تمهيد

العلم الزائف ليس شيئًا حقيقيًّا. فهو مصطلح سلبي تُوصم به معتقدات شخص آخر، ولا يصِف اعتقادًا يؤمن المرء به بشدة. والأشخاص الذين يعتنقون أفكارًا غير تقليدية لا يرَون أنفسهم أبدًا «علماء زائفين»، بل يرَون أنهم يتَّبعون الاعتقاد العلمي الصحيح، حتى وإن لم يكن سائدًا. من هذا المنطلق، لا يوجد شيء يُسمَّى العلم الزائف، بل توجد فقط خلافات حول حقيقة العلم الصحيح. وهذه الظاهرة شائعة. فلا أحد يعتقد أنه «مهرطق»، على سبيل المثال، أو أنه فنان يُنتج «فنًّا سيئًا». وهؤلاء يرَون أن تلك مجرد اتهامات يُلقيهم بها خصومهم.

ولكن العلم الزائف شيء حقيقي أيضًا. يتكرر استعمال مصطلح الإساءة بشكلٍ ملحوظ، بل يُطلَق أحيانًا على أفكار تشكِّل جوهر التيار العلمي السائد، وهذه الأوصاف لها تبعات لا يُستهان بها. فإذا ما اكتسب نهجٌ معينٌ سمعةَ «العلم الزائف»، فمن الصعب للغاية أن يتخلص من هذه السمعة. وينتج عن ذلك الكثير من الازدراء وانعدام المصداقية (أو التمويل)، ما يجعل التحقُّق من نظريات المرء أمرًا محالًا. ومن ثَم، فإن «العلم الزائف» يشبه كثيرًا «الهرطقة»: إذا ما وُصمتَ بها، فسوف تتعرض للاضطهاد.

لطالما كان الفصل في هذه الأنواع من المجادلات منوطًا بالفلسفة. فبالنسبة إلى الدين، نستخدم علم اللاهوت للتفرقة بين المعتقدات الصحيحة والخاطئة (رغم أن هذا لا يعني اتفاق الناس جميعهم على الطريقة الصحيحة للتفكر اللاهوتي). وبالنسبة إلى الفن، ثمة فلسفة الجمال، والاختلاف كبير في هذا السياق أيضًا. وبالنسبة إلى المعرفة العلمية، فإن المجال الفلسفي ذا الصلة هو الأبستمولوجيا، أو فلسفة المعرفة. تصطدم الأبستمولوجيا بعوائق مماثِلة عندما يتعلق الأمر بالفصل بين العلم والعلم الزائف. يتناول هذا الكتاب هذه المشكلات، ويقدم بعض الطرق البديلة غير الفلسفية للتفكير في حلولٍ لها. سيكون النهج الرئيسي الذي نتبعه تاريخيًّا: تناوُل المجادلات التي دارت على مدى القرون العديدة الماضية حول ما يعنيه العلم الزائف، بغية فَهم ما يمكن أن تكشفه تلك المناقشات حول حدود المعرفة المقبولة عن طبيعة المسعى العلمي ككل.

يركز هذا الكتاب على المجادلات الخاصة بالعلوم الطبيعية، لا تلك الخاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. لن يظهر الطب إلا نادرًا، وفي تلك الحالات ينصبُّ التركيز على تداخل المعرفة الطبية مع ممارسات البحث العلمي. من الصعب استبعاد ظواهر كالطب البديل استبعادًا تامًّا، إلا أن التمييز يظل ذا دلالة مفاهيمية مهمة. تشبه معضلة «الدجل» في الطب معضلة «العلم الزائف»، ولكن في بعض الأحيان، قد تحسن العلاجات «الزائفة» من حالة المريض. توفر فاعلية العلاج معيارًا غير معرفي في مجال الطب لا يمكن تطبيقه في مجال العلوم. إن التعامل مع العلم الزائف بصورة منفصلة يساعدنا في التركيز على مشكلة ما يُمثل «الحقيقة». تتناول بعض المزاعم الطبية هذا الأمر بصورة مباشرة، بينما لا تفعل الكثير من المزاعم الأخرى المثل.

إن استيعاب كيفية عمل العلوم الزائفة أمرٌ على جانبٍ كبير من الأهمية. إن مشكلة المعرفة الاعتمادية مشكلة عامة للغاية، وهي تتراوح بين العلاجات الطبية و«الأخبار الكاذبة»، والشائعات التي تنتشر في دائرة أصدقائك. من شأن تناوُل المعتقدات التي وُصمَت بأنها «علوم زائفة» — مثل نظرية الخلق، أو الأبحاث الروحانية، أو علم الأجسام الطائرة المجهولة، أو علم تحسين النسل النازي، أو الاندماج النووي البارد — أن يبرز هذه المعضلات بوضوح. إن ما ستقرؤه في هذه الصفحات قد يُثبت قابليته للتطبيق على نطاقٍ واسع، حتى إن لم تكن تهتم بذي القدم الكبيرة (بيج فوت).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥