أعيان ذلك العصر
الذي يهمنا من أعيان العصر الذي عاش فيه الغزالي إنما هو ذكر أساتذته لتأثيرهم في تكوين عقله، غير أنه من الحسن أن نذكر طائفة من علماء ذلك العصر لأن في ذلك تصويرًا لحركة العقول إذ ذاك. ونكرر ما قلناه من أن الغرض إنما هو أن نقرب للقارئ زمان الغزالي ومكانه، نوعًا من التقريب. فأما تحديد اتجاهات الفكر في تلك الآونة، فلا يسعه هذا المؤلف، الذي يراد به درس آراء الغزالي في الأخلاق.
الشهرستاني
هو أبو الفتح محمد بن عبد الكريم المولود سنة ٤٧٩ والمتوفى سنة ٥٤٨. تلقى العلم في نيسابور على أبي الحسن علي بن أحمد المدايني، وقد ذكر السبكي بقية أساتذته في ص٧٨ ج٤ من طبقاته. ومن أشهر تآليفه كتاب (الملل والنحل) وهو كتاب جيد قال في مقدمته: «وبعد فلما وفقني الله تعالى لمطالعة مقالات أهل العلم من أرباب الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل، والوقوف على مصادرها ومواردها، واقتناص أوانسها وشواردها، أردت أن أجمع ذلك في مختصر يحوي جميع ما تدين به المتدينون، وانتحله المنتحلون، عبرة لمن استبصر، واستبصارًا لمن اعتبر.» وقيمة هذا الكتاب ترجع إلى جمعه أكثر الآراء التي عرفها المسلمون لذلك العهد، ومن عيوبه الإيجاز والغموض في أكثر المواطن التي تحتاج إلى البسط والبيان: وقد رماه معاصروه بزيغ العقيدة والمبالغة في نصرة مذهب الفلاسفة. وسترى فيما بعد أن الشك في عقائد أنصار الفلاسفة كان من علامات ذلك الجيل.
الأبيوردي
هو أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي، تفقه على إمام الحرمين، وشهد له أهل زمانه بحسن العقيدة — وكذلك كان العلماء دائمًا في حاجة إلى شهادة عامة لهم بحسن العقيدة كأنما الدين خرافة يسيغها العام وينكرها الخواص — وكان الأبيوردي يرى نفسه أولى بالخلافة وأحق بها من سواه، وقد جرت له هذه النزعة بلايا كثيرة، اضطر بسببها إلى مفارقة بغداد، فرجع إلى همذان واشتغل بالتدريس والتأليف، ثم توفي مسمومًا بأصبهان في ربيع الأول سنة ٥٠٧.
وكان الأبيوردي بارع الشعر، وله في الصبر على أحداث الدهر آيات بينات، ويندر أن نجد أديبًا لا يحفظ قوله:
ومن بديع الشعر أبياته التي يتشوق فيها إلى أحبابه، وقد خلاهم ببغداد:
الأرجاني
هو أبو بكر أحمد بن الحسين الأرجاني، ولد حوالي سنة ٤٦٠هـ أصله من شيراز وتولى القضاء بمدينة تستر. وهو من فحول الشعراء وله هذه الآبيات:
وفي مقدور القارئ أن يرجع إلى كتب الأدب والتاريخ ليعرف من نبغوا في القرن الخامس، فإن الوقوف على آراء أولئك النوابع من أقرب السبل إلى فهم روح ذلك العصر، أما نحن فلا نريد أن نطيل.