الباب السادس

قصائد قيلت والشاعرة تلميذة بالمدرسة السنية

حريق ميت غمر:

أُناسٌ طاح عِزُّهمُ وحالَا
وحَطَّ البَينُ بينَهُمُ الرِّحالَا
وسَلَّ حُسامَه فأثار نارًا
بِدارِ القوم تشتعل اشتعالَا
فدمَّرتِ الديار وما كفَاها
فغالت قاطنِي الدُّور اغتيالَا
فكم نفسٍ لها ذلَّت ودانَت
وكم من مهجةٍ نَوتِ ارتحالَا
وكم أمٍّ بكَت طفلًا تولَّى
وكم من طفلةٍ تَنعَى الرجالَا
وأَرضُهمُ التي كانت رياضًا
أزال الدهرُ رَونَقها فزالَا
وألبسها الحِداد على أُناسٍ
من النيرانِ قد ذاقوا الوَبالَا
تردَّت بعد سُندسِها سوادًا
وألقَت عن مَناكبِها الجَمالَا
فقام نساؤها يَلطِمنَ حُزنًا
ويَندبنَ المنازلَ والعِيالَا
وظل رجالُهنَّ بها حيارَى
يذوقون المَنونَ وقد توالَى
فهل يحلو لِنفسِ الحرِّ عيشٌ
وأهلُ بلادِه تلقى النَّكالَا
ويَفترِش الحرير ويرتدِيه
وتلك القومُ تَفترِش الرِّمالَا
فأين كرامةُ الإسلام فينا؟
وأين أوامرُ المولى تعالى؟
وأين المسلمات؟ لقد تولَّت
كأن حِجابَها حجَب النوالَا
وجادت غيرُها كرمًا وكانت
لِبذلِ المال لا تبغي السؤالَا
فيا فتياتِنا اللاتي توانَت
وهُنَّ أحقُّ بالعَليا اتصالَا
أتى يومٌ به تُعطَى المعالي
لطالِبها متى أُمهِرن مالَا
فدَعنَ العجزَ فيه والتراخِي
وكنَّ كالرجال به فِعالَا
فما عاق الحِجالُ فتاةَ قومٍ
عن العَليا وإن سدَلَت حِجالَا
ولا التأنيثُ ينقصها إذا ما
أَبَت أخلاقُها إلا الكَمالَا

حفظ حروف المعاني:

أشكو إليك حروفًا في تعلُّمها
حلَّت بقلبي من تَكرارِها العِللُ
إذن وإذ ما فما كرَّرتُها أبدًا
إلا بدت أدمعي كالسيلِ تَنهمِلُ
ولا ذكرتُ بلى والكافَ ثم جَلَل
إلا وخاب لدى تَذكارِها الأَملُ
جيري وحتى وحاشا بِتُّ أقرؤها
حتى ثنَى همَّتي عن حفظها المَللُ
علِّي بذلك لا أَلقَى العِقاب ولا
عن ساحة الكرم المأمول أَنتقِلُ

الصرف وفائدته:

دَهَتني صُروف الصَّرف لا دَرَّ دَرُّه
ولا خيَر في فعل إذا رُمتَ صرفَه
كما أنه يُخشى الزمان وصَرفُه
أرى الفِعل مرهوبًا لديَّ وصرفَه
فإن تَكسِروا للفعل عينًا فإنني
كسرتُ ذِراع الفعل عمدًا وأنفَه
وإن كان معتلًّا فلست طبيبةً
دعوه دعوه علَّه يلقى حتفَه

وصف الفتاة المُهذَّبة:

إن الفتاة تَبدَّى حالةَ الصِّغرِ
كزهرةٍ أَينعَت مجهولة الخبرِ
فإن تغذَّت بماء العلم نَبعتُها
أهدَت إلى الكون طِيب العَنبر العَطرِ
وزيَّنَت رَوضةَ الآداب يانعةً
وأَخرجَت ثمرًا من أَحسنِ الثمَرِ
وإن يفُتها التحلِّي وهي في صِغَر
بِالعِلم ذاقت عذاب الجهل في الكِبَرِ
فلا يَغُرَّ فتاةً حُسنُ منظرها
ليس التفاضل بين الناس بِالصُّورِ
ما الفضلُ إلا لمن طابت شمائلها
وأُلهمت في صِباها دِقَّةَ النَّظرِ
فقَلَّدَت بِحُليِّ العلم لبَّتَها
وكَحَّلَت ناظرَيها فيه بالسَّهرِ
وزانَها حُسن ألفاظٍ إذا نُثِرَت
على تَرائبِها أبهى من الدُّرَرِ
وظل بُرشدها العِلم الذي علِمَت
فكلُّ أعمالِها نَفعٌ بلا ضرَرِ

تهنئة أخرى بعيد الجلوس سنة ١٩٠٣:

رياضُ الهنا في مصر عاد سُعودُها
بِعيدِك يا عباسُ واخضَرَّ عُودُها
جَلستَ كهذا اليوم فوقَ أريكة
بطالعكِ الميمون قد لاح سَعدُها
فأَحييتَ روح الفضل فيها بحكمةٍ
وفاق الثُّريَّا وارتقى بك مجدُها
وبِتَّ تُراعينا بِعينَي مُسهَّد
فصيَّرتَ عين الصفو عذبًا وُرودُها
فلا زلتَ ذا التاجَين شهمًا مُملَّكًا
ويفديك من كلِّ النفوس فؤادُها
رأت منكَ أهل القُطرِ أكرم سيِّدٍ
فوافاك منها شكُرها ووِدادُها
تظنُّ جميل الشكل إذ نَطقَت به
يُقابِل نُعماك التي لا نَحدُّها
وكيف تفي أرضٌ بِشكرٍ لِغيثِها
ولولاه ما ابتَسمَت ولا فاح ندُّها
إذا لاح عباسٌ على هامة العُلا
بمصر ازدَهت تيهًا وضاءت بلادُها
تُنافِسُ فيك الدهر إنك ربُّها
وإنك يا ربَّ الكمالِ عِمادُها
تطير قلوبُ القوم ما لُحت وُلَّعًا
إليكَ فيَثنِيها الحيا ويرُدُّها
كأن الورى عينٌ وأنت ضياؤها
فلا كان إلا في بقاكَ مُرادُها
ولا رَكنَت إلا إليكَ أولو العُلا
ولا وَفدَت إلا عليكَ وُفودُها
ولو خالطَت شخصًا لِرفعةِ قدْرِه
نجومٌ لأضحى في ذُراك وجودُها
وإن أَروَى نهرُ النِّيل من مصر غَورَها
فبَحرُك عذبٌ منه تُروى نُجودُها
ولولا عطا يُمناك يا بَحرُ ساكبًا
لأُحرِقَ في جَمرِ الذكاء حَسودُها
حَلَلتَ بها مثل الربيعِ خصوبةً
فزالَت جيوشُ الهَمِّ وانحلَّ عِقدُها
وعلَّمَني الأشعارَ فيك مَكارمٌ
إذا عايَنَتها البُكمُ طاب نَشيدُها
فإن يَسألوا من أي بحرٍ نظمتُها
فأَبحُرُ شِعرِي من نَداكَ امتدادُها
حديثةُ عهدٍ بِالقَريضِ وغايتي
بذلكَ كفٌّ في ثَناك أَمدُّها
وصُنتُ مديحي عن سِواك فأصبَحَت
سُطورِيَ والعَلياءُ أنت وحيدُها
ولولاك ما رُمنَا من الضِّيقِ فُسحةً
ولا أَعجبَتنا في الأمانِي وعُودُها
رَفَعتَ لِواءَ العدلِ فينا بِصارمٍ
إذا صادَفَته الحادثاتُ يَصدُّها
وسُستَ بني السودان بالرأي حازمًا
فلانَت عواصِيها ودانت أُسودُها
فلا بَرِحَت مِصرٌ تراك عزِيزَها
كمالُك يُعلِيها وعِيدُك عِيدُها

تهنئة بعيد الخديوي سنة ١٩٠٤:

قد عاد عيدُك فيما أنتَ تَهواهُ
فلْيَهنِكَ السَّعدُ والإقبال والجاهُ
مولاي إن الليالي صافحَتكَ وها
وجهُ المَسرَّة قد لاحت ثُريَّاهُ
فاهنَأ بملكِكَ إن الله ثبَّته
وانعَم بدهرِكَ إن الصفو صافاهُ
ويا بني مِصرَ إن الدهر أنصفَكُم
وقد بلغتُم من المأمولِ أقصاهُ
بِحُكمِ شَهمٍ كريمٍ عن مَحاسنِه
كَلَّ الجَنانُ وفاقَ الحصرَ علياهُ
لم ينأَ يومًا عن العَليا ولا نَظرَت
عينُ البصير لِغيرِ المجد مسعاهُ
إن كان مغزى ملوكِ الأرضِ قاطبةً
تحتَ السماءِ ففَوقَ الشُّهبِ مَغزاهُ
يرومُ لِلمُلكِ ما لو رامَه ملِكُ
وساعَد الحظُّ كان الفوزُ عقباهُ
تُروى لنا عنه أخلاقٌ مُطهَّرةٌ
أَنْ ليس لِلملكِ العباسِ أشباهُ
أزهو على الدهر أنِّي من رعيَّتِه
والدهر يزهو به واللهُ يرعاهُ
زانت مبادئَ أَشعارِي مدائحُه
إذ زان كل امرئٍ بالشوق مَبداهُ
ولَستُ أعرفُ ما شوقٌ فأَشرحَه
ولو عرفتُ لما قدَّمتُ فَحواهُ
ما لي وذاكَ فرَبَّات الخِمارِ غدَت
والعِلمُ يَشغلُها في الناس مَعناهُ
أصبَحنَ ربَّاتِ عِلمٍ في زمانِ نُهى
ونِلنَ من شَرفِ العلياءِ أَسماهُ
بِهِمةٍ من مَليكٍ طالما قَصرَت
عنها المُلوكُ فلم تَظفَرْ بِعَلياهُ
ذاك الهُمامُ الذي فازَت بِطلعتِه
أبناءُ مِصرَ وحاكى النِّيلَ جَدواهُ
هذا سمُوُّ خِديوينا الذي فَتحَت
باب القَبول لراجي العلم يُمناهُ
باهي الزمانُ بعباسٍ وقد سَطعَت
شموسُ أفكارِه فينا وحيَّاهُ
عزيزَ مِصرَ لقد ذَكَّرتَها كرمًا
ما كان يوسفُ بالتدبيرِ أَولاهُ
فذاكَ بالحزمِ أحيا القُطرَ من عَدمٍ
ورأيُكم من مواتِ الجهلِ أحياهُ
فلنَزهُوَنَّ بِعيدٍ أنت صاحبُه
يرَى به الليلُ ضوءَ الصبحِ يَغشاهُ
كأنما الصبحُ من فرحٍ بعودتهِ
قد زاحمَ الليلَ كي يحظى بِمرآهُ
وسَلَّ سيفًا على الظلماء من حَسدٍ
زاح الظلامَ عن الأكوانِ حدَّاهُ
فأصبح الليلُ صُبحًا باسمًا نضِرًا
وحُسنُ ذِكرِكَ بين القوم حلَّاهُ
يميل كلُّ لبيبِ نحوه طرَبًا
إذ إنه اللفظُ والعباس معناهُ
كأنه الروضُ والأيامُ مُجدِبةٌ
فليس يُرجى بقاءُ العيشِ لولاهُ
تبدو مَناقبُكم فيه مُذكِّرةً
ما كان جَدُّكمُ في المجد أنشاهُ
فيا أميرًا له العَلياءُ صاغرة
والنصرُ في كفِّه والسَّعد مولاهُ
زيَّنتَ بالعِلم صَدر الغانياتِ فما
أبهاه في لبَّة الحَسْنَا وأَحلاهُ
صيَّرتنا كرجالٍ طالمَا شَرُفوا
به علينا فأعلى قَدْرَكَ اللهُ
هلَّا قبِلتَ جزيل الشكر من أَمَةٍ
تهديك من خالص الإخلاصِ أبهاهُ
لولاكَ ما عَرفَت نَظمَ القَريضِ ولا
حلَّت رَكائبها يومًا بمغناهُ
زانَ الأناملَ أقلامٌ أُحرِّكُها
في مَدحِ من زانَت الدنيا مزاياهُ
وصاغ لي الفِكرُ عِقدًا عند مدحَتِه
من خالصِ الدُّرِّ تهوى العينُ مرآهُ
فما ضنَنتَ بشيءٍ من ضياهُ وهل
يخفَى الحليُّ ولِلتزيينِ صُغناهُ
لعلَّ مولايَ بالإقبال يُسعِدها
فتكسبَ الفَخرَ في تقبيل يُمناهُ
ودام في نِعَمٍ ما قلتُ منشدةً
قد عاد عيدُك فيما أنت تَهواهُ

نيل مصر:

إذا ما النيلُ حطَّ بنا الرحالَا
وفاضَ على شواطئه وسالَا
وأهدَى مصر جِلبابًا مُوشَّى
بِفِضَّتهِ فألبسها جَمالَا
أرادت أن تُبارِيه فغطَّت
بِسندسِ نَبتِها تلك الرمالَا
وأَبدَت دُرَّها المكنونَ حتى
يطيبَ الضيفُ في الأحياءِ حالَا
وماسَ الغُصنُ من طرَبٍ وأَوما
بِشكرِ النِّيل إذ بذل الزُّلالَا
فنُخرِج من بطون الأرض تِبرًا
ونأكل طيِّبًا حسنًا حلالَا
ولا نَخشى من الأيام قَحطًا
ولا عُسرًا يُكلِّفنا السؤالَا
ولا بَردٌ يَضرُّ المَرءَ فيها
ولا حَرٌّ إذا ما الظِّل زالَا
فنِعمَ الأرضُ ما أَحسنتَ فيها
ولم تُطعِ الغوايةَ والضلالَا

عتاب لأخي صاحبة الديوان:

لعل الذي أعطاكَ بُغضِيَ عادةً
يُعلِّمني صبرًا على البعد ساعةً
هجرتَ فتاةً أنت نُورُ عُيونِها
وبُعدُكَ عنها يَتركُ الأُنسَ وَحشةً
فأين «صِلوا الأرحامَ» حتى قَطعتَني
وحتى أراني لستُ مِنكَ قريبةً؟
وآخيتَ بعدي واطَّرحَت أُخوَّتي
كأنِّي بلا عِلمٍ جنيتُ جنايةً
وما إن عَهِدنا في بنِ عمرانَ هكذا
على أهله بل طِيبَ نفسٍ ورحمةً
دعا ربَّه اشدُد بِهارونَ كاهِلِي
وإنك تَدعُوه عليَّ كراهةً
وأَذَقتَني من قَبلِ نَبتِ نَواجذِي
طعم الجفا فسئمتُ منه كآبةً
وطعامُ موسى وهْو حُلوٌ ملَّه
أقوامه من حيثُ دام سآمةً
فانعَم بتغيير الطعام تفُز بما
تَهواهُ واقبَل في الختامِ تحيةً

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤