الفصل الخامس عشر

الصورة الكلية

في عالمنا اليوم، عندما يكون هناك شُهود عِيَان على جريمة ويتوافر وصفٌ مناسبٌ للجاني، تتمثل الخطوة التالية في استعراض المشتَبَه فيهم للتعرف على هُوِيَّة الجاني، لكن لفعل هذا يجب تحديد المشتَبَه فيهم أولًا.

دُونَ كل العوامل المسببة للعدوى، تعتبر البكتيريا والفيروسات أهم الأنواع التي تلائم أغراضنا. يُطلق أحيانًا على هذه الكائنات الحية الدقيقة ميكروبات، كما أطلق عليها هيلير بيلوك في كلماته الخالدة:

الميكروب صغير للغاية،
لا يُرى بالعين المجردة على الإطلاق.
لكنَّ كثيرين من المتفائلين يأملون
أن يرونه عبر الميكروسكوب.

(١) البكتيريا

البكتيريا كائنات وحيدة الخلية يتراوح طولها ما بين نصف مِلِّيمِتْر إلى واحد على عشرة آلاف من المِلِّيمِتْر، فهي أصغر كثيرًا من أن تُرى بالعين المجردة. عند فحصها تحت الميكروسكوب، يتبين أنها قد تأخذ شكل القُضبان أو الحَلَزُونات أو الكُرَات، ولكن على الرغم من صغر حجمها فإن تركيبها غاية في التعقيد، وهي الأكثر وفرةً في أعدادها من بين كل الكائنات الحية، وتلعب كثيرًا من الأدوار الجوهرية في الحفاظ على الحياة على الأرض، إلا أن قلة قليلة فحسب من أنواع البكتيريا يمكنها أن تصيب الإنسان وتسبب له أمراضًا خطيرةً.

تنتقل بعض الأمراض البكتيرية بواسطة الحشرات أو القُرَاد أو القمل، ومن ضمن هذه الأمراض الطاعون الدَّبْلِي (الذي ينتقل عن طريق البُرْغوث) والتيفوس الوبائي الذي كان يومًا مرضًا فتاكًا خطيرًا ينتشر في الأماكن المزدحمة التي تعاني سوء الصرف الصحي. وهو ينتقل من إنسان إلى آخر عن طريق القمل، وما لم يعالج بالمضادات الحيوية، فإنه يفضي ﺑ ٢٠ بالمائة من الحالات إلى الموت. أحيانًا يحاول المؤرخون (خطأً) تفسير موجات تفشي الطاعون التي لم يَكُنْ محتملًا أن يكون سبُبها طاعونًا دَبْليًّا على أنها نتيجة للتيفوس.

(٢) الفيروسات

مع أن الفيروسات متباينة الأحجام، إلا أن جميعها أصغر من البكتيريا كثيرًا، ولا يمكن رؤيتها إلا تحت ميكروسكوب إلكتروني. وعلى خلاف البكتيريا، لا تستطيع الفيروسات أن تتكاثر إلا بداخل خلايا حية أخرى، خلايا حيوانات أو نباتات، بل حتى بكتيريا. ونظرًا لأنه ليس بمقدور الفيروسات أن تتكاثر بمعزل عن الخلايا الحية الأخرى، فلا يمكن اعتبارها حية بالمعنى الكامل.

إذن، فإن جميع الفيروسات طفيليات تدمر الجماعات البشرية عبر التسبب في أمراض وبائية خطيرة. تبدأ الفيروسات عملها بالدُّخول بِدَهاءٍ إلى خلايا بعينها في أجسادنا، وما إن تصبح بالداخل، حتى تواصل عملها في السيطرة على الآلية الجينية للخلية، التي تُضْطَرُّ حينئذ إلى الانصياع لأوامرها. رأينا كيف يدخل فيروس نقص المناعة البشرية إلى خلايا دم بيضاء بعينها عن طريق بوابة المُستَقبِل سي سي آر ٥، حيث يشرع في تأدية عمله المخرب.

إن الفيروس المُعدي هو ببساطة مجموعة من التعليمات مثل برنامج كمبيوتر. عادة ما تعمل أي خلية في أجسادنا بِناءً على أوامر مشفرة في الدي إن إيه خاصتها، إلا أن الفيروس الذي يغزو الخلية بمقدوره أن يستحدث مجموعة جديدة من الأوامر؛ مما يترتب عليها توقف الخلية عن عملها الطبيعي، وتركز جهودها في صنع نسخ من البرنامج المستحدث. بهذه الطريقة، يستعبد الفيروس الخليةَ المضيفة، ويجبرها على أن توفِّر كافة المواد الخام والطاقة اللازمة للتكاثر. وتتكاثر الفيروسات بمعدلات هائلة؛ إذ يستطيع فيروس واحد من فيروسات البرد الشائعة أن ينتج ١٦ مليون نسخة من نفسه في اليوم الواحد.

فيما يلي استعراض مصغر «لصور المجرمين» من الأمراض الفيروسية:
  • «فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز»: يدمر فيروس نقص المناعة البشرية وسائل دفاع الجهاز المناعي بالجسم، وفي النهاية تموت الضحية من عدوى أخرى أو من السرطان. وهو ينتقل مباشرة عن طريق سوائل الجسد أو الْمَنِيِّ. وحتى الآن لا يوجد له علاج.

  • «الإنفلونزا»: ينتقل هذا المرض بالعدوى المباشرة ويتحور بسهولة؛ ففي الماضي كانت بعض السُّلالات منه مسئولةً عن أعداد وَفَيَات كبيرة. غالبًا ما ينشأ في الحيوانات، فالمستودعات الرئيسية له هي البط والدجاج والخنازير في آسيا، ولا يوجد علاج له كذلك، إلا أن لقاحاته متوافرة الآن.

  • «الحصبة»: عادة ما ينتشر هذا المرض المعدي للغاية عن طريق العدوى الرَّذاذية، ويمكن أن يُفضي إلى الموت في البلدان النامية التي تعاني من سوء التغذية. لا يوجد علاج له، إلا أن لقاحه متوافر.

  • «شلل الأطفال»: كان شلل الأطفال هو المرض الوبائي الرهيب الذي ضرب البُلدان المتقدمة منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين حتى مطلع ستينيات القرن نفسه. وهو عدوى فيروسية حادَّة تصيب الجهاز العصبي المركزي، متبوعةً بآثار خطيرة منها الشلل، بل قد تصل إلى الموت أحيانًا. لا يوجد علاج له، إلا أن لقاحه متوافر الآن.

  • «الجدريُّ»: فيما مضى كان هذا المرض قاتلًا خطيرًا للأطفال، إلا أن حملة تطعيم على مستوى العالم تمكنت من القضاء على الفيروس تمامًا، باستثناء بعض المخزون منه المحفوظ في المعامل. يعتبر الجدريُّ بمنزلة سلاح إرهابي محتمل. وهو يفضي إلى الموت في أغلب الأحيان، ولا علاج له، إلا أن لقاحه متوافر.

لقد مكننا علم الطب من التوصل إلى مكافحة فعَّالة لكثير من الأمراض المُعدية (لكن ليس جميعها، والإيدز دليل على هذا)، فقد صُنعت مجموعة شاملة من المضادات الحيوية من شأنها أن تعالج العديد من حالات العدوى البكتيرية، وإن كان ظهور سلالات مقاومة من البكتيريا بات اليوم يسبب مشكلات. بَيْدَ أن هناك حقًّا قلة قليلة من الأدوية الفعَّالة في علاج الأمراض الفيروسية. ومع ذلك، فإن الوقاية خير من العلاج، وقد غيَّر تصنيع اللقاحات — بَدْءًا من جهود إدوارد جينر في اكتشاف لقاح للجدريِّ في القرن الثامن عشر — من قدرتنا على مجابهة هذه العدوى القاتلة.

(٣) خطر الحيوانات العائلة المستتر

جميع الحيوانات تعول طفيليات، وقد تطورت هذه الطفيليات بِمَعِيَّة عوائلها من الحيوانات على مدار مئات الآلاف من السنوات، وقد رسخت طريقة تمكنها من التعايش معًا، وإن لم يكن تعايشًا متناغمًا كليًّا، فإنها تتعايش دون أن تسبب كثيرًا من الضرر بعضها لبعض. إلا أنه من حين إلى آخر تهرب الفيروسات أو البكتيريا الطفيلية من عوائلها الثديية الطبيعية لتنتقل إلى أنواع أخرى، بما فيها الإنسان. وهكذا تنشأ كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان.

لا تنتقل عادة بعض هذه الأمراض — مثل داء لايم (الذي يكون فيه الحيوان العائل غزالًا) والطاعون الدَّبْلِي (الذي يكون فيه الحيوان العائل حيوانًا قارضًا) — جَرَّاء انتقال العدوى من شخص إلى آخر؛ فانتشارها يعتمد بدرجة كبيرة على الحيوان وليس على الإنسان؛ ومن ثم تكون آليات العدوى أكثر تعقيدًا مما لو كانت في الأمراض الفيروسية المعدية «ذات آليات العدوى البسيطة» مثل الحصبة أو الجديريِّ المائي أو الجدريِّ، والطاعون النزفي.

نشأت أمراض فيروسية أخرى — مثل الإيدز والإنفلونزا وإيبولا — في الحيوانات ثم أصابت الإنسان، والأهم من ذلك أنها يمكنها أن «تنتقل مباشرةً من إنسان إلى آخر». يطرح هذا مشكلة أكثر جسامة؛ فهي في الغالب تكون مميتة، وحالما ترسخ في الإنسان، يكون انتشارها محكومًا بنفس العوامل التي تحكم أي مرض معدٍ آخر ينتقل انتقالًا مباشرًا، وفي الحال يصبح منشؤها الحيواني في طي النسيان، ويُطلق عليها أمراضًا فيروسية ناشئة.

(٤) تضييق دائرة المشتبه فيهم

هل بمقدورنا أن نخلُص إلى تخمينٍ مستنير بشأن ما إذا كان الطاعون النزفي بكتيريا أم فيروسًا بِنَاءً على التحقيقات التي أجريناها؟ تشير خصائص المرض — الملخصة في الفصول السابقة — إلى أن العامل المسبب للمرض كان فيروسًا. يدعم هذه الفرضية تلك الملاحظة التي مفادها أنه على ما يبدو كان هناك بين سكان أوروبا في العصور الوسطى انتخابٌ جيني قوي لصالح طفرة سي سي آر ٥-دلتا ٣٢، المعروفة بأنها تَقِي من فيروس نقص المناعة البشرية.

على ما يبدو أيضًا فإن العامل المُعدي كان ثابتًا إلى حد بعيد؛ إذ يبدو أنه على مدار الثلاثمائة عام التي استشرت خلالها الطَّوَاعِين — والتي أعقبت سنوات الموت الأسود — لم تتغير خصائص العامل المعدي إلا تغيرًا طفيفًا للغاية. ربما كانت هناك بعض الطفرات الصغيرة، إلا أن هذه كان لها قليل الأثر على المسار الزمني للمرض، وعلى قدرته على العدوى، وعلى أعراضه، وعلى قدرته على الفتك.

إن معظم التغيرات التي طرأت على نمط المرض منذ القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر يمكن تفسيرها على أنها تغيرات في السلوك البشري وعلم وِراثة الإنسان، وليس على أنها أي تغيرات في الفيروس؛ ومن ثم، فإن الزيادة التدريجية في نسب طفرة سي سي آر ٥-دلتا ٣٢ البشرية في أنحاء أوروبا رفعت من نسبة مقاومة الأفراد للمرض؛ ومِنْ ثَمَّ غيَّرت معدل انتشار أوبئة الطاعون ومعدلات الوفيات جراءها.

ينتقل كثير من الأمراض الفيروسية التي تصيب الجهاز التنفسي مباشرةً من شخص إلى آخر عن طريق العدوى الرَّذاذية. ويفسر المراسل الطبي لصحيفة التايمز دكتور توماس ستاتافورد العدوى الرَّذاذية بأنها مصطلح أقل وطأةً يستخدمه الأطباء لوصف انتشار مرض ما عن طريق رَذاذ اللُّعاب والإفرازات الأنفية المحَمَّلة بمزيج من الكائنات الحية الدقيقة والفيروسات والبكتيريا، والتي تنتشر مع كل سعْلَة أو عَطْسَة، فالعطسة يمكن أن تنتج ملايين القطيرات التي يمكنها أن تنتقل لأي مسافة حتى ٩٠ ميلًا في الساعة (١٤٥كم في الساعة)، بل تنقل القبلات جرعات أكبر منها، أو عندما يعطس شخص مصاب في يده ثم يصافحك ثم تَفْرُك أنت عينيك، فوقتها يمكن أن ينتقل الفيروس إلى أنفك وحَلْقك عن طريق قَناتك الدَّمْعية. نتذكر أنه كان يُعتَقَد أن الطاعون النزفي ينتقل عن طريق العدوى الرَّذاذية، وكان يعتبر أنه من الآمن أن يَبْقَى المرء على مسافة لا تقل عن (٤ أمتار) بينه وبين الشخص المصاب في الأجواء المفتوحة.

يمكننا الآن أن نقارن الطاعون النزفي بمرضين فيروسيين آخرين، هما الإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشرية، اللذان نشآ في مستودعات حيوانية قبل مهاجمة الإنسان. طورت الفيروسات المسئولة عن هذه الأمراض الثلاثة استراتيجياتٍ مختلفةً تمامًا لتعظيم فُرَصها في البقاء والانتشار. يلخص الجدول أدناه خصائصَها الأساسية:

المرض فترة انتقال العدوى طريقة انتقال العدوى القدرة على العدوى مدة الوباء
الإنفلونزا يومان الرَّذاذ عالية ٣ أسابيع
الطاعون النزفي ٤ أسابيع الرَّذاذ متوسطة ٩ أشهر
فيروس نقص المناعة البشرية ١٠ سنوات سوائل الجسم منخفضة غير محدودة

تستمر الإنفلونزا في البقاء لأنها تتمتع بقدرة عالية على العدوى، وتنتقل إلى عدد كبير من الأشخاص الآخرين حتى إبَّان فترة انتقال العدوى القصيرة. يستمر فيروس نقص المناعة البشرية في الانتشار ببطء نظرًا إلى أن فترة انتقال العدوى طويلة جدًّا؛ مما يعوض قدرته المنخفضة على العدوى والناتجة عن طريقة انتقاله الصعبة.

يقع الطاعون الدَّبْلِي في نقطة في المنتصف بينهما؛ ففترة انتقال العدوى الخاصة به كانت طويلة بما يكفي لأن ينتقل المرض عبر مسافات طويلة، وكانت قدرته على العدوى كافية لانطلاق أي وباء بسهولة؛ نظرًا لوجود عدد كافٍ من الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالمرض والمُناخ الدافئ المواتي.

(٥) ما نوع الفيروس الذي تسبب في الطاعون؟

لدينا الآن فئة عامة يمكننا أن نضع فيها المتهم، لكن هل بمقدورنا أن نقلِّص هذه الفئة أكثر بإلقاء نظرة على الأعراض التي ظهرت على الضحايا؟

تتفق أوصاف أعراض الطاعون الأحدث في القرن السابع عشر مع الروايات السابقة من الموجة الأولى للوباء. عادةً ما كانت الأعراض تظهر على الضحية لمدة حَوَالَيْ ٥ أيام قُبَيْل الموت، مع أنه من قراءة الروايات المعاصرة خلصنا إلى أن هذه الفترة كان يمكن أن تتراوح ما بين يومين واثني عشر يومًا. غير أننا عثرنا على تقرير واحد استثنائي عن إحدى الضحايا في لندن استمرت هذه الفترة معها عشرين يومًا.

كانت العلامة التشخصية الرئيسية هي ظُهور البُقَع النزفية، حمراء اللون في الغالب، لكن لونها كان يتباين من الأزرق إلى الأُرْجُوَاني ومن البرتقالي إلى الأسود، وغالبًا ما كانت تظهر على الصدر، لكنها كانت تُرى أيضًا على الحَلْق والذراعين والساقين، وكانت تنشأ نتيجة حُدوث نزف تحت الجلد ناتج بدوره عن تلف الشعيرات الدموية. كانت هذه البُقَع هي التي يُطلق عليها «أمارات الرب»، وقد كتب الصيدلي دكتور هودجز يقول:

كانت العلامة التي يخشاها الناس أكثر ما يَخْشَوْنَ هي تلك التي أطلقوا عليها «الأمارات». اعتبرها المتدينون والذين يؤمنون بالخُرافات على حد سواء أنها «أمارات الرب»، أما «المنكرون لوجود الله فكانوا خائفين من الأمارات». أطلق عليها البعض «تحذيرات الرب»؛ فقد كانت تقريبًا النُّذُرَ المؤكدة بالموت. بِنَاءً على الملاحظة الطبية، فإن قلة قليلة جدًّا مِمَّنْ كانت تظهر عليهم هذه العلامات تَعافَوْا. كانت «الأمارات» بُقَعًا فوق الجلد، تنتشر بأعدادٍ كبيرة، وتتنوع في ألوانها وأشكالها وأحجامها. والبعض منها، حين كانت تلتحم معًا، تصبح في عَرْض ظُفر إصبع اليد، والبعض الآخر كان صغيرًا في حجم رأس الدبوس، إلى أن تتضخم وتنتشر. قد يكون لونها أحمر وتحيط بها هالات تَمِيل إلى الزُّرْقة، وفي أشخاص آخرين، يكون لونها أزرقَ باهتًا وتميل الهالات إلى السواد، فيما كانت بقع أخرى تأخذ درجة اللونِ البُنِّيِّ القاتم. في الغالب تظهر البقع على اللحم البشري حتى عندما لا يكون هناك لون على الجلد من الخارج؛ فلم تكن هناك بقعة من الجسم حصينة ضد هذه البقع المستديرة، وإن كانت الرقبة والصدر والظهر والأفخاذ هي الأماكن الأكثر شيوعًا لها. وفي بعض الأحيان، كانت «الأمارات» شديدة الغزارة لدرجة أنها كانت تغطي الجسم بأكمله.

أما دانييل ديفو، فقد كتب يقول:

لم يَكُنْ كثير من الأشخاص يدركون أنهم مصابون إلى أن يجدوا الأمارات تظهر عليهم مما كان يثير ذهولهم غير القابل للوصف، وقلما عاشوا بعدها لأكثر من ٦ ساعات؛ لأن هذه البقع التي يطلقون عليها الأمارات كانت مصابة بالغنغرينة الشديدة، أو كان اللحم فيها نَخِرًا، تنتظم في عقدٍ صغيرة في عرض البنس الفضي الصغير وصلبة في صلابة الثفنة (بقعة من البشرة يكون الجلد فيها صلبًا وسميكًا) … لم يكن هناك شيء يمكن تتبعه سوى الموت المحقَّق.

في عام ١٦٦٥ وصف دكتور هودجز أيضًا «حالة خادمة لم يَكُنْ لديها أدنى فكرة عن أنها مصابة بالطاعون؛ فنبضها سليم وحواسُّها في أتم عافية، ولم تَكُنْ قد اشتكت من أي اضطراب أو ألم، إلا أنه بفحص صدرها، اكتشفتُ الأمارات هناك، وفي غُضون ساعتين أو ثلاث ساعات كانت قد وافَتْها الْمَنِيَّة. في بعض الأحيان كانت الأمارات تظهر أول ما تظهر بعد الموت.» ويذكر أن من أغرب ما رآه على مدار تجرِبته مع الطاعون، أن أشخاصًا كثيرين قد خرجوا من هَذَيانهم بمجرد ظُهور «الأمارات»، ظَنًّا منهم أنهم يَتَعافَوْنَ وفي حالةٍ مُوحيةٍ بالأمل. لم يُدرك المرضى المساكين أن موتهم محقق.

كانت أيضًا الأورام المتنوعة من سمات المرض: تضمنت هذه الخراريج والقروح والدبل التي كانت عبارة عن تورُّم الغدد الليمفاوية في الرقبة وتحت الإبْطين وأعلى الفخذ. في القرن السابع عشر، كانت الحالات التي لم يظهر فيها الدبل تعتبر الأخطر. أورد دكتور هودجز أنه إذا لم ينشقَّ الورم بالشكل الطبيعي، كان الجَرَّاح يشقه. «لسوء الحظ كان دَبْل الطاعون مصحوبًا بمثل تلك الآلام الحادة، والإحساس بالتهاب غير محتمل يعادل ذلك الذي يحدث وقت اقتراب حُدوث التقيح، حتى إن المرضى كان يُجَنُّ جُنونهم.» وكانت عَمَلِيَّتَا الشق (التي تُجرى دونَ تخدير بالطبع) والتضميد في غاية الألم حتى إن المرضى في الغالب كانوا ينهارون عند إجراء الجراحة. كان الدَّبْل إذا أخفق في التورم والانفجار، يكون الأمل في البقاء على قيد الحياة ضعيفًا، لكن إذا انفتح، كانت الحمى تقل على ما يظهر. اعتقد بعض الأطباء أن شق الدبل كان من شأنه أن يمنع المرض من المُضِيِّ قُدُمًا في تكوين الأمارات المرعبة.

أجرى جرَّاح — كان يخدم في الموقع العسكري بقرية دونستر بمقاطعة سومرست بجنوب إنجلترا عام ١٦٤٥ — عمليات فَصْد دماء لكافة الجنود المرضى لدى ظُهور أولى علامات المرض عليهم «حتى أوشكوا على السُّقوط أرضًا»، وقيل إن كافة مرضاه قد تعافوا. من الواضح أن عمليات الفَصْد هذه كان تُجرى عند أول ظُهور العلامات، أي بعد حوالي ٣٠ يومًا من الإصابة، فهل من الممكن أن تكون هذه الطرق العلاجية — التي تُشَق فيها العُقَد الليمفاوية المتورمة أو ربما يتم التخلص عَبْرَها من نسبة كبيرة من خلايا الدم البيضاء المصابة — قد مكَّنَت الجهازَ المناعيَّ من قهر العدوى؟

بالإضافة إلى الأورام، كان الضحايا يُصابون بالحمى، وارتفاع درجة الحرارة، والقيء المستمر، والإسهال، ونزيف دائم من الأنف. كان الأطباء في ميلانو في القرن الخامس عشر يعتبرون البول المخلوط بالدم، والبقع النزفية، أدلة على الإصابة بالطاعون. أيضًا غالبًا ما كان يصاحب بَدْء المرض ظمأ شديد، وكان يصاحبه عند البعض جنون وهَذَيَان شديدان، «حتى إن البعض كانوا يلقون بأنفسهم من النوافذ.»

أكدت شهادة أحد شُهود العِيَان من تشستر عام ١٦٤٧ هذه الواقعة:

يسيطر الطاعون عليهم على نحو غريب؛ إذ يصيبهم بالاكتئاب من ناحية فيُجَنُّ جُنونهم، فكان بعضهم ينتحرون غَرَقًا، وآخرون يَقتُلون أنفسهم، كانوا يموتون في غُضون ساعات قليلة، وكان بعضهم يُهَرْوِلُ جيئَةً وذَهابًا في الشارع، مُتَسَرْبِلِينَ بقُمصانهم مِمَّا يثير ذعرًا كبيرًا بين سكان المدينة.

جاء في واحدة من الروايات المعاصرة التي تصف العذابات التي كان يذوقها ضحايا طاعون عامَيْ ١٦٦٥-١٦٦٦ في لندن:

كان القيء يَسيل من على جانب الفم، والنزيف مستمر من الأنف، والتقيحات تتقلص وتتحول إلى اللون الأسود على حِينِ غِرَّة … وكان بعض المصابين يجولون مترَنِّحين كالسُّكارَى، ويَخِرُّونَ ويَلْقَوْنَ مَصْرَعهم في الشوارع، فيما كان البعض يَجْثُونَ بين الحياةِ والموتِ في حالة غيبوبة … وكان بعضهم يتقيأ باستمرار كما لو كانوا قد تجرَّعُوا سُمًّا.

شَرَّحَ دكتور جورج طومسون جثة شاب مات إثر الإصابة بالطاعون:

كان سطح الجلد مشوهًا بعديدٍ من النَّدَبَات الكبيرة كريهة المنظر شديدة التورم والانتفاخ، يبرز على جزء منها عَفَن مدمًّى شبيه بالرواسب، وصديد شاحب خالٍ من الدماء. وكانت المعدة تحتوي على مادة سوداء لَزِجَة تشبه الحِبْر، وكان جزء من الطِّحال يفرز مادة صديدية. كان الكبد مصفرًّا والكُلَى خاوية من الدم، وتوجد علامات كبيرة غامضة على السطح الداخلي للأمعاء والمعدة، والتجويف البريتوني يحوي صديدًا سُمِّيًّا أو سائلًا خفيفًا مائلًا إلى الاصفرار أو الاخضرار. وفي البُطَيْن الأيمن جلطة عديمة اللون، لكن لم يَكُنْ هناك في هذا الجسد الذي نَخَرَهُ الطاعون ما يكفي لملء ملعقة واحدة من هذا السائل الأحمر الذي يُطلق عليه «الدم».

أورد دبليو جي بيل في إيجاز أن هذا التشريح قد أظهر أن المرض أحدث تغييرات واسعة التأثير في الأعضاء الداخلية، بالإضافة إلى أنه أصاب الجلد بعددٍ كبير من البقع الزرقاء أو السوداء التي احتوت على دماء متجلطة. «في الحقيقة ما من عضو لم تَمَسَّهُ هذه التغييرات.»

يؤكد التقريران التاليان لعمليتي تشريح لضحيتين من ضحايا طواعين عامَيْ ١٦٥٦-١٦٥٧ في روما ونابولي — على التوالي — التدهور العام للأعضاء الداخلية:

وُجد أن الجزء الخارجي من الجسم مغطًّى بالبُثور السوداء … وغشاء الأمعاء الشحمي (الثَّرْب) متعفن، والأمعاء شديدة السواد، والغشاء البريتوني مُصاب بالزُّراق، والمعدة دقيقة للغاية، والطِّحال متعفن، والكبد ضعف حجمه لكنه رديء اللون ومهترئ، والمرارة مليئة بالعصارة السوداء … وغشاءا الجنبة متعفنان، والشَّغَاف متصلب للغاية، وكان المنصف والحاجز السهمي مزرَقَّين، والقلب مزرقًّا وطرَفُه المستدق أسودَ، وكلا البُطَيْنَيْنِ مليئين بدم شديد السَّواد. والرئتان — الْمُهَلْهَلَتَا القوام والرَّدِيئتا اللون — تغطيهما البثور السوداء.

وقد لُوحظ أن جميع الأعضاء — وتحديدًا القلب، والرئتين، والكبد، والمعدة، والأمعاء — مغشَّاة ببقع. هذا علاوة على أن المرارة مليئة بالعُصارة السوداء التي كانت شديدة الاكتناز ودهنية … إلا أن الأوعية الدموية الرئيسية للقلب بالأخص كانت ممتلئة بالدم المتجلط المسْوَدِّ.

لقد كشفنا عن الخاصية الرئيسية للطاعون النزفي: ألا وهي أن الموت كان يسبقه موتٌ شامل لأنسجة الأعضاء الداخلية. كان الأمر يشبه كما لو كانت الأعضاء الداخلية للضحية قد تحللت. كانت مِيتَة مرعبة بلا شك.

أما أمارات الطاعون الدَّبْلِي وأعراضه والتقارير التشريحية لضحاياه، فكانت مختلفةً تمامًا عن خصائص الطاعون النزفي؛ فضحايا الطاعون النزفي لا تظهر عليهم أمارات الرب ولا يعاني المصابون بموت عامٍّ لأنسجة الأعضاء الداخلية.

تقدِّم الرواية التالية تقريرًا جيدًا عن انتشار الطاعون بين أفراد أسرة واحدة، وتوضح الخصائص الطبية الواردة سابقًا:

كنا ثمانية أفراد في العائلة — ثلاثة رجال، وثلاثة غِلْمان، وعجوزًا وخادمة — كلهم جاءوا بعدما تناهى إلى سمعهم أنني مقيم في البلدة، جاء بعضهم ليرافقني، وجاء بعضهم الآخر لمساعدتي [فقد كان رجل دين ذائع الصِّيت له كثير من الأتباع]. وكان شهر سبتمبر قد أوشك على الانتهاء قبل أن يُمس أيٌّ منا بسوء … لكنَّ الطاعون هاجمنا أخيرًا … في البداية أُصيبت خادمتُنا، بدأ الأمر برجفة ورعشة في جسدها، وسرعان ما نال المرض من معنوياتها … عدت إلى المنزل والخادمة على فراش الموت، وكانت تصرخ صرخة استغاثة أخرى، حيث كانت وحدها في نوبة تعرُّق وإغماء. كان اليوم يوم إثنين عندما أُصيبت الخادمة، ووافَتْها الْمَنِيَّة يوم الخميس، وكان جسدها ممتلئًا بالأمارات. ويوم الجمعة، ظهر ورم لدى أحد الشبان عند أعلى الفخذ، وتُوُفِّيَ يوم الأحد وعليه أمارات المرض. في اليوم نفسه مَرِض شاب آخر، وتُوُفِّيَ يوم الأربعاء التالي. ليلة الخميس، أُصيب سيدُه بالمرض، وفي غُضون يوم أو يومين كانت البقع تغطي جسده، لكن الأمر الغريب أنه تعافى … وحُفِظَ الباقون من المرض.

يمكننا أن نجزم أن الفيروس المسئول عن الموت الأسود ليس من الفيروسات المعروفة اليوم. في الواقع، من المحتمل أنه لا ينتمي إلى أيٍّ من عائلات الفيروسات المعروفة، إلا أن الأعراض أقرب ما تكون إلى أعراض فيروس إيبولا، وفيروس ماربورج، والحميات النزفية الفيروسية. ورغم أن أعراضه بالطبع لم تكن مطابقةً لأعراض أي من هذه الأمراض بحذافيرها، فإن هذه الأمراض تبدو — من بين كل الأمراض المعروفة اليوم — الأقرب له.

يُطلق على العوامل المسببة لهذه الأمراض الفيروسات الخيطية، وتتسم هذه بارتفاع معدل الإماتة بين الحالات، وهي عادةً ما تحدث في حالات انفجار وبائي ناجمة عن العدوى المباشرة من إنسان إلى آخر. لا يمكن التنبؤ بحدوث موجات التفشي الوبائية، ولا يوجد علاج للأمراض التي تسببها، ولا تُعرَف مستودعاتها الحيوانية بعد. يغطي مصطلح «حمى فيروسية نزفية» العديدَ من الأمراض المختلفة والمتنوعة التي تتسم بالحدوث المفاجئ، والآلام، ونزيف الأعضاء الداخلية، والحمى، وصدمة، وبقع تنتج عن نزيف تحت الجلد — شبيهة ﺑ «أمارات الرب». تبدأ أعراض الإيبولا بحُمى مفاجئة، وتموت الضحية من انحلال الأعضاء الداخلية.

(٦) خصائص أخرى مُميَّزة للطاعون النزفي

(٦-١) موسمي

كان المرض يجد صعوبة في البقاء خلال أشهر الشتاء بإنجلترا، ولا سيما إبَّان العصر الجليدي الصغير. حتى في جنوب فرنسا، كانت شراسة الطاعون تقل بوضوح إبَّان الأشهر الأكثر برودة. وبحلول القرن السابع عشر، بات معروفًا بشكل عام أن قدرة الوباء على العدوى تقل في الطقس البارد. سجل دبليو جي بيل — الذي كتب عام ١٩٢٤ التاريخ المؤكد لطاعون لندن العظيم — أنه في السادس من فبراير عام ١٦٦٦:

أقر الجميع أن ذاك اليوم كان من أشد الأيام التي شهدوها في إنجلترا برودة؛ ففي شهرين منفصلين سدَّ الجليد مجرى نهر التيمز مما أسفر عن تعطل حركة المرور النهري، إلا أن الطاعون كان يطل برأسه من حين إلى آخر حتى في وسط الصقيع. هنالك شهادة الدكتور هودجز التي مفادها أن قليلين جدًّا هم من ماتوا في ذاك الموسم، إلا أنه قام بنفسه في يناير على حالة كانت بقعة الطاعون واضحة عليها، وتماثل المريض للشفاء. أقام جوشيا ويستوود في أثناء موجة الصقيع أيضًا على مرضى مَيَّزَ حالاتهم على أنها طاعون، وقد تماثلوا للشفاء؛ «إذ كان الهواء حينها صديقًا للطبيعة وعدوًّا للطاعون.» تُظْهِر مؤشرات أخرى أن حالات الطاعون كانت شائعة، إلا أن المرض لم يستفحل قَطُّ في الْمُناخ البارد، وقد انخفضت حِدَّة الأعراض المميتة التي صارت مألوفة فيما بعد.

أغلب الظن أنه كان من المستحيل تقريبًا أن تنتقل العدوى إلى أحدهم في الهواء الطلق في الشتاء البارد، بل انخفض معدل انتقال العدوى بداخل المنازل، مع أن العائلات كانت تحتشد معًا في أكواخها الباردة المعرضة للتيارات الهوائية. من الواضح أن هذا الفيروس لم يكن يستمتع بالتعرض للهواء البارد.

كان انتقال العدوى أيسر كثيرًا في المناخ الأدفأ، وتعطينا هذه الملحوظة فكرة تقودنا إلى مصدر المرض الذي نناقشه في الفصل التالي.

(٦-٢) انحسار المرض في أوروبا

قُبَيْل عام ١٦٧٠، لم تَلْتَقِ المناطق المصابة بالطاعونين النزفي والدَّبْلِي إلا في ساحل البحر المتوسط. استوطن الطاعون النزفي أوروبا، بالإضافة إلى بعض موجات الاجتياح العارضة على شمال أفريقيا وشرق المتوسط، فيما أقام الطاعون الدَّبْلِي في معقله في آسيا وسواحل شمال أفريقيا إلى جانب بعض موجات التفشي النادرة في إيطاليا وجنوب فرنسا وبرشلونة التي لم تَدُمْ.

فلِمَ أقام كلٌّ منهما في هذه الأقطار المنفصلة؟ لقد سردنا بالفعل الأسباب التي حالت دون استيطان الطاعون الدَّبْلِي أوروبا قط، لكن لماذا اقتصر الطاعون النزفي على أوروبا حيث تنوع الطقس تنوعًا كبيرًا من جنوب البحر المتوسط حتى الدائرة القطبية الشمالية؟ لماذا لم ينتقل إلى آسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء؟

كانت هناك أسباب متعددة على الأرجح. كانت طرق التجارة الرئيسية في هذه الأماكن — مثل طريق الحرير والطرق التي تَقطع الصحراء الكبرى — طرقًا شاسعة طويلة للغاية لا تقطعها بلدات كبيرة؛ ومن ثم يُرَجَّح احتمال أن يكون المسافرون المصابون هلكوا إبَّان الرحلة دون أن يطلقوا حالة تفشٍّ وبائي. أيضًا ساعد غياب التجمعات السكانية بمحاذاة الطريق في الحيلولة دون استيطان الأوبئة، وسرعان ما كانت تخمد أي عدوى تمامًا.

وكانت التجارة أقل كثافة مقارنة بطرق التجارة الداخلية في أوروبا؛ ومن ثم كان عددٌ أقل من العوامل التي يُحْتَمَل أن تكون مسببة للعدوى يجتاز الطريق من وإلى آسيا، وكان من المستحيل تأسيس نقطة تمركز دائمة. أخيرًا، لربما كان الْمُناخ في هذا الطريق شديد الحرارة والجفاف بما لا يسمح للعدوى الرَّذاذية أن تنجح في الانتشار.

(٦-٣) هل كانت فرنسا وحدها مستودع الطاعون؟

كانت الظُّروف في فرنسا مواتيةً بشدة لبقاء الطاعون المستمر بسبب درجات الحرارة الأدفأ، وبالأخص في الشتاء، وقد سهَّلت الرطوبة المرتفعة نسبيًّا هناك استمرار العدوى وانتشارها. وكانت المساحة كبيرة بما يكفي لانتشار الطاعون بين البلدات الكبيرة، وقد كانت هناك شبكة اتصالات داخلية جيدة.

وعلى النقيض من ذلك، في المناطق حيث لم تكن موجات تفشي الطاعون منتظمة تنعدم فيها بعض هذه الظروف أو كلها:
  • كانت إيطاليا بلدًا صغيرًا للغاية على أن تقوم بدور مستودع فعال؛ فقد كانت فُصول الصيف شديدة الحرارة والجفاف، وقد وُضِعَت وفُرِضَت تدابير قوية للحفاظ على الصحة العامة بما في ذلك قواعد الحَجْر الصحي الصارمة في الموانئ.

  • في شبه الجزيرة الإيبيرية كانت فُصول الصيف شديدة الحرارة والجفاف، وكانت وسائل الاتصال الداخلية محدودة، ولم تَكُنِ العدوى تصل إلا عن طريق البحر، وقد شكلت سلسلةُ جبال البرانس حاجزًا منيعًا فعالًا من جهة الشمال.

  • كان الطقس في شمال أفريقيا حارًّا وجافًّا، والمساحة المأهولة بالسكان صغيرة، وكان السكان متفرقين، ووسائل الاتصال محدودة.

  • في الإمبراطورية الرومانية المقدسة كانت فصول الشتاء باردة، وكانت إسكندنافيا وأيسلندا شديدتي البرودة على مدار العام.

  • في إنجلترا، كانت فصول الشتاء باردة أيضًا، ولم يَكُنْ للعدوى أن تصل إلى هناك إلا عن طريق البحر.

لقد استعنَّا بكل الأدلة الواردة في الفُصول السابقة من أجل الإجابة على السؤال: ما خصائص الفيروس الذي سبَّب الدمار المترتب على الطَّوَاعِين؟ إلا أن هذا سيظل أمرًا مَشُوبًا بالغُموض دائمًا؛ لأن المرض كما هو واضح لم يَعُدْ موجودًا، إلا أننا كشفنا بالفعل عن كثير من أسراره. وفي الفصول الثلاثة التالية نتعمق أكثر في الإجابة عن سؤال: من أين جاء الطاعون عندما ظهر في صقلية؟ وكذلك نعقد مقارنة بين الطاعون والأمراض الفيروسية الغامضة الأخرى التي ظهرت فجأة على مدار الثلاثة الآلاف عام الأخيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤