الجنيَّة الساحرة

إلى أين تسيرين بي أيتها الساحرة؟

حتَّامَ أتبعكِ على هذه الطريق الوعرة، المُناسبة بين الصخور، المفروشة بالأشواك، المتصاعدة بأقدامنا نحو الأعالي، الهابطة بنفسَينا إلى الأعماق؟

قد تمسكتُ بأذيالكِ وسِرتُ وراءكِ كطفلٍ يُلاحق أمه، مُتناسيًا ما بي من الأحلام، مُحدِّقًا بما فيكِ من الجمال، مُتعاميًا عن مواكب الأشباح المُتطايرة حول رأسي، مجذوبًا بالقوة الخفية الماكنة في جسدكِ.

قفي بي هُنيهة لأرى وجهكِ. انظري إليَّ دقيقة لعلي أرى في عينيكِ أسرار صدركِ، وأفهم من ملامحكِ مُخبآت نفسكِ.

قفي قليلًا أيتها الجنيَّة، فقد مللتُ المسير وارتعدتْ روحي من مخاوف الطريق. قفي فقد بلغنا مُلتقى السُّبُل حيث يُعانق الموت الحياة، ولن أسير خطوةً أخرى حتى تستعلن روحي نيات روحكِ، ويستوضح قلبي خزائن قلبكِ.

•••

اسمعي أيتها الجنيَّة الساحرة:

كنتُ بالأمس طائرًا حُرًّا أتنقلُ بين السواقي، وأسبحُ في الفضاء، وأجلس على أطراف الغصون عند المساء مُتأملًا بالقصور والهياكل، في مدينة الغيوم المتلونة التي تبنيها الشمس عند الأصيل وتهدمها قبل الغروب.

بل كنتُ كالفكر، أسيرُ منفردًا في مشارق الأرض ومغاربها، فَرِحًا بمحاسن الحياة وملذَّاتها، مُتقصِّيًا خفايا الوجود وأسراره.

بل كنت كالحلم أسعى تحت جنح الليل، وأدخل من شقوق النوافذ إلى خدور العذارى النائمات وأتلاعب بعواطفهن، ثم أقف بجانب أَسِرَّة الفتيان وأثير أميالهم، ثم أجلس بقُرب مضاجع الشيوخ وأستجلي أفكارهم.

واليوم وقد لقيتكِ أيتها الساحرة، وتسممتُ بقُبل يديكِ، فقد أصبحتُ مثل أسير أجُرُّ قيودي إلى حيث لا أدري. بل صرتُ مثل نشوان أستزيدُ من الخمر التي سلبتني إرادتي، وألثم الكفَّ التي صفعتْ وجهي.

•••

ولكن، قفي قليلًا أيتها الساحرة، فها قد استرجعتُ قوايَ وكسرتُ القيودَ التي بَرَتْ قدمي، وسحقتُ الكأس التي شربتُ منها السم الذي استطيبتُهُ. فماذا تريدين أن نفعل؟ وعلى أية طريق تُريدين أن نسير؟

قد استردَّيتُ حريتي، فهل ترضين بي رفيقًا حُرًّا «يُحدِّق بوجه الشمس بأجفانٍ جامدة، ويقبض على النار بأصابعٍ غير مُرتعشة؟»

لقد فتحتُ جناحي ثانيةً، فهل تصبحين فتًى يصرف الأيام مُتنقلًا كالنسر بين الجبال، ويقضي الليالي رابضًا كالأسد في الصحراء؟

هل تكتفين بحب رجلٍ يتخذ الحب نديمًا ويأباه سيدًا؟

هل تقنعين بشغفِ قلبٍ يهيمُ ولا يستسلم، ويشتعلُ ولكنه لا يذوب؟

هل ترتاحين إلى أميالِ نفسٍ ترتعش أمام العاصفة ولكنها لا تنهصر، وتثور مع الزوابع ولكنها لا تُقتلع من مكانها؟

هل ترضين بي صاحبًا لا يَستعبد ولا يُستعبد؟

إذًا هذه يدي فهزِّيها بيدكِ الجميلة، وهذا جسدي فضُمِّيه بذراعيكِ الناعمتين، وهذا فمي فقبِّليه قُبلة طويلة، عميقة، خرساء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤