الفصل الثاني

في تاريخ سورية الديني في القرن الأول

(١) في الرب المخلص له المجد

هو ابن الله الأزلي الذي اتخذ جسدًا من مريم العذراء دون مباشرة رجل، وصار إنسانًا معلمًا الحق وطريق الخلاص، ومات عن الناس مكفرًا عن آثامهم وصعد بالجسد إلى السماء فاتحًا لهم بابها الذي كان مغلقًا لمعاصيهم، وقد ذكر نسبه بالجسد متى الإنجيلي نازلًا من إبراهيم إلى يوسف رجل مريم، وذكره لوقا صاعدًا من يوسف إلى آدم، وقد ذكرنا سنة ميلاده في عدد ٦٩ وأبنَّا ما فيها من الخلاف، وكذلك اختلف في سنة ابتدائه بالتبشير وموته، فذهب بعض العلماء أنه بدأ في كرازته في آخر سنة ٢٥ من التاريخ العامي، ومات سنة ٢٩ بناء أنه ولد قبل التاريخ العامي بأربع سنين، وبناء على التقليد أنه عاش ثلاثًا وثلاثين سنة، ولكن ذهب الأكثرون ومذهبهم الأظهر هو أنه أخذ يبشر سنة ٢٩ ومات سنة ٣٣ من التاريخ العامي، وهذا يقضي عليهم أن يقولوا: إنه مات وعمره ست وثلاثون أو ثمان وثلاثون سنة … وبعض أشهر متابعة لقولهم: إنه ولد سنة ٧٤٩ أو سنة ٧٤٧ لرومة أعني قبل التاريخ العامي بأربع أو ست سنين، وممن قالوا بهذا المذهب نطاليس إسكندر (في تاريخ القرن الأول مقالة ٢)، ومما أيده به برهانان: الأول أنه جاء في التاريخ الإسكندري أن المؤلفين الوثنيين خصوا السنة ١٩ لطيباريوس بذكرهم أنه حدث بها كسوف خارق العادة لم يحدث مثله قبلًا، فكان الظلام في الساعة السادسة من النهار شديدًا حتى ظهرت الكواكب، وكان زلزال قوي في جهة بيتنيا، ولما كان السنة ١٩ لطيباريوس توافق السنة ٣٣ للتاريخ العامي كانت النتيجة صريحة بأن المخلص مات سنة ٣٣، وفي بدء السابعة والثلاثين من عمره … وهذا مطابق لقول لوقا: إن المسيح بدأ في كرازته في السنة ١٥ لطيباريوس.

والثاني أن الإنجيليين صرحوا بأن المخلص مات في الخامس عشر من بدر نيسان يوم الجمعة، والحال أنه من جميع السنين الواقع الخلاف في أيها مات المسيح؟ أي: من سنة ٣١ إلى سنة ٣٥ للتاريخ العامي لا توجد سنة كانت فيها الرابع عشر من نيسان يوم الخميس والخامس عشر يوم الجمعة، إلا سنة ٣٣ من هذا التاريخ، إذ كان فيها الرابع عشر أي: الفصح يوم الخميس واكتمال بدرها يوم الجمعة في ١٥ منه، فتعين أن تكون هي التي مات المسيح فيها، وهي السابعة والثلاثون أو التاسعة والثلاثون من عمره وميلاده.

وقد أثبتنا في تاريخنا أن المخلص تكلم وبشر بلغة اليهود حينئذٍ، وهي اللغة السريانية التي كانت لغتهم بعد السبي البابلي وسميت عبرانية نسبة إليهم، ومن شاء الإسهاب في ذلك فليطالع عدد ٤٩٨ في المجلد الثالث من تاريخنا صفحة ٣٩٨ إلى صفحة ٤٠٨.

(٢) في العذراء مريم عليها السلام

هي بنت يواكيم وحنة من سِبْط يهوذا، ومن نسل داود، فهي بالنسبة إلى حنة أمها بنت ناتان إلى سليمان بن داود، وبالنسبة إلى أبيها يواكيم المسمى هالي أيضًا، هي بنت هالي بنت مطات إلى ناتان بن داود، وحبل بها ببشارة الملك وعصمها الله من لحاق الخطية الأصلية فولدت بريئة من دنسها، وجعل البابا بيوس التاسع هذه العقيدة من عقائد الإيمان سنة ١٨٥٣، وقد نذرت عفتها متبتلة إلى الله، واستمرت بتولًا قبل الميلاد وفي حينه وبعده، وقد دعتها الأسفار المقدسة تارة خطيبة وتارة زوجة ليوسف، وقال عامة المفسرين: إنها كانت زوجة له، وقال بعض الحدثاء: إنها كانت مخطوبة ولم يُعقد زواج بينهما إلا بعد أن قال الملك ليوسف: لا تخف من أن تأخذ مريم خطيبتك، وعلى كل الأقوال أن يوسف كان زوجها؛ ليكون حارسًا بتوليتها إلا ليعيش معها كرجل مع امرأته، ولم يعرفها حتى ولا بعد أن ولدت ابنها البكر والوحيد، ومن سماهم الكتاب إخوته إنما هم أنسباؤه الأدنون أبناء حلفي أخي يوسف، وكانت مريم ملازمة يسوع إلى أن ظهر للتبشير وصحبته في بعض أسفاره لذلك كحضورها بعرس قانا ورافقته إلى الجلجلة، ووقفت حذا صليبه بشجاعةٍ سامية، وظهر لها بعد قيامته قبل أنصاره، وكانت مع الرسل حين صعوده، وحين انتظارهم حلول الروح القدس عليهم، وأقامت بعد ذلك في بيت يوحنا الإنجيلي، وقد فاضت روحها القدوسة على الراجح نحو سنة ٥٢ … قال القديس يوحنا الدمشقي (في خطبة ٢ في رقاد العذراء): إن الرسل لدن موت العذراء كانوا متفرقين في الآفاق، فأتوا بمعجزةٍ إلى أورشليم، وبعد أن فاضت روحها دفنوا جسمها المبارك في الجسمانية، وأبطأ توما ولما حضر أحب أن يتبارك بجسمها الطاهر ففتحوا المدفن فلم يجدوه، فتيقنوا أن الله أقامها، ولكن قال القديس إبيفان (في بدعة ٧٨): إنه لا يستطيع أن يقول: إنها ماتت أو استمرت غير ميتة وأنها دفنت أو لم تدفن، وأنه لا يمتري في أنها إذا كانت ماتت، فموتها كان سعادة، ورفع بعض الأساقفة في المجمع الفاتيكاني عريضة لبيوس التاسع؛ ليجعل انتقال العذراء من عقائد الإيمان، وفي المجمع الإفسسي رسالة يتبين منها أن بعض الناس في القرن الخامس كانوا يعتقدون أن العذراء ماتت ودفنت في إفسس، وكذلك في رؤيا للعابدة كاترينا أماريك، لكننا نرى من كتبوا في القرن الخامس نفسه ينصون على أنها توفيت في أورشليم، ودفنت بالجسمانية، والله أعلم.

(٣) في الرسل

  • الأول: هو بطرس بن يونا وأخو أندراوس الرسول: ولد ببيت صيدا وكان اسمه أولًا سمعان، فسماه المخلص عند دعوته كيفا، وهي كلمة سريانية معناها الصخرة أو الصفاء، وأعزه وقدمه على جميع الرسل، وجعله رئيسًا لهم وللكنيسة جمعاء وكصخرة لا تقوى عليها أبواب الجحيم، وسلمه مقاليد ملكوت السماء حتى كل ما حله في الأرض يكون محلولًا في السماء، وكل ما ربطه في الأرض يكون مربوطًا في السماء، وسلمه بعد موته رعاية خرافه ونعاجه ليرعاها، وصلى من أجله لئلا ينقص إيمانه وأمره أن يثبت إخوته، وبعد صعود المخلص إلى السماء أخذ بتدبير الكنيسة، ونصر عند حلول الروح القدس عليه وعلى التلاميذ نحو ثلاثة آلاف نفس، وبعد أيام خمسة آلاف نفس، وطاف مبشرًا وأقام كرسي رياسته أولًا في أنطاكية في سنة ٣٥ أو سنة ٣٦ إلى سنة ٤٢، ثم ترك أنطاكية مستخلفًا فيها أوديوس ومضى إلى رومة يقيم كرسيه في عاصمة المملكة، كما تقتضي رسالته العامة، وعاد إلى أورشليم سنة ٤٤، فسجنه أغريبا ونجاه ملك الرب من السجن بكسره السلاسل التي كان مقيدًا فيها، وكتب رسالته الأولى العامة من رومة سنة ٥٠، وسنة ٥١ طرده كلود من رومة، فأتى إلى أورشليم فعقد مجمع الرسل بأورشليم ثم عاد إلى رومة سنة ٦٥ بعد تطوافه للتبشير، وكتب رسالته الثانية إلى المؤمنين الذين تنصروا على يده، وأسقط سيمون الساحر من الجو فاستاء منه الوثنيون، ووشوا به إلى نيرون الملك فسجنه ثم علقه على الصليب منكسًا في ٢٩ حزيران سنة ٦٧م.
  • الثاني: بولس الرسول: وهو شاول من سِبْط بنيامين، ولد بترسيس وأصل أهله من الجش بالجليل، ولم يكن من عداد الرسل الذين اختارهم المسيح بحياته، بل دعاه بعد صعوده إذ ضربه ملك الرب وهو منطلق إلى دمشق؛ ليضطهد المسيحيين فأعماه وأرسله إلى حنانيا فأعاد إليه بصره وعمده، وأخذ في التبشير بدمشق وبلاد العرب، ثم أتى إلى أورشليم وخرج مبشرًا اليهود والأمم في سورية وآسيا الصغرى وبلاد اليونان وإيطاليا وإفرنسة وإسبانيا متحملًا من المشاق والحبوس والجلد، والأعذبة ما ذكره في رسائله، ولا سيما في رسالته الثانية إلى القرنتيين (فصل ١١)، وما ذكره في أعمال الرسل، وكتب إلى المؤمنين أربع عشرة رسالة باليونانية إلا رسالته إلى العبرانيين، فكتبها بلغتهم السريانية وقد سجنه نيرون برومة، ثم خلى سبيله سنة ٦٢ أو سنة ٦٣، فمضى إلى إسبانيا وغيرها مبشرًا، ثم عاد إلى روما فقبض عليه مع بطرس الرسول، وقطع رأسه ٢٩ حزيران سنة ٦٧ في اليوم الذي صُلب فيه بطرس الرسول.
  • الثالث: يوحنا: وهو ابن زبدي وصالومي وأخو يعقوب الكبير، وُلد ببيت صيدا وسماه المخلص مع أخيه بوانرجس أي: ابني الرعد؛ لشدة غيرتهما وعظمة إيمانهما، والأظهر أنه عاش متبتلًا إلى الله، وكان المخلص يحبه حتى سمى نفسه التلميذ الذي كان يسوع يحبه، وقد رافق المخلص إلى الجلجلة حيث قال له: يا يوحنا هذه أمك، ولأمه: يا امرأة هذا ابنك … وقد رافق بطرس الرسول في بعض أسفاره للتبشير، وقد بشر في آسيا، وأقام مدة طويلة بإفسس وما جاورها واستمر فيها من سنة ٦٦ إلى أن اقتيد إلى رومة سنة ٩٥، وألقي في مرجل زيت يغلي فلم تمسه مضرة، ثم نفي إلى جزيرة بطموس، وهناك كتب كتاب رؤياه وعاد إلى إفسس سنة ٩٧، فكتب إنجيله وجل ما تعمد فيه إثبات لاهوت المسيح، وعاش مديدًا وتوفي بإفسس سنة ١٠٠ للتاريخ العامي، وله ثلاث رسائل أيضًا كتبها في آخر عمره.
  • الرابع: متى الرسول: ولد في الجليل، وكان عشارًا يجبي العشر وسماه باقي الإنجيليين لاوي، وسمى نفسه متى، واختلف في محل تبشيره، فعن القديس إيرونيموس وغيره أنه بشر، ونال إكليل الشهادة ببلاد فارس، وعن سقراط وغيره أنه بشر في الحبشة، وقال بعضهم: إنه مات حتف أنفه، وبعضهم أن أحد ملوك الحبشة أرسل جنودًا قتلوه وهو يقدس، وكتب إنجيله بالسريانية بطلب الرسل والمؤمنين قبل تفرق الرسل للتبشير، وترجم إلى اليونانية مذ القرن الأول.
  • الخامس: يعقوب بن حلفي: ويوصف بالصغير تمييزًا له عن يعقوب بن زبدي أخي يوحنا الرسول، ويسمى أخا الرب؛ لأنه كان نسيبًا للمسيح من جهة أبيه حلفي أو من جهة أمه مريم، وصُير أسقفًا على أورشليم لكنه لم يباشر أسقفيته عليها إلا بعد براح بطرس والرسل لها، ويظهر أنه أقام على هذه الأسقفية نحوًا من ثلاثين سنة إلى أن أشخصه إغريبا بشكوى ابن حنان رئيس الكهنة له بمخالفة السنة، وقضي عليه بالرجم وأصعدوه على إحدى شرفات الهيكل، فما انفك يصرخ بأن المسيح إله جالس عن يمين الله فطرحوه من شرفة الهيكل، ولم يمت بل جثا مصليًا عن أعدائه، وأخذوا يرجمونه وتقدم قصار فضربه بهراوة على رأسه، ففاضت روحه سنة ٦٢ أو سنة ٦٣، ودُفن في جانب الهيكل في محل شهادته، وله رسالة يظهر أنه كتبها سنة ٦٣.
  • السادس: أندراوس الرسول: وهو ابن يونا وأخو بطرس، وتتلمذ أولًا ليوحنا المعمدان ودعاه يسوع إلى اتباعه قبل أخيه بطرس، وقد بشر ببلاد التتر بعد أن اجتاز مبشرًا الجاليات اليونانية على البحر المتوسط إلى الدردنل، وبشر أخيرًا في بلاد اليونان، ونال إكليل الشهادة مصلوبًا بمدينة بتراس في إخائيا سنة ٦٢.
  • السابع: يعقوب الكبير بن زبدي: أخو يوحنا دعاهما المخلص، إذ كانا يصلحان شباكهما، وبعد صعود المخلص بشر اليهود في فلسطين وسورية، ثم اليهود في إسبانيا، وعاد إلى أورشليم فقبض عليه إغريبا المسمى هيرودس، وقطع رأسه في أورشليم سنة ٤٢، أو سنة ٤٤ (أعمال الرسل ف١٢).
  • الثامن: فيلبوس الرسول: ولد في بيت صيدا ودعاه المخلص، فاتبعه ثم وجد نتانائيل واقتاده إلى المسيح (يوحنا فصل ١ عدد ٤٣)، وبشر بفريجية وآسيا الصغرى، وقال بعضهم: إنه عُلق على صليب ورُجم بمدينة هيرابولي، وقال غيرهم: إنه مات حتف أنفه بفريجية، ويُظن أن ذلك كان سنة ٨٠.
  • التاسع: برتلماوس الرسول: كان من الجليل كباقي الرسل، وظن كثيرون أنه نتانائيل الذي اقتاده فيلبوس إلى يسوع، ومن أدلتهم على ذلك أن الإنجيليين الذين ذكروا برتلماوس لم يذكروا نتانائيل، ويوحنا الذي ذكره لم يذكر برتلماوس، واعتمد شعوب المشرق هذا القول، وروى كثيرون من علماء السريان وغيرهم أنه بشر بالهند، وأخذ معه إلى هناك إنجيل متى، وقال غيرهم: إنه بشر بالعربية السعيدة وفارس، والأرجح أنه مات في مدينة باتوبلي على بحر الخزر، وأنه مات مسلوخًا معلقًا على الصليب سنة ٧١.
  • العاشر: توما الرسول: من الجليل أيضًا بشر البرتيين والماديين وغيرهم، وروى ابن العبري أنه بشر أيضًا بالهند، وأنه قضى هناك شهيدًا بمدينة اسمها كلامينا سنة ٧٥، وهناك نصارى يسمون نصارى القديس توما وأثبت السمعاني هذا القول بأدلةٍ كثيرة (طالع مجلد ٣ في المكتبة الشرقية صفحة ٢٥ إلى ٢٧).
  • الحادي عشر: سمعان القانوني الرسول: الأظهر أنه ولد بقانا الجليل، واختلف في مكان تبشيره وموته، فذهب بعضهم أنه بمصر والقيروان وغيرهما من أعمال إفريقيا وبجزر بريطانيا وقضى مصلوبًا، وذهب آخرون أنه بشر في ما بين النهرين، ومات شهيدًا ببلاد فارس سنة ٦٤.
  • الثاني عشر: يهوذا الرسول: ويسمى تادي ولابي كان ابن حلفي وأخا يعقوب الصغير، وذهب القديس يولينوس (قصيدة ٢٦) أنه بشر في الصعيد، وروى القديس إيرونيموس (في تفسير ف١٠ متى) أنه أُرسل بعد صعود المخلص إلى أبجر ملك الرها، والأظهر أن تادي الذي أُرسل إلى أبجر لم يكن من الرسل الاثني عشر، بل من الاثنين والسبعين مبشرًا (السمعاني في المكتبة الشرقية مجلد ١ صفحة ٣١٩)، وذهب بعض من علماء اليونان والسريان أن يهوذا بشر بالرها، وما بين النهرين وأرمينية وفارس، ومات بفارس مرشوقًا بالسهام سنة ٦٤ وله رسالة عامة ذات فصلٍ واحد.
  • الثالث عشر: ماتيا: كان أولًا من مصاف تلاميذ المخلص، واختاره الرسل بدلًا من يهوذا الإسخريوطي، وبشر على رأي بعضهم في اليهودية، ثم سار إلى تدمر وطاف ما بين النهرين والعربية الجنوبية، وعاد إلى اليهودية، ثم قضى مرجومًا ببيروت، وقال آخرون: إنه استشهد ببلاد فارس، وروى غيرهم أنه رجم وقطع رأسه بأورشليم سنة ٦٢.

(٤) في التلاميذ والمبشرين

جاءت كلمة تلميذ في العهد الجديد بمعنى المؤمن بالمسيح، وبمعنى الرسول ويراد بها خاصة المبشرون الاثنان والسبعون الذين أرسلهم المخلص اثنين اثنين إلى كل مدينة أزمع أن يدخلها، ولم يكن في القرن الرابع جدول أكيد لأسمائهم، ولكن يمكن أن يحصى بين مصافهم ماتيا المار ذكره والشمامسة السبعة، وحننيا الذي عمَّد بولس وغيرهم، وعدَّ بعضهم مرقس في جملتهم ولوقا الإنجيليين، وخالفهم آخرون ولا سيما في لوقا.

أما مرقس الإنجيلي فمذهب الجمهور أنه يوحنا مرقس الذي ورد ذكره مرات في أعمال الرسل، وكان كاتبًا وترجمانًا لبطرس الرسول، وصحب بولس الرسول مدة، ثم افترق عنه بأنطاكية ولزم بطرس وانطلق معه إلى رومة، وهنا كتب إنجيله بتلقين بطرس له في إحدى السنين التي بين الخامسة والأربعين والخمسين، وذهب بعضهم أنه كتبه باللاتينية؛ لأنه كان في رومة، والأظهر أنه كتبه باليونانية؛ لأنه كتبه ليمضي به إلى الإسكندرية التي أرسله إليها، ونجح بتبشيره ونما عدد المؤمنين بالقطر المصري وكثر فيهم النساك والزهاد؛ حتى سمي مرقس رئيس المتنسكين، وعنهم أخذت الطريقة الرهبانية، وأقام المدارس المسيحية في الإسكندرية، ونبغ فيها كثير من العلماء والأحبار، وحنق الوثنيون عليه لنسخه عبادة آلهتهم فوثبوا عليه نهار الأحد في ٢٥ نيسان سنة ٦٨، وأجروا عليه أعذبة متنوعة إلى أن فاضت روحه.

وأما لوقا فولد بأنطاكية وكان صبيًّا، ولم يكن يهوديًّا على الأصح، بل وثنيًّا آمن بالمسيح على يد بولس الرسول، ثم صحبه للتبشير مدة ثم انفرد عنه، وذهب القديس إبيفان (بدعة ٥١) أنه بشر بدلماسيا وإفرنسة وإيطالية ومكدونية، وذهب متفرست أنه بشر بمصر وليبيا والصعيد عدا تبشيره مع بولس الرسول … وفي محل وفاته ونوعها اختلاف روايات بين أنها كانت في إخائيا أو تاب أو المورة وكلها في بلاد اليونان، وبين أنه مات مصلوبًا أو حتف أنفه سنة ٩٠ على ما في سنكساري طائفتنا، وله من العمر ثمانون سنة، وكتب الإنجيل المعزو إليه وكتاب أعمال الرسل باليونانية، وقد فرغ من تدوين هذا الكتاب سنة ٦٢ أو ٦٣، أما الإنجيل فكتبه قبل ذلك وعبارته اليونانية أفصح مما كتب بهذه اللغة من أسفار العهد الجديد.

ومن المبشرين تادي الموفد إلى أبجر ملك الرها روى أوسابيوس (ك١ من تاريخه ف١٣) أن أبجر ملك الرها كان مصابًا بمرض أعيى الأساة، وسمع بآيات المسيح فأرسل إليه رجلًا اسمه حنانيا مصحوبًا برسالة يسأله فيها أن يأتي فيبرئه، فأجابه المخلص أنه سيرسل إليه أحد تلاميذه فيشفيه، وأن توما الرسول أرسل بعد صعود المخلص تادي أحد السبعين إلى الرها، فوعظ أبجر ملكها فآمن بالمسيح هو وقومه وشفي من مرضه، وقال أوسابيوس: أنه أخذ عن سجلات الرها نسخة رسالة أبجر إلى المسيح، ونسخة جواب المسيح إليه، وقد وجد حديثًا في مكتبة الأمة ببريس ترجمة أرمينية لتعليم تادي تشتمل على الرسالتين، فأذيعت هذه الترجمة ببريس سنة ١٨٦٧، والترجمة الأرمينية أخذت عن الأصل السرياني، ومنه نسخة في المتحف البريطاني طبعت بلندرة سنة ١٨٦٤ خلية من الرسالتين لسقوط الأوراق الأولى من تلك النسخة، ولكن وجد الكتاب كاملًا في المكتبة الملكية ببطرس برج مكتوبًا بالأحرف السترانكلية في القرن السادس، وللعلماء في ذلك مباحث طويلة أصحها أن رسالة أبجر إلى المسيح لا مرية في صحتها، وأما رسالة المسيح إلى أبجر، فالصحيح أنها كانت بلاغًا شفاهيًّا بلسان موفد الأبجر سطره مسجلو الرها، كما لقنهم إياه الموفد المذكور، وهذا قول علامتنا السمعاني (مجلد ١ من المكتبة الشرقية صفحة ٥٥٤): «إن أقوال العلماء المتضاربة يمكن توفيقها بقولنا: إن المخلص لم يكتب الرسالة إلى أبجر، بل تلقاها من فمه الأقدس ودونها المسجلون في سجلات الملك، ولم تحسب بين الكتب المنزلة؛ لأن كاتبها لم يكن ملهمًا، وأما رسالة أبجر إلى المخلص فأنا موقنٌ بأنه ليس من دليل يخالف صحتها … وعلماء السريان مجمعون على أن أبجر أرسل رسولًا إلى المخلص، وأيد ذلك كثيرون من اليونان واللاتين.» وأما تادي فبعد أن أبرأ أبجر من مرضه وآمن هو وشعبه بالمسيح، مضى هو وتلميذاه أجى ومادي إلى المشرق يبشرون بالمسيح، ثم عادوا إلى الرها، وكان أبجر قد توفي وخلفه ابنه فقتل تادي هذا رأي ابن العبري في تاريخه، وعن السمعاني في المكتبة الشرقية (مج٢ صفحة ٦١١) أن تادي بعد رجوعه من التبشير توفي في حياة أبجر في سنة ١٢، بعد صعود المخلص وعن بعضهم في سنة ٢٠ بعد الصعود.

ومن المبشرين الاثنين والسبعين سمعان خليفة يعقوب الرسول في أسقفية أورشليم، فقد أنبأنا أوسابيوس (ك٣ من تاريخه ف١١) أن الرسل والتلاميذ اجتمعوا بعد استشهاد يعقوب الرسول ليختاروا خلفًا له، فأجمعوا على اختيار سمعان بن حلفي أخي يوسف، على ما روى هجيسبوس، وكان في جملة التلاميذ الاثنين والسبعين، واعتزل مع المؤمنين في عبر الأردن إبان الحرب بين اليهود والرومانيين، ثم وشِي به إلى والي فلسطين فأذاقه مر العذاب وأخيرًا صلبه فجاد بروحه سنة ١٠٧م.

(٥) في بعض الأساقفة بسورية في القرن الأول

حنانيا الذي نصر بولس الرسول كان أسقفًا على الأصح بدمشق، ومات شهيدًا فيها وخلفه أغناطيوس تلميذه على ما روى كثيرون.

كوارتوس أسقف بيروت، جاء في كتاب نشره البولانديون في ترجمتي الرسولين بطرس وبولس أن بطرس بعد أن أخرجه الملك من السجن سار إلى بيروت، وأقام فيها أحد رفقائه أسقفًا، وقال مؤلف الكتاب المعزو إلى دوروتاوس وإيبوليطوس إن هذا الأسقف كان اسمه كوارتوس، وهو من الاثنين والسبعين وذكره الرسول في رسالته إلى الرومانيين (ف١٦ عدد ٢٣) بقوله: «يسلم عليكم كوارتوس الأخ.»

وروى لاكويان في المشرق المسيحي (مجلد ٣ صفحة ٨٢١) أن بطرس الرسول اجتاز بأطرابلس وهو ماضٍ إلى أنطاكية، فأقام فيها أسقفًا واثني عشر كاهنًا، وكان اسم هذا الأسقف ماروتس، وكان زكي أول أسقف على قيصرية فلسطين اختاره بطرس، ثم خلفه توافيلوس من أنطاكية، ثم كرنيليوس ذكره مؤلف الكتاب سورية المقدسة، وقال: إن لوقيوس كان أول أسقف على اللاذقية وذكره الرسول في رسالته إلى الرومانيين (ف١٦ عدد ٢١)، وذكر لاكويان في المشرق المسيحي دوسيتاوس أول أسقف على السويدية، وكان تريتاس معلم الناموس أسقفًا على اللد وفيليمن تلميذ بولس أسقفًا على غزة، وقيل: إن الرسول أقامه أسقفًا على كولوسايس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤