الفصل الرابع عشر

دعوة الملوك إلى الاسلام

فاقتنع هرقل وإلتفت إلى عبد الله وعبد الله مطرق إجلالًا ووقارًا وقال: «قد أخبرنا غبطة البطريرك بعذرك في الكتمان فصفحنا عنك فكن مطمئنًا آمنًا.» وناولهُ الخاتم بيده ونادى الحارث فوقف بين يديهِ فبلغهُ عفوه وأمره أن يدفع إليه كتاب الأمان فتقدم عبد الله وجثا أمام الإمبراطور وشكر نعمتهُ وتقهقر يريد الخروج فرافقهُ الحارث إلى باب القاعة ثم رأَى ذلك البدوي قد أذن لهُ بالدخول وفى يده رق من جلد يريد تقديمهُ إلى الإمبراطور فاعترضهُ الحارث فقال البدوي: «بيدي كتاب إلى جلالة الإمبراطور أريد تسليمهُ إليه.» فأخذ الحارث الكتاب فإذا هو مختوم بالطين فقدمهُ إلى هرقل فاغتنم عبد الله انشغال الحارث وانزوى في بعض جهات القاعة بين الجميع ووقف ينظر إلى ما يكون من أمر ذلك الكتاب.

فرأى هرقل قد فضهُ وتأملهُ فلم يستطيع قراءتهُ فناولهُ إلى ترجمانهِ فنظر إليه ثم قال: «انهُ مكتوب بالحرف الكوفي باللغة العربية.»

فقال هرقل: «أتلهُ علينا.» فقرأَه فإذا فيهِ

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم والسلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن أثم الأكابر عليك

(الختم)
محمد رسول الله

فلما أَتم قراءتهُ ترجمهُ فبغت كل من في الجلسة لشدة لهجتهِ فإلتفت هرقل إلى من حولهُ كأنهُ يستشيرهم في شأنهِ وهو لم يفهم المراد منهُ لأنهُ لم يكن يسمع بتلك الدعوة إلا همسًا فقال: «ومن ينبئني بحكاية هذا الرجل؟» فلم يستطع أحد إيضاحا كافيًا فنظر إلى أطراف القاعة فشاهد عبد الله فأشار إليه فهرول نحوه متأدبًا فقال لهُ: «هل سمعت شيئًا عن صاحب هذا الكتاب؟» وأمر بالكتاب فدفع إليه فقرأَه وقال: «نعم يا مولاي أن صاحبهُ نبي ظهر في مكة في بلاد الحجاز من قبيلة يقال لها قريش دعا الناس إلى عبادة الله وكان أكثر العرب يعبدون الأوثان فأجابهُ جماعة كبيرة منهم بعد أن قاسى مشقات جسيمة من اضطهاد بعض أقاربهِ وأعمامهِ وأهل وطنهِ فهاجر إلى يثرب فنصره أهلها وشدوا أزره وانتشرت دعوتهُ في أقاصي بلاد العرب ويظهر من كتابهِ هذا أنهُ يدعو مولاي الإمبراطور إلى التصديق بهِ.»

فلما سمع أرباب المجلس قولهُ كثر اللغظ فيما بينهم وأظهروا الاستخفاف فإلتفت هرقل إليهم كأنهُ يستطلع رأيهم فقالوا لهُ: «أن في كتاب هذا الرجل جرأَة كبيرة إذ لا نرى مسوغًا أن يحتقر الإمبراطور إلى هذا الحد.» فأشار هرقل إشارة فهم الحاضرون منها أنهُ يلتمس سكوتهم فسكتوا وإلتفت إلى البطريرك عن يمينهِ فاستخصهُ بالسؤال.

فقال البطريرك: «أني أرى في هذا الكتاب جرأَة لم يسبق لها مثيل لأن كتابهُ يبدأ في خطابهِ بذكر اسمهِ ثم يذكر اسم جلالتكم فقد قال: «من محمد رسول الله إلى عظيم الروم» والعادة في خطاب الإمبراطور أن يكون الاستهلال باسمهِ ثم اسم مخاطبهِ فأرى بعد أمركم أن لا تعيروا هذا الكتاب التفاتًا.»

فقال هرقل: «ولكن علينا أن نبحث عن سيرة هذا النبي وصفاتهِ ثم نحن مخيرون في ما نفعلهُ فهل تعرفون أحدًا من قريش نسألهُ عنهُ.»

فقال الحارث: «أعرف أميرًا من أمراء مكة عظيمًا اسمهُ أبو سفيان قدم في هذه الأثناء لتجارة في غزة وهو أقدر من يخبرنا عن صفات هذا النبي.»

فقال هرقل: «إليَّ بهِ.»

فقال الحارث: «سمعًا وطاعة فسيكون هذا الرجل هنا بعد بضعة أيام أن شاءَ الله.»

قال الإمبراطور: «فلنعقد مجلسًا إذ ذاك يحضره هذا العراقى لأنهُ يعرف العربية فلعلهُ يفيدنا شيئًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤