الفصل الثاني

في تاريخ سورية الديني في القرن السابع

(١) في بطاركة أنطاكية في هذا القرن

بعد وفاة إنسطاس الثاني نحو سنة ٦١٠ خلا كرسي أنطاكية من بطريرك مدة نحو ثلاثين سنة، ونحو سنة ٦٤٠ أقيم مكدونيوس بطريركًا على أنطاكية، وكان من أصحاب المشيئة الواحدة في المسيح، ويظهر أنه بقي حيًّا إلى سنة ٦٥٥، وكانت إقامته في القسطنطينية، وخلفه مكاريوس وأقام في القسطنطينية أيضًا، وكان حيًّا سنة ٦٨٠ أو سنة ٦٨١ اللتين كان فيهما المجمع السادس الذي حرمه لإصراره على بدعة المشيئة الواحدة، وأرسله الملك إلى رومية، ومات فيها مصرًّا على ضلاله وأقام هذا المجمع توافان بطريركًا على أنطاكية، ودبر كرسيها إلى سنة ٦٨٥.

والصحيح أن كرسي أنطاكية لم يقم عليه بطريرك من الروم، أو الملكية بعد موت توافان إلى سنة ٧٤٣ على ما روى توافان في تاريخ السنة الثانية لقسطنطين الزبلي، وهي سنة ٧٤٣ وتوافيلكتوس في تاريخه: «نعم ورد اسم جيورجيوس في التواقيع الملحقة بأعمال مجمع قصر الملك الذي عقد في القسطنطينية سنة ٦٩١»، ولكن حقق لاكويان أن توقيع جيورجيوس زيد من يد كاتب آخر على هذه التواقيع.

والذي خلف توافان في كرسي أنطاكية إنما هو القديس يوحنا مارون الذي كان يوحنا الفيلادلفي نائب الحبر الروماني في بطريركيتي أنطاكية وأورشليم قد أقامه أسقفًا على البترون؛ ليحفظ رعيته من عدوى بدعة المشيئة الواحدة، فأساقفة السريان الموارنة اختاروه بعد وفاة توافان سنة ٥٨٥ بطريركًا على أنطاكية خاصًّا بهم؛ ليبعدوا شعبهم عن البدعة المذكورة التي كانت قد فشت في بطريركية أنطاكية كما أثبت البابا بناديكتوس الرابع عشر في خطبته بكرادلة الكنيسة الرومانية في ١٣ تموز سنة ١٧٤٤، ومن هذا القديس ابتدأت سلسلة بطاركة الموارنة الأنطاكيين، وهي ثابتة بنعمة الله إلى الآن وتوفي هذا البطريرك سنة ١٧٠٧.

أما مؤلفاته فهي أولًا: نافور القداس المشهور باسمه، ثانيًا: كتاب إيضاح الإيمان أنفذه إلى اللبنانيين من دير القديس مارون على العاصي موردًا فيه شهادة من نحو من ثلاثين أبٍ في إثبات عقائد الإيمان الكاثوليكي، ثالثًا: كتابه في رد مزاعم اليعاقبة والنساطرة، رابعًا: رسالته في التريصاجيون أي: التقديسات الثلاثة مثبتًا فيه أنه لا يزاد عليها: «يا من صلبت لأجلنا ارحمنا.» إلا متى كانت موجهة إلى الأقنوم الثاني ابن الله الذي تجسد من أجلنا، خامسًا: كتابه في الكهنوت مقسومًا إلى أربعين فصلًا، وقد أثبتنا نسبة صحة هذا الكتاب إليه في تاريخنا المطول، وفي كتابنا الموسوم بروح الردود، سادسًا: كتابه في شرح رتبة القداس وقد أثبتنا نسبته إليه في الكتابين المذكورين، وأما هل كتب شيئًا في بدعة المشيئة الواحدة، فظن السمعاني أنه لم يكتب شيئًا لأسبابٍ ذكرها العلامة المذكور، ولكن أثبت البطريرك يوسف إسطفان ببراهين قاطعة أنه كتب كتابًا ضد هذه البدعة، وإن لم يصل إلينا، ورد على ظن السمعاني ورجحنا في تاريخه رأي العلامة البطريرك يوسف إسطفان.

(٢) في بطاركة أورشليم في القرن السابع

توفي عموص البطريرك الأورشليمي، فخلفه إسحق مدة ثماني سنين وقام بعده زكريا، وأخذه كسرى ملك الفرس مع خشبة الصليب المقدس إلى فارس، ثم عاد من منفاه سنة ٦٢٩، وخلفه موديست الذي كان يدير البطريركية مدة نفيه سنة ٦٣١ وتوفي سنة ٦٣٣، فخلفه سفرونيوس سنة ٦٣٤، وهو الذي كان في أورشليم عند فتح المسلمين لها وهو الذي أشار على سكانها أن يستسلموا على يد الخليفة عمر بن الخطاب، وتوفي سفرونيوس نحو سنة ٦٤٤، وخلا كرسي أورشليم من بعده سنين متطاولة، وأناب الحبر الروماني في تدبير أمورها يوحنا أسقف فيلادلفيا (وهي عمان)، ثم عمم ولايته إلى بطريركية أنطاكية أيضًا، والظاهر أنه لم يقم بعد سفرونيوس بطريرك على أورشليم إلا في مبادي القرن الثامن.

(٣) في بعض المشاهير بسورية في هذا القرن

توما الحرقلي أسقف مرعش

كان من قرية حرقل في فلسطين على الأصح، وقد تهذب في أحد الأديار ثم صير أسقفًا على مرعش وكان يعقوبيًّا، وعني في ترجمة الأناجيل وغيرها من الأسفار المقدسة من اللغة اليونانية إلى اللغة السريانية بعد أن كان إخسنيا أسقف منبج قد وضع مثل هذه الترجمة قبل نحو مائة سنة، وترجمة الحرقلي هذه مشهورة عند اليعاقبة، ويستعملونها في كتب قداساتهم وصلواتهم الفرضية مع أن جميع السريان عدا اليعاقبة يستعملون النسخة السريانية المعروفة بالبسيطة المذاعة في الكنيسة السريانية منذ أيام الرسل، وله أيضًا نافور للقداس ذكره الدويهي في فصل ٧ من مؤلفي التواقير من كتابه المنائر العشر.

يوحنا أسقف بصرى بحوران

كان أسقفًا على العرب المتنصرين في حيرة النعمان، وتوفي سنة ٦٥٠، وألف نافورًا ترجمه رينودوسيوس في مجلد ثانٍ من كتابه في اللوزجيات، ويظهر منه أنه يعقوبي ويظهر أنه كتب شيئًا في تفسير الأسفار المقدسة.

يوحنا أسقف فيلادلفية

كان أسقفًا على فيلادلفية (وهي ربة عمون القديمة وعمان الآن) أقامه القديس مرتينوس الأول البابا نائبًا له في المشرق، ولا سيما بطريركيتا أنطاكية وأورشليم، إذ كان بطاركة أنطاكية من أولي البدعة، وكان كرسي أورشليم خاليًا من بطريرك؛ ليقيم فيها كهنة وشمامسة، ويقبل من أراد أن يرعوي من أصحاب البدع، وكتب إلى غيره من الأساقفة ليكونوا معاونين له في مهامه، فأقام يوحنا المذكور سنين متطاولة يجاهد في هاتين البطريركيتين بمناصبة البدع، وتشجيع المؤمنين وإقامة الأساقفة والكهنة، ومن جملة من رقاهم إلى الأسقفية القديس يوحنا مارون إلى أسقفية البترون نحو سنة ٦٧٥ … وفي رواية أنه أخذه إلى رومة، فأقامه البابا سرجيوس الذي كان سوريًّا بطريركًا على أنطاكية، ولا نعلم متى توفي يوحنا الفيلادلفي، وقلما عرفنا من الأساقفة غير هؤلاء في هذا القرن، فإن الاضطرابات السياسية التي كانت حينئذٍ في سورية بسبب فتح الخلفاء لها أوقفت اجتماعات الأساقفة، وكتاباتهم الهامة التي تؤخذ عنها أسماؤهم وأخبارهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤