الملك «حرسيوتف» (٣٥٩–٣٦٢)

سا-أمن-مري حر-سا-أنف

من المحتمل أن الملك «حرسيوتف» هذا هو ابن الملك «أمان-نيتي-يريكي» السالف الذكر، وقد أقام لنفسه هرمًا من الحجر الرملي، على قاعدةٍ مؤلفةٍ من مدماك واحد في جبانة نوري، ويحمل رقم ١٣، وواجهة الهرم ذات مداميك مدرجة، ويبلغ حجمه ٢٦٫٤٠ مترًا مربعًا، ومما يجب ملاحظتُهُ أن بناء هذا الهرم رديء، وقد تداعى بنيانه بدرجةٍ عظيمة.

وقد أقام صاحبُهُ حوله حرمًا من الحجر الرملي، ورصف المساحة التي بين الحرم والمقصورة من الجهة الشرقية.

ومقصورةُ هذا الهرم مبنيةٌ كذلك من الحجر الرمليِّ، وقد خرب معظمها، وتَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أنه كان لها بوابةٌ مستديرٌ أعلاها، وقد لاحظ الأثري «ريزنر» كاشف الهرم أن المقصورة كانت مزينةً بالنُّقُوش الهيروغليفية، وكذلك بصور ملونة بالألوان الأحمر والأزرق والأصفر، وقد عُثر فعلًا على قطعة حجر من هذه المقصورة نُقش عليها جزءٌ من طغراء هذا الفرعون.

ودائع الأساس

تشتملُ ودائعُ هذا الهرم — التي كانت في حُفَر في أركانه الأربعة — على جمجمة وربع ثور، وطاحون من حجر الدم، ومدقة، وجرة من الفخار وصحن عميق، وأطباق، ولوحاتٌ صغيرةٌ من المعدن والحجر والزجاج، وكلها عاريةٌ عن النقوش، كما وُجدت آلاتٌ من النحاس والحديد، وكتلةٌ من النحاس الغفل، ويلفت النظر أن الحفر التي كانت فيها هذه الودائعُ خارجةٌ عن أركان الهرم، مِمَّا يوحِي أنَّ تصميمَ هذا الهرم كان في الأصل أكبرَ مِن هيكل الهرم الحاليِّ.

ويؤدي إلى المبنى السفليِّ لهذا الهرم سلمٌ يقعُ كُلُّهُ شرقي حرم الهرم، ولم يتم كشفُ هذا المبنى السفلي حتى الآن تمامًا؛ لأن مبانيه خطرةٌ وآيلةٌ للسقوط.

وعُثر في حجرة الدفن على غطاءي إصبعين من الذهب، يشتملان على عظام إصبعين، كما وُجد جعران قلب وصورة درة من التي تكون عادة في قبضة «أوزير»، وهي من الذهب؛ يُضاف إلى ذلك بعض قطع مطعَّمة، مما يَدُلُّ على أنه كانت توجدُ مومية بجهازها، ويحتمل أن الصندوق الذي كانتْ فيه كان على صورة إنسان، وقد ترك لنا اللصوصُ بَعْضَ قطع من متاع المتوفَّى من الذهب، نَخُصُّ بالذكر منها جعران قلب مصنوع من الحجر الرملي نقش على قاعدته الفصل الثلاثون من «كتاب الموتى» في عشرة أَسْطُر باسم ملكة لم يُعرف اسمها بعدُ، ونقش على ظهر هذا الجعران اسم الملك «حرسيوتف»، (راجع: Nuri, Ibid. 171, Pl. CXXV. B).
والظاهر أن هذا الجعران كان مخصصًا لهذه الملكة المجهولة، ولكن الملك «حرسيوتف» قد اغتصبه لنفسه، كما يحدث كثيرًا في الآثار المصرية والنوبية، ومما هو جديرٌ بالذكر أنه قد وُجدتْ عدةُ أَجْزَاء مِن جُمْجُمة هذا الملك، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أنه قد مات في سن مبكرة، وأنه كان قَوِيَّ الجُمجمة، وأن سلالته ترجع إلى بقايا الجنس الأبيض الذي كان الشمال الغربي من «إفريقيا»، (راجع: Nuri, Ibid. p. 222)، وقد عُثر لهذا الملك على عدة أوان من الفخار، كما وُجدت قطعٌ من المرمر والفضة والذهب في هرمه مما تركه اللصوصُ، (راجع: Nuri Ibid. pp. 221–224.: J.E.A. Vol. 35, p. 143).

آثار الملك «حرسيوتف» في «الكوة»

وجد اسمُ هذا الملك على عمودين من عمد الردهة الثانية من معبد «ب» في «الكوة»، وكذلك وُجدت صورةٌ لهذا الملك في معبد T بالكوة؛ إذ نجد على الجدار الجنوبي لحجرة العرش في هذا المعبد بجانب كرسي العرش صورةٌ للملك «حرسيوتف» حُفرت بإتقانٍ، وقد نقش أمامها طغراؤه، وقد مثل مرتديًا على رأسه الريشتين الطويلتين وعصابة الرأس والصل المزدوج وتعويذة في هيئة رأس عند الرأس والرقبة؛ ويَتَحَلَّى بشريط رقبة على كتفه اليُسرى، وجلد فهد وقميص طويل محلًّى بهداديب (راجع: Temple of Kawa, II p. 98, fig. fig. 31)، راجع كذلك مصر القديمة جزء ١١.

زوجه

وقد تزوج الملك «حرسيوتف» من ملكة تُدعَى «باتاهاليا»، أقامتْ لنفسها هرمًا في «نوري» رقم ٤٤ يبلغ حجمه ١٢٫١٠ مترًا مربعًا، وهو على غرار هرم زوجها، (راجع: Nuri, Ibid. p. 228)، وأهم أثر عُثر عليه لها بعد هرمها لوحةٌ من الجرانيت الرمادي أقامتْها في مقصورة هرمها، وقد مُثل على الجزء الأعلى منها قرصُ الشمس المجنح وصلان، وأسفل هذا المنظر يُشاهَد منظرٌ مُثل فيه من جهة اليمين الإلهة «إزيس» واقفةٌ والإلهُ «أوزير» جالسًا على عرشه وأمامه مائدةُ قربان، والملكة تتعبد إليه، وفي أسفلِ هذا المنظر نقشُ متنٍ مؤلف من ثمانية أَسْطُر هيروغليفية، يحتوي على صيغة القربان المعروفة نُقشت بخطٍّ رديء، (راجع: Ibid. Fig. 177).

لوحة الملك «حرسيوتف»

عُثر للملك «حرسيوتف» على لوحة من الجرانيت في جبل «برقل» نقشت على جوانبها الأربعة، ويبلغ ارتفاعُها حوالي سبعُ أقدام، وعرضها قدمان وأربع بوصات، وسمكها ثلاث عشرة بوصة. وقد عُثر عليها مع لوحة الملك بيعنخي، وهي الآن بالمتحف المصري، وقد نُقش على الجُزء الأعلى منها صورةُ قرص الشمس المجنح يَتَدَلَّى منه صلان بينهما طغراء الملك «حرسيوتف»، وفي أسفل هذا يُشاهَد منظران، يرى في المنظر الذي على اليمين الملك واقفًا يقدم قُرْبَانًا يشتمل على خيط من الخرز وعقد وصدرية لآمون رب «نباتا» الذي مثل هنا برأس كبش وجسم إنسان، وتقفُ خلفه الأم الملكية والأخت الملكية وسيدة كوش المسماة «أتاسامالي»، وفي المنظر الذي على اليسار يُشاهَد الملك وهو يقدم نفس القربان للإله «آمون الكرنك»، وقد صُوِّرَ الأخيرُ هنا في هيئة إنسان وخلف الملك ترى الأخت الملكية «باتاهاليا».

ويشملُ متنُ اللوحة واحدًا وستين سطرًا، جاء فيها أَهَمُّ الحوادث التي وقعتْ في حياة هذا الملك، ومما يَجْدُرُ ملاحظتُهُ هنا قبل البدء في إعطاء مُلَخَّص عن هذه اللوحة ثم ترجمتها؛ أن نُشير هنا إلى أن معظم المؤرخين وضعوا تاريخ هذا الملك في القرن السادس قبل الميلاد؛ والواقعُ أنه عاش في النصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد — على حسب تأريخ الأستاذ «ريزنر»، وغيره (راجع: Nuri, Ibid. p. 221, ff.).

وهاك ترجمة النص:

(١) السنةُ الخامسةُ والثلاثون، الشهر الثاني مِن فصل الزرع، اليوم الثالثُ عشر في عهد جلالة «حور» الثور القوي، المتوج في «نباتا» السيدتان (المسمى) حامي الآلهة، حور الذهبي (المسمى) قاهر كل الأراضي الأجنبية (؟) ملك الوجه القبلي والوجه البحري (المسمى) «سامري أمن» (المسمى) رب الأرضين جميعًا ورب التيجان ورب الشعائر، ابن «رع» من صلبه ومحبوبه (المسمى) «حرسيوتف»، مُعطَى الحياة أبديًّا، محبوب «آمون رع»، رب تيجان الأرضين القاطن في الجبل المقدس (٤)، إنا نعطيه الحياة والثبات والقوة كلها والسلامة وانشراح القلب كله مثل رع أبديًّا.

الحلم: لقد رأى حلمًا وهو أن «آمون» والدي الطيب صاحب «نباتا» منحني أرض «نحسي» (السودان)، وفي الحلم شد عقد تاجي لي، وفي الحلم نظر إليَّ بعينيه برحمة، (٧) وتحدث إليَّ قائلًا: «اذهب إلى معبد «آمون» صاحب «نباتا» في داخل قاعة الأرض الشمالية.»

«حرسيوتف» في حيرته يسأل شيخًا عن تفسير هذا الحلم، فأخذني الخوفُ ورجوتُ بشدة رجلًا مسنًّا، (٩) وقدمت له الاحترام فتحدث إليَّ قائلًا: ابحثْ عن منفعةِ يديك، فَإِنَّ مَنْ يُقِيم مباني سيحفظ، وقد عملوا، (١١) على أن أذهب أمام «آمون نباتا» والدي الكامل قائلًا: أرجو أن يعطيني تاج أرض «نحسي»، (١٢) فقال لي «آمون» صاحب «نباتا»: لقد منحتك تاج أرض السود ووهبتُك أركان الدنيا الأربعة طرا، وأعطيتك الماء العذب، وإذا حاول عَدُوٌّ الإتيان بالقرب منك فإنه لن يُفلح، (١٦) والعدو الذي تأتي إليه بيديك فإنه لن يفلح، (١٧) ولن يفلح بساقيه وقدميه، وعندما رأيته صببت قربانًا عظيمًا من أجل ما أعطانيه «آمون نباتا» والدي الطيب، وأنا واقفٌ في داخل حرم «آمون نباتا»، (١٩) في أعماق المحراب.

زيارة آمون لجهات مختلفة: وبعد ذلك قمتُ برحلة إلى آمون رب «جمأتون» وتحدثت قائلًا: «يا آمون صاحب نباتا»، (٢١) ثم قمتُ برحلة إلى «آمون رع» القاطن في «بنوبس»، وتحدثت قائلًا: «يا آمون» صاحب «نباتا» ثُم قمت برحلة إلى «باستت» صاحبة «ترت» = بلدةٌ في بلادة النوبة العُليا عند إقليم الشلال الرابع، يُقال إنها «راداتا» التي جاء ذِكرُها في «بليني»، (راجع: Pline VI, 35)؛ وتحدثت قائلًا: «يآمون صاحب نباتا.»

عمل إصلاحات في الجهة الجنوبية من معبد «آمون»:

وبعد ذلك تحدثوا إليَّ قائلين (٢٣) فليذهبْ إلى معبد «آمون ثار … رسيت»؛ لأن الناس يقولون: إن بناءَه لم يَتِمَّ، فالتفت ثانية وبنيتُهُ وزينتُهُ وأكملتُهُ في خمسة أشهُر.

تذهيب معبد «ابت سوت» من جديد:

وعندما رأيت أن معبد حريم «آمون نباتا» ينقصه التذهيب (٢٦) أعطيتُ معبد الحريم ما يأتي: أربعين دبنًا من الذهب، وذهبًا مصنوعًا خمسة آلاف وعشرين قضيبًا.

ثم تحدثوا إليَّ أن «بيت شنوت» (المكان الذي يرتاح فيه الإله، يُحتمل أنه مستشفًى).

ينقصه الذهب (٢٨)، وأمرت بأن يحضر إليه خشب سنط وخشب «أركارت» (بلدة من بلاد النوبة العُليا مشهورةٌ بخشب السنط)، بكثرة، وجعلته يحضر إلى «نباتا»، وأمرت بوضع ذهب على جانبيه (٣٠) وزنُهُ أربعون دبنًا، وأمرت بأن يُعطَى المعبد من الخزانة ذهبًا مقدارُهُ عشرون دبنًا، ومائة دبن من الذهب المشغول، (٣١)، «يآمون نباتا إني (٣٢) أمنحك قلادة … أربع دبنات، وصورة (٣٤) «آمون المدينة» (؟) قد صيغت (٣٥) من ذهب، وثلاثة آلهة (٣٦) صيغت من ذهب (٣٧) (وصورة) «رع» صيغت من ذهب (٣٨) وثلاثة رءوس كباش من الذهب، (٤٩) صدريتين من الذهب، (٤٠)، ومائة وأربعة وثلاثين شريطًا (؟) من الذهب، (٤١) ومائة دبن من الفضة (٤٢)، وإناء لبن من الفضة، وآنية «هار» (٤٣) من الفضة، وآنية سكار (٤٤) من الفضة عددها أربع، وإناء لبن من الفضة، (٤٥)، وآنية ماهن من الفضة، (٤٦) وإله من الفضة، (٤٧) ويمامة، فيكون المجموع تسع أوان من الفضة.»

(٤٨) وأربع أوان «كارو» من الشبه، وآنية «مجتامي» من الشبه، وآنيتين «حنت-حر مايو» من الشبه، وحاملي مصباح من الشبه (٥١) وحامل بخور من الشبه وخمسة عشر كأسًا من الشبه، و(٥٢) خمس أوان «بادنو»١ من الشبه، و(٥٣) وإناءين كبيرين للغسل من النحاس.

المجموع اثنان وثلاثون إناءً.

و(٥٤) مائتي دبن من المر، وثلاث أوان كرر (٥٥) من البخور، وثلاث أواني شهد.

مبان منوعة وهدايا «لآمون».

(٥٦) وفي فرصة أُخرى (٥٧) عندما بدأ بيت ألف السنة ينهار (٥٨) عملت على بنائه لك (٥٩) فأقمتُ لك عمده، (٦٠) وبنيت لك حظيرة للثيران (٦١) طولها ٢٥٤ ذراعًا، وجددت لك معبدًا (٦٢) كان مخربًا مطمورًا، وسجدت (٦٣) متضرعًا، ونطقتُ بالتعبُّد لك وتكلمت (٦٤) قائلًا: «إني ملك مصر وقد بنيت (٦٥) لك وأمرت بتنظيم قربانك، (٦٦) ومنحتك من جديد خمسمائة ثور، وأعطيتك قعبين من اللبن (٦٨) يوميًّا، وإني أمنحك عشرةَ كهنة، وأهب لك (٦٩) أسرى (٧٠) خمسين رجلًا وخمسين امرأة (٧٠) والمجموعة هو مائة (أسير).»

تقديم الثناء: «يآمون صاحب نباتا» (٧١) ليس هناك حساب (أي لما قدمته لك) وإني رجل … (٧٢) قدمت لك كل ما هو ممدوحٌ.

  • أول واقعة حربية: … في السنة الثانية، الشهر الثالث من فصل الشتاء، اليوم ٢٣ من الشهر، أمر بالذهاب في وجه الأعداء، وذبح قوم «رهرهس»، (٧٥)، وقطع إربًا إربًا «آمون» السواعد التي (٧٦) امتدت عليَّ، وقمت بأعمال شُجاعة بينهم، (٧٧) وهزمتهم طرا.
  • الواقعة الحربية الثانية: وفي السنة الثالثة، الشهر الثاني من فصل الشتاء اليوم الرابع، (٧٨) قمتُ بأعمالِ بطولةٍ بين قوم «مدد» (البيجا) الثائرين (٧٩) وهزمتُهُم عن آخرهم، وأنت الذي فعلتَ ذلك لي.
  • الواقعةُ الثالثةُ: السنة الخامسة الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم الحادي عشر من حُكم ابن «رع» «حرسيوتف» له الحياة والصحة والسلامة أبديًّا، (٨١) لقد أمرت رُمَاتِي وفرساني بأن يسيروا على قوم «مدد» (البيجا) (٨٢) فقاموا بالقُرب من مدينة «أنروار» بهجوم عليهم وقتلوا عددًا عظيمًا منهم، (٨٣) أسروا سيدهم، (٨٤) وأوقعوا مذبحةً عظيمة بين قوم «أروجا …» (٨٤).
  • الواقعةُ الرابعةُ: السنة السادسة، الشهر الثاني من فصل الصيف، من حُكم ابن رع «حرسيوتف» عاش مخلدًا، لقد سيرتُ حشدًا من الجُنُود على قوم «مدد» «البيجا» (٧٦)، وشنيت الحرب عليه وعلى بلاده، وألحقت به الهزيمة، والمذبوحون منه كانوا كثيرين في … (٨٧)، واستوليت على ثيرانه وبقره وحميره وغنمه ومعزه وعبيده وجواريه، وأن رهبتك العظيمة هي التي عملت ذلك لي، (٨٩) وبعد ذلك أرسل إليَّ عظيم «مدد» (البيجا) وقال: «إنك إلهي وإني خادمك، (٩٠) وإني امرأة تعال (أي لا حول له ولا قوة) (٩١) ثم جعل النوابُ يأتون إليَّ بوساطة مبعوث، وذهبتُ وأديتُ الشعائرَ إليك «يآمون صاحب نباتا» والدي الطيب، (٩٢) وإني أمنحك ثيرانًا عدة.»
  • الواقعة الخامسة: السنة الحادية عشرة الشهر الأول من فصل الزرع اليوم الرابع: (٩٣) لقد أمرت رُماتي بالزحف على بلدة «عقنات» بقيادة خادمي «قاسو»، (٩٤)؛ لأن جُنُود الرئيسين «برجا» و«سأمنسا» قد وصلوا «أسوان»، (٩٥) وقد قام بأعمال بطولة على (٩٦) وقتل «برجا» و«سأمنسا» سيديهما، وإن رهبتك العظيمة «يآمون» هي التي عملت لي (ذلك).
  • الواقعة السادسة: السنة السادسة عشر الشهر الأول، من فصل الشتاء اليوم الخامس عشر، (٩٧) أمرت بإرسال رُماتي وفرساني على العدو في بلدة «خردف»، فأَدَّوْا أعمالَ بطولة في وسطهم، وأوقع الرُّمَاةُ مذبحة … (٩٩) وغنموا أحسن ثيرانهم.
  • الواقعة السابعة: السنة الثامنة عشرة، الشهر الأول مِن فصل الزرع، اليوم الثالث عشر من عهد ابن «رع» «حرسيوتف» عاش أبديًّا، (١٠٠) زحف عليَّ ثائرو «رهرهس» واسم رئيسهم خروات؟ (١٠١) في بلدة «باروات» (= مرو) فعملت على صدهم؛ وذلك لأن رهبتك العظيمة وقوة ساقيك «يآمون» قد فازتْ عليهم بشجاعة (١٠٣)، وأوقعتْ مذبحةً بينهم، وكانت مذبحةً عظيمةً، وجعلتهم يتقهقرون، وأنت الذي عملت لي ذلك «يآمون» (١٠٤) حتى إن الأجانب هَبُّوا في وسط الليل، وَوَلَّوُا الأدبار.
  • الواقعة الثامنة: (١٠٥)؟ السنة، الثالثة والعشرون، الشهر الثالث مِن فصل الصيف، اليوم التاسع والعشرون من عهد ابن «رع» «حرسيوتف» عاش أبديًّا، (١٠٦) أتى رئيس البلاد الأجنبية «رهرهس» (المسمى) «أرو»، ومعه كُلُّ رؤساء بلدة باروات (مرو) (١٠٧)، وقمت بأعمال بطولة عليهم وهزمته هزيمة منكرة، وصَدَدْته (١٠٨)، وجعلته يولِّي الأدبار، وعملت على هزيمة «شابكارو» الذي أتى إليَّ (حاربني)، (١٠٩) وعقدت معه معاهدة، وإنها رهبتك العظيمة وساقيك القويتين التي هزمت … الرئيس وقد فر أمام رماتي وخيالتي.
  • الواقعة التاسعة: (١١١) السنة الخامسة والثلاثون، الشهر الأول من فصل الزرع، اليوم الخامس من عهد ابن «رع» «حرسيوتف» عاش أبديًّا (١١٢) أمرت بأن يرسل إليه؛ أي «آمون» صاحب «نباتا» والدي الطيب قائلًا: (١١٣) هل يجب أن أُرسل رُماتي على بلاد «مختي»؟ فأرسل إليَّ «آمون» صاحب «نباتا» (١١٤) قائلًا: اجعلْه يرسل، فأمرت بإرسال (١١٥) خمسين من الطلائع مع خيالة، وعلى ذلك فإن أربعة أقوام «مختي» الذين كانوا (١١٦) قد تجمعوا عليَّ هزموا، ولم يبقَ واحدٌ منهم (١١٧)، ولم يُفلتْ واحدٌ منهم، ولم يبقَ (١١٨) واحدٌ من رؤسائهم، ولم يَبْقَ لواحدٍ منهم سهمٌ، وقد صاروا كلهم غنيمة.
  • مبان منوعة: وفي حلم حدثني إنسان (١٢٠) قائلًا: (١٢١) لقد أصبح المعبد آيلًا للسقوط، وفي الشهر الثالث من فصل الزراع في يوم «بتاح» أقمتُهُ ثانية لك (١٢٢)، وأقمت المعبد (المسمى) «ذهب (١٢٣) الحياة»، الذي يتألف من ست حجرات (١٢٤)، وأربعة عمد من الحجر.

    وفي حلم آخر (١٢٥) تحدث إليَّ واحدٌ (١٢٦) قائلًا: إن بيت الملك يئولُ إلى الخراب ولا أحد، (١٢٧) يُمكنُهُ الدخولُ فيه، (١٢٨) فبنيت بيت الملك و(١٢٩) أربعة بيوت في «نباتا» وكذلك ستين بيتًا، (١٣٠)، وأمرت بإحاطتها بجُدران، و(١٣١) فضلًا عن ذلك أنشأت حديقة (١٣٢) طول الجانب منها خمسون ذراعًا (١٣٣) مجموع أضلاعها مائتا ذراع.

الأشجار والهدايا الأخرى

(١٣٤) وفضلًا عن ذلك أمرت بأن تغرس لك (يخاطب آمون) (١٣٥) ست حدائق نخل، (١٣٦) في كل واحدة كرم في «نباتا» والمجموع ست و(١٣٧) منحتك حدائق النخل المزدوجة (١٣٨) التي في «باروات» ومجموعها ستة (١٣٩) وأمرت بتقريب قربان لمدة ليلة و(١٤٠) يوما، مقدار مائة وخمسة عشر مكيالًا من القمح، وثمانية وثلاثون مكيالًا من الشعير (١٤١) مجموعُها الكُلِّيُّ ١٥٣ مكيالًا من القمح والشعير، (١٤٢) وأمرتهم بألا يتركوا (١٤٣) بلادًا مستثناة دون (١٤٤) أن أكون قد أصلحتها إلا إذا (١٤٥) كانت خالية من السكان.

مواكب أعياد لآلهة مختلفين

(١٤٦) وقد أعطوا الكلمة (١٤٧)، وأمرت بإقامة عيد لأوزير في … (١٤٨) وأمرت بإقامة عيد لأوزير في «باروات» «مرو» (١٤٩) وأمرتُ بإقامة عيد «لأوزير» و«إزيس» في «مرتا» (١٥٠) وأمرت بإقامة عيد «لأوزير» أربع مرات ولإزيس (١٥١) في «جررت»، وأمرت بإقامة (١٥٢) عيد «لأوزير» و«إزيس» و«حور» صاحب مدينة «سهراست» (١٥٣)، وأمرت بإقامة عيد «لأوزير» و«آمون (١٥٤) ايدي» صاحب مدينة «سكرجات» (١٥٥)، وأقمتُ عيدًا لحور في «كرتا» (١٥٦)، وأقمت عيد «رع» في «مشات» (١٥٧)، وأقمت عيدًا «لأنحور» في «ارتانيت» (١٥٨)، وأقمت عيدًا «لأوزير» في «نباتا» (١٥٩) وأقمت عيدًا «لأوزير» في «نهانات» (١٦٠)، وأقمت عيدًا «لأوزير» و«إزيس» في «باجمت»، (١٦١)، وأقمت ثلاثة أعياد «لأوزير» في «بنوبس» أبديًّا، (راجع: Urkunden Der Alteren Athiopenknige, p. 113–136; Budge. Annals of Nubian Kings p. 117–139).

تعليق

إن كل ما لدينا من معلومات عن تاريخ هذا الملِك الذي عمر طويلًا على عرش الملك — على حسب نظرية الأستاذ ريزنر، وأولئك الذين كتبوا في تاريخ بلاد السودان في تلك الفترة، أمثال «ماكادام» و«دنم» — ينحصر فيما خلَّفه لنا في جَبَّانة «نوري» وهو هرمه وملحقاتُهُ، وما تركه من نقوش على جدران معبد «تهرقا» في «الكوة»، وكذلك اللوحةُ التي وُجدتْ في الجبل المقدس؛ أي جبل «برقل»، وأول ما يَلفت النظرَ في مُدَّةِ حُكْمه الطويل أنَّ البلاد — على ما يظهرُ — كانت هادئة نسبيًّا، على الرغم من الحروب التي شَنَّها هذا الملكُ على القبائل الخارجة، والواقعُ أن هذا الملك كان شديدَ البأس، وأن حملاته على بلاد أعدائه قد أتاحتْ فرصة لشغل جنوده من جهة، كما أن الغنائم التي رجع بها منها قد عادتْ على بلاده بالخير العميم، كما أرضت كهنة آمون، وغيرهم من كهنة الآلهة الآخرين، وبذلك لم يكونوا حربًا عليه.

ولا نكونُ مبالِغِين إذا قَرَنَّا هذا الملك من حيث الحملات الحزبية التي سار على رأسها واتساع فُتُوحه بالفرعون تحتمس الثالث، مع الفارق أنَّ الأخيرَ كان يحكمُ إمبراطوريةً متراميةَ الأطراف، وأن الأول كان ينحصر مُلكه في بلاد السودان وحسب.

والمتنُ الذي نحنُ بصدده الآن نجد فيه — بعد سرد أسماء الملك «حرسيوتف» وألقابه — أنه يصف لنا حُلمًا رآه في منامه ظهر له فيه الإلهُ «آمون رع»، ومنحه أرض النحسي «السودان». والظاهر أن مصر في تلك الفترة كانت دولةً قويةَ الجانب، فلم يطمع هذا الملك في فتحها،٢ ومن ثم جعل وِجهتَه فتحَ أقاليم «النيل الأزرق» و«النيل الأبيض»، وذلك بوحيٍ مِن آمون جاءه في رؤيا رآها، وفي خلال هذه الرؤيا وضع «آمون» تاجَ الملك على رأس هذا الملك، وبعد أن شَجَّعَه بنظراتٍ مِلؤُها الحنان والمحبة؛ أخبره أن يذهب إلى معبده في «نباتا»، وعندما استيقظ الملك من نومه سأل شيخًا مسنًّا عن تفسير رؤياه، فنصحه الشيخ بأنْ يُقيم مبانيه بسرعة وبقوة، وعلى أثر ذلك سافر إلى «نباتا»، وتَوَجَّهَ إلى معبد «آمون رع» وطلب إلى الإله أنْ يمنحه أرض «نحسي»، فأجابه الإله إجابة مرضية، ووعده أن يمنحه مُلْكَ هذه الأرض وأركان العالم الأربعة، وأن يُغدق على البلاد غيثًا عميمًا وماءً غزيرًا، وأن يقضي على أسلحة أيِّ عدو، وعلى كل عدو يجسر أن يُغير عليه، وفي أثناءِ وقوفِ الملك في المحراب يظهر أن الإله قد منحه بعض أشياء، غير أن معنى المتن هنا غامضٌ؛ فلم يمكنْ فَهْمُ كنهه.

وبعد أن تسلم هذا الملك عرش بلاد «النوبة» من «آمون رع صاحب نباتا» بدأ يزور محاريب آلهة المديريات الرئيسية في البلاد؛ لأجل أنْ يحصلَ على بركاتهم ومساعدة كهنتهم التي كانت ذاتَ قيمة عظيمة في تلك الفترة من تاريخ وادي النيل كله، كما نَوَّهْنَا عن ذلك في غير هذا المكان من هذا الكتاب، ومِنْ أجل ذلك ذَهَبَ إلى محراب «آمون رع صاحب جم آتون» (سدنجا؟) ومحراب «آمون رع صاحب بنوبس» ومحراب الآلهة «باستت صاحبة تارت»، وفي كُلِّ محراب ذهب إليه أخبر إلهه ما قاله له «آمون صاحب نباتا»، وقدم ضحايا وتَعَبَّدَ إليه، والظاهرُ أنَّ الكهنة لفتوا نَظَرَه إلى معبد «آمون-صاحب تار الجنوب» الذي كان جاريًا بناؤُهُ، والذي كان ينقصُهُ المالُ — على ما يظن — لإتمامه، وعلى أثر ذلك تَوَلَّى — في الحال — أَمْرَ هذا المعبد بنفسه، فلم يلبث أنْ أَتَمَّ بناءَ المعبد وتزيينه في مدى خمسة أشهُر بعد ذلك.

ولَمَّا عاد إلى «نباتا» وجد أنَّ معبد «ابت سوت» كان في حاجة إلى المال، فمنح الخزانةَ أربعين دبنًا مِن الذهب لتنفق على هذا العمل، وهذا المبلغ يُساوي الآن حوالي ٤٢٠ جنيهًا، ثم أخبر بعد ذلك أن بيت المرضى — ويحتمل أن يكون مستشفى الكهنة وأُسَرِهم — كان بدون مال، وأن المبنى نفسه كان في حالة خربة، وعلى ذلك أرسل — في الحال — إلى إقليم «أركات» للحصول على خشب السنط لبنائه من جديد. والمتن هنا ليس واضحًا تمامًا، غير أنه من المؤكد أن الملك صرف أربعين دبنًا (= ٤٢٠ جنيهًا) أُخرى على هذا البناء، وليس من المعقول أنه صرف كُلَّ هذا المال في تزيينه، وعلى ذلك فإن المبلغَ الأخيرَ قد صرف على إحضار الخشب من «اركارت»، وموقعُ هذا الإقليم مجهولٌ لدينا، غير أنَّ خشب السنط كان — على ما يظن — قد أُحضر من مكانٍ ما جنوبي بلدة «الخرطوم»، ويُلحظ كذلك أن الملك «حرسيوتف» قد مَدَّ هذه المؤسسة بهبة من المال قدرها عشرين دبنًا (= ٢١٠ جنيهًا).

والأسطر الخمسة والعشرون التي تلي ذلك تحتوي على قائمة بالأشياء التي وهبها الملك «حرسيوتف» «لأمون صاحب نباتا»، وتحتوي على قلائدَ من الذهب للإله، وأشكال للإله «آمون» ولآلهةٍ أُخرى من الذهب، وصدريات، وخرز بكميةٍ كبيرةٍ من الفضة، وتسع أوان من الفضة، ومصابيح وقواعد مصابيح إلخ … والجملة ٣٢ إناءً من الشبه، وخلافًا لهذه الأشياء قدم مقادير كبيرة من عُطُور المر والشهد والبخور.

وبعد ذلك وجه «حرسيوتف» نشاطه وماله لإصلاح بيت الألف سنة الذي كان قد أصبح خربًا، فأعاد بناءَه وأضاف له خارجةً ذات عمد وحظيرة للماشية طولها ١٥٤ ذراعًا (؟) ثم أَعَادَ بناء مبنًى صغير خاص بالمعبد، وفي مناسبة أُخرى أهدى الإله خمسمائة ثور، وجراية يومية تتألف من وطابين كبيرين من اللبن وعشرة خُدَّام ومائة عبد وخمسين أَمَة. وكُلُّ هذه الهبات قد قدمها الملك في خلال السنة الأولى مِن حُكمه، وبعد أن جازى الإله آمون وكهنته بسخاء لانتخابه ملكًا، وأرضى كل آلهة المديريات في مملكته؛ فإنه كان في استطاعته أن يُحول عنايته للقيام بحملاتٍ كان القصدُ منها الإغارة والحرب لتأديب القبائل المُغيرة على أملاكه؛ ففي حملته الأُولى التي وقعتْ في السنة الثانية من حكمه هاجم قوم «رهرهس» الذين يحتمل أنهم كانوا يسكنون الصحراء الشرقية، وكانوا قبائل بدو يعيشون على سلب القوافل ونهبها، وذلك أنه على الرغم من أن الملك «حرسيوتف» قد ذبح منهم خلقًا كثيرين فإنه لم يعد بغنائمَ تستحقُّ الذِّكْر.

ووقعتْ حملتُهُ الثانيةُ في السنة الثانية مِن حُكمه، وكانت موجهةً على قوم «مثث»، وقد ذبح منهم عدد عظيم، غير أنه لم يَعُدْ بغنيمةٍ ذات أهمية، وقد بدأ هاتين الحملتين في أثناء فصل الشتاء، والظاهرُ أن الغرض منهما كان لتطهير الصحاري من اللصوص، وكذلك لتدريب رجال جيشه على الكَرِّ والفر.

وفي الحملة الثالثة التي وقعتْ في السنة الخامسة من حكمه أرسل رماته وخيالته على قوم «مثث» فحاربوا في موقعة مع أهل هذه الأرض عند «نروات» وغلبوهم، وذبحوا أعدادًا كبيرة منهم، كما قتلوا أميرًا منهم.

وفي السنة السادسة من حُكْمه قامت الحملةُ الرابعةُ، وكان مرماها بلاد «مثث» أيضًا، وفي هذه المرة نجدُ أنه لم يكتفِ بهزيمة جيش «مثث» وقتل عدد عظيم منه، بل فضلًا عن ذلك خَرَّبَ مُدُنَهم، واستولى على كل أنواع الماشية والعبيد والذهب، وقد ألقى ملك «مثث» السلاح وقَدَّمَ خضوعه قائلًا: «إنك إلهي وإني خادمك، وإني امرأة.»

وعندما عاد ملك بلاد «النوبة» من «نباتا» ذهب توًّا إلى معبد «آمون» وقَاسَمَهُ الماشيةَ التي استولى عليها.

وبعد فترة خمس سنوات زَحَفَ في حملته الخامسة في السنة الحادية عشرة من حُكْمه ووَجَّهَ هُجُومَه على مكانٍ يُدعَى «عقنات» وحاصره القائدُ النوبيُّ المسمى «قاسو»، وقد هرب كل من الرئيسين الثائرين «برقا» و«سأمنسا» إلى «أسوان»، ولكن القائد «قاسو» اقتفى أثرَهُما وذبَحهُما، وأهلك مِن قَومِهما خلقًا كثيرين، وبعد ذلك بخمسة أعوام في السنة السادسة عشرة من حُكمه قام الملك «حرسيوتف» بحملته السادسة، فهاجم مختمي (؟) بنجاح، وقتل رُماتُهُ عددًا عظيمًا من سكانها، وساق أمامه غنيمةً تشمل أحسن ماشيتهم.

وفي السنة الثامنة عشرة من حُكْم هذا الملك؛ قام الأميرُ «خروا» حاكم «باروات» (مرو) لمهاجمته على رأس جيشٍ مؤلفٍ من بدو قبائل «رهرهس»، فقام «حرسيوتف» لمقابلته، وفي القتال الذي نشب بينهما هُزم «خروا» وقُتل من جيشه عددٌ عظيمٌ، وتشتت شملُ الباقي، وهرب هو في جنح الظلام، وهذه كانت الحملة السابعة التي قام بها الملك «حرسيوتف»، وبعد انقضاء خمسة أعوام على هذه الحملة؛ أي في السنة الثالثة والعشرين من حُكمه قام بحملته الثامنة، وكانت موجهةً على رئيس آخَرَ يُدْعَى «أروا» الذي كان قد جمع جيشًا عَرمْرمًا من بين قبائل «رهرهس» وعسكر في «مرو»، وهناك نشب قتالٌ عنيفٌ، ولكن النوبيين هزموا جُمُوعَ العَدُوِّ المتحدة من أهل الصحراء الشرقية، وقتلوا منهم خلقًا كثيرين.

وتَدُلُّ شواهدُ الأحوالِ على أن «أروا» كان يُساعدُهُ رئيسٌ محلي يُدعَى «شيكار» (؟) الذي كان قد أحضر قوةً معه، ولكن في هذه الحالة — كما كانت في الحالات السابقة — نجد أن ساعدي آمون القويتين قَصَمَتا ظهرَ قوةِ العدو، وانتصر رماة النوبيين وخَيَّالتهم انتصارًا عظيمًا تامًّا عليهم، وبعد مُضِيِّ عشر سنين على ذلك؛ أي في السنة الثلاثين من حكم «حرسيوتف» قام الأخيرُ بحملته التاسعة والأخيرة، وكان بصحبة خَيَّالَتِهِ خمسون كَشَّافًا وانقضوا على رجال «بلدة خروت» (؟) عند «تقت»، والظاهر أنهم ذبحوا كل قوة العدو؛ إذ لم يترك منهم واحدٌ على قيد الحياة، ولم يفلت واحدٌ منهم، ولم يَستعمل واحدٌ منهم قدميه ثانية، وأسر النوبيون — فضلًا عن ذلك — ضباطَهم.

وبانتهاء هذه الحملة انتهتْ غزوات الملك «حرسيوتف» التي وصلت إلينا عنها معلوماتٌ، ولا بد أن الملك في هذا الوقت قد أخذ يَتَقَدَّمُ في السن، وإنه لَمِنَ المستحيل علينا أن نُحقق مواقعَ البلاد والممالك التي هاجمها «حرسيوتف»؛ وذلك لأنه لم يذكر إلا القليل جدًّا منها في النقوش النوبية الأُخرى التي وصلتْ إلينا، غير أنه ليس من الصعب أن نُشير هنا إلى الأقاليم التي سارتْ فيها جيوشُهُ، والتي عاش فيها أعداؤُهُ؛ فمن المحتمل أن أَلَدَّ أعدائه كانوا هم قبائل الصحراء الشرقية، وهم الذين عُرفوا فيما بعد بقبائل «البلمي» والقبائل التي كانت تَدين بالطاعة لأمير «مرو».

وفي الجنوب الشرقي من «مرو» كان يقطن الأقوام الذين على حدود «إثيوبيا» والقبائل المحاربة القاطنة في الشرق والجنوب من «سنار»، وفي الغرب كانت تَقطُن قبائلُ صحراء «بيوضا»، وإلى الجنوب من هؤلاء كان يسكن القومُ الذين اشتهروا شهرةً عظيمةً بتربية الماشية، وهم الذين يمثلهم الآن قبائل البقارية، وكان السطوُ على القوافل وقتئذٍ، كما هي الحال في الأزمان الحديثة جدًّا؛ سبب كل حرب، ولم تدم قط أية مملكة سنين عديدة في بلاد النوبة، لم تكن محكومة بملك نشيط له جاه عظيم في الحرب.

ولا نزاع في أن الغارات التي قام بها المهدي والخليفة عبد الله التعايشي في أنحاء أجزاء السودان هي كالتي قام بها الملكُ «حرسيوتف»، وإذا أمكن يومًا من الأيام أن نصل إلى تحقيق أسماء البلدان التي جاءتْ في حُرُوب «حرسيوتف»، فمن المحتمل جدًّا أن سكانها كانوا أجدادَ القوم الذين ثاروا مع محمد علي وإسماعيل باشا حديثًا، والبقيةُ الباقية من متن «حرسيوتف» تُحدثنا عن أعمالِ البناء التي قام بها، فقدْ أَعَادَ بناء معبد «بتاح» و«بيت الإله من الذهب للحياة»، ويحتوي على حجرات وقاعة عمد، وكذلك أعاد بناء قصر «نباتا» وحرمه، كما أعاد إقامة بناء كان مربعًا كل ضلع من أضلاعه خمسون ذراعًا طولًا.

وقد غرس للإله «آمون» ستة خمائل من النخيل وستة كروم، وأعطاه — يوميًّا — مائةً وخمسة عشر مكيالًا من القمح، وثمانيةً وثلاثين مكيالًا من الشعير، ومائةً وثلاثة وخمسين مكيالًا من و«مرتت» و«قررت» و«سهرست» و«سورقات» و«كارتت» الحبوب، وأخيرًا أسس أعيادًا للآلهة في أُمَّهَات بلاد النُّوبة مثل «مرو» و«مشات» و«ارتنايت» و«نباتا» و«نهانات» و«بر-قمت» و«بر-نبس».

وتدل البحوثُ التي عُملت حتى الآن على أنَّ الملك الذي خلف «حرسيوتف» قد حكم مدة تقرب من عشرين سنة؛ أي من ٣٦٢–٣٤٢ق.م؛ أي أن نهاية حكمه كانت تُقابل في مصر العهدَ الذي فتح فيه «الفرس» أرض الكنانة مرة أُخرى، ومما يؤسف له جد الأسف أن اسم هذا الملك مجهولٌ لنا حتى الآن، والظاهرُ أنه دُفِنَ في الكورو، (راجع: J.E.A. Vol. 35, p. 149; Royal Cemeteries of kush Vol. II, p. 3. Kuru l.).

ثم خلفه على العرش ملك يُدعَى «أخراتان».

١  جاء ذكر أسماء أوان وآلات لم يُعرف كُنْهها ولا استعمالها حتى الآن في هذا المشهد.
٢  لم تتعد جنودُهُ أسوان؛ كما جاء ذلك في المتن الذي نحن بصدده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤