الفصل الثامن

في تاريخ سورية الديني في القرن الخامس عشر

(١) في بطاركة أنطاكية وأورشليم في هذا القرن

يظهر من جدول السمعاني لبطاركة أنطاكية أن ميخائيل الثاني، الذي كان في أيام تيمور لنك خلفه بخوميوس ثم مرقس ثم يواكيم، ولا نعلم غير ذلك من تاريخ هؤلاء البطاركة الذين كانوا في الثلث الأول من هذا القرن، ونعلم أن دوروتاوس الأول كان في أيام المجمع الفلورنسي الذي عقد سنة ١٤٣٣، واستمر إلى سنة ١٤٤٣، وناب عنه في هذا المجمع إيسيدوروس مطران روسيا، ويظهر أنه كان في أنطاكية سنة ١٤٦٠ بطريرك كاثوليكي سمي دوروتاوس أرسل موسى رئيس شمامسة كنيسته إلى البابا بيوس الثاني مقرًّا برياسته، وبما رسم في المجمع الفلورنسي كما يظهر من كتاب أعمال هذا البابا … وفي الجدول الواتيكاني أن دوروتاوس الأول المذكور خلفه مرقس أسقف صيدنايا، وسمي ميخائيل، وقام بعده توادوروس الخامس ثم ميخائيل الرابع، ثم دوروتاوس الثاني ثم ميخائيل الخامس ثم دوروتاوس الثالث، ولا يعلم في أية سنة كانت ترقية هؤلاء البطاركة، ولا في أية سنة كانت وفاتهم.

وكان على أنطاكية من بطاركة الموارنة داود، وتوفي سنة ١٤٠٤، وخلفه يوحنا الجاجي وهو الذي نقل الكرسي البطريركي إلى قنوبين، وتوفي سنة ١٤٤٥ وخلفه البطريرك يعقوب بن عيد الحدتي وتوفي سنة ١٤٦٨ وخلفه البطريرك بطرس الحدتي أخو البطريرك يعقوب المذكور، وتوفي سنة ١٤٩٢ وخلفه ابن أخيه البطريرك سمعان الحدتي، واستمر على البطريركية إلى سنة ١٥٢٤، وأما في أورشليم فبعد وفاة توافيلوس المار ذكره خلفه توافان سنة ١٤٣٠، ثم يواكيم وكان بطريركًا حين انعقاد المجمع الفلورنسي، وخلفه توافان الثالث ثم إبراهيم ثم يعقوب الثالث ثم مرقس الثالث … ولا ذكر في كتب الروم لهؤلاء البطاركة الثلاثة ربما لاتحادهم بالكنيسة الرومانية، مع أنهم كانوا في القرن الخامس عشر سندًا إلى شهادة مؤرخين كانوا في هذا العصر وأحدهم إبراهيم كان كاثوليكيًّا حقًّا، وتوفي سنة ١٤٦٨ وخليفته يعقوب كان عالمًا بالأسفار المقدسة وجدد بناء كنيسة القبر المقدس، وتوفي سنة ١٤٨٢ ومرقس كان يوقع اسمه «مرقس الكاثوليكي برحمة الله مطران بيت لحم وبطريرك أورشليم وسورية والعربية وعبر الأردن»، وخلفه غريغوريوس الثالث ودبَّر كنيسة أورشليم ستًّا وثلاثين سنة.

(٢) بعض المشاهير الدينيين في القرن الخامس عشر

من هؤلاء نوح البقوفاوي بطريرك اليعاقبة، ولد نوح هذا ببقوفا إحدى قرى شمالي لبنان سنة ١٤٥١، وتبع غواية اليعاقبة فصيروه أسقفًا على حمص لتدبير سائر اليعاقبة المتوطنين بفونيقي، وفي سنة ١٤٩٠ جعله بطريركهم مفريانًا في المشرق ثم توفي هذا البطريرك، فخلفه نوح في بطريركيته سنة ١٤٩٤ ومن تآليفه كتاب اشتمل على ثمانٍ وستين قصيدة سريانية منها ثلاث في لبنان وثمانٍ في رهبان لبنان، وله ثلاث مقالات عربية الأولى في معتقد اليعاقبة، والثانية خطبة في إيمان السريان، وهي تقريظ لليعاقبة، والثالثة في بشارة العذراء عنونها «ميمر قاله نوح في الموصل سنة ١٤٩٤ من أجل معاندين مريم والدة الله، ولا يعملون عيد البشارة المجيد»، وله أيضًا تاريخ موجز ضمنه أخبار ما كان من الأحداث في المشرق، ولا سيما في الجزيرة (ما بين النهرين) إلى أيامه أي: إلى سنة ١٤٩٦، ويظهر أنه توفي بعد سنة ١٥٠٨.

ومنهم المطران جبرائيل اللحفدي المعروف بابن القلاعي، ولد بلحفد إحدى قرى لبنان في أواسط القرن الخامس عشر وضوى إلى رهبانية القديس فرنسيس سنة ١٤٧١، فأرسله رؤساؤه إلى رومة لاقتباس العلوم وعاد منها سنة ١٤٩٣، وأقام بلبنان مناضلًا بخطبه ورسائله المقدم عبد المنعم مقدم بشري، ومرشدًا العامة إلى التشبث بالإيمان القويم، وألف في سنة ١٤٩٤ كتابًا يحقق فيه اتحاد الملة المارونية من أقدم الأيام بالكنيسة الرومانية، وسماه مارون الطوباوي ورفعه إلى البطريرك سمعان الحدتي وأساقفته، ثم رقاه البطريرك المذكور إلى أسقفية الأفقسية بقبرس، وما برح مرشدًا معلمًا عاكفًا على تأليف الكتب والرسائل … فله كتاب في القوانين البيعية، وكتاب مواعظ وكتاب في الاعترافات وكتاب في رياسة الأحبار الرومانيين وأخبارهم، وكتاب في الملوك الرومانيين، وكتاب في علم ما وراء الطبيعة، وآخر في الإيمان القويم وأسرار حياة المسيح، وجمع البرات المنفذة من الأحبار الرومانيين إلى بطاركة الموارنة من إينوشنسيوس الثالث إلى لاون العاشر، وكتب نحوًا من خمسمائة رسالة ونظم قصائد كثيرة، وإن كانت منحطة لغةً فهي كثيرة الفائدة وتوفي سنة ١٥١٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤