الفصل الثالث

في الفونيقيين

(١) في اسم فونيقي وتخومها وأصل سكانها

اسمها كثرت الأقوال فيه، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول أنه أُخذ عن كلمة فون أو بون التي تعبر بها الآثار المصرية عن بلاد العرب الشرقية وشاطئ خليج العجم، من حيث أتى الكنعانيون إلى سورية، واستعمله العرب منسوبًا نسبة أعجمية فكان فونيقي أو بونيقي، والثاني أن اسم فونيقي يوناني تأويله النخل سُميت به لكثرة هذا الشجر فيها قديمًا، ويؤيده رسم صورة النخل على بعض مسكوكاتها القديمة.

وأما تخومها فلم تكن واحدة في كل عصر، فقد كانت قبل فتح يشوع بن نون لأرض الموعد تمتد من أنطاكية إلى غزة، وكانوا يقسمونها إلى فونيقي البحرية، وتشتمل على المدن الساحلية، وإلى فونيقي لبنان، وتشمل على لبنان وبعلبك ودمشق حتى تدمر، على أنه بعد أن طرد يشوع بن نون الكنعانيين من جبال فلسطين، وتوطن السواد الأعظم منهم في المدن البحرية أصبح اسم فونيقي لا يشمل إلا الأصقاع الساحلية من جبل الكرمل جنوبًا إلى أرواد شمالًا مع ما يجاور ذلك من جبل لبنان.

أما أصل سكانها فقد مر أن الكنعانيين بعد أن هاجروا إلى سورية توطن بعض فصائلهم فلسطين، وكانت تخومهم إلى صيدا شمالًا، وسكن بعضها عرقًا وما يليها شمالًا، وكان سكان البلاد التي من صيدا إلى عرقا آراميين حلوا هذه البلاد قبل الكنعانيين … ولا بد أن الشعبين اختلط أحدهما بالآخر مع كرور الزمان، وعليه كان سكان فونيقي القدماء آراميين وكنعانيين، وكانت عاصمة الفونيقيين أولًا صيدا ثم خلفتها صور.

(٢) الفونيقيون في أيام سؤدد صيدا

كانت صيدا مقام ذرية صيدون بكر كنعان بن حام، ولما فتح يشوع بن نون بلاد الكنعانيين الجنوبية قهر ملوكهم، وأخذ أراضيهم وملَّكها لبني إسرائيل، ولم يتخطَّ يشوع حدود صيدا في لحاقه لملوك الكنعانيين، فتزاحمت أقدام الفارين في هذه المدينة، وضاقت بهم الأرض فارتحلوا إلى أصقاعٍ شتى، وأخص جالياتهم جاليتان: هاجرت الأولى منهما إلى تاب ببلاد اليونان، وهي المعروفة بجالة قدموس الفونيقي، وهو على رأي جمهور العلماء واضع الحروف اليونانية المشبهة الحروف الفونيقية، وقد حكم في تلك الأصقاع، ولكن نازعه الوطنيون الولاية، واستمرت ولاية تاب تتنازعها سلالتان: إحداهما فونيقية والأخرى سبرتية أو وطنية مدة ثلاثة قرون، والجالية الثانية ارتحلت إلى المغرب في إفريقية فتوطنوا قرطاجنة وما يليها، وتبعهم غيرهم من الفونيقيين، واختلطوا بالسكان الأصليين الليبيين اليافتيين، فكانت منهم تلك الأمة التي طارت شهرتها وعظمت سطوتها وصولتها حتى حاربت الرومانيين تلك الحرب الشهيرة، وكانت لغة هذه الجالية لغة الفونيقيين أو فرعًا منها إلى أيام القديس أغوسطينوس أسقف هيبونا التي أنشأها الفونيقيون.

ولما احتل الفلسطينيون جنوبي البلاد المنسوبة إليهم أزاحوا منها من كان قد بقي فيها من الكنعانيين، فانضموا إلى إخوانهم المنتشرين في الشمال إلى أرواد تجمعهم معاهدة اتفقوا عليها وسُموا فونيقيين.

وكان الصيدونيون قد اخترعوا الملاحة والسفر بالبحر، وبينما كان أبناء عمهم الحثيون يشنون الغارة على مصر، فيستحوذون عليها ويجلسون قادتهم على منصات الفراعنة، كان الصيدونيون يغالبون البحر ويمتطونه، ويذللون أمواجه ليضربوا في ما وراءه للتجارة والكسب، وكانوا أول من أجاد على المعمورة بهذا الاختراع الخطير الكثير النفع، وقد احتكروا هذه الصناعة ولم يكن لهم فيها مبارٍ مدة قرون.

(٣) مستعمرات الفونيقيين في أيام سؤدد صيدا

  • قبرس: كانت هذه الجزيرة أول مَحاطِّ الفونيقيين في البحر لقربها من بلادهم، وعن إسطفان البيزنطي أن الجبيليين سبقوا الصيدونيين إليها، لكن جبيل كانت مدينة هياكل ومعابد يهمها الدِّين أكثر من التجارة، فلم يكن لها أملاك هامة في الجزيرة بل أقام منازيحها هيكل الباف في غربي الجزيرة، وكان ولاة بعض الأعمال فيها يخضعون لجبيل إلى أن ذل جميعهم لسلطة صيدا، وقال بعضهم: إن هذه الجزيرة افتتحها أولًا الحثيون وأنشئوا فيها مدينة شيتيوم وهماسيا، وسميت الجزيرة كلها باسم شيتيوم، ولا تحتاج الكلمة إلا إبدال الشين بالحاء؛ لتكون حيتيوم أو حتيم أو كتيم فتشعر بأنها من بناء الحثيين، وكذا همتوسيا أو حماسيا مشعرة باسم حماة مدينة الحثيين … وعليه فيكون الحثيون سبقوا إلى قبرس، ثم استحوذ عليها الصيدونيون.
  • رودس: انتقل الفونيقيون من قبرس إلى رودس، وعن سالون الأثيني أن الكاريين سكان الجزيرة القدماء اختلطوا بالفونيقيين، وأصبحوا شعبًا واحدًا، ثم تطرق الفونيقيون إلى إكريت وغيرها من جزر الأرخبيل إلى تاتوس التي كانت فيها معادن ذهب، شاهدها هيرودت بعد عشرة قرون، فدهش بما رآه من الأعمال الكبيرة التي أجراها الفونيقيون في استخراج هذه المعادن.
  • البحر الأسود وجبال قاف: انطلق تجار الفونيقيين وتجارتهم إلى البحر الأسود وانتهوا إلى جنوبي قاف، وكانت سفنهم تشحن من هنالك الذهب وغيره من المعادن الثمينة، وكانت لهم محاطُّ ومستعمرات في الأماكن المذكورة.
  • الأبير وإيطاليا الجنوبية: توصل الفونيقيون أيضًا إلى الأبير وصقلية وجنوبي إيطاليا، وكان لهم في هذه المواضع بيوت تجارة ومستعمرات، وكان لهم في مصر تجارة وسيعة، وكان لهم في منف حي خاص بهم … وكانت سفن الصيدونيين والبيروتيين تسير على شواطئ إفريقية، وبنوا هناك كمباه حيث بُنيت بعدًا قرطاجنة وهيبون على مقربةٍ منها.
  • قوافلهم: بينما كانت سفن الفونيقيين تمخر البحور كما مر كانت قوافلهم تطوي البيد إلى سائر أنحاء سورية، وبلاد العرب والكلدان وأرمينية، وكانت لهم بيوت تجارية ومستعمرات في حماة، وتبساك على عدوة الفرات وتدمر ونصيبين إلى غيرها.

(٤) في حالة الفونيقيين السياسية على عهد الصيدونيين

كان الملوك الرعاة يلون مصر وكانوا سوريين، فكان الفونيقيون ناعمي البال لا يخشون سطوًا، ولا يحاذرون إغارة عليهم، ولكن لما طرد المصريون الملوك الرعاة طمحت أعينهم إلى سورية، واختشوا أن يعاون أهلها الملوك الرعاة على العود إلى مصر … فغزا آمون هو تاب الأول جنوبي سورية، وأكمل توتمس الأول إخضاع العشائر السورية حتى بلغ الفرات، وأقام له هناك نصبًا، ويظهر أن الصيدونيين ومن تبعهم سالموا الفراعنة، ولم يشتركوا في العداوة لتوتمس الثالث عند غزوته للسوريين، واستسلموا إلى رعمسيس الأول، وإلى ساتي الأول ابنه وإلى رعمسيس الثاني عند محاربتهم للحثيين كما مر مؤثرين راحتهم ونجاح تجارتهم، وهذا بيِّن من الآثار المصرية.

بل يظهر من هذه الآثار أن المصريين كانوا يمقتون البحر، ويعتبرونه نجسًا فأقاموا الفونيقيين على سفنهم، وكان لتوتمس الثالث أسطولٌ بحارته من الصيدونيين يجبي الجزيات من الأمصار الشاسعة، وهم كانوا يلون السفن المصرية التي تنقل العساكر إلى بلاد العرب بالبحر الأحمر، والتي تنقل حاصلات الهند وبلاد العرب إلى مصر.

(٥) تقهقر صيدا وسقوط مهابتها

قد أنبأتنا الآثار المصرية بأحداثٍ كثيرة كانت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ منها أن البلاسج قدماء بلاد اليونان أحدثوا سفائن في البحر المتوسط، وتحالفوا مع سكان إيطاليا وصقلية وسردينيا والليبيين في إفريقية، وأبدى المتحالفون تعديات كثيرة أخصها على سفن الصيدونيين في بحر الروم، وهيجوا الوطنيين على النزالة الفونيقيين، ونجدوهم حتى طردوهم من مستعمراتهم من الأرخبيل ولم يبق لهم منها إلا القليل، وعقب ذلك فتح يشوع بن نون أرض الموعد، وتدميره إحدى وثلاثين مملكة وقتل ملوكها، وتمليك أرضهم لبني إسرائيل … فأثقل الباقون منهم كاهل صيدا، وكانوا وبالًا عليهم وضعف جانبها، وكان من أصحاب المحالفة المذكورة أهل كريت، وجزر البحر المتوسط وسواحله فقصدوا مصر ليستحوذوا عليها، فهب رعمسيس الثالث لمقاومتهم وأسر السواد الأعظم منهم وأسكنهم جنوبي فلسطين، ولحقهم أناس من بني جلدتهم، فتقووا هناك وسموا فلسطينيين، وضايقوا بني إسرائيل، وفي سنة ١٢٠٠ قبل الميلاد حملوا على صيدا على حين غفلة، فافتتحوها عنوةً وأبسلوا من وجدوا من أهلها، فكانت بذلك نهاية سؤدد صيدا وذهاب مهابتها.

(٦) في جعل صور عاصمة للفونيقيين

إن الذين فروا من صيدا اجتمعوا بصور حول هيكل ملكرت الذي كان مركزهم الديني، فزادت الأحداث المذكورة في عداد سكان صور، وجعلتها عاصمة الفونيقيين سياسة ودينًا، وسمى إشعيا النبي صور بنت صيدون (ص٢٣ عدد ١٢)، واستمرت صور رافلة بأطراف مجدها خمسة قرون كما سيجيء، واستحكم حينئذٍ اتحاد الفونيقيين وتوثقت عرى عهدتهم، وانضم إلى الصوريين كل العشائر الكنعانية التي كانت مساكنها إلى الشمال منها إلى أرواد، وحفظت مدنهم الشهيرة كبيروت وجبيل وغيرهما استقلالها المحلي مع إقرارها بالسيادة لملك صور، وكانت هيئة حكومتها ملكية مقيدة بمجالس عامة مُؤلفة من أغنياء الشعب ومرتبطة بمشورة الكهنة والقضاة.

(٧) مستعمرات الفونيقيين في مدة سيادة صور

لما كان البلاسج أنشئوا سفنًا وطردوا الفونيقيين من أكثر مستعمراتهم، فسار الفونيقيون بعد ذلك من وجهةٍ أخرى لا يلقون بها منازعًا ولا معارضًا، فقصدوا جهة المغرب في إفريقيا حيث كان لهم مستعمرة فزادوا تلك الجهة عمرانًا ونجاحًا، وأخذت سفنهم تتقدم نحو الغرب حتى جزائر الغرب وفاس إلى أن اكتشفوا إسبانيا، وعمروا قادس مدينتها، وتواترت أسفارهم وتوافرت جالياتهم في تلك البلاد وبنوا ملاكا وسكس وغيرهما، واتصلوا إلى سفح جبال البيراناي، وكان الفونيقيون يجلبون من إسبانيا الذهب والفضة والحديد والرصاص والقصدير، ثم العسل والشمع والزفت، وبهذا المعنى قال حزقيال (فصل ٢٧ عدد ١٢): «ترشيش (يريد بها إسبانيا) متجرة معك في كل غنى، وبالفضة والحديد والقصدير والرصاص أقامت أسواقك.» وكانت تجارتهم هذه رابحة كثيرًا وأصبحت في جُلَّى مهامهم، وكان لا بد لهم من محطة في طريقهم فاختاروا لذلك مالطة، واحتلتها جالية منهم في آخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتوسعوا في الجزر القريبة إليها ثم قصدوا صقلية، وانتشرت تجارتهم فيها وعمروا فيها مدنًا كثيرة منها بالرم، ولما كانت سفنهم التي تسافر إلى إسبانيا لا بد لها من المرور بجانب سردينيا، فعمروا كالياري فيها وجعلوها مستودعًا لتجارتهم وذخائرهم، ثم تطرقوا إلى باقي محال هذه الجزيرة، واستحوذوا عليها، ووجِد فيها حديثًا أثرٌ من أيام ولاية الصوريين عليها يُسمى به معبود أهل الجزيرة سردوس باتر وفي الفونيقية أب سردون، ويظهر أنه كان لهم معاهد في سردينيا، وتطرقوا منها إلى جنوبي إيطاليا وتوسكانا، وكانت قوافل تجارتهم تتوغل في أملاك إفرنسة وألمانيا.

وروى إسترابون أنه كان لهم أو لجاليتهم بقرطاجنة مستعمرات في مراكش، وفي ما وراء بوغاز جبل طارق، وقد بقي أثر فونيقي هو خلاصة كتاب جزيل الأهمية كُتب في الفونيقية يسمى درج حنون، وخلاصة ترجمته إلى اليونانية يتبين منها: أن أهل قرطاجنة الليبيين الفونيقيين أرسلوا حنون هذا بستين سفينة شاحنةً جاليةً منهم إلى ما وراء بوغاز جبل طارق؛ لتحتل تلك الثغور، فذهب وأخذ يحل كل جماعة في محل مسمِّيًا المدن والقرى والجزائر التي توصل إليها؛ فأثبت هذا الدرج وجود مستعمرات للفونيقيين في ما وراء جبل طارق، وروى هيردوت (ك٤ ق٤٢) أن نكو ملك مصر سيَّر سفنًا ملاحوها من الفونيقيين، فدارت حول قارة إفريقية مبتدأة من البحر الأحمر، ومنتهية إلى بوغاز جبل طارق ومنه إلى مصر.

(٨) في اتفاق الفونيقيين وبني إسرائيل

استمرت العداوة بين بني إسرائيل وعشائر الكنعانيين نحوًا من ثلاثة قرون، وأخيرًا ضايق الفلسطينيون الفريقين معًا، وتقوى الآراميون على الكنعانيين واستحوذوا على أملاكهم في حماة وما يليها، وتغلبوا على بني إسرائيل في عِبْر الأردن، فقضت الضرورة على بني إسرائيل والفونيقيين أن يغادروا ما كان بينهم من الإحن والضغائن، وأن يعمدوا إلى الائتلاف وتشييد مملكة دعائمها الاتحاد الصحيح والمعاهدة المخلصة بين مملكة بني إسرائيل الجبلية ومملكة صور الساحلية، ولما ملك داود في نحو سنة الألف قبل الميلاد أرسل إليه حيرام الأول ملك صور وفدًا يوقِّع على معاهدة الصلح والاتحاد بين المملكتين، وأُبرم الوفاق بينهما، وسأل داود حيرام أن يرسل إليه مهندسًا لبناء القصر الذي عزم على بنائه في صهيون، وأن يصحبه بعَمَلة ماهرين نجارين ونحاتين، وأن يؤذن بقطع أخشاب من غياض لبنان لزينة قصره، فأتم حيرام كل ما سأل داود، واستمر حيرام مسالمًا لداود ما حيي ولما توفي خلفه ابنه أبيبعل، فكان على شاكلة أبيه، ثم توفي فخلفه ابنه حيرام الثاني فكان كذلك في موادة داود، ولما توفي داود وخلفه ابنه سليمان أرسل حيرام الثاني يهنئه ويوثق عرى الاتحاد بين المملكتين، وطلب منه سليمان أن يرسل عَمَلة لقطع خشب الأرز في لبنان لبناء الهيكل، فأجابه حيرام إلى ذلك بكل ارتياحٍ، وروى يوسيفوس (في تاريخ اليهود ك٨ ف٣) أن رسالتي سليمان وحيرام كانتا محفوظتين في خزائن الهيكل إلى أيامه، وروى عن هذه السجلات أيضًا أن حيرام أهدى إلى سليمان عند بنائه الهيكل مائة وعشرين وزنة من ذهب، وجزوعًا من أفخر الخشب، أمر بقطعها من لبنان، وأهدى سليمان إليه هدايا نفيسة كثيرة، وهذا وارد أيضًا في سفر الملوك الثالث (ف٩ عدد ١٥)، وأراد سليمان أن يعطي حيرام عشرين مدينة وقرية متاخمة لصور، فتمنع حيرام من قبولها مخافة أن تكون مندوحة للخصام بين المملكتين، واكتفى بأن يرسل سليمان له كل سنة ما دام البناء في الهيكل عشرين ألف كُر زيت، وتزوج سليمان بإحدى بنات حيرام، ثم بإحدى بنات ملك الحثيين فكان زواجه بالامرأتين الكنعانيتين وسيلة لدخول عبادة بعل وعشتروت في أورشليم، وعقد سليمان وحيرام شركة في تسفير السفن إلى أوفير لاستجلاب الذهب، ومات حيرام قبل سليمان نحو سنة ٩٤٤ق.م، واستمر الوفاق بين المملكتين، فلم نجد الكتاب ذكر حربًا بينهما، بل نرى أحاب تزوج بإيزابل بنت إيتوبعل ملك صور، وكان من هذا الزواج ما كان من سوء العواقب.

(٩) ملوك صور

إن تاريخ صور مذ عقد ملوكها المعاهدة مع بني إسرائيل إلى بناء قرطاجنة يُؤخذ من تواريخ صور التي ترجمها مينندر المؤرخ اليوناني، وحفظ لنا يوسيفوس فِقرًا من ترجمته في كتاب ردِّهِ أقوالَ إبيون … وقد مر ذكر حيرام الأول منهم، ثم ابنه أبيبعل وابن هذا حيرام الثاني صديق سليمان، فهذا عاش ثلاثًا وخمسين سنة ملك في أربع وثلاثين منها فملك سنة ٩٧٨ وتوفي سنة ٩٤٤، وخلف حيرام الثاني ابنه بعل عزار وعمره ٤٣ سنة، ولم يملك إلا في سبع منها وفي رواية أخرى ١٧ سنة، وخلفه بعد وفاته ابنه عبد عشتروت فملك تسع سنين، وتآمر عليه أبناء ظئره فقتلوه غِيلة وملك مكانه أكبرهم مدة اثنتي عشرة سنة، ولم يذكروا اسمه وكان مقتل عبد عشتروت سنة ٩٣٨ق.م، ولم يستتب المُلك لقاتل عبد عشتروت، بل استمر الشغْب والهرج إلى أن تيسر لعلية الصوريين أن يجلسوا على منصة الملك عشتر توت بن بعل عزار أخا الملك القتيل، فاستوى عليها اثنتي عشرة سنة، وبعد موته خلفه أخوه عشتريم وملك تسع سنين ثم قتله أخوه فالس، وأخذ ملكه، لكنه لم يهنأ به إلا ثمانية أشهر وقتله إيتو بعل كاهن الربة عشتروت، وملك مكانه اثنتين وثلاثين سنة وزوَّج إيتو بعل ابنته إيزابل بأخاب بن عُمْرِي ملك إسرائيل، وهو الذي بنى البترون، ومات إيتو بعل سنة ٨٦٢ق.م، وخلفه ابنه بعل عزور وبقي على منصة الملك ست سنين، وتوفي فخلفه ابنه موتون وملك تسع سنين، فخلفه ابنه بيكماليون، واستمر على سدة الملك ستًّا وأربعين سنة.

في السنة السابعة لملك بيكماليون كان بناء قرطاجنة، وذلك أنه كان لهذا الملك أخت اسمها إليسار، والشعراء يسمونها إليسَّا، أكبر من أخيها، وأوصى موتونُ والدُهما أن يشترك ولداه في إرث ملكه، فثار الشعب وأجلسوا بيكماليون وحده على عرش الملك، وجعلوا ندوة مشورته من الشعب، فتزوجت أخته بزيكار بعل (وسماه فرجيل سيكا)، وكان أعظم الكهنة وله المقام الأول بعد الملك، فكان رئيس حزب الأشراف، فقتل بيكماليونُ زوجَ اخته، فطارت نفسها شعاعًا لقتل أخيها لزوجها، وأنشأت ثورة لتأخذ بثأر زوجها وتثل عرش أخيها، ومالأها على ذلك ثلاثمائة عضو من أعضاء الندوة، فتغلب عليهم الحزب الشعبي ويئس الثائرون من الفوز، وآثروا مهاجرة وطنهم على الذل لبيكماليون، واستولوا على سفنٍ كثيرة ركبتها إليسار وألوف من رجالها عازمين أن يعمروا صورًا أخرى تحت جواخر، وأكسبها سفرها على هذه الحال اسم ديدو أي: الغارة وبلغت بمُحازبيها إلى المغرب، حيث كانت جالية صيدونية من نحو ستة قرون، فاشترت إليسار لجاليتها أرضًا وأنشأت مدينة سمَّتها قرية حديثا أي: المدينة الجديدة فكسر اليونان هذا الاسم وأصبح بالعربية قرطاجنة، وكان بناء هذه المدينة على الأظهر سنة ٨٢٢، وقد كثر ما نظمه الشعراء في إليسار هذه ويسمونها ديدون وخبرها تاريخي صحيح، لكن مزجه بعض الشعراء بكثيرٍ من الأقاصيص.

وأما باقي ملوك صور فهذا فهرست أسمائهم وسنيهم عن لانرمان في حاشيةٍ علَّقها على المجلد السادس من تاريخه القديم للمشرق:

حيرام الثالث ملك بعد بيكماليون نحو ٧٧٠
موتون ٧٣٠
ألولا ٧٢٤
إيتو بعل الثاني لا تُعرف مدة ملكه
بعل ٦٧٠
با ملك ٦٥٠
إيتو بعل الثالث ٥٩٠
إيتبعل ٥٧٤
بعل الثاني ٥٧٤ إلى ٥٦٣
قضاة من سنة ٥٦٣ إلى ٥٥٩
بعل لاتور نحو ٥٥٦
موربعل ٥٥٥ إلى ٥٥١
حيرام الرابع ٥٥١ إلى ٥٣١
موتون الثالث نحو ٥٣١

ومن بعد هذا الملك الأخير أمست فونيقي ولاية من ولايات الفرس.

(١٠) في ما كان بين الفونيقيين وملوك آشور

  • تجلت فلاصر الأول: ملك سنة ١١٢٠ق.م إلى سنة ١١٠٠، ولم يُجمع الباحثون في الآثار على أنه قد أتى فونيقي، أو حارب الفونيقيين وإن قيل في أثرٍ له: «أنا تجلت فلاصر ملكت من البحر الكبير في أرض أحاري (أي: المغرب) حتى إلى بحر أرض نهري» (آخر مملكته في الشرق، وربما كان المراد البحر الأسود أو بحر قزبين)، واشتملت صحائفه على تفاصل غزواته الخمس، وذكر فيها نصراته على الآراميين لكنه لم يذكر لنفسه حربًا مع الفونيقيين، وإن ضمن خشب الأرز في جملة جزياته.
  • آشور نزير بال: نُقشت أخبار غزواته لفونيقي على صخرٍ كالح؛ حيث قال: إنه أخضع لسلطته سورية وبلاد الحثيين وجبل اللكام وشاطئ العاصي، وأنه نزل بنفسه إلى فونيقي، وساحل البحر المتوسط وأخذ الجزية من صور وصيدا وجبيل وأرواد.

    وكتب على صخرة النمرود: «أخذت نواحي جبل لبنان، وذهبت نحو بحر فونيقي الكبير، وأخذت الجزية من ملوك بلاد البحر من سكان صور وصيدا وجبيل وحمالا وميزا وكيزا (لا تعرف مواقع هذه المدن الثلاث) وأرواد، وقد أتوني بالفضة والذهب والرصاص والنحاس والحديد، ومنسوجات الصوف والكتان وأخشاب الأرز، وجلود حيوانات بحرية وقبَّلوا قدمي»، وكانت هذه الغزوة سنة ٨٦٥.

  • سلمناصر الثالث: ملك من سنة ٨٥٨ إلى سنة ٨٢٣ق.م، ونقش على مسلة النمرود «في غزوتي الثامنة عشرة عبرت الفرات، وسرت بجنودي على مدن حزائيل ملك دمشق، وأخذت الجزية من صور وصيدا وجبيل»، ويظهر من آثاره الدالة على محالفة اثني عشر ملكًا من سورية عليه أن لم يكن في جملتهم إلَّا ماتين بعل ملك أرواد، ولم يكن معه إلَّا مائتا جندي فيتبين أن الفونيقيين استسلموا إليه على عادتهم تداركًا لأرباح تجارتهم.
  • رامان نيرار الثالث: ملك سنة ٨٠٩ إلى سنة ٧٨٠ق.م، أغار على بلاد الحثيين والفونيقيين وابن عُمْرِي (أي: مملكة إسرائيل) وفلسطين وأدوم، وعَدَّ في أحد آثاره البلاد التي تؤديه الجزية، فقال: «فونيقي برمتها صور وصيدا.»
  • تجلت فلاصر الثاني: ملك سنة ٧٤٥ إلى سنة ٧٢٦ق.م، وفي غزوته سورية ٧٤٣ استدعى ملوك سورية فأتوه بالتقادم، وكان من جملتهم حيرام الثالث ملك صور، وفي سنة ٧٤٢ حاصر تل أرفاد سنتين وبعد أن فتحها قهر ممالك سورية، فجلا منها ألوفًا وأدى له ملوكها الجزية؛ وفي جملتهم حيرام ملك صور وسبيتي بعل ملك جبيل … ولما همَّ بالعود من غزوته لسورية استدعى الملوك الذين أخضعهم، فكان منهم: ملك جبيل المذكور وماتان بعل ملك أرواد، وأرسل إلى صور قائدًا آشوريًّا، ويظهر أن حيرام كان قد توفي، فدفع خليفته إلى القائد مائة وخمسين وزنة من ذهب افتدى ملكه بها.
  • سلمناصر الرابع: ملك سنة ٧٢٦ إلى سنة ٧٢١ق.م، ولم يوجد إلى اليوم أثر تاريخي يُنبئ بأعماله الخطيرة، ولكن حفظ لنا يوسيفوس (في تاريخ اليهود ك٩ فصل ١٤)، فقرات من تاريخ مينندر لمدينة صور، منها قوله: «إن ألولا ملك صور ملك ستًّا وثلاثين، ولما عصاه الشيتيون بقبرس سار إليهم بأسطول فدانوا لسلطته طائعين، وأرسل ملك آشور عليهم عسكرًا واستحوذ على فونيقي كلها، ثم عقد عهدة صلح وعاد إلى بلاده، على أن سكان عكا وصيدا وصور القديمة، ومدنًا أخرى ثاروا على الصوريين، وخلعوا طاعتهم واستسلموا إلى ملك الآشوريين، ولم يبق على نبذ طاعته إلَّا الصوريون في الجزيرة، فألَّب ستين سفينة حاملة فونيقيين، وفيها ثمانمائة مجدف، وأرسل الصوريون اثنتي عشرة سفينة فقط لمناصبة سفن ملك آشور فشتتوها وأخذوا خمسمائة أسير من جنوده وبحارته، فأكسبهم هذا الانتصار فخارًا، وأعلى شأنهم وعاد ملك آشور عنهم تاركًا جنوده لحراسة النهر وأقنية الماء؛ ليمنعوا الصوريين الاستقاء، ودامت هذه الحال خمس سنين، واضطر الصوريون أن يحتفروا آبارًا.» ويظهر أن الصوريين لبثوا منتصرين ومحاصرين في أيام سلمناصر هذا وسرغون خليفته إلى أن رأى سرغون لا نفع للحصار، وآثر عليه التوقيع على معاهدة صلح تقضي على صور بدفع فديةٍ سنوية، فكانت تدفعها متفاخرة، وضم سرغون قبرس إلى مملكته، فقد وجِد أثرٌ في لرنكا هو اليوم في متحف برلين، يتبين منه أن سرغون غزا قبرس وأضافها إلى أملاكه في السنة الحادية عشرة لملكه، أي: سنة ٧١٠، ولما مات سرغون اغتنم الولاة الفرصة لإعادة سؤدده على مدن فونيقي.
  • سنحاريب بن سرغون: ملك سنة ٧٠٤ إلى سنة ٦٨٠ق.م، والظاهر من آثاره أنه عند دنوه إلى فونيقي تسارع ملوكها إلى الاستسلام إليه، وإلى دفعهم الجزية له فكذا فعلت أرواد وملكها عبد يليت، وشمرون وملكها مناحيم، وجبيل وملكها أور ملك، ومشى على أثر هؤلاء صيدا وسربتا (صرفند وأكوا عكا) وأكذيب (الزيب) وغيرها، وأما ألولا فأقام في صور البحرية، وهم بتحصينها رجاء أن يسعده الحظ كما أسعده في أيام سرغون، فخاب أمله وافتتح سنحاريب المدينة، ولجأ ألولا إلى الفرار فأقام سنحاريب مكانه أميرًا يسمى إيتو بعل، فكان الثاني بهذا الاسم من ملوك صور، ونقش أخبار غزوته هذه على صفيحة تعرف بصفيحة تيلور، وله أثر آخر يعرف بصفيحة القسطنطينية لوجوده في متحفها ذكر فيه هذه الأحداث بأبلغ عبارة، فقال: «أما ألولا ملك صيدون فأخذت ملكه، وأقمت توبعل على عرشه وفرضت عليه جزية.» ونقش سنحاريب صورته على صخر في معبر نهر الكلب ذكرى لإخضاعه سورية وفونيقي.
  • آسر حدُّون: هو ابن سنحاريب وقد خلفه بعد قتل أخويه لأبيهم سنة ٦٨٠ إلى سنة ٦٦٧، وكان عبد ملكوت ملك صيدا وغيره استغنموا فرصة قتل سنحاريب للتملص من نير سلطة الآشوريين، وسولت لملك صيدا نفسه أن يخلف صور في سيادتها، فدرى آسر حدُّون بما يأتمرون فغشى سورية وبلغ صيدا فافتتحها عنوة، وفر ملكها في البحر فلحقه آسر حدُّون فقتله ودمر المدينة، وهاك ما نقشه على أحد آثاره: «خربت مدينة صيدون وأهلكت سكانها عن آخرهم، ودمرت أسوارها ومنازلها وهياكلها، وفر ملكها عبد ملكوت في البحر فاجتذبته إليَّ من بين الأمواج، واستحوذت على خزائنه من ذهبٍ وفضة … وجلوت إلى آشور جمًّا غفيرًا من الرجال والنساء، وأقمتهم في أنحاء شاسعة، وبنيت في وسط بلاد الحثيين مدينة سميتها در آسر حدُّون، وأسكنت فيها قومًا من جبال مشرق الشمس، وأقمت عليهم أحد عمالي» … يعني أنه جلا السوريين إلى آشور وجلا قومًا من آشور إلى سورية، ونقش هذا الملك أيضًا صورته على معبر نهر الكلب.
  • آشور بانيبال بن آسر حدُّون: تنزل له أبوه عن الملك سنة ٦٦٧، والأظهر أنه استمر على منصته إلى سنة ٦٣٧، وسار في أول أمره بجيشٍ كثيف إلى مصر تداركًا لإغارة ترهاقة مكلها الذي كان أبوه آسر حدُّون قد ذللـه، فعند مروره بسورية تسارع إلى لقائه اثنان وعشرون ملكًا منها ومن قبرس، وفي جملتهم بعل ملك صور، وملكي أصاف ملك جبيل، ولكن لا نعلم ما الذي جرأ بعد ذلك بعل ملك صور على المجاهرة بالعصيان على ملك آشور ومالأه غيره من ملوك سورية، فهب إليهم آشور بانيبال وحاصر صور سنة ٦٤٤، ودام الحصار سنتين وأخيرًا افتتحها عنوة، وهو ذا ما كتبه على أحد آثاره: «ذللت بعلًا وملكت صورًا وجعلته يعرض عن طِماحه ويخضع لنيري، وأشخصت لديَّ بناته وأخوات أخيه ليكن لي إماء، وأتى يا ملك ابنه يبدي خضوعه ويقدم لي تقادم لم يسبق إليَّ مثلها، ويدفع لي رهينة بنته وبنات أخوته، فعفيت عنه ونصبته ملكًا على البلاد»، وأُلجئ من مالأ ملك صور إلى طرح أسلحتهم صاغرين، واضطر ملك أرواد أن يرسل بنته؛ لتكون مخفورة بين حرم الغازي في نينوى، وساقه اليأس إلى الانتحار، وأسر ملك آشور أبناءه الثمانية، فقتل سبعة منهم واستحيى أكبرهم إذبعل، وجعله ملكًا على أرواد، ويروى أنهم فروا إلى قبرس، ثم رجعوا إلى الغازي صاغرين فعفا عنهم ونصب أكبرهم على أرواد.

(١١) في الفونيقيين وملوك مصر وبابل وفارس

إن ابن آشور بانيبال المسمى آشور أديليلان كان ضعيفًا وملكه منبسطًا حتى مصر، فلم يمكنه ضبطه، وولى نبو بلاسر الكلداني على بابل، وجعله قائدًا لجيوشه فتقوى عليه وثل عرشه ودكَّ نينوى، وجعل عاصمة ملكه بابل، ولم تنجُ فونيقي من غائلة هذا الانقلاب، فإن نكو الثاني ملك مصر خرج على سورية طلبًا لنصيبه من مملكة آشور سنة ٦٠٨، فالتقاه يُوشِيَّا ملك يهوذا يريد منعه من العبور حفظًا لأمانته لملك آشور فقتله نكو، ولما رأى ملك صور وغيره من ملوك فونيقي ما حل بملك يهوذا خضعوا لملك مصر، وتوصل نكو بغزوته إلى الفرات، وشق على نبو بلاسر ملك بابل أن يأخذ ملِكُ مصر سوريةَ كلها، وخشي أن يملك ما بين النهرين أيضًا فأشرك ابنه بختنصر في ملكه، وفي سنة ٦٠٦ق.م خرج بختنصر لمقاومة ملك مصر، فكانت موقعة هائلة دارت الدوائر على المصريين، فتتبعهم الكلدان على أعقابهم في سورية كلها، فاستسلم الفونيقيون والسوريون أجمع إلى بختنصر، وبلغ بجحافله إلى تخوم مصر، لكنه اضطر أن يعود إلى بابل لوفاة والده واستوى على منصة الملك وحده من ٦٠٤ إلى سنة ٥٦١.

وعاد بختنصر إلى سورية سنة ٦٠٢ق.م؛ ليقتص من يواقيم ملك يهوذا لمحالفته نكو ملك مصر، فأذله وأخذ بعض آنية الهيكل، ويظهر أن الفونيقيين خضعوا له طائعين، ولكن يواقيم انخدع ثانيةً بدسائس ملك مصر، فتمرد على ملك بابل فهب إليه بختنصر سنة ٥٩٩ق.م فتوفي يواقيم، ولم يستطع ابنه يوياكيم أن يحارب إلا ثلاثة أشهر وسلَّم نفسه لبختنصر، فأخذه والده ونخبة من قومه أسرى إلى بابل واستلب كل ثمين في الهيكل، وفي هذه الغزوة أيضًا بقي الفونيقيون على الطاعة لملك بابل، وكانت نفرة بين ملك بابل وملك مادي، فسوَّلت لملوك مصر وسورية نفوسهم الانتقاض على ملك بابل، فهب بختنصر إلى سورية وقسم جيشه قسمين: حاصر أحدهما أورشليم وحاصر الآخر صور وضيق على أهلها، ودام الحصار ثلاث عشرة سنة، وكان ملكها إيتوبعل وأبطاله يبدون آيات الشجاعة والثبات، وغادروا أولًا المدينة البرية فدك جنود بختنصر أبنيتها واعتصموا بالمدينة الجزرية، وشدد بختنصر الحصار بنفسه لها فقيل: إنه افتتحها عنوة، وقيل: إن إيتوبعل سئمت نفسه القتال، ورأى الخراب المُلم بشعبه لانقطاعهم عن الأشغال التجارية، فاستسلم إلى بختنصر واعترف بسيادته، فأسره وكثيرًا من أعيان قومه إلى بابل، وفرَّ فريق من الصوريين بسفنهم إلى قرطاجنة، وأقام بختنصر على صور ملكًا اسمه بعل ودانت له باقي مدن فونيقي، وتمت بصور نبوة حزقيال (في الفصل ٢٦ عدد ٢ وما يليه).

إن حفرع ملك مصر كان حليفًا لأورشليم وصور ضد بختنصر، لكنه أبطأ في إنجادهما إلى ما بعد افتتاح صور، فجهز أسطولًا واستأجر له بحارة وجنودًا من اليونان وغيرهم، وسيرهم نحو فونيقي أملًا أن يحمل سكان مدنها على استئناف الثورة على ملك الكلدان، فخاف أولئك السكان وأعرضوا عن مطاوعة حفرع، بل جهزوا سفنهم وانضمت إليها سفائن قبرس … فكانت موقعة بحرية هائلة في مياه قبرس كان النصر فيها للأسطول المصري، وتتبع الأسطول الفونيقي يطلب غرامة حربية وافتتح صيدا عنوةً؛ لأن ملكها كان رئيس الأسطول، وأخذ أرواد وجبيل وسالمته بقية مدن سورية، على أن تسلطه على هذه المدن لم يثبت إلا نحوًا من ثلاث سنين أو أربع؛ لأن بختنصر عاد إلى فونيقي وأخضعها بل قصد مصر، فاستولى عليها وثل عرش حفرع وكتب ذلك في أثرٍ له، وتمت بحفرع نبوات حزقيال في فصل ٢٩ وما يليه وإرميا فصل ٢٤ عدد ٣٠.

أما بعل الذي أقامه بختنصر ملكًا على صور فدبرها نحو عشر سنين، ثم ثار الصوريون عليه فخلعوه واستبدلوا الحكومة الملكية بحكومة جمهورية سموا رئيسها شفط أي: حاكمًا أو قاضيًا، فلم تستقم لهم حال، وذكر مينندر عدة قضاة منهم في مدةٍ وجيزة، ومدة هذه الثورة توافق مدة جنون بختنصر، واستدعوا بعد ذلك موربعل وملَّكوه فيهم سنة ٥٥٥، ودام ملكه أربع سنين وتوفي سنة ٥٥١، وخلفه أخوه حيرام خاضعًا أولًا لملك بابل، ثم لكورش ملك الفرس الذي أخذ الملك من الكلدان، وخضعت له المدن الفونيقية دون مقاومة، وتوفي حيرام سنة ٥٣١، وأعاد كورش المسبين من الفونيقيين إلى بلادهم.

ولزم الفونيقيون الطاعة لكمبيس بن كورش، ولما اجتاز سورية قاصدًا مصر لم يلقَ منهم إلا التجلة والإذعان، لكنه بعد انتصاره بمصر طمع في أن يتولى قرطاجنة، فأمر جنوده البحرية بأن يسيروا إليها، فأبى الفونيقيون منهم الإذعان لأمره؛ لأن أهل قرطاجنة أقرباؤهم فأعرض كمبيس عن ما كان قد قصده، ولما ملك في الفرس دارا من سنة ٥٣١ إلى سنة ٤٨٥ قسَّم مملكته إلى تسع عشرة ولاية، وكانت الخامسة منها فونيقي وسورية وقبرس، وكان المفروض عليها من الجزية ثلاثمائة وخمسين وزنة من الذهب، واستمر الفونيقيون على الطاعة إلى أيام أرتحشستا الثالث الذي ملك من سنة ٣٥٩ إلى سنة ٣٣٨ق.م، فثار عليه ملوك قبرس وتاناس والي فونيقي، فزحف أرتحشستا إلى فونيقي بعسكرٍ جرار فحاصر صيدا، فدافع أهلوها بعض الدفاع ثم التمسوا الأمان فلم يجبهم الغازي إليه، فاجتمع نحو أربعين ألفًا منهم في بيوتهم، وألقوا النار فيها مؤثرين الحريق على نحر الفرس لهم، روى ذلك ديورودس الصقلي ثم خضع الفونيقيون والسوريون لإسكندر الكبير بعد فتحه صور كما سوف ترى.

(١٢) في تجارة الفونيقيين

قضت على الفونيقيين حالة بلادهم أن يكبوا على التجارة، ولا سيما بعد أن ملك بنو إسرائيل كل ما كان خصبًا من أرضهم، ولم تبق لهم إلا بعض المدن وقليل من السهول المجاورة لها وبعض أهضاب لبنان، وقد أفرد النبي حزقيال الفصل السابع والعشرين من نبوته للكلام في تجارة صور أي: مملكة صور لا المدينة وحدها، وأبان أنها كانت منبسطة في أكثر أنحاء المعمور المعروف وقتئذٍ، فكان لتجارتها في آسيا ثلاثة فروع إلى الجنوب والشرق والشمال، فكانت قوافلهم تسير في الفرع الجنوبي حتى اليمن، وحضرموت وعمان، وتجلب من هذه البلاد الذهب والحجار الثمينة والبخور والمر وغيرها، وتأتي موانئ عدن ببضائع الهند ومصنوعاتها، ومن أطراف اليمن ببضائع الحبشة، وأما الفرع الثاني فكان إلى جهات بابل ونينوى، فكانت قوافلهم تجاوز حماة وحلب ونصيبين، وتتصل إلى بلاد الآشوريين حيث كان قوم فونيقيون يتلقون بضائع بلادهم، فيبيعونها ويبعثون إلى زملائهم في فونيقي بضائع آشور وحاصلاتها، والقوافل التي كانت تيمم بابل كانت تسير في البرية إلى تدمر وتبسك على الفرات، وأما الفرع الثالث الشمالي، فكان إلى أرمينيا حتى كرجستان وحتى البحر الأسود وبحر قزوين، وكانت سفنهم تسير في البحر الأحمر وخليج العجم والأوتيانوس الهندي بدليل اشتراك سليمان، وحيرام في تسيير السفن إلى أوفير لجلب الذهب.

وكانت لهم تجارة عظمى بإفريقية، فكان لهم في مدن مصر السفلى والعليا أحياء برمتها، وكان كل ما يحتاج إليه المصريون من وراء البحار جلبه لهم الفونيقيون، وروى هيردوت (ك١ من تاريخه) أن الفونيقيين وحدهم كانوا ينقلون بضائع مصر وحاصلاتها إلى الآفاق، بل حُفظ لنا في حطام المؤرخين القدماء آثار تنبئنا بتواصل مستعمراتهم ومحاط تجارتهم من تخوم مصر إلى ما وراء جبل طارق، خاصة بعد أن عمروا قرطاجنة كما تقدم وروى إسترابون (ك١٧ فصل ٣) أن الصوريين عمروا هناك ثلاثمائة مدينة.

وأما تجارتهم في أوروبا فكان لها طريقان: الأول من جهة جزر البحر المتوسط، فكان لهم محاطُّ تجارية في أكثرها فتوصلوا منها إلى بلاد اليونان ثم إلى صقلية وسردينيا وكرسيكا، ثم أمعن تجارهم في إيطاليا وإفرنسة، والثاني: من جهة إفريقية وبوغاز جبل طارق، وتوصلوا بهذا الطريق إلى إسبانيا وعمروا مدنًا كثيرة، وتطرقوا من هناك إلى البرتغال وإلى بعض جزر الأتلانتيك، وأشغلوا قوافل فكانت تتوغل في داخلية إفرنسة وجرمانيا.

يكاد البنادقة والهولنديون والإنكليز أنفسهم في هذه الأعصر لا يساوون الفونيقيين في أعصرهم، وكما يقتدي جيلنا بالأوروبيين كان الأوروبيون يقتدون بالفونيقيين، وقد تعاظمت ثروة الفونيقيين وغناهم فكان من ذلك غائلتان، الأولى: تهييج مطامع الآشوريين والكلدان والفرس لامتلاك بلادهم. والثانية: حملهم على البذخ وفساد آدابهم، وأشار حزقيال النبي إلى ذلك، إذ قال لملك صور (ف٢٨ عدد ١٣): «كنت في عدن جنة الله وكان حجر كريم كساءك … وصنعت بيوت حجارتك من ذهب، فامتلأ باطنك جورًا وخطئت ودنست مقادسك، فأخرجت من وسطك نارًا، فأكلتك وجعلتك رمادًا على الأرض على عيني كل من يراك.»

(١٣) صنائع الفونيقيين

كان للفونيقيين تجارة وسيعة من مصنوعات أيديهم أيضًا، وأول مصنوعاتهم وأفخرها البرفير، ويسمى الأرجوان أيضًا الذي كان ملبس الملوك في القديم، وليس من نكيرٍ أن أول من أوجده الفونيقيون، وكانوا يأخذون مادة الصبغ من دم حيوانات بحرية ولون الأرجوان كان أحمر بنفسجيًّا، وحمرته تكون ناصعة أو يخالطها لون آخر، وكان أجوده ما أخذت صبغته من الحيوانات العائشة في البحرين صور وصيدا وما جاورهما؛ ولذلك كانت أخص مصايدهم لهذا الحيوان ومعاملهم للأرجوان في صور وصيدا، ثم أخذوا يصنعون ذلك في غيرهما كقبرس ورودس، وشطوط المورة، وكانوا يصبغون بهذه الصبغة أنسجة من قطنٍ وصوف وحرير، وكان لهم من هذا الاختراع ثروة كبرى.

  • الزجاج: سبق المصريون الفونيقيين باختراع نوعٍ من الزجاج، وكانوا يصنعون منه آنيةً صغيرة وحليًّا كالعقود التي يحب السودان التحلي بها، لكن زجاجهم لم يكن شفافًا وإنما الفونيقيون هم الذين اخترعوا الزجاج الشفاف، وفي متاحف أوروبا كثير من صنعهم لا ينحط اعتبارًا عن مصنوعات البندقية في القرون الوسطى، ويُقال: إنهم اهتدوا إلى اختراعه في أنهم أضرموا نارًا على قطعٍ من النطرون (ملح البارود)، فرأوا الملح يذوب وينصب على الرمل، فيتكون منه سائل برَّاق أهداهم إلى اصطناع الزجاج، وكان مركز معامل الزجاج عند الفونيقيين صيدا وصرفند.
  • الآنية الخزفية والمعدنية: اشتهر الفونيقيون بعمل المتاع والآنية الخزفية، وكانت مع سلع تجارتهم التي يحملونها إلى الآفاق من جرارٍ وقدور وكئوس وصحف يستبدلونها بحاصلات البلاد الملائمة لتجارتهم، فكانوا مثلًا يعطون جزر بريطانيا هذه الآنية قياضًا بالقصدير، وذهب كثير من العلماء أن اليونان أخذوا هذه الصناعة عن الفونيقيين مستدلين بالمشابهة بين مصنوعات القبيلتين، ووجد في بعض جزر الأرخبيل آنية من صنع الفونيقيين أنفسهم، وحسَّن اليونان مصنوعاتهم الخزفية بتمادي الزمان، وكذلك اشتهر الفونيقيون بمصنوعاتهم المعدنية، لكنهم لم يكونوا يعملون بالحديد ولا بالفولاذ، بل بالصفر أي: النحاس الأصفر، وحسبنا شاهد لذلك ما صنعه الصوريون من الآنية وأثاث الزينة في هيكل سليمان (٣ فصل ٧ عدد ١٣ وما يليه)، وجاء في الآثار المصرية ذكر آنية الصفر من صنع الفونيقيين، وذَكر أوميروس مرات الكئوس التي يصنعها صاغة الفونيقيين من معادن ثمينة، وذكر حزقيال مهارة الصوريين في صنع العاج يزخرفون به المساكن والمتاع بأشكالٍ بديعة، وقد اشتهر الفونيقيون بهندسة الأبنية وتحصين الحصون، ومزية أبنيتهم ضخامة حجارها، وحسن تنجيدها وهم أول من عني بتبليط الأزقة والشوارع.
  • الكتابة بالحروف: أجمع العلماء على أن حروف الكتابة في كل اللغات أصلها الحروف التي وضعها الفونيقيون للكتابة … فالحروف الفونيقية أمٌّ وحروف سائر اللغات أولادها، فقد كان من الفونيقيين جمٌّ غفيرٌ في مصر، فأخذوا العلامات الصوتية من اصطلاح المصريين في الكتابة الهيروكليفية معتاضين بخطوطٍ عن الصور، فوضعوا اثنين وعشرين خطًّا لحروف لغتهم التي حصروها في اثنين وعشرين صوتًا، وصاروا يكتبون بها ألفاظ لغتهم، وقد صرح شمبوليون الذي كشف عن كنوز الخطوط الهيروكليفية أن الخطوط الفونيقية اشتُقت من هذه الخطوط، ووضع العالم دي روجه جدولًا ووضع الحروف الفونيقية بإزاء العلامات الهيروكليفية المأخوذة عنها، فظهرت المشابهة بين علامات الاصطلاحين، وأوصل الفونيقيون حروف كتابتهم مع سلع تجارتهم إلى الآفاق، واليونان أنفسهم يعزون دخول حروف كتابتهم إلى قدموس الفونيقي، والحروف الإيبارية مصدرها تجارة صور مع إسبانيا، ومثل ذلك قل في الحروف اللاتينية وغيرها.

    أما الحروف العربية التي نستعملها الآن، فالمشهور أن عبد الحميد الكاتب البغدادي هو الذي أكسبها الهيئة التي تراها لها الآن، والحروف السريانية التي نستعملها الآن أُخذت عن الحروف الإسترانكلية، وهي أشبه بالفونيقية وكان ذلك في القرن الثاني عشر للميلاد.

    وهذا جدول يتبين منه المشابهة بين الحروف الفونيقية، وبين الحروف اللاتينية واليونانية والعبرانية:

(١٤) في لغة الفونيقيين وعلومهم ومعبوداتهم

  • أما لغتهم: فهي سامية وأخت اللغة العبرانية، التي تكلم بها العبرانيون والعربية والآرامية والآشورية، فكل هذه اللغات فروع للغةٍ واحدة سامية، وإن كان السواد الأعظم من الفونيقيين هو من نسل كنعان بن حام.
  • علومهم: لا جرم أن الفونيقيين مهروا ببعض العلوم، وإن ندر كثيرًا ما بقي منها، وكان لهم أسفار تنطوي على شرائعهم ورسوم دينهم، وكانوا يعزون هذه الأسفار إلى إله يسمونه تاوت، وربما كان طوت إله المصريين، وكان في مدنهم سجلات تُدون بها الأحداث العامة، وتواريخ مملكتهم كما يظهر من الفقر التي وصلت إلينا من مينندر مأخوذة عن سجلات صور، وممن كتبوا تواريخ فونيقي ثيوت وموخ وغيرهما، ومما بلغنا من كتب الفونيقيين مترجمة إلى اليونانية إنما هو ترجمة فيلون الجبيلي لكتاب سنكويناتون البيروتي، الذي قدمه لأبيبعل ملك بيروت، وحفظ لنا أوسابيوس القيصري (في كتابه الاستعداد الإنجيلي ك١ فصل ٦) فِقرًا من هذا الكتاب، وقال: إن المؤلف كان قريبًا من عصر موسى، وأما فيلون الجبيلي فمن قائل: إنه كان في عصر خلفاء إسكندر، ومن قائل: إنه كان في القرن الأول للميلاد.
  • معبوداتهم: قضت جميع القبائل القديمة أن لا بد للعالم من مُوجدٍ ومُدبرٍ، وحملهم على ذلك النظر إلى العالم وما اشتمل عليه، وأنه لا يمكن أن يكون أوجد نفسه، ثم تقليد الآباء الأقدمين بأن الله خلق العالم، فرسخ في ذهن كل قبيلة أنه لا بد من إله … فلا نجد قبيلة لم تقر بوجود إله، أو خلت من مساجد ومعابد، على أنهم لم يدركوا أن الإله روح بسيط، بل حسبوه كالهيوليات ونظروا إلى أسمى الكائنات فعبدوها، ولم يخل شعب من عبادة الشمس إذ رأوها أسمى الكائنات، وتبعوا بها القمر وسائر الكواكب، لكنهم اختلفوا في اسم المعبود الأكبر وهو الشمس، فسماه المصريون رع أو عمون وسماه الفونيقيون بعل شمائيم أي: رب السماوات، وسماه الحثيون ست أو ستخ أي: القدير على كل شيء، وسماه الآراميون هدد وربما هو حاد حاد أي: الواحد الأحد وهلمَّ جرًّا، وأشهر معبودات الفونيقيين أدونيس ويُسمى تموز ومعناه الرب والسيد، وهو بمقتضى أقدم تقليداتهم إله الشمس، يتصورونه يموت في الخريف تجف نضارة النبات وتذوي ثماره، ويحيا في الربيع إذ يعاوده الخصب والإزهار، ويدنو إيناع ثمره فيحتفلون لعيده في الخريف، فتلبس نساؤهم ملابس الحداد، وينحن على تموز أي: على موت الطبيعة المجملة بأزهارها وثمارها، وكانت النساء في جبيل يجززن شعرهن إشعارًا بالحداد، ويطفن حائرات بائرات ويتغنين بالمراثي على أدونيس (المسمى نهر إبراهيم باسمه)، فإذا جاء الربيع احتفلوا بعيد قيامة أدونيس أي: بعود النضارة والإزهار والخصب إلى النبات، وأكثروا من الملاهي والطرب، ولم تكن عامتهم تدرك هذا الرمز، بل كانت تحسبه واقعيًّا وكانت النساء العبرانيات يشتركن مع الوثنيات في هذه الحفلات؛ ولذلك قال حزقيال (ص٨ عدد ١٤): «فإذا هناك بنساءٍ جالسات يبكين على تموز.» وأصبح تموز عند اليونان صيادًا في سورية مغرمًا بعشتروت، وهي الزهرة عند اليونان، وبينما كان يصطاد في غابات لبنان غير بعيدٍ عن جبيل حسده الإله آراس، وتقمص بخنزير بري، وكان بينهما عراكٌ أفضى إلى قتل أدونيس … ونُقش مثال لهذه الحكاية على صخرٍ بقرية الغينة بالفتوح، فأعادته الزهرة من الموت، ونُقش مثال قيامته على صخرٍ في المحل المعروف بالمشنقة ببلاد جبيل.

    وجعل الفونيقيون السيارات السبع المعروفة عند القدماء بعولًا ثانوية، وزادوا عليها ثامنًا هو كوكب القطب الشمالي المعروف بالمسمار، وكانوا يتخذونه هاديًا بأسفارهم، ولم يكن الآلهة عندهم ذكورًا فقط، بل كان لكل بعل بعلة، وكل ما كانت للبعل خاصة شمسية كانت للبعلة خاصة قمرية؛ ولذا كانت عشتروت عندهم القمر، وكان أعظم هياكلهم هيكل ملكوت في صور، وأصل الكلمة «مالك قريت» أي: ملك المدينة أو ربها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤