فجأةً … دوَّت طلقة في الظلام

عندما خرج من باب الفيلَّا، كان قد تلقى رسالة الشَّياطين، كانت الرسالة تقول: لقد بدأ الصراع، يبدو أن العصابة عرفَت مهمتنا.

ألقى نظرة سريعة على الشارع، كان الضوء خافتًا، ويبدو أنها مسألة مُتعمَّدة أن يكون الضوء قليلًا. فجأةً دوَّت عند قدمه طلقة رصاص، فقفز من مكانه، والتصق بسور الفيلَّا.

فكَّر بسرعة: إن ما يحدث هو نوعٌ من التهديد فقط … ولو كانوا يُريدون الخلاص منه، لاستطاعوا. فالطلقة التي دوَّت عند قدميه تعني التهديد فعلًا، وإلَّا فلماذا لم تكن عند كتفه، أو صدره مثلًا؟

وضَع يده على جهاز الإرسال … أرسل رسالة إلى الشَّياطين تقول: أين أنتم الآن؟

وبسرعة جاءه الرد: نحن عند النقطة «و». لا تَقترب الآن، اللقاء في «كرايتون».

تحرَّك في حذر، كان يتوقَّع طلقة أخرى من أيِّ اتجاه. ظلَّ يتقدَّم بمحاذاة السور، حتى وصل إلى نهايته، كان عليه أن يَعبر الشارع الآن.

فكر: هل هناك مَن يتبعه؟ إنه لم يرَ أحدًا، لكنَّ الظلام في المكان، يُمكن أن يُخفي مَن يُريد.

ظلَّ في مكانه دقائق، أخذ يَرقُب كل الاتجاهات، ثم فجأةً قفَز بعرض الشارع قفزةً واسعة. في نفس الوقت رنَّت طلقة في الصَّمت، كان صوت الطلقة مَكتومًا.

قال في نفسه: إنهم يستخدمون كاتم الصوت في المسدَّسات.

ظلَّ واقفًا بجوار جدار مَنزلٍ مُرتفِع إلى ثلاثة طوابق … لقد عرَف الآن أن هناك مَن يتبعه. فكَّر: هل هم يريدون الخلاص منه فعلًا؟ … وهل يفعلون ذلك مع أي إنسان يدخل فيلَّا «مونت كاتيني»؟

ظلَّ في مكانه لبعض الوقت، ثمَّ أخذ يتحرَّك في حذر. كان يتقدَّم بجوار الجدار، حتى وصَل إلى نهايته. كان عليه أن يَنحرِف مع انحراف الجدار، لكن فجأةً عندما كان يتحرَّك، أطبقت يد قوية على فمه، وعنُقِه. وبسرعة كانت ذراعُه تعود في قوة لتَضرب صاحب اليد ضربةً قوية … واستطاع أن يتخلَّص من يد الرجل الذي كان قد ابتعد قليلًا، وقبل أن ينصرف … قفز إليه في رشاقة، وضربه ضربةً جعلته يسقط وسط الشارع.

لكنَّ الرجل لم يكن وحده؛ فقد برز ثلاثة رجال في الظلام، قفَز أحدُهم طائرًا في الهواء إليه، وهو يُسدِّد له ضربةً قوية، إلا أنَّ «أحمد» استطاع أن يَهرب منها، غير أنه وقع بين ذراعَي آخر … في نفْس الوقت كان الثالث يُسدِّد له ضربةً قوية تلقَّاها «أحمد»، وقد آلَمتْه كثيرًا، إلا أن قدمه كانت أسرع إلى الرجل الثالث، فأصابه إصابةً عنيفة جعلَت الرجل يتراجَع في قوة. في نفس الوقت انحنى وأخَذَ الرجل الذي يُمسك يدَيه، في حركة سريعة، ثم أطاح به في الهواء. أسرع الرجل الأول، واشتبك مع «أحمد» … سدَّد له «أحمد» ضربةً قوية بيده، إلا أنَّ الرجل استطاع أن يهرب منها، وضرب «أحمد» ضربةً قوية، أصابته وجعلتْه يترنَّح، وأطاحت به أرضًا.

وقبل أن يَعتدِل، كان الرجل قد قفَز إليه؛ ليسقط فوقه، إلا أنَّ «أحمد» تدحرج من مكانه، فسقط الرجل على الأرض.

قفز «أحمد» قفزةً رشيقة، فاعتدل واقفًا، وضرب الرجل ضربةً قوية، جعلت الرجل يئنُّ من الألم.

كانت معركةً صعبة؛ فالرجال الأربعة كانوا أقوياء تمامًا. شعر «أحمد» أنه قد يَخسر المعركة وحده، فضغط زرًّا في جهاز الإرسال الصغير في جيبِه، وكانت هذه الضغطة تعني انضِمام الشَّياطين بسرعة.

قفز أحد الرجال إليه، تلقاه «أحمد» بين ذراعَيه، ثم أمسك بذراعه، ودار به دورةً كاملة، فاصطدم بالآخرين، وأوقَعَهم أرضًا.

فكر بسرعة: هل يهرب في هذه اللحظة؟ لكن الشَّياطين سوف يصلون، ولن تنتهي المعركة.

قبل أن يعود الرجال إليه، كان قد قفز بينهم، وهو يضرب بيديه وقدميه، فلم يعطهم فرصة الإمساك به، أو الاقتراب منه. فجأةً كان «عثمان» و«قيس» يشتبكان في المعركة، وكأنهما قد خرجا من تحت الأرض.

فاجأ «عثمان» أحد الرجال بضربةٍ قوية جعلته يترنح، وقبل أن يسقط كان قد ضربه ضربةً أخرى جعلت الرجل يفقد قواه، ثم انحنى وسقط على الأرض.

في نفس الوقت، كان «قيس» قد سقط على الأرض، بسبب ضربة عنيفة مِن أحدهم، إلا أنه كان يعرف أن الرجل سوف يتابعه، فقفز قفزة ثُعبانية، جعلَتِ الرجل يُفاجأ. وقبل أن يستردَّ وعيه من المفاجأة، كانت مجموعة من الضربات السريعة تتوالى من يدَي «قيس»، فجعلت الرجل يتلوَّى … ثم في النهاية ضربه ضربةً قوية وشديدة أوقعتْه على الأرض، ولم تستمرَّ المعركة طويلًا؛ فقد هرب الرجال الأربعة، بعد أن نالوا علقةً ساخنة …

همس «أحمد»: كيف وصلتُم؟

ردَّ «قيس»: إنَّ السيارة تقف في شارعٍ جانبي.

ابتسم «أحمد»، وقال: عملٌ جيد.

سكت لحظة، ثم أضاف بسرعة: يَنبغي ألا نعود إلى الفندق مباشرة. من المؤكَّد أنهم يتابعوننا.

تحرَّكوا في اتجاه السيارة. وهمس «قيس»: أقترح أن نُغيِّر الفندق، ونذهب إلى فندق آخر.

ابتسم «أحمد» وردَّ: لقد كنتُ أفكِّر في نفس الشيء.

عندما ركبوا السيارة رفع «أحمد» سماعة التليفون، وتحدث إلى عميل رقم «صفر»، وطلب أن يَنتقلُوا إلى فندقٍ آخر.

جاءه ردَّ العميل: سوف أتَّصل بكم حالًا.

وضع السماعة، ونظر إلى «قيس» الذي كان يقود السيارة، ثمَّ قال: أعتقد أنهم لا يَعرفون خطواتنا، وأنهم فقط يقومون بحركة إرهاب لكلِّ مَن يَتعامل مع «مونت كاتيني».

مرَّت لحظة، قبل أن يقول «عثمان»: إنني أيضًا أعتقد ذلك.

وقال «قيس»: ومَن يدري أنهم لا يعرفون عنَّا شيئًا، لاحظ أننا تعاملنا مع «سادة العالم» كثيرًا.

قال «أحمد»: مع هذا، أظن أن العصابة لا تَعرف عنا شيئًا هذه المرة.

رنَّ جرس التليفون، فرفع «أحمد» السماعة بسرعة، وجاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: إن الفندق الجديد هو فندق «بلازا».

قال «عثمان» بسرعة: إنَّ حاجتنا لا تزال هناك، وينبغي ألا نذهب.

تحدَّث «أحمد» إلى العميل: ينبغي أن ترسل أحدًا إلى فندق «كرايتون» فحاجتنا لا تزال هناك.

ردَّ العميل: لا بأس، اذهبوا إلى فندق «بلازا»، وسوف تصلكم أشياؤكم.

شكره «أحمد» ووضع السماعة، فقال «قيس»: لقد نزَلنا في فندق «بلازا» من قبل، إنه فندق جيد.

قال «عثمان»: يَنبغي أن نُعرِّف «إلهام» و«زبيدة» أننا انتقَلنا إلى فندقٍ جديد.

أخذوا طريقهم إلى فندق «بلازا»، وفي موقفٍ يَبعد قليلًا عنه، تركوا السيارة حتى لا تلفت نظر أحد … كان الليل قد تقدَّم كثيرًا، وكان عليهم أن يعودوا إلى الراحة.

غير أن «عثمان» قال: يَنبغي أن تكون هناك حراسة منا.

ردَّ «أحمد»: لا أظنُّ؛ فالسيد «مونت كاتيني» يعرف بالتأكيد كيف يَحمي نفسه، فهو يحتلُّ منصبًا خطيرًا. إنَّ الخوف كله على العزيزة «بيللا». وأظنُّ أن «إلهام» و«زبيدة» تَعرفان جيدًا كيف تُحافِظان عليها.

عندما وصلُوا إلى غرفتهم في فندق «بلازا»، كانت حاجاتهم أمامهم. ابتسمَ «عثمان» وقال: إن السيد العميل، يتصرَّف على طريقة الشَّياطين.

كان العميل قد حجَز لهم غرفة واحدة، ذات ثلاثة أسرَّة. وقد علَّق «قيس» قائلًا: لقد وضع صديقنا العميل البيض كلَّه في سلَّة واحدة.

ردَّ «أحمد»: ينبغي أن نكون معًا هذه المرة، فمَن يدري؟! إن للعصابة خططها.

أخذ كلٌّ منهم مكانه في سريره استعدادًا للنوم، إلا أن «أحمد» قال: هل لديكم دقائق قبل النوم؟

التفتا إليه، فأضاف: إن فكرةٍ ما، تلحُّ على ذهني، وأريد أن أطرحها عليكم.

صمت لحظة، ثم اعتدل في سريره، وقال: إننا في حاجةٍ الآن لنُواجه العصابة، مواجهة مباشرة. فهي كما أرى تقوم بعملية إرهابية لا أكثر، لكنَّنا سوف نُواجهها مُباشرة، إذا حدث شيء.

لم يفهم «عثمان» و«قيس»، فنطَقا في نفسٍ واحد: ماذا تعني؟

قال «أحمد»: إنَّ «بيللا» الآن، في حالة حراسة كاملة. حراسة عن طريق والدها، وحراسة عن طريقنا. هذا يعني أن «بيللا» لا يُمكن خطفها، إلا من داخل الفيلَّا.

صمت لحظة، ثم قال: سوف أشرح لكم وجهة نظري.

صمت مرة أخرى، ثم أضاف: إذا خُطفت «بيللا»، فإن خطفها لن يحدث إلا عن طريقٍ واحد.

نظر إلى «قيس»، الذي تساءل: ما هو هذا الطريق؟

مرت دقيقة، قبل أن يقول «أحمد»: أحد مدرسيها.

ظهرت الدهشة على وجه «عثمان» و«قيس» وتساءل «عثمان»: كيف، والمدرِّسون يخضعون لرقابةٍ شديدة، بجوار أنهم يؤمنون بما يقومون به؟

قال «أحمد» بعد لحظة: إنَّ العصابة لن تعجز. وهناك أكثر من طريقة للوصول إلى «بيللا» لعل أكثر هذه الطرق سلامةً، هي أن يشترك أحد المدرسين في خَطفِ «بيللا».

مرةً أخرى ظهر التساؤل على وجه «قيس» و«عثمان» الذي قال بسرعة: كيف؟

انتظر «أحمد» لحظة، ثم قال: قبل أن أزيل الماكياج، أظن أنني كنت شخصية أخرى.

لمعت عينا «قيس»، وهو يَهمس: هل تقصد …؟!

وقبل أن يكمل كلامه، قال «أحمد»: نعم، هذا ما أقصده.

شرَد «قيس» قليلًا، بينما قال «عثمان»: هذا صحيح، إنها فِكرة يُمكن أن تلجأ إليها العصابة.

نظر «قيس» إلى «أحمد» وقال: أنا معك. إنهم يَستطيعون خطف أحد المدرِّسين، ثم يقوم أحد رجال العصابة بالتخفِّي في ثياب المدرس، بعد وضع الماكياج اللازم، حتى يبدو كأنه هو، ومن داخل الفيلَّا، يستطيع تدبير المسألة.

همس «أحمد» وهو يُفكِّر: هذا ما فكرت فيه فعلًا، وأخشى أن تتمَّ هذه الخدعة.

مرَّت لحظة صمت، قطعها «أحمد» مُبتسمًا: ينبغي أن نَنام الآن، فقد تَصرف هذه الفكرة النوم من أعيننا.

قال «قيس»: ألا يَنبغي أن نطمئن على «إلهام» و«زبيدة»؟

ابتسم «عثمان»، وقال: بل نطمئن على «بيللا»؛ ﻓ «إلهام» و«زبيدة» لا خوف عليهما.

همس «أحمد»: هذا حقيقي.

أخذ جهاز الإرسال، وأرسل رسالة شفرية إلى «إلهام». كانت الرسالة تقول: «٣٨–٢» وقفة «٤٢–٤٤» وقفة «٢–٤٣–١٤–٤–٢–٢٠» وقفة «٦–١٢–٤٤–٢–٦–٣٩–٦» وقفة «٢–٣٧–٤٤» وقفة «٢–٣٧–٣٢–٤٠–٤٤–٤٠–٤٢» وقفة «٤–٤٤–٣٧–٤٣» انتهى. انتظر لحظة، ثم جاءه الردُّ. كانت رسالة «إلهام» تقول: «٢–٣٧–٣٨–٤٥–٣٥–٣٤» وقفة «١٠–٤٤–١٦» وقفة «٤–٤٤–٣٧» وقفة «٦٠–١٦–٤٤–٣٥–٤٢» وقفة «٦–١٢–٤٤–٢–٦–٤٢–٢» وقفة «٢–٣٧–٤٤–٣٦–٣٨» انتهى.

قرأ «أحمد» الرسالة، ثم ابتسم، ونقلها إلى «قيس» و«عثمان»، فقال «قيس»: عظيم.

وعلَّق «عثمان» مبتسمًا: كنتُ أتمنى أن أكون مكان «إلهام».

ابتسم «قيس» و«أحمد» وأكمل «عثمان»: هل رأيتَ «بيللا»؟

ابتسم «أحمد»، وقال: نعم، إنها رائعة الجمال، كما تقول «إلهام».

قال «عثمان»: هل تحدَّثتَ إليها؟

ضحك «أحمد» هذه المرة، ثم قال: سوف نُرسلُك في زيارةٍ لها.

وأضاف «قيس» ضاحكًا: على أن يقوم بعملية ماكياج، حتى لا تَكشفَه العصابة.

وضحك الثلاثة، ثم قال «أحمد»: إلى النوم.

جذب كل منهم غطاءَه، واستغرقوا في النوم، لكن بعد حوالي ساعة استيقظ «أحمد» فقد شعر بحركةٍ ما في الغرفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤