الفصل الثاني

المشهد الثاني

علاقة (إيجية) لا تُنسى: القرن الرابع عشر قبل الميلاد
كان، ولا يزال، يُطلَق على التمثالَين الضخمين الواقفين عند مدخل معبد أمنحتب الثالث الجنائزي في كوم الحيتان — واللذَين يَزيد ارتفاعهما عن ستين قدمًا والمقدر لهما أن يقفا حارسين طيلة الثلاثة آلاف والأربعمائة سنة التالية، حتى عندما كان هذا المعبد الجنائزي تُسرق كُتَلُه الحجرية الضخمة وينهار ببطء متفتتًا إلى تراب — اسم «عملاقي (تمثالي) ممنون» نتيجة لخطأ في تحديد هويتهما على أنهما يُمثِّلان ممنون، الذي كان أميرًا إثيوبيًّا أسطوريًّا قُتِل في طروادة على يد أخيل. يُمثل كل تمثال أمنحتب الثالث، فرعون مصر من سنة ١٣٩١ إلى ١٣٥٣ق.م، جالسًا. كان التمثالان مشهورَين بالفعل منذ ألفَي سنة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى هذا التحديد الخاطئ لهويتِهما، فكان يَزورهما السائحون من قدماء اليونان والرومان المُطَّلعين على «إلياذة» و«أوديسة» هوميروس، والذين نحتُوا كتابات ورسومات على أرجلهما. عُرِف عن أحد التمثالَين — بعد تعرضه لضرر بالغ جراء زلزال في القرن الأول قبل الميلاد — إصداره لصوتِ صفيرٍ غريب عند الفجر، مع انكماش الحجر وتمدُّده بفعل برودة الليل وحرارة النهار. لسوء حظِّ مجال السياحة القديمة، وضعت أعمال الترميم أثناء الحقبة الرومانية في القرن الثاني الميلادي أخيرًا نهايةً ﻟ «صيحات الإله»1 اليومية.

ورغم روعة التمثالَين، فإنهما ليسا ما يُمثل أهمية لقصتنا عن الأحداث المهمة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وإنما قاعدة التمثال الخامسة من خمس قواعد لتماثيل تنتظم في صف من الشمال إلى الجنوب داخل حدود الموضع الذي كان المعبد الجنائزي قائمًا فيه فيما مضى. كان المعبد يقع على الضفة الغربية لنَهر النيل، بالقرب مما يُعرَف حاليًّا باسم وادي الملوك، على الجهة الأخرى من مدينة الأقصر الحالية. كانت كل قاعدة من القواعد الخمس تَحمل تمثالًا هائل الحجم للملك، مع أن تلك التماثيل لم تكن تُداني طولًا تمثالي ممنون الموضوعين عند مدخل المعبد. اشتملت الساحة التي كانت تقف فيها هذه التماثيل على ما يقرب مجموعه من أربعين تمثالًا وقاعدةً كهذه.

(١) قائمة أمنحتب الثالث الإيجية

منقوش على كل قاعدة من القواعد الخمس، وكذلك على الكثير من القواعد الأخرى، سلسلة من الأسماء المكانية المنحوتة في الصخر داخل ما أطلق عليه المصريُّون «شكلًا بيضاويًّا محصَّنًا»؛ وهو شكل بيضاوي مُطوَّل منحوتٌ قائم، به سلسلة من النتوءات الصغيرة على امتداد محيطه. كان المقصود من هذا تمثيل مدينة محصنة، إضافة إلى الأبراج الدفاعية (لذلك نُحِتَت النتوءات). كان كل شكل بيضاوي محصَّن موضوعًا على — أو بالأحرى يحلُّ محل — الجزء الأسفل من جسمِ سجينٍ مُقَيَّد، وذراعاه مرسومان خلف ظهره ومقيدان معًا من عند المرفق، وأحيانًا مع حبل مربوط حول رقبتِه يصلُه بالسجناء الآخرين من أمامه ومن خلفِه. كانت هذه طريقة تقليدية من طرق المملكة المصرية الحديثة في تمثيل المدن والبلاد الأجنبية؛ فحتى وإن لم يكن المصريون يُسيطرون على هذه الأماكن الأجنبية أو لم يكونوا قريبِين حتى من إخضاعها، كانوا لا يَزالون يكتبون الأسماء داخل تلك «الأشكال البيضاوية المحصَّنة» كتقليد فني وسياسي، وربما كهَيمَنة رمزية.

شكلت الأسماء الموجودة على قواعد التماثيل هذه، مجتمعةً، سلسلة من القوائم الجغرافية التي حدَّدت العالم المعروف للمصريِّين في عصر أمنحتب الثالث، في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كان بعضٌ من أهم الشعوب والأماكن في الشرق الأدنى في ذلك الوقت مذكورِين في القوائم، بما في ذلك الحيثيون في الشمال، والنوبيُّون في الجنوب، والآشوريون والبابليون في الشرق. كانت القوائم، إذا ما أُخِذَت برمتها، فريدة في تاريخ مصر.

إلا أن ما يَلفت أنظارنا على الفور هو أن القائمة التي حفرها نحات الأحجار على قاعدة التمثال الخامسة احتوت على أسماء لم تُذْكَر من قبل مطلقًا في النقوش المصرية. كانت أسماء مدن وأماكن واقعة جهة الغرب من مصر؛ أسماء غريبة، مثل ميسيناي، وناوبليون، وكنوسوس، وكيدونيا، وكيثيرا، مكتوبة على الواجهة اليُسرى وعلى الجانب الأيسر من القاعدة، ومعها اسمان آخران مكتوبان منفصلَين على الواجهة اليُمنى من القاعدة، كما لو كانا عنوانين موضوعَين على رأس القائمة، وهما: كفتيو وتاناجا.

ماذا كان المقصود من هذه القائمة وماذا كانت تُمثِّل تلك الأسماء؟ طيلة الأعوام الأربعين الماضية، ظل علماء الآثار وعلماء المصريات المعاصرون يتجادلون بشأن مغزى الأسماء الخمسة عشر التي عُثِر عليها على قاعدة التمثال هذه، ويُشار إليها حاليًّا باسم «القائمة الإيجية».

fig7
شكل ٢-١: (أ)، (ب): تمثالا ممنون والقائمة الإيجية لأمنحتب الثالث (تصوير إي إتش كلاين وجيه سترينج).

كان أثريون ألمان هم مَن استخرجوا في الأصل قاعدة التمثال، والقواعد الأخرى المصاحبة لها، في ستينيات القرن العشرين، ولكنها دُمِّرَت، في وقتٍ ما في سبعينيات نفس القرن، عن طريق الخطأ. طبقًا لقصة غير مُثْبَتَة، إن أفراد قبيلة بدوية محلية أشعلوا نارًا تحت القاعدة وصبُّوا ماءً باردًا عليها في محاولة لفصل اللوحات المنقوشة، من أجل بيعها في سوق القطع الأثرية. النسخة الرسمية من القصة هي أن حرائق طبيعية في المنطقة هي التي أحدثت الضرر. أيًّا كان الشخص أو الشيء المذنب، فقد تحطَّمت القاعدة بالكامل إلى ألف قطعة تقريبًا. وحتى وقت قريب، كان ما بقي للأثريِّين لا يتعدى عددًا قليلًا من صور ملوَّنة للقاعدة الأصلية، الأمر الذي كان مؤسفًا للغاية، لأنَّ الأسماء الموجودة في القائمة مميزة لدرجة أن ثلاثة عشر من خمسة عشر اسمًا لم يسبق رؤيتها في مصر مطلقًا … ولن يراهم أحدٌ مجددًا.

ما يراه السائحون المعاصرون في الموقع حاليًّا (عندما يمرُّون عادةً على الأنقاض في حافلة مكيفة الهواء في طريقهم إلى وادي الملوك المجاور) هو قواعد التماثيل، وعليها التماثيل، بعد أن أُعيد تجميعها من جديد، لتقف تحت السماء المشمسة للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. في عام ١٩٩٨، استأنف فريق متعدِّد الجنسيات تقوده عالِمة المصريات هوريج سوروزيان وزوجها راينر ستادلمان، المدير السابق للمعهد الألماني للآثار في القاهرة، عمليات التنقيب في كوم الحيتان. وظلُّوا ينقبون هناك كل عام منذئذٍ واسترجعوا أجزاء قاعِدة تمثال القائمة الإيجية المدمَّرة، بالإضافة إلى القوائم الخاصة بالقواعد المجاوِرة لها. وهم حاليًّا في طور إعادة بنائها وترميمها. استغرقَت القطع الثمانمائة للقائمة الإيجية وحدها أكثر من خمسة أعوام لتجميعها معًا.2

كان اسمان فقط من أسماء القائمة الإيجية مألوفَين بالفعل للكتَبة المصريِّين ولعلماء المصريات المعاصرين؛ وهما الاسمان اللذان يبدو أنهما استُخدما كعنوانين على رأس القائمة وهما: «كِفتيو»، التي كانت الكلمة المصرية الدالة على جزيرة كريت، و«تاناجا»، التي يبدو أنها كانت الكلمة المصرية الدالة على البر الرئيسي لليونان. بدأ هذان الاسمان في الظهور في النصوص المصرية أثناء عصر حتشبسوت وتحتمس الثالث، قبل ظهور القائمة الإيجية بنحو قرن، ولكنهما لم يظهرا مُطلَقًا مع أسماء مكانية خاصة بمدن ومناطق منفردة في منطقة إيجه.

كانت الأسماء الأخرى في قائمة قاعدة التمثال هذه غير اعتيادية للغاية، ومع ذلك يُمكن التعرف عليها على الفور تقريبًا، حتى إن أول عالم مصريات يَنشُرها باللغة الإنجليزية، وهو البروفسير البارز كينيث كيتشن من جامعة ليفربول، كان متردِّدًا في البداية في اقتراح ترجمة لها، خوفًا من سخرية الأكاديميِّين. في مذكرته المختصرة الأولى عن نقش قاعدة التمثال، التي لم تتعدَّ بضع صفحات في عدد عام ١٩٦٥ من الدورية العلمية «أورينتاليا»، أبدى كيتشن بحرص ملاحظة قال فيها: «لا أكاد أودُّ أن أسجل الفكرة التالية؛ ويُمكِن للقراء أن يتجاهلوها إن شاءوا. يبدو الاسمان أمنيسا وكونوسا على نحو غير مريح مثل أمنيسو[س] و… كنوسوس، المستعمرتين القديمتين الشهيرتين على الساحل الشمالي لكريت.»3
في الأعوام التي تلَتْ ذلك، عمل عدد من الباحثين على محاوَلة التعرف على الأسماء الواردة في القائمة والتوصُّل إلى المعنى الكامن وراء ظهورها. نشر الباحث الألماني إلمار إيديل أول دراسة مُستفيضة عن قوائم قواعد التماثيل الخمس كلها في عام ١٩٦٦؛ ونُشِرَت طبعة ثانية لها، مُحَدَّثة وتضمُّ مراجَعات وتصحيحات، منذ أعوام قليلة فحسب، بعد أربعين عامًا، في عام ٢٠٠٥. في تلك الفترة، كرَّس الكثير من الباحثين الآخرين قدرًا كبيرًا من الفكر والكتابات من أجل التوصُّل إلى التفسيرات المحتمَلة للقائمة.4

أول أسماء تردُ في القائمة، بعد اسمَي كِفتيو (كريت) وتاناجا (البر الرئيسي لليونان) اللذين يأتيان على رأس القائمة، هي بضعة أسماء لمواقعَ مينوية مهمَّة على جزيرة كريت، تشمل كنوسوس وميناءها أمنيسوس، يليهما فايستوس وكيدونيا، المدرجتَان بترتيب يَمضي من الشرق إلى الغرب. كل هذه المواقع إما كان بها قصور مينوية أو، في حالة أمنيسوس، كانت ميناءً لقصر مينوي قريب. بعد ذلك تأتي في القائمة جزيرة كيثيرا، الواقعة في منتصف الطريق بين كريت والبر الرئيسي لليونان، ثم بعد ذلك تأتي مواقع وأقاليم ميسينية مهمة على البر الرئيسي لليونان، تشمل ميسيناي وميناءها ناوبليون، وإقليم ميسينيا، وربما مدينة ثيفا في إقليم بيوتيا. آخر ما يردُ في القائمة هو المزيد من الأسماء من كريت المينوية، وهذه المرة بترتيب من الغرب إلى الشرق ويشمل مجددًا أمنيسوس.

تبدو القائمة على نحو يدعو إلى الشك مثل مسار رحلة ذهاب وإياب من مصر إلى منطقة إيجه. حسب ترتيب الأسماء، توجه المسافِرون من مصر أولًا إلى كريت، ربما لزيارة شخصية ملكية مينوية وتجار مينويين كان المصريون، بحلول هذه المرحلة، قد أصبحوا معتادين على التعامل معهم على مدى نحو قرن. وبعد ذلك واصلوا رحلتهم، عن طريق كيثيرا، إلى البر الرئيسي لليونان لزيارة الميسينيين؛ القوة الجديدة على الساحة، الذين كانوا آخِذين في السيطرة على طرق التجارة إلى مصر والشرق الأدنى محل المينويين في تلك الفترة. وبعد ذلك عادوا إلى مصر عن طريق كريت باعتباره أسرع وأقصر الطرق، متزوِّدين في أمنيسوس بالماء والطعام باعتباره أحد آخر التوقُّفات في رحلة العودة للديار، مثلما كانوا قد جعلوا ذلك الميناء محطة توقُّفِهم الأولى بعد فترة وجيزة من انطلاقهم.

تعدُّ القوائم الموجودة على قواعد التماثيل بمجملها فهرسًا للعالم المعروف للمصريِّين في عهد أمنحتب الثالث. كانت غالبية الأسماء معروفة بالفعل من وثائق ومعاهَدات أخرى؛ فمِن بين هذه الأسماء المألوفة نجد الحيثيين والكيشيين/البابليِّين (الذين سنُورد المزيد عنهم أدناه)، بالإضافة إلى مدن في كنعان. ومع ذلك، كانت أسماء الأماكن الإيجية (وما زالت) استثنائية وكانت منحوتة وَفق ترتيب معيَّن. بل إن بعضها أُعيد نحته بوجه خاص، حيث أُعيد حفر الأسماء الثلاثة الأولى (بما يتناسَب مع قِيَمها الراهنة) في مرحلة ما قبل أو أثناء عرض القائمة على مرأى الناس.5

يعتقد بعض الباحثين أن هذه القائمة ليست سوى دعاية، تفاخُرٌ لا أساس له من قِبَل فرعون كان قد سمع عن أماكن بعيدة وتاقَ إلى إخضاعها أو رغِب في إقناع الناس بأنه قد فعل. يَعتقد آخرون أن القائمة ليسَت تعظيمًا زائفًا للذات، وإنما هي مُستنِدة إلى معرفة فعلية وصلات حقيقية في ذلك الزمن البعيد. يبدو هذا التفسير الأخير أرجح؛ إذ إننا نعرف، من التصويرات العديدة الأخرى في مقابر النبلاء التي يرجع تاريخها إلى زمن حتشبسوت وتحتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أنه كان يوجد اتصالات متعدِّدة مع منطقة إيجه أثناء ذلك الوقت المبكر، منها حالات جاء فيها سفراء دبلوماسيون و/أو تجار إلى مصر حاملين هدايا. من المحتمل أن تلك الاتصالات استمرَّت حتى القرن التالي، أثناء حكم أمنحتب الثالث. إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون لدينا هنا أقدم تسجيل مكتوب لرحلة ذهاب وإياب من مصر إلى منطقة إيجه، رحلة جرت منذ أكثر من أربعة وثلاثين قرنًا، قبل عقود قليلة من حكمِ الملك الصبي توت عنخ آمون للبلاد الخالدة.

يبدو الاقتراح القائل بأنَّنا نُطالع توثيقًا لرحلة في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد من مصر إلى منطقة إيجه، وليس تسجيلًا لمجيء الميسينيين والمينويين إلى مصر، معقولًا للسبب المذهل التالي. يوجد عدد من الأغراض، منحوتًا عليها الخرطوشة (وهو شكلٌ بيضاويٌّ يحوي اسمًا ملكيًّا) التي تَحتوي على اسم أمنحتب الثالث أو زوجته الملكة تيي، والتي عثَر عليها أثريون في ستة مواقع متفرِّقة في أنحاء منطقة إيجه؛ على جزيرة كريت، وفي البر الرئيسي لليونان، وعلى جزيرة رودس. يوجد علاقة ترابط بين أماكن العثور على هذه الأغراض في منطقة إيجه والمواقع المذكورة أسماؤها في القائمة الإيجية؛ حيث إنَّ أربعة مواقع من الستة مُتضَمَّنة ضمن الأسماء المحفورة عليها.

بعض هذه الأغراض التي تحتوي نقوشًا هي مجرَّد جَعارين وأختام صغيرة، لكن أحدها عبارة عن إناء؛ وكلها عليها خراطيش للفرعون أو لزوجته. أهمُّ هذه الأغراض هي العدد الكبير من شُدَفٍ من لوحاتٍ ذات وجهَين مصنوعة من الخزف، وهي مادة وسط بين الفخار والزجاج، والتي عُثِر عليها في ميسيناي، التي ربما كانت المدينة الرائدة في اليونان في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. مصدر هذه الشُّدَف، التي يوجد منها اثنتا عشرة قطعة على الأقل، هو ما مجموعه تسع أو أكثر من اللوحات الأصلية، التي تبلغ كل منها نحو ست إلى ثماني بوصات طولًا ونحو أربع بوصات عرضًا، وأقل من بوصة سمكًا. وكلُّها كان عليها ألقاب أمنحتب الثالث منقوشة عليها بلون أسود، ومكتوب على كلا جانبَيها: «الإله الطيب، نِب ماعت رع، ابن الشمس، أمنحتب، أمير طيبة، مُعطِي الحياة.»6
يُشير علماء المصريات إلى هذه اللوحات بأنها لوحات ودائع الأساس. وهي تُوجد عادةً، على الأقل في مصر، موضوعة في ودائع خاصة تحت المعابد، أو، أحيانًا، تحت تماثيل الملك.7 وهي تؤدِّي دورًا يُشبه بقدر كبير دور الكبسولات في ثقافتنا الحالية، وهكذا كان دور الودائع منذ العصر البرونزي المبكر في بلاد الرافدين. كان الغرض المفترض منها هو ضمان معرفة الآلهة والأجيال القادمة بهوية وكرم المتبرِّع/المنشئ، وتاريخ الانتهاء من إنشاء المبنى، أو التمثال، أو أي بناء آخر.

ما يجعل هذه اللوحات في ميسيناي متفرِّدة هو ببساطة أنها لا مثيل لها في منطقة إيجه. في الواقع، هي موجودة حصريًّا في ميسيناي وحدها، من بين كل الأماكن في منطقة البحر المتوسط القديمة بأكملها؛ إذ لم يُعثَر قطُّ على لوحاتٍ من الخزف كهذه عليها اسم أمنحتب الثالث في أي مكان آخر خارج مصر. يَرجع تاريخ عثور أثريين يونانيين على أول شُدَف في ميسيناي ونشرهم لهذا الاكتشاف إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واعتُقِد حينئذٍ أنها مصنوعة من «البورسلين»، ولم يكن اسم أمنحتب الثالث بعد معروفًا ولا كانت رموزه قد فُكَّت على نحو واضح. اكتُشِف المزيد على مرِّ السنين، بما في ذلك بعض الشُّدَف التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني البارز اللورد ويليام تايلور داخل مركز العبادة في ميسيناي. اكتُشِفَت أحدث شُدْفة منذ أعوام قليلة فقط؛ حيث كانت موجودة في موضع عميق داخل بئر في ميسيناي، واكتشفها كيم شيلتون عالم الآثار في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.

لم يُعثَر على أيٍّ من الشُّدَف في سياقها الأصلي في ميسيناي. بعبارة أخرى، ليس لدينا أيُّ فكرة عن الكيفية التي كانت في الأصل تُستخدَم بها في الموقع، لكن مجرد وجودها في ميسيناي، وليس في أي مكان آخر في العالم، يدلُّ على احتمال وجود علاقة خاصة بين هذا الموقع ومصر أثناء زمن أمنحتب الثالث، ولا سيما وأن ميسيناي هي المكان الذي عُثِر فيه أيضًا على إناء أمنحتب الثالث، بالإضافة إلى جُعرانَين لزوجته الملكة تيي. وبالنظر إلى أن هذه المنطقة كانت على حدود، بل وأطراف، المنطقة المعروفة والمتحضِّرة التي كانت مصر على اتصال بها أثناء هذه الفترة، فإن علاقة الترابط بين هذه الأغراض والأسماء الواردة في القائمة الإيجية تُشير إلى أن شيئًا غير اعتيادي من ناحية الاتصال الدولي ربما كان يحدث أثناء عهد أمنحتب الثالث.

fig8
شكل ٢-٢: لوحة خزفية لأمنحتب الثالث، عُثِر عليها في ميسيناي (تصوير إي إتش كلاين).

تُشكِّل الأغراض المستورَدة المصرية وكذلك المنتمية إلى الشرق الأدنى التي عُثِر عليها في منطقة إيجه نمطًا مُثيرًا للاهتمام، ربما كان مرتبطًا بالقائمة الإيجية. على ما يبدو أن كريت المينوية ظلَّت الوجهة الأساسية في منطقة إيجه لطرق التجارة من مصر والشرق الأدنى أثناء الجزء الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد على الأقل. ومع ذلك، بما أنه يُوجَد أغراض من مصر، وكنعان، وقبرص بكميات مُتساوية تقريبًا في كريت، فقد يعني ذلك أن البضائع من مصر لم تعدِ البضائع السائدة التي يحملها الباعة والتجار بحرًا بين كريت ومنطقة شرق المتوسط، كما كان الأمر أثناء القرون السابقة. إذا كان المبعوثون والتجار المصريون والمينويون قد سيطروا على الطرق إلى منطقة إيجه أثناء الفترات السابقة الأولى، فعلى الأرجح أنه الآن قد انضم إليهم، أو حتى حلَّ محلهم، آخرون من كنعان وقبرص.

استمر هذا الموقف الدولي الأكثر تعقيدًا طوال القرنين التاليَين، ولكن يوجد تحول في استيراد البضائع الأجنبية إلى منطقة إيجه اعتبارًا من نهاية القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وبينما يوجد هبوط مفاجئ في عدد البضائع المستوردة على جزيرة كريت، ثمةَ زيادة كبيرة على البر الرئيسي لليونان. وإذا كان هذا التحول في حجم الاستيراد، من كريت إلى البر الرئيسي لليونان، حقيقيًّا، فيبدو من المحتمَل (رغم كونه تخمينًا بالتأكيد) أن الانخفاض في وصول البضائع الشرقية إلى كريت وانقطاعها في نهاية المطاف قد يكون مرتبطًا بدمار كنوسوس في حوالي ١٣٥٠ق.م، وبسيطرة ميسينية على طرق التجارة إلى مصر والشرق الأدنى بعد ذلك بفترة وجيزة.8
من المحتمَل أن قائمة أمنحتب الثالث الإيجية تسجل هذا الوضع؛ حيث إن المواقع المدرجة على قاعدة التمثال تشتمل على مواقع مينوية على كريت وكذلك مواقع ميسينية على البر الرئيسي لليونان. وإذا كانت بعثة مصرية قد أُرسِلَت إلى منطقة إيجه أثناء حكم أمنحتب الثالث، فربما كان موكَّلًا إليها مهمَّة مزدوَجة؛ هي تعزيز الصلات مع شريكٍ تجاريٍّ قديم، ومهم (المينويين) وإقامة علاقات مع قوة صاعدة جديدة (الميسينيين).9

(٢) أرشيف العمارنة

ربما ينبغي ألَّا نُفاجَأ من وجود القائمة الإيجية، أو القوائم الأخرى الموجودة أيضًا في المعبد، والتي تُحدِّد مجتمعةً العالم كما كان معروفًا للمصريِّين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد؛ وذلك لأننا نعرف من أدلة أخرى أن أمنحتب الثالث أدرك أهمية إنشاء علاقات مع القوى الخارجية، وتحديدًا مع ملوك البلاد ذات الأهمية الدبلوماسية والتجارية لمصر؛ لذا أبرم معاهَدات مع كثير من هؤلاء الملوك، وتزوَّج من العديد من بناتهم ليُرَسِّخ تلك المعاهدات. نعرف هذا من مراسلاته مع هؤلاء الملوك، والتي تُرِكَت لنا على صورة أرشيف منقوش على ألواح طينية عُثِر عليه لأول مرة في عام ١٨٨٧.

القصة المقبولة عمومًا المتعلقة باكتشاف هذا الأرشيف هي أنه عُثِر عليه بواسطة امرأة قروية كانت تجمع موادَّ تستخدمها كوقود أو سمادٍ في موقع تل العمارنة الحديث، والذي يضمُّ حطام المدينة التي كانت يومًا ما تُدعى أخيتاتون (وتعني «أفق قرص الشمس»).10 كان أمنحتب الرابع، الابن المهرطق لأمنحتب الثالث، والمعروف في العالم باسم إخناتون، قد بناها في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد لتكون عاصمةً جديدة.

خلف إخناتون أمنحتب الثالث، ومن المحتمل أنه شارك والده في الحكم لبضعة أعوام قبل أن يموت الأخير في عام ١٣٥٣ق.م وبعدما تولَّى إخناتون السلطة مُنفردًا بفترة وجيزة، نفَّذ ما يُعرَف حاليًّا باسم «ثورة العمارنة». فأَوْصَدَ المعابد التابعة لرع، وآمون، والمعبودات الرئيسية الأخرى، واستولى على خزائنها الضخمة، وأوجد لنفسِه سلطةً لا مثيلَ لها، بصفته رأس الحكومة، والجيش، والدِّين. وأدان عبادة كلِّ معبودٍ مصري عدا أتون، قرص الشمس، الذي كان مسموحًا له هو، وهو وحده، أن يَعبدَه مباشرةً.

يُنْظَر إلى هذا في بعض الأحيان على أنه المحاوَلة الأولى للتوحيد، بما أن إلهًا واحدًا فقط كان يُعبَد حسب ظاهر الأمر، ولكن الأمر في الحقيقة موضع خلاف (وكان موضوعًا لمناقشات عِلمية عديدة). وفيما يختص بعامة المصريين، كان يُوجد في الأساس إلهان؛ أتون وإخناتون؛ إذ كان مسموحًا للناس أن يُصلُّوا إلى إخناتون وحده؛ ومن ثَمَّ كان هو يُصلي إلى أتون نيابةً عنهم. ربما كان إخناتون مهرطقًا دينيًّا، وربما حتى متعصبًا إلى حدٍّ ما، ولكنه كان أيضًا داهيةً وطاغيةً وليس متطرِّفًا. ربما كانت ثورته الدينية في واقع الأمر تحرُّكًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا بارعًا، يرمي إلى استعادة سلطة الملك؛ السلطة التي كانت قد فُقِدَت ببطء لمصلحة الكهَنة أثناء عهود الفراعنة السابقين.

ولكن إخناتون لم يُبْطِل كل شيء كان أسلافه قد وضَعُوه. أدرك، على وجه الخصوص، أهمية الحفاظ على علاقات دولية قوية، وخصوصًا مع ملوك البلاد المحيطة بمصر. تابع إخناتون نمط والده المتمثِّل في المفاوضات الدبلوماسية والشراكات التجارية مع القوى الأجنبية، الرئيسية والفرعية على حدٍّ سواء، ومنها تلك التي كانت مع سابيليوليوما والحيثيين.11 واحتفظ بأرشيفٍ للمُراسَلات مع هؤلاء الملوك والحكام في عاصمته، أخيتاتون. وتلك هي ما تُعْرَف باسم «رسائل العمارنة»، المنقوشة على ألواح طينية، والتي أماطت امرأة قروية عنها اللثام في عام ١٨٨٧.
كان الأرشيف موضوعًا في الأصل في «مكتب السجلات» في المدينة. ويُمثِّل كنزًا دفينًا من المراسَلات مع الملوك والحكام الذين كان لأمنحتب الثالث وابنه إخناتون علاقاتٌ دبلوماسيةٌ معهم، ومنهم الحكام القبارصة والحيثيون، والملوك البابليون والآشوريون. يوجد أيضًا رسائل من وإلى الحكام الكنعانيِّين المحليين، ومنهم عبدي هيبا من أورشليم وبريديا من مجدو. تعجُّ الرسائل من هؤلاء الحكام المحليين، الذين كانوا في العادة تابعين للمصريين، بطلبات للمساعَدة المصرية، ولكن كانت الرسائل المُرسَلة ما بين حكام القوى الكبرى (مصر، وآشور، وبابل، وميتاني، والحيثيين) تَمتلئ على نحو أكثر تواتُرًا بطلباتٍ وإشاراتٍ لهدايا أُجريت على مستوًى دبلوماسي أعلى بكثير. أرشيف العمارنة هذا، إلى جانب ذلك الذي اكتُشِف في ماري والذي يرجع إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، هو من أول الأرشيفات في تاريخ العالم التي تُوثِّق العلاقات الدولية الواسعة والمستدامة في العصر البرونزي في مصر ومنطقة شرق المتوسط.12
كانت الرسائل مكتوبة باللغة الأكادية، اللغة الدبلوماسية الشائعة في ذلك الوقت والتي كانت تُستخدَم في العلاقات الدولية، على ما يقرب من أربعمائة لوح طيني. وبسبب بيع تلك الألواح في سوق القطع الأثرية وقتَ اكتشافها، فإنها حاليًّا موزَّعة بين متاحف في إنجلترا، ومصر، والولايات المتحدة، وأوروبا، ومن ضمنها المتحف البريطاني في لندن، والمتحف المصري في القاهرة، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة شيكاجو، ومتحف بوشكين في روسيا، ومتحف فورديرازياتيش في برلين (الذي يضم تقريبًا ثلثَي الألواح).13

(٣) هدايا التحية والعلاقات العائلية

هذه الرسائل، بما في ذلك نُسَخ من تلك التي أُرسِلَت إلى حكام أجانب وردود من أولئك الحكام، تتيح لنا نظرات متعمِّقة في التجارة والصلات الدولية في عصر أمنحتب الثالث وإخناتون أثناء منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد. من الواضح أن كثيرًا من الاتصال كان يتضمن «إعطاء الهدايا» الذي كان يجري على أعلى المستويات؛ من ملك لآخر. على سبيل المثال، تُستهَل إحدى رسائل العمارنة، المُرسلة إلى أمنحتب الثالث من قِبَل توشراتا ملك ميتاني في شمال سوريا الذي اعتلى العرش في حوالي ١٣٨٥ق.م، بفقرة تتضمن تحيات تقليدية ثم تنتقل إلى مناقشة الهدايا التي أرسلها، والتي أحضَرَها رسلُه:

أبلغوا نِب ماعت رع [أمنحتب الثالث]، ملك مصر، أخي: هكذا [يقول] توشراتا، ملك ميتاني، شقيقك. من جهتي، كل شيء على ما يُرام. من جهتك، أرجو أن يكون كل شيء على ما يُرام. من جهة جليوخيبا [زوجتك]، أرجو أن يكون كل شيء على ما يرام. من جهة أسرتك، وزوجاتك، وأبنائك، وأقطابك [كبار رجالك]، ومُحاربيك، وخيولك، وعرباتك الحربية، وبلدك، أرجو أن يكون كل شيء على ما يرام …

مع رسالتي أُرْسِل إليك عربة حربية، وحصانَين، وخادمًا، وخادمة، من غنيمة أرض خاتي. وكهدية تحية لأخي، أرسل إليك ٥ عربات حربية، و٥ أزواج من الخيول. وكهدية تحية لجليوخيبا، أختي، أرسل إليها مجموعة مشابك تَثبيت ذهبية، ومجموعة أقراط ذهبية، وخاتم «ماسو» ذهبي، وحاوية طِيبٍ مملوءة «زيتًا حلوًا».

مع رسالتي أُرْسِل إليك كيليا، كبير وزرائي، وتونيب إبري. عسى أن يجعلهما أخي يذهبان فورًا حتى يُمكنهما أن يعودا على الفور ويُبلغاني بما تمَّ في اللقاء، وأسمعَ تحية أخي وأسعد، وعسى أن يُرسِل أخي إليَّ رسله حتى يأتوني بتحيات أخي وأسمعهم.14
تتضمَّن رسالة ملَكية أخرى، من إخناتون إلى بورنا بورياش الثاني، ملك بابل الكيشي، قائمة مفصَّلة بالهدايا التي أرسلها. يحتلُّ تفصيل الهدايا أكثر من ثلاثمائة سطر من الكتابة على اللوح. تشمل الأغراض المذكورة أغراضًا من الذهب، والنحاس، والفضة، والبرونز، وحاويات عطور وزيت حلو، وخواتم للأصابع، وأساور للأقدام، وقلائد، وكراسي عرش، ومرايا، وقماش كتان، وأوعية حجرية، وصناديق من خشب الأبنوس.15 تأتي رسائل مشابهة تتضمَّن قوائم طويلة لأغراض، أحيانًا تكون مرسلة بمثابة جزء من مهر مصاحب لابنة وأحيانًا تكون مرسَلة باعتبارها هدايا وحسب، من ملوكٍ آخرين، مثل توشراتا من ميتاني.16 تجدر الإشارة أيضًا إلى أن «الرسل» المُشار إليهم في هذه الرسائل، ورسائل أخرى، كانوا عادةً وزراء، مُرسَلين بالأساس باعتبارهم سفراء، إلا أنهم كانوا في كثيرٍ من الأحيان تجارًا، يؤدُّون مهمَّةً مزدوَجةً بالعمل لحساب أنفسهم وكذلك لحساب الملك.
في هذه الرسائل، عادةً كان الملوك المعنيون يُشيرون إلى بعضهم البعض باعتبارهم أقارب، فيدعو بعضُهم بعضًا «أخًا» أو «أبًا/ابنًا» على الرغم من أنهم عادةً لم يكونوا أقرباءَ بالفعل، مُنشئين بذلك «شراكات تجارية».17 أشار علماء الأنثروبولوجي إلى أن هذه الجهود لإنشاء علاقات عائلية تخيُّلية تحدث في أغلب الأحيان في مجتمعات ما قبل الصناعة، بخاصة لحل مشكلة التجارة عندما لا يوجد صلات قرابة أو أسواق تحت إشراف الدول.18 وهكذا، كتب أحد ملوك عمورو إلى ملك أوغاريت المجاورة (كلتاهما منطقتان كانتا تقعان في المنطقة الساحلية الشمالية لسوريا): «أخي، انظر: أنا وأنت أخَوان. إننا أخوان، ابنان لرجل واحد. لماذا لا نكون على علاقة طيبة بعضنا مع بعضٍ؟ أيًّا كانت رغبتك التي ستكتبُها لي، سألبِّيها؛ وسوف تلبِّي أنت رغباتي. فنحن نُشكِّل وحدةً واحدة.»19
ينبغي التأكيد على أن هذَين الملكَين (ملكَي عمورو وأوغاريت) لم يكن بينهما بالضرورة صلةٌ على الإطلاق، ولا حتى عن طريق الزواج. لم يكن الجميع كذلك، ولم يُقَدِّر الجميع هذا النهج المختصر للعلاقات الدبلوماسية. يبدو أن الحيثيين في الأناضول كانوا نزقين على نحو خاص في هذا الصدد؛ إذ كتَب ملك حيثي لملك آخر يقول: «لماذا عليَّ أن أكتب لك بعبارات تنمُّ عن الأُخُوَّة؟ هل نحنُ ابنا نفس الأم؟»20
fig9
شكل ٢-٣: شبكة اجتماعية للعلاقات التي تُشير إليها رسائل العمارنة (من إنشاء دي إتش كلاين).
ليس واضحًا دائمًا ما الميزة التي تكتسبها العلاقة من استخدام مصطلح «أخ»، في مقابل «أب» و«ابن»، ولكن يبدو أنه عادةً يدلُّ على المساواة في المكانة أو في العمر، بينما «أب/ابن» مخصَّصان لإظهار الاحترام. يستخدم ملوك الحيثيين، على سبيل المثال، «أب» و«ابن» في مراسلاتهم، على نحو أكثر تواترًا من حكامِ أيِّ قوةٍ كبرى أخرى في منطقة الشرق الأدنى، بينما تستخدم رسائل العمارنة كلها تقريبًا مصطلح «أخ»، سواء كان ذلك لمخاطبة ملك آشور القوي أو ملك قبرص الأقل قوة. يبدو أن الفراعنة المصريين كانوا يعتبرون حكام منطقة الشرق الأدنى الآخرين، شركاءهم التجاريين، أعضاء أخوية عالَمية، بصرف النظر عن العمر أو الأعوام التي أمضوها على العرش.21
ومع ذلك، في بعض الحالات، كان يوجد بين الملكَين صلة مصاهَرة بالفعل عن طريق الزواج. على سبيل المثال، في رسائل من توشراتا ملك ميتاني إلى أمنحتب الثالث، يُشير توشراتا إلى زوجة أمنحتب الثالث جليوخيبا بوصفها أخته، وقد كانت كذلك بالفعل (كان أبوه قد زَوَّجَها من أمنحتب الثالث). وبالمثل، زَوَّج توشراتا أيضًا ابنته تادو هيبا لأمنحتب الثالث في زيجة مدبَّرة أخرى، الأمر الذي جعل من توشراتا أخًا لزوجة أمنحتب (أخًا) وأبًا لزوجته (أبًا). لذا تُستهَل إحدى رسائله استهلالًا حقيقيًّا بعبارة «أبلغ … ملك مصر، أخي، وابني بالنسَب … هكذا يقول توشراتا، ملك أرض ميتاني، أبوك بالنسب.»22 بعد وفاة أمنحتب الثالث، يبدو أن إخناتون أخذ (أو ورث) تادو هيبا باعتبارها واحدةً من زوجاته، وهو ما أعطى توشراتا الحق أن يدعو نفسه أبًا بالنسب لكلٍّ من أمنحتب الثالث وإخناتون في رسائل مختلفة من رسائل العمارنة.23
في كل حالة من الحالتَين، كان الزواج الملكي مدبرًا لترسيخ الصلات والمعاهدات بين القوتين، وتحديدًا بين الملكين؛ لذلك أعطى هذا أيضًا لتوشراتا الحق في أن يدعو أمنحتب الثالث «أخاه» (رغم أنه كان، من الناحية الفعلية، أخاه بالنسب [زوج شقيقتِه]) وأن يتوقَّع صلات مع مصر أفضل مما كان من المحتمَل أن تكون عليه دون تلك الزيجات. كانت الزيجات مصحوبة بمُهور كبيرة، مُسجلة في العديد من رسائل العمارنة. على سبيل المثال، إحدى الرسائل من توشراتا إلى أمنحتب الثالث، السليمة جزئيًّا فقط وليست مقروءة بكاملها، تشتمل على ٢٤١ سطرًا عن الهدايا، التي يقول هو نفسه عنها: «إن كل هدايا الزواج هذه، من كل نوع، هي التي منحها توشراتا، ملك ميتاني، إلى نيموريا [أمنحتب الثالث]، ملك مصر، أخيه وابنه بالنسب. منحه إياها وفي الوقت نفسه منح تادو هيبا، ابنته، إلى مصر وإلى نيموريا لتكون زوجته.»24
يبدو أن أمنحتب الثالث قد استخدم مسألة الزواج بين العائلات الحاكمة دبلوماسيًّا بدرجة أكبر مما فعل أي ملك في عصره؛ لأنَّنا نعرف أنه تزوَّج، وضمَّ إلى حريمه، بنات الملكين الكيشيين كوريجالزو الأول وكادشمان إنليل الأول ملكَي بابل، وشوتارنا الثاني وتوشراتا ملكي ميتاني، وتارخوندارادو ملك أرزاوا (التي كانت تقع جنوب غرب الأناضول).25 رسخت كل زيجة دون شكٍّ معاهَدة دبلوماسية جديدة وأتاحت للملوك المعنيين أن يُمارسوا العلاقات الدبلوماسية كما لو كانت فيما بين أفراد عائلة واحدة.
حاول بعض الملوك أن يستغلُّوا الصلة بين زواج العائلات المالكة وتقديم الهدايا في الحال، مستغنين عن الشَّكليات الأخرى. على سبيل المثال، تَجمع إحدى رسائل العمارنة، ربما كانت من الملك الكيشي كادشمان إنليل ملك بابل إلى أمنحتب الثالث، مباشرة بين الأمرَين، عندما يكتب كادشمان إنليل:
إضافة إلى ذلك، يا أخي … بشأن الذهب الذي كتبتُ لك عنه، أرسِل لي كل ما هو في متناول يدكَ منه، قدر المستطاع، قبل أن [يأتي] رسولك إليَّ، حالًا، بكل سرعة … إذا أرسلت لي الذهب الذي كتبتُ لك بشأنه، خلال هذا الصيف، خلال شهر تموز أو آب، سوف أعطيك ابنتي زوجة لك.26
بسبب هذا الموقف المتهاون من كادشمان إنليل تجاه ابنته، عنَّفه أمنحتب الثالث في رسالة أخرى: «من الجيد أن تهبَ بناتك من أجل أن تَحصل على قطعة ذهب من جيرانك!»27 ومع ذلك، في مرحلة ما أثناء حكمه، أُجريت الصفقة بالفعل؛ إذ إننا نعرف من ثلاث رسائل أخرى من رسائل العمارنة أن أمنحتب الثالث تزوَّج بالفعل من ابنة كادشمان إنليل، غير أننا لا نعرف اسمها.28

(٤) الذهب، والذهب الزائف، والتجارة العالية المستوى

كانت مصر على وجه الخصوص بصفتها شريكًا تجاريًّا مُبْتغًى لملوك البلاد الأخرى. لم يكن هذا يرجع إلى أن مصر كانت ضمن القوى العظمى في ذلك الوقت فحسب، بل أيضًا بسبب الذهب الذي تحكَّم فيه المصريون، بفضل المناجم التي كانت موجودة في النوبة. كتب أكثر من ملك إلى أمنحتب الثالث وإخناتون، يطلبون شِحْنات من الذهب ويتصرفون في الوقت نفسه كما لو كان ذلك أمرًا عاديًّا؛ إذ تُرى العبارة المتكرِّرة «الذهب مثل التراب في بلادك.» وعبارات أخرى مشابهة، مرارًا وتكرارًا في رسائل العمارنة. في إحدى الرسائل، يتذرع توشراتا ملك ميتاني بالصلة العائلية ويَطلب من أمنحتب الثالث أن «أرسِل لي ذهبًا أكثر بكثير مما أرسلتَ لوالدي.» وذلك لأنه، حسبما يقول: «في بلد أخي، الذهب في وفرة التراب.»29
إلا أنه يبدو أن الذهب لم يكن دومًا ذهبًا، كما اشتكى الملوك البابليون على وجه الخصوص. في إحدى الرسائل التي أرسلها كادشمان إنليل إلى أمنحتب الثالث، قال فيها: «لقد أرسلتَ لي هدية تحية، وهو الشيء الوحيد الذي تُرسله لي منذ ست سنوات، ٣٠ مَنًّا من الذهب كانت تبدو كالفضة.»30 وعلى نحوٍ مُماثل كتب خليفته في بابل، الملك الكيشي بورنا بورياش الثاني، في إحدى الرسائل إلى خليفة أمنحتب الثالث، إخناتون يقول: «من المؤكَّد أن أخي [ملك مصر] لم يُراجِع [شِحْنة] الذهب السابقة التي أرسلها لي أخي. عندما وضعت الأربعين مَنًّا من الذهب التي أُرسِلَت لي في أتون، لم يظهر، وأقسم على ذلك، [ولا حتى] ١٠ أمنان.» وفي رسالة أخرى، قال: «العشرون مَنًّا من الذهب التي أُحضِرَت إلى هنا لم تكن كلها موجودة. عندما وُضِعت في الأتون، لم يظهر ٥ أمنان من الذهب. [الجزء] الذي ظهر، بدا عند التبريد مثل الرماد. هل اعتبر أيُّ أحدٍ هذا الذهب [ذهبًا]؟»31

من ناحية، قد يتساءل المرء عن السبب الذي كان يدفع ملوك بابل إلى أن يضعوا الذهب الذي يرسله الملك المصري في أتون ويصهروه. لا بد وأنه كان خردةً معدنيةً كانت تُرسَل لقيمتها فقط ولم تكن قطعًا مصنعة تصنيعًا جيدًا تُعطى بمثابة هدايا، الأمر الذي يُشبه كثيرًا ما يراه المرء في وقتنا هذا من إعلانات في ساعة متأخِّرة على التليفزيون تستحثُّ المُشاهد على أن يبيع الحلي القديمة والمكسورة مقابل مبالغ نقدية، مع التلميح الواضح إلى أنها سوف تُصهَر على الفور. لا بد وأنهم احتاجوا إلى ذلك ليَدفعوا للحرفيِّين، والمعماريين، وغيرهم من أصحاب المهن، مثلما تُصَرِّح بعض الرسائل بالفعل.

من ناحية أخرى، علينا أيضًا أن نسأل عما إذا كان الملك المصري كان يعرف أن الشِّحْنات التي كان يُرسلها لم تكن ذهبًا بالفعل، وإذا كان هذا التصرُّف عن عند، أو ما إذا كان التجار والمبعوثون معدومو الضمير يستبدلون الذهب الحقيقي في الطريق. شك بورنا بورياش في وقوع الاحتمال الأخير في حالة الأربعين مَنًّا من الذهب المذكورين عاليه، أو على الأقل عرض على إخناتون مخرجًا دبلوماسيًّا من الموقف المُحرِج، وكتب: «الذهب الذي يرسله لي أخي، ينبغي ألَّا يسلمه أخي إلى عهدة أي نائب. ينبغي أن يُجري أخي تحقُّقًا [شخصيًّا] [من الذهب]، ثم ينبغي على أخي أن يختمه ويُرسله إليَّ. بالتأكيد، لم يتحقَّق أخي من الشحنة السابقة من الذهب التي أرسلها إليَّ. ثم إن نائبًا لأخي هو من ختمه وأرسله إليَّ.»32
يبدو أيضًا أن القوافل المحملة بالهدايا والمرسلة بين المَلِكين كثيرًا ما كانت تتعرَّض للنهب في الطريق. يكتب بورنا بورياش عن قافلتَين كان سالمو، رسوله (وربما كان ممثله الدبلوماسي) مسئولًا عنها، ويقول بأنه يعرف أنهما نُهِبتا. بل إنه يعرف المسئول عن ذلك: رجل يُسمَّى بيرياوازا كان مسئولًا عن السرقة الأولى، ورجل يُفترَض أن اسمه باماهو (من المحتمل أنه اسم مكان خُلِط بينه وبين اسم شخص) ارتكب الثانية. يسأل بورنا بورياش متى سيلاحق إخناتون مرتكب الواقعة الأخيرة، بالنظر إلى أنها كانت ضمن نطاق ولايته، ولكنه لم يتلقَّ ردًّا، على الأقل بقدر علمنا.33
علاوة على ذلك، ينبغي ألَّا نَنسى أن هذه المبادلات للهدايا العالية المستوى ربما كانت لا تمثِّل سوى غيضٍ من فيض من التعامل التجاري. قد يكون الوضع التالي، الحديث نسبيًّا، وضعًا مشابهًا. في عشرينيات القرن الماضي، درس عالم الأنثروبولوجي برونيسواف مالينوفسكي سكان جزر تُرُوبِرَيانِد الذين كانوا مشاركين فيما يُطلق عليه حلقة كولا في منطقة جنوب المحيط الهادئ. في هذا النظام، كان زعماء الجزر يتبادلون شارات الأذرع والقلائد المصنوعة من الأصداف، مع انتقال شارات الأذرع دائمًا في اتجاه واحد حول الحلقة وانتقال القلائد في الاتِّجاه الآخر. كانت قيمة كل غرض تزيد وتنقص اعتمادًا على سلسلة نسب مالكيها وتاريخ ملكيتها السابق (الذي يُشير إليه علماء الآثار حاليًّا على أنه «سيرتها»). اكتشف مالينوفسكي أنه في نفس الوقت الذي كان فيه الزعماء في المراكز الاحتفالية يَتبادلون شارات الأذرع والقلائد تبعًا لمظاهر الأبَّهة التقليدية، كان الرجال الذين كانوا يعملون كأطقم على قوارب الكانو التي نقَلت الزعماء مشغولين بالمتاجرة في الطعام، والماء والسِّلَع الحياتية الضرورية الأخرى مع السكان المحليِّين على الشاطئ.34 هذه المعاملات التجارية المعتادة كانت هي الدوافع الاقتصادية الحقيقية المنطوية عليها عمليات تبادل الهدايا الاحتفالية التي كان يقوم بها زعماء جزر تُرُوبِرَيانِد، ولكنهم ما كانوا ليَعترفُوا بتلك الحقيقة أبدًا.
وبالمثل، ينبغي ألَّا نُقلِّل من أهمية الرسل، والتجار، والبحارة الذين كانوا ينقلون الهدايا الملكية وغيرها من الأصناف عبر صحارى الشرق الأدنى القديم، وربما أيضًا عبر البحار إلى منطقة إيجه. من الواضح أنه كان ثمَّة قدر كبير من الاتصال بين مصر والشرق الأدنى ومنطقة إيجه أثناء العصر البرونزي المتأخِّر، ومما لا شك فيه أن الأفكار، والابتكارات كانت تُنْقَل أحيانًا مع الأغراض المادية. مما لا شكَّ فيه أن عمليات نقل الأفكار هذه لم تجرِ في المُستويات العليا من المجتمع فحسب، بل أيضًا في خانات وحانات الموانئ والمدن على امتداد طرق التجارة في اليونان، ومصر، ومنطقة شرق المتوسط. وإلا فأين سيُمضي بحارٌ أو أحد أفراد طاقم وقتِ انتظار تحوُّل الريح إلى الجهة المرادة أو إنهاء بعثة دبلوماسية لمفاوضاتها الحساسة، إلا في تبادل الأساطير والقصص الخرافية والحكايات الطويلة؟ ربما ساهمت تلك الأحداث في انتشار التأثيرات الثقافية بين مصر وبقيَّة منطقة الشرق الأدنى، وحتى عبر منطقة إيجه. ويُمكن لهذا النوع من التبادل أن يفسر أوجه التشابه بين «ملحمة جلجامش» و«إلياذة» و«أوديسة» هوميروس المتأخرتَين عنها زمنيًّا، وبين «أسطورة كوماربي» الحيثية و«ثيوجونيا» هسيود المتأخِّرة عنها زمنيًّا.35
يجدر أيضًا أن نُشير إلى أن عمليات تبادل الهدايا بين حكام منطقة الشرق الأدنى أثناء العصر البرونزي المتأخِّر كثيرًا ما اشتملت على أطباء، ونحَّاتين، وبنائين، وعمال مهَرة، والذين كانوا يُرسِلون فيما بين بلاط الملوك المختلفين. من غير المستغرب وجود بعض أوجه التشابه بين الهياكل المعمارية في مصر، والأناضول، وكنعان، وحتى في منطقة إيجه، إذا كان نفس المهندسين المعماريين والنحاتين والحجَّارين يعملون في كل منطقة من تلك المناطق. تُشير الاكتشافات الأخيرة للوحات الجدارية والأرضيات المرسومة ذات الأسلوب الإيجي في منطقة تل الضبعة في مصر، المذكورة في الفصل السابق، بالإضافة إلى الاكتشافات في تل كابري في إسرائيل، ومدينة ألالاخ في تركيا، وموقع قَطْنة في سوريا، إلى أنه من المُمكن أن يكون الحرفيُّون الإيجيون قد شقوا طريقهم إلى مصر ومنطقة الشرق الأدنى منذ القرن السابع عشر وربما في وقتٍ متأخِّر كالقرن الثالث عشر قبل الميلاد.36

(٥) صعود ألشية وآشور

من رسائل العمارنة التي يَرجع تاريخها تحديدًا إلى عصر إخناتون، نعرف أن الصلات الدولية لمصر امتدَّت أثناء حكمه لتشمل آشور كقوة صاعدة تحت حكم ملكها آشور أوباليط الأول، الذي كان قد اعتلى العرش في العقد السابق لوفاة أمنحتب الثالث. وُجد أيضًا ثماني رسائل من وإلى ملك جزيرة قبرص، المعروفة للمصريِّين وشعوب العالم القديم الأخرى باسم ألشية،37 وتلك الرسائل تُقدِّم تأكيدًا لوجود صلات مع مصر.
تُعَد هذه الرسائل المرسلة من وإلى قبرص، والتي من المحتمَل أن يرجع تاريخها إلى عصر إخناتون وليس أمنحتب الثالث، ذات أهمية عظيمة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الكمية الهائلة من النحاس الخام المذكورة في إحدى الرسائل. كانت قبرص المصدر الرئيسي للنحاس لمعظم القوى العُظمى الإيجية والشرق أوسطية أثناء العصر البرونزي المتأخِّر، حسبما يتَّضح بجلاء من المناقشات التي نجدها في الرسائل، بما في ذلك تلك التي يَعتذر فيها ملك ألشية عن إرسال خمسمائة تالنت «فقط» من النحاس بسبب مرضٍ اجتاح جزيرته.38 يُعتقَد حاليًّا أن هذا النحاس الخام ربما كان يُشحَن على هيئة سبائك جلد الثور، مثل تلك التي عُثِر عليها في حطام سفينة أولوبورون الذي سنناقشه في الفصل التالي. تزن كل سبيكة من سبائك جلد الثور على ظهر السفينة حوالي ستين رطلًا، وهو ما يعني أن هذه الحمولة المذكورة في رسالة العمارنة كانت ستتكوَّن من حوالي ثلاثين ألف رطل من النحاس؛ وهي كمية اعتذر لإرسالها الملك القبرصي (هل كان اعتذاره تهكميًّا؟) لأنها صغيرة جدًّا!
أما فيما يتعلَّق بآشور، فتوجد رسالتان في أرشيف العمارنة من آشور أوباليط الأول، الذي حكم تلك المَملكة من حوالي ١٣٦٥ إلى ١٣٣٠ق.م ليس مِن الواضح هوية الفرعون المصري الذي كانت هاتان الرسالتان موجهتَين إليه؛ وذلك لأن إحداهما تبدأ بعبارة «أبلغ ملك مصر»، في حين أن الاسم المذكور في الأخرى غير واضح والقراءة غير مُتَيَقَّنة. اقترح مُترجِمون سابقون أنه من المحتمَل أنهما كانتا مرسلتَين إلى إخناتون، ولكن باحثًا واحدًا على الأقل يَقترح أن الرسالة الثانية يُمكن أن تكون موجَّهة إلى آي، الذي اعتلى العرش بعد وفاة توت عنخ آمون.39 يبدو هذا غير مرجَّح، نظرًا للتاريخ المتأخِّر لاعتلاء آي للعرش (حوالي ١٣٢٥ق.م)، وفي الحقيقة، من المرجَّح أكثر بكثير أن الرسالتَين كانتا مرسَلتين إلى أمنحتب الثالث أو إخناتون، كحال الغالبية العُظمى من الرسائل من الحكام الآخَرين.
أولى هاتَين الرسالتَين هي ببساطة عبارة عن رسالة تحيَّة وتشتمل على قائمة موجزة من الهدايا، مثل «عربة حربية جميلة، وحصانين، وحجر منقوش عليه التاريخ من اللازورد الأصلي.»40 الرسالة الثانية أطول وتَحتوي على طلب إرسال الذهب الذي صار معتادًا، مع عبارة إخلاء المسئولية الاعتيادية: «الذهب في بلادك تراب؛ ليس على المرء سوى أن يَجمعه.» إلا أنها تحتوي أيضًا على مقارنة مُثيرة للاهتمام مع ملك هانيجالبات، الميتاني، التي يُصرِّح فيها ملك آشور أنه «على قدم المساواة مع ملك هانيجالبات»؛ وهيَ إشارة واضحة إلى مكانه في الترتيب الهرمي لما كان يُطلَق عليه القوى العُظمى لذلك الوقت، الذي تمنَّت آشور وملكها بقوة أن يكونا جزءًا منها.41

يبدو أن آشور أوباليط لم يكن يتفاخَر تفاخُرًا أجوفَ؛ لأنه كان أكثر من ندٍّ للملك الميتاني المعاصر له حينئذٍ، شوتارنا الثاني. هزم آشور أوباليط شوتارنا في معركة، يُحتمل أنها كانت عام ١٣٦٠ق.م، وأنهى السيطرة الميتانية على آشور التي كانت قد بدأت منذ أكثر من قرن بقليل، عندما سرق الملك الميتاني الأسبق شوشتاتار الباب المصنوع من الذهب والفضة من العاصمة الآشورية وأخذه إلى العاصمة الميتانية واشوكاني.

وهكذا بدأ صعود آشور إلى مكانة عُظمى، على حساب ميتاني في المقام الأول. سرعان ما أصبح آشور أوباليط واحدًا من الفاعلين الرئيسيين في عالم السياسة الواقعية الدولية. دبَّر زيجة ملكية بين ابنتِه وبورنا بورياش الثاني، ملك بابل الكيشي، وما كان منه إلا أن غزا مدينة بابل نفسها بعد بضعة أعوام، بعد اغتيال حفيدِه في عام ١٣٣٣ق.م، ووضع ملكًا دميةً يُسمى كوريجالزو الثاني على العرش.42

وبذلك، تظهر أخيرًا على الساحة آخر جهتَين فاعلتَين رئيسيتَين في العصر البرونزي المتأخِّر في الشرق الأدنى القديم، وهما آشور وقبرص. أصبح لدينا الآن طاقم شخصيات مُكتمِل يضمُّ: الحيثيِّين، والمصريين، والميتانيين، والكيشيين/البابليين، والآشوريين، والقبارصة، والكنعانيين، والمينويين، والميسينيين، وكل تلك الجهات حاضرة وفاعلة. وكلها تفاعلت فيما بينها، إيجابيًّا وكذلك سلبيًّا، أثناء القرون التالية، رغم أن بعضها، مثل ميتاني، اختفى من الساحة قبل الآخرين بوقت طويل.

(٦) نفرتيتي والملك توت عنخ آمون

بعد وفاة إخناتون بفترة وجيزة، انعكس مسار إصلاحاته وعادت الأمور إلى سيرتها الأولى، وجرت محاولة لمحو اسمه وذكراه من آثار وسجلات مصر. كادَت المحاوَلة أن تنجح، ولكن من خلال جهود الأثريين والاختصاصيين في دراسة النقوش، أصبح لدينا حاليًّا قدرٌ كبير من المعرفة عن فترة حكم إخناتون، وكذلك عن عاصمته أخيتاتون وحتى عن قبره الملكي. ونعرف أيضًا بشأن عائلته، بما في ذلك زوجته الجميلة نفرتيتي، وبناته، اللواتي يظهرن في عدد من النقوش والآثار.

عثر لودفيج بورشادت، المنقب الألماني عن العمارنة (أخيتاتون)، على التمثال النصفي المعروف لنفرتيتي في عام ١٩١٢ وشحَنَه إلى ألمانيا بعد ذلك بشهور قليلة. ولكن لم يُمَطْ عنه اللثام ويُعْرَض للجمهور حتى عام ١٩٢٤ في المتحف المصري في برلين. لا يزال التمثال موجودًا في برلين إلى يومنا هذا، على الرغم من مطالَبات من الحكومة المصرية العديدة بإعادته؛ نظرًا لأنه غادر مصر في ظروفٍ غير مثالية. القصة المروية، ولكن غير المؤكَّدة، تفيد بأنه كان ثمَّة اتِّفاق بين المنقِّبين الألمان والحكومة المصرية على اقتسام مكتشفات التنقيب بالتساوي، مع حصول المصريين على حق الاختيار الأول. عرف الألمان هذا لكنَّهم أرادوا الحصول على تمثال نفرتيتي النِّصفي لأنفسهم؛ لذا يُقال إنهم أبقوا التمثال النصفي بدون تنظيف ووضَعُوه عن عمد في نهاية صف طويل من الأغراض. عندما تغاضَت السلطات المصرية عن الرأس الذي كان يبدو قذرًا، شحنه الألمان على الفور إلى برلين. وعندما عُرِضَ أخيرًا في عام ١٩٢٤، استشاط المصريون غضبًا وطالبوا بعودته، لكنه ما يزال في برلين.43
ونعرف أيضًا بشأن ابن إخناتون، توت عنخ أتون، الذي غير اسمه وحكم مستخدمًا الاسم الذي نعرفه به اليوم، وهو توت عنخ آمون، أو الملك توت. إنه لم يولد في ولاية أريزونا، خلافًا لما قاله ستيف مارتن ذات مرة في برنامج «ساترداي نايت لايف»، ولا انتقل أبدًا إلى بلاد بابل.44 غير أنه اعتلى بالفعل عرش مصر في سنٍّ مبكرة، عندما كان في حوالي الثامنة من عمره؛ تقريبًا في نفس العمر الذي اعتلى فيه تحتمس الثالث العرش قبل قرابة ١٥٠ سنة. لحسنِ حظِّ توت عنخ آمون، لم يكن ثمَّة حتشبسوت في الجوار لتحكم بالنيابة عنه؛ ومن ثَمَّ كان بوسع توت عنخ آمون أن يحكم لقرابة عشر سنوات قبل أن يَموت في سنٍّ مبكِّرة.

الغالبية العظمى من التفاصيل المحيطة بحياة توت عنخ آمون القصيرة ليست ذات صلة مباشرة بدراستنا للعالم الدولي الذي عاش فيه. ومع ذلك، فإن موته وثيق الصلة بالموضوع، من ناحية لأن اكتشاف مقبرته في عام ١٩٢٢ أطلق العنان لهوسٍ عصريٍّ على مستوى العالم بمصر القديمة (يُعرف باسم الهوس بالمصريات) وجعله الملك الأكثر شهرة من كل أولئك الذين حكموا أثناء العصر البرونزي المتأخِّر، وبسبب الإمكانية الكبيرة في أنه من المحتمَل أن تكون أرملته هي التي كتبت إلى الملك الحيثي سابيليوليوما الأول، تطلب زوجًا بعد وفاة توت عنخ آمون.

يدور نقاش منذ وقت طويل حول سبب وفاة توت عنخ آمون — ومن ذلك إمكانية أن يكون قد قُتِل بضربة على مؤخِّرة رأسه — لكن الدراسات العلمية الحديثة العهد، بما في ذلك تصوير جمجمته بالأشعة المقطعية، تُشير إلى أن السبب الأرجح المسئول عن وفاته هو إصابته بكسر في الساق تلاه عدوى.45 لا يُمكن أبدًا إثبات إذا ما كانت ساقه قد كُسِرَت جراء سقوطه من فوق عجلة حربية، كما يُشتبه، ولكن بات من الواضح الآن أنه عانى من الملاريا أيضًا وأنه كان لديه تشوُّهات خِلقية، بما في ذلك اعوجاج القدم. وأشير أيضًا إلى أنه من الممكن أن يكون قد وُلِد من علاقةِ سفاحِ قُربى بين أخ وأخته.46

دُفِن توت عنخ آمون في مقبرة في منطقة وادي الملوك. ربما لم تكن المقبرة له في الأصل، كما كان حال الكثير من الأغراض المُذهِلة التي عُثِر عليها مدفونة معه؛ نظرًا لأنه مات فجأة وعلى نحو غير متوقَّع. وكذلك ثبتَ بجلاء صعوبة تحديد موقعها على علماء المصريات المعاصرين، لكن هوارد كارتر اكتشفها أخيرًا في عام ١٩٢٢.

كان إيرل كارنارفون قد استأجر كارتر لغرضٍ صريحٍ هو العثور على مقبرة توت عنخ آمون. كان كارنارفون، كشأن بعض أعضاء الطبقة الأرستقراطية البريطانية الآخرين، يبحث عن شيء ليفعله أثناء تمضيتِه لفصل الشتاء في مصر. وخلافًا لبعض مواطنيه، كان كارنارفون يتبع أوامر طبيبِه بالمجيء إلى مصر كل عام؛ وذلك لأنه كان قد تعرض لحادث سيارة في ألمانيا في عام ١٩٠١ — إذ انقلبت سيارته وهو يقودُها بسرعة غير مسبوقة بلغت عشرين ميلًا في الساعة — وأُصيبَ بثقب في الرئة، أدَّى بطبيبه إلى أن يخشى عليه من أنه لن يتحمَّل الشتاء في إنجلترا؛ لذا اضطرَّ إلى أن يُمضيَ الشتاء في مصر وعلى الفور بدأ يُمارس دور الأثري الهاوي، بأن استأجر عالم مصريات مُفَضَّلًا.47
كان كارتر يعمل مفتشًا عامًّا للآثار في صعيد مصر، ثم تولى منصبًا أرفع في سقارة. ومع ذلك استقال بعد أن رفض الاعتذار لمجموعة من السائحين الفرنسيِّين الذين تسببوا في مشكلة في الموقع في عام ١٩٠٥. ولذلك كان أكثر قابلية لأن يُوظِّفه كارنارفون؛ إذ كان عاطلًا عن العمل في ذلك الوقت وكان يعمل رسامًا يَرسم مناظر بألوان الماء للسائحين. بدأ الاثنان العمل معًا في عام ١٩٠٧.48
بعد عقد من أعمال التنقيب الناجحة في مجموعة متنوعة من المواقع، كان بمقدور الرجلين أن يَشرعا في العمل في وادي الملوك في عام ١٩١٧. كانا يبحثان تحديدًا عن مقبرة توت عنخ آمون، التي عرفا أنها لا بد وأن تكون في مكانٍ ما في وادي الملوك؛ لذلك أخذ كارتر يحفر ستَّة مواسم، لشهور عديدة كل عام، حتى كان تمويل كارنارفون، وربما اهتمامه أيضًا، على وشك النضوب. التمسَ منه كارتر موسمًا واحدًا أخيرًا، عارضًا أن يَدفع مقابله بنفسه، لأنه كان هناك مكان واحد في الوادي لم يكن قد نقَّب فيه بعد. رضَخ كارنارفون لالتماسه وعاد كارتر إلى وادي الملوك، مبتدئًا العمل في الأول من نوفمبر من عام ١٩٢٢.49 أدرك كارتر أنه كان يَنصب معسكره في نفس المكان كل موسم، لذا نقل عندئذٍ مقرَّه وحفر في المكان الذي كان فيه الموضع الأصلي للمُعسكَر، وبعد ثلاثة أيام، عثر عضو في فريقه على الدرجات الأولى المؤدِّية إلى المقبرة. وكما اتضح، كان أحد الأسباب وراء بقاء المقبرة دون أن تُكتشَف لآلاف السنين هو أن المدخل كان قد طُمِر تحت التراب الذي كان يُلقيه الحفارون اللاحقون الذين كانوا يُقيمون مقبرة رمسيس السادس المجاوِرة، والذي مات بعد ما يقرب من قرن من وفاة توت عنخ آمون.

حيث إن كارتر كان قد اكتشف مدخل المقبرة في الوقت الذي كان فيه كارنارفون لا يزال في إنجلترا، أرسل إليه على الفور برقية ثم كان عليه أن ينتظر حتى يتمكَّن كارنارفون من الإبحار إلى مصر. وكذلك أبلغ وسائل الإعلام. وعند وصول كارنارفون واستعدادهم لفتح المقبرة في السادس والعشرين من نوفمبر من عام ١٩٢٢، كان الصحفيون يحيطون بهما، كما تُظْهِر الصور الفوتوغرافية المأخوذة في ذلك اليوم.

ما إن حُفرت فتحة بالإزميل في الباب، حتى كان بمقدور كارتر أن ينظر من خلال الثقب وعبر ممرِّ الدخول الذي يليه، الغرفةَ المُفضيَة إلى غرفة الدفن. جذب كارنارفون كارتر من سترته وسأله عما رآه. يقال إنه أجاب قائلًا: «أرى أشياء رائعة.» أو كلمات أخرى بهذا المعنى، وفعلًا أورد لاحقًا أنه كان بوسعه أن يرى ذهبًا؛ إذ كان بريق الذهب في كل مكان.50
بلا شك، كان الارتياح واضحًا على صوته؛ لأنه أثناء الانتظار الطويل لمجيء كارنارفون، استحوذت على كارتر مخاوف أن المقبرة قد تعرَّضت للنهب على الأقل مرة واحدة، إن لم يكن مرتين، بالاستناد إلى إعادة التمليط بالجص عند مدخل المقبرة، مع وجود أختام الجَبَّانة عليها.51 كانت عقوبة سرقة المقابر في مصر القديمة هي الموت بالخوزقة على عصا مثبتة في الأرض، ولكن لا يبدو أن هذا أخاف الكثير من لصوص المقابر.

عندما دخل كارتر وكارنارفون بالفعل إلى داخل المقبرة، بات واضحًا أنها قد تعرَّضت بالفعل للسرقة، بالاستناد إلى حالة الفوضى التي كانت عليها الأغراض الموجودة في الغرفة المفضية إلى غرفة الدفن، حيث كانت ملقاة مثل ممتلكات في شقة أو منزل حديث تعرض للنهب على يد لصوص منازل، وبالاستناد أيضًا إلى الخواتم الذهبية الملفوفة في منديل والملقاة في ممرِّ الدخول، التي ألقاها على الأرجح اللصوص الذين إما كانوا في عجلة من أمرهم للخروج من المقبرة أو أثناء ما كان حراس الجَبَّانة يَقبضون عليهم. ومع ذلك، كان الكم الهائل من الممتلكات الباقية في المقبرة مذهلًا؛ حتى إن الأمر استغرق من كارتر ومعاونيه معظم السنوات العشر التالية للتنقيب تنقيبًا كاملًا وعمل قائمة بكل شيء في المقبرة، رغم أن كارنارفون نفسه مات جراء تسمُّم الدم بعد ثمانية أيام فقط من فتح المقبرة، الأمر الذي أدَّى إلى ظهور قصة «لعنة المومياء».

العدد الضخم من أغراض الدفن في مقبرة توت عنخ آمون قاد بعض علماء المصريات إلى التساؤل عما كان من المُمكن أن يكون موجودًا في مقبرة أحد الفراعنة الذين حكموا مدةً أطول، مثل رمسيس الثالث أو حتى أمنحتب الثالث، ولكن كل تلك المقابر كانت قد نُهِبَت منذ زمن بعيد. ومع ذلك فمن المرجَّح أن الأغراض المذهلة التي كانت موجودة في المقبرة كانت فريدة من نوعها وربما كانت نتيجة هدايا من الكهنة المصريين، الذين كانوا ممتنِّين له لأنه أبطل إصلاحات والده وأعاد الأمور إلى سيرتها الأولى وأرجع السلطة إلى كهنة آمون وآخرين. وحتى تُكتشَف مقبرة مصرية ملَكية غير منهوبة أخرى، فإننا، على أيِّ حال، ليس لدينا شيء يُقارن بمقبرة توت عنخ آمون.

عندما مات توت عنخ آمون، ترمَّلت ملكته الشابة عنخ إسن آمون التي كانت أخته أيضًا. وهنا نصلُ إلى القصة الطويلة للملك الحيثي سابيليوليوما الأول ومسألة زانانزا، التي تُعدُّ إحدى أغرب الوقائع الدبلوماسية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

(٧) سابيليوليوما ومسألة زانانزا

بعد توداليا الأول أو الثاني، عانى الحيثيون في الأناضول/تركيا لفترة من الزمن في ظل حكام ضعاف نسبيًّا. بدأت حظوظهم في التحسن من جديد في حوالي ١٣٥٠ق.م، تحت حكم ملك جديد يُسمَّى سابيليوليوما الأول، الذي أتينا على ذكره بإيجاز فيما يتصل بمراسلات وسجلات إخناتون.

عندما كان أميرًا شابًّا يأتمر بأوامرِ والده، ساعد سابيليوليوما الأول الحيثيين في استعادة السيطرة على الأناضول.52 شكَّلت معاوَدة ظهور الحيثيين في هذا الوقت خطرًا على أمنحتب الثالث وإمبراطوريته، لذا ليس مفاجئًا أن المعاهدات التي تفاوَضَ بشأنها أمنحتب الثالث، والزيجات بين العائلات المالكة التي دبَّرها، استُهِلَّت بحكام كل البلاد المحيطة بموطن الحيثيين تقريبًا، من أوغاريت على ساحل شمال سوريا إلى بابل في بلاد الرافدين جهة الشرق وأرزاوا في الأناضول جهة الغرب. سعى أمنحتب الثالث إلى إبرام تلك المعاهدات والزيجات في محاولة في بداية الأمر لاستغلال الضعف النِّسبي للحيثيين أثناء مطلع حكم سابيليوليوما الأول، وللحد، بعد ذلك، من نطاق أنشطتهم، مع بدء الحيثيين في معاودة الصعود تحت قيادته.53

لدينا علمٌ بالكثير من الأمور عن سابيليوليوما من السجلات الحيثية، وبخاصة مجموعة من الألواح التي كتبها ابنه وخليفته لاحقًا، مورسيلي الثاني، التي تحتوي على ما يُعرَف باسم «صلوات الطاعون». يبدو أن سابيليوليوما مات، بعد حكم دام قرابة الثلاثين عامًا، جراء طاعون جُلِب إلى بلاد الحيثيين عن طريق أسرى الحرب المصريِّين الذين كانوا قد أُسِروا أثناء حربٍ دارت في شمال سوريا. اجتاح الطاعون عامة الشعب الحيثي. ومات الكثير من العائلة المالكة، بما فيهم سابيليوليوما.

رأى مورسيلي الوفَيات، وخاصةً وفاة والده، على أنها عقاب إلهي على اغتيالٍ كان قد ارْتُكِب في بداية حكم سابيليوليوما، ولم يسأل سابيليوليوما الآلهة قطُّ الغفران له. كان شقيق سابيليوليوما هو مَن اغتيل؛ وهو أمير حيثي يُسمى توداليا الأصغر. ليس واضحًا إن كان سابيليوليوما متورِّطًا في الاغتيال أم لا، ولكن من المؤكد أنه استفاد منه؛ إذ كان المُزمَع تولي توداليا للعرش بدلًا من سابيليوليوما، على الرغم من كل الانتصارات العسكرية العظيمة التي حقَّقها سابيليوليوما نيابة عن والده. يكتب مورسيلي:
ولكنَّكِ الآن، أيتها الآلهة، قد انتقمتِ من أبي بسبب مسألة توداليا الأصغر. [مات] أبي بسبب دم توداليا، والأمراء، والنبلاء، وقادة الآلاف، والضباط الذين مضوا إلى أبي، هم أيضًا ماتوا بسبب تلك المسألة. هذه المسألة نفسها حلَّت على أرض خاتي، وبدأ سكان أرض خاتي في الهلاك بسبب هذه المسألة.54
لا نعرف أي تفاصيل أخرى عن عملية استيلاء سابيليوليوما على السلطة، عدا أنها نجحت كما هو واضح. إلا أنَّنا عرفنا بعد ذلك أحداثًا مهمةً إضافية من فترة حكمه، بفضل وثيقة طويلة عنوانها «أعمال سابيليوليوما»، والتي كتبها أيضًا ابنه وخليفته، مورسيلي الثاني. يُمكن لتفاصيل حكم سابيليوليوما أن تستغرق كتابًا كاملًا، والذي سيُكتَب دون شك في مرحلة ما. أما هنا فسيكفي أن نقول ببساطة إن سابيليوليوما تمكن من إعادة معظم منطقة الأناضول إلى السيطرة الحيثية، من خلال حروب شبه متواصلة ودبلوماسية ماكرة. ووسَّع كذلك من النفوذ الحيثي، وحدود الإمبراطورية، وصولًا إلى شمال سوريا، حيث من المحتمَل أن يكون قد دمَّر مدينة ألالاخ، عاصمة مملكة موكيش.55 أدت به حملاته العديدة إلى الجنوب والشرق في نهاية المطاف إلى الدخول في صراع مع المصريِّين، وإن كان ذلك لم يحدث إلا في عصر إخناتون. أدَّت به هذه الحملات أيضًا إلى الدخول في صراع مع ميتاني، الواقعة في موضع أبعد شرقًا، أثناء حكم ملكها، توشراتا. هزم سابيليوليوما في النهاية مملكة ميتاني وأخضعها، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد عدد من المحاولات؛ بما فيها الحرب التي يُطلَق عليها «الحرب السورية العظمى»، عندما سلب سابيليوليوما ونهب واشوكاني عاصمة ميتاني.56
من ضمن المدن الأخرى التي هاجمها سابيليوليوما ودمرها والتي كانت واقعة في نطاق الأراضي الميتانية كان موقع قَطْنة القديمة، تل المشرفة الحالي، الذي يقوم فيه أثريون إيطاليون وألمان وسوريون بأعمال تنقيب حاليًّا. جرت اكتشافات هائلة في العقد الماضي فحسب، منها مقبرة ملكية غير منهوبة، ورسوم جدارية إيجية الطراز عليها صور لسلاحف ودلافين، وقطعة من الطين عليها الاسم الذي حمله إخناتون عند اعتلاء العرش (ربما استُخْدِمَت لختم جرة أو كانت في الأصل مرفَقة برسالة)، وعشرات الألواح من الأرشيف الملكي، وكلها كانت واقعة داخل أو تحت القصر. من ضمن هذه الألواح يوجد رسالة يرجع تاريخها إلى حوالي ١٣٤٠ق.م من هانوتي، القائد الأعلى للجيش الحيثي تحت حكم سابيليوليوما، يُخبر فيها إيدادا ملك قَطْنة أن يستعد للحرب. عُثِر على الرسالة في البقايا المحروقة لقصر الملك، في دليل على أن الحيثيين قد هاجموها وانتصروا.57
لم يكن سابيليوليوما يجهل الشئون الدبلوماسية؛ إذ كانت تمضي آنذاك جنبًا إلى جنب مع الحرب. ويبدو حتى إنه تزوج أميرة بابلية، ربما بعد إبعاد زوجته الأساسية (وأم أبنائه) فيما وراء البحار إلى أخياوا بسبب تجاوز غير معروف.58 كذلك زَوَّج إحدى بناته إلى شاتيوازا، الذي نصَّبه على عرش ميتاني ملكًا تابعًا له بعد أن أرسل معه جيشًا حيثيًّا ليظفر بعرش والده. ومع ذلك فإن أكثر الزيجات المرتبطة بحكم سابيليوليوما إثارة للاهتمام هي زيجة لم تحدث قط. وتُعْرَف اليوم باسم «مسألة زانانزا».
نعرف بمسألة زانانزا من وثيقة «أعمال سابيليوليوما»، كما كتبها ابنه مورسيلي الثاني، نفس الابن الذي كان مسئولًا عن كتابة «صلوات الطاعون». ويبدو أن البلاط الحيثي تلقَّى ذات يوم رسالة، يُزْعَم أنها من ملكة مصر. كانت الرسالة محل ارتياب لأنها احتوت على عرضٍ لم يَسبق قطُّ أن قدمه حاكم لمصر. كان عبارة عن طلب مفاجئ للغاية حتى إن سابيليوليوما شكَّ على الفور في صحة الرسالة. كان نصُّ الرسالة ببساطة هو الآتي:
لقد تُوفيَ زوجي. وليس لي ابن. لكنهم يقولون إن لديك أبناءً كثيرين. إن أعطيتَني واحدًا من أبنائك، فسيصبح زوجي. ولن أُقدِم أبدًا على أن أتخذ خادمًا من خدمي زوجًا لي!59

تُسجِّل وثيقة «أعمال سابيليوليوما» أن مرسل الرسالة كان امرأة تسمى «داهامونذو». غير أن هذه الكلمة هي كلمة حيثية تعني «زوجة الملك». بعبارة أخرى، كانت الرسالة على ما يُفترض من ملكة مصر، ولكن هذا كان غير منطقي؛ لأن العائلة المالكة المصرية لم تُزوِّج بناتها من أجانب. في كل مفاوضات معاهدات أمنحتب الثالث، على سبيل المثال، لم يهَب، ولو مرة، إحدى أفراد عائلته للزواج من حاكم أجنبي، على الرغم من أنه طُلِب منه في أكثر من مناسبة أن يفعل ذلك. أما هنا، فملكة مصر لم تَكُن تعرض أن تتزوَّج ابن سابيليوليوما فحسب بل أن تجعل منه على الفور فرعون مصر. كان هذا العرض لا يُصدَّق؛ ولذلك فإن ردَّ فعل سابيليوليوما مفهوم. وهذا ما جعله يبعث برسول مؤتمَن يُسمى حاتوسا زيتي إلى مصر، ليسأل عمَّا إذا كانت الملكة قد أرسلت بالفعل الرسالة، وعمَّا إذا كانت جادَّة في عرضها.

سافر حاتوسا زيتي إلى مصر، حسب التعليمات، ولم يَعُد برسالة إضافية من الملكة فحسب بل عاد أيضًا بمبعوثها الخاص، رجل يُسمَّى هاني. كانت الرسالة مكتوبة باللغة الأكادية، وليست بالمصرية أو الحيثية. لا تزال الرسالة باقية في يومنا هذا على هيئة غير مُكتمِلة بعد اكتشافها في حاتوسا، ضمن السجلات الحيثية، وتعكس غضب الملكة من الشكِّ فيها. وحسبما اقتُبِس في «أعمال سابيليوليوما»، كانت تنص على ما يلي:
إن كان لي ابن، فهل كنتُ سأكتبُ عن خزيي وخزي بلدي لبلدٍ أجنبي؟ أنتَ لم تُصدِّقْني، حتى إنك حدثتَني بذلك! لقد مات من كان زوجي. وليس لديَّ ابن! ولن أُقدِم أبدًا على أن أتخذ خادمًا من خدمي زوجًا لي! أنا لم أكتب إلى أيِّ بلد آخر. لقد كتبت إليك فحسب. يقولون إن لديك أبناءً كثيرين؛ لذا أعطني ابنًا من أبنائك. وسوف يكون زوجًا لي. وفي مصر سوف يكون ملكًا!60
وحيث إن سابيليوليوما كان لا يزال متشككًا، فقد تحدَّث المبعوث المصري هاني بعد ذلك قائلًا:
يا مولاي! هذا خزيُ بلدنا! إن كنا نملك أيَّ ابن للملك، فهل كنا أتينا إلى بلد أجنبي وظلَلْنا نطلُب سيدًا لنا؟ لقد مات نب خبرو رع [الملك المصري]. وليس له أبناء! زوجة مولانا بمفردِها. نحن نبتغي ابنًا من أبناء مولانا [سابيليوليوما] للمُلك في مصر. أما للسيدة، مولاتنا، فنحن نَبتغيه لها زوجًا! علاوة على ذلك، لم نذهب إلى أي بلد آخر، فقد أتينا إلى هنا فقط! والآن، يا مولاي، أعطِنا واحدًا من أبنائك!61

حسبما ورد في «أعمال سابيليوليوما»، اقتنع سابيليوليوما أخيرًا بهذه الخطبة وقرَّر أن يرسل واحدًا من أبنائه، ويسمى زانانزا، إلى مصر. لم يكن يُخاطر بالكثير؛ لأن زانانزا كان رابع أبنائه الخمسة. كان الثلاثة الأكبر سنًّا يَخدمونه بالفعل في مناصب مختلفة؛ لذا كان بوسعه أن يتخلَّى عن زانانزا. إذا جرت الأمور على ما يُرام، فسيُصبح ابنه ملكًا لمصر؛ وإذا لم تجرِ الأمور على ما يُرام، فما زال لديه أربعة أبناء آخرين.

لكن لم تجرِ الأمور على ما يُرام. بعد عدة أسابيع، وصَل رسول وأبلغ سابيليوليوما أن الجماعة المسافرة إلى مصر قد تعرَّضَت لكمينٍ في الطريق وأن زانانزا قد قُتِل. وأضاف أن المسئولين عن قتلِه قد هربوا وما زالت هويتهم غير معروفة. استشاط سابيليوليوما غضبًا؛ فلم يكن لديه شكٌّ في أن المصريين كانوا مسئولين بطريقة ما عن هذا، وربما يكونون حتى قد أغرَوه ليُرسِل ابنه إلى حتفه. فحسبما تُسجل «أعمال سابيليوليوما»:
عندما سمع أبي [سابيليوليوما] بمقتل زانانزا، بدأ يَرثي زانانزا، وتكلم إلى الآلهة هكذا: «أيتها الآلهة! أنا لم أقترف شرًّا، ومع ذلك فعل قوم مصر هذا معي! كما أنهم هاجموا حدود بلادي!»62
يظل أمر هوية مَن نصَب كمينًا لزانانزا وقتله حتى الآن لغزًا لم يُحَل. ويظل أيضًا أمر من أرسلت الرسالة إلى سابيليوليوما سؤالًا مطروحًا يحتاج إلى إجابة؛ وذلك لأنه يوجد ملكتان محتمَلتان، كلتاهما كانتا أرملتين. إحداهما كانت نفرتيتي، زوجة إخناتون؛ والأخرى كانت عنخ إسن آمون، زوجة الملك توت عنخ آمون.63 ومع ذلك، بالأخذ في الاعتبار المعلومة الواردة في الرسائل، وأعني بذلك ما ورَد من أن الملكة لم يكن لها أبناء، وبالأخذ في الاعتبار سلسلة الأحداث التي تلَتِ اغتيال زانانزا، وانتقال العرش إلى رجل يُسمَّى آي، الذي تزوج عنخ إسن آمون رغم كونه مُسِنًّا بما يكفي لأن يكون جدَّها، فإن تحديد هوية كاتبة الرسالة الملكية على أنها عنخ إسن آمون هو الأكثر منطقية. من غير الواضح إن كان آي له أي علاقة بالاغتيال الفِعلي للأمير الحيثي، ولكن بما أنه كان الأكثر استفادة، فمن الواضح أن الشكوك تحوم حوله.
عندما أقسم سابيليوليوما بأن يَنتقم لموت ابنه، وضع خططًا لمهاجمة الحدود المصرية. حذره آي من القيام بذلك، في مراسلة لا تزال موجودة في حالة غير مُكتمِلة، ولكن سابيليوليوما أعلن الحرب على أيِّ حال وأرسل الجيش الحيثي إلى جنوب سوريا، حيث هاجم مدنًا عديدة وجلب آلافًا من الأسرى، منهم الكثير من الجنود المصريين.64 لِئَلَّا يتساءل أي أحد عما إذا كان يمكن لشخص ما أن يذهب إلى الحرب من أجل شخصٍ واحد، لا يحتاج المرء سوى أن يتأمل قصة حرب طروادة، حيث قاتل الميسينيون الطرواديين مدة عشر سنوات، حسبما قيل، بسبب اختطاف الجميلة هيلين، الأمر الذي سنعود إليه عما قليل. يمكن للمرء أيضًا أن يُشير إلى اغتيال الأرشيدوق فرديناند في سراييفو في الثامن والعشرين من يونيو، عام ١٩١٤، الذي يعتبره الكثيرون الشرارة التي أشعلت الحرب العالَمية الأولى.

المفارقة، كما أشرنا أعلاه وكما ورد في «صلوات الطاعون» التي كتَبها مورسيلي، أنه يُعتقَد أن أسرى الحرب المصريين الذين جلَبهم الجيش الحيثي معه هم من أحضروا معهم مرضًا مريعًا، انتشر بسرعة عبر الأراضي الحيثية. بعد ذلك بفترة وجيزة، في عام ١٣٢٢ق.م تقريبًا، تُوفيَ سابيليوليوما جراء إصابته بهذا الطاعون؛ والذي ربما كان ضحية للعارض المؤسف بين المصريِّين والحيثيين بقدر ابنه زانانزا.

(٨) الحيثيون والميسينيون

ثمَّة ملاحظة إضافية يمكن تسجيلها حول الحيثيين في هذا الوقت. أثناء حكم سابيليوليوما، بدأت فترة كان الحيثيون خلالها إحدى القوى العظمى في العالم القديم، وكانوا على قدم المساواة مع المصريين ومتجاوِزين نفوذ الميتانيين، والآشوريين، والكيشيين/البابليين، والقبارصة. وحافظوا على موقعهم من خلال الجمع بين الدبلوماسية، والتهديدات، والحرب، والتجارة. في الواقع، عثر الأثريون الذي يُنقِّبون في المواقع الحيثية على بضائع تجارية من معظم تلك البلدان الأخرى (التي يُمكننا بتعبير معاصِر أن ندعوها دولًا قومية). وعلاوة على ذلك، عُثِر على بضائع حيثية في كل تلك البلدان تقريبًا.

كان الاستثناء هو منطقة إيجه؛ فالأغراض الحيثية تكاد تكون بلا وجود في سياقات العصر البرونزي في البر الرئيسي لليونان، وكريت، وجزر السيكلاد، وحتى في رودس، رغم القرب الشديد للأخيرة من تركيا. لم يُكتشف سوى دزينة من تلك الأغراض، على النقيض من مئات من الواردات المصرية، والكنعانية، والقبرصية التي عُثِر عليها في نفس السياقات في منطقة إيجه. وعلى الجانب الآخر، لم تُستورد تقريبًا أي أغراض ميسينية ولا مينوية إلى البلاد الحيثية في وسط الأناضول، على الرغم من أن البضائع المستوردة من قبرص، وآشور، وبابل، ومصر شقَّت طريقها عبر الممرات الجبلية صعودًا إلى هضبة الأناضول الوسطى. هذا التفاوت الواضح في أنماط التجارة لمنطقة البحر المتوسط القديمة ليس مقصورًا فقط على عصر سابيليوليوما والقرن الرابع عشر قبل الميلاد، بل يَظهر أيضًا خلال معظم القرون الثلاثة، من القرن الخامس عشر وحتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد.65

قد يكون الأمر ببساطة أن أيًّا من الطرفين لم ينتج أغراضًا احتاج إليها الطرف الآخر، أو أن الأغراض المتبادَلة كانت قابلة للتلف (زيت الزيتون، والخمور، والخشب، والمنسوجات، والمعادن على سبيل المثال) وتحلَّلت منذ زمن بعيد أو استُخدمَت لصناعة أغراض أخرى، ولكن ربما أيضًا كانت ندرة التجارة متعمَّدة. سنرى، في الفصل التالي، معاهدة دبلوماسية حيثية منصوصًا فيها على حظر اقتصادي متعمد على الميسينيين؛ «ليس مسموحًا بأن تذهب إليه سفينة من أخياوا.» ويبدو أنه من المرجَّح إلى حدٍّ بعيد أننا نُطالع هنا أحد أقدم الأمثلة في التاريخ على هذا النوع من الحظر.

كما أوضحت في موضعٍ آخر،66 هذا السيناريو، وهذا الدافع لإنشاء حظر، تدعمهما أدلة على أن الميسينيين شجعوا بشدة أنشطة مُعادية للحيثيين في غرب الأناضول.67 ووفقًا لما ذُكِر في بداية هذا الفصل، إذا كان أمنحتب الثالث قد أرسل بعثة إلى منطقة إيجه، مثلما هو مسجَّل فيما يُطلَق عليه القائمة الإيجية في معبدِه الجنائزي في كوم الحيتان، من أجل المساعدة على احتواء قوة الحيثيين المتصاعدة، فربما تكون هذه المبادرات المصرية المعادية للحيثيين، وبخاصة تلك التي استفادت منها ميسينيا، قد وجدت حليفًا متحمِّسًا في منطقة إيجه.

بدلًا من ذلك، من الجائز أن العدائية وغياب التجارة بين الميسينيين والحيثيين كانا «نتيجة» لمعاهدة مُعادية للحيثيِّين وُقِّعَت بين مصر ومنطقة إيجه أثناء عصر أمنحتب الثالث. خلاصة القول هي أنه يبدو أن السياسة، والتجارة، والدبلوماسية منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، وبخاصة أثناء القرن الرابع عشر قبل الميلاد، لم تكن تَختلِف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي تُمارَس كجزء لا يتجزَّأ من الاقتصاد المُعولم لعالَمنا المعاصر، الذي يتضمن إجراءات الحظر الاقتصادي، والبعثات الدبلوماسية، وألاعيب كل من الهدايا والنفوذ في أعلى المستويات الدبلوماسية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤