كلمة السر: العشاء جاهز

كان الشَّياطين لا يزالون في أماكنهم؛ فقد هزَّتهم مأساة «بيللا»، إنها في مِثل سنِّهم تقريبًا، لكنها لا تستطيع أن تعيش كما يعيشون. وإذا كانت مهمَّة حفظ سرِّ السلاح عملية هامة، فإن حياة «بيللا» هامة أيضًا. نظر الشَّياطين إلى بعضهم، وقالت «إلهام»: إنها مأساة بالتأكيد.

ردَّت «ريما»: هذه مسئوليتك في تخفيف المأساة عنها.

وقف «أحمد» فوقف بقيَّة الشَّياطين، وأخذوا طريقهم إلى الخارج، عندما وصل «أحمد» إلى غرفته، وجد رسالة من رقم «صفر».

كانت الرسالة تقول: أعرف أنَّ المهمة سوف تكون صعبة. إما في عملية الحراسة، أو عملية الصداقة ذاتها، فأنتم سوف تكونون هدفًا مكشوفًا للعصابة، وهذه مهمَّتك في أن تكون المسألة سرِّيَّةً. سوف يكون لك لقاء وحدك بالسيد «مونت كاتيني»، وسوف يتم ذلك عن طريق عميلنا في روما. أتمنَّى لكم التوفيق.

بسرعة، جهَّز «أحمد» حقيبته السرية، وتأكد من وجود أدوات الماكياج؛ فهو يعرف أن العملية سوف تحتاج ذلك كثيرًا … كان موعد اللقاء مع بقية المجموعة في منطقة «الجراج» بعد أن تأكَّد أنه لم ينسَ شيئًا، أخذ طريقه إلى الخارج.

كان «عثمان» و«قيس» و«إلهام» و«زبيدة» قد سبقوه إلى هناك. ولذلك ما إن وصل، حتى أخذ كل منهم مكانَه في السيارة، وجلس «قيس» إلى عجلة القيادة. وفي دقائق كانت السيارة تأخذ طريقها، وهي تُغادر المقر السري، ولم يكن الطريق إلى المطار طويلًا؛ فقد قطعوا المسافة في أحاديث مختلفة.

ولم يكد ينتصف النهار، حتى كانت السيارة تقف أمام المبنى الكبير، حيث كانت حركة المسافرين والمُودعين نشطة، وفي دقائق كانوا داخل المطار. وكعادة «أحمد» اشترى جرائد اليوم، واختار كتابًا عن الجزر … فقد شغلته جزر «الساندويتش».

عندما حلقت الطائرة في الفضاء، كان الشَّياطين قد استغرق كلٌّ منهم في شيء … نامت «إلهام» و«زبيدة». وانشغل «أحمد» و«قيس» و«عثمان» في القراءة. لم يكن هناك ما يشغلهم؛ فهم يعرفون ما يريدون. ولأن الزمن الذي تستغرقه الرحلة ليس طويلًا، فقد انقضى بسرعة.

وفجأةً، سمعوا صوت مذيعة الطائرة، تطلب منهم ربط الأحزمة، ولأنهم قد اقتربوا من مطار «روما». التقت أعينهم، فها هم يخطُون أول خطوة في الطريق لتحقيق مغامرتهم الجديدة …

ما إن غادَرُوا المطار حتى وجدوا سيارة في انتظارهم، ركبوها وعندما أغلق «أحمد» الباب جاء صوت عميل رقم «صفر» يُهنئهم بالوصول، ويتمنى لهم إقامة سعيدة في فندق «كرايتون». ثم قال في نهاية كلامه: سوف أكون في انتظاركم في الغرفة رقم «٢٠١»، وهي الغرفة المُجاورة لغرفكم؛ فأنتم تحتلون غرفة رقم «٢٠٣» و«٢٠٥» و«٢٠٧» …

شكره «أحمد»، وأخذت السيارة طريقها إلى قلب «روما»، لم تكن روما مدينة غريبة عليهم؛ فقد نزلوها عشرات المرات، وحققوا فيها مغامرات ناجحة … ولذلك فلم يكن الطريق إلى فندق «كرايتون» صعبًا.

عندما وصلوا إلى داخل الفندق صعد بهم المصعد إلى الدور الثاني، وعندما غادَرُوه، كانت عينا «أحمد» تَبحثان عن الأرقام، فأشار إلى اتجاه، حيث تقع غرفهم. وعندما وقفوا أمام الغرفة «٢٠١»، قال «أحمد»: سوف أَدعُوكم للاجتماع عندما أعود من لقاء العميل.

وأخذ كلٌّ منهم طريقه إلى غرفته … اقترب «أحمد» من غرفة العميل، ثم دقَّ دقات متَّفَق عليها، ففُتح الباب. غير أنَّ «أحمد» لم يتقدَّم … بسرعة؛ فقد انتظر قليلًا، حتى ظهر العميل في الباب مُبتسمًا … وكان يُمسك منديلًا أبيضَ في يده.

قال: أهلًا بك، إنني في انتظاركم، أين بقية الزملاء؟

دخل «أحمد» وهو يقول: إنهم يُجهِّزون أنفسهم.

ردَّ الرجل: لا بأس، سوف أقضي معك بعض الوقت، وأنصرف من الفندق.

انتظر لحظة، كان «أحمد» قد جلس، فقال: لقد اخترتُ أن ألقاك هنا، حتى لا ألفت نظر أحد؛ فرجال «سادة العالم» يُمكِن أن تجدهم في أي مكان.

ابتسم «أحمد» وهو يقول: نحن في انتظارهم دائمًا.

قال عميل رقم «صفر»: إنَّ السيد «مونت كاتيني» في انتظارك على العشاء. وسوف تكون ابنته «بيللا» معكما، هل ستَذهبون جميعًا؟

قال «أحمد» على الفور: لا أظن أننا سوف نفعل ذلك، إن زميلتَينا هما اللتان سوف تذهبان، وسوف أكون أنا هناك أولًا، ثم تأتيان قبل أن أنصرف.

ابتسم الرجل وقال: هذا تصرُّف طيب، هل أصحبك إلى السيد «مونت»؟

ردَّ «أحمد»: لا أظن، أحتاج فقط إلى خريطة للبيت.

قدَّم العميل خريطة متوسطة الحجم، بسطها أمامهما، ألقى «أحمد» نظرة، ثمَّ قال: لا بأس، إنني أستطيع أن أصلَ إليه.

قال العميل: لاحِظ أن تليفونات البيت مُراقَبة. وقد حاولنا إلغاء المراقبة، لكن العصابة لديها أساليب حديثة تمامًا، وتستطيع التصنُّت على أية مكالمة.

سكت لحظة، ثم أضاف: أخشى أن تكون هناك أجهزة تصنُّت داخل البيت؛ فالمعلومات لدينا تؤكد أنهم ينتظرون الفرصة لخطف «بيللا».

ابتسم «أحمد»، وقال: أرجو أن يفعلوا ذلك.

ابتسم الرجل هو الآخر، وقال: هذا كل ما لديَّ.

وقف «أحمد» يُحيِّيه، وقال: سوف أكون في تمام الساعة السابعة هناك.

انصرف «أحمد» إلى غرفته، وبسرعة استدعى الشَّياطين الذين اجتمعُوا في غرفته. شرح «أحمد» ما دار بينه وبين العميل. نظر في ساعة يدِه، ثم قال: لا يزال أمامنا وقتٌ كافٍ.

انتظر لحظة، ثم قال: تستطيعون الآن أن تُجهِّزوا أنفسكم، وحسب خطتنا سوف أذهب أولًا ويكون «قيس» و«عثمان» في حالة مراقَبة، بعد نصف ساعة، تصل «إلهام» و«زبيدة». وسوف تكونان في ملابس الخادِمات، حتى يكون كل شيء عاديًّا …

انصرف الجميع، وبدأ «أحمد» يضع ماكياجًا، يخفي به شكله العادي، وفي الموعد المناسب، كان يغادر الفندق وحده، واستقلَّ تاكسيًا إلى بيت «مونت كاتيني» في نفس الوقت، كان «قيس» و«عثمان» في انتظار «إلهام» و«زبيدة» لتوصيلهما إلى هناك.

عندما وصل «أحمد» إلى البيت، غادر التاكسي وهو يُلقي نظرة سريعة حوله، كان البيت عبارة عن فيلَّا، من طراز إيطالي قديم، حولها حديقة تبدو واسعة لأول نظرة، كانت إضاءة البيت هادئة، وعلى الباب كان يقف حارسان، ولم تكن تظهر حراسة أخرى.

قال «أحمد» في نفسه: من المؤكَّد أن هناك حراسة سرية. قد تكون في المنزل المُجاوِر … وقد تكون داخل الحديقة، ومن الضروري أن تكون هناك أجهزة إنذار، ولم يُضِع وقتًا، فاتجه مباشرةً إلى الباب، حيث يقف الحارسان …

قال «أحمد» مبتسمًا: العشاء جاهز.

كانت هذه هي كلمة السر التي سوف تُمكِّن «أحمد» من دخول الفيلَّا … ابتسم الحارسان … وفتح أحدهما الباب، فدخل «أحمد» مُتمهِّلًا … كان يعطي نفسه فرصة استيعاب المكان، وبعد أول خطوة داخل الفيلَّا، ظهر أحد الرجال.

فقال «أحمد»: العشاء جاهز.

ابتسم الرجل وقال: تفضَّل يا سيدي.

تبعه «أحمد» إلى داخل الفيلَّا، التي فُتح بها باب آخر مباشرة، وعندما خَطا أول خطوة بعد المرور منه أغلق الباب بسرعة. وكان هناك رجل مَهيب المنظر، أشيب الشعر، يقف مبتسمًا، وقد ارتدى ملابس أنيقة، قال الرجل مُباشرة: أهلًا بك، إنني «مونت كاتيني».

ابتسم «أحمد» ومدَّ يده مصافحًا، وهو يقول: أهلًا بك يا سيدي.

تقدمه «مونت» إلى غرفة الصالون، وعندما جلسا فيها، قال «مونت»: إنني سعيد أن تكون لكم هذه الأعمال العظيمة، أما ابنتي «بيللا»، فهي تعيش حياة تَعِسة، بالرغم من أنني أوفر لها كل شيء، لكن حرية الإنسان، لا يُمكن أن يُعادلَها شيء أبدًا.

هزَّ «أحمد» رأسه وهو يقول مُوافقًا: هذه حقيقة يا سيدي، وأرجو أن تتغيَّر حياة العزيزة «بيللا».

ظهرت الدهشة على وجه «مونت» وتساءل: وكيف يكون ذلك، وهي تعيش في هذا السجن؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: سوف تَصل صديقتان لها.

ظهرت الدهشة على وجه الرجل مرةً أخرى، وقال: صديقتان! من أين؟ … لقد ابتعدَت عن صديقاتها منذ بداية هذه الأزمة.

قال «أحمد» بهدوء: إنهما زميلتان لنا.

لمعت عينا «مونت كاتيني» وكاد يَهتف من السعادة، إلا أنه تمالك نفسه، وقال: أكاد لا أُصدق، أكاد لا أصدق.

نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: بعد ربع ساعة، سوف تكونان هنا.

لم يستطع «مونت» أن يخفي فرحته، فنادى: «بيللا» … «بيللا».

وفجأةً ظهرت «بيللا» على الباب، تبتسم ابتسامة رقيقة، كانت هادئة الجمال، أنيقة … تلبس فستانًا أزرقَ بسيطًا.

وقف «أحمد» بسرعة، وقال «مونت» بفرح: أخيرًا يا ابنتي العزيزة، سوف تكون لك صديقات …!

ابتسمت «بيللا» وهي تُرحِّب «بأحمد» قائلة: أهلًا بك أيها الصديق.

ابتسم «أحمد» وهو يقول: أهلًا بك أيتها العزيز «بيللا».

كان «أحمد» يبدو في مكياجه، أكبر سنًّا، فقدَّم نفسه مُدَّعيًا أنه «جليم».

ابتسمت «بيللا» وقالت: مرحبًا بك يا سيد «جليم».

لم يتطرق الحديث إلى حياة «بيللا»، كان حديثًا عاديًّا، عن الموسيقى، والشعر، والمسرح، وكانت «بيللا» تُحبهما. فجأةً سُمع صوت، فوقف «أحمد» بسرعة وهو يقول: لعلهما الصديقتان «للي» و«نينا». أظن أنكِ سوف تُحبينهما.

ظهرت «إلهام» و«زبيدة» على الباب، في ثياب خادمتَين. ظهرت الدهشة على وجه «مونت» و«بيللا»، فقال «أحمد» مبتسمًا: أنت تَعرف يا سيدي إجراءات الأمن.

ولأول مرة يسمع «أحمد» صوت «مونت» عاليًا؛ فقد ضحك «مونت كاتيني» بصوتٍ مُرتفِع، لكنه قطع ضحكته فجأةً، وهو يقول: هذه أول مرة منذ زمن، أضحك فيها بصوتٍ عال.

قدم «أحمد» «إلهام» و«زبيدة» إلى «مونت»، ثم إلى «بيللا»: هذه «للي»، وهذه «نينا».

ظهرت الدهشة السريعة على وجه «إلهام» و«زبيدة»؛ فلم يكن هناك اتفاق بين الشَّياطين على تغيير الأسماء، لكنَّهما أخفتا دهشتهما بسرعة.

وقال «مونت»: هيا، انصرفْنَ، واستمتعْنَ بوقتكن، ودعوني مع السيد «جليم»؛ فمنذ وقتٍ طويلٍ لم أشعر بالراحة.

اختفت الثلاث بسرعة، فقال «مونت»: لا أدري يا سيد «جليم» كيف أشكُرُك، إنك أعدتَ الحياة إلينا.

ردَّ «أحمد»: إنني يا سيدي تحت أمرك.

انتظر «مونت» لحظة، ثم قال: إنكم تُعرِّضون حياتكم للخطر يا سيد «جليم»، أنت لا تدري قسوة هذه العصابة، وأنا لا أستطيع أن أُعلن ما أنا فيه، وإلا فقدتُ حياتي نفسها.

ابتسم «أحمد» وقال: أرجو أن نَستطيع تحقيق الأمان للعزيزة «بيللا».

فجأةً، سمع صوت فرملة شديدة، وشعر «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال، فوقف بسرعة. نظر له «مونت»، وقد ظهر الفزع على وجهه وتساءل: هل هناك شيء؟

ردَّ «أحمد»: لا بأس أن يكون هناك شيء.

ثم تحرَّك قائلًا: أستأذنك الآن.

وأسرع بالانصراف؛ فقد كانت هناك فعلًا معركة ما تدور بين «قيس» و«عثمان» ورجال ظهروا فجأةً في الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤