تمهيد

تكلم ابن السبكي في طبقاته عن مؤلفات الغزالي، وتبعه الزبيدي في شرح الإحياء، ثم كتب جرجي زيدان في صدر الجزء السادس من السنة الخامسة عشرة للهلال كلمة مفصلة عن مصنفات الغزالي، وتمتاز هذه الكلمة بشيئين: الأول ترتيب تلك الكتب بحسب موضوعاتها، والثاني الإشارة إلى أماكن وجود النسخ النادرة، مخطوطة كانت أو مطبوعة، إلا أنه لحسن حظ العلم نجد أكثر ما نوه جرجي زيدان بندرته أصبح اليوم في المكاتب والأسواق.

وأهم كتب الغزالي فيما نحن بصدده من درس الأخلاق، «كتاب الإحياء»، وسنكتب عنه كلمة مفصلة وكتاب «ميزان العمل» وهو يقع في ٢١٥ صفحة، ونحسبه يفضل في دقته كتاب الإحياء، بل يشبه أن يكون خلاصة له، وميزان العمل هذا مقابل لكتابه «معيار العلم». وقد قال في مقدمته: «لما كانت السعادة التي هي مطلوب الأولين والآخرين لا تنال إلا بالعلم والعمل، وافتقر كل واحد منهما إلى الإحاطة بحقيقته ومقداره، ووجب معرفة العلم والتمييز بينه وبين غيره بمعيار، وفرغتنا منه، وجب معرفة العلم المسعد، والتمييز بينه وبين العمل المشقي، فافتقر ذلك أيضًا إلى ميزان، فأردنا أن نخوض فيه … إلخ» وقد نص على أنه وضع أكثر هذا الكتاب على طريقة التصوف.

ويلي هذين الكتابين في الأهمية كتاب «الأربعين». وهو جزء من كتاب «جواهر القرآن»، كما ذكر صاحب كشف الظنون، وقد وضع بعد الإحياء، وهو قريب منه في الموضوعات وفي التبويب.

ومن مؤلفاته الهامة في الأخلاق كتاب «منهاج العابدين» وهو آخر مصنفاته، ولعل هذا السر فيما احتواه هذا الكتاب من مظاهر الضعف والاضطراب، وقد رأيت كيف اعتلت صحته بسبب العزلة. ونقل الزبيدي عن المسامرة لابن عربي أنه ليس له، وإنما هو لأبي الحسن علي بن عليل السبتي، وسترى بعد قليل ما زور باسم الغزالي من التآليف.

وهناك «التبر المسبوك في نصيحة الملوك»، كتبه للسلطان محمد بن ملكشاه، وعن هذا الكتاب أخذنا رأي الغزالي في آداب الكتابات وواجبات الملوك، وحقوق الوزراء. وسترى بعد كلمة في نسبة هذا الكتاب إلى الغزالي، وهو يقع في ١٢٤ صفحة وتجده مشحونًا بالأقاصيص، وهي فكرة حسنة في الترغيب والترهيب، ولم يختص بها كتابه هذا، ولكنها فيه أظهر من سواه.

ولا تنس كتاب «المنقذ من الضلال» ففيه صورة صادقة لحياته العقلية، وهو يمثل وجهة نظره فيما شهده من الحركة العلمية في عصره ذاك، وقد كتبه بسذاجة ظاهرة تكشف لنا عن قلب أبيض، ونفس تجيش بالإخلاص.

وكتابه «المستصفى في الأصول» كان المرجع فيما كتبنا عن الحسن والقبيح، وهو كتاب قيم يدل على مبلغه من دقة الفهم، وحسن الأداء.

ورسالته «مشكاة الأنوار» تمثل لنا رأيه في منازل الناس بحسب قربهم أو بعدهم من فهم ما بُني عليه العالم من دقائق الجمال، وقد توسع في شرح قوله تعالى: اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ١ إلى آخر الآية.

ويعد الغزالي من أكبر المؤلفين حتى زعموا أن مؤلفاته قسمت على أيام حياته فخص كل يوم أربعة كراريس (!) وأهمها جميعًا كما قدمنا هو كتاب الإحياء وهو سبب ما رزق من الخلود.

١  سورة النور: ٣٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤