اليوم السابع والعشرون (السبت ١٦ يونيو سنة ١٩٠٠)

في صباح هذا اليوم احتشدت الخلائق بالقسم المصري بجهة التروكاديور؛ لحضور الاحتفال بافتتاحه على يد الأمير الجليل دولتلو الپرنس محمد علي باشا شقيق ولي النعم مولانا الخديوي الأفخم، وتقاطر المدعوون من الأكابر والأشراف من أهل فرنسا والغرباء إلى ساحة الاحتفال، وكذلك معظم المصريين الموجودين الآن بپاريس، لبّوا الدعوة وسارعوا بالحضور للاشتراك في تفخيم الاحتفال، وإعطائه حقه من الرونق والبهجة والجلال.

فلما أزفت الساعة الحادية عشرة قبل الظهر بالتمام، إذا بالتهليل والتكبير في الآفاق، وإذا بالطبل والمزمار يعزفان بالنشيد الخديوي، إشعارًا بوصول دولة الپرنس في موكبه السعيد؛ فوقفت الجموع بخشوع، وانفرج الازدحام بانتظام؛ إجلالًا لمقام الوافد الكريم، وتقدم لاستقباله عند نزوله في باب يانا مديرو شركة المعرض المصري، وهم جناب الخواجه فيليب فضل الله بولاد وعزتلو السيد مصطفى بك الديب، وجناب الخواجه ديمتري حبيب بولاد، ثم ساروا في خدمته الشريفة حتى وصل بعد خطوات قليلة إلى رحبة أمام باب المعبد المصري، فتقدم للتشرف بالسلام عليه أكابر الحاضرين من مصريين وفرنساويين. ثم سار الجميع خلفه بسكينة ووقار، حتى وصل دولته إلى الباب، فانفرج أمامه ودخل الهيكل المصري، ووقف بجانب تمثال من الرخام الناصع، يمثل صورة مولانا المحبوب عباس باشا الثاني، وتبعه في الدخول الجم الغفير من الكبراء العظماء مثل جناب الموسيو أرنست كارنو مساعد مدير عموم المعرض ومندوبي إنكلترة وأمريكا والبرتقال وعائلة دولسپس كلها والپرنس وزينوسكا والبرنسس زوجته١ والپرنس حيرد وقنصل جنرال الدولة العلية وبوغوص باشا نوبار، وبارو باشا ومحمد بك عرفي، وأحمد بك خيري، ومحسن بك راسم، ومحمود بك صديق، وبطرس بك مشاقه، وعز الدين بك شريف، ومحمد بك فريد، وحسن بك رفقي، والخواجه جرجي الخياط، وإسماعيل بك عاصم المحامي، والدكتور الكحال أمين أفندي أبو زيد، وجناب الموسيو باربييه دومينار من أكبر علماء فرنسا ومدير مدرسة اللغات الشرقية بپاريس، وجناب الموسيو هوداس من أكبر أساتذتها، وكافة أرباب الأقلام وأصحاب الجرائد، وطائفة كثيرة من أعيان الأمريكان، وسائر إخواننا المصريين، وخصوصًا الطلبة الموجودين بهذه العاصمة الآن.

وبعد أن وقف هذا الجمع العظيم في هذا المعبد البديع، أعلن دولة الأمير بافتتاح المعرض منذ اليوم للجمهور، فلبثوا برهة يتأملون في معجزات الأسلوب المصري القديم في فن البناء والزخرفة، ثم ساروا خلف الأمير الفخيم إلى قاعة أخرى في الوكالة العربية، مفروشة بالسجاجيد الكبيرة الغالية القيمة، وسيكون فيها سينماتوغراف كبير (أي آلة الصور الفوتوغرافية المتحركة) لتمثيل هيئات المصريين الآن وأحوال معائشهم على ضفاف النيل. ثم انتقلوا إلى حوش الوكالة العربية الجميلة، ومنه صعدوا إلى الدور العلوي، وحينئذ وقف الجميع مبهوتين، معجبين ببدائع الصناعة العربية في البناء والنقش والزخرفة. فقد اجتمعت محاسنها كلها في غرفة جميلة أنيقة، تمثل البهو المشهور في دار الوكالة السياسية الفرنساوية بمصر القاهرة، ثم نزلوا إلى التياترو المصري، وهو عبارة عن هيكل بديع يمثل أحسن ما صنعه الفراعنة، وأبقاه الدهر لفخر مصر. وبمجرد وصول الجموع ارتفع الستار عن مئات من المشخصين والمشخصات، بين مصريين وأحباش، وسودانيين وشوام، وقامت الجوقة كلها بتلحين النشيد الخديوي والفرنساوي بغاية الانتظام في الأصوات والآلات. ثم شخَّصوا ثلاثة فصول من رواية حماسية تمثل عنترة العبسي بطل الجاهلية. وبعد ذلك انفضَّ الاحتفال على أجمل منوال وأكمل حال، وخرج دولة البرنس مودَّعًا بالعيون مشيَّعًا بالقلوب بغاية الإكبار والإجلال.

وقد أعجب الإفرنج عمومًا بما رأوه في هذا اليوم. وأما الجرائد فقد خصصت كلها فصولًا ضافية لوصف الاحتفال، والمبالغة في الإطراء على المعرض المصري والقائمين بتنظيمه.

•••

وهنا لابد لي من الانتقاد على إدارة المعرض العام، فإنه لم يبلغ للآن كمال الانتظام. فمن ذلك أن الإدارة تعلن في كل أسبوع مرة أو مرتين عن ليالي الزينة والوقود، فيجيء الميعاد ولا تكون الأنوار كما في الحسبان؛ لأن الأسلاك قد انقطعت، أو باتت غير صالحة لنقل التيار، أو تكون غير واصلة للجهات المطلوبة، أو سارية في جهات نساها المهندسون، أو غير ذلك من الفلتات والغلطات، أو تكون الآلات غير وافية بحاجة المعرض، بالنسبة لمساحته الكبيرة أو نحو ذلك من العوائق المتجددة المتوالية، وبعد التي واللتيا، توصلوا في الأسبوع الماضي لجعل النور كافيًا وافيًا، حتى كان هذا الصباح فإذا بنبإ وصل لنا بأنه قد حيل بين كثير من الأقسام وفي جملتها المصري، وبين تيار الكهرباء، ولذلك لم يكن في الإمكان تشغيل السينماتوغراف، وتمثيل معيشة المصريين أمام الأنظار، وهذا مما يوجب الأسف الكثير؛ لأن هذه المناظر غريبة جدًّا: فمن جملتها هيئة الاحتفال بموكب المحمل الشريف، كما نراها في القاهرة بالتمام، وهيئة صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في جامع عمرو بن العاص بمصر القديمة، وحضور عزيز مصر للصلاة بموكبه الحافل، وكان عدم وصول التيار الكهربائي سببًا أيضًا في عدم اختتام الاحتفال برؤية قبور الأقدمين من الفراعنة؛ لأن السراديب بقيت في ظلامها الحالك، مع أني رأيتها قبل اليوم فإذا بها تمثل مدافن القوم كما هي منقورة في حميم الجبال أو قيعان الرمال وحولها الحنوط والأكفان والمسارج والتمائم وغير ذلك مما نراه في الصعيد بالتمام.

•••

أنتقل الآن لوصف القسم المصري وتمثيله لأنظار القراء فهو يشتمل على ثلاثة أقسام:
  • أولها: المعبد المصري.
  • ثانيها: الوكالة العربية.
  • ثالثها: التياترو.
figure
الواجهة الأصلية البحرية للقسم المصري على سكة يانا (أ) واجهة التياترو (ب) واجهة الوكالة العربية (ج) هيئة سبيل الكيخيا بالنحاسين (د) واجهة معبد دندور.

أما المعبد: فهو قائم على الزاوية الواقعة بين سكة يانا وشارع مجد بورج، ومساحته تبلغ ٥٠٠ متر مربع تقريبًا، ويُصعد إليه بدرجات رحيبة كبيرة توصل إلى بابه الفخيم، المزدان بعمدان في غاية الارتفاع والجمال.

واجهته الأصلية البحرية تطلُّ على سكة يانا، وتمثل هيئة أحسن هيكل أبقاه الزمان، من عمائر المصريين الدينية في أيام البطالسة: وهو هيكل دندور، ببلاد النوبة، وقد اختاروه لبقائه محفوظًا من عبث الزمان، وعبث الإنسان، ولبعده الشاسع عن القاصدين والزائرين.

وواجهته الشرقية قائمة على شارع مجد بورج. وفيها تمثال سيتي الأول مجسمًا منقولًا عن هيكل أبيدوس، ونقوش بارزة عن الهيكل المذكور، وعن هياكل عابد القرنة، وأبو سمبل، والكرنك، وصورة قبر رمسيس الثالث، وهيئة الرعاة بمواشيهم، والنوتية بزوارقهم في تلك الأحقاب الخالية، وصورة قبور سقارة، وتمثال يحاكي أحد الأنصاب المقامة في هيكل أبو سمبل وغير ذلك.

وأما واجهته الخلفية أو القبلية: فهي تحاذي قسم المعرض الياباني، وتطل على نهر السين، وتمثل هيئة قصر أُنس الوجود (أو معبد بلاق) بالقرب من شلّال أسوان، وتزدان بعمدان تحاكي تلك التي انتهى إليها الإبداع والإتقان، والجمال والكمال في ذلك الهيكل المشهور، الذي لم يترك مقالًا لقائل، بل لا يزال محلًّا للإعجاب المتوالي، على مدى الدهور والعصور.

وأما الجهة الرابعة: فهي محل الاتصال بين المعبد والوكالة العربية. والهيكل يزدان من داخله بعمدان جميلة بديعة الصنعة، تحيط ببهوه الفسيح، وفيه رواميز ونموذجات، لقليل من المحصولات والمصنوعات المصرية، مثل القطن بشجيراته أو ببزرته أو بعد حليجه، ومثل القمح بسنابله ونحو ذلك، وبعض العطور المصرية والسجاجيد والأسلحة.

ولكن الذي يوجب الأسف الكبير، أنه لا يمثل حالة مصر، ولا درجة تقدمها في هذه الأيام؛ إذ لا يرى الزائر فيه شيئًا يستدلُّ به على حركتها في التجارة والصناعة، والعلم والأدب، ولذلك فالمعروض فيه لا يكاد يذكر.

وتحت الهيكل قبور تمثل التي كان المصريون ينحتونها في متون الجبال أو بطونها لحفظ أجسادهم من التلاشي والزوال، وفيها موميات كثيرة صحيحة مما عثر عليه الباحثون في وادي النيل.

وأما الوكالة: فلها واجهتان، إحداهما بحرية على سكة يانا، والأخرى قبلية تطل على معرض اليابان وعلى نهر السين، ومسطحها يبلغ ١٢٠٠ متر مربع تقريبًا، وفيها تتمثل حقيقة حالة المعيشة في مصر الآن. وكلها مبنيَّة على الطراز العربي الجميل.

وتتصل واجهتها مع المعبد بسبيل بديع، يحاكي الذي شاده الأمير عبد الرحمن كتخذا، ولا يزال باقيًا للآن بشارع النحاسين بقسم الجمالية في مصر القاهرة.

وبابها منقول عن باب بديع جميل يكاد يكون عديم النظير: أعني به ذلك الباب الذي طالما مَرَّ أمامه المصريون أفواجًا، وهم لا يلتفتون إلى جماله، ولا يشعرون بندرة مثاله، هو باب وكالة النحاسين المعروفة الآن بوكالة القطن، في سوق خان الخليلي. وهنا أرجو القارئ أن يتوجه إليه، حتى إذا ما وقف أمامه شاركني في الإعجاب والاستحسان، وشكرني على هذا الإرشاد؛ بل شكر شركة المعرض على سلامة الذوق وحسن الاختيار.

وفوق الباب: قبة بديعة تمثّل تلك القباب التي كان يتفاخر بها المماليك أيام دولتهم، ويتأنَّقون في زخرفتها فوق مساجدهم وأضرحتهم. وهي كثيرة الشبه بقبة مسجد قايتباي بالصحراء (أي بالقرافة): ولكن القبة الأصلية أجمل وأفضل.

وعلى يمين الوكالة ويسارها؛ بابان آخران، يمثلان بعض المداخل التي قد يمرُّ القارئ أمامها، ولا يكاد يلتفت إليها: وأحدهما بالغورية والثاني بشارع الأزهر. فمن هَزَّه حبُّ الاستطلاع إلى زيادة الوصف والبيان، فليتوجه إلى هذين الشارعين، وليبحث عن أجمل بابين، لينظر هذا الجمال في العمارة والبناء.
figure
الواجهة الغربية وهي تمتد على طول التياترو وتحتها دكاكين لبيع البضاعة الشرقية.

وإذا دخلنا من باب الوكالة، تمثَّلت أمام عيوننا مصر وما فيها، وتخيَّلنا أنفسنا على ضفاف النيل، من رؤية الملابس وسماع الأصوات، ومشاهدة الهيئات والحركات التي تنقلنا إلى الوطن المحبوب، نقلًا يقارب الحقيقة أو يضارعها بالتمام، فكأنهم نقلوها بقوة السحر، ركنًا من أركان مصر في هذا العصر، وأودعوه في هذه البلاد، تحفة للقُصَّاد، ونجعة للروَّاد، وفي دهليز الوكالة «وحوشها» دكاكين صغيرة وكبيرة مشحونة بالبضائع والأسباب وفيها مئات من المتَّجرين على اختلاف الأصناف والأنواع.

ولكن يلزمنا أن نرجع إلى الباب، لننظر (التبات) وقد بلغ منتهاه، نرى رجلًا متمشيًا متكئًا على مكسلة الباب بهيئة تمثِّل الكسل، ومرتديًا بالجبة والقفطان، وفوق رأسه عمامة لا تعرفه ولا يعرفها، إلا في هذه الأيام.

وهو يسمي نفسه الشيخ توفيق، ويضحك على ذقون الإفرنج؛ إذ يزعم أمامهم أنه من أشياخ الأزهر، ويكتب لهم أسماءهم باللغة العربية تذكارًا لزيارتهم القسم المصري في المعرض العام.
figure
(أ) الواجهة الخلفية للتياترو. (ب) الواجهة الخلفية للوكالة. (ج) الواجهة الخلفية للمعبد الواجهة القبلية للقسم المصري، وتحتها دكاكين لبيع البضاعة الشرقية والعاديات والمخلفات المصرية.

وهم يتهافتون عليه، ولا يكادون يُفْلِتون من بين يديه، حتى لقد بلغ مكسبه في المدة الأولى من ٤٠ إلى ٦٠ قرشًا في اليوم الواحد، ولا بد له من زيادة الأرباح بنسبة الإقبال المقبل على المعرض المصري، والرواج الذي لا بد له منه.

ويا ليته كان حسن الخط!

بل بالعكس.

ويا ليته كان شيخًا حقيقيًّا فيكون مكسبه حلالًا!

بل هو الخواجه توفيق شلهوب المستخدم بقنصلاتو إيران بالإسكندرية.

ألا قاتله الله! جمع الثلاثة في واحد: فهو شامي في عجمي في مصري، وأي مصري؟ مصري متمشيخ، لكنه يستحق المدح على معرفته بأساليب انتهاز الفرصة واقتناص المكاسب بأية وسيلة، فلنتركه على الباب يتصيَّد الداخل والخارج من الغرباء، حتى يصل إلى الحد، أو يقف أو يوقف عند الحد.

وفي داخل الوكالة حوش مكشوف، يرى منه الناظر في الدور الأول «حضيرًا» فيه أروقة مثل التي بداخل المساجد والوكائل، فيصعد إليها بسُلَّم كبير، فيجد الغرفة الجميلة المعروفة (ببهو فرنسا)، وهي في دار الوكالة السياسية الفرنساوية بالقاهرة، تمثّل في منازل الأجانب غرف القصور العربية بمشربيَّاتها البديعة، بسقوفها الجميلة، بأركانها الأنيقة بزواياها الجميلة، بقاعاتها الحرمية الفاخرة، وهي التي كانت تزدان بها قصور أجدادنا وأسلافنا، فتركناها من باب الحماقة العظمى، والتقليد الأعمى، وآثرنا اتخاذ الطراز الأوروپاوي المختذل، الذي أصبح عندنا منعزلًا غريبًا منقطعًا يتيمًا، فهو لا شرقي ولا غربي، وفي هذه الغرفة الجميلة يشعر الإنسان «بطراوة» لطيفة، ناشئة عن التدبير الهندسي العربي ومراعاة لضرورات الجو في أرض مصر، وفيها السجاجيد الثمينة، والنقوش البديعة، والألوان الزاهية، والأثاثات العربية الفاخرة، مع المصابيح النحاسية، المشغولة شغلًا عجيبًا تحار فيه الأفكار، فرحمة الله على تلك الأيام!

وبجانب هذا البهو، غرفة أخرى مفروشة بالسجاجيد الفاخرة، وفيها فتاة أرمنية لم تتجاوز السبعة عشر ربيعًا. وهي جميلة، لكن الله خلقها مجرَّدة من اليدين والساعدين، وقد لطف بها في قضائه، فمنحها القدرة في رجليها على عمل كل ما يتعاطاه النساء من غزل ونسج وكنس وإصلاح شعرها بالمشط والضرب على آلات الطرب وغير ذلك. فهي والحق يقال أعجوبة من فلتات الطبيعة.
figure
الواجهة الشرقية على شارع مجد بورج وهي تمتد على طول المعبد وتحتها من اليسار أي من الجهة الشرقية القبلية باب المدافن.

أما التياترو فهو عبارة عن معبد فرعوني قديم تتقدمه — كالعادة — عمدان عالية، وتكتنفه صروح طائلة. وهو مزخرف من الداخل برسوم وتصاوير كثيرة تمثل حالة مصر القديمة.

فواجهته البحرية منقولة عن أفخر آثار الفراعنة: تزدان بأعمدة تحاكي التي في هيكل مدينة آبو.

وأما واجهته الغربية، فهي محطُّ الأنظار على الدوام: يتمثل فيها أمينوفيس الثالث وهو يتقدم أمام إلهه رع (الشمس)، وتتمثل فيها جنود مصر، وهو يقاتلون أعداءها (منقولًا عن هيكل الأقصر)، ورمسيس الثالث في موكبه الحافل (عن مدينة آبو) وهيئة مسكن ومعيشة قدماء المصريين في داخليتهم.

وأما الواجهة القبلية ففيها رمسيس وهو يُعذّر الأسارى ويعذبهم، وهو عائد من الشام مظفرًا منصورًا (عن معبد الكرنك).

وهذا التياترو يشغل مسطحًا قدره ١٠٠٠ متر مربع تقريبًا، وقد خصصوا ربعه لمرسح التشخيص والباقي للمتفرجين، وفيه جم غفير من الممثلين والممثلات يشخّصون روايات عنتر ووقائع كسرى مع العرب وغيرها … مع الأمر الذي لابد منه وهو … وهو الرقص بجميع أنواعه في الحماسة والغزل والرشاقة والخلاعة. ويا حبذا لو حذفوا منه بعض الفصول وأخصها رقص القلَّة والبطن (فإنهما على رأي المثل العامي: بالبطن). ولكن الشركة لا يمكنها أن تكسب شيئًا من المال، وتعوّض ما تكبدته من النفقات الطائلة في تشييد المعبد والوكالة، إلا إذا راعت أميال المتفرجين من الإفرنج؛ ليزيد على التياترو الإقبال ويتوالى عليها الرواج، بتوافد الأفواج على الدوام، كما أن أكابرنا والمتنورين فينا يتزاحمون على تياترو الأوپرا لرؤية الراقصات الإفرنكيات، ودفع الأجور الغالية؛ لاستئجار الكراسي والمقاصير.

ولكن الذي يجب تسطيره بالشكر والثناء هو أن مديرها الفاضل الخواجه فيليب بولاد قد راعى نواميس الآداب الشرقية بقدر الإمكان، ففصل الممثلين عن الممثلات، وجعل بينهما حجابًا حصينًا وحاجزًا منيعًا. فلا يكاد الصنفان يلتقيان إلا في ساحة المرسح أو قبله وبعده بقليل، وذلك من لوازم الضرورات التي تخرج عن حد الاستطاعة.

هذا، وقد رأيت كثيرًا من الأقسام التي شادتها الدول الأجنبية، وتحققت أن أغلبها لا يضاهي هذه العمارة المصرية البديعة في الحسن والإتقان. ولو كانت قائمة بجانب مباني الأمم الأخرى لزادت بهاءً وروَاءً، ولفاقت الأقسام المجاورة لها حسنًا وإتقانًا، لا سيما وأن الأشجار تحفّ بها الآن من أغلب الجهات فتحجب مناظرها، ومهما كان الأمر فليس كل ما يتمنّى المرء يدركه، وفي هذا القدر كفاية الآن والسلام.

١  البرنسس ويزينوسكا لها مقام جليل في كل أوروبا، وهي التي سعت في تأليف جمعية من النساء؛ لتوطيد السلام، وبلغ عدد أعضائها والمنضمين إليها خمسة ملايين ونصف مليون من سيدات العالم كله اللائي لهنَّ مقام كبير وشأن خطير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤