الفصل الأول

الصيف

في إحدى ليالي الصيف المقمرة خرج سرب من فتيات إحدى قرى لبنان للاستملاء من عين القرية الواقعة على نحو مسافة ميل من البيوت في قرار وادٍ عميق، وكان بين هؤلاء الفتيات اثنتان تفوقان أترابهما جمالًا وتفضلانهنَّ حسنًا واكتمالًا كما يفضل القمر والشمس الكواكب. وكانت إحداهنَّ في السابعة عشرة من عمرها، بيضاء اللون سوداء العينين والشعر والحاجبين، ذات لون يكاد يبهر الناظر بنقائه وجماله تحت ذلك الليل الدامس من الشعر الطويل، وفوق ذلك الوجه الناصع البياض والممتلئ رواءً ممَّا يندر وجوده في امرأة؛ لأن الشعر الفاحم والعينين السوداوين من لوازم اللون الأسمر، كما أن العينين الزرقاوين والشعر الذهبي أو الأشقر من خصائص اللون الأبيض. وكانت معتدلة القوام نحيلة الخَصر صغيرة الثغر منتسقة الأسنان، وكانت الأخرى في العشرين من عمرها تمثل نوع الجمال الحنطي ومكملاته من العينين الكستناويتين والشعر المماثل لهما بلونه.

وكانت هؤلاء الفتيات ماشيات وجرارهنَّ على أكتافهنَّ فارغات لا يعيقهن شيء عن التقدُّم بخفة ورشاقة في ذلك السهل الواسع قبل مشارفة الوادي، وكانت الواحدة منهن تَثِبُ ضاحكة فتتبعها الأخرى هائلة مازحة اندفاعًا بقوة الشباب وثمولًا من خمرة الصبا، وما تُرى كان ليزعجهن في تلك الساعة وفي ذلك المكان والعمر! أما إن أيام الصبا تساعد على السعادة الحقيقية؛ إذ تفتح العين على هناء الحياة وتغمضها عن شقائها، إلى أن يمرَّ طور «البساطة الطبيعية» وتنقضي ليالي الأحلام الذهبية ويأتي زمان الاختبار والجِدِّ، فيتنبه الإنسان لما خسره في ذلك الشطر من العمر؛ إذ يرى غيره يَسْرَحُ ويَمْرَحُ تحت ظل سماء السعادة التي كانت في تلك الليلة ضاحكة لهؤلاء الفتيات بوجه القمر المنير على ذلك السهل الواسع، وهنَّ يركضن بدون أن يشعرن بتعب من المشي أو يكترثن للأحمال الثقيلة التي كانت من نصيب أكتافهنَّ عند الرجوع. ولم يَكُنْ ينقص تلك الليلة القمراء وذلك المنظر الطبيعي الجميل اللذين يشابهان بياض وجمال قلوبهنَّ الطاهر، وذلك النسيم العليل البليل الذي كان يزيد وجوههن بهاء ورواء، وأنفاسهنَّ طيبًا وحلاوة، وأصواتهنَّ نعومة ورخامة، غير مصوِّر يشعر بجمال ذلك المنظر وقوته، فيرسم الطبيعة وبناتها الطبيعيات الطاهرات بشكل بقعة جميلة من الأرض مصونة بحائط نبت فيها الكثير من الزنابق النضِرة الجميلة المنظر الزكية الرائحة والمحتاجة إلى الريِّ مع تدفُّق المياه العذبة من حولها. بقعة جميلة هي لبنان العزيز وزنابق نضرة هي نساؤه الجميلات الطاهرات. ولكن وا أسفاه، انظروا إليها كيف هي ذليلة لانحباس قطر التهذيب عنها، فليس لها الرائحة التي كان يجب أن ترافقها، ولماذا؟ ذلك لأن الطبيعة مهما ساعدت على إيجاد المادة فلا بد لِيَدِ الصَّقَّال من المرور عليها للتحسين ولا سيما في هذه الأيام. نساؤنا جميلات؟ نعم. طاهرات؟ نعم. فاضلات وذكيات؟ نعم، وكأمهنَّ الطبيعة. ولكن ما هو النفع من الآلة إذا كانت بدون يَدٍ تديرها وتزيل صدأها؟ وهل تكفي المادة وحدها بدون صقل؟ كلا! لأن الفائدة لا تأتي من صلابة فولاذ تلك الآلة ولا من جمال منظرها أو إتقان صنعتها، بل من العمل الذي تقوم به متى أدبرت. وأما إذا تعطَّلَتْ فكل جمال فيها لا يفيد شيئًا إلا التحسُّر، على أن لا تكون في حالتها اللائقة بها لتفيد. فجمال الوجه ونضارته وصحة الجسم وغضارته، أمور حسنة للمرأة، ولكنها لا تبني البيت؛ لأن من وراء الوجه الجميل والجسم الحسن التركيب معملًا للفضيلة والفائدة البيتية والاجتماعية، وما دواليب ذلك المعمل وآلاته غير التهذيب والعلوم التي مع ظهور نفعها ومع محبة اللبنانيين لها والشعور بوجوبها للصبي، ينكرونها على البنت ويساعدون بذلك على قتل نصف المنفعة المتأتية للهيئة الاجتماعية من النساء لو كُنَّ متعلمات ومتهذبات حقيقة؛ فالزنابق لا تعيش بدون ماء، وقليلًا ما يوجد الماء لزنابق لبنان الجميلة، وإذا وُجِدَ فهو غير كافٍ، فكيف تدَّعي إذن بأن زنابق الغرب أزكى رائحة وأجمل منظرًا من زنابقنا التي كان يجب أن تكون أبهى وأبهج؟ لأنها تنبت في أرض طيبة تساعدها على ذلك، ونحن نمنع الماء عن تلك الزنابق فتجف وتذوي ثم تيبس من التهامل.

فتيات جميلات الوجوه، ولكن ينقصهنَّ ما يجعل لذلك الحال رونقًا ليضيء من وراء تلك الوجوه الوسيمة، ويظهر واضحًا كأحرف مكتوبة على زجاجة حمراء في ليل أليل، لا تقرأ ما لم يوضع وراءها ضوء فتظهر بأجمل مظاهرها. صحيحات الأجسام، ولكن ينقصهنَّ معرفة كيف تظهر هذه الصحة وكيف تُكْسَى تلك الأجسام الجميلة بملابس مرتبة جميلة مثلها. رشيقات القدود، ولكن تلك القدود ينقصها هندام وعياقة. وكأن وجود «بديعة ولوسيا» تينك الفتاتين المهذبتين بين رفيقاتهما مما يصح به قول القائل: «والضد يُظهر حسنَه الضِّدُّ.» وكأنهما كانتا كقطعتي قماش أُخِذَتَا من شقة واحدة فخِيطَتَا وخُرِّجَتَا وزُخْرِفَتَا، وبإضافة صنعة يد الإنسان إلى يد الله فيهما صار الناظر إليهما يظنهما من غير ذلك القماش وهما منه. هكذا كانت «بديعة ولوسيا» اللتان أظهرتا للناظر جمالًا مزدوجًا أو جمالًا تامًّا، وهو جمال النفس والجسد. ذلك لأنهما كانتا متهذبتين ومتعلمتين، وهذا ما جعلهن كغادتين باريسيتين قد اختلطتا بأولئك الفتيات الباقيات، ولو مر بهما رجل متهذب في ذلك الوقت لسأل نفسه متعجبًا: هل هاتان الفتاتان لا تزالان عزبتين بهذا العمر وهذا الجمال والتهذيب؟! فيجيبه صوت من وراء هاتين النفسين الشريفتين متنهدًا: «نعم.» نعم لا تزالان عزبتين؛ لأنه ما ترى يكون نصيب فقيرتين يتيمتين في العالم قد تربتا بالعازارية، وهذه الأيام أيام «دوطة» ووجاهة ومال، لا أيام تهذيب وأهلية.

ولما انتهت الفتيات من الوثوب والركض في ذلك السهل وأقبلن على شفا الوادي، انحدرن إلى العين أو بالحري هبطن هبوط الملائكة وأجنحتهنَّ السعادة الحقيقية والقلوب الطاهرة النقية، فملأن جرارهنَّ وجلسن للاستراحة قليلًا يتجاذبن أطراف الأحاديث تحت سماء الله الصافية كقلوبهنَّ، حيث الطبيعة جميلة ورءوفة ولا رقيب أو عذول، وما عسى أن تكون تلك الأحاديث سوى نتائج أفكارهن وقلوبهن الطاهرة؟ وكانت أول متكلِّمة منهنَّ لوسيا، فقالت: ما أجمل هذه الليلة التي ستكون آخر ليلة نقضيها في الوطن يا بديعة!

فلم تجبها بديعة بل أجابت فتاة أخرى قائلة: أفلا تذكريننا وتذكرينها يا لوسيا متى وصلت إلى العشق، وهي آخر ليلة قضيناها سوية على هذه العين؟

فصعدت إذ ذاك زفرة من صدر لوسيا وقالت: كيف لا وأنا مع سروري بالسفر أشعر بأسف على فراقكن وفراق هذه العين المحبوبة؟ فجاوبها باقي الفتيات بزفرات حرَّى أيضًا، وقالت واحدة منهن: هل أنت سعيدة بالسفر يا ابنة عمتي؟ أجابت لوسيا: سعادتي لا مزيد عليها.

وكانت الفتاة الثانية رفيقة لوسيا متكئة على حَجَرٍ بعيدةً عن سائر الفتيات مقدار خمس أقدام، وهي مصغية إلى نقيق الضفادع وناظرة إلى الوادي أمامها، وكأنها غير موجودة إلا بالجسد بينهن؛ لأن فكرها كان بعيدًا ولم تفهم من كلامهنَّ كلمة حتى، ولم تشعر أنهن بجانبها ولم تنتبه إلا لِيَدٍ أُلْقِيَتْ على كتفها بلطف وصوت رقيق يكلمها قائلًا: وهل أنت مسرورة أيضًا يا بديعة؟

فبُغِتَتِ الفتاة من هذا الصوت ونظرت إلى صاحبته بلهفة قائلة: «مسرورة من ماذا؟!»

فقالت الفتاة ولم تلحظ تشتت أفكارها، إما لأنها لم تكن دخلت بعدُ هذا الطور، وإما لأنها غير ذات ذوق لطيف وذكاء غريب تقدر على قراءة أفكار الإنسان من منظره: مسرورة من سفرك إلى أمريكا؟

فتنهدت إذ ذاك بديعة وقالت: إن السرور يتأتى من الشيء الذي يفعله الإنسان برغبة وحب وليس باضطرار وضغط …

فأصاب سهم كلامها هذا كبِد لوسيا وقالت بنزق: ومن ذا الذي اضطرك إلى السفر ضد إرادتك يا بديعة؟!

فأجابت بديعة بصوتها الرزين مبتسمة: قولي «ما الذي» وليس «من الذي» يا عزيزتي؛ لأن اضطراري إلى السفر هو من الظروف الحاكمة.

– ليس للظروف شأن بسفرنا ولا لحكمها يدٌ به؛ لأن ذهابنا بملء إرادتنا وهو لأجل التقدم والربح والرجوع بغنائم الكسب كما رجع غيرنا.

– إذن إن الظروف هي التي تحملنا على تحمُّل مشاقِّ السفر والابتعاد عن أوطاننا وما فيها من الأحباء، فلو كانت والدتُك ووالدتي في قيد الحياة، أو لو كانت ظروفنا تساعدنا على المعيشة براحة وعزة نفس؛ لما كنا نُفضِّل التغرب على البقاء في الوطن الذي نحبه ونحب من فيه يا لوسيا.

– هذا ما أُسَلِّمُ معك به، ولكن هل أنت تعيسة لسفرك وهو السعادة بعينها؟

– ومن أين عرفت هذا؟

– إن هذا معروف من الدلائل الظاهرة؛ فإن إبدال شيء قبيح بآخر حسن مما يسرُّ لا يحزن.

– وهل إبدال أمريكا بوطننا المحبوب من هذا القبيل؟

– من وجهٍ ما نعم؛ لأن الناس يقولون بأن أمريكا هي أمُّ الحريَّة والإخاء والمساواة، وأيامنا هذه أيام «مال»، فهو الكل في الكل، ومتى تَوَفَّرَ للإنسان لا يعود يسأل عن الأصل أو الأدب أو الشرف؛ لأنه هو ينوب عن كل هذه الأشياء.

– ما أوسع جَنانك يا لوسيا وما أطلق لسانك! فإنك بالحقيقة خطيبة شهيرة، ولكن ليس هذا مقامك بين الجرار، فدعينا من هذا كله، وقولي من أين عرفتِ كل هذا عن أمريكا وأنت بعيدة عنها ألوف الأميال؟

فتحمَّست لوسيا وقالت بشيء من الغيط والتشبُّث في الرأي: هَلُمِّي بنا نرجع الآن، ومتى أقبلنا على القرية أريك بأن تَهَكُّمَكِ خطأ يا بديعة؛ إذ تقرئين فضل أمريكا على وطننا مكتوبًا بأحرف من نور على جدران كل منزل من منازلها.

فقامت البنات — إذ سمِعْن كلام لوسيا — إلى جرارهنَّ وحملنها وصعدن هذه المرة، وقد نابت أفكارُهنَّ عن ألسنتهنَّ فلم يثبن ولم يتكلمن كما في المرة الأولى؛ لأن مناكبهنَّ كانت مؤلمة تحت ثقل أحمالهنَّ، وهل يقدر الإنسان أن يجود بغير ماله؟! وكانت الفتيات بين معجَبة بكلام لوسيا، ومشتاقة إلى مرأى أمريكا، وهازئة بهذه «الفلسفة»، ومفضلة الاستملاء من العين في كل ليلة على ألف أمريكا. ومع أنهنَّ اختلفن رأيًا وفكرًا، فقد تساوينَ بخُلُوِّ الفكر والقلب مما يزعجهما، ولم يَكُنْ منهنَّ من تفتكر في أمر ذي بالٍ غير لوسيا بسرورها بالسفر إلى أمريكا وبديعة بما هو أعظم من هذا بكثير.

ولم تَنسَ بديعة قول لوسيا الأخير لها، فلما أَطَلَّتْ على القرية وظهرت منها الأنوار قالت للوسيا: يجب أن تقيمي بوعدك. فقالت لوسيا: هذا ما أفعله بسرور، فهل ترين تلك الأنوار المضاءة بهذه الدور الثلاث أكثر من الجميع؟ أجابت بديعة: نعم. قالت: إنك تعرفين هذه الدور لمن؟

– إنها لثلاثة إخوة، بنوها من سنوات، هذا كل ما أعرفه عنها.

– وأنا أُتمم لك ما بقي من تاريخها؛ فإن أبا هؤلاء الإخوة كان شريكًا عند أحد الأغنياء فتُوُفِّيَ مُخَلِّفًا ثلاثة صبيان وبنتًا وأرملة تعيسة، طُرِدَتْ بعد موته بأيام بدعوى أن أولادها صغار ولا تقدر على العناية «بالرزق» والقيام به، فلم يَكُنْ من ملجأ لها غير الخدمة ولا لأولادها غير التكفُّف، فاقتصدت من خدمتها وتكفف أولادها قيمة جواز السفر، فسافرت إلى أمريكا تاركة أولادها على أبواب الناس. ولم تمضِ عليها سنة حتى أرسلت ستين ليرة «لمعلمها» أو الرجل الذي كانت تشتغل في أرضه لكي يرسل إليها أولادها. فأرسلهم ومكثوا جميعًا عشر سنوات في أمريكا، ثم رجعوا وهم غير أولئك «الشحاذين»؛ لأنهم أَتَوْا بمالٍ كثير لم يعرف مبلغه، فتزوجوا بأحسن بنات البلدة، وأحدهم اقترن بابنة معلم وصار الناس ينادونهم «خواجات» بعدما كانوا أولئك «الشحاذين». وبَنَوْا هذه الدور الثلاث التي هي أجمل دور البلدة. فهل يا ترى كانت موجودة لولا أمريكا؟ وهل كان يتخطر أهلها بالملابس الفاخرة، ويجارون أعاظم الناس بالتمدن والتفرنج وكل شيء لولا أمريكا؟ أو هل كان أُضِيفَ إلى الطبقة العالية في هذه القرية ثلاث دور وثلاثة «وجهاء» لولا أمريكا؟ فهذه أمريكا «تعمل» الناس بمعمل المال والتمدن، فيصبحون شيئًا مذكورًا بعد أن يكونوا نسيًا منسيًّا.

ولما أنهت لوسيا كلامها الذي لفظته بحماسة زائدة صادق البنات كلهنَّ عليه، إلَّا واحدة منهنَّ قالت: تَحَيَّرْنَا من سرور لوسيا وسعادتها بالسفر، فهي تؤمِّل أن تذهب إلى أمريكا لترجع ظافرة بالمال الكثير وتتزوج أحسن عريس في البلد.

فأجابت لوسيا بقلة اكتراث: لا يا أختي، إن هذا ليس قصدي، بل إنني فتاة أحب التقدم المادي والأدبي، ولا أرى شيئًا صعبًا على الوصول إلى غايتي ومطلبي. إذ ذاك تكلمت بديعة فقالت: «ما أسهل القول قبل الفعل والعمل» يا لوسيا! فإن المستقبل لله، وما أدراك فَلَرُبَّمَا نلقى التعاسة عوضًا عن السعادة بسفرتنا هذه؛ لأنه قد قيل:

ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

– إن كلامك غير مقبول عندي يا بديعة؛ لأن السعادة بأمريكا أمر مقرَّر لوجود المال بكثرة، وأما بيت المتنبي فلا أعتبره كثيرًا؛ لأنه على رأي أحدهم قد نظمه في أيام كانت الريح تُقَدِّمُ وتُؤَخِّرُ؛ إذ كانت المراكب شراعية، وأما في أيامنا هذه فهي بخارية.

– إذا كنت تحسبين يا أختي أن السعادة بالمال وحده، فَأَمَلِي وَطِيدٌ بأنك إن اجتهدت تكونين سعيدة. وأما أنا فإني أعتقد بصوابية بيت المتنبي لا فُضَّ فوه؛ إذ إنني لا أحسب السعادة بالمال حتى ولا هي بشيء آخر معلوم، بل هي بما يسرُّ الإنسان. وقد تكون السعادة في الفقر أحيانًا. ثم تنهدت وهي تعرف ما تجهله لوسيا عن السعادة. ثم نظرت إلى لوسيا ضاحكة وقالت: أظن أن رفيقاتنا ضَجِرْنَ من حديثنا حتى ابتعدنَ عنا.

وهكذا كان لأن الفتيات ابتعدن عنهن وأخذن يغنين بأصوات رخيمة يحملها نسيم تلك الليلة إلى حيث يشاركهن فيها الملائكة، ولما وصلن إلى «باب القرية» ذهبت كل واحدة منهنَّ إلى بيتها. وفي ثاني يوم اجتمعن ثانية في بيت لوسيا يودِّعنها ويودعن بديعة بعيون دامعات تقابلها عيون الفتاتين المُحْمَرَّةُ من البكاء أيضًا، وكانت لوسيا تُطمئن قلوب البنات قائلة: لا تبكين يا عزيزاتي؛ فإننا نجتمع بعد سنتين إذا أراد الله. وهذه أفكار كل مهاجر يترك وطنه، ولكن هيهات أن تتمَّ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤