الفصل الثاني

قناة السويس

تدل الآثار القديمة على أن فكرة توصيل البحر الأبيض بالبحر الأحمر سنحت في عالم الوجود منذ أزمان غابرة، وأنه كان يوجد في عهد «سيتي الأول» (١٣٨٠ق.م) ترعة واصلة بين البحرين بطريق النيل، تخرج منه عند «بوبسطة» وتصب في البحر الأحمر مخترقة واديَ الطميلات، وهي المسماة عند قدماء المؤرخين بترعة «سيزُستريس».

ثم أُهملت هذه الترعة وبقيت كذلك إلى أيام «نخاو» (٦٠٩ق.م)، فهمَّ بإعادة حفرها، وبعد أن هلك في ذلك ما يقرب من ١٢٠٠٠٠ من فلاحي مصر أوقف العمل فجأةً توهمًا منه أن الآلهة أنذرته عاقبة العمل لمصلحة الأجانب، فكأن الاعتقاد بأن حفر الترعة ليس إلا عملًا قاصرًا على نفع الأجانب كان يجول في خَلَد الأقدمين، كما جال في خَلَد محمد علي باشا حين تردد في إنفاذ مشروع قناة السويس عندما عُرض عليه كما ذكرنا آنفًا.

ولما استولى الفرس على مصر شرع «دارا» (٥٢٠ق.م) في كَرْي هذه الترعة القديمة، فلم يتسنَّ له إتمام العمل، وبقيت الترعة مهملة حتى جاء «بطليموس الثاني» فأتم حفرها وكَرْيَها عام (٢٧٧ق.م)، غير أنها أُهملت بعدُ ولم يقُم الرومان فيها بإصلاح يذكر.

فلمَّا فتح عمرو بن العاص مصر سنة (٢٠ﻫ/٦٤١م) واستأمره الخليفة عمر بن الخطاب عام قحط الحجاز المسمَّى عام الرَّمادة استأذنه في توصيل البحرين، فأذن له بكري الترعة القديمة، فأعادها وسماها «خليج أمير المؤمنين»، وجرت بها سفن الميرة إلى الحجاز، ولبثت مسلوكة حتى عهد «أبي جعفر المنصور» العباسي، فأمر بردمها عام (١٤٥ﻫ/٧٧٠م) حتى لا تُنقل فيها الميرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج عليه بالحجاز.

هذه هي المشروعات القديمة، وكلها ترمي إلى توصيل البحرين بطريق النيل، فلما قدِم نابليون إلى مصر في غارته المشهورة فكَّر في إعادة توصيل البحرين بحفر ترعة بينهما من مائهما كما أشرنا قبل، ثم امتنع عن إنفاذ مشروعه لتوهُّم «لابير» مهندس الحملة أن سطح البحر الأحمر يعلو على سطح البحر الأبيض بتسعة أمتار. وبقيت هذه الغلطة شائعة إلى أن أُصلحت نهائيًّا في عهد محمد علي باشا؛ إذ حضر إلى مصر في سنة (١٢٦٣ﻫ/١٨٤٧م) بعْث من أوروبا ليفحصوا المشروع، فاشترك معهم لينان باشا مهندس الحكومة المصرية العظيم، فأقرَّ الجميع بفساد رأي لابير وأثبتوا أن البحرين في مستوًى واحدٍ. على أن محمد علي كان يشك في نجاح المشروع ويخشى عاقبته، إلا أنه لم يألُ جهدًا في مساعدة رجال البعث في بحثهم لئلا يظهر بمظهر المعرقل لمسعاهم.

وظل بعد ذلك المشروعُ موقوفًا حتى تولَّى سعيد، فنال منه المسيو «فردناند ديلسبس» سنة (١٢٧١ﻫ/١٨٥٤م) إذنًا ابتدائيًّا بحفر القناة. وقد كان ديلسبس سفيرًا لفرنسا في مصر في عهد محمد علي، وكانت تتوق نفسه إلى تأليف شركة لحفر القناة، فوعده سعيد باشا حينئذٍ بأن يساعده عندما يتولى أريكة مصر. فلما تولاها طلب إليه ديلسبس الوفاء بوعده، فنال منه الإذْن المذكور وتلاه إذْن آخر في (ربيع الآخر سنة ١٢٧٢ﻫ/يناير ١٨٥٦م) يُلخص أهم شروطه فيما يأتي:

حق تمتُّع الشركة بفوائد القناة مدة تسع وتسعين سنة من سنة فتحها، وأن يحفر المسيو ديلسبس ترعة تستمد مياهها من النيل من مصر إلى الإسماعيلية، ويُمنح في مقابل ذلك كل الأراضي اللازمة للأبنية والأعمال بدون مقابل خاليةً من كل الضرائب، وأن يكون له الحق في أخذ أجر من الملَّاك الذين ينتفعون بالماء العذب الذي يؤخذ من هذه الترعة، وأن يكون للشركة الحق أيضًا في تعدين كل مناجم الحكومة ومحاجرها بدون ثمن أو ضرائب، وأن تُعفَى من كل المكوس على الواردات التي تُجلب لها، وأن يتم القيام بهذا المشروع في مدة لا تتجاوز ست سنوات إلا إذا حصلت عوائق لا يمكن تلافيها، وأن يكون أربعة أخماس الفعلة العاملين في حفر الترعة من الفلاحين. وقد وُضعت شروط خاصة بعدد الفعلة الذين يتناوبون العمل في كل ثلاثة أشهر، ثم حُددت رسوم المرور في القناة باعتبار عشرة فرنكات على كل مسافر ومثلها على كل طن من حمولة السفن، وأن تكون الشركة مصرية بحيث يسري عليها قانون البلاد، وأن تقسَّم الأرباح — بعد أن يخصم منها فائدة لأموال المساهمين بنسبة ٥٪ ومثلها للمال الاحتياطي — على الترتيب الآتي: ١٥٪ للحكومة المصرية، ١٠٪ لمؤسسي الشركة، ٧٥٪ للمساهمين والمديرين والعمال. وبعد انتهاء المدة المقررة تصير القناة وكل مشتملاتها ملكًا للحكومة المصرية.

وقبل أن يأذن سعيد باشا لديلسبس استشار سفير إنجلترا هل يصادف رفضه لهذا المشروع ارتياحًا من إنجتلرا؛ فلم يكن في قدرة السفير أن يعطيَه تصريحًا رسميًّا عن هذا السؤال؛ لأن إنجلترا وفرنسا كانتا حليفتين في حرب القرم، إلا أن ديلسبس ألحَّ في طلبه، واقتفى أثر سعيد أينما حلَّ وحيثما ذهب، حتى أمضى عقد الاتفاق في (ربيع الآخر سنة ١٢٧٢ﻫ/يناير سنة ١٨٥٦م).

ولما كان من الواجب قبل الشروع في العمل الحصول على إذْن من الباب العالي، ذهب ديلسبس إلى القسطنطينية للسعي في ذلك، فوجد من أولى الشأن بها معارضة عظيمة يرجع السبب الأكبر فيها إلى تأثير ساسة الإنجليز. والسبب في معارضة إنجلترا في المشروع هو أنها كانت ترى بلادها من الوجهة التجارية والحربية أقرب إلى الهند من أي مملكة أخرى في أوروبا، عدا إسبانيا والبرتقال، وكلاهما ليس بشيء في نظرها. فإذا فُتح طريق قناة السويس أصبحت كل شواطئ البحرين الأبيض والأسود أقرب من إنجلترا إلى الهند؛ ولذلك كان غرض نابليون عندما فكَّر في حفر ترعة الإضرار بإنجلترا في الهند نفسها؛ إذ إن مهاجمتها فيها قبل حفر القناة صعبة جدًّا لعظم بُعدها، أما إذا فتحت القناة أصبحت المسافة بين مرسيليا وبمباي لا تزيد على ٤٦٠٠ ميل.

figure
فردناند ديلسبس.

فلما علم ديلسبس بتأثير الساسة الإنجليز في القسطنطينية ذهب إلى لندن وقابل اللورد بالمرستون، فوجد منه معارضة أيضًا؛ إذ قال له: إن حفر القناة يضر بمصالح إنجلترا، ويذهب بسيادتها البحرية، وإنه وسيلة تريد فرنسا التوصل بها إلى التدخُّل في الشرق.

فلم يَثنِ كل ذلك من عزم ديلسبس، وما زال يواصل سعيه في أوروبا مستعينًا بقرابته من الإمبراطورة «يوجين» — زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا — حتى وافق الباب العالي على المشروع عام (١٢٧٥ﻫ/١٨٥٨م)، وفي هذا العام فتح ديلسبس باب الاشتراك في شراء أسهم شركة القناة مقدِّرًا رأس مال الشركة بمبلغ ٢٠٠٠٠٠٠٠٠ فرنك، وهو مكون من ٤٠٠٠٠٠ سهم، ثمن السهم ٥٠٠ فرنك. فأقبل الناس على شراء الأسهم حتى جُمع معظم رأس المال في أقلَّ من شهر واحد. وكان معظم المساهمين من فرنسا، وجزء منهم من ممالك الدولة العثمانية، واشترت مصر من الأسهم ٨٥٥٠٦.١ أما إنجلترا فأحجمت حينئذٍ عن شراء شيء منها.

وابتدأ العمل في حفر القناة قريبًا من موقع مدينة بورسعيد الحالية في (رمضان سنة ١٢٧٥ﻫ/أبريل سنة ١٨٥٩م)، فكان سيره في أول الأمر غاية في البطء لما يحيط به من الصعوبات. وأهم ذلك قلة تدرُّب عمَّال السخرة على العمل، وصعوبة الحصول على الماء الذي يستقون منه قبل أن يتم حفر الترعة العذبة. ولمَّا كانت الشركة فقيرة — بالنسبة لعظم المشروع — استعان ديلسبس على هذه الصعوبات بالسعي في حمل سعيد باشا على الإكثار من العمال المسخرين بدون مراعاة للاتفاق الأصلي؛ فصارت تساق الآلاف من الفلاحين يحرسهم الجنود إلى الترعة، حيث يشتغلون طوال اليوم تحت مراقبة حرَّاس مسلحين بالسياط، وكان عدد الذين يشتغلون في حفر الترعة لا يقل عن ٢٥٠٠٠ عامل بدون أجر، وينوب عنهم مثلهم في كل ثلاثة أشهر، وكانوا يعيشون على الشظف، وقد أودى بحياة الكثيرين منهم ما كانوا يقاسونه من الجوع والظمأ والعري وحر الصيف وقر الشتاء وإجهاد الجسم والبؤس. وكان كلما هلك منهم أحد أُتِي بغيره من الفلاحين، ولو تم مشروع حفر الترعة على حسب الاتفاق الأصلي لسبَّب نقصًا عظيمًا في تعداد سكان البلاد.

شاع هذا الأمر وأصبح من الفضائح حتى في مصر، وتناولته ألسنة المعارضين لحفر الترعة وخاصة إنجلترا. وكان اللورد بالمرستون رئيس الوزارة الإنجليزية في ذاك الحين يعارض في أمر تسخير الفلاحين؛ لأنه من جهة يعتبره ضربًا من الاسترقاق، ولأنه من جهة أخرى كان لا يريد أن يرى النفوذ الفرنسي يسود في مصر؛ لذلك أوعز إلى السفير الإنجليزي في القسطنطينية أن يحتج على تسخير الأهالي في الأراضي العثمانية لفائدة شركة أجنبية.

وبقي الحال كذلك إلى أن تولَّى الخديوي إسماعيل باشا في (رجب سنة ١٢٧٩ﻫ/يناير ١٨٦٣م)، ولم يكن للشركة لديه تلك الحظوة التي كانت لها عند سعيد، فرأى أن ما نالته من الامتيازات مجحف بحقه وحق مصر، وشرع يعمل على إلغاء شيء منها، ولكيلا يكون سببًا في إفلاس الشركة وإغضاب الشعب الفرنسي وإمبراطورهم نابليون الثالث أمدَّ الشركة بمعونة مالية، بأن دفع لها مبلغ ٢٠٠٠٠٠٠ جنيه كان مستحقًّا على سعيد باشا ثمنًا لأسهم اشتراها عددها ١٧٧٦٤٢، إلا أنه بقي مصممًا على حرمان الشركة من بعض مزاياها حتى طلب من الباب العالي في (صفر سنة ١٢٨٠ﻫ/يونيو ١٨٦٣م) الموافقة على إنقاص عدد العمال الذين يُسخرون في حفر القناة، وعلى أن تردَّ الشركة للحكومة المصرية ما منحه إياها سعيد باشا من الأراضي عام ١٨٥٦م، فصادف الاقتراح ارتياحًا من الباب العالي ولا سيما أن إنجلترا كانت تسعى لديه في إنفاذه؛ فوافق عليه وهدد الشركة بتوقيف العمل إن لم ترضَ به.

وقد كاد يكون في ذلك القضاءُ المبرم على المشروع؛ لأن الشركة كانت تعلِّق كل آمالها على جلب العمال من مصر بدون أجر، وكان العمل لا يزال في مبدئه، والشركة لم يكن في مقدورها أن تقترض مالًا جديدًا، ولولا ما بذله المسيو ديلسبس من الهمة والحزم لخاب المشروع؛ فإنه تمكَّن بمساعدة الإمبراطور يوجين وبميل الشعب الفرنسي إلى مشروعه من استجلاب مساعدة الحكومة الفرنسية، ناسبًا سعي إنجلترا في إيقاف عمل السخرة في مصر إلى حسدها فرنسا، فمالت إليه قادة السياسة الفرنسية، وانتهى الأمر بتحكيم الطرفين «الإمبراطورَ نابليونَ الثالثَ» في حل هذا المشكل.

فناط الإمبراطور الفصل في هذه المسألة بجماعة من رجال بلاده طبعًا، فجاء الاتفاق فوق ما كانت تأمل الشركة؛ إذ ألزمت اللجنةُ المحكَّمةُ إسماعيلَ باشا أن يدفع للشركة غرامة قدرها ٣٣٦٠٠٠٠ جنيه نظير إخلاله بشروط الاتفاق الأصلي بشأن أعمال السخرة وغيرها. فمن هذا المبلغ ١٥٦٠٠٠٠ جنيه نظير منعه الفَعَلة المصريين المسخرين من حفر الترعة، و١٢٠٠٠٠٠ جنيه لاسترجاعه الأراضيَ التي على ضفتَي القناة ما عدا ما عَرْضُه ٢٠٠ متر على كلا الجانبين، و٦٤٠٠٠٠ جنيه في مقابل حفر ترعة الإسماعيلية، وقد تم دفع كل ذلك في عام ١٨٦٩م.

بهذا الحل وباستبدال عمَّال مدربين بعمَّال السخرة أصبح مركز الشركة المالي ثابت الأركان، لا يُخشى معه على المشروع من أي عطلة تعترضه كما حصل ذلك من قبل.

ومن هذا الحين أقبل الخديوي على المشروع؛ يعضده بكل نفوذه الأدبي، ويفتخر بأنه القائم بأكبر مشروع ظهر في القرن التاسع عشر.

وعندما قرب انتهاء العمل استعد إسماعيل باشا استعدادًا عظيمًا للاحتفال بفتح الترعة في (شعبان سنة ١٢٨٦ﻫ/نوفمبر سنة ١٨٦٩م)، فكان أكبر وأفخم احتفال حدث في الأزمنة الحديثة، وسنتكلم عليه في موضعه عند الكلام على إسماعيل باشا.

على أن معونة مصر المالية لم تقف عند هذا الحد؛ فإن الشركة حصلت منها عام ١٨٦٦م على مبلغ يربو على ٣٠٠٠٠٠ جنيه لنزولها لها عن أراضي الطميلات، وكانت قد اشترتها قبل ذلك بخمسة أعوام بنحو ٧٤٠٠٠ جنيه، وفي عام ١٨٦٨م أخذت الشركة من الحكومة المصرية مبلغًا آخر يقرب من ١٢٠٠٠٠٠ جنيه لنزولها عن بعض المباني التي أقامتها في منطقة القناة.

أما نفقات حفر القناة فقد بلغت حسب المدوَّن في دفاتر الشركة ٤٣٢٨٠٧٨٨٢ فرنكًا؛ أي نحو ١٧٥٠٠٠٠٠ جنيه، وقد قُدِّر مجموع ما أنفقته الحكومة المصرية في ذلك بنحو ١٦٠٠٠٠٠٠ جنيه.

على أن المشروع لم يثمر ربحًا عقيب حفر الترعة؛ إذ كانت فائدته قاصرة على السفن الشراعية دون البخارية؛ لأنه كان يتعذر على السفن البخارية العادية فضلًا عن بواخر البريد الكبرى أن تسافر إلى الهند، لعظم مقدار ما كانت تحتاج إليه من الفحم في ذلك الوقت، ولكن هذه الصعوبة ما لبثت أن تلاشت؛ إذ اختُرعت في ذلك الحين الآلات المركبة التي جعلت البواخر لا تحرق من الفحم إلا نصف ما كانت تحرقه قبل اختراعها؛ فسهل على هذه السفن الانتفاع بالقناة؛ فاتسع نطاق التجارة المارة بالترعة، وزادت قيمتها زيادة عظيمة.

ومع كل ذلك أيضًا لم يأتِ المشروع بالربح الكافي، لقلة قيمة الرسوم التي كانت تجبيها الشركة — وكانت فئتها حينئذٍ ١٠ جنيهات على كل طن — وكثرة ما تنفقه على إصلاح القناة؛ فانحطت قيمة سهام الشركة سنة (١٢٨٨ﻫ/١٨٧١-١٨٧٢م) من ٢٠ جنيهًا إلى ٧ جنيهات لكل سهم، وتوقفت عن دفع أرباح المساهمين، فعُقد لتلافي ذلك مؤتمر دولي بالقسطنطينية عام (١٢٩٠ﻫ/١٨٧٣م) نظر في الأمر وخوَّل للشركة زيادة الرسوم التي تجبيها من السفن بقدر ٤٠٪ إلى أن تصلح حالتها المالية؛ فحسن بذلك حال الشركة، وأخذت في النجاح المطرد والتقدم المستمر.

ومما يؤسَف له أن مصر لم تستفِد من نجاح ترعة السويس مطلقًا؛ فإنه فوق خسارتها القناطير المقنطرة من الأموال، وإرهاقها الفلاحين المصريين إرهاقًا عظيمًا، وفضلًا عن تحوُّل التجارة المارة بين أوروبا والهند من داخل مصر إلى طريق القناة؛ مما أحدث نقصًا كبيرًا في دخْل سكك حديد الحكومة المصرية، تنازلت لشركة فرنسية في سنة (١٢٩٧ﻫ/١٨٨٠م) عما كان يخصها من أرباح الشركة وقدره ١٥٪ في مقابل مبلغ حقير قدره ٧٠٠٠٠٠ جنيه كانت الحكومة قد اقترضته من تلك الشركة ولم تقدر على سداده؛ فحرمت بذلك مصر من مصدر دخل عظيم، ولم يتم لولاة مصر من إنشاء الترعة شيء مما كان يُمنِّيهم به ديلسبس من توطيد دعامة حكمهم واتساع جاههم وسلطانهم. فترى مما تقدم كله أنه لم يخسر من وراء إنشاء هذه الترعة إلا الأسرة المحمدية العلوية ومصر والفلاحون. وإلى سعيد وإسماعيل وكثرة بذلهما وسخائهما يرجع نجاح مشروع ديلسبس، وإيجاد تلك الفوائد الجليلة التي عادت على فرنسا وبريطانيا العظمى وغيرهما من البلاد.

وكان تعدُّد مصالح الدول الأوروبية في الترعة مدعاة لجعْلها على الحياد، ولكن الدول أدخلت على الاتفاق الأصلي عدة تعديلات منذ إبرامه، وربما عادت إلى النظر في أمر القناة بعد زماننا هذا.

١  هذه جزء من الأسهم التي اشترتها إنجلترا عام ١٨٧٥م من إسماعيل باشا بمشورة «اللورد بيكونسفيلد»، وكان عددها ١٧٦٦٠٢ بيعت بمبلغ ٣٩٧٦٥٨٢ جنيهًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤