السراب على البحر

لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاءوا
ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ،
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ
أما لذا الظمأ القتَّال إرواءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقرَّ ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ
سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
وكيف تخدعني البيداءُ غافية
وللسواقي على البيداء إغفاء
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي؟
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
لبيك لو عند روحي ما تطير به
وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ

•••

تفرق الناس حول الشطِّ واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنِهم
كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدَّى الحبَّ بغضاءُ
ضاقت نفوسٌ بأحقادٍ ولو سلمت
فإنها كسماء البحر روحاءُ …
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ
لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زادَ عن سنةٍ
ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وأنثني ولطرفي عنك إغضاءُ
إذا نطقْت فما بالقول منتفعٌ
وإن سكت فإن الصمتَ إفشاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا
وكيف تدري الصبا أنا أحِبّاءُ؟
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب، وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائرُها
شهباء في ساعة التوديع صفراءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ حِناءُ

•••

يا من تنفس حر الوجد في عنقي
كما تنفس في الأقداح صهباءُ
ومن تنفستُ حر الوجد في فمه
فما ارتويت، وهذا الري إظماءُ
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد
ولن تواريك عن عينيَّ ظلماءُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤