الباب الأول

قصائد وطنية

أبطال مصر:

يا مصرُ يا فخر المدائنِ والقُرى
كم لجَّ دَهرُك في العناد وأَكثَرَا
يا أُمَّ آمونٍ غَدوتِ بحاجةٍ
لذكائِه المخبوء في جَوفِ الثَّرى
لو كان حيًّا ما تجاسر لُوردُهم
أن يستبد بما أبان وأظهرَا
كلَّا ولا وَطِئَتكِ يومًا خيلهم
واستعذبوا من ماءِ نِيلِكِ كوثرَا
فرعونُ لو نظروا سُيوفَك شُرَّعًا
لارتاعَ طاغِيهم وولَّى مُدبِرَا
هابوكَ في طيِّ اللفائفِ مُغمَدًا
ما بالهم لو أَبصَروك مُشهَّرَا
يا مِصرُ هذا شأن دهرك فاصبري
لا تجزعي مما أَكنَّ وأَضمَرَا
ما زال غدَّارًا يجور ويعتدي
ويَهدُّ من سادُوا بِحذقِهِم الورَى
سلَب الزمانُ بَنيكِ كيدًا للعلا
للهِ ما أقوى الزمانَ وأَقدَرَا
كم أبلتِ الأيامُ شهمًا ماجدًا
من أهلِ مِصرَ وكم أبادت قَيصَرَا
يا دهرُ كم تسطو بِسيفِك قسوةً
وتَغُولُ من أبطالِ مصر غَضَنفرَا
طاحت بِكاملِنا لياليك الَّتي
من شأنها أن تَستبِد وتَقهَرَا
وطَوَت فريدًا في البِلى ومحمدًا
وبِقاسمٍ أخفَت هلالًا نيِّرَا
راحت بباحثةٍ وكانت قدوةً
في كلِّ ما ساق الثناءُ وأَمطَرَا
وهَوَت بسعدٍ بعد طول جِهادِه
فانهد ركنُ النيل لمَّا أَدبَرَا
ومضى وقد سلَب العقولَ بيانُه
وسما بِمصرَ وأهلِها ما سطَّرَا
فنبوغُ مصرَ بمن تقدَّم ذِكرُهم
أعيت حقائقُه المُضِلَّ المُنكِرَا
أَوَينكرون فخار مصر ومجدها
وكفايةُ المصريِّ أوضحُ ما يُرَى

مصر وأهلها:

يا مصر ماذا جَرَّه أهلوكِ
حتى ركَنتِ لِإفكِ من غبَنوكِ
تحلو الإقامةُ للغريب ويرتقي
ويظل في وادي الهموم بَنوكِ
كم ساد في أرجاكِ غِرٌّ خاملٌ
وسمَت بأرضكِ سُمعةُ الصعلوكِ
يا أم فرعونٍ وأنت حكيمةٌ
كيف ابتسمتِ لمعشرٍ ظلموكِ؟
يا جنة الدنيا وبهجة أهلها
لا كان من بِعنادِهم قصَدوكِ
أبناؤك الغُرُّ الأفاضل كلُّهم
أصلُ العُلا من سُوقةٍ وملوكِ
هم خيرُ من درسوا الفنون فأدهشوا
هذا الزمانَ بِحسنها المتروكِ
آثارُهم لا يستطيع معاندٌ
إتقانَ دقةِ صنعها المسبوكِ
حسدوا جمالك فاستبدُّوا عَنوةً
لولا محاسِنُكِ لما حسدوكِ
لولا نوالُك ما تهافَت جمعُهم
يتلقَّطون الخيرَ في واديكِ
أيقول عنا الغربُ إنا أمةٌ
لا تهتدي لِطريقِه المسلوكِ
كذَب العِداةُ فأنت أولُ أمةٍ
سادت وإن هانُوكِ أو سَلبوكِ
وزمانُ إسماعيلَ يشهد بالذي
يُخزي الذين بِإفكِهم شانوكِ
فتحَ المدارسَ واستقلَّ كثيرَها
ومحا عن الأذهانِ كلَّ شكوكِ
فتحرَّك الغربُ الطموحُ لِفعلِه
وأبى على الأَهلينَ أن يَعلوكِ
أوهكذا يا مصر يحرمُنا العُلا
هذا الغريبُ بمكره المحبوكِ
حسد الرُّقيَّ فلم يقَرَّ قرارُه
إلا بإبعادِ الأُلى رفعوكِ
لا تيأسي إن الخطوب كثيرةٌ
والفوز مضمونٌ وإن خذلوكِ
واستقبلي غدْرَ الزمان بحكمةٍ
عُرِفَت وثَغرٍ لِلخُطوبِ ضَحوكِ

ذكرى المرحوم الأستاذ الإمام محمد عبده:

أعيدوا ثناء النابهِين وجدِّدوا
مآثِرَهم ما دام في الشرق مُنشِدُ
فما أبلتِ الأيامُ آياتِ مَجدِهم
ولا طاش سهمٌ صوَّبوه وسدَّدوا
وإن تذكروا أبناءَ مِصرَ ومَجدَهم
فأَوْلاهُمٌ بالمَكرُماتِ محمدُ
إمامٌ وأستاذٌ وقاضٍ وكاتبٌ
يرُدُّ افتراءَ المُفترِين ويَسردُ
ولولاه لِلتفسيرِ ما بانَ غامضٌ
ولا زال إشكالٌ ولا لاحَ فَرقَدُ
ولو عاش لِلفتوى لما ضل سائل
ولا كان فينا عالمٌ يَتردَّدُ
وكَمْ نافَسوه ظالمِين وسَرَّهُم
كلامٌ أباحَته الغِواية مُفسِدُ
وما كان إلا كالنبي هدايةً
وكم جحَدوا فضلَ النبي وفنَّدُوا
فلا تَتناسَوا ما أتاه فإنما
من العارِ أن يُنسى الكريمُ المُمَجَّدُ
ولا تَتنَاسَوا في البطولة قاسمًا
فآراؤه تُحيِي البلادَ وتُسعِدُ
جريءٌ فلم يُرهبه قولُ جموعِهم
وقد هدَّدوه ساخطِين وأَوعَدُوا
فإن يَنسَه جمعُ الرجال فإننا
نُكرِّر ذِكرى قاسمٍ ونُمجِّدُ
وكاملُ لن يُنسى وإن طال عهدُه
فما كان إلا شُعلةً تَتوقَّدُ
ولا تتركوا ذِكرى فريدٍ فإنه
هُمامٌ أَضاعَته الكِنانةُ مُفردُ
وباحثةٌ ما غاب وَقْع يَراعِها
إذا ذُكر الكتَّابُ يومًا وعُدِّدوا
أولئك أبناءُ البلاد وفَخرُها
وهل يتوارى فَخرُ مصر المُخلَّدُ
إذا ذُكروا يومًا فإن فِعالَهم
بفضل رجال النيل تَشدو وتشهدُ
فماذا يقول الغاصبون بِإفكِهم
وهذا ابن وادي النيل يَعلُو ويَصعَد

ذكرى المرحوم مصطفى باشا كامل:

أَكاملُ هل تدري بما نَتوجَّعُ
وتعلم من كأس الأَسى كيف نَجرعُ
بلى لو علِمتَ اليوم وَقْع مُصابنا
لَقُمتَ تَردُّ الظلم عنا وتَدفعُ
كعادتِك الأُولى تخوض غِمارَها
وتحمي بلادَ النيل قهرًا وتَرفَعُ
تُضحِّي بِنفسٍ أن تُمسَّ حُقوقُنا
وتَدفعُ كيد الغاصبِين وتَردعُ
تَردُّ إلى مِصرَ العزيزة حقَّها
وتُرشِدها في أَمرِها كيف تَصنعُ
وتدحض قولَ المُفترِين بِحُجةٍ
تُحرِّم تقسيمَ البلادِ وتَمنعُ
فتى النيل كَمْ علَّمتَنا حب أرضه
وكَمْ طعَن الجهَّالُ فيك وشنَّعوا
وقاموا يُريدون انخِذالَكَ عَنوةً
فكنتَ قويَّ الجأش لا تَتضعضَعُ
وكنتَ كسيفِ الله إن سُلَّ للعِدى
تَخلَّوا عن الأطماعِ خوفًا وأَقلعُوا
وما وارتِ الأيامُ نصلَكَ في الثَّرى
وما زال بعدَ الموتِ يسطو ويَقطع
فسيفك مسلولٌ وإن كنت نائيًا
تصولُ به أيدي الشباب فيَصرَعُ
وإن هام في حُبِّ البلاد رجالُنا
فذاك الذي قد كُنتَ بالأمس تَزرعُ
قفَوا إثر ربِّ المَجدِ في حب أرضِه
ولكنَّهم هدُّوا الوِفاق وضيَّعوا
تَشعَّبَتِ الأغراضُ في مصر فانبَرَوا
وكُلٌّ له فيما يحاول مَنزعُ
فكونوا يدًا إن الخُطوبَ عسيرةٌ
وإن اتحادَ القومِ في الخَطبِ أَنفعُ
وضُمُّوا صفوف العُنصرَين وكافِحوا
مكافحةَ الأبطال لا تَتصدَّعُوا
وكونوا لِربِّ التاجِ أَخلصَ أمةٍ
ولا تَسمَعوا إفك العدُوِّ فتَخضَعُوا
ولا تَتراخَوا في الطِّلاب وثابِروا
وكونوا كما كان الهُمَامُ السَّمَيدَعُ
فكم جمعَ الأقوامَ حول لوائِه
وقاموا يَردُّون العدو فأَفزعُوا
وكم أَيقظَ النُّوامَ سِحرُ بيانِه
فهَبُّوا إلى نَصرِ البلاد وأَسرَعُوا
ولو عُمِّر المِقدامُ ما ضل سَعيُنا
ولا فاتنا مما نُحاوِل مَطمعُ
فيا مصطفى وادي الكِنانةِ إننا
ليُعوِزُنا ذاك البَيانُ المُمتَّع
رَحَلتَ عن الدنيا وخلَّفتَ أُمةً
يُهيب بها صوتُ العدو فتُفزَعُ
وما ودَّعوا فردًا بِفقدِكَ إنما
مَنارَ العُلا والعِز في مصر ودَّعُوا
ولو كُنتَ فينا ما توانَيتَ لحظةً
ولا غرَّنا ذاك الرياء المُقنَّعُ
فيا ليتَكَ الباقي إلى يومِ حَشرِنا
ويا ليتَ وانينا الفَقيدُ المُشيَّعُ

مصر تغضب من عقوق أبنائها:

يا مِصرُ يا بهجةَ التاريخ والأَثرِ
وروضةَ زانَها الرحمنُ بِالدُّررِ
أغرى بنا حُسنُك الأقوامَ فاحتَشَدوا
يُهدِّدون ابنَ وادي النيل بِالخَطرِ
أَشقَى جمالُك أهلِينا وأَسعَدهم
لله دَرُّ جَمالٍ جاء بِالضَّررِ
وهكذا الغِيدُ كَمْ جرَّت محاسِنُها
لِعاشقِيها صنوفَ الهَمِّ والغِيَرِ
يا ليت أرضَكِ لمَّا أَنبتَت ذَهبًا
لِغيرِ أَهلِكِ خانَتها يدُ القَدَرِ
أَدعُو عليكِ ولو خُيِّرتُ طائعةً
لَبِعتُ نفسي فِدَى حَصباكِ يا وَطرِي
يا أُمَّ فِرعونَ علَّمتِ التي جَهِلَت
لفظَ الغَرامِ معاني الحُبِّ والسَّهرِ
يا جنةَ الخُلدِ ماذا جر معشرنا
حتى تَحوَّلتِ من روضٍ إلى صَقرِ
نفسي فِداؤكِ هلْ لَا زِلتِ غاضبةً
ونحن نَشرِي الرضا بالسَّمعِ والبَصرِ
لا تَغضبي فرجالُ النيل ما بَرَحُوا
أَهِلَّة الكونِ من بَدوٍ ومن حَضرِ
يَقودُهم نَحوَ نَيلِ المَجدِ سيِّدُهم
فرَحِّبي بأبي الفَاروقِ وافتخِري
تيهي بِملكِ فؤادٍ إنه بطلُ
أَزرَت مناقبُه الغَرَّاءُ بِالقَمرِ
يسعى لِنشرِ العُلا والعِلم مُعتزمًا
فاستقبِلي المَجدَ من مَسعاه واشتَهرِي
يا صاحبَ التاجِ لا كانت ضَمائرُنا
إن لم تُقِرَّ بِبرٍّ منك مُنهمِرِ
أوليتَنا مِننًا جلَّت فضائلها
لم تُحصِها كُتبُ الأَنباءِ والسِّيَرِ
وشَاطَرَتكَ فِعالَ الخيرِ سادتُنا
فكلَّل الله مَسعَى الكُل بالظَّفرِ

هوى مصر:

لا كان قلبي إذا لم ينتفض طَربَا
لِذِكرِ مصر ولم يستعذب التعَبَا
لم أَذكُرِ الحب إلا في محاسِنها
ولا عَرفتُ لها لهوًا ولا لعِبَا
لولاكِ يا مِصرُ ما أصبحتُ عاتبةً
على الزمان إذا ما جارَ وانقلَبَا
ولا طويتُ الليالي فيكِ ساهرةً
أَكِدُّ لا أشتكي ضعفًا ولا نَصَبَا
لا عارَ إن خانك الدهرُ الخَئونُ فكَمْ
كَلَّ الحسامُ بِكفَّي قادرٍ ونَبَا
وفي ربوعك آسادٌ إذا وثَبوا
مال الزمانُ إلى ما نشتهي وصَبَا
لا يَضرِبون بِنارِ الحرب خَصمَهم
لكن برأيٍ سديد يُمطِر اللَّهَبَا
فوحِّدوا الرأي لا يُلهيكمُ غرَضٌ
عن نَصرِ مِصرَ ولا تَستبعِدوا الأَرَبَا
ضُمُّوا الصفوفَ وقُوموا حول نِيلِكمُ
فليس يُفلِح شعبٌ بات مُنشَعِبَا
لا كان من خان مصرًا في مَطالبِها
أو نام عنها وعن إعلائِها رغَبَا
أُحِب مصر وأهلِيها وإن غَبَنُوا
وأَستشيطُ لهم من عِزةٍ غَضَبَا
والدَّهر يَقعُد بي رغم العُلا وبهِم
ويَسلبُ المجدَ موروثًا ومُكتَسَبَا
ولا سبيلَ إلى ما نَبتغِي أبدًا
إلا إذا ما غَرسنا العِلمَ والأَدَبَا
فشجِّعوا العلم لا تَبغُوا به بَدلًا
ففيه آمالُنا إن حَلَّ أو ذَهَبَا
والقوم لولاهُ ما سادُوا ولا ارتفَعُوا
ولا تقَدَّم عاتِيهم ولا غَلَبَا
وعَاوِنوا ملكًا يُعليهِ مُقتدِرًا
ويَستقِلُّ الذي من أَجلِه وَهَبَا
يُشجِّع العلم مسرورًا ويَنشُره
وكم أرادَ لنا مَجدًا وكم طَلَبَا
كم زَيَّنَت رَحَباتِ الدرسِ طَلعتُه
وانهال وارِفه للخيرِ وانسَكَبَا
من مَعشرٍ إن بدت يومًا وجوهُهمُ
لِأهلِ مصر نَسُوا من أجلها النُّوَبَا
أبناء من شيَّد المجدَ الذي عَجزَت
عنه الملوكُ فساد التُّركَ والعَرَبَا
هُمُ أَهِلَّةُ مِصرَ الساهرون لها
لا يَعدِلون بها جاهًا ولا نَشَبَا
أعمالهم كَشُموسِ الأُفْق ساطعةٌ
فإن حذا حَذْوَهم في المجد لا عَجَبَا
أَغَرُّ لا تعرف الأقوالَ هِمَّتُه
إذا دعاه ضعيفٌ للعلا وَثَبَا
دَعَوتُه فأتى لِلعلمِ مُبتدِرًا
يخشى عليه إذا ما ماؤه نَضَبَا
فإن جَهِلتم أَيادِيه فدُونَكمُ
من فَضلِه ما يَزِينُ الشِّعر والأَدبَا
لا يُنكِر الفضل إلا من له غَرضٌ
ولا يسود الذي يستمرئ الكَذِبَا
خلُّوا الخلاف وقوموا حول سُدَّتِه
لعل وَحدَتَنا تُدنِي الذي عَزَبَا
وساعِدوا العِلمَ ما اسطَاعَت عزيمتكُم
فقد يَلِينُ لنا بِالعلمِ ما صَعُبَا

الاتحاد:

إن الشعوب بَالِاتحادْ
ترقى إلى نَيلِ المُرادْ
فدَعُوا التنافُرَ والخلا
فَ فَذاك مَدعاةُ الفسادْ
وتعاوَنوا في رفعِ مِصـ
ـرَ فإنها خير البلادْ
بلدُ الحضارة والصِّنا
عة والرقيِّ والِاجتهادْ
كانت عَروسَ الغابرِين
فأَصبَحَت مَهد الكَسادْ
أَخنَى على أَبنائِها
دَهرٌ غريزته العِنادِ
فأبادَ ماضِيَ مَجدِهِم
بِدَهائِه فيما أبادْ
فتضافروا أبناء وادي النِّيـ
ـلِ في مجدٍ يُعادْ
وخُذُوا العلوم بِهمةٍ
فالعلمُ مِفتاحُ الرَّشادْ
ما كان شعبٌ ناهضًا
إلا بِعلمٍ وسَدَادْ
والشرقُ لولا جَهلُه
ما أخطأ الغَرضَ المُرادْ
تَركَ النساءَ عَواطلًا
وبِسَعيِها تعلو العِبادْ
والغَربُ لولا فِعلُها
ما شَادَ في الدنيا وَسَادْ
فتعهَّدُوها مِثلَه
وارمُوا إِليها بِالقِيادْ
فبِها نجاحٌ باهر
إن تُصلِحوها أو فساد
إن النِّساءَ لِشَعبها
لَأَعَزُّ كَنزٍ يُستفادْ

مصر رياض:

يا مِصرُ أنتِ جنةٌ
فيها النعيمُ المُنتظَرْ
لِلدَّهرِ أنتِ غُرةٌ
ودُرَّةٌ من الدُّرَرْ
وفِي رُبَاكِ فِتنةٌ
لِكلِّ سَمعٍ وبَصَرْ
يُعلِيكِ منا فِتيةٌ
من كُلِّ شَهمٍ مُقتدِرْ
هُمْ لِحِمَاكِ جُنَّةٌ
إن حَلَّ في الدنيا خَطَرْ

•••

أَبناءُ مِصرَ كُلُّهُم
أَصحابُ مجدٍ وهِمَمْ
ومَا تخطَّى فِعلَهم
يومًا علاءٌ وكَرمْ
أو كان يومًا حالُهم
إلا إباءً وشَمَمْ
وليس يُنسَى فَضلُهم
ما دام في الدنيا هَرمْ
أو يَتوارَى نُبلُهمْ
وفي سَما العَليا قَمرْ

•••

فاسعَوا بني مصر نَنلْ
من دَهرِنا مَجدَ الأُوَلْ
لا يَقْعُدَنْ بِكُم مَللْ
فاليأسُ مَدعاةُ الفَشَلْ
والحَظُّ يُدنِيهِ العَملْ
ويَذودُه عنا الكَسلْ
والمَرءُ يَحظى بالأمل
ما دام مِقدامًا بَطلْ
والجِدُّ مَفخرةُ الدُّول
وعليه يَرتكِز الظفَرْ

مصر ونيلها:

يَا مِصرُ دومي بهجة للنَّاظرِين
فصفاءُ جوِّك فوقَ وصفِ الواصفِين
يا روضةً تزهو بريحانٍ وعِين
وسبائكٍ فيها شِفاءُ الشاربِين
وبهاءِ مَجدٍ ليس تمحوه السنون
يا مِصرُ أنتِ بما حَويتِ فِتنة
ماء كما شاء الإله وجَنَّة
ورجال صدقٍ لم تَهُلْها مِحنَة
أو تَثْنِها عما ترومُ أَسِنَّة
فهُمُ الكِرامُ بنو الكِرامِ العاملِين
يا مِصرُ يا أُمَّ المُلوكِ الفاتحهْ
هل كنتِ إلا في الأَكُفِّ الراجِحهْ
وكذَاك أنت على الحوادثِ رابحهْ
فتفاءلي خيرًا فأنتِ الناجحهْ
واللهُ لا ينسى جزاء المُخلصِين
يا مِصرُ حبُّك في الحَشَى أَسكنتُه
وثناءُ مَجدِك طالما سطَّرتُه
فيك النعيمُ وكلُّ ما أَمَّلتُه
والله في نجواي كم ناديتُه
أن تَظفَرِي يومًا بما تتطلَّبين
يا نِيلُ أنت أجلُّ ما يُرجَى لنا
هل كانَ إلا في وُرودِك عِزُّنا
تأتي فتَكسُو الأَرضَ أثوابَ الهَنا
وتُحقِّق الآمالَ فينا والمُنى
فاسلَم على الأيَّام يا أَقوى مُعِين
أَفديكَ بالرُّوحِ العزيزةِ يا وطنْ
وأذودُ عنك بِمهجتِي شَرَّ الفِتنْ
واللهَ أسألُ أن يُفيضَ لنا المِنَنْ
لِنَسُودَ ما شئنا وشاء لنا الزمنْ
ونُعيدَ في العَلْياء مَجدَ الأَوَّلِين

آمال مصر:

إن شعبًا بِالمعالي قد وَلَعْ
ليس يَثنيهِ عن العَلْيا فَزَعْ
سيُوالي سَعيَه مُعتصِمًا
لا يُبالي بزمانٍ ذي خُدَعْ
إن هذا الدَّهرَ مهما عقَّنَا
فسيُعطي عن قريبٍ ما مَنَعْ
إنَّ في كَرِّ الليالي عِبرةً
وصروفُ الدهر تأتي بِالبِدعْ
عالِجوا الآمال في نهضتِنا
ما تولَّى الدهرُ عنا أو رجَعْ
فمَماتُ الشعبِ مَوثوقٌ بِه
إن هوى في اليأسِ يومًا أو وقَعْ
إن بالتعليم ترقى أُمةٌ
حطَّها كَرُّ البلاءِ المُندفِعْ
فافتَحوا لِلعِلم دُورًا جهدَكُم
إن فيها شأنَ مصر يَرتفِعْ
واقتَدُوا في نُصرةِ العِلمِ بِمَن
بَينَ فَخرِ المَجد والمُلك جمَعْ
إن ربَّ التاجِ يَهوَى مَجدَكُم
وهو مِقدامٌ إذا شاء نفَعْ
ودِيارُ العِلمِ لولا فضلُه
ما سَما فيها هلال وسَطَعْ
ستَرى منه المعالي مَلِكًا
يُخجِل البَدْرَ إذا البَدرُ طلَعْ
فانصُروه إنه ناصِرُكُم
واذكُروا من فِعلِه ما قد صنَعْ
يَزرعُ المعروفَ لا يَذكُره
فسلُوه كم جميلًا قد زرَعْ
أنتَ يا مولايَ أَقوى عُدَّةٍ
لِديارِ العِلم تُولِيها الخلَعْ
فابقَ فينا لِلمعالي كَعبةً
ليس يَدري من أتاها ما الهلَعْ

الحركة الاقتصادية:

مصر يا أُمَّ الفراعينِ الشِّدادْ
لا ثَناكِ اليأسُ عن نَيلِ المُرادْ
إن هذا الدهر لا يقوى على
رَدِّ ما نبغي وإن طال العِنادْ
إن أسباب المعالي جمةٌ
يبلغ المَقصودَ منها من أجادْ
وبِلادُ النيلِ يَجبِي خَيرَها
صانعو الغَربِ وتُجَّار البلادْ
وطبيبٌ أو مُربٍّ جاهلٌ
لم يُفِدنا منه علمًا واستفادٍ
كم غريبٍ شادَ فينا مَصرِفًا
وبنى مدرسةً يبغي اصطيادْ
لم يُرِدْ نَشرَ المَعالِي بَينَنا
بل نَوَى طَيَّ المُنى فينا وكادْ
كلُّ من أَلقَى بِمصر رَحلَه
هيَّأ المَجدَ الذي يهوى وشَادْ
وابنُ وادي النيلِ فيها جامدٌ
يبتغي بالقولِ تحريرَ العِبادْ
إن حربَ السيفِ لا تَقوَى لها
فلتَقُمْ يا قومِ هَيجَا الاقتِصادْ
تِلكَ حربٌ إن بدَت نِيرانُها
هاج ذاك الغربُ من خوفٍ ومادْ
فاترُكوا الأقوالَ فيها واعمَلوا
ليس يُعلي الشرقَ قولٌ يُستعادْ
إن أقوى عُدةٍ نَلبَسُها
عند تلك الحرب عِلمٌ وسَدادْ
ودِيارُ العلم فينا أُغلِقَت
فافتَحوها إنَّ في ذاك الرشادْ
علِّموا العِلمَ الذي نحيا به
إن خَيرَ العِلم ما فاقَ وزادْ
سَرَّنا نومٌ طويلٌ هادئٌ
وتَرَكنا لِبني الغرب القِيادْ
أَيقِظوا الأمةَ من رَقدتِها
بعلومٍ وفنونٍ في ازديادْ
نطلبُ التعليمَ في سُوقتِنا
وبنو السادة منه في كسادْ
ليس يُعلي القومَ عِلمٌ ناقصٌ
وخَبالٌ كلُّ هذا الِاعتقادْ
إنما الأمةُ جِسمٌ واحدٌ
رأسُه السادةُ والباقي السَّوادْ
فاحفَظوا الرأسَ فإن نال المُنى
طاب ذاك الجسمُ من بعد الفسادْ
علِّموا القادةَ حتى يُظهِروا
من بناتِ النيلِ ما أَخفَى الرُّقادْ
ما ارتقَى في الناسِ شَعبٌ ناهضٌ
دون أن يرفَعَ لِلبنتِ عِمادْ
فارفَعوها إنَّ في رِفعتِها
كلَّ ما نرجوه من هذا الجهادْ
ما أقامَ الأهلُ فينا معهدًا
يُرشِد البِنتَ إلى حب البلادْ
وهي أصلُ المجدِ إن نَحفِل بها
عَزَّ هذا الشَّعبُ في الدنيا وسَادْ
علِّموها حُبَّ إعلاء الوطنْ
وبلادِ النيلِ حَزْنًا ومِهادْ
علِّموا الغادة علمًا راقيًا
يَعرفِ الأبناءُ معنى الِاتحادْ

مكانة المرأة في الأمة:

يا مِصرُ إن جار هذا الدَّهرُ أو ظلَمَا
فأنتِ أنتِ التي ما نكَّسَت عَلَمَا
ومَجد فِرعونَ لا تُنسَى مَفاخِرُه
وكيف يُنسَى الذي قد شيَّد الهَرَمَا
لا تيأسي إن عينَ الله ساهرةٌ
وحُكمَه نافذٌ فاستَنهِضي الهِمَمَا
إن الذي خَلقَ الأَنعامَ سائمةً
لَسوفَ يُعطيكِ ما تَبغِينه كَرمَا
أبناؤك الغُرُّ لا يألون جهدَهمُ
فيما ترومين جاد الدهرُ أو حَرمَا
قد شاقَهم حُسنُ وادي النيل فانبَعَثوا
يَستعذِبون لِما يَرجُونه الأَلَمَا
وقَلبُنا الصَّلدُ لم يَحفِل بِعاطفةٍ
غدًا لِحُبكِ يشكو السُّهدَ والسَّقَمَا
لولاكِ ما انبَعثَت فينا الحياة ولا
رَفعَت أناملُنا في مَبحثٍ قلَمَا
يا قومِ إن بلادَ النيلِ يُعوِزُها
عِلمٌ يُجدِّد مجدًا بات مُنصرِمَا
والبنت أَصلُ رُقيِّ الشعب إن جَهِلَت
مال البناءُ الذي نرجوه وانهدَمَا
فعلِّموها تَسُد مِصرٌ بها وكَفَى
أن تَغرِسَ المَجدَ في الأبناءِ والشِّيَمَا
تأثيرُها في نُفوسِ القومِ يُنكِره
من أَنكَر الشمسَ في الأفلاكِ واتهَمَا
لولا الفتاةُ لما قالَت أوائلُكُم
شِعرًا ولا اقتحَموا جَيشًا قد اضطَرمَا
لا تَحسبُوا البأسَ تَحميكُم بَوادِرُه
منَ الخضوعِ لِما تَهوَى وإن عظُمَا
لهَا الجَنَانُ الذي لم يَنبُ صارمُه
عمَّا أراد من الدنيا وما عزَمَا
يُطيعها البطلُ الصِّنديدُ ما أَمرَت
فكَم أساءت وكم قد قدَّمَت أُممَا
جَهَنَّمُ الكون إن ساءت وجَنَّتُه
إن مال رائدها للخير وانتظَمَا
فكيف نَرضى بأن نُلقي بها عبَثًا
إلى معاهدَ لا ترعى لنا الذِّممَا
تَبُثُّ في نَفسِها ما شاء مُنشِئُها
من الغرورِ فتَنسى المجدَ والشَّمَمَا
فعلِّموا بنتَ وادي النيل رِفعتَه
حتى تُحرِّك في حب البلاد فمَا
لو أنها عَرفَت مِقدارَه عِظمَا
باعت لِتفدِيهِ نفسًا حُرةً ودمَا
قد أَهملَ الشَّرقُ إعلاءَ النساءِ وفِي
رُقيِّهِنَّ فَخارُ الشَّرقِ لو علِمَا
وغَرَّ أبناءَ مِصرَ مَينُ غاصِبهِم
فخَلَّفُوا العملَ المبرورَ مُنعدِمَا
يَسرُّنا حسنُ ألقابٍ ومرتبة
فلا نحرِّك في نَيل العُلا قدَمَا
لا تَتبَعوا الجُبن واسعَوا في مناكبِها
فقد يُصادِف ربُّ الجُرأة النِّعَمَا
نالُوا بأفرادهم ما شاء مجدُهمُ
وخلَّف الضعفُ في أفرادنا النَّدمَا
إن سار فيهم إلى نَيلِ العُلا أحدٌ
أعانه الشعبُ فيما يبتغي فسَمَا
ونحنُ إن سار فينا للعُلا رجلٌ
مِلْنا عليه بِسيفِ اللَّومِ فانهزَما
ثِقُوا بِمقدرةِ المصريِّ واعتَصِموا
فليس يَفشَل شعبٌ بات مُعتصِمَا
وشَجِّعوه على الأعمال يَطلُبها
يرمي بِسهمَيه إن ذاك الغريبُ رمَى
فإنما الشعبُ بالأفراد إن غنِمُوا
في ساحة العمَل الراقي فقَد غنِمَا

استقبال العام الهجري سنة ١٩٢٥، وفيه إشارة إلى حالة رجال التعليم:

أطَلَّ هِلالُ العام علَّكَ مُوفَدُ
بما يُرتجَى من عِزِّ مِصرَ ويُقصَدُ
ولا تكُ بَسَّامَ المُحيَّا بَشُوشَه
وفي طيِّ ذاك الحقدُ باقٍ مُخلَّدُ
أَبِنْ لِبَناتِ النيلِ هل فيكَ غِبطَةٌ
لَهُنَّ أم الشَّرُّ القديمُ المُؤبَّدُ
وهل وَجهُك الوَضَّاءُ يهدي إلى العُلا
أمِ النارُ يُذكِيها العدُوُّ ويُوقِدُ؟
ويا وَجهَ هذا البدْرِ هل جئتَ ساطِعًا
لِتُرشِدَ أبناءَ البلادِ فيَسعَدوا
ويُظهِر ذاك الضوءُ ما غيَّبَ الأُلى
أهانوا بلادَ النيلِ ظلمًا وأفسدوا
ضياؤكِ هل يَهدِي الكنانةَ بعدما
أقام بنِيها القاسطون وأَقعَدُوا
وهل وجهُك الوضَّاحُ وجهُ مُسالمٍ
يُطِلُّ فيُرضِينا سَناه المُجدَّدُ؟
يَمِيلُ لمصر إذ تُشاكِل حُسنَه
ففيها نجومٌ في الرياض وفَرقَدُ
بلى أنتَ جاسوسٌ أَردتَ خديعةً
فبتَّ تُراعِينا وطَرفُك مُسهَدُ
كذلك تأتي كل عام كأنما
ضياؤك لِلقومِ المُضلِّين مُسعِدُ
لَعلَّكَ تهوى مِصرَ يا بدرُ جاهدًا
فتَكرَه أهلِيها لِذاكَ وتَحسُدُ
كما تَيَّمَ الأقوامَ من مِصرَ حُسنُها
فأرغَوا على أهلِ البلاد وأزبَدوا
وسَدُّوا سبيلَ المَجدِ عنا وما دَرَوا
بأنا بذاك الضَّغطِ نعلُو ونَصعَدُ
فيا بهجةَ الدنيا جمالُكِ جَرَّهُم
ولولاه ما كُنا نُهان ونُوعَدُ
أجلْ شاقَهم ذاك الجمالُ فأَقبلوا
كما شاق أَهليكِ من اللهو مُفسِدُ
لعل بَنيكِ يقتدون بِفعلِهم
فيجذبهم منك الصعيدُ المُنضَّدُ
يَهيمُون في حُبِّ الحِسان وفاتَهُم
بأنَّكِ أبهى الغانياتِ وأَمجَدُ
لِذلِكَ صُنتِ عَذبَ نِيلكِ عَنهُمُ
وقد طابَ منكِ للأجانبِ مَورِدُ
ضَنَنتِ عليهم إذ رأيتِ عُقوقَهم
وجُدتِ بما يهوى الغريبُ المُطرَّدُ
فلا تغضبي يا مصرُ منهم فإنهم
أهابَ بهم في حَلبةِ الغي مَقصِدُ
لكِ الحب ممن ليس يعرف قلبُها
غرامًا فهل يُرضيكِ ذاك التودُّدُ؟
أُحِبُّكِ حتى إن دهَتني مصيبةٌ
من الحب لا أشكو ولا أَتردَّدُ
ويَعذُب فيكِ ما أَمرَّ وما حَلا
وإن قَصَد الأعداءُ ذُلِّي وندَّدُوا
وأَسعَدُ يومٍ في حياتيَ أن أرى
وقد حاط بي أعداءُ مِصرَ وهدَّدُوا
وقفتُ حياتي لِلعُلومِ لعلَّني
أُساعِدُ مِصرًا في العُلا وأؤيِّد
فإن خَذَلَتني الحادثاتُ فما أنا
بأَوَّل جمَّاعٍ لِدهرٍ يُبدِّدُ
وما طَلبَت نفسي من العَيش غايةً
ولا حَلَّ من قلبي الهناءُ المُعدَّدُ
وأرضى بما لا تَرتضِيهِ ثَريةٌ
فما ضَرَّني مالٌ لدى الخَطْب يُفقَدُ
سأرضى بما يُرضيكِ يا مصرُ من أذًى
وإن أَكثَر العُزَّال لَومِي وفنَّدوا
يُعلِّمُني حبَّ البلادِ مُملَّكٌ
شَغوفٌ بإعلاء الكنانةِ مُفرَدُ
فعِش يا أبا الفاروقِ للنِّيل عُدَّةً
تَجودُ بما تهواه مصر وتَنشُدُ

العام الهجري سنة ١٩١٩، بعد وفاة المرحوم السلطان حسين:

نَوَدُّ له العُلوَّ وإن تعَالَى
هِلالٌ يملأ الدنيا جَمالَا
نُريد بِوجهِه الوضَّاحِ خيرًا
وأن نحظى بما نهوى اتصالَا
عسى العامُ الجديد يحل فينا
بما نرجوه يُمنًا واعتدالَا
فيُسكِن ثائرَ الأقوامِ طرًّا
وتُصرَف عنهمُ نُوَبٌ تَوالَى
ويَرجِع للسكينةِ كلُّ حيٍّ
فقد ذاقوا من الحرب الوبالَا
وقدَّ مل الفقير العيش فينا
وأصبح ذو القوى يشكو الكَلالَا
سئمنا نحن أخصبهم بلادًا
وأقصاهم عن الهيجا مجالَا
وأَبعَد مَن تألَّم مِن لظاها
وأحسن من على الغبراء حالَا
فمَا بَال الأُلى شَهِدُوا عناها
وكابَدَ جيشُهُم ذاك القِتَالَا
فيا عامًا يكون السلم فيه
لَأَنتَ أجَلُّ ما نَدعُو ابتِهالَا
فإن يَهدَأ بكَ الأقوامُ جأشًا
فإنكَ أحسنُ الأعوامِ فالَا
وإن ولَّى القديم بِفَقد شَهمٍ
فقد يُحيِي الجديدُ له مِثالَا
ويا فتياتِ مصرَ لكن بشرى
يُحقِّقها لنا المولى تعالَى
فقد أَحيَا الحِجَى العام المُولِّي
وسوف نرى من الآتي كَمالَا
فما عاقَت عنِ العَليا خُطانا
لظًى لِلحربِ تشتعلُ اشتعالَا
قطَعنا الوقتَ في درسٍ وجِدٍّ
ولم نَشكُ السآمةَ والملالَا
وكنا في زمان الحرب سِلمًا
فلم نَحفِل بما قالوا وقالَا
وما دمنا على ما نحن فيه
فسوف نرى الكرامةَ والجَلالَا
وسوف تسود مِصرُ بما بنَته
لها الفتياتُ جدًّا واشتغالَا
وتحيا أمةٌ ماتت لجهلٍ
وتهدِي طِفلةُ النيل الرجالَا
فما سعِدَت بِغيرِ العلم قومٌ
ولا حَطَّ الرخاءُ بهم رِحالَا
ولَا ارتفَعَت رجالٌ أثقَلَتهم
نساؤهُمُ بما تأتي ضلالَا
وهل يَرقَى إلى الأفلاك قومٌ
ونصفُ القوم مُضطرِبٌ خبالَا؟!
إذا ما شُلَّ نصفُ المرء يومًا
فقد خارَت عزائِمهُ ومالَا
فإن جهِل النساءُ فلا تُرجُّوا
من الأيام ما عِشتُم نَوالَا
ولولا الشرقُ حقَّرهنَّ جهلًا
لَفاقَ الغربَ عزًّا واستَطالَا
تغالى في إهانتِهنَّ ظلمًا
فكان هلاكُه فيما تغالَى
له المجدُ المُؤثَّلُ من قديمٍ
أزالَته جهالتُها فزالَا
وشيَّدتِ النساءُ بما أتَته
لِذاك الغربِ أبنيةً فطَالَا
فإن سهُلَت لنا طرق المعالي
فقد نِلتُم من العَليا الوِصالَا
وإلا فاندبوا حظًّا تولَّى
فلن يدنو المرامُ ولن يُنالَا
أتى العامُ الجديد بما رجَونا
وفجَّر مَنبعَ العَليا فسالَا
وكم قد حرَّموا العِرفانَ فينا
فأصبَحَ وِردُه سهلًا حلالَا
وسوف نرى الفتاةَ وقد تسَامت
وكان عُلوُّها قدمًا مُحالَا
ونالَت مصر مَقصِدها وأَضحَت
تتيه به على الدنيا دَلالَا
شُغِفتُ بحب مصر فلستُ أَقوى
لِغيرِ هواكِ يا مصر احتمالَا
ولولا العجز يمنعني وعِيٌّ
لَقُلتُ قلائدَ المدحِ ارتجالَا

تعليم النساء:

بالعلم تَرتفِع البلاد وتَظفَرُ
ويَسودُ بعد خُمولهِ المُتأخِّرُ
فإذا ولاةُ الأَمرِ رامُوا نَفعَها
عمَدوا إلى دُورِ العلوم فعمَّروا
وتعهَّدوا التعليم فيها بالذي
يُرجى لهم منه النجاحُ وأَكثَروا
ولَخيرُ ما تعلو به أوطاننا
عِلمٌ تُواليهِ الفتاة فيُثمِر
عِلمٌ تعزُّ به الفتاة وترتقي
وتسود حين تكون أُمًّا تُبصِرُ
فإذا المليك سعى إلى تَعليمِها
فانعم بما فعَل المليكُ الأَكبرُ
واشكُر له حُسن العناية بالذي
يُعلي البناتِ فذاك فضلٌ يُؤثرُ
وابسُط يدَ الترحابِ في تَشريفِه
لِمعاهدٍ منهن مَلأى تُزهِرُ
إن النساء عِمادُ كلِّ فضيلةٍ
فإذا هوَت فالفضلُ قاعٌ مُقفِرُ
إن النساء يدُ الرجال وعونُهم
فإذا هوَت خاب الرجال ودُمِّروا
إن النساء تُقيم مَيلَ وليدِها
فإذا ارتقت طابت وطاب العُنصرُ
إن النساء إذا تَنوَّرَ عَقلُها
بالعِلم فهي أَجلُّ ذُخرٍ يُذخَرُ
ترضى العلا وتنال ما يُرجى لها
من عفةٍ وفضائلٍ لا تُنكَرُ
لا ترتقي أُممٌ بغير نسائها
أبدًا وتعلو بالنساءِ وتَفخَرُ
هذي نساءُ الغربِ قد طارت بهِ
فوقَ السها والشرقُ لاهٍ يَنظرُ
هذي سبيل المجد إن شئتم فلا
تتواكَلوا فيها ولا تتأخَّروا
إني أُبشِّركُم بفوزٍ عاجل
إن صار لِلفتَيات شأنٌ يُذكرُ
من رامَ للأوطان عزًّا فليكن
لمعاهد الفتيات عونًا يَنصرُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤