)

    أمير مقاطعة «منف» وحاكم مقاطعة «الأرنب» «أحمس» المبرأ يقول: لقد ذهبت إلى مقر الحكم وأقلعت إلى «الأشمونين» ومعي مكتوب ملكي، ولقد حنبت ذراعي إلى خدمة الآلهة وكهنتها، وقد عملت خيرًا لمواطنيهم، وكانت المكافأة على ذلك أن الإله «تاتنن» والإله «تحوت» جَعَلَاني أصلُ إلى «طيبة» بوصفي واحدًا محترمًا، ليتني أُكمل حياتي على الأرض في ركاب «آمون» بوصفي كاهنًا مطهرًا إلهيًّا في قصره العظيم.

  • (٥)

    كاهن «سوكاريس» «أحمس»: المبرأ يقول: إني خادمك يا ملك الآلهة في معبدك (؟) إن مبخرتك ممدودةٌ نحوي، وإني محنطٌ في «بر-عنخ-أرو» «الجبانة» والذي يحيى من جديد «أوزير» في «حت نب» ليتك تضعُني بين الأرواح الممتازة الذين في ركابك والمنعمين «سعحو»؟ الذين بجوارك، ليت روحي لا تفنى وليت جسمي لا يموت … ثانية، وليتني أجيء وأروح على الأرض كل يوم، وليتني أدخل إلى الإله ولا أصد.

  • (٦)

    كاهن «أمنمؤبت» صاحب «آخ سوت»، (هرم الملك «منتوحتب» الرابع والجبانة التابعة له) «أحمس» المبرأ يقول: الحمد لوجهك يا ذكر الإلهة «آمنمؤبت»، يا أيها الثور ذو الذراعين المرفوعتين وصورة «رع» في «هرمنتس» (و«أمنبؤبت» هو الإله وريث ثامون الأشمونيين)، الذي يمنح المأكولات لمن في حظوته، ليتك تعطيها إياي يا سيدي العظيم؛ لأني مُوالٍ لجلالتك، تفضل بأن يكون في استطاعتي رؤية روحك الشريفة عندما تقلع إلى «روستاو»، ليتني أعيش على قُربانك الذي عمل لك.

  • (٧)

    كاهن «خنسو» «آمنمؤبت» «أحمس» المبرأ يقول: إني أنقش بوابة «خنسو» في «طيبة» والشريف «سخم» الشريف في «بننت» (بننت = معبد «خنسو» في الكرنك)؟ وإني أُمَجِّد رهبتَه، وأُعَظِّم جلالتَه وأكتب على جدار معبده، ليته يعمل مكافأة لي بإطالة حياتي، بوصفي فردًا محترمًا وفردًا ذاهبًا إلى روحه (كا)، ليته يمنحني أنْ أرى جلالتَه عندما يَعْبُرُ غربي «طيبة» ليتسلم خبز سنو في صالحه.

النقش الذي على الجانب الأيسر للعمود

قربان يقدمه الملك «لآمون رع» ملك الآلهة، ولأوزير «قفط» الذي يسكن في «حت نب» لأجل أن يعطي كل شيء يخرج على مائدته في خلال كل يوم للكاهن والد الإله، وكاهن «آمون رع» في معبده المقرب (حنك)، في «أرمنت»، والمحنط والمطهر الإلهي الذي يقلع إلى الجبانة «إيات جامث» (= مدينة هابو)، والذي يرى الروح الخفية في صورته وكاهن «سبك»، رب «مرف»، وكاهن «نخت حور حب» والكاتب المقدس والخازن المقدس «لآمون» للطبقة الثانية من الكهنة، وكاهن «خنسو امنمؤبت» (المسمى) «أحمس» المبرأ ابن الموالي للملك «سمندس» المبرأ، والذي ولدتْه ربةُ البيت ومغنية «آمون» المسماة «تي-نوب» المبرأة.

النقش الذي على الجهة اليمنى من العمود

قربانٌ يقدمُهُ الملك «لآمون رع» الواحد الأزلي للأرضين لأجل أنْ يعطي كل شيء يقدم على مائدته كل يوم لروح الكاهن والد الإله كاهن «أوزير» والمحنط والمطهر الإلهي، والذي يدخل مكان الدفن للعجل الذي في المدمود، والذي يرى سر الأزلي الأول كاهن «آمونت» الذي في «طيبة»، والكاهن «ماجر عنخ» (المسمى) «سمندس» المبرأ الذي أنجبه راقص «آمون رع» كمفيس، «تي-نوب» المبرأة.

ويُلحظ أن التمثال ليس بواقفٍ تمامًا منفردًا، بل توجدُ هناك قطعةُ حجر رقيقة، توصله بالقاعدة، والأجزاء الأُخرى الخالية من هذا الحجر قد استعملت لنقش كتابات أُخرى عليه:
  • على الجهة اليمني: يشاهد بكر أولاد «أحمس» هذا واقفًا، مرتديًا لباسًا فضفاضًا، يصل من صدره إلى ما تحت الركبتين، والمتن الذي يصحبه هو.

    ابنه البكر، والابن المحبوب كاهن «أوزير» «سمندس»، الذي أنجبتْه سيدة البيت ومغنية «آمون» (أحيت) «تشريت-مين» المبرأة، ومِن ثم نعرف اسمي والد «أحمس» وابنه، وكلاهما كان يُدعَى «سمندس» وأُمُّهُ كانت تُدعَى «تي-نوب» وزوجُهُ كانت تُدعَى «تشريت-مين» ولا نعرف حتى الآن تفاصيلَ عن هؤلاء الناس ولا عن «أحمس» نفسه.

  • وعلى الجانب الأيسر: يشاهد «أحمس» راكعًا بوجهه نحو اليسار، ويداه مرفوعتان تَعَبُّدًا، ويشاهد فوق رأسه وأمامه نقشٌ قصير: الكاهن «ساست (لقب كاهن)» في سيدة المدن «طيبة» وكاهن «أوزير» «أحمس» المبرأ.

ويوجدُ تحت صورة «أحمس» نقشٌ مؤلفٌ من ستة عشر سطرًا.

كاهن «آمون رع» في معبده «أحمس» المبرأ يقول:

يا «عزوتنر» (لقب كاهن)، ويا كهنة الروح العظيمة، وأنتم أيها المحنطون لعين رع الذين يدخلون السماء التي على الأرض (اسم لمعبد الكرنك) على أقدامهم عندما يؤدُّون واجباتهم هناك، مُدُّوا أذرعتكم إليَّ بقربان يقدمه الملك، مدوا أذرعتكم إليَّ قائلين: ليته يمدحك في سلام؛ أي «آمون رع» الروح الشريفة ورئيس كل الآلهة، وليت روحك تعيش في السماء أمام «رع» وليت قرينك (كا) يكون مقدسًا أمام الآلهة، وليت جسمك يبقى في العالم السفلي أمام «أوزير»، وليت موميتك تكون فاخرة بين الآحاد المشرقين، وليت روحك الشريفة تذهب إلى «منديس»، وإلى المقاطعة «طينة» في يوم عيد «سوكر»، أنت يا فاعل الخير ومن يُفعل له الخير، ومَن لا ينتقم (؟) ومن يمضي الليل في أخذ الرأي (؟) ليت قلبك الحقيقي يكونُ مرتاحًا لي (؟) لأن قلبي مُوَالٍ لجلالته، وميلي طاهرٌ وبعيدٌ عن الشر، (وإني) أكرهُ الخطأَ (؟) … يا سيدي، ويا إلهي، ويا والدي، ويا حاميَّ الذي لا يناله النصب من حاميه (خادمه)؛ ليت اسمي ينطق به هؤلاء الذين على الأرض بسرور، بوصفي إنسانًا محترمًا في حظوة آلهة.

ولا ريب أن هذا المتن الديني يُلقي أضواءً على معتقدات هذا العصر، وهي في كنهها لا تخرجُ كثيرًا على المعتقَدات القديمة؛ غير أنها في الوقت نفسه توضح — بجلاء — الفرق بين عبادة «رع» و«آمون» الخاصة بالروح وعبادة «أوزير» الخاصة بالجسم وبقائه سليمًا في عالم الآخرة؛ أي في الجبانة، (راجع: J.E.A. vol. XX. p. 1–4).

(٨٧) الكرنك

تمثال الكاهن «نسمين»

عُثر في خبيئة الكرنك على تمثال لفرد يُدعَى «نسمين» ويحمل لقب الكاهن الأول لبيت: نقطانب «الأول» عاش مخلدًا، (راجع: A.S.T. VOl. VII p. 43. 186).

(٨٨) أرمنت

انظر رقم ٣.

(٨٩) أرمنت

وُجِدَ اسمُ «نقطانب» الثاني على بعض الأعمدة، على مسافة من المعبد الرئيسي، وتَدُلُّ شواهدُ الأحوالِ على أنه أقام معبدًا جديدًا، ويُحتمل أنه معبدٌ صغيرٌ وتدلُّ النقوشُ على أن أول وأغنى مدفن في «البوخيوم» كان قد أُقيم في عهد ذلك الملك، وكانت عبادة «بوخيس»،٨ كما نعلم قد بدأها هو، ومن المحتمل إذن أن هذا المعبد كان أول مسكن ﻟ «بوخيس» المتجسد.
(راجع: Mond-meyers., The temple of Armant, The test, p. 4.)

(٩٠) أرمنت

إناء نمست: عُثر في البوخيوم على إناء نمست من القاشاني الأخضر، وقد نُقش تحت المفرهة سطران عموديان جاء فيهما: ابن رع رب التيجان «نقطانب» الثاني محبوب «آمون رع» ومحبوب «أوزير-بوخيس» مُعطي الحياة، (راجع: Mond-meyers, the Bucheum vol. II, p. 20; Ibid. III Pl. LXIII, No. 1, 2).

هذا، وقد عُثر على رأس من الحجر الرملي في البوخوم، يحتمل أنه للملك «نقطانب» الثاني، محفوظةٌ في المتحف البريطاني.

(راجع: Ibid. l. p. 79–82, III Pl. LXIII No. 3; Com p. Porter & Moss V. p. 159.)

(٩١) أرمنت

وعثر كذلك في البوخيوم على قطعة من الحجر الرملي مُثل عليها «نقطانب» يقدم حقولًا للإله «تحوت» المزدوج العظمة رب «الأشمونين»، (راجع: Ibid. II, p. 50)، وهذه القطعة محفوظة الآن بالمتحف البريطاني.

(٩٢) إدفو

انظر رقم ٩.

(٩٣) إدفو

ناووس من حجر الجرانيت الأسود للملك «نقطانب» الثاني.

يوجدُ في معبد «إدفو» حتى الآن ناووسٌ مؤلفٌ من قطعةٍ واحدةٍ، وهذا الناووسُ كان بلا نزاعٍ يحتوي على صورة إله الشمس «حور» الذي مُثل برأس صقر، ومن ثم كان يوضعُ في أقدسِ مكانٍ بالمعبد؛ أي في قدس الأقداس وهذا الناووس يحدثنا بنقوشه على أنه كان موجودًا في هذه البقعة قبل عهد البطالمة؛ وذلك لأنه يوجد على أحد جانبَي باب الناووس نفسه جاء فيه أن الملك «نقطانب» الثاني قد أهدى هذا الناووس، (راجع: Duemichen tem p., Inschr. I, Taf. 3).

وفي هذا النقش يقول «نقطانب» الثاني للإله «حور»: «إن هذا الأثر الذي أقمتَه هنا لك قلبي فرح به أبديًّا.» وبعد ذكر الألقاب الرسمية للملك يقول المتن: لقد عمله بمثابة أثره لوالده «حور بحدتي» الإله العظيم رب السماء، وقد عمل ناووسًا فاخرًا مِن حَجَر الجرانيت، وباباه من خشب الأرز، ومصفحان بالبرنز، وموشيان بالذهب، وعليهما نقشُ الاسم العظيم لجلالته، ليجزى على ذلك ملايين الأعياد الثلاثينية من ملايين السنين الأبدية.

(راجع: Porter & Moss. VI p. 146.)

(٩٤) الكاب

تدل النقوش والأحجار التي وجدت في معبد «الكاب» على أن الملك «نقطانب» الثاني قد قام ببعض إصلاحات في هذا المعبد؛ إذ وجدت فيه طغراءاته على قطع من كورنيش عُثر عليه في الزاويتين الشمالية والغربية، وكذلك في الزاويتين الجنوبية والغربية، (راجع: A.S. 37, p. 9).

(٩٥) الكاب

تدل النقوش التي عُثر عليها في «الكاب» على أن «نقطانب» الثاني، قد أقام معبدًا صغيرًا في منطقة «الكاب»، وهذا المعبدُ يقعُ مباشرة خارج البوابة الشرقية أو الصحراء، (راجع: Porter & Moss. V. p. 178; J.E.A., 8 p. 40).

(٩٦) الفنتين

أقام الملك «نقطانب» الثاني معبدًا للإله «خنوم» في «الفنتين»، وقد جاء اسمُهُ على الجدار الغربي، كما مُثل وهو يقدم القربان للإله «خنوم»، ونقوشُ هذا المعبد تُعَد مِن أحسنِ النقوشِ التي أخرجها المفتن المصري؛ فهي تُضارع نقوشَ الأُسرة الثامنة عشرة في حُسْنِها وأَنَاقَتِها، وقَدْ دَلَّ البحثُ على أن بعض أحجار هذا المعبد قد أُخذت من معبد الأسرة الثامنة عشرة، الذي كان قائمًا في ذلك المكان، ومن حُسن الحظ عُثر على نقش من عهد البطالمة يدلُّ على مقدار اعتنائهم بهذا المعبد، وقد وجدتْ آنيةُ نبيذ عظيمة من الجرانيت نُقش على حافتها متنٌ يدل على أن «بطليموس» الأول قد أهدى هذه الآنية الفخمة للمعبد، وكذلك في العهد الروماني أضاف القياصرةُ لهذا المعبد بعض النقوش والمباني تعظيمًا للملك «نقطانب» الثاني، (راجع: A.Z. 46, p. 54–59).
وكذلك عُثر على ناووس عظيم من قطعة واحدة عليه اسم هذا الفرعون، غير أنه لم يتم نقشه، (راجع: Ibid. p. 57).

(٩٨) الواحة الكبرى (الواحة الخارجة)

معبد هبيس

وُجد في معبد الهيبة ودائع أساس باسم الملك «نقطانب» الثاني، مما يَدُلُّ على أنه أقام هناك أثرًا، (راجع: Spiegelberg Demotische Chronik p. 6).

(٩٩) الواحة الخارجة

معبد هبيس

أقام «نقطانب» الثاني بوابة في معبد «هبيس»، وهذه البوابةُ إضافة للمعبد الذي أقامه «دارا» الأول و«دارا» الثاني.

(راجع: Lepsuis. A.Z. 12 p. 73-74; Brugsch, A.Z. 13 p. 54.)

وقد نقش على هذه البوابة: «حور» محبوب الأرضين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سنزم-اب-رع سبت-ن-أنحور» ابن رع «نخت حور حبت» محبوب «أنحور».

هذا، وقد عُثر في هذا المعبد على تاج عمود باسم هذا الملك، وهو الآن موجودٌ بمتحف «متروبوليتان» بمدينة «نيويورك».

(راجع: Bull. Of the metro p. Mus. IX., May 1914 No. 5 p. 113, With Note 3.)

(١٠٠) واحة آمون

معبد «آمون» بسيوة

أقام الأمير «ونأمون» معبد الوادي في «أم عبادة»، وقد نقش عليه اسم هذا الفرعون «نقطانب» الثاني.

وقد عُثر على قطعة حجر عليها نفس الاسم، (راجع: Steindorff, Berichte über die Verhandlungen der Sachsischen Gesellschaft der wissens-chaften, Phil. Hist. Kl. p. 218; kienitz, Ibid. p. 228-9).

(١٠١) وقد عُثر لهذا الملك على عدد كبير من التماثيل المجيبة في «ميونخ» و«تورين» و«فينا» في مجموعة الأثري «فلندر زبتري».

(راجع: Brugsch Thesaurus VI p. 1438; Fabretti Rossi, Lanzone, Regio Museo di Torino, I, p. 307 No. 2509; L.R. IV p. 179, No. 39.)
(١٠٢) وكذلك توجد عدة لوحات صغيرة منقوش عليها اسم هذا الفرعون في متاحف مختلفة، (راجع: Kienitz Ibid. p. 229).
(١٠٣) يوجد بالمتحف البريطاني جزءٌ من تمثال من الجرانيت الأسود للإله «آمون»، ممسكًا أمامه صورةً تُمَثِّل الملك «نقطانب» الثاني واقفًا، (راجع: Guide to the Egyptian Galleries (Sculpture) p. 247).
(١٠٤) رأس الملك «نقطانب» الثاني موجود الآن بمتحف جامعة «موسكو» في المجموعة المصرية غير أن الأنف قد هشم، (راجع: Ancient Egypt, 20, p. 125).
(١٠٥) تمثال صغير للملك «نقطانب» الثاني، وقد مثل واقفًا بين ساقي صقر، (راجع: Tresson, Kemi 4, p. 144 & Pl. VII a).
(١٠٦) العتب الأسفل لمحراب من الجرانيت نُقش عليها اسم «نقطانب» الثاني محفوظ الآن بالمتحف المصري، (راجع: Petrie Hist, III p. 379).
(١٠٧) لوحة عليها نقش بإهداء أرض محفوظة بالمتحف البريطاني، (راجع: Ibid. p. 379).
(١٠٨) عمود مغتصب نقش عليه اسم «نقطانب» الثاني محفوظ بالمتحف البريطاني، (راجع: Ibid. p. 379).
(١٠٩) قردة من البازلت، منقوش عليها اسم «نقطانب» الثاني، محفوظٌ الآن في «أزيوم روما» يبلغُ ارتفاعُ الواحد منها ١٫٥ مترًا، (راجع: Sehiaparelli, Bull. Dell. Cammiss. Achaeol di roma. 1883, II, p. 9–14; Schiaparelli, monumenti egiziani dell. Isio 1883, III-IV).
(١١٠) لوحة من الحجر بمتحف «الإسكندرية» نُقش عليها اسم «نقطانب» الثاني ولقبه غير أن الجزء الأول من كل من الاسم واللقب قد هشم، (راجع: A.S. V. p. 122).
(١١١) قطع من الحجر الجيري والفخار في متحفي «القاهرة» و«مرسيليا» نُقش عليها اسم هذا الفرعون، (راجع: Wiedemann, Agyptische Gesch. p. 707).
(١١٢) طابع ختم من البرنز، يظهر أنه للملك «نقطانب» الثاني، ومحفوظ بالمتحف البريطاني، (راجع: Hall. Scarabs I. p. 285 No. 2745).
(١١٣) طابع خاتم من الفخار باسم «نقطانب» الثاني على ما يظهر محفوظ كذلك بالمتحف البريطاني، (راجع: Ibid. 292, No. 2793).
(١١٤) قطعة من عقد «منات»، وهي تعويذةٌ مصنوعةٌ من القاشاني، محفوظة بمتحف «فلورنس»، (راجع: Schiaparelli, Musio. Archeologico di Firenee p. 181 No. 1452, L.R. IV p. 179 No. 36).
(١١٥) إناء صغير من القاشاني في مجموعة «ناش»، عليه اسم هذا الفرعون، (راجعْ: Nash, p. S.B.A. 31 (1909), p. 255 & Pl. XXXVII No. 29; L.R. IV p. 179 No. 37).

(١١٦) كتاب الموتى بالهيراطيقية، لصاحبه «خنسو» كاهن «نقطانب» الثاني، ويوجدُ اسم هذا الفرعون فضلًا عما ذكرنا على آثارٍ أُخرى عدة في أنحاء كل القطر، كما توجد له آثارٌ أُخرى غير ما ذُكر في متاحف العالم.

١  انظر [عصر الملك «دارا» الأول].
٢  وعندما يموت واحدٌ من هذه الحيوانات، فإنهم يَلُفُّونه في كتان جميلٍ، ثم يَنُوحُونَ عليه، ويضربون صُدُورَهم من أجله ويحملونه إلى حيث يحنط، وبعد أن يُعالجونه بزيت الأرز والأفاوية التي تنقل الرائحة العطرية، وتحفظ الجسم لمدة طويلة، يضعونها في قبر مقدس، وأن كل من يقتل واحدًا من هذه الحيوانات عمدًا فإنه كان يُعدم، إلا إذا كان المقتولُ قطة أو طائر أبو منجل «أبيس»، أما إذا قتل أحد هذه الحيوانات سواء أكان ذلك قصدًا أو عن غير قصد فإن القاتل بالتأكيد يعدم؛ وذلك لأن عامة الشعب يجتمعون زمرات ويعاملون المعتدي بمنتهى القسوة، وكانوا أحيانًا يفعلون ذلك دون انتظار لمحاكمة.
وخوفًا من عقاب كهذا؛ فإن أي واحد يقع نظرُهُ على أحد هذه الحيوانات ميتًا فإنه كان يبتعد إلى مسافة بعيدة، فإذا ما رآه القومُ بعد ذلك صاحوا بحزنٍ واحتجاج؛ لأنهم وجدوا الحيوان ميتًا فعلًا؛ ولذلك كانت متأصلةً في نُفُوس الشعب نظرتهم الخرافية إلى الحيوانات. ولقد كان الاحترامُ الخرافيُّ الذي غُرس في نفوس عامة الشعب عميقًا بالنسبة لهذه الحيوانات كما كانت العواطفُ التي يُكنها كل إنسان بالنسبة للاحترام الواجب نحوها في الوقت الذي لم يكن ملكهم بطليموس قد أعطى من قبل الرومان اسم «صاحب» وكان القوم وقتئذٍ يظهرون كل حماس للحصول على كسب حظوة البعث الإيطالي الذي كان يزور مصر وقتئذٍ، وخوفًا منهم كانوا عازمين على عدم إيجاد أي سبب للشكوى أو الحرب، وذلك عندما قَتَلَ أحدُ الرومان قطةً وهجم الشعب في جمع على بيته، ولم يكن في مقدور الموظفين الذين أرسلهم الملك رجاء إخلاء سبيل الرجل ولا الخوف الذي كان يَشعر به كل الناس من رومة كافيًا لخلاص الرجل من العقاب، وذلك على الرغم من أن عمله كان بطريق الصدفة.
ونحن نَقُصُّ هذا الحادثَ لا على أنه مجردُ شائعة، ولَكِنَّا رأيناه رأي العين عند زيارتنا لمصر. (٨٤) ولكن إذا كان ما قِيل يظهر الكثير غير مصدق وأنه يشبه حكاية خيالية فإن ما يأتي هنا سيظهر أكثر غرابة، فقد قالوا: إنه ذات مرة عندما كانت مصر تَئِنُّ تحت عبء القحط، قبض الكثيرون أيديهم في وقت الضيق على زملائهم، ومع ذلك فإنه لم يتهم واحد بأنه اشترك في القبض على الحيوانات المقدسة (لأكلها) وفضلًا عن ذلك فإنه عندما يوجدُ كلبٌ ميتٌ في أيِّ بيت، فإن كل رفيق فيه يحلق كل جسمه ويأخذ في الحزن، وأغربُ من كل هذا أنه إذا حدث أن أي نبيذ أو حب أو أي شيء آخر قد خُزن في المبنى الذي مات فيه أحدُ هذه الحيوانات؛ فإنه لا يخطر على بال القوم قط أنْ يستعملوه بعد ذلك لأي غرض، وإذا اتفق أن القوم يقومون بحملةٍ حربية في مملكة أُخرى فإنهم كانوا يدفعون دية القطط والصقور المأسورة، ويحملونها ثانية إلى مصر ويفعلون مثل هذا أحيانًا عندما تكون مئونتُهُم من المال لأجل الرحلة قد أخذت في النقصان.
أما عن الأحفال الخاصة بعِجْل أبيس المنفي وعجل منفيس الهليوبوليتي وتيس منديس، وكذلك تمساح بحيرة موريس والسبع الذي حفظ في مدينة السباع (تل المقدام الحالية) — كما تسمى — هذا بالإضافة إلى أحفالٍ أُخرى كثيرة مثلها فإنه يمكن وصفها بسهولة، غير أن الكاتب هنا لا يمكن أن يصدق بسهولة أي إنسان لم يكن قد رآها فعلًا؛ وذلك لأن هذه الحيوانات قد حفظت في حظائرَ مقدسة ويُعنى بها رجال عدة ذوو مكانة يقدمون لها أغلى الطعام؛ لأنهم يقدمون بنظام لا ينقطع أجملَ دقيق قمح أو جريش قمح مذاب في اللبن وكل أنواع الحلوى المصنوعة من الشهد ولحم الإوز المسلوق والمشوي في حين أن الحيوانات التي تعيش على اللحوم كانت تصاد لها الطيور وتُلقَى أمامها بكثرة، وفي العادة كانت تبذل عناية كبيرة ليقدم لها طعام غال.
وكانوا يحمون باستمرار الحيوانات بالماء الساخن، ويدلكونها بأحسن العطور، ويحرقون أمامها كل نوع من البخور العطر، ويمدونها بأغلى الأغطية وبالمجوهرات الفاخرة، ويقومون بعناية عظيمة لأجل أن يتمتعوا بالوظيفة الجنسية على حسب مطالب، وكانوا يسمونها محاظيه وكانوا ينفقون مع كل حيوان أجمل أنثيات من نوعه، وكانوا يسمونها محاظية وكانوا ينفقون عليها مصاريفَ باهظة ويخدمونها بعناية.
وعندما كان يموت أيُّ حيوانٍ فإنه كان يحزن عليه حُزْنًا عميقًا، كما كان يحزن أولئك الذين قد فقدوا طفلًا عزيزًا، وكانوا يدفنونه بصورة لا تتفق مع مقدرتهم المادية، بل كانوا يتجاوزون ثمن ضياعهم، فمثلًا نجد أنه بعد موت الإسكندر وعلى أثر تَوَلِّي بطليموس بن لاجوس عرشَ مصر حَدَثَ أن عجل أبيس في منف مات بالشيخوخة، فصرف الرجل المكلف برعايته على دفنه فضلًا عن كل المبلغ العظيم الذي كان مخصصًا لرعايته مبلغ خمسين تلنتًا من الفضة استلفها من بطليموس.
وحتى في أيامنا نجد أن بعض حُرَّاس هذه الحيوانات قد صرفوا على دفنها ما لا يقل عن مائة تلنت.
ومما سبق يتضح أن ما جاء في لوحة نقطانب يتفق في معظمه مع ما جاء فيما أورده «ديودور» هنا، ولا غرابة في ذلك فإنهما كانا متقاربَين في الزمن.
ومما هو جديرٌ بالذكر هُنا أنَّ مثل هذه المبالغ التي خُصصتْ لدفن العجل أبيس نجد أنها كانت تُصرف مثلُها في العهد البطلمي وما بعده، كما ذكر لنا «ديودور» ذلك (راجع: Diod. 1, 84).
٣  راجع: Memotre aur l’Egypte Ancienne et Moderne, Paris 1766. p. 86.
٤  مكانٌ في العالم العلوي والعالم السفلي.
٥  الخنزيرة هنا هي «إزيس» في دور الأم، وقد أخذته عن «توت».
٦  أي المكان المعشب الذي اختفى فيه حور خوفًا من «ست» الشرير.
٧  «خنف جسف» (= جسمه نفسه) وهو تعبيرٌ في العصور المتأخرة عن اسم إله الشمس، ولكن هنا يعبر عن «أوزير».
٨  راجع: Ibid. II p. 38 عن أسماء العجل «بوخيس» (باخ أو باخ-حر-خات) إلخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤