بقية القصة

كلَّا ولا لغة له إلا الذي
قد جال في عينيك أو عينيّا
أو لفظة جمدت على شفتيك من
فزَع كما ماتت على شفتَيّا
أو حسرة مني إليك وحسرة
مرتدة من ناظريك إليَّا

•••

لا أنت نائية ولا أنا ناءِ
إني لديك مُقَيَّد بوفائِي
بعضُ الهوى يُسدي كمِنَّةِ مُنعمٍ
وجميلُهُ دَيْنٌ رهينُ قضاءِ
ويقلُّ عُمر الدهر تَوْفيَةً لما
أَسْدَيْتِه بجمالكِ الوضَّاءِ
عُمر الزمان فِدًى لساعةِ مُلتقًى
سمحتْ بها الأقدارُ ذاتَ مساءِ

•••

أنتِ التي علَّمتِني معنى الحيا
ة حبيبةً ونجيَّةً وصديقا
أنكرتُ معناها بغيرِك واستوتْ
وتشابهتْ سعةً عليَّ وضيقا
وَوَدِدْتُ لو غال الخلائقَ غائلٌ
مُفْنٍ أو اشتعَل الصباحُ حريقا
وسلمتِ أنتِ فأنتِ أدناهم إلى
روحي وأبعدهم عليَّ طريقا!

•••

لا تسألِيني عن غدٍ لا تسألي
فغدًا أعود كما بدأتُ غريبا
هَتَكَ الستارَ مُقنَّع حسناتُه
يخفين خلفَ ريائِهن الذيبا
كان التلاقي بيننا كَفَّارةً
للدهر عن آثامِه لِيَتوبا
فلْتَذْهَبِ الحسناتُ غيرَ كريمةٍ
سأَعُدُّهُنَّ على المتابِ ذنوبا!

•••

أرنو وحيدًا للمكانِ الخالي
كأسي وكأسُك فارغانِ حِيالي
مرَّ المساء مُخَيَّبًا فتساءلا
وتَلَفَّتا لكِ في المساء التالي
حتى إذا مَلَّا تَرَقُّبَ عائدٍ
يُحْيي وَيبْعَثُ ميتَ الآمال
بَكَيَاكِ بالحبَبِ الحزين وربما
بكت الكؤوس على النديم السالي!

•••

أرنو على الصهباء غام شعاعُها
وامتدَّ نحو النفسِ ظلُّ جنابها
وكأنما روحي هناك حبيسةٌ
تطفو وتَرْسُب في خطوطِ حَبابها
وكأن راهبة هناك سجينة
مغمورة بدموعها وعذابها
ظلَّت تُقيم على الشموعِ صلاتها
حتى تلاشى النُّور في مِحْرابها

•••

كم ذكرياتٍ في الحياةِ عزيزةٍ
مَرَّتْ عليَّ! فكنتِ أَغْلاهُنَّ
حتى إذا عَفَتِ الصبابةُ وانقضى
ما بيننا أَقْبلتُ أَسْأَلهنَّ
وسألتُ عنك العمر ماضِيَه وحا
ضِرَه فكان العُمر أنتِ وهُنَّ
والله ما غدَر الزمانُ وإنما
هانَتْ عليكِ الذكرياتُ وهُنَّا!

•••

يا زهرةً عذراء تنشر عِطْرَها
وتُذيعُ في جفنِ الضُّحى أحلامَها
لاقيتُها والريحُ تجمعُ شملَها
والسُّحْبُ تجمع بَرْقَها وغَمامَها
عانقتُها ظمآنَ أشربُ راحَها
واستقطرتْ قلبي لتملأَ جامَها
فإذا الرياحُ نَزَعْنَها عن خافقي
ضَمَّتْ على أنفاسِه أكمامَها

•••

حُلُمٌ كما لمع الشهابُ تَوارى
سَدَلَتْ عليه يد الزمانِ سِتارا
وحبيسُ شَجْوٍ في دمي أَطلَقْتُه
متدفِّقًا وَدَعَوْتُه أشعارا
ووديعةٌ رَجَعَتْ فما خطبي إذا
رُدَّ الذي كان الزمانُ أعارا؟
قد كان قلبًا فاستحال على المدى
لحنًا تناقله الرواةُ فسارا!

•••

يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفرَ موئِلي وملاذي
نعطي ونأخذ في الحديث ومُقلتي
مسحورةٌ بجمالك الأخَّاذِ
والدهر يغريني فأُعرِضُ لاهيًا
فيظلُّ يفتِنُني بتلك وهذي
والدهرُ يَهزِلُ والغرامُ يَجدُّ بي
ما كنتِ ساخرةً، ولا أنا هاذي

•••

هل كان عهدُك قبل تشتيت النَّوى
إلَّا مخالسةَ الخيالِ الطارقِ؟
إشراقة وطغى عليها مَغرِبٌ
غيرانُ يخطَفُها كخطف السارقِ
أو لمعةٌ لم تتَّئدْ ذهبتْ بها
دكناءُ مدَّتْ كفَّها من حالقِ
وكأن ثغرَك والنوى تعدو بنا
شَفَقٌ يلوحُ على نضيدِ زنابقِ

•••

شفتاكِ في لُجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
لهما إذا التقتا على أغرُودةٍ
خرساءَ في ظلِّ الجمالِ الساحرِ
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ
وبراءةُ الملكِ المتوَّجِ حُسْنُه
بجمالِ رحمنٍ وطيبةِ غافرِ

•••

صَحِبَ الحياةَ فآدَه استصحابُها
ركبٌ على طُرُقِ الحياةِ كليلُ
خدعت ضلالاتُ الحياةِ تبيعَها
والدَّرْبُ وعرٌ والطريقُ طويل
فتلفَّتَ الساري لعلَّ لعينه
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
فبدا له نورٌ وأشرق منزلٌ
أَلِقٌ ورفت جنةٌ وخميل

•••

لكِ في خيالي روضةٌ فينانةٌ
غنَّى على أغصانِها شاديها
يَحْمِي مغارسَها ويرعى نبتها
راعٍ يجنِّبُها البِلى ويقيها
فإذا النوى طالت عليَّ وشفَّني
جُرْحي وعاد لمهجَتِي يُدميها
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!

•••

بعض الهوى فيه الدمارُ وإنما
بعض النفوس على الدَّمار حِراصُ
فيكون فيه القيد وهْو تحرّرٌ
ويكونُ فيه الموتُ وهْو خلاصُ
آمنت بالحبِّ القوي وحتمِهِ
ما من هوايَ ولا هواكِ مناص
إن كان داءً فالسقامُ دواؤُه
أو كان ذنبًا فالمتاب قِصاص!

•••

أصبحتُ والدنيا وداعُ أحبَّةٍ
ودموعُ خلَّانٍ وحزنُ رفاقِ
فسِخرْتُ من صَرَخاتِهم وبكائهم
لا دمعَ إلا الدمعُ في أحداقي
لا صوتَ إلا صوتُ حُبِّك في دمي
أُصغي له وأراه في أطواقي
متدفقًا مثل العُباب ومُزبِدًا
متفجرًا كالسيل في أعماقي!

•••

ساهرتُ أحلامَ الظلامِ وكلُّها
أشباحُ هجر أو طيوفُ وداعِ
مرَّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مَشيْنَ جِدَّ سِراعِ
حتى إذا سَفكَ الصباحُ دماءَهُ
وهوى قتيلُ الليلِ بعد صِراعِ
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي!

•••

يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تُشرقُ في الحِمَى والدُّورِ
ومن الشموس دفينةٌ في خاطري
مخبوءةُ الأضواء طيَّ شعوري
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤