الفصل الثالث

رذيلة الحسد

هو إحدى نتائج الحقد، وله فيما يرى الغزالي أربع مراتب:
  • الأولى: أن يحب المرء زوال النعمة عن غيره، وإن كانت لا تنتقل إليه وهذا غاية الخبث.
  • الثانية: أن يحب زوالها إليه؛ لرغبته في مثل تلك النعمة، كأن يرى عند غيره امرأة جميلة ويحب أن تكون له، فمطلوبه تلك النعمة لا زوالها، ومكروهه فقدها لا تنعم غيره بها.
  • الثالثة: أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها، كي لا يظهر التفاوت بينهما.
  • الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل لا يحب زوالها عنه، وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في الدين.
والرتبة الأولى مذمومة، وتسمية الثانية حسدًا تجوز، فإنما هي تمني ما للغير، وهو أيضًا مذموم لقوله تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ١ والثالثة أخف من الأولى.

أسبابه وعلاجه

ويرى الغزالي أن أسباب الحسد ترجع إلى العداوة، والتعزز، والكبر، والعجب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحب الرياسة، وخبث النفس. وأكثر ما يكون الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم والأقارب، لأن كثرة الروابط تولد أسباب الحسد والبغضاء.

وعلاج الحسد فيما يرى الغزالي ينحصر في تأديب النفس وتبصيرها بخطر هذه الرذيلة، فإن الحاسد إنما ينكر في غيره نعمة أنعم الله بها عليه، ومن واجب الرجل أن يشغل بنفسه، وأن يحفظ وقته فلا يضيعه فيما لا يغني ولا يفيد، فليس أضيع من وقت يصرف في بغض نعمة لا يملك المرء زوالها عن سواه.

وقد قرر الغزالي أن الحسد يكاد يكون طبيعة في النفوس، وأن الأمل في السلامة منه بالكلية بعيد.

١  سورة النساء: ٣٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤