الباب الثالث

في الشكوى من الزمان

شكوى من حالة المدارس الأخلاقية:

يا دهرُ كَم تَعدُو وكَم تتَقلَّبُ
وتفَلُّ عَزمَ العاملِين وتُتعِبُ
إن كان ما تبغيه ذُلِّي فالذي
تبغيه لا يرضاه شَهمٌ طيِّبُ
حالي كما شاهَدتَها من شدَّةٍ
ما صدَّني عنها العدُوُّ الأغلبُ
ما فلَّ عزمي حادثٌ فيما مضَى
بل زادني علمًا بما يتعقَّبُ
ما ازدادَ دهري في التعنُّت والأَذى
إلا بلغتُ من العُلا ما يَصعُبُ
ما ضرَّني لقبٌ يزول ورُتبةٌ
ما دام في الألقاب ما لا يَعذُبُ
ما كنتُ من أهل التنعُّم والحلى
كيما أخافَ من الزمان وأَرهَبُ
ما لذَّ لي يومًا طعامٌ طيِّبٌ
أو نالَني مالٌ أقول سيَذهَبُ
حالِي كأهلِ الفقرِ فيما كابَدوا
من مَلبسٍ أُتعِبتُ فيه وأُتعِبوا
أَهوَى التقشُّفَ ما استطعتُ فإن مضى
مالٌ أُفرِّقه فماذا أندُبُ
الرزق في الدنيا كَثيرٌ واسعٌ
عينٌ تفيض به وأُخرى تَنضبُ
ما الخوف إلا أن يُقالَ تقَهقَرَت
جُبنًا ولمَّا يأتِ ما تتطلَّبُ
غَرسِي أخافُ عليهِ من وَقعِ الرَّدى
بعدَ الكمالِ وذاك غَرسٌ طيِّبُ
غَرسٌ سهِرتُ الليلَ في تقويمِه
حتى نمَا فلَه أَبَشُّ وأَغضَبُ
جاهدتُ لا أبغي الثراءَ وإنَّما
فخرُ البلادِ وعِزُّها ما أَطلُبُ
سيَّان عندي المال أو فقدانُه
إن فاتني مما أُحاوِل مَأربُ
أَرجو لِبنتِ النيلِ كلَّ فضيلةٍ
لا تَعبثُ الأيدي بها أو تَلعَبُ
ويُحارِبُ الدهرُ الخئون مآربي
ويُعينُه نزَق الرجالِ فيَغلِبُ
علماءَ دينِ الله ماذا صَدَّكُم
والناسُ يُعجِبُها الفسادُ فتَطرَبُ
أَضحَت ديار العلم تحت عُيونِكم
فضلٌ يموت وعِفَّة تَتعذَّب
حاولتُمُ الإصلاحَ في تمثيلِنا
وتركتُمُ لِلعلمِ دَورًا تَخربُ
ولُّوا إلى دُورِ العلوم وجوهَكُم
وتعهَّدوها بالنصيحة واكتُبوا
فعسى يُفيق المُفسِدون فإنهم
أخفَوا بما فعَلوا الكمالَ وغيَّبوا
يا أيها الملكُ المُفدَّى مُلكُه
فَخرُ البلادِ وعِزُّها لك يُنسَبُ
فاعطِف على دُورِ العلومِ فإنها
ترجوك للإصلاحِ فيما تَطلبُ

في الموضوع أيضًا:

أتى الليلُ واستَعصى المنامُ المُحبَّبُ
وباتَت تُوافيكِ الهُمومُ وتُتعِبُ
وما أنتِ من أهل المُجونِ فتَسهري
ولا لك في باب السياسة مَأربُ
فماذا أطارَ النوم عنكِ وقد مضى
من الليل ثلثاه وها الثلث يَذهبُ
أتخشَين جَورَ الدهرِ والعيشُ ناعمٌ
وحولَكِ أقوامٌ على الدهر غُلَّبُ
نعم قد أخاف الدهرَ إني عرفتُه
وأخشى كلام الشامتِين وأَرهَبُ
يقولون ماذا تَستفيدُ من العَنا
فتاةٌ بِطولِ العمر تَشقَى وتَدأبُ
تَجِدُّ ولا تَلقَى من الفَضلِ مُنجِدًا
فلا كان قلبٌ بالعُلا يَتعذَّبُ
وقد أَسرفَت في الجِدِّ حتى تضاءلَت
وكادَت بقايا جِسمِها تتغيَّبُ
وهذا جزاءُ المُسرفِين فما لها
تلومُ على هذا الزمان وتَعتِبُ
ولو أنها هانت لزالَت هُمومُها
وكانت كباقي الناس تلهو وتَلعبُ
فهذا كلام الشامتِين وإنه
أشدُّ من الموتِ الزؤام وأَصعَبُ
وإني وإن جارَ الزمانُ عزيزةٌ
فلا أَنثنِي جُبنًا ولا أَتقلَّبُ
سأَصبِرُ في حربِ الزمانِ وأهلِه
وإن جمَعوا أعوانَهم وتألَّبوا
أُحارِبهم بالحقِّ حتى أَصُدَّهم
وسَرعَانَ ما يَعلُو المُحِقُّ ويَغلِبُ

شكوى أخرى:

ساءَ هذا الدهرُ كم يُردي الذكيَّا
ويُجِلُّ القوم مغرورًا غبيًّا
لا يرى العُميانُ ما فَخرُ الثريَّا
فاعذرُوهم إن يظنُّوا الرُّشدَ غيَّا
ودنيء الطبع لا يَهوى العليَّا
ليس يرضى الشهم أن قالوا تصدَّى
لفتاةٍ أو على فضلٍ تعدَّى
ويظن الغِرُّ سوءَ البطشِ مَجدا
فيُعادي ذات خِدرٍ مُستعِدا
أن ترى العذراءُ ظلمًا سمهريَّا
رابَه منها رداءٌ لا يُزان
وفؤادٌ ليس يدري ما الهَوان
ثُمَّ أعياه لدى القول البيان
قد رأى شهمًا وحيَّره العِيان
فغدا في الظلم جبارًا عتيَّا
قد رأى في الجبن خِذلانًا وعابَا
فأراد الحربَ لا يدري الضِّرابَا
خاف إن لاقى هُمامًا أن يُصابَا
فانثَنَى يغتال من أَرخَت حجابَا
كي يقولَ الناسُ أرهبتَ العَصِيَّا
قد نجحتَ اليوم فاهنأ بالمُراد
أن كلَّ الفَخرِ في لبسٍ وزاد
متِّع الطرفَ بحسنٍ في ازدياد
ودلالٍ ناعمٍ سهلِ القِياد
واتركِ المعروفَ والفعلَ السويَّا
إن تكن هدَّمتَ ما قد شيَّدوه
فلقد أظهرتَ ما لم يُظهَروه
تطلبُ المدحَ ولمَّا يطلبوه
ولذا أنفقتَ ما لم يُنفِقوه
للصحافيِّين كي تُطرى مليَّا
هل تُداري السوء يومًا بالصلاةِ
وتظن اللِّين يُخفي السيئاتِ
إن ما تجنيه من ماضٍ وآتِي
ليس يُخفيه ادعاءُ الصالحاتِ
فاترك البُهتانَ والقَولَ الفَريَّا
قل لمن قد ذاد عنه جئتَ عارا
كيف ترضى لأخي الظلم انتصارا
تَعلم الحقَّ وتُخفيه اضطرارا
يا زكيَّ القلب ما هذا فَخَارا
قد عهدناكَ هُمامًا عبقريَّا
قد أخافُ عليك من نظر القضاةِ
يوم تُرمى بسهامٍ صائباتِ
ويطول القول في ماض وآتِي
وكلامُ الصدق أمضى القاطعاتِ
يُخرِس المِقوالَ والشهم الذكيَّا

شكوى من التعليم:

إذا ألقتِ الأقدارُ يومًا جواهرَا
بأيدي وحوشٍ ضارياتٍ كواسَرا
فقَدْ فقَدَ الدُّرُّ النفيسُ فَخارَه
وصار حشيشُ الأرضِ أغلى وأفخرَا
ولو وسَّط الأعجامُ سحبانَ قد أتى
بِخطبتهِ الفيحاءِ لارتدَّ خاسرَا
فكيف ينالُ النبهَ في الناسِ فاضلٌ
وقد صار كلُّ الناس غِرًّا وفاجرَا
فلا تَتخطِّي الحزمَ يا نفسُ واعلمِي
بأن لهذا العمرِ ما طال آخِرَا
وإن كُدِّرَت دارُ الفناء التي هي
طريقُكِ للأخرى فقد يُحمَد السُّرَى
ومُرُّ مذاقِ السيرِ لولاه ما غدَت
حلاوةُ وَضعِ الرَّحلِ تُغري المُسافِرَا
فعُمرُكِ يومٌ ثم ليلُكِ حَشرُه
ومن رَقدَ الأيامَ فليُمسِ ساهِرَا
وغايةُ نَيل العِلم طلبتُكِ التي
أَرَتكِ نِيابَ الدهر سُودًا كواشِرَا
وقد أَبَتِ الأيامُ تَتميمَها فلا
فؤادُكِ مرتاحًا ولا النُّجحُ ظاهرَا
رأيتِ بِدورِ العِلم غير الذي به
أخو أدبٍ باهَى الزمانَ وفاخَرَا
وأكثرُ ما يأتيكِ في الدرسِ لا يَفي
بحاجةِ راجي العِلم إلا تظاهُرَا
فكنتِ كرامٍ وسْط بَحرٍ شِباكَه
لِيُخرج أسماكًا ويرتدَّ ظافِرَا
وأَخرجَ بعد الجهدِ أَغلبَ صيدِه
حصًى فرماه في الترابِ وبَعثَرَا
لَعلكِ إن داومتِ تعلقْ تَصادُفًا
شِراكُكِ بالمرجُو وإن كان نادِرَا
بقاؤكِ فيمن تُبغضِينَ لحاجةٍ
متى قُضِيَت نِلتِ المُنى المُتعذِّرَا
أُعلِّل نفسي بالرحيلِ إذا انقَضَت
لبناتها كي تَستقِرَّ وتَبشُرَا
وربَّ ظلومٍ من بني الدهر ساءني
لذا كرِهَت نفسي المُقامَ المُشهَّرَا
وعلَّمَني دهرِي محاباةَ ذي الغِنى
وخَفضَ جناحِ الذُّلِّ إن شمتُ قادِرَا
ولمَّا رآني لستُ من أهل فنه
وعايَنَ باعي في التملُّق قاصِرَا
أَثارَ عليَّ الحربَ حتى يُذِلَّني
وأَسلمَ حَبلي جائرَ الحُكمِ غادِرَا
ويَمنعُ ذُلِّي عِزةٌ عربيةٌ
ولو فعل الدهرُ الخئونُ الذي يَرَى
أَنخفِض ذُلًّا للغريب رُءوسَنا
ونَهدِم بيتًا في ذُرا العِزِّ عامِرَا
نَروم بِذُل النفس عزًّا لذي العِدَى
وإن سنَح الأهلون نَعلُو تَكبُّرَا
فيا أُمةَ القرآنِ لا تجعلوا الذي
يُكذِّب بِالحُسنى وليًّا وناصِرَا

بعد إلغاء مدرسة معلمات المنصورة:

يا نفسُ لا تَطمَعي في الصَّفو والجزَل
وانفِي المُحالَ ورُدِّي خاطِر الأَملِ
لو لم تكوني بِحُسنِ الظنِّ مُولَعةً
ما ضاع عُمركِ في كدٍّ وفي عَملِ
قالوا ينالُ نصيبًا كل مجتهدٍ
وها نَصيبُكِ من نصبٍ ومن عطَلِ
ليس اجتهادُ امرئٍ في الناس يُسعِده
وربما تمَّتِ الآمالُ بِالكسَلِ
حتَّامَ أزرعُ في الدنيا بلا ثَمرٍ
وبِالتعلُّل تُقضَى مُدَّة الأجلِ
هلَّا قضيتِ من الأعمالِ لي وَطرًا
وقد مضى البعضُ من عُمري على عجَلِ
سَعيتِ في السبقِ حتى نِلتِ أَوَّلَه
ولَستُ أعلمُ أن الهم للأولِ
فأعقبَ الدهرُ بعد الكَدِّ لي ندمًا
وهكذا الدهرُ فيه خيبةُ الأملِ
حالي لكلِّ لبيبٍ أُسوةٌ ولَه
فيه النصيحةُ عند الحادثِ الجَللِ
قد كنتِ بين فتياتٍ إذا دُعِيَت
لِلعِلمِ كنتِ لها كالنُّورِ لِلمُقلِ
فازَت بِنَيلِ أَمانِيها بِلا تَعَبٍ
وخيَّب الدهرُ آمالي فما عَملِي
وقد بُليتُ بقومٍ لا ذَكاءَ لهم
لَديهِمُ الجِدُّ في العَلياءِ كَالكسلِ
والصبحُ كالليلِ في عينَي أخي رَمَدٍ
والفَضلُ كالنَّقصِ عند المَعشرِ السفلِ
ماتَت لِذلكَ آمالي فوا أَسَفًا
والعَيشُ لذَّتُه في بارقِ الأملِ
وقد رَمَتني الليالي من كِنانتِها
بِأحمقٍ سافلِ الأخلاق مُختبلِ
كم صال يُرهِقُني سعيًا لمأربه
ولو رأى خطةَ الإنصافِ لم يَصلِ
أصاب قَلبَ رجائي واستهانَ به
فيا لَه قاتلًا لم يُرمَ بِالوَجلِ
ومُجرمُ القومِ مأخوذٌ بِفعلتِه
وذاك تنصره الأقوامُ في الخَطلِ
لو بالفضيلةِ والبرهانِ ناضلَني
لَارتدَّ من ساحةِ الهيجاءِ بِالفَشلِ
لكن بِسُلطتِه والدهرُ واهِبُها
لمن يشاء بلا فَضلٍ ولا عَملِ
لا تَحسبوه بِسلبي المالَ مُقتصرًا
فالمالُ عاريةٌ إن تأتِ تَرتحلِ
لي عِندَه ثأرُ مَوتورٍ على شَرفٍ
إن لم أنَلْه فإن الموتَ أفضلُ لي
حتَّامَ يا مِصرُ ما فيكِ أخو ثقةٍ
يَفُوه بِالصِّدقِ في تكذيب مُنتحلِ
يمُد لِلحقِّ كفًّا ليس يُرهِبها
ظُلمُ الظَّلومِ ولا يَغترُّ بِالحِيلِ
كفَى بِجهلِ أهالِيك انحيازُهمُ
إلى القويِّ وإن يعكُف على الذللِ
أَخلاقُهم كصفات الماء حائلةٍ
يا شرَّ مُنقلبٍ منها ومُنتقلِ
والماء يُغريك بالألوان يَسرقها
من الإناءِ وأشكالٍ على نحلِ

بعد إلغاء قرار المجلس الخاص بإلغاء المدرسة وإعادتها كما كانت:

قد صفَا الدهرُ وخاب المُستبِد
رَبِّ أَرشِدنا إلى الرأيِ الأَسَد
ساءَهم يا مِصرُ إدراكُ العُلا
فرمَوك بالرَّزايا والنَّكَد
وسعَى المغرور فينا طالبًا
أن يذودَ الخيرَ عنا ويَرُد
هادِمَ التعليمِ لا كان الذي
يَهدِم العلياءَ فينا ويهُد
أنتَ غرسُ النيلِ هلَّا صُنتَهُ
وبَذرتَ الخيرَ في هذا البَلدْ
صدَّك الإعناتُ عن فعل العُلا
ولهاك الحِقدُ عنه والحَسَد
إن يَعُقَّ النِّيلَ فَردٌ واحدٌ
فبَنوهُ الغُرُّ موفورو العدَد
كم بنَوا في مصر دُورًا للعُلا
عجَز التخريبُ عنها فقَعَد
حاول الأفَّاكُ أن يُخفي الذي
خلَّفوه من ثناءٍ وقَصَد
فتَولَّاه خبالٌ وانثنَى
هل يُطيق الذئبُ إذلالَ الأَسَد
ما كفَاه خيبةٌ صادَفَها
في ذُرا الفَيُّوم إذ كَرَّ وشَد
فأرادَ الثأرَ كي تَتْبعَها
خيبةٌ أخرى لما رامَ وَقَد
مِصرُ يا أُمَّ المعالي والأُلى
هُم لأهلِ الفَضلِ في الدنيا سَنَد
هَل بَنوكِ مِنهمُ هذا الذي
أَخجلَ الأوطانَ لا كان الوَلَد
أنتِ فِردَوسٌ وهل في جنةٍ
يدخلُ الشيطانُ صلَّى أو سَجَد
لا يَغُر الناسَ مِنه لِينُه
إنما الرقطاءُ مَلساءُ الجَسَد
لم يَسُؤنِي إذ تَعدَّى حَدَّه
بل أساء النِّيلَ ظلمًا وجَحَد
أنا لا أَبغِي ثراءً أو مُنًى
فأقول القصدُ ولَّى أو فُقِد
إنما غايةُ نفسِي أن تَرى
معهدًا لِلبنتِ مرفوعَ العَمَد
وكفَاني أن أَراهُ سالمًا
بعد عامٍ ضاع في أخذٍ ورَد
لم يَعبني تَعبٌ لاقَيتُه
ليس يخلو من عَنا الدنيا أَحَد
أنا والأيامُ لا تُنكِرني
لا أُبالي طابَ دَهرِي أم فَسَد
مَعهدَ التعليم أَجهَدتَ الذي
كان يَبغي السوءَ ظُلمًا فخَمَد
قد سَلِمتَ اليومَ فابقَ زاهرًا
وفدَاك الروحُ مني والجَسَد

في نفس الموضوع:

لقد زال ما تَخشَين يا نفسُ فانعَمِي
ودُومِي بِخيرٍ طِفلةَ النِّيلِ واسلمِي
وتِيهِي بِعِلمٍ لن يزولَ سَناؤه
وجُرِّي ذيولَ الفَخرِ في مِصرَ واغنَمي
ويا دارَ تعليمِ البناتِ لقد مضى
بلاؤك فاسعَي في العُلا وتقَدَّمي
بِناؤك مرفوعُ العِماد مَتِينُه
فأنتِ بحمدِ الله لن تَتهدَّمي
ستَرقَينَ ما شاء الإله إلى العُلا
وتَبقَينَ رغم الحاسِد المُتألِّم
بقاؤك سَعدٌ للبلادِ وغِبطةٌ
وهل يَرتقي قومٌ بغير التعلُّمِ
وجُلُّ مرادي أن أراكِ رفيعةً
تَحلِّين في أسمى مكانٍ وأَعظمِ
ولستُ أُبالي إن نأيتُ فإنني
إلى المجدِ أسعى لا على المال أرتمي
وما ضرني مالٌ يضيع ورُتبةٌ
وخيرُ بلادي كلُّ ربحي ومَغنمِي
سأرحلُ عن دارٍ لِأخرى أَشيدُها
فأفتح أبوابَ العُلا والتقدُّمِ
وأَترُك في المنصورةِ العِلمَ شاهدًا
بِعزمِ فتاةٍ تَستَبِد بِضَيغَمِ
أرادَ اعتداءً أن يُوارَى فَخارُها
فباءَ بعارٍ ليس يُمحَى ومَأثمِ
يُضحِّي انصياعًا لِلغوايةِ والهوَى
بلادًا تُفدَّى بالنفوسِ وبالدمِ
مصالحُ أقوامٍ تضيع لِغايةٍ
فتُظلَم لم تَجنِ بأيدٍ ولا فمِ
لذا شاء أمرُ الله أن تُنصرَ العُلا
وأن يُبتلَى منا الظَّلومُ بأَظلمِ

شكوى من الدهر، تخاطب فيها الشاعرة شقيقها المرحوم موسى بك محمد وهي لا تزال في السنة الرابعة الابتدائية:

إلى المقصودِ هل أجِدُ السبيلَا
فأذكُر بالثَّنا الصبرَ الجميلَا؟
يُعادِيني الزمانُ وكم أَرَتني
مكائدُ أهلِه الخَطبَ الجليلَا
ويَثنِي همَّتي بالمكر حتى
وأيمُ اللهِ فضَّلتُ الخُمولَا
وأن أبا الزمان غدَا طريحًا
بسيفِ أبي على البَيدا قَتيلَا
فقَام سليلُه يَقتصُّ مِنِّي
بثأرِ أبيهِ ما أَشقَى السَّليلَا
وظنَّ الحُجبَ حاجبةَ المَعالي
فأَمَّ بذاك قَصدًا مُستحيلَا
وما حَجَب الحِجابُ المجدَ عنِّي
ولا عاقَ الغِطا باعًا طويلَا
رَضعتُ صغيرةً ثديَ المعالي
فكيف يَسوغُ عنها أن أَحُولَا
وفي سنِّ الشبابِ عرفتُ لمَّا
خَبرتُ الدهرَ ما فاق الكُهولَا
فإن يَزوَرَّ عنِّي فلن أُبالي
إذا أَوليتَني مِنكَ القَبولَا
فنِعمَ الأخ أنتَ لدى الليالِي
كَسَيفِ الله لا تلقى فُلولَا
سَميُّ كليمِ رب العرش كِدتَ
تُضاهِي فِعلَه عِلمًا وطُولَا
فقد كان الدليلَ بِخوضِ بَحرٍ
وبحرُ العِلمِ كنتَ به الدليلَا
وقد أبدى اليدَ البيضاءَ فيهِم
وبيضُ يدَيك أَولَتنا الجميلَا
فألَقِ إن أردتَ إلى الليالي
عَصاكَ فإنها تُبدي الدخيلَا
وتَلقَف كلَّما صَنعَته ظلمًا
ويَقطَع حدُّها قالًا وقيلَا
ولا تلُمِ الفتاةَ على خُمولٍ
فما كَسلًا أردتُ ولا خُمولَا
أَتُوجِسُ خِيفةً وتظنَّ وهمًا
سِوايَ عليَّ يومًا أن تَطُولَا
وسِحرًا ما رأيتُ من الليالي
يُحيِّر دَهرُنا فيه العُقولَا
ومَوعِدُنا لقطعِ الشكِّ يَومٌ
به تَزوَرُّ من لَبِسَت حجُولَا
ويتسع المجالُ لذاتِ جِد
ويمكن عند ذلك أن تَصُولَا
وسَل إن شئتَ تَصديقًا لِقَولي
هُمامًا يفعل الحسنَ الجَميلَا
لِتعرفَ هل رأى مني ملالًا
وهل أَحجمتُ يومًا أن أقولَا
وهل أَلقَى دَرارِيه علينا
وكان بِجمعِها عزمي كليلَا
فحتَّامَ أرى فوقي أناسًا
أراني فوقَهم فعلًا وقِيلَا؟
وهل يُرضيكَ يا ذا النُّبل أنِّي
أُغادِر مَنطِقَ العربِ الجميلَا
وأُعوِجُ في كلامِهمُ لساني
لِيُعطوني المُسولَ والمَسولَا
ويأبى مَنطقِي إلا اعتدالًا
كما عَوَّدتَني الزمن الطويلَا
ولكني سأبذل كل جهدي
لعلي في النهاية أن أَطولَا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤