الفصل الرابع

في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني

(١) في بطاركة أنطاكية وأساقفة أورشليم بهذا القرن

بعد أوديوس الذي استخلفه القديس بطرس بأنطاكية قام بها القديس أغناطيوس، وتوفي شهيدًا سنة ١٠٧ أو سنة ١١٠، وخلفه هرون ثم كرنيليوس ثم أورس ثم توافيلوس سنة ١٧١، وله تآليف منها ثلاثة كتب في رسوم الإيمان وكتاب في رد بدعة هرموجانوس، وله كتب أخرى في شرح مبادئ الإيمان، ذكرها القديس إيرونيموس في جدوله في المؤلفين البيعيين، وخلفه مكسيمنوس أو مكسيموس ثم سرابيون سنة ١٩٩، وله تآليف ذكرها القديس إيرونيموس أخصها رسائل ردًّا على أبولينار.

وأما في أورشليم فقام من الأساقفة بعد القديس سمعان الشهيد المار ذكره يهوذا الملقب البار، ورد كثيرين من اليهود والأمم ورقد بالرب سنة ١١٣، وقام بعده أحد عشر أسقفًا كانوا من أهل الختان ويهوذا الأخير منهم بقي حيًّا إلى سنة ١٤٨، وخلفه مرقس من الأمم ثم كسيانوس إلى أغابيطوس الذي توفي سنة ١٨٧، وذكر أوسابيوس في الكرونيكون ثمانية أساقفة بعده إلى نرسيس الذي استمر في الأسقفية إلى سنة ٢١٢، وقال: إن أسماء هؤلاء الأساقفة كانت محفوظة في خزائن كنيسة أورشليم ولم يذكر إلا أسماءهم.

(٢) في المشاهير الدينيين بالقرن الثاني

منهم القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ولد بنابلس سنة ١٠٣ وثنيًّا وتضلع بالفلسفة على مذهب أفلاطون، ثم تنصر وأكب على مطالعة الأسفار المقدسة وسار إلى رومة، وأنشأ مدرسة للفلسفة المسيحية ورفع حينئذٍ عريضة للملك أنطونينوس بيوس وأبنائه ورجال الندوة يدافع بها عن المسيحيين، ويبين ما يعاملون به النصارى من القسوة لمجرد كونهم مسيحيين، ثم أتى إلى إفسس والتقى بتريفون اليهودي، وكان بينهما الجدال المثبت في تأليف هذا القديس وأبكم تريفون بصحة مجيء المسيح، ثم عاد إلى رومة وجادل كراشان الفيلسوف بحضرة شهود كثيرين، فأفحمه ورفع حينئذٍ إلى الملك مرقس أورليوس والندوة محاماته الثالثة فقبض عليه والي رومة، ومعه غيره من المسيحيين، فجلدهم أولًا ثم قطع رءوسهم سنة ١٨٥، وفي رواية أخرى سنة ١٦٨، وله تأليف يرد به مزاعم الأمم وتأليف آخر سماه التفنيد لجميع البدع وكتاب في ملكوت الله وآخر في النفس البشرية.

ومنهم تاسيان وكان تلميذًا للقديس يوستينوس وفيلسوفًا أفلاطونيًّا، ولد بسورية سنة ١٣٠ وثنيًّا ثم تنصر، وكتب كتابًا وسَمَه بخطاب لليونان، لكنه بعد موت القديس يوستينوس توحل ببدعة القنوعين الذين كانوا يمنعون من شرب الخمر وعقد الزواج، وروى نطاليس إسكندر أنه كتب عدة كتب لم يبق منها إلا كتابه في رد مزاعم الأمم، وهو معلق على تأليف القديس يوستينوس في المجلد الأول في مكتبة الآباء اليونانيين، وله كتاب في توفيق الأناجيل عثر على ترجمته العربية العلامة السمعاني في المشرق، فأتى بها إلى مكتبة الوتيكان.

ومنهم هجيسيوس أصله يهودي، فتنصر وذكره أوسابيوس (ك٤ من تاريخه ف٨)، وقال: إنه كتب في إنذار الرسل خمسة كتب، وأنه استشهد بأقواله مرات والظاهر من كلامه أنه بقي حيًّا في أيام الملك أدريان الذي ملك من سنة ١١٧ إلى سنة ١٣٨، ويأسف كثيرًا على فقدان كتبه التي يظن أنه جمع فيها كل ما كان في الكنيسة منذ إنذار الرسل إلى أيامه.

(٣) في الشهداء بسورية في هذا القرن

ذكرنا من هؤلاء الشهداء القديس أغناطيوس بطريرك أنطاكية والقديس سمعان أسقف أورشليم والقديس يوستينوس، وجاء في الكتاب الموسوم بسورية المقدسة أن فيلون شماس كنيسة ترسيس وأغابيتوس شماس كنيسة أنطاكية وشِي بهما أنهما اتبعا القديس أغناطيوس إلى رومة، وأحضرا ذخائره إلى أنطاكية، فأشخصهما والي أنطاكية وأجرى عليهما أعذبة مبرحة، فنالا إكليل الشهادة سنة ١٠٩ في أيام ترايان الملك، وكذلك أجرى على فوقا البطريق الأنطاكي فإنه وشِي به أنه يشجع المؤمنين على تحمل الاضطهاد، فعذبه الوالي فنال إكليل الشهادة سنة ١١٤، وجاء في الكتاب المذكور أيضًا أن القديس لاونسيوس نال إكليل الشهادة بأطرابلس مع أيباسيوس وتريبوتس وتوادورس في أيام أدريان الملك.

وقد استشهد في أباميا القديسان غايوس وإسكندر في أيام الملك أنطونينوس بيوس، وحاز إكليل الشهادة بدمشق القديس بولس وتاتا امرأته مع أربعة من أنسبائها وحازته ببعلبك القديسة أودكسيا … ذكرها توادوريطوس، وقال: إنها كانت امرأة شريفة قبلت الإيمان ونصرها تيودوس أسقف بعلبك، وكان استشهادها في آخر سني الملك ترايان، وليس هؤلاء كل الشهداء بسورية في القرن الثاني بل من عرفناهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤