الفصل الثالث

المشهد الأول

(المنظر: نفس المنظر — الجربولي يفتح القهوة … يوقظ عطوة.)

جربولي : قم يا واد انت يا واد رش قدَّام القهوة وولَّع النار وانا هغمِّي عنيه شوية.
عطوة (ينهض بتكاسل) : حاضر.

(يتمدد جربولي على الدكة ويغطي جسده بالملاية بينما ينهمك عطوة في العمل … يدخل توكُّل لابسًا ملابس قديمة، وقميصًا متسخًا — خلال دخوله يصيبه رذاذ من رش عطوة.)

توكُّل : ماتحاسب جتك الغم، الا انتوا إيه؟ هتفضلوا حمير طول عمركوا؟!
عطوة : أهلًا سي توكل أفندي … متأخذنيش.

(يتوجه توكل ناحية الدكة ليجلس.)

عطوة : حاسب يا سعادة البيه دا المعلم نايم.
توكُّل (ينزع الملاية بعصبية فيفاجأ بجربولي نايم على ظهره واضعًا رجلًا على رجل) : قوم جتك الغم (يصفعه)
جربولي : الله، إيه يا توكل أفندي؟ وبتضرب ليه؟!

(توكُّل يجلس ويضع رجلًا على رجل وينظر لجربولي باشمئزاز شديد جدًّا.)

توكُّل : معشوق أفندي ماجاش يا ولد؟

(جربولي ينظر إليه صامتًا.)

توكُّل : إنت يا لوح! … يا بجم!
جربولي (باستعلاء) : بتقوللي … أنا؟
توكُّل : أُمال بقول للحيطة؟
جربولي : آه أنا مش ولد، أنا المعلم.
توكُّل : معلم؟ طيب معشوق جه يا … معلم؟
جربولي : لأ … معشوق ماجاش، ولا عزوز، ولا الواد زينهم، ولا الواد جبر جه، ولا البت فواكه، كلتهم سافروا زي مايكون انقطع خبرهم.
توكُّل : عجايب — ولا حد فيهم بعت جواب؟
جربولي : زينهم كان قال لي هبعتلك عقد عمل من بين النهدين ولا بعت ولا حاجة.
توكُّل : إنت يعني بتتكلم بثقة زايدة قوي يا ولد، إنت بقيت شريك في القهوة؟
جربولي : لأ، خالة نبوية مسِّكتها لي، وأنا جبت واد جرسوم، والشغل عال، والحال كويس وحياتك.
توكُّل : عفارم عليك يا واد يا جربولي.
جربولي : أمال، إنت فاهم ايه يا توكل أفندي؟ واللي خلقك، أنا ماكان ناقصني غير فرصة. أَديني قدامك أهه (يورِّيه الصندل والشراب) آخر معلَمة — واللي خلقك — وتعرف لو أمسك فرصة كبيرة شوية — واللي خلقك — أشتري الشارع ده. (يسير إلى ناحيته) يا توكل أفندي أهو المعلم كان قد الحيطة لكن مخ مفيش، زي الطور.
توكُّل : جته داهية مطرح ما راح … عندك حاجة مقفولة يا ولد أشربها؟
عطوة : أيوه بس دي عايزة فلوس مقدم.
توكُّل : هو أنا شحات زيك أشيل فلوس؟! أكتب لك شيك لو عاوز.
جربولي : ولا شيك ولا حاجة يا توكل أفندي، دا انت ضيفنا النهاردة، هات ساقع لتوكل أفندي يا ولد وشيشة المعلم.
جربولي : إنت باين عليك زي ما تكون يعني من غير مؤاخذة تعبان.
توكُّل : فعلًا … الصحة مش عال اليومين دول يا جربولي. (يحضر الجرسون المطلوب والحاجة الساقعة يتناولها توكل ويشربها دفعة واحدة) … يا سلام دا العطش كافر.
جربولي : ليه، هو الهوا بتاع الزمالك بيعيي الناس والَّا إيه؟

(عطوة يحضر شيشة لجربولي، ويضع عليها النار بالقرب من توكل — ينفخ في النار فتطير شرارة في اتجاه توكل.)

توكُّل : ما تحاسب يا بهيم!
عطوة : ماتخافش يا توكل أفندي! النار متحرقش مؤمن.
توكُّل : لا بتحرق يا بجم!
عطوة : أستغفر الله العظيم … إحنا هنكفر يا توكل أفندي؟
توكُّل (ينفض نفسه) : طيب غور في داهية، جتك البله.
جربولي (يشرب الشيشة) : طيب بذمتك أيام ماكنت ساكن في الحتة هنا أحسن والَّا أيام الزمالك؟
توكُّل : بيني وبينك يا معلم جربولي! أنا غرقان لشوشتي وكاتم همي في قلبي وساكت، من نهار ما رحت الزمالك والمَقت نازل على دماغي مش عارف ألاقيها منين والَّا منين.
جربولي : إنت مش عملت المرشيدس تاكسي؟
توكُّل : أيوه عملتها تاكسي، مافاتش وحياتك خمسة أيام إلَّا وصادمت في عربية نقل في طريق اسكندرية، شلتها خردة … بِعتها في وكالة البلح.
جربولي : طيب انت مش كنت راجع بين النهدين تاني؟
توكُّل : أيوه كان فيه فكرة، لكن الله يجازي ولاد الحرام، كنت واخد وعد من سعادة وزير المعارف في مملكة بين النهدين، ولما جه مصر هنا نزل عندي في الشقة، قعد شهر بحاله وحياتك، استلفت في الشهر دا ييجي ألف جنيه.
جربولي : يعني أكرمته؟
توكُّل : قوي، قاعد عندي واكل، شارب، نايم، مستحمي، وآخر المتمة خد بعضه ومشي، والمصيبة إن سمرة اختفت من نهار ما مشي، تبقى كارثة لو كان فرمها تروماي.
جربولي : يا راجل بِعد الشر، بكرة تظهر إن شاء الله.
توكُّل : وبيني وبينك حكاية سمرة خلاص، كمان كسرت وسطي، واديني ساعات استلف، وساعات ابيع، لكن خلاص، أبيع إيه تاني؟ خلصت كل حاجة حتى البِدَل، لو حِكمت عرفت يمكن تسيب البيت وتهج.
عطوة : ريحة شياط.
توكُّل : أيوه والله فيه ريحة شياط، صحيح فين يا ولد؟
جربولي : الحق يا توكُّل أفندي! جاكتتك. طفِّي يا ولد.
توكُّل : يا خبر اسود … الجاكتة، أقسم بديني ما أنا عاتقك النهاردة الَّا على السجن … الجاكتة اللي حيلتي يعلم الله … يخرب بيتك يا عطوة! كمان الجاكتة اللي حيلتنا … الواحد يمشي ازاي قدام الناس ياخواتي؟
جربولي : ولا يهمك … هات أما اديها لخالتي أم إمام تخيطهالك. (دخول جبر)
توكُّل : أم إمام إيه؟ ونيلة إيه؟ دي عاوزة واحد رفَّا، ويا عالم هتنفع والَّا ما تنفعش.
جربولي : عندكش جاكتة تاني تلبسها مؤقتًا كده لحد دي ما تخلص؟
توكُّل : بقولك ماعنديش، إنت إيه مابتفهمش؟ هو أنا لو عندي جاكتة تانية كنت هوبت ناحية هنا؟ دنا كنت جاي فاهم أن معشوق أفندي رجع، قلت استلف منه قرشين الواحد يغطي نفسه لحد ما تُفرج. (ينهض) لكن بينُّه راخر مات هناك، أعمل ايه بس يا رب؟! الواحد بيفكر يرمي نفسه في البحر.
جربولي : يا راجل قول: لا إله إلا الله، دا ربك كبير قوي … والله العظيم بكره لتُفرج.
توكُّل : آدي احنا قاعدين نقول: بكره بكره، يظهر ان بكره دا مش هييجي أبدًا … ولد يا جبر!
عطوة : أسطى جبر؟!
جربولي : ياخي الخالق الناطق الواد جبر بتاع الكنك … يخلق من الشبه ٤٤.
جبر : إنتو لسه مرنَّخين مطْرَحكم؟ عالم وش فقر .
جربولي : الله؟ جبر؟!
جبر : جي جي يا ولد!
جربولي : جي جي، جي جي، دا اسم كلب.

(يضحك الجربولي ويخرج عطوة من القهوة يضحك هو الآخر — ينظر إليهما جبر ويتأملهما باحتقار، توكل بدهشة.)

جبر : بتضحك، جتك نيلة دا انت عامل زي ترماي السبتية.
توكُّل : إزيك ياسي جبر .
جبر : الله يسلمك يا توكل أفندي!
جربولي : لكن ايه العز دا كله يا عم جي جي أفندي؟
عطوة : الفن خلاه عضمة ناشفة.
جبر (يلزقه) : عضم إيه يا شغت؟! أنا باشتغل مخرج، هاخش إن شاء الله قريب فيلم إنتاج مشترك بالألوان مع تركيا.
جربولي : الله، البت تركية بتاعة الفول؟!
جبر : أيوه بتاعة الفول يابن الهبلة!

(يضرب إيده في جيبه — يخرج نقودًا كثيرة — يقع منه ربع جنيه ع الأرض — يشاور لعطوة.)

هات الفلوس دي يا ولد — هاتها يابن الفقيرة.

(ينحني عطوة يأتي بالفلوس ويعطيها لجبر.)

جبر : خليها لك يابن الصايعة.
عطوة (فرحًا) : ربنا يخليك يا جبر بيه!
جبر : جي جي، يابن الجاهلة، لهفت الربع جنيه.
عطوة : ربنا يخليك يا سي جبر بك!
جبر : اضرب تعظيم سلام لي يابن الفقيرة. اتعلم اللحلحة.

(يفتح جبر المجلة التي معه.)

آخر عدد من مجلة النجمة، شايف صوري على الغلاف يا أهبل!
جربولي : يدقق في الصور المنشورة.
لازم عملت حادثة هناك.
جبر : عملت فيلم يابن السكة!
توكُّل : إياك تكون حققت النجاح المرجو يا أستاذ جبر!
جبر : آخر فيلم يا توكل أفندي كان قنبلة، رجل وتلت أمرات.
توكُّل : يا سلام، دا فيلم هادف!
جبر : إنت شفته؟
توكُّل : لأ، لكن الكتاب يُعرف من عنوانه يا أستاذ جبر.
جربولي : من حق، البت فواكه فين؟
جبر : ما تفكرنيش.
جربولي : لسه بتبيع ورق برضه؟
جبر : أيوه بتبيع ورق، ورق أخضر .
جربولي : ليه؟ لقت كنز؟
جبر : الخواجة بيضون أكبر تاجر في سوق سرسق شافها انهبل، قال إيه؟ شبه المرحومة أمه.
توكُّل : يا سلام ناس عندها وفاء!
جبر : واللي خلقك بنالها فيلة ع البحر ولحد الوقت عملها عشر تفلام.
جربولي : وعنوانها إيه ياسي جي جي أفندي؟
جبر : ليه هتبعتلها جوابات غرام؟!
جربولي : أبعتلها يا أخي، مين عارف، يمكن نفسها تهفَّها عليَّ وتبعتلي، ولو الخواجة شافني مِيه في المية هطلع أنا راخر شبه أمه.
جبر : يا شيخ اتلقَّح، دنا على رأي المثل، إللي نضفتها وخدتها وسهرتها مع الخواجة بيضون … ما عبرتنيش.
توكُّل : حِكم! شوف الخواجة طلع عنده وفاء، لما لقاها شبه أمه، عمل الواجب، لكن هي طلعت قليلة الأصل، صحيح ناس معندهمش أصل.
جبر : لكن مين؟ أنا هذلها، أنا بَدوَّر على نجمة جديدة علشان تقوم بالبطولة في الفيلم المشترك، ولازم اخلي الخواجة بيضون يشوفها … وشرفي لاخليه يرمي البت فواكه في الشارع، مِن حق سمرة بنتك فين؟
توكُّل : والله البنت طفشت يا أستاذ جبر!
جبر : وطفشت ليه لا سمح الله؟
توكُّل : والله بيني وبينك، الحال مش ولا بد يا أستاذ جبر! والبنت خادت على مستوى معين وخايف لتكون عملت في نفسها حاجة.
جبر : ولازم نجيبها من تحت الأرض، البت طيبة وأمها داعيالها … هي بطلة الفيلم الجديد ويبقى حظها من السما لو الخواجة بيضون شافها، هيخر زي الرطل.
توكُّل : معاك عربية؟
جبر : وعربيتك فين؟
توكُّل : عربيتي في وكالة البلح.
جبر : إن كان ع العربية، عربيتي الخنزيرة تحت أمرك.
توكُّل : تبقى اتحلت المشكلة، هي لها كام بنت من اصحابها في مصر الجديدة، يمكن تكون راحت عند واحدة فيهم.
جبر : مصر الجديدة، مصر القديمة وراها، إن شا الله تكون في الهند لازم نجيبها.
توكُّل : ربنا يكرمنا ونِعتَر فيها، لكن قوللي، إنتوا مش هتدفعوا عربون الأول؟
جبر : عربون ايه؟ وبتاع ايه؟
توكُّل : يعني حسبة ميتين تلتميت جنيه كده.
جبر : هي دي حاجة عاوزة عرابين، هو أول مايشوفها هيخر زي الرطل.
توكُّل : أيوه … بس ماهي مسألة يشوفها دي.
جبر : إيه … عيب؟
توكُّل : لا، لا عيب ولا حاجة، بس يعني دي محتاجة مصاريف.
جبر : يا راجل قول: يا باسط، واللي خلق الخلق لو الخواجة بيضون شافها وحصل المراد، هتاكل دهب.
جربولي : مبارك يا توكل أفندي، بنتك حلوة (لجبر) وانت كمان يا عم هنيالك والبنت تستاهل والله العظيم، ولا إيه؟ لابسة فوق الركبة.
توكُّل : طيب يللا يا أستاذ جبر … سلامو عليكو يا ولد يا جربولي … الخنزيرة فين؟
جربولي : مع السلامة يا توكل أفندي! (يهمس في أذنه) إذا ربك سهلها ما تنساش المعلم جربولي.

(ينصرف الاثنان — ينظر إليهما جربولي.)

جربولي (يصيح) : اعوجها، اعوجها يا متجلي، العالم كله خد ع الكندشة … البت فواكه راحت بلاد بره وقعت ع الخواجة كندشها (يضحك) وعمك توكُّل أفندي أسرته راحوا بين النهدين انكندشوا (يضحك) والواد جبر، جي جي (يضحك) اتكندش، والمعلم راخر تلاقيه اتكندش في بلاد بره، مافاضلش الَّا أنا، يا سلام يا جدعان لو اتكندش؟! (يدخل معشوق)
عطوة : مين؟ معشوق أفندي؟! ابن حلال، ألف حمد الله على السلامة.
جربولي : أهلًا يا عم معشوق أفندي، أُمال المعلم فين؟
معشوق : هو لسه ماخرجش يا ولَه؟
جربولي : ماخرجش؟ فيه إيه؟
معشوق : إنت مش هتبطل لوع يا واد انت يا واد!
جربولي : هو مش كان معاك في لندن؟
معشوق : شوف الحمار، هو اللي زي ده ينفع يروح لندن يا ولَه؟
جربولي : أُمال كان فين؟
معشوق : لهنتوا متعرفوش؟
عطوة : هو مش سافر معاك يا معشوق أفندي؟!
جربولي : ما تنطق … راجل يا معشوق أفندي.
معشوق : يا جماعة انتوا حتحلفوني ليه … يعني انتو عاوزين تفهموني إن عزوز مش هنا؟
جربولي : ودِّيت المعلم فين يا معشوق أفندي؟ … واد يا عطوة!
عطوة : نعم يا معلمي.
جربولي : تعالى يا واد امسك معايا (يمسك) فين المعلم؟
عطوة : طيب يا معلم.
عطوة : قِب بالمعلم.
جربولي : فين المعلم؟

(نبوية تنظر من البلكونة.)

نبوية : إيه يا واد يا جربولي الحكاية؟ … إيه الظيطة دي؟
جربولي : دا سي معشوق أفندي رجع من لندن والمعلم عزوز مش معاه.
نبوية : معشوق؟! … نهاره أزرق زي النيلة.
جربولي : إِر قبل المعلمة متيجي.
عطوة : قب بالمعلم.
جربولي : فين المعلم؟
معشوق : ياخونا والله ماجه معايا.

(تظهر نبوية هاجمة على معشوق.)

نبوية : إنت جيت يا وش الفقر؟! … محدش خرب بيتي الَّا انت.
معشوق : والله ما كان قصدي يا ست نبوية، إلَّلي حصل حصل غصب عني.
نبوية : بقى انت تجرجر الراجل وراك … وتخرب بيتي … وتقوللي مكنش قصدك.
معشوق : أنا حاولت أفهمه بالزوق مافيش فايدة … بالتراضي مفيش فايدة … سبته في اللوكاندة وهربت.
توكُّل : يعني المعلم عزوز مرحش لندن؟
معشوق : هو ده بتاع لندن … دول خدوه من الدار للنار … وحكموا عليه بست أشهر.
نبوية : ست أشهر … عزوز دخل السجن؟!
معشوق : هو انتوا متعرفوش؟
نبوية : يا حبيبي يا عزوز! … يا ترى عامل ايه في السجن يا عزوز؟! ست اشهر يا ضنايا وانت في السجن … وانا فاهمه انك في بلاد بره، إلهي ينشك في دراعه اللي رماك في وسط الحرامية … تخش انت السجن يا سيد الرجالة؟
جربولي : طب مقلتلناش ليه؟ على الأقل كنا بعتنا له علبة سجاير والَّا حتة حلاوة.
معشوق : هو أنا عرفت الا بعد ما رجعت … أصل الصول بتاع بوابة الجمرك كشف الحكاية … وهو عارف المعلم عزوز وشافه معايا قبل كده كذا مرة … كتر خيره الراجل عمل الواجب وهو في السجن.
نبوية : وبعد كده ليك عين تورينا وشك؟ خربت بيتنا الله يخرب بيتك.
معشوق : وانا بس ذنبي إيه يا ست نبوية؟
نبوية : ذنبك ايه؟ مش انت اللي قعدت تزن على ودانه؟
معشوق : أنا؟
نبوية : مش انت اللي قعدت تقر ومليت دماغه؟
معشوق : أنا؟
نبوية : مش انت اللي قلتله: بلاد بره فيها وفيها؟
معشوق : أنا؟
نبوية : مش انت اللي عملت البحر طحينة؟
معشوق : أنا؟
نبوية : أُمال انا؟
معشوق (بعد أن تضربه نبوية.) : أي أي … الحقني يا جربولي.
جربولي : سيبيه بقى يا خالة نبوية … ملوش لزمة … أحسن ده لصموه في لندن … أحسن روحه تطلع في إيدك يودونا في داهية.
معشوق : أنا يا جربولي؟
نبوية : أيوه انت … ولازم اشرب من دمك الليلادي.
جربولي : ملوش لازمة يا خالة نبوية! … هو يعني المعلم عزوز جراله إيه يعني؟ بكره ييجي … ثم يعني محدش عارف … عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم … يمكن ربنا عمل فيه كده علشان يتأدب، مهو كان مفتري راخر.
نبوية : اخرس قطْع لسانك … دا عزوز راجل ولا كل الرجالة … هي الحتة ليها حس من غيره؟ وهو كان فيه راجل في الحتة يملي عينه؟ يا ترى انت فين يا عزوز؟! … يا ترى عامل ايه يا حبة عيني؟! … يا ترى جعان والا عطشان والا عيان؟! … يا ترى مين بيغطيك ياخويا؟! … يا ترى في أنهو سجن؟ يا حبيبي يا عزوز!
معشوق : في سجن الحضرة يا ست نبوية في اسكندرية.
نبوية : ياحبة عيني يا عزوز! (تحاول الخروج) … هاروحله.
جربولي : حتروحي له فين … دا خرج من زمان … معشوق أفندي بيقول حكموا عليه بست أشهر ودلوقت فات اكتر من سنة لو صبرنا شوية حنلاقيه طَب علينا.
نبوية : لا، إنت اصلك متعرفش عزوز … عزوز لو دخل السجن يوم واحد مش طالع في حياته … عزوز ميقبلش الإهانة ابدًا، لو واحد مس إحساساته حيطلع روحه في إيده … عزوز عمره ما هو طالع من السجن ياخواتي، أروح لمين ياخواتي؟ … أروح لمين؟ (تخرج)
جبر : لا حول ولا قوة الا بالله . أنا عارف ايه اللي خلاك تجرجره وراك يا معشوق أفندي .
معشوق : أنا؟ … يا عالم قولوا كلمة الحق مرة … مش كان قدامك يا توكل أفندي؟
توكُّل : أنا؟ أنا مليش دعوة بالحكاية دي خالص … ياللا بينا يا أستاذ جبر ملناش قعاد هنا بعد كده.
جبر : يا للا يا توكل أفندي.

(يظهر زينهم أعلى المسرح … ويظهر صوته قبل الدخول.)

زينهم : خدي بالك يابت يا طماطم من الحاجات لغاية منشوف حنصَّرفها ازاي … واذا شفتي الواد جبر خليه يستناني لغاية ماجي هو اللي حيعرف يصرفها زي الجن … كنك … كنت … بت يا طماطم! … اضربي العيال اللي بيلعبوا ع العربية المرشيدس، خدي بالك لحد ملاقي حد يشتغل عليها … إف إيه الحر ده؟! … ولد يا جرسوم! … إف إيه القهوة ويا القرف ده!
معشوق : واد يا زينهم!
زينهم : مين؟ ازيك يا معشوق أفندي!
معشوق : وعامل في نفسك كده ليه يابني؟
جبر : مش جي من بين النهدين!
توكُّل : إياك تكون حوشتلك قرشين كوسين يا أستاذ زينهم.
زينهم : والله مخبيش عليك يا توكل أفندي … قبضنا قرشين مش بطالين.
جربولي : لكن ليه ده كله يا واد يا زينهم؟
زينهم : المكسب حلو يا جربولي.
جربولي : إنت مش قلت لي حتبعتلي عقد عمل؟
زينهم : أبعتلك انت يا مقشف؟ طب دا أقل راجل يسافر هناك لازم يكون عنده بكابورتوس من الجامعة.
جربولي : طب منت رحت ياخويا … كان عندك برضه البكابورتوس ده؟
زينهم : يا واد انا خِبرا … ماتقول ﻟﻪ والنبي يا معشوق أفندي.
معشوق : أنا؟
زينهم : إنت مش روحت بره وشفت كل حاجة وعارف كل حاجة.
معشوق : والله بيني وبينك يا زينهم! دي كانت سفرية مهببة على دماغي … ولا كان ليها أي طعم … واللي زاد وعاد حكاية عزوز.
زينهم : ماله عزوز؟ … هو فين من حق؟
جربولي : مش سافر يا واد مع معشوق أفندي لندن؟
زينهم : عزوز راح لندن؟
توكُّل : لا … راح أُوردن.
زينهم : إيه ده؟ بلد تانية ده؟
جربولي : لأ … راح أراميدان.
زينهم : يا نهار اسود … دخل السجن؟ دا لازم اتخانق مع حد … حَكم وش نصايب.
جبر : ولا اتخانق ولا اتعارك … عمك معشوق جرجره وراه لحد المينا … مسكوه ع المركب ودوه السجن.
معشوق : أنا؟ … أنا برضه اللي جرجرته يا جبر؟ … يا عالم قولوا كلمة الحق مرة!
زينهم : لا حول ولا قوة إلا بالله … بقى المعلم عزوز راح السجن؟! دنا جايبله الدوا بتاعه
معشوق : جبت علب كتير يا واد يا زينهم؟
زينهم : لا والله ماجبت غير للمعلم … إنما معايا حاجات كتير أوي لو جبر جدع يسوَّق لنا الحاجات دي.
جبر : أنا سبت المهنة دي يا واد … دلوقت باشتغل في السيمة.
زينهم : إيه؟ … بتقعد مع الناس.
جبر : أقعد مين يا بأف؟ … أنا باشتغل مخرج.
جربولي : ومشارك البت تركية بتاعت الفول.
زينهم : طب وانا هبيع الحاجات دي ازاي؟ دنا جايب معايا حاجات بألوف.
توكُّل : المهم توعَى لنفسك بقى يا أستاذ زينهم.
زينهم : أنا في دماغي مشروع حعمله … حشتري كام عربية مرشيدس واعملهم تكس … واقعد أنا ع القهوة … العب طولة … واقبض والعب … أقبض والعب.
توكُّل : سيبك من حكاية المرشيدس دي … إنت تشتري حاجة تانية أحسن، فيه عمارة في الزمالك بيبوعوها دلوقت، لو معاك قرشين كويسين خدها واتوكل على الله.
زينهم : بس حدفع كل اللي معايا وبعدين … أنا لسه عاوز اتجوز.
توكُّل : وماله … ربنا يرزقك ببنت الحلال وتتجوز.
زينهم : هيه فين بس بنت الحلال دي اللي حترضى بينا؟
توكُّل : موجودة متعتلش هم.
زينهم : إزي بسلامتها ست سمرة.
توكُّل : عال، الحمد الله.
زينهم : ياسلام يا عم توكل لو ربنا يكرمني واتجوز سمرة!
توكُّل : متِعتلش هم … اتجدعن انت بس وسمرة خدامتك … المهم اشتري العمارة اللي في الزمالك.
جبر : يللا بينا يا توكل أفندي.
زينهم : يللا على فين؟ إحنا لسه اتكلمنا.
جبر : حنتكلم في إيه يا مقشف انت؟
زينهم : مقشف … أنا مقشف يا جبر … واللي خلق الخلق أنا معايا فلوس انجليزي.
جبر : ولما تكون معاك فلوس استرليني كمان … آل على رأي المثل … الفلاح فلاح حتى لو أكلوه تفاح.
زينهم : الله يرحم الشنطة ياسي جبر … والسجاير الكنك (مقلدًا) كنك … كنك معايا السجاير الكنك.
جبر : وإيه يعني … أنا راجل حصامي.
جربولي : مظبوط يا واد يا جبر … إنت راجل حصاوي صحيح.
زينهم : قلت إيه يا توكل أفندي؟
توكُّل : أنا تحت أمرك يا أستاذ زينهم … بس انت عارف الجواز يحتاج مصاريف.
جبر : إيه الحكاية يا توكل افندي؟ إنت اتخبطت في مخك والا إيه؟ … مشروع فيلم مشترك مع تركية حتبوظهولنا … بنتك سمرة هتبقى نجمة اسمها حينكتب ماشيط ع الحيطان … صورتها حتبقى ع الغلاف في كل المجلات … حسابها في البنك حيبقى بالألوفات … كل ده حترميه تحت رجليك … وتجوزها للصايع ده … أنا مستعد اديك شيك بميت ألف ليرة على بنك إنترا … والَّا إيه رأيك يا معشوق أفندي؟
معشوق : أنا؟
زينهم : أيوه انت.
معشوق : أنا مليش دعوة، أنا قايم.
جربولي : وحتروح فين ما انت قاعد معانا؟
معشوق : الست مستنياني في البيت يا ولد.
جربولي : ست؟ إنت اتجوزت تاني؟
معشوق : أيوه يا ولد … بس ست إيه! … ليدي معشوق … خواجاية من لندن.
جربولي : إنت قادر تمشي … إنت كنت رايح تتعالج والَّا تتجوز؟
معشوق : ماهو ده العلاج الطبيعي يا ولد! … واحدة ست إيه! … ممرضة تلاقيها طباخة تلاقيها … حبيبة تلاقيها … شغل بره يا وله (وهو ينهض) آه يا رُكبي … لو بس مكَنتش ركبي بتطقطق عليَّ … كان الواحد مزاجه راق قوي … داهية تلعن أبو الرطوبة.
زينهم : طب عليَّ الطلاق بالتلاتة مانا رايح معاه.
جبر : طلاق مين؟ ومن مين يا اقرع انت؟
زينهم : من سمرة.
توكُّل : لا … لا … … لا … ميصحش تجيب سيرة سمرة على لسانك.
زينهم : ليه؟ بقت مراتي شرعًا … مش اتفقنا … هو الجواز إيه؟ الجواز بالنيات.
جبر : الشيك اهه يللا بينا.
زينهم : يللا بينا على فين؟ إنت فاهمني خواجة (يرمي البرنيطة التي يرتديها على الأرض ويمسك بخناق جبر وتوكل).
جربولي (صارخًا) : لا … إنت وهو بقى … تقعد بأدبك تقعد، إلِّلي ميحفظش أدبه مش هيحصله كويس.
جبر : يللا يا توكل أفندي … تاكسي.
زينهم : يللا على فين؟ … منتش منقول يا توكل أفندي. (ممسكًا به)
توكُّل : لا لا متمسكش البدلة بتعتي يا زينهم … كله كوم والبدلة كوم … هو إيه اللي جرى؟
جبر (ممسكًا بتوكل) : يللا يا توكل أفندي.
زينهم : مابلاش يا توكل أفندي … إنته فاكرني إيه؟ … كرودية … طب قَسمًا بالله تلاتة (يظهر عزوز).
جبر (حقا زينهم) : طب قسمًا على قسمك.
عزوز : جود مورننج.
جربولي : المعلم عزوز … حمد لله على سلامتك يا معلم!
عزوز : أهلًا يا واد يا جربولي إزيك؟
جبر : مبروك يا معلم!
عزوز : الله يبارك فيك يا واد يا جبر.
زينهم : ألف نهار ابيض يا معلم.
عزوز : أهلًا، إزيك يا واد يا زينهم. إنت رجعت إمتى من بين النهدين؟
زينهم : النهاردة يا معلم.
عزوز : والله بقيت نِفسي اجيلك بس ماكانش فيه فرصة.
توكُّل : إزيك يا أستاذ معلم.
عزوز : أهلًا، إزيك يا توكل افندي، إنت رجعت الحتة والَّا إيه؟
توكُّل : أنا في الزمالك.
عزوز : ياسلام … أما الحتة وحشتني بشكل! … كُل مُسافر هيَعود يومًا إذا انكتبتله السلامة والغيابة.
توكُّل : إذا انكتب له السلامة والإيابا.
والإيابا يا معلم مش الغيابة.
جربولي : موجود كل حاجة … والكبس والغبارة.
عزوز : غبارة إيه يا حمارة؟! بقولك الغبابة. يعني الواحد لما يكون مسافر ويرجع يبقى يعني يرجع بس بالنحوي.
توكُّل : بقولك: الإيابا يا معلم مش الغيابا!
عزوز : يوه، ماحدش اتكلم الا انت، فيه إيابا وفيه غيابا، مفيش غير النحوي اللي تعرفه انت؟ فيه نحوي تاني.
توكُّل : إنت لازم اتعلمت النحوي في الحتة اللي كنت فيها يامعلم!
عزوز : آه، بلاد بره كلها نحوي، وفيه ميت لغوة هناك، دا الناس الصِّيع اللي زي الواد جربولي كده يتكلموا لغوة اسمها سنكح، يعني بتاع المناكيح بس بالانجليزي اسمها سنكح.
جبر : إزي اللي كنت عندهم يا معلم؟
عزوز : ناس أوادم، مش عالم عرة زيكوا.
توكُّل : وازي معشوق يا معلم؟
عزوز : ربنا يلطف به بقى، سبته مشتع في الاسبتاليا. خالص وغايب عن الوعي، بيقولك لما يقوم مش هيفتكر حاجة أبدًا، ويمكن يلخبط في الكلام.
زينهم : لا، ماهو لخبط فعلًا يا معلم!
عزوز : عرفت منين يا ولد؟ بعت جواب ملخبط.
جبر : لا، يعني مهو كان باين عليه قبل مايسافر انه ملخبط، وانِّمَّا لما ييجي هيلخبط اكتر.
عزوز : ربنا يلطف به، آخر يوم وانا في لندن جبتله وِقِّتين موز ورُحت ازوره في الاسبتاليا، الدكتور قال لي: ملكش دعوة بيه بقى، سيبه وسافر انت … قال لي سافر سيبهولنا انت، تعرف ساعة ما دخلت عليه كده هو في المشرحة ماعرفتوش.
زينهم : فين يا معلم؟
عزوز : إلا فين … في لندن.
زينهم : إنما انت لابس كده ليه يا معلم؟
عزوز : هناك نطرة يا واد ليل مع نهار.
زينهم : لكن انت كنت في لندن ذاتها والَّا في أجوارها؟
عزوز : لأ ذاتها.
جبر : كنت نازل فين يا معلم؟
عزوز : في لوكاندة المدينة اللي قدام المحطة.
جربولي : ولا بعت جواب يا معلم ولا أي حاجة؟
عزوز : أصل يا واد لندن دي ماشية بنظام مش زي هنا، تعرف الساعة ستة الصبح كل العالم تصحى في لندن، يفطروا ويخشوا الدورة، ويروحوا يشتغلوا، شغل م اللي على ودنه هناك … واللي يهرب ياكل على قفاه.
جربولي : إيه ده؟ فيه ضرب هناك يا معلم؟!
عزوز : هو فيه ضرب غير في لندن دي، حاكم الحكومة بتاعة لندن دي يا واد جامدة قوي.
جبر : واليمك بتاع هناك كويس يا معلم؟
عزوز : إيه اليمك دا يا واد؟ قصدك ايه؟ هه فهمني يعني قصدك ايه؟
جبر : أنا ماقصديش حاجة يا معلم، مافي كل حتة اليمك يعني أكل.
عزوز : لا في لندن الأكل ماسموش يمك، اسمه منجريا — تطلب المنجريا تجيلك على طول (الجربولي يلف حوله وينظر لقفاه — ينتبه المعلم لحركة جربولي فيمسكه من جلبابه).
عزوز : بتبص على إيه يا واد؟
جربولي : لا، أصل يا معلم قفاك يعني زي ماتكون الشمس ضارباك، هو فيه هناك شمس يعني؟
عزوز : آه طبعًا، طول النهار الشمس طالعة وبتقدح في الناس، أمال هما الانجليز حمر ليه؟
جربولي : انت مش كنت بتقول طول النهار نطرة؟
عزوز : آه نطرة وشمس، بلاد ربنا كارمها أمال انت فاهم ايه؟
جربولي : بس قفاك انجليزي قوي يا معلم!

(يلف زينهم حول عزوز وينظر لقفاه.)

زينهم : زي ما يكون صوابع.
جبر : زي ما يكون جرح وربى قشره.
عزوز : دي خناقة مع واد انجليزي كنت ضربته هنا أيام الحرب، ولسه فاكرني ابن الهرمة، جاب شوية عيال انجليز واستنوني عند المينا في لندن، لكن هو مين واللِّي خلقك كَلتهم … ومع كلٍّ مش هيفلتوا من إيدي، بس لما تقوم حرب تاني.
جربولي : وانت هتعرفه؟
عزوز : آه اسمه الشاويش غطاس.
جبر : فيه انجليزي اسمه غطاس؟
عزوز : آه … كابتن بالانجليزي يعني غطاس بالعربي.
جربولي : ماتجوزتش واحدة حلوة زي معشوق أفندي.
عزوز : مين قالك معشوق اتجوز يا واد؟
جربولي : لا … أنا بقول يعني، أصله راجل بتاع نسوان وديله نجس ولازم يتجوز .
عزوز : لا، لندن دي مافيهاش جواز خالص … علشان لندن مش زي هنا … لندن دي يا واد بلدين … لندن للنساء … ولندن للرجالة.
توكُّل : ع العموم مبروك يا معلم … والعود أحمد.
جبر : مبروك يا معلم … عقبال السفرية التانية إن شاء الله تبقى طويلة شوية.
توكُّل : يللا يا أستاذ جبر!
زينهم : يللا على فين؟
توكُّل : شوف يابني يا زينهم الشرط نور … أنا هروح لحد سمرة أنا والأستاذ جبر واسألها … هي حرة التصرف … إن حبت تتجوز تبقى من نصيبك، وان حبت السيما تبقى من نصيب جبر … يللا يا أستاذ جبر (ينصرف جبر وتوكل).
زينهم : يا للا على فين … هو أنا كروديا

(يجري خلفهما ويترك حاجياته).

جربولي : الناس دي بتروح بلاد بره بتتجنن يا معلم.
عزوز : لأ … بتتكندش يا واد.
جربولي : إنت اتكندشت يا معلم؟
عزوز : أنا مرحتش بلاد بره يا واد (مستدركًا) أنا رحت لندن وبس.
جربولي: مش عاوز حاجة يا معلم؟
عزوز : عاوز اكل فول بالسمن يا واد … ولفت مخلل.
جربولي : هو مافيش هناك حاجات زي كده يا معلم؟ أكلهم يقرف؟
عزوز : أكلهم يقرف … جتهم الغم.
جربولي : اخلع البالطو يا معلم!
عزوز : أخلع ازاي يا واد؟! لازم ألبس البالطو، لازم أقعد عرَّه؟! … دا جاي من لندن.
جربولي : اقلع البالطو لما تستريح وتاكل لقمة يا معلم.
عزوز (يتحسس قفاه) : قلعني يا واد!

(يخلعه البالطو)

عزوز : امشي هات الفول أبو سمن بلدي.
جربولي : حاضر يا معلم!

(يدخل القهوة ويخرج ومعه زجاجة صبغة يود وقطن.)

عزوز : إيه يا واد ده؟
جربولي : لا مؤاخذة يا معلم … حاجة بسيطة وتطيب باذن الله.

(يضمد الجرح)

عزوز : آي.
جربولي : متخافش استحمل.
عزوز : طيب بشويش يا واد، على مهلك يا واد.

(يطيب جربولي جروحه.)

جربولي : احمد الله يا معلم.
عزوز (بصوت مختنق) : الله يخرب بيوتهم ولاد الكلب قطعوا جلدي … والنبي لما يكون آخر يوم من عمري لأموتك يا واد يا شويش غطاس.
جربولي : معلهش يا معلم … اجمد … السجن للجدعان.
عزوز : سجن ايه يا واد انت يا واد؟
جربولي : معشوق أفندي كان هنا وحكى على كل حاجة يا معلم.
عزوز : قالكوا ع السجن يا واد؟
جربولي : أيوه يا معلم.
عزوز : قال لمين؟
جربولي : للحتة كلها.
عزوز : نبوية عرفت؟
جربولي : أيوه يا معلم.
عزوز : أي ياي يا ايه.

(يبكي)

(ستار)

(المشهد الثاني) من الفصل الثالث

يفتح الستار عن نفس المنظر — يبدو من منظر الناس والبيوت أنه قد مضت فترة من الزمن بعد هذا المشهد السابق — الوقت بعد الفجر بقليل — نشاهد عقب فتح الستار حكمت زوجة توكل وقد أخفت وجهها داخلة إلى المسرح، وفي يدها صرة ملابس قادمة من الخارج — وفي نفس اللحظة تخرج نبوية من المنزل ومعها صرة ملابس في طريقها إلى الشارع تتقابل المرأتان وتصطدمان بعضهما البعض فتقع الصرة التي مع حكمت.

نبوية : أيوه … بسم الله الرحمن الرحيم.

(حكمت: تبكي.)

نبوية : إيه؟ جرى حاجة كفا الله الشر؟
حكمت : توكُّل.
نبوية : (تضرب على صدرها) ماله؟
حكمت : مالوش … جته ستين نيلة … الراجل اتجنن في مخه يا ست نبوية.
نبوية : اتجنن؟ كلام ايه يا أم سمرة.
حكمت : زي ما بقولك كده والنبي ياختي، باع اللي قدامه واللي وراه، وآخر المتمة جايب جبر ينيمه في البيت قال إيه … هايساعدنا ع المعايش؟!
نبوية : معلهش ياختي، استحملي يا أم سمرة.
حكمت : أنا راجعة الحارة تاني، أنا هسكن في شقتنا القديمة تاني، قُطعت الزمالك وقطع اليوم اللي شفناها فيه.
نبوية : وانا ماشية يا أم سمرة.
حكمت : على فين يا ست نبوية؟
نبوية : هاخد في وشي وأهج.
حكمت : بعد الشر عليكي من الهججان، دا انت ست العاقلين.
نبوية : ملعون أبو العقل، وملعون أبو العاقلين.
حكمت : سلامتك يا ست نبوية، وانت اللي تقولي كده، دا انت الناس في الحتة كلها بتضرب بيكي المثل!
نبوية : قُطعت الحتة واللي فيها … الناس كلها اتجننت يا أم سمرة، اشمعنى أنا هعقل وعاوزاني أعقل ليه؟
حكمت : والنبي يا ست أم إمام الناس ما فيه على لسانها حاجة الا عقلك … وكمالك يا ست يا كاملة يا أميرة الأُمرا انت!
نبوية : وانا زهقت خلاص لاعاد في نِفس ولا عاد في جتة تستحمل ده. أنا صحيح من هنا … إن كان فاضللي يومين في الدنيا دي، أعيشهم بعيد عن هنا.
حكمت : بقى أنا راجعة الحتة مخصوص علشان ابقى جنبك واقعد معاكي وانت سايبانا وماشية يا أم إمام؟
نبوية : أمر ربنا يا أم سمرة … إنت جيتي بعد ما فاض بيَّ … أنا شاربة المُر من كِعاني يا أم سمرة، أنا لو قعدت يوم واحد تاني هنا هموت … لكن انا خلاص مش قاعدة … والنبي منا قاعدة.
حكمت : والحتة … والناس اللي في الحتة؟!
نبوية : اقعدي بالعافية يا أم سمرة (تحاول الانصراف — تلحق بها حكمت وتمسك بها).
حكمت : يا معلم عزوز! يا معلم عزوز!
عزوز : إيه الخوتة دي؟ … هو ربنا مش هيتوب علينا بقى؟
حكمت : الست نبوية واخدة هدومها وماشية يا معلم … والنبي تحوشها ياخويا.
عزوز : ماشية على فين؟ إيه الحكاية يا ولية يا مجنونة انت؟
نبوية : مجنونة! والنبي ماحد مجنون الَّا انت، ولا حد اتهطل في عقله الَّا انت، ولا حد عاوز السراية الصفرا الَّا انت.
عزوز : لا حول الله … يا ولية اعقلي وخشي بيتك … بلاش فضايح.
نبوية : بتخاف م الفضايح يا معلم … من إمتى؟ دا محدش مطلع حسنا ولا كاشف سترنا الَّا انت.
عزوز : إنت بالعة راديون وحتهرشي مخي.
نبوية : إنت مش روحت تتنطط عاوز تسافر بره، جرجروك ع السجن … مش فارقتنا ٨ شهور ورحت في ستين داهية ورجعت حتى ماسألتش احنا عملنا إيه؟
عزوز : معلهش … الدور الجاي ابقى آخد أجازة م السجن وآجي أسأل على حضرة جنابك العالي.
نبوية : أهو دا اللي انت شاطر فيه … ما انتش شاطر غير في التنأورة والكلام الفارغ … يرحم أيام زمان … لما قلتلك تعالى نبني بيت يا عزوز فتحت جاعورتك عليَّ زي ما يكون حتعمل عملة.
عزوز : يعني بنيتي الأبعدية؟
نبوية : أيوه، بنيتلك بيتين وعملتلك قهوة … وعملتلك مركز ومقام يا عزوز … البيت ده انا اللي بنياه (تتحسس طوب البيت) شيلت الطوب بتاعه طوبة طوبة على دماغي.
عزوز : الحمد لله … أديني سيبتهولك.
نبوية : ورحت فين يا عزوز؟ رحت السجن يا ضنايا … آدي انت برضه رجعت تاني.
عزوز : إن كان دا مزعلك اطمني … أنا ماشي تاني.
نبوية : طبعًا … وانت من إمتى لك بيت؟ … من أمتى لك رأي؟ … من إمتى لك أهل؟ … إنت زي مايكون ورقة شايلها الهوا مَطرح ما يحطها تنحط … ده حتى الطيارة اللي بيطيروها العيال مربوطة بفتلة … وانت مش مربوط بحاجة يا عزوز.
عزوز : ماتجيبي تختة وطباشيرة وتدينا درس أحسن … اعزنِّك فتحتي فصل نحو الأمية.
نبوية : وهو انت بيحوَّق فيك دروس … دا انت زي ماتكون مش بني آدم.
عزوز : عندك حق … هو أنا لو كنت بني آدم كنت استحملت المرار دا عشرين سنة؟!
نبوية : المرار، الله يكون في عونك يا معلم … حقه استحملت سنين طويلة من النوم ع الدكة … تعرف تقوللي عملت إيه في العشرين سنة غير النوم ع الدكة؟ إيه اللي عملته في العشرين سنة؟
عزوز : مانا معملتش … ومش هعمل … وروحي في ستين داهية.
نبوية : إنت صنفك إيه؟ … هو انت ماعندكش دم؟ … هو انت جبلة؟!
عزوز : واللي خلق الخلق، إن ماسكتي لاديكي على بوزك.
حكمت : صلي على النبي يا معلم!
نبوية : إنت هتديني على بوزي … إنت؟ (تهجم عليه وتمسك فيه وتنزل تلطيش).
عزوز : شاهدة يا ام سمرة … شاهدة؟
حكمت : والنبي ماليكو حق ابدًا في العمايل دي … دا عيب الحاجات دي … الله؟ يا خبر اسود … الحقْ يا معلم.

(نبوية تتهاوى من شدة الانفعال وتسقط ع الأرض.)

عزوز : يا خبر اسود … أم إمام … يا أم إمام! … هاتيلنا كباية ميه م القهوة يا أم سمرة!
حكمت : أجيب الازعاف ياخويا؟
عزوز : وهي الازعاف هتيجي غير بعد سنة؟ هاتي المية الأول (تجري حكمت ع القهوة وعزوز يقوم بعملية تهوية من جلبابه على وجه نبوية … ترجع حكمت بدون مياه).
حكمت : هي الكبايات فين يا معلم؟
عزوز : صحي الواد جربولي … هو ملقح جوه في القهوة … أيوه وحياتك زي مابقولك … صدقيني. (تخرج حكمت من القهوة)
حكمت : جبت الأزعاف يا معلم؟
عزوز : مجبتهاش أنِي.
حكمت : بتقول ايه يا معلم؟
عزوز : قصدي مالوش لازمة تجيب الازعاف … هتفوق الوقت … إن شاء الله.
جربولي : يا معلم مانشوفلها واحد دكتور يسعفها.
عزوز : يا واد الدكتور هيعمل ايه اكتر من اللي بنعملوا احنا؟ … اتلهي … واتبه لشغلك يا رخم.
نبوية (وقد بدأت تفوق) : … آه … آه … أنا فين؟
حكمت : إنت ياختي في وسطينا أهه، وجوَّه عنينا يا أم إمام … اسم الله عليكي وعلى حواليكي يا حبيبتي.
نبوية : أُمال فين عزوز؟
حكمت : عزوز ياختي واقف جنبنا اهه.
عزوز : أنا جنبك اهه، ألف حمد الله على سلامتك (يساعدها على الوقوف) قومي استريحي جوه يا نبوية.
نبوية : أنا مش داخلة يا عزوز … أنا مستريحة كده.
عزوز : ماتخللي الليلة دي تفوت على خير .
حكمت : قومي معاه يا ست نبوية!
نبوية : أنا قلت مش قايمة، يعني مش قايمة.
عزوز : خلاص … خليكي قاعدة (يضرب الجربولي)
جربولي : الله … إنت بتضربني ليه … أنا عملت إيه؟
عزوز : إنت بتزعق ليه؟
جربولي : هو ماحدش بيزعق الَّا أنا … مانتم عمالين تزعقوا بقالكوا عشرين سنة لما خرمتوا طبلة وداني … هو ماحدش بيزعق الَّا أنا … هو آدم مش أبويا زيكم … إنتم تزعقوا وانا ادِّعِك في رجليكم … إنتم تزعلوا وانا انضرب؟!
عزوز : إياك يعني عاوزنا نعملَّك ايه؟ … نضربلك سلام … ما انت اتخلقت واتنشيت علشان كده … حتة جرسوم لارحت ولا جيت.
جربولي : إن كان ع الجرسوم … مافيش جراسيم. (يخلع الفوطة)
عزوز : البس الفوطة.
جربولي : مش لابس الفوطة.
عزوز : طيب خد (يضربه)
جربولي : (يبتعد عن المعلم) ومش قاعدلكم هنا … أنا مسافر حسافر بين النهدين واجيب تاكسي — اعوجها … اعوجها ياللي عوجت بديعة (يخرج).
حكمت : طيب بس قومي معايا قومي … يا شيخة ماتنكسفيش … علشان خاطر سيدنا النبي.
نبوية : اللهم صلِّ عليه (جالسة مكانها).

(صوت زينهم من الخارج.)

زينهم : هو فين؟ … هو فين؟ (داخل المسرح) أنا مجنون … أنا خانكة … توكُّل خَد الفلوس … وجبر خَد البت … أنا هايف أنا مجنون … أنا خانكة … وراك يا توكُّل والزمن طويل … ياخد الفلوس … ياخد البت … ياخد روحك … أنا مجنون … أنا خانكة (خارجًا)

(صوت توكُّل من الخارج.)

توكُّل : صلِّ على حضرة النبي … علشان خاطر سيدنا النبي … ألطف بعبيدك يا رب (داخلًا) علشان خاطر حبيبك يارب! … إنت اللي بتحكم ولا يحكم عليك … ألطف يارب!
جربولي : توكل أفندي؟!
توكُّل : صلِّ على حضرة النبي … أما أكون بسبح الواحد القهار صلِّ على النبي.
جربولي : دا باينُّه اتهرش في مخه.
توكُّل : صلِّ على حضرة النبي.
جربولي : آل كان جايب مرشيدس.
توكُّل : صلِّ على حضرة النبي … صلِّ على حضرة النبي (يخرج).
عزوز : أم إمام … صلِّي على حضرة النبي.
نبوية : اللهم صلِّ عليك يا نبي.
عزوز : يا أم إمام خلاص بقى حقك عليَّ … إحنا ولاد النهاردة … واللِّي فات مات … وصلِّي على حضرة النبي.
نبوية : ياما سمعت الكلام ده يا عزوز … وكل مرة تقول وترجع تتجنن تاني.
عزوز : أنا مش مجنون يا نبوية … أنا راجل عاقل وانت عارفه.
نبوية : ولما انت عارف كان إيه اللي لطشك في عقلك وجننك ع السفر بره؟ … فيه إيه بره أكتر من هنا يا عزوز؟! … واللِّي راحوا بره قبل كده عملوا إيه يا عزوز؟! … جبر اللي رجع من بره مشفوط في بدلة زي قرد قَطع … اللي محدش عارف غير ربنا هو بيشتغل إيه … توكُّل أفندي خد ايه؟ كسب إيه؟ … وراح فين توكُّل … وأم سمرة … أهي قدامك أهي … خدت إيه يا عزوز؟! … والَّا جابت ايه معاها؟ … ومعشوق اللي جننك ولخبط حياتك … جاب ايه يا عزوز؟! … جاب خلاط … جاب مرشيدس … جاب خواجاية من لندن … مش دا اللي بيجيبوه يا عزوز؟!
عزوز : خلاص يا نبوية … أنا لا عاوز خلاط ولا مرشيدس … ولا خواجاية … إنت عندي بالدنيا يا نبوية … ومصر عندي بالدنيا … أهي هفَّةْ وطِلعت في دماغي … حرَّمت خلاص ماعُدتش منقول من هنا … وحطلع كل يوم … تعالي وصلِّي على النبي … ياللَّا نطلع فوق.

(يحتضنها ويسير بها نحو المنزل.)

(ستار — ختام)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤