السراب في الصحراء

السراب الخؤون والصحراء
والحيارى المشردون الظماء
وليالٍ في إثرهن ليالٍ
سنة أقفرَت وأخرى خلاء
قلَّ زادي بها وشح الماء
وتولى الرفاق والخُلَصاء
كيف للنازح الحبيب ارتحالي
وجناحاي السقم والبرحاء
وجراحي المستنزفات الدوامي
وخُطاي المقيدات البطاء؟!
أدركي زورقي فقد عبث اليم
به والعواصف الهوجاءُ
والعباب العريض والأفق المو
حش واللانهاية الخرساءُ
أفق لا يحد للعين قد ضاق
فأمسى والسجن هذا الفضاءُ
سهرت ترقب الصباح وعين الـ
ـنجم كلَّت وما بها إغفاءُ
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو
ولما يعد لقلبي رجاءُ؟!
وأنا مرهف المسامع فيه
لي إلى كل طارق إصغاءُ …

•••

التقينا كما التقى بعد تطوافٍ
على القفر في السرى إنضاءُ
قطعوا شوطهم على الدم والشو
ك وراحوا على اللهيب وجاءُوا
في ذراعيَّ أو ذراعيك أمن
وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ
وعلى صدرك المعذب أو صد
ريَ حصن وعصمة واحتماءُ
كم أناديك في التنائي فترتد
بلا مغنم ليَ الأصداءُ!
وأناديك في دمائي فتنسا
ب على حسرة لديَّ الدماءُ
وأناديك في التداني وما أطمع
إلا أن يستجاب النداءُ
باسمك العذب أنه أجمل الأسـ
ـماء مهما تعددت أسماءُ
لفظة لا تبين تنطلق الأقدارُ
عن قوسها ويرمي القضاءُ

•••

وهي بين الشفاه ناي وتغريـ
ـد وطير وروضة غناءُ
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحـ
ـبابُ فيها وتحشد الأنباءُ
صدفة ثم وقفة فاتفاق
فاشتياق فموعد فلقاءُ
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل
فيه ولا يطولُ الهناءُ
فحنين فلوعة فاحتراق
فجحيم وقوده الشهداءُ
ما بقائي وأجمل العمر ولَّى
وانتظاري حتى يحين الشتاءُ
يطلع الفجر مرهقًا شاحب النو
ر عليه الكلال والإعياءُ
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل
من قبل أن يحين المساءُ

•••

زرتني كالربيع في موكب الزهـ
ـر له روعة وفيه رواءُ
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه
والتقى السحرُ عنده والذكاءُ
وشحوب كظل خمر وللند
مان تجلو شحوبها الصهباءُ
ولك الجيد أتلعا أودع الصانع
فيه من قدرة ما يشاءُ
قد من مرمر وشعشعه الفجـ
ـر بورد وصُبَّ فيه الضياءُ
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي
السماوات والذرى الشماءُ
راشني صائد رماني فأدما
ني وولَّى الجاني وعاش الداءُ
مرحبًا بالهوى الكبير، فإن يبقَ
وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ
فهو القمة التي تهزم المو
ت ولا يرتقي إليها الفناءُ
مرّ يومي كأمسِه مسرحًا تُعرض
فيه الحياةُ والأحياءُ
آدم كالقديم قلبًا وتفكيـ
ـرًا ولكن تبدل الأزياءُ
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم
لبست غير نفسها حواءُ
والنضار المعبود قدس وقربا
ن ورب والشهرة الجوفاءُ
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ
والأماني بريقُها إغراءُ
وسفين تمر إثر سفين
والرياح للذات والأهواءُ
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ
تعبت في رموزها الحكماءُ
عندها المرفأ المؤمل والشط
المرجى والصخرة الصماءُ …
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ
بهيج تزف فيه السماءُ
قد جلت فيه عرسها، كل نجم
قدح يستحم فيه الضياءُ
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ
ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ
لم تزل حتى هوم الحان نعسا
ن وأغفى البساط والندماءُ
غير نجم في جانب الليل يقظان،
له روعة بها وجلاءُ
ذاك نجم الحبيب مني له الشو
ق ومنه الوميض والإيماءُ
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت
على فرعِ غصنها الورقاءُ!
وذراعيَ في انتظارٍ، وصدري
فيه بالضيف فرحة واحتفاءُ
موقدًا للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ …

•••

لمَ خليتني وباعدت مسرا
ك ومالي إلى ذراك ارتقاءُ
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
ما تراني وقد ذهبت بحظي
اخطأتني من بعدك النعماءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسد ولا يدٌ بيضاءُ
ومشى الحسن في ركابك والإحـ
ـسان طرًّا والغرة السمحاءُ
حسنات كانت يدَ الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤