الفصل الثالث

في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثاني

(١) في بعض أحداث بسورية في أيام ترايان

إن ترايان خلف نرفا سنة ٩٨، وكانت بعض مدن سورية قد بقي لها نوع من الاستقلال منها دمشق وبصرى بحوران وعمان وحجر (بترا) ببلاد العرب التي كانت عاصمة النبطيين، وكانت سلطتهم تمتد إلى دمشق، وكانت هذه البلاد مستوعرة يكثر بها السلب وقطع الطرق، فأرسل ترايان كرنيلوس بلما قائد جيشه سنة ١٠٥، فأمنها وجعلها إقليمًا رومانيًّا وجعل بصرى مقرًّا لفيلق من الجنود، فرقى أهل البلاد في مدارج الحضارة وزينوا مدنهم بآثار تدهش أطلالها الجوالة الآن.

وبعد أن قهر طيطوس اليهود هاجر جمٌّ غفير منهم إلى شرقي الأردن، الذي كان يليه حينئذٍ ملوك النبطيين وولاة دمشق وبعلبك وتدمر، حيث كشف دي فوكواي خطوطًا آرامية دالة على ذلك، وهاجر قوم من العرب الحميريين، فأقاموا بحوران والبلقاء ورغبوا في الحراثة والتجارة، فعمرت هذه البلاد وأيسر أهلها … وعثر ودنيكتون على خطوط يونانية مؤذنة بأن كرنيلوس بلما المذكور جر الماء إلى الكرك، وإلى السويدية بحوران.

وروى أوسابيوس (ك٢ من تاريخه ف٢) أن اليهود هاجوا بقبرس ومصر والقيروان، وقتلوا ألوفًا من اليونان والوثنيين وارتكبوا فظائع وقسوة بربرية، فلم يتحمل ترايان هذه الفظائع، فأثخن قادة جيشه والقبرسيون باليهود في جزيرتهم وقتلوا كل من وقع بيدهم منها، وحظروا على كل يهودي الدخول إلى الجزيرة، وقتل الإسكندريون كل من وجد في مدينتهم من اليهود، وأرسل ترايان مرسيوس بجيشٍ إلى مصر فأهلك منهم جمًّا غفيرًا، وقتل كثيرون من النصارى أيضًا، قتلهم إما اليهود لبغضهم لهم وإما الوثنيون؛ لأنهم لم يميزوهم عن اليهود، وكان في سنة ١١٥ زلزال أخرب أكثر أبنية أنطاكية وهلك تحت الردم خلق كثير، وكاد ترايان نفسه يهلك معهم لأنه كان يومئذٍ بأنطاكية.

(٢) بعض ما كان بسورية في أيام أدريان

خلف أدريان ترايان سنة ١١٧، وأقام في المشرق من سنة ١٢٢ إلى سنة ١٢٥ وعاد إليه أيضًا سنة ١٢٩، ونظم فيه أمورًا كثيرة وله فيه آثار وافرة، منها وأهمها شروعه في بناء هيكل الشمس ببعلبك، وقد أكمله خلفاؤه أنطونينوس بيوس وسبتيموس ساويروس، فأحدث هؤلاء الملوك ببعلبك الهياكل والأروقة، وأما الصخور الضخمة والأسس فالأولى أن تنسب إلى الآراميين والفونيقيين، ولا شك في أنه كان هناك معبد لإله مصري قبل أيام الرومانيين، وقد مضى أدريان إلى تدمر سنة ١٣٠، وعثر دي فوكواي وودنيكتون هناك على خطوط دالة على ذلك وصحبه فرقة من الجنود العملة، وروى كثيرون من الجوالة أن في الطريق من دمشق إلى تدمر، ومن تدمر إلى الفرات أطلال اثنين وأربعين حصنًا يبعد كل منها عن الآخر مسافة ثلاث ساعات، ويترجح أن أدريان أنشأها ولا يبعد أنه أحدث شيئًا في أبنية تدمر التي جعل أهلها جالية رومانية، ووجد في بعض الآثار أن هذه المدينة تسمى أرديانيل نسبة إليه، وعثر ودنيسون على خط قرب باب مدينة جبيل مؤذن بأن أدريان أصلح هذا الباب، وقال رنان (بعثة فونيقي صفحة ٢١٤): إن أدريان جدد بناء هذه المدينة؛ ولذلك لم يجد من آثارها الكنعانية إلا بعض المدافن، ووجد في دمشق سكة كتب عليها: «إلى الإله أدريان» تملقًا له، وقد عني بتمهيد الطريق المؤدية من دمشق إلى بترا ورصف جنوده محلات كثيرة منها تشاهد آثارها حتى الآن في صحراء موآب، وجعل بصرى عاصمة حوران محطة لتجارة كبيرة تأتي إلى دمشق بتمر الحجار وطيوب اليمن، وتجلب للعربية الحبوب والزبيب من وادي الأردن والسلع من آسيا.

وكانت فرقة من الفيلق العاشر حالَّة بأورشليم أشغلها أدريان بتمهيد أخربة الهيكل، وبنى هناك هيكلًا للمشتري وأسكن جالية رومانية في مدينة صهيون، وسمى أورشليم إليا كابيتولينا نسبة إليه؛ لأن اسمه إليوس والي هيكل المشتري برومة، وقيل: إن أدريان حظر على اليهود أن يختنوا أولادهم، فهاجوا وماجوا وحملوا السلاح وقام بينهم رجل اسمه بركوكبا حسبوه المسيح المنتظر، وقالوا: هذا هو الكوكب الذي يشرق من يعقوب، واعتدوا حتى على الجنود الرومانيين، فلم يحفل الرومانيون بثورتهم أولًا فتمادوا بشرهم فهب إليهم أولًا والي اليهودية، فقتل منهم كثيرين، ثم أرسل أدريان عليهم يوليوس ساويروس فلم يقتحمهم دفعة واحدة، بل أخذ يضرب محلًّا فمحلًّا ويضيق عليهم فدمر نحو تسعمائة قرية، وقتل منهم نحو خمسمائة ألف حتى استعظموا مصابهم هذا على مصابهم في حصار طيطوس، وأخذوا منهم كثيرًا من الأسرى باعوهم بأبخس الأثمان، وأرسلوا إلى رومة كثيرين فكانوا طعامًا للأسود، وكان بركوكبا من جملة القتلى، وحظروا عليهم الدخول إلى أورشليم إلا يومًا في السنة؛ لينوحوا على خراب أورشليم، واستمروا على ذلك إلى أيام القديس إيرونيموس، ولا يرخص لهم بذلك ما لم يدفعوا مبلغًا من المال، ويظهر أن هذه الأحداث كانت سنة ١٣٢.

ومن الغريب كثرة نقش اسم الملك أدريان على صخور بلبنان من صنين إلى جبة بشري، حتى عدد رنان منها ثمانين خطًّا، وله في هذه الخطوط رأيان: الأول أن أدريان وضع نظامًا لقطع الأشجار في غابات هذه البلاد، فكتب اسمه في أماكنٍ كثيرة حفظًا لنظامه، والثاني أنه أقام بسورية سنين متطاولة، وكان مولعًا بزيارة المعابد فيحتمل أنه طاف هذه الأماكن لزيارة هياكل مقامة فيها، ونقش اسمه في القرب إليها، وفي أيامه شرع الربيون يكتبون كتابهم المعروف بالتلمود، وأول من أخذ في كتابته علماء مدرستهم في طيبارية، ويسمى التلمود الأورشليمي ولهم تلمود آخر يسمى البابلي كتبه بعض الربيين المهاجرين إلى بابل لما أنزل بهم أدريان الملك.

(٣) في بعض ما كان بسورية في أيام أنطونيوس بيوس ومرقس أورليوس

لم تكن أحداث هامة في أيام أنطونيوس بيوس الذي خلف أدريان سنة ١٣٨، بل رتعت المملكة في رياض السلم والراحة، وسن لها رسومًا ضمها إلى الناموس الروماني، وكف الاضطهاد عن المسيحيين وكان أكثر رفقًا بهم، ويظهر أن ذلك نتيجة المحاماة التي رفعها إليه وإلى أبنائه والندوة والشعب الرومانيين القديس يوستينوس، الذي كان من نابلس وقد برع في الفلسفة، وتضلع في مذاهبها قبل أن يتنصر، وله في هذه المحاماة أقوال عسجدية وعبارات درية لخصت شيئًا منها في تاريخ سورية (مج٣ صفحة ٥٧٧)، وأدركت الوفاة أنطونيوس بيوس سنة ١٦١.

وخلفه مرقس أورليوس الذي كان أنطونيوس قد تبناه، وأشرك في الملك لوشيوس فاروس أخاه بالتبني، لكنه لم يتخذ لنفسه إلا اسم نائب الملك، ومن الأحداث بسورية في أيامهما حملة البرتيين عليها، وقهرهم جنود الرومانيين فيها، فأرسل مرقس أورليوس جيشًا كثيفًا إليها أمَّر عليه أخاه وشريكه فاروس، فاسترد الجيش الروماني المدن والأعمال التي كان البرتيون قد استحوذوا عليها، وكان من قادة هذا الجيش رجل اسمه إفيديوس كاسيوس سوري أصلًا، وكان أبوه واليًا بمصر على عهد أدريان وأنطونينوس، وحصلت ثورة بمصر فأمره مرقس أورليوس أن يدخل إليها، فدخل وخمد الثورة وأنفاس الثائرين، وزينت له نفسه أن يجدد ما عمله فسبسيان، وأشاع أن مرقس أورليوس مات، فنادى به جنوده ملكًا، فأعلنت الندوة أن كاسيوس عدو للمملكة وضبطت أملاكه، فارتاع بعض جنوده، وقلبوا له ظهر المجن وانتهز بعض أعدائه هذه الفرصة، فقطعوا رأسه وأرسلوه إلى الملك، فأسف لخسارة المملكة بموته قائدًا باسلًا ولفوات الفرصة له أن يبدي حلمه بعفوه عنه، ورد إلى أولاده نصف أملاكه، وقضى أن لا ينصب والٍ على بلد ولِد فيها، فكانت سنة من سنتهم القديمة.

وزار مرقس أورليوس المشرق وأتى إلى أنطاكية، وجل ما عاقب به أهلها منعهم عن دخول المشاهد والاحتفاء بالأعياد مدة، وزار إسكندرية وكان يتردد فيها بثوب فيلسوف منادمًا الفلاسفة، وعلى صخور نهر الكلب خط كتب فيه ما ملخصه: «للقيصر مرقس أورليوس؛ لأنه مهد الجبال المشرفة على النهر ليكوس (نهر الكلب)، ووسع الطرق بعناية الفيلق الثالث الإفرنسي»، وعثر ودنيكتون على عدة خطوط بحوران نقشها كاسيوس المذكور إجلالًا لمرقس أورليوس قبل ثورته وعصيانه على هذا الملك، وقال ودنيكتون: «يظهر أن السوريين كانوا يحبون كاسيوس؛ لأنهم لم يحطموا اسمه كما محوا اسم غيره من الولاة.» وتوفي مرقس أورليوس سنة ١٨٠.

(٤) بعض ما كان بسورية على عهد سبتيموس ساويروس

بعد وفاة مرقس أورليوس خلفه ابنه كومود سنة ١٨٠، ولم نطلع على ما كان بسورية في أيامه، وقد عثر ودنيكتون في السويدة بحوران على خط يوناني (٢٣٠٨) مؤذن بإقامة والي العربية ذكرًا للملك كومود بمعرض جلبه الماء إلى السويدة، وضواحيها في السنة ٨ لكومود وهي سنة ١٨٧، وبعد موت كومود سنة ١٩٣ رقي إلى منصة الملك برتينكوس، ولم يملك إلا شهرًا وقتله قواد الجيش، وقام بعده يوليانوس ساويروس ونيجر على أن الذي استتب له الملك سنة ١٩٣ إنما هو سبتيموس ساويروس، وكان متزوجًا بامرأة من سورية اسمها جولية دمنة، وقد كشفت لنا الآثار عن كثيرٍ من أخباره، وكان التاريخ قد ضن علينا بها، فقد وجدت صفيحة على مقربةٍ من بيروت كُتب عليها ما ملخصه: «لسلامة الملك القيصر سبتيموس ساويروس ومرقس أنطونينوس ابنه وجولية دمنة أمه وسائر أهل بيته» (ودنيكتون ١٨٤٣)، وكُشف عن خطٍّ آخر في جنوبي بيروت دال على المحطة الأولى من بيروت إلى صيدا كُتب فيه: «جدد الملك سبتيموس ساويروس وابنه الطرق الجندية بعناية فيديوس روفس والي سورية فونيقي» (١٨٤٤).

وقسم ساويروس سورية قسمين: الأول إلى الشمال وفيه سورية الكومجانية والمجوفة إلى السهول التي على ضفتي العاصي وما بين اللكام ولبنان، والثاني إلى الجنوب والشرق وفيه سورية الفونيقية والشطوط البحرية، وشرقي لبنان إلى وسط البرية ومنه بعلبك ودمشق وحمص وتدمر، وكان أهل أنطاكية مالئوا أعداءه فعاقبهم بصرامة، ثم عاد إليها وأقام بها مدة وجامل أهلها وبنى فيها حمامات عظيمة وعني بإصلاح الطرق بين المدن البحرية، فقد وجِد في الطريق من صور إلى صيدا أربع صفائح دالة على الأميال، ومؤرخة في سنة ١٩٨، وكان جنود نيجر أحرقوا صور فجدد ساويروس بناءها وأسكن فيها بعض المتقاعدين، وجعلها جالية رومانية، وكان لبيروت هذا الحق من قبل، وكانت بها في أيامه مدرسة كبرى لتعليم الشرع الروماني، واشتهر بها حينئذٍ بابنيان وأولبيان وغيرهما من مشاهير الفقهاء، وقد جاهر أهل بيروت أولًا بالعداوة لساويروس لكنهم تزلفوا إليه دون إبطاء، وأحبوه كما يتبين من النصب الذي أقاموه نذرًا لسلامته وسلامة ابنه وامرأته وقد مر ذكره، وعثر ودنيكتون على خط بدير القلعة (١٨٥٨) مؤداه أن الجالية الرومانية البيروتية أقامت من مالها تمثالًا للملك سبتيموس ساويروس.

وكان ترايان وأدريان أدخلا الحضارة بحوران واللجا، فشخص ساويروس بنفسه إليهما، ووجدت فيها آثار دالة على قيام رؤساء عشرات سبتيميين فيهما، وعلى استعمال سكان بعض مدنها لغة الرومانيين ومقاييسهم وحسابهم، وعلى استتباب الراحة والأمن فيهما، وتجد آثار سبتيموس ساويروس ظاهرة في تدمر، ووجد دي فوكواي وودنيكتون مخافر للجنود على الطريق من بصرى إلى تدمر، وكان في هذه المدينة مجالس مختلطة كما في مصر الآن، وذلك دال على أنه كان بها جماعات من البرتيين والأرمن والرومانيين واليهود، وكان لأسرة أذينة بتدمر المحل الأول في الوجاهة، وأحد أفرادها المسمى حيران عاون ساويروس كثيرًا حتى أنعم عليه أن يسمى باسمه سبتيموس … روى ذلك دي فوكواي في الخطوط السامية خط ٢٨، ومسكوكات سبتيموس في هذه البلاد كثيرة، وهو الذي أنشأ هيكل المشتري ببعلبك، ووضع نظامًا لفلسطين عند تجوله فيها، وعاد اليهود والسامريون في أيامه إلى منازعتهم المعتادة، فأمر الجنود بضربهم وقتل كثيرين منهم.

(٥) في بعض فوائد في تاريخ سورية مأخوذة عن آثارها

يُؤخذ عن آثار تدمر:
  • أولًا: أن اللغة التي كان عامة السوريين يتكلمون بها في القرن الأول، وما يليه هي اللغة الآرامية السريانية، إذ قال دي فوكواي في الخطوط السامية: إن اللغة التي كان شعوب سورية يتكلمون بها كانت اللغة الآرامية إلا ما ندر، وجميع الخطوط التي عثرنا عليها في تدمر وحوران وبلاد النبطيين كتبت بهذا الفرع من اللغة السريانية.
  • ثانيًا: أن قبائل من العرب بني سبأ ظعنوا في القرون الأولى إلى سورية، فإن الخطوط التي كشف دي فوكواي عنها في الصفا وجنوبي دمشق وشرقيها كانت حميرية، وقد نسخ مائتين وستين خطًّا عن صخور جبل الصفا، وأثبتت أن قبائل هؤلاء العرب قد انقسموا إلى فصيلتين: أقامت إحداهما مملكة الحيرة في ما بين النهرين، وأقامت الأخرى بسورية وعرفت بالتنوخيين، وولاهم الرومانيون على بعض الأعمال، وفي أواخر القرن الثالث أتت فصيلة من بني إزد، وسُموا بني غسان نسبة إلى ماء نزلوا عليه وولاهم الرومانيون على البلاد التي في عبر الأردن إلى ظهور الإسلام، وقد تنصروا وعنوا بتقديم العلم والصناعة، ومن آثارهم عدة أديار ومعابد.
  • ثالثًا: أن أهل هذه البلاد كانوا يؤرخون سنينهم بتاريخ السلوقيين الذي يبتدئ سنة ٣١١ق.م، فجميع الخطوط التي وجدت في تدمر وحوران وأنطاكية وغيرها تراها مؤرخة بهذا التاريخ اليوناني.
  • رابعًا: أنه كان لتدمر في تلك الأيام تجارة واسعة منبسطة إلى جهاتٍ كثيرة بين المشرق والمغرب، وكان لهم طريقان الأولى شمالية مؤدية إلى سلوقية وبلاد البرتيين، والثانية جنوبية تمتد في بلاد العرب، وقال بلين (في التاريخ الطبيعي ك٢٢): «إن مال تجارتهم مع رومة وحدها لم يكن يقل عن مائة مليون دينار.»
  • خامسًا: كان من عادة التدمريين الموسرين أن يقيموا أعمدة لزينة مدنهم، ويستدل على ذلك بعدة خطوط ذكرها دي فوكواي في كتابه المذكور.
  • سادسًا: أنبأتنا آثار تدمر أيضًا بأسرة أذينة التي ملكت في هذه المدينة، وانبسط ملكها إلى مصر أيضًا في أيام أذينة الثاني وزوجته زبيدة أو زينب مفصلة أفراد هذه الأسرة، والمتحصل من الآثار أن أذينة جدهم الأول كان في القرن الثاني نصور، ثم وهبلات وحيران الذي عاون سبتيموس ساويروس في حربه مع البرتيين، فجعله عاملًا على بعض البلاد، ثم ابنه سبتيموس أذينة الأول ثم أذينة الثاني الذي كانت امرأته زبيدة أو زينب الشهيرة، التي ملكت مع ابنيها وهبلات وإتيندر، وانبسط حكمهم واستحوذوا على مصر سنة ٢٦٧ كما سيجيء.
  • سابعًا: يترجح وجود مسيحيين في تدمر في القرن الثاني، فقد وجد خطوط فيها إشارة الصليب التي كانت علامة للمسيحيين؛ ولا سيما لأنه وجد مكتوبًا معها فليكن اسمه مباركًا إلى الأبد.

(٦) في الملوك النبطيين

أخذ دي فوكوي عن الخطوط التي وجدت في حوران وما يليها أن هذه البلاد كان يليها ملوك من النبطيين في القرن الأول قبل الميلاد، وفي القرن الأول ومبادي الثاني بعده، وأول هؤلاء الملوك هو حارثة أو الحارث وحكم من سنة ٩٥ إلى سنة ٥٠ق.م، وكان مركز ولايته دمشق وقبض بمبايوس عليه في مدينة حجر في العربية، وقام بعده ملك آخر كان معاصرًا لهيرودوس الكبير، وكانت بينهما حروب طويلة، وخلفه ملك اسمه أوباداس أو عوباد ودام ملكه من سنة ٣٣ إلى سنة ٧ق.م، وخلف عوباد ابنه الحارث ودام ملكه من سنة ٧ق.م إلى سنة ٤٠ بعده، وكان حما هيرودس أنتيباس رئيس الربع في الجليل؛ وحاربه لأنه طلق ابنته وتزوج بهيرودية امرأة فيلبوس أخيه، وخلف الحارث هذا ابنه ملكوس الثاني من سنة ٤٠ إلى سنة ٥٧ بعد المسيح، ودام على كرسي الملك لا أقل من ثلاث وثلاثين سنة، وأنجد فسبسيان في حربه مع اليهود سنة ٦٧، وخلفه ابنه دابل من سنة ٥٧ إلى سنة ١٠٥، وكانت أمه وصية عليه واسمها صقلية، ثم اشترك في الملك مع امرأته المسماة جميلة، ودام حكمه لا أقل من خمس وعشرين سنة، ولعله كان الملك الأخير من النبطيين الذي ذل أمام كرنيليوس بالما قائد جيش ترايان الذي أخضع العربية سنة ١٠٥، وكان هؤلاء النبطيون يكتبون ويتكلمون باللغة الآرامية.

(٧) في بعض المشاهير الدنيويين بسورية في القرن الثاني

  • من هؤلاء المشاهير بولودر: ولد في دمشق سنة ٦١، وكان مهندسًا شهيرًا، وهو الذي بنى لترايان جسرًا على نهر الدانوب، وهو الذي أقام له في رومة العمود المعروف باسمه وغيره من الآثار التي لها المحل الأول في غريب الصناعة، ثم قتله الملك أدريان سنة ١٣٠.
  • ومنهم إميل بابينيان: وكان من بيروت وأستاذًا في مدرسة الفقه فيها، وهو أشهر الفقهاء الرومانيين، وكان سبتيموس الملك من رفقائه في المدرسة، ويُروى أنه كان نسيبًا للملكة جولية دمنة بنت كاهن حمص؛ ولذلك أعزه هذا الملك وقربه إليه، وعند موته أوصاه بابنيه كركلا وجيتا، فقتل كركلا أخاه وكلف بابينيان أن يخطب بتبرئة ساحته من القتل، فقال له: إن اقتراف معصية القتل لأسهل من التبرئة منها، واتهام البريء بعد قتله لهو قتل آخر، فسخط عليه كركلا وقطع رأسه، وله تآليف عديدة منها سبعة وثلاثون كتابًا في المباحث، وتسعة عشر كتابًا في الأجوبة، وعدَّه واضعو الشرائع في أيام توادوسيوس في جملة الفقهاء الخمسة، الذين تنزل أقوالهم منزلة شريعة، وإذا تعارضت أقوالهم فالعمل بقوله، ولم تصل إلينا كتبه كاملة، ولكن وُجِدَ منها ٥٩١ فقرة في شرائع يوستنيانوس.
  • ومنهم أولبيان: وذهب بعضهم أن مولده بيروت وغيرهم صور في القرن الثاني، وتوفي في القرن الثالث سنة ٢٢٨، وكان معاونًا لبابينيان، ويظهر أن الملك أليوكبل نفاه سنة ٢٢٢، ثم استرده إسكندر ساويروس وأقامه في منصب فحص الدعاوى، ثم عضوًا في ديوان مشورة الملك ثم رئيسًا على الحرس مع إيلائه القضاء، واستمر في هذا المنصب إلى أن قتله الحرس سنة ٢٢٨، وله تآليف وأهمها تفسيره بعض الشرائع، وتوصف تآليفه بالبتات والوضوح، وفي شرائع يوستنيانوس ٢٤٦٢ فقرة منها، وبقي من تآليفه كتابه الموسوم بالكتاب المفرد في القواعد طبع سنة ١٥٤٩.
  • ومنهم يوليوس بولس: وهو من الفقهاء الرومانيين، وذهب بعضهم أن منشأه صور وغيرهم بادوا في إيطاليا، وقد أربى على جميع الفقهاء الرومانيين بكثرة تآليفه حتى عُد له منها ثمانون كتابًا، ومنها في شرائع يوستنيانوس ٢٠٨٠ فقرة.
  • ومنهم مكسيموس الصوري: وهو فيلسوف أفلاطوني ولد بصور في القرن الثاني، وله ٤١ مقالة في المباحث الفلسفية والأدبية، ونفسه فيها جلي عذب وترجمت إلى الإفرنسية، وطبعت سنة ١٨٠٢، وذكر أوسابيوس في الكرونيكون أنه كان في هذا القرن فيلسوف آخر اسمه تورس لم نعثر على شيء من ترجمته، وكان أيضًا في هذا القرن تريفون اليهودي، وكان أشهر اليهود في عصره وكان أيضًا لوسيان السيمساطي، وسماه بعضهم فولتير عصره؛ لأنه كتب كتبًا يندد فيها بعادات الناس وأوهام معاصريه، ويتهكم على مدارس الفلاسفة وعلى الأديان، وكان في هذا العصر على الأرجح فيلون الجبيلي الشهير، وقد أذاع كتابًا في تاريخ الفونيقيين قائلًا: إنه ترجمة لكتاب وضعه سنكونياتون البيورتي، وبقي لنا منه شيء في كتاب أوسابيوس في الاستعداد الإنجيلي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤