الفصل الثاني

الصوت المُردد في مؤلفات الغزالي

ومع محاكاة الغزالي لمن تقدمه من المؤلفين، فإنا نراه يكرر كثيرًا الأفكار والعبارات والأمثلة، حتى لنظن بضاعته واحدة، في جميع مؤلفاته، ويمكن الحكم بأن الإحياء، والأربعين، والميزان، والمنهاج، والتبر المسبوك، والأدب في الدين، وبداية الهداية، وجزءًا كبيرًا من مؤلفاته في الفقه والتوحيد، أقول يمكن الحكم بأن جميع هذه المؤلفات يندر أن تكون بينها فروق جوهرية. ولو أننا وازنا بين كتبه في باب كتاب الإخلاص لوجدنا الأمثلة واحدة، والعبارات واحدة، وإنما تختلف بالإطناب والإيجاز.

وإذ كان الرجل مفتونًا بآراء الصوفية فإنا نجد تأثره بهم يختلف اختلافًا قليلًا بحسب الظروف، فهو في المنهاج، أقرب إليهم منه في الإحياء، فما يحترز منه هنا قد لا يحترز منه هناك.

ونلاحظ أنه ليست هناك غاية موحدة يسعى لنصرتها الغزالي بمصنفاته العديدة. فهو تارة يلوذ بأكناف الشريعة، فيمنع ما تمنع ويبيح ما تبيح. وتارة يساير الصوفية، فينصرهم فيما يسعون اليه من الانفراد بفهم أسرار الوجود، وهو مع ذلك يصرح بأن علم المكاشفة لا يودع الكتب، ولا يصح أن يلقى لغير الخواص!

وينتج مما سلف أن الغزالي ليس من المبتكرين المبدعين، وإنما يمتاز بصبره على قرع ذلك الناقوس الذي أراد أن يوقظ به الناس من سباتهم، وإن لم يكن ذلك الناقوس من صنع يديه، وقد أفاق الناس ولم يروا غير الغزالي، ثم هرعوا إليه، فوجدوا كتاب الإحياء في يمناه، وما زالوا به يحلمون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤