عصر الملك «دارا» الأول

نسوت رع تاريوشا
ذكر «مانيتون» أن الملك «دارا» الأول حكم ٣٦ سنة (راجع: Unger. Chronologie des Manetho p. 285: Wiedmann Geschichte. p. 66) وأعلى تاريخ له وجد على الآثار المصرية هو السنة السادسة والثلاثون (راجع: Inscriptions du Ouadi Hammamat, Couyat-Montet p. 90, No. 146 etc.) ولا نزاع في أن الوثائق المصرية القديمة قد أظهرت لنا الملك «قمبيز» في صورة مختلفة عن الصورة التي صورها لنا الكُتاب القدامى من الإغريق والرومان، وعلى ذلك فإنها تؤلف مستندًا ثمينًا لتاريخ التسلُّط الفارسيِّ على وادي النيل، ولكن عندما نصل إلى عهد الملك «دارا» نجد أنه على الرغم من قِلَّة المصادر المصرية الخاصة به بالنسبة لسلفه؛ فإنها تُقدم لنا حقائقَ جديدةً، كما أنها لا تغير قط الفكرة التي يمكن أن نكوِّنها عن عهده، على حسب ما جاء في المصادر غير المصرية، كما حدث في عهد «قمبيز»، فتدلُّنا الوثائقُ المصرية على أنه في عهد الملك «دارا» عاد «وزاحر رسن» إلى «مصر» بأمر من الملك لأجل أن يُعيد تأسيس مدرسة «سايس» (راجع: الوثيقة، أسطر ٢٤-٢٥).
وهذا العملُ كان يؤلف — على ما يظهر — جزءًا مِن مجموع الإجراءات التي اتخذها «دارا» لأجل تحسين حال البلاد المصرية في الداخل، ويحقُّ لنا أن نُقرِّبَ هذا الرأي من فقرة جاءتْ في الحوليات الديموطيقية، (راجع: Spiegelberg, Die Sogenante Chronik Verso C, 6.16 cf: Ed. Mey.er Sitzungsber. Pr. Ak. Wiss. (1915) 304–309, Reich Mizraim I (1933) 178–182). حيث نجد أن الملك «دارا» قد وكل إلى الشطرب أمر سَنِّ القوانين المصرية، ويرجع تاريخ ذلك إلى السنة الثالثة من عهد «دارا»١ الأول (٥١٩ق.م)، وربما كان هذا التاريخ هو التاريخ التقريبي الذي عاد فيه «وزاحر رسن» إلى «مصر».
وتدلُّ شواهد الأحوال على أنه بعد موت «قمبيز» قامت في «مصر» ثورةٌ نَزعت فيها عن نفسها نيرَ الحكم الفارسي مؤقتًا، وتفصيل ذلك على ما يظهر (راجع: Journal of Near Eastern studies. Vol. 2 Part 4, p. 307 ff)، أنه في خلال الثورة التي قام بها «نبوبخود نصر» الثالث ملك «بابل» على الملك الأول ما بين أكتوبر وديسمبر سنة ٥٢٢ق.م (Herod. IV 145)، انتهزت «مصر» هذه الفرصة ونزعت عن عاتقها نير الحكم الفارسي، وعلى أية حال فإن شطرب «مصر» المسمى «أرياندس Aryandes» هو الذي كان قد أعاده «دارا» إلى الحكم لم يشاطر في هذه الثورة بقلبه، بل كان يعمل بوصفه ممثلًا لقمعها من قبل «دارا»، والواقعُ أن لدينا فقرة من المؤرخ «بوليانوس Polyacnus» كان يعتقد منذ زمن طويل أنها تُشير إلى اشتراك «أرياندس» في هذه الثورة (راجع: Wiedemann Geschichte Agypt, p. 236).

ولكن يجب أن نفهمها الآن على عكس ذلك؛ إذ قد جاء فيها أن المصريين قد أَبَوا احتمال فظائعه وثاروا عليه بسببها، ولا نزاع في أن الثورة التي قام بها المصريون (كما ذهب الأستاذ أو لمستيد) على حسب وثيقة «وزاحر رسن» الذي كان يجله «دارا» كثيرًا كانت على دارا وعلى أريندس، ومن ثم لم يكن يُذكر عنه إلا كل ثناء عاطر — كما أسلفنا — والواقعُ أنه أخذ يُحدثنا بعد أن ذكر ما قام به مِن أعمالٍ عظيمةٍ وما عمله له «قمبيز» أنه عمل لوالده ولوالدته، كل شيء كان يمكن أن يرغب فيه والده عندما حَلَّ الاضطرابُ بهذه المقاطعة (يقصد «سايس»)، وذلك خلافًا للاضطراب العظيم الذي حل بكل أرض «مصر»، وفي الجملة التي تلي ذلك يذكر لنا «وزاحر رسن» جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «دارا»، ومن ثم نفهم أنه كانت توجد بمصر اضطراباتٌ عند تَوَلِّي «دارا» عرش الملك، ولن نكون قد ذهبنا بعيدًا عن الصواب إذا فسرنا هذه الاضطرابات بأنها الثورةُ التي قام بها المصريون على «دارا» والشطرب الفارسي «أرياندس»، هذا، ويستمر «وزاحر رسن» في حديثه قائلًا:

«دارا» … أمر بالعودة إلى «مصر»، وهذه العبارة لها أهميةٌ عظيمة؛ وذلك لأن هذا المصري «وزاحر رسن» الذي كان مواليًا للفُرس الذين أغدقوا عليه النعم العديدة؛ قد وصل إلى مرتبةٍ لم يكن في استطاعتِهِ أن يصل إليها إذا كانت «مصرُ» قد بقيتْ مستقلةً، كان قد هرب من بلاده خلال الاضطرابات، ومن المحتمل أنه كان قد هرب بصحبة «أرياندس»، ولم يكن في استطاعتِهِ العودةُ إليها إلا عندما أمره «دارا» بالعودة؛ أي بعد أن كان قد قضى على الثورة، وبذلك أصبح الموظفون الموالون للفرس في طمأنينة على حياتهم.

والفقرة المشارُ إليها نقلًا عن «بوليانوس» تذكر أنه كان من الضروريِّ؛ لأجل إخماد هذه الثورة أن يجتاز الملك «دارا» صحراء بلاد العرب ويصل إلى «منف» في الأيام التي كان المصريون فيها يَلبسون الحداد على العجل «أبيس» المتوفَّى، ولما وصل هذا العاهلُ إلى «مصر» منح مبلغ مائة تلنت من الذهب لقائد العجل «أبيس»، وقد دهش الشعب المصري من هذا السخاء، حتى إنهم أحجموا عن الاستمرار في ثورتهم على الفرس.

وهذه الفقرة كانت لسببٍ وجيهٍ لها علاقاتٌ بمتن مصري منذ زمن بعيد، وعلى حسبه نجد أن عجل «أبيس» كان قد مات ودُفن في السنة الرابعة من حكم الملك «دارا» (راجع: Posener Ibid No. 5, p. 36) وعلى ذلك كان لا بد أن نستنبط أن «دارا» كان قد وصل إلى «مصر» ما بين ٣١ أغسطس و٨ نوفمبر من عام سنة ٥١٨ق.م.

ولا بد أن نعرف أن هذا الفصل من السنة في «مصر» لم يكن ملائمًا كل الملاءمة؛ وذلك لأن الفيضان يكون في قمة ارتفاعه في سبتمبر، وفي هذا الوقت تكون أراضي الدلتا مغمورةً بالمياه، ولكن «بوليانوس» يقول: إن «دارا» اجتاز الصحراء العربية، وهذا التعبيرُ يدلُّ في الأزمان القديمة على أنه كان يَشمل الأراضيَ التي تقعُ شرقي الدلتا، وعلى ذلك كان في مقدور «دارا» أن يتفادَى أرض الدلتا التي كان يغمرُها الفيضانُ، وبذلك كانت طريقه — بلا نزاع — عبر وادي «طليمات»، ومن الجائز أن مسألة إصلاح القناة القديمة — وهي التي كانت تمر بوادي «طليمات» — قد عملت في هذا الوقت.

والآن لم يعد بعدُ موضوع تاريخ زيارته من الموضوعات الرئيسية؛ إذ في مقدورنا أن نضرب صفحًا عن موضوع إقامته تمثالًا لنفسه أمام تمثال «سيزوستريس» الذي أخضع تمامًا عددًا كبيرًا من الأُمم التي أخضعها «دارا» لسلطانه، والذي قهر السيثيين Sethians أيضًا، وهذا عملٌ عظيمٌ قد عجز «دارا» عن إتيانه، (Herod. II, 110; Diod. 1, 58)؛ وذلك لأنه في وقت دُخُوله «مصر» عام ٥٠٨ق.م، لم يكن — في الواقع — قد هاجم سيثيي «أوروبا».

ولكن لدينا عبارةٌ في الحوليات الديموطيقية لا تُعارض دخولَ «دارا» «مصر» متأخرًا في عام ٥١٨ق.م، وهذه العبارة ما يأتي: «أرسل «دارا» إلى «مصر» شطربة في السنة الرابعة.» وأمر بجمع القوانين القديمة المصرية، وهذا الأمر يظهر جليًّا على أنه كان قد أرسل من خارج «مصر»، ولكن في الوقت نفسه كانتْ وقتئذٍ قَدْ أصبحتْ «مصر» ثانية إقليمًا فارسيًّا، لها شطربها الخاص، والواقع أن السنة الرابعة من حكم «دارا» في «مصر» كانت قد انتهتْ فعلًا في ٣٠ ديسمبر سنة ٥١٨ق.م، وإذا فرضنا أن «دارا» كان قد دخل البلاد المصرية ما بين ٣٠ أغسطس، ٨ نوفمبر من هذه السنة فإنه لم يكن لديه وقتٌ لوضع الأُمُور في نصابها، فكان عليه أن يُعيد «أرياندس» شطربة على «مصر»، ثم يعود هو إلى «آسيا»، ومع ذلك فقد أصدر أوامر في «مصر» نفسها في نفس السنة.

وعلى ذلك فإنه من الممكن أن نجبَر على قبول الاقتراح السابق، وهو أن النواة الحقيقية التي جاءتْ في قصة «بوليانوس»، وهي أنه من المحتمل أن عجل «أبيس» قد مات في نفس السنة التي وصل فيها «دارا» إلى «مصر» «وذلك على الرغم من أن وصوله كان قبل ذلك بأشهُر في الشتاء».

وكذلك لا بد أن نستنبط أن الثورة قد قُضِيَ عليها بنجاح بوساطة إجراءات أعنف مما جاء في قصة «بوليانوس».

ومهما يكن من أمر فإن موضوع اشتراك «أرياندس» في ثورة المصريين على الفرس قد أصبح أمرًا مفروغًا منه، ويمكن الآن أن نعتبر — على ضوء جديد — مخاطراته التي جاءت بعد، وذلك أنه بعد انقضاء سِنِينَ على الحوادث التي ذكرناها الآن وحوالي الوقت الذي كان فيه «دارا» نفسه مشتغلًا في حروب مع السيثيين، سعى «أرياندس» إلى أن يُظهر ولاءه للملك؛ لِمَا أَسبغَه عليه مِن نِعَم بالاستيلاء على بلاد «لوبيا»؛ لتكون مُلك «فارس»، وقد اتخذ لذلك حجة، أنه كان يُساعد حاكم «برنيقيا» (برقة) الذي كان في زمنه، وهذه الحجة لم يقبلها حتى «هردوت» (Herod. IV, 145)، وأمر جنوده بالسير نحو «برقة»، وقد استسلمت بعد حصارٍ دَامَ تسعةَ أَشْهُر، ثم وصل جيشُهُ بعد ذلك مظفرًا إلى «إيوسبريس Euesperis» «بنغازي الحالية» (راجع: Oris Bates. The Eastern Ly jians p. 52) وعلى أية حال فإن جيشه عندما قفل راجعًا إلى «فرتيكا» اشتبك في مناوشات لا نهاية لها مع السكان الأصليين، ومن أجل ذلك أمر «أرياندس» جيشه بالعودة إلى وطنه، وقد كانت عودته هذه على ما يظهر قد تمت بشقِّ الأنفُس.

وعلى أية حال فإن الحملة قد أصابتْ بعض النجاح، هذا وقد أرسل «أرياندس» بعض الأسرى البرقيين إلى الملك «دارا»، وقد أرسلهم الأخيرُ إلى بلاد «بكتيريا» «الفرس» حيث كانت توجدُ مستعمرةٌ لهم هناك كان يُمكن رؤيتُها في أيام «هيرودوت».

وحوالي نفس هذا الوقت كانت «قناة السويس» قد تم إنشاؤها، وعلى ذلك كانت اللوحات التذكارية قد أقيمت على شاطئيها، وقد كتب ضمن قائمة المديريات الفارسية فيها إقليم «لوبيا» كما سنرى بعد، وتدل شواهد الأحوال على أنه فيما بعد قد اتهم «أرياندس» شطرب «مصر» بالخروج على «فارس» وحكم عليه فيما بعد بالإعدام.

رحلة «دارا» إلى «مصر»

ويحدثنا «بوزنر» عن رحلة «دارا» إلى «مصر» فيقول: إنه على حسب ما جاء في نُقُوش «وزاحر رسن» كان الملك «دارا» في هذه اللحظة في «عيلام» (سطر ٤٣) وقد جاء «دارا» إلى «مصر» على حسب نظرية «فيدمان» في السنة التالية، وهذا التاريخ قد وُضع على حسب ما جاء في فقرة في «بوليانوس» (Polyaenus 7.11.7) وهي التي على حسب ما جاء فيها يكون الملك قد وصل إلى «مصر» بعد موت عجل «أبيس» — كما ذكرنا من قبل — وهذان المتنان يَذكران نفسَ الحادث، على أن الحصول على تاريخ الرحلة الملكية بهذه الكيفية يعترضه عقبات (راجع: Herod. IV 145 and How and wells. A Commentary on Herod. 1, p. 356) ولم يحز إجماعًا تامًّا، ومن جهةٍ أُخرى فإن قيمةَ ما قَصَّهُ «بوليانوس» قد اعترض عليه «جريفث» (راجع: Ryl. Pa p. III p. 26).
أما اللوحة رقم ٥ فإنها — في حد ذاتها — لم تُقدِّم لنا أية معلومات تاريخية محددة، ومع ذلك فهناك تفصيلٌ لا بد مِن ذِكره، جاء على هذه اللوحة؛ فقد ترك في الصف الأعلى منها مكان العلم الذي كان يجب أن يحتوي على الاسم الحوري لملك «خاليا»، والاسم الملكيُّ الوحيدُ الذي جاء ذكرُهُ في المتن هو «دارا»، وقد كتب بالمصرية (Ryl. III p. 26) والظاهر أنه منذ وصول «دارا» إلى «مصر» كان قد أمر بتأليف ألقابه الفرعونية على غرار ما فعل «قمبيز».

وعلى ذلك فإنه ليس من المستحيل أن النقش كان سابقًا لرحلته إلى «مصر».

وتُنسب إلى «دارا» — بوجه عام — الألقابُ الملكيةُ التي تُوجد على الجدار الخارجيِّ الغربي لمعبد الواحة الخارجة، وبداية المتن قد ضاعتْ، واسمه الحوري قد اختفى، والأسماء الأربعة التالية هي … رب التيجان: ابن «آمون» المختار ابن «رع» في داخل برافد (؟) حور الذهبي: سيد الأراضي المحبوب من آلهة «مصر» وآلهتها، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، شعاع «رع» والابن الحقيقي الذي يحبه «دارا»، الفتي في قوته، ليته يعيش أبديًّا … إلخ (Posener Ibid. 176 N. 7)، ومن الجائز أن هذا النقش كان قد عُمل قبل سفر «دارا» إلى «مصر».
وهذه اللوحةُ السابقة الذِّكر هي الوحيدةُ التي وصلتْ إلينا عن موت عجل «أبيس» في مدة حكم «دارا»، ولكن على حسب ما جاء في لوحات أُخرى لأفراد نعرف أن عجلًا آخر قد مات في السنة الرابعة والثلاثين من حكم هذا الفرعون فمثلًا لدينا لوحة من السربيوم محفوظة الآن بمتحف «اللوفر» (راجع: Rec. Trav. 21, p. 67) ذُكر فيها مراسيم الدفن، وهذه المتونُ لا يمكنُ تقريبها مما ذكره «بوليانوس» الذي ذكرناه فيما سبق (٧. ١١. ٧) وهو الذي يذكر أن «دارا» قد جاء «مصر» ليقمع ثورة الشطرب «أرياندس»، والواقع أن إعدام «أرياندس» قد حدث قبل تأليف لوحات سنة ٣٤، وذلك لأنه في السنة الثلاثين كانت مصرُ محكومة بالشطرب «فراندات pherendate» أقرن (pa p. Dem. 13540 du muse de Berlin Spiegelberg Sitzungsber Pr. Ak. Wiss (1928) p. 605-606) وهذا يتفق مع ما ذكرناه عن «أرياندس» وعدم قيامه بثورة بل على العكس من ذلك.

القائد «أحمس»

ولا نزاع في أن المتن رقم ٦ يصف لنا دفن أحد هذين العجلين، وهذا المتن هام؛ لأنه يذكر الغُزاة (السطر رقم ٥)، وكذلك لأنه جاء فيه ألقابٌ هامة ﻟ «أحمس» هذا، فقد كان يلقب المشرف على الجنود، وجاء ذكرُهُ في لوحة أُخرى (اللوحة رقم ٧) أنه المشرف الأعلى للجنود، و«أحمس» هذا هو القائد الذي قاد الحملة التي أرسلها الشطرب «أرياندس» على «برقة» (Herod. 4, 167, 201, 203) غير أن هذا الرأي فيه شكٌّ؛ فقد جاء على حسب «هردوت» أن القائد «أمسيس» «أحمس» هو «مارافين Maraphien»، وهذا يدلُّ على أنه من أصل فارسيٍّ (راجع: Ibid. 1, 125)؛ وذلك لأن اسم «أحمس» كان اسمًا شائعَ الاستعمالِ في هذا العهد، وعلى أية حال فإنه على حسب ما جاء في «بوليانوس» كان قائد الجيش المصري يُدعى «أرسامي Arsames»، وقد وقفا: «أحمس» والطبيب «وزاحر رسن» في العمل على احترام آلهته وبث الخوف منهم في نفوس الذين كانوا في خارج البلاد المصرية (اللوحة رقم ٦ سطر ٤-٥) وقد ادعى أنه أمر بمجيء حُكَّام المدن والمقاطعات إلى «منف» لجلب الهدايا إلى «أبيس» المتوفى. وهذا القولُ إذا كان صحيحًا فإنه يُعَدُّ شاهدًا بما كان يتمتع به «أحمس» من سلطة عظيمة عند حكام الفرس في «مصر»، ومن المرجَّح أنه لم يكن إلا منفذًا لأوامر الشطرب أو الملك. وعلى أيَّة حال فإنه من المهم أنْ نرى مصريًّا يحتل مثل هذه المكانة الهامة في الإدارة الفارسية، كما أنه من المهم أن نُشاهد مرة أُخرى الرعاية والاهتمام والاحترام التي كان يُظهرها الفاتحون نحو ديانة بلد مقهورة (Ryl. 3, p. 35 No. 3).

الموظفون الفرس في «مصر»

ولا نزاع في أنه كان يوجد في تلك الفترة عددٌ عظيمٌ من حُكَّام المدن والمديريات المصرية، من الذين أتى بهم «أحمس» إلى «منف» لم يكونوا مِن أصل مصري، والواقعُ أننا نعرف من المتون التي نُقشت على صخور «وادي حمامات» واحدًا من هؤلاء، وهو حاكم «قفط» المسمى «أتياواهي» بن «أرتاميس» وتدعى أُمُّه «قنزو» (النقوش ٢٤–٣٠)، وقد عاش هذا الموظف في عهد كل من الملك «قمبيز» والملك «دارا» والملك «أكزركزس» (المتن ٢٨)، وآخر تاريخ عُرف لهذا الموظف هو السنة الثالثة عشرة من حكم «أكزركزس» عام سنة ٤٧٣ق.م، وقد كان كذلك أخُوه الأصغرُ موظفًا فارسيًّا، وقد ذُكر مرة واحدة (سنة ٤٧٦ق.م)، ثم ذُكر بمفرده في عهد الملك «أرتكزركزس» في النقوش ٣١، ٣٢، ٣٤، وتمتد النقوش الخاصة بهذين الفارسيين إلى سبع وثلاثين سنة، وهذا يوضح لنا التأثير المتزايد للبلاد المفتوحة على الأجانب.

ويُلحظ أن النقوش الأُولى الخاصة بالموظف «أتياواهي» (النقوش ٢٤–٢٦) لا تحتوي إلا على التاريخ والاسم، أما لقب الموظف فقد نُقل عن الآرامية.

هذا، ونجد في السنة العاشرة من عهد «أكزركزس» أن «أتياواهي» هذا يُضيف صورة الإله «مين» إلى نُقُوشه (النقش ٢٧) ونقرأ في السنة الثانية عشرة دعاءً مختصرًا، كتبه نفس الموظف للإله «مين» (النقش ٢٨).

هذا، ونجد في نقوش «أريوارتا» — وهي أحدث من السابقة — أنها مصحوبةٌ بصورة إله (٣١، ٣٣، ٣٤) وقد ترجم «أريوارتا» هذا لقبه إلى المصرية وهو «زدحر» (تاخوس) (النقش ٣٣) واتخذه لنفسه، وقد تضرع لكل من الإله «مين» (٣٤) والإله «مين حور» والإلهة «أزيس» (٣١، ٣٢) والإله «آمون رع» ملك الآلهة.

السياسة الدينية التي نهجها الملك «دارا»

كانت سياسة الفرس تقومُ على نهج سديد من حيث احترام موظفيهم للديانة المصرية، وهذا النهجُ قد وضعه الملك «دارا» وسار على مقتضاه، ولا نزاع في أن ذلك قد أرضى المصريين تمامًا، وبخاصة عندما نعلم أن هذه كانت النقطةَ الحساسة عندهم، ومن ثم نرى في عهد «دارا» أن الإلهة «نيت» قد حافظتْ على مكانتها الممتازة بين الآلهة المصريين في تلك الفترة من تاريخ البلاد، وقد أعلن الملك أنه ابنُ هذه الإلهة كما جاء في اللوحة الثامنة (سطر ١–٣). وإنه لمن المهم أن نرى أن اللوحة رقم ٩ — وهي التي نجد فيها تشابهاتٍ عدة بما جاء في اللوحة الثامنة — قد أحلت صورة العقيدة الخاصة بالإله «أهورامازدا» محل الصيغ التي تعبر عن تمسُّك الملك بالآلهة المصريين.

هذا، وقد تحدثنا فيما سبق عن إصلاح مدرسة «سايس»، ونجد كذلك أن المحاريب الأُخرى لم تنس، ولا نزاع في أن الملك «دارا» هو الذي شرع في بناء معبد للإله «آمون رع» في الواحة الخارجة، وقد عثر على صاجة في «منف» وهي الآن في متحف «القاهرة» وقد نُسبت خطأ — كما يقال — إلى هذا الملك، ولكن من جهة أخرى نعرف أنه ترك لنا آثارًا في «بوصير» (راجع: Naville, The Mound of the Jews. Pl. 7A & p. 27-28). هذا، ويحتمل أنه ترك بعض الآثار في «الكاب» (راجع: Chassinat Edfu 7, 214, 248).

استغلال المحاجر في عهد الملك «دارا»

يدل على ما قام به «دارا» الأول من نشاط في فن العمارة؛ النقوشُ التي تركها لنا في محاجر «وادي حمامات»، وقد كان يُدير هذه الأعمال في المحاجر موظفٌ كبيرٌ يُدعى «خنم-اب-رع»، وكان يحمل لقب المشرف على الأعمال (المتون ١١–١٣)، و«خنم-اب-رع» هذا هو ابن موظف كبير آخر يُدعى «أحمس سانيت» وكان يحمل بدوره لقب المشرف على الأشغال، أو الأعمال في عهد الملك «أحمس» الثاني (النقش ١١ سطر ٤–٦) وكانت أُمُّهُ تُدعى «ساتنفرتم»، ويظهر لنا من نفس النقش ١١ المؤرخ بالسنة الرابعة والأربعين مِن عهد الملك «أحمس» الثاني أن «خنم-اب-رع» كان في صحبة والده أثناء العمل، وبعد انقضاء ثلاثين سنة على ذلك تقريبًا؛ أي في عهد «دارا» الأول نجده قد عاد إلى «وادي حمامات» وحده، وفي خلال الأربع سنين التالية لذلك عاد إلى هذه المحاجر عدة مرات وترك لنا نقوشًا هناك.

وعلى الرغم من أن هذه المتون لم تذكر لنا الغرض من هذه الحملات؛ فإنه يبدو من عناوينها أن «خنم-اب-رع» كان يذهبُ إلى «وادي حمامات» للبحث عن الأحجار الخاصة بالبناء، وإنه لَمن الصعب أن نعرف — بصورة قاطعة — السببَ الذي جعل كلًّا من «أتياواهي» و«أريوارتا» يذهب إلى هذه المحاجر، على أنه لما كان لا يوجد في ألقاب كل منهما ما يُشير إلى أنه كان رجلَ عمارة، فقد يتساءل المرء فيما إذا لم يكن قد قفا أثر خليج «قفط» (راجع: Strabo. 17, 1, 15) ليصل إلى البحر الأحمر، ثم يذهب من هناك بطريق الماء إلى «فارس» أم لا، ولا بد أن نُشير هنا إلى وُجُود نقش على الصخر كتب فيه طغراء «دارا» الأول على الطريق التي تؤدي من «قفط» إلى «سفاجة» (النقش ٣٥).

الثورة في «مصر» في نهاية عهد دارا

تدلُّ شواهدُ الأحوال على أن الثورة التي قام بها المصريون في أواخر عهد الملك «دارا» الأول لم تمكث طويلًا؛ فلدينا الآنيتان رقمي ٢٣، ٤٤ تؤرخان بالسنة الثانية من عهد الملك «أكزركزس»، وقد جاء ذكر هذه السنة في المتن رقم ٢٥، وهو الذي عثر عليه في «وادي حمامات»، ومِن جهة أُخرى نجد السنة السادسة والثلاثين من عهد «أكزركزس» في المتون التي تحمل الأرقام ٢٤، ٢٨، ٣٠ على التوالي، وهذه الآثار مستخرجةٌ من نفس محاجر «وادي حمامات»، وظاهرٌ من هذه التواريخ أن الثورة التي قام بها المصريون لتحرير بلادهم كان من المحتمل أنْ تكون من أسبابها الأخبار التي وصلت إلى «مصر» عن هزيمة الفرس أمام الإغريق في موقعة «ماراتون»، وأنها على أية حال لم تكن ثورة طويلة الأمد — كما سنرى.

والواقعُ أن وادي النيل في عهد الملك «دارا» كان من الوجهة الحربية محصنًا بحاميات فارسية قوية، تمتد من بلدة «ماريا» الواقعة في الشمال (وهي على مقربة من مكان مدينة «الإسكندرية» الحالية) حتى بلدة «الفنتين» («أسوان» الحالية) والشلال في الجنوب، وكانت أقوى حامية للفرس في بلدة «منف» ذات الموقع الاستراتيجي الممتاز في أهميته؛ لوقوعه على مسافة قريبة عند بداية تفرُّع الدلتا، وكانت حامية «منف» (البدرشين وميت رهينة الحاليتين) تتألف بوجه خاص من جُنُود من الفرس يحملون رُتَب ضباط، كما كانت تحتوي على عناصرَ أُخرى من الجنود المصريين والأجانب كالجنود المرتزقة من اليهود الذين كانوا يقطنون «الفنتين» وقتئذٍ. هذا، وكانت كل هذه الحاميات الفارسية تمون من البلاد التي تُعسكر فيها مما كانوا يتسلمون من أنواع المحاصيل المختلفة، وبخاصة القمح.

وتدلُّ شواهدُ الأحوال بوجه عام على أن «مصر» في عهد الملك «دارا» الأول كانت سعيدة وفي رخاء بقدر ما يسمح به نظامُ الاستعمار الأجنبي نسبيًّا، وما لدينا من نقوش يدل على أن «دارا» كان شخصيًّا ذا ميول طيبة نحو البلاد المصرية، وقد كان من الممكن أن تسير الأحوال في مجراها الطبيعي إذا كان حُكَّام البلاد من الفُرس قد أظهروا نفسَ الاعتدال والحكمة الذين انتهجهما عاهلهم نفسه.

هذا، ولم يكن في الإمكان أن يقبض على زمام الأمور وهو في عاصمته البعيدة ويرقب حركات عماله ومعاملتهم للأهلين في «مصر» على الوجه الأكمل، وقد زاد الطين بلة أن هذا العاهل قد تُوُفي في عام ٤٨٦ق.م، ومنذ أواخر حُكمِه قامت في البلاد المصرية حركةٌ وطنيةٌ لمقاومة الحكم الأجنبي، وكان غرضُها طردَ الفُرس والتخلُّص من حكمهم.

والواقعُ أنَّ الأسبابَ الحقيقيةَ التي دَعَتْ لقيام هذه الثورة مجهولةٌ لنا تمامًا، وكذلك لا ندري شيئًا عن سَيْرِ الحوادث في تلك الفترة، حقًّا كان لموقعة «ماراتون» التي هُزم فيها الفرس وقَضت على نفوذهم الذي كان لا يجارى في العالم وقتئذٍ، ولم يكن في استطاعةِ الفرس وقتئذٍ إرسال حملة على بلاد اليونان مع قيام انفجار ثورة في «مصر»، بل كان لا بد من القضاء عليها أولًا؛ ولذلك فإن كلًّا من الملك «دارا» ومن بعده ابنُهُ وخليفتُهُ «أكزركزس» قد عَمِلَا بحماسٍ على استردادِ نُفُوذهما وسلطانهما على «مصر» (راجع: Herod. VII 2, 18, VII 5).
ففي عام ٨٤ق.م، استرد الجيشُ الفارسيُّ بدون كبير عناء البلادَ المصرية للحُكم الفارسيِّ، وقد نصب «أكزركزس» «أخمينيس» شطربة على «مصر»، والظاهر أنه هو الذي قاد الحملة على البلاد لاستردادها من يد الثوار، والظاهرُ كذلك أنه كان قد أخضع البلاد وجَعَلَها أكثر امتثالًا لسلطان الفرس عما كانت عليه في عهد «دارا» الأول (راجع: Herod. VII 7, cl VII 20) وقد اختلفت الرواياتُ في مجرى حوادث هذه الثورة؛ لقلة ما لدينا من آثارٍ تُحدثنا عن كنهها، فقد قيل بأن الثورة لم يقم بها المصريون أنفسُهُم، بل قام بها اللوبيون الذين كانوا يقطنون غربي الدلتا، فانتزعوا الوجه القبلي من الفُرس، وكانت عاصمة ملك الفرس في «مصر» وقتئذٍ بلدة «منف» وقد قاومت الثوار الذين استولوا على الوجه البحري إلى أن وصلت النجدةُ إلى جيش الفرس، وفي تلك الفترة، كانت طريق «وادي حمامات» التي تربط بين «مصر» والطريق البحرية إلى بلاد العرب؛ هي الطريق التي تربط بين عاصمة الملك الفارسية و«مصر».

«أكزركزس» الأول وثورة «خبا باشا»

ولدينا روايةٌ أُخرى تَدُلُّ على أن الذي قام بهذه الثورة في بداية عهد «أكزركزس» هو أحدُ الأبطال المصريين الذي أراد أن يخلص «مصر» من الاستعباد الفارسيِّ، وتدل ما لدينا من نقوش على أنه حَكَمَ البلادَ بوصفه ملكًا، واتخذ لنفسه ألقابًا ملكية، وهذا البطلُ يُدعى «خبا باشا»، غير أنَّ العصر الذي عاش فيه هذا الملك لا يزالُ موضوعَ نقاش كبير، والواقعُ أنه في عهد «الإسكندر آجوس Alexander Aegus» وجد نقش من عهد الملك «بطليموس سوتر» الذي كان يحكم «مصر» فعلًا جاء فيه (راجع: Mar. Mon. Divers. p. 14, Records of the Past x, 71): وقد ذهب لفحص تمثال الملك «خبا باشا».

وقد ذكر الكهنةُ أن ملك الفرس «أكزركزس» قد اضطهد «بوتو»، وقد حصل الكهنةُ على هِباتٍ جديدةً من «بطليموس» الذي أعاد الأوقافَ القديمةَ التي كان منحها «خبا باشا» لِمعبد «بوتو»، أَمَّا النقشُ الآخرُ الذي دُون عن هذا البطل فيدلُّ على أنه كان قابضًا على ناصية الأُمُور في «منف»، فقد أُرخ بالسنة الثانية شهر «هاتور».

وهذا، ولدينا حروف طغرائه على جعل، وكذلك في مجموعة «ستير» (راجع: L.D. IV 196).
ويقول «بترى» عن هذا الملك (راجع: Petrie, Hist. III 368-9): إنه على الرغم من أن «خبا باشا» يعد أسرة قائمة بذاتها مستقلةً فإنه يعتبر «بكنرف» ملك الأسرة الرابعة والعشرين، فقد حكم كل منهما مدة قصيرة لا أهمية لها.
وقد اختلف المؤرخون في تحديد عهد هذا الملك، فقد كان يؤرخ حتى عام ١٩٠٧ بأنه القائد المصري الذي قاد الثورة عل الفُرس في عام ٤٨٦ق.م، وقد برهن «فلكن» (راجع: A. Z. 35, (1897) p. 81–87) على حسب ترجمة مضبوطة للوحة الشطرب أن «خبا باشا» جاء في العهد الذي بعد «ششرش» الطاغية؛ أي «أكزركزس»، وقد ظن أن ذلك حدث في عهد «أرتكزركزس» الأول التي وقعت في خلاله الثورة العظيمة الثانية في وادي النيل على الفرس، وأخيرًا نشر الأثري «شبيجلبرج» ورقة كتبت بالديموطيقية تُدعى ورقة «ليي Libbeg»، وتحتوي على عقد زواج مؤرَّخ بالسنة الأولى من عهد الملك «خبا باشا»، وقد دَوَّنَها نفسُ الكاتب الذي دون ورقة أُخرى مؤرخة بالسنة التاسعة من عهد «الإسكندر الأكبر»، وعلى ذلك نُبرهن على أن «خبا باشا» كان قد حكم «مصر» قبل عهد «الإسكندر الأكبر» بزمنٍ قصير؛ أي عند نهاية الحُكم الفارسي ما بين ٣٤٢–٣٣٢ق.م.
(راجع: Der Papyrus Libbey, Schrifften der wissen-schaft Gesch, in Strasburg 1907.)
ولكن من جهة أُخرى لم نجد اسم «خبا باشا» لا في مُلُوك الأسرة التاسعة والعشرين ولا في ملوك الأسرة الثلاثين في قائمة «مانيتون»، هذا فضلًا عن أنه لم يذكر اسمه في الحوليات الديموطيقية، وقد حدد «ماسبرو» تاريخَ هذا العاهل، واقترح أن يكون قد جاء في عهد «دارا» الثالث «كودومان»، ولكن إذا كانت الورقةُ الديموطيقية (٢٤٣٠) المحفوظة بمتحف «اللوفر» تُؤرخ بالسنة الثانية من عهد «دارا» الثالث؛ فإن الأثري «جوتييه» في هذه الحالة يميل إلى وضع «خبا باشا» قبل آخر ملك فارسي حَكَمَ «مصر»؛ أي في عهد «أرتكزركزس» الثالث وهو الذي يلقب باسم «أوكوس» أو «أرسس» (ما بين ٣٤٢–٣٣٦ق.م)، (راجع: L. R. IV 159 note 2).
ولكن على الرغم من كل ذلك نجد أن الأثري «جريفث» في عام ١٩٠٩م قد أَصَرَّ على أَنْ يَضَعَ الحادث الذي يُسمَّى ثورة «خبا باشا» في السنة الخامسة والثلاثين من حُكم «دارا»؛ أي قبل التاريخ الذي اقترحه الأثريون الذين سبقوه بنحو مائة وخمسين سنة (راجع: Griffith Ryl. Vol. II p. 31).

وهاك الآثار التي تركها لنا «خبا باشا»:

ورقة «لبي Libbey» (راجع: Sphinx, VII p. 139-140): هذه الورقةُ محفوظةٌ الآن في متحف الفن بمدينة «توليدو» بمقاطعة «أهيو» بأمريكا الشمالية، وكانت قد اشتُريت من «الأقصر» وتحتوي على صيغة عقد زواج مكتوب بالديموطيقية، وهاك الترجمة:
  • (١)
    في السنة الأولى في شهر «هاتور Athyr» من عهد الملك «خبا باشا» قالت السيدة «سيتربون Setyrboone» ابنة «بيتهاربوكراتس Peteharpokrates» و«سيمينيس Semminis» إلى الكاهن فاتح باب المحراب ﻟ «آمون» «الكرنك» في «طيبة» الغربية المسمى «تيوس Teos» ين «باو أنس حار بخرت» إنك اتخذتني زوجتك وأمهرتني دبنًا من الفضة (= ٢٫٥ ستات) وإني أكرر دبنًا من الفضة مهرًا لي، فإذا نبذتك بوصفك زوجي كارهة لك، أو أحببت رجلًا آخرَ أكثر منك؛ فإني أَرُدُّ إليك ٢٫٥ أعشار دبنات من الفضة (أي ستات) – وإني أكرر ٢٫٥ أعشار دبنات من الفضة وهي التي تخص هذه دبنًا من الفضة (؟) وهي = ٢٫٥ ستات (نقد إغريقي) — وإني أكرر دبنًا من الفضة (؟) وهي التي أعطيتنيها مهرًا، وإني أنزل لك عن النصف من جميع كل شيء سأحصل عليه منك ما دمت متزوجًا مني: تسلم صورة من المتن أعلاه في ورقة أُخرى وقد قمتُ بنقلها (؟) وإني أُقرر كل كلمة دونت أعلاه على حسب (؟) الوثيقة الحالية وسأُتممها بستة عشر شاهدًا، وإني أُعطيكها — ولن يكون في استطاعتي أن أُحدد تاريخًا آخرَ لك غير السابق (؟) — ودون أن أتفاوض معك بأية طريقة — بالكتابة أو شفويًّا (؟).
    كتبه «بتحار برس peteharpres» بن «بكاس Pekas».
    ويضيف الناشر لهذا العقد ما يأتي: من بين الستة عشر شاهدًا الذين وقعوا على حسب ما جاء في السطرين ١، ٣ فإن الخمسة التالية قد دونت أسماؤهم على ظهر الورقة:
    • (أ)
      «بتي Pete» … ابن «بتو» (؟).
    • (ب)
      «سمينس» بن «وافريس Waphris» «أبريز».
    • (جـ)
      … ابن «فيبيس Phebis».
    • (د)

      «توتيوس» (؟) بن «بتو».

    • (هـ)

      الكاهن «حرى-سشت» (كاتم السر) (؟) في «طيبة» «أمينوفيس» بن «تيوس».

    ولا نزاع في أن هذه الوثيقة تُقدم لنا فكرةً صريحة جليةً عن قيمة الوثائق الديموطيقية، وقد علق «شبيجلبرج» على ترجمته هذه بملحوظةٍ صغيرة أراد أن يُحدد فيها تاريخَ حُكم الملك «خبا باشا»، وقد حَدَّدَهُ على وجه التقريب بين ٣٤١–٣٣٢ق.م، ولكن «جريفث» — كما ذكرنا من قبل — قد عارضه في ذلك.

  • (٢)
    الوثيقة الثانية من عهد «خبا باشا»: هي تابوت لعجل «أبيس» وُجد في سربيوم «منف»، وقد أُرخ بالسنة الثانية شهر «هاتور» (راجع: Brugsch A. Z, (1817) p. 13: Thesaurus p. 968) وقد جاء عليه: السنة شهر هاتور في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «خبا باشا» محبوب «أبيس»، «أوزيرحور» صاحب «كم» (= الثور).
  • (٣)
    اللوحة المسماة لوحة الشطربة: عثر على هذه اللوحة في «القاهرة» عام ١٨٧٠م في أساس حُجرة صغيرة في جامع «شيخون»، وقد كشف عنها «محمد أفندي خورشيد» الذي كان وقتئذٍ رئيسَ الملاحظين بالمتحف المصري، وتؤرخ بالسنة السابعة من عهد «الإسكندر» الثاني ابن «الإسكندر الأكبر»، وقد أَهْدَاهَا «بطليموس» بن «لاغوص» الذي قنع فيها بتلقيب نفسه بشطربة «مصر» وقتئذٍ، وقد كان «بطليموس» هذا صاحب قوة فعلية، وكان يقطن في قلعة الملك «الإسكندر» الأول على شاطئ البحر الأيوني؛ أي في «الإسكندرية» التي كانت تُسمى في بادئ الأمر «ركوتي» وقد أسكن كثيرًا من الجنود المرتزقة من الإغريق في هذا المكان، ومعهم خيلهم، كما وضع فيها سُفُنًا مجهزةً بجُنُودها وعتادها، ولما ذهب إلى بلاد «سوريا» من أجل منازَلة أهلها في موقعة، خاض المعمعة بقلب صلب وانقضَّ على العدو كما ينقضُّ النسرُ على الحمام، فاستولى على هذه البلاد دفعةً واحدةً، وساق رؤساءها إلى «مصر»، كما استولى على جيادهم كلها وسفنهم وكل ثروتهم، وبعد عودته من حملته المظفرة في «المرمريك» اقترح عليه أحدُ مستشاريه أثناءَ احتفاله بنصره والعمل على ما يمكن أن يرضي آلهة «مصر» أن يثبت لمعبد «بوتو» الوقف الذي كان قد حبسه الملك «خبا باشا» على آلهة هذه المدينة، وكذلك الممتلكات التي كان قد وهبها «أكزركزس» الأول ملك الفرس فوافق على ذلك، ثم ينتهي متنُ هذه اللوحة باللعنات على كل مَن يحاول العودة إلى التعدي على هذه الأوقاف (Maspero Guide (1915) p. 199) وقد لقب «خبا باشا» في هذه اللوحة بأنه تمثال «تاتنن» المختار من الإله «بتاح».
  • (٤)
    وعثُر للملك «خبا باشا» كذلك على جعران في مجموعة «ستير» (راجع: Brugsch Bouriant Livre des Rois p. 122) وقد نقش عليه «خبا باشا» محبوب «رع»، وقد حدث نقاشٌ كبير عن أصل «خبا باشا»، فمِن قائلٍ إنه شطرب الفرس، ومن قائلٍ إنه كوشي أو عرب المنبت، غير أن طغراء الأولى تُبرهن على أنه تُوِّجَ في «منف»، وعلى ذلك يحتمل أنه كان من أصل لوبي كما اقترح ذلك «ماسبرو»، وذلك على غرار الرئيس «أيناروس» الذي أعلن نفسه فيما بعد ملكًا على كل «مصر»؛ وذلك لأن ورقة «لبي» تعد وثيقة من أصل طيبي، وهناك رأي آخرُ يقول: إنه من أصل نوبي (راجع: عن كل ذلك: Friedrich Karl Kienitz Die Politische Geschichte Agyptens Von 7, Bis Zum 4 Jahrhundert vor der Zeltwende p p. 185–189)، حيث عالج موضوع «خبا باشا» وجمع كل الآراء التي وردت عنه.
١  وقد ذكرت نفس السنة في الورقة الديموطيقية رقم ٤١ من القائمة التي وضعها «جريفث» (راجع: Ryl. Pa p. 3, 25-26): الذهب والفضة التي تركت في معبد «إدفو» (؟) في السنة الثالثة من عهد «دارا» وهل هذه الوثيقة تنسب إلى النظام الذي قام به شطربة «مصر» (راجع: Revillout Notiece, 407).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤