هبة السماء

ألقيت في حفل تأبين المرحوم أحمد شوقي بك بمسرح حديقة الأزبكية.

راحوا بأرواحٍ ظماءْ
يتهافتون على الفناءْ
جفَّت حلوقٌ بعدهم
لم تلق دونهمُ رواءْ
واهًا لكأسٍ كالخُلو
د ومنهلٍ فيه الشفاءْ!
كنَّا إذا ضجَّ الفؤا
دُ وضاق بالدنيا وناءْ
نمضي إليه فنستقي
ونَعُبُّ منه كما نشاءْ
فاليومَ إذْ شطَّ المزا
رُ بكم وقد عزَّ اللقاءْ
وبخلْتُمُ بُخْلَ الضَّنيـ
ـنِ فحسْبُنا قَطَراتُ ماءْ

•••

أين الأمين على الإما
رة والحريصُ على اللواءْ؟
قبسٌ أضاء العالميـ
ـن كما تُضيءُ لهم ذكاءْ
ثم اختفى خلف الغيو
ب مخلِّفًا ظُلَمَ المساءْ
فكأنما هبة السَّما
ءِ قد استردَّتها السَّماءْ!

•••

جزع الرياض لطائرٍ
غنَّى فأبدَع في الغناءْ
حتى إذا خلب العقو
لَ وقيل: سِحرٌ لا مراءْ!
ولَّى عن الأيك الفخو
ر به إلى عرضِ الفضاءْ
فكأنَّه والسُّحْب تطـ
ـويه فيمعن في الخفاءْ
دنيا من الأمل الجميـ
ـل قد استبدَّ بها العَفاءْ!
ووراءها شفقٌ من الـ
ـذكرى كجرحٍ ذي دماءْ!
وتسائل الدُّنْيا التي
ناطت به كلَّ الرَّجاء
عن أي سرٍ طار عنْ
هذي الرُّبى؟ وعلام جاءْ؟!
قُم يا فقيدَ الشعرِ وانْـ
ـظُرْ أيُّ حفلٍ للرثاءْ!
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها
بعضًا، وهيهات العزاءْ!
هذي الجموعُ الباكيا
تُ الساخطاتُ على القضاءْ
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاءَ الوفاءْ
أوَ لَمْ تجدكَ لسانَها الـ
ـشاكي إِذا احتدام البلاءْ؟
أَوَ لَمْ تكن غِرّيدَها
ونديمها عند الصفاءْ؟
لِمَ لا توفِّيك الجميـ
ـلَ وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!

•••

ومُنَعَّمٍ بين القصو
رِ قد اسْتَتَمَّ له الثراءْ
ما بالهُ حملَ الهمو
مَ وجشَّم القلبَ العناءْ!
وينوءُ بالعبءِ الذي
هو عن أذاه في غَناءْ!
ويحَ الذكاءِ وما يكلِّـ
ـفُهُ من الثَّمَنِ الذكاءْ!
أضنى قواه ولم يدعْ
من جسمهَ إلَّا ذماءْ
والمجد يوغل في حنا
يا، روحه والمجدُ داءْ!

•••

صرحٌ من الأدبِ الصميـ
ـمِ له على الدنيا البقاءْ
الدَّهرُ يحمي ركنَه
والفنُّ في روح البناءْ

•••

(شوقي)! على رغم التفرُّ
دِ والتفوقِ والعلاءْ
ذاك الرقادُ بساحةٍ
كل الرجال بها سواءْ
وبرغم ذهن كالفرا
شة حول مصباحٍ أضاءْ
مثواك لا تشكو السكو
نَ ولا تمل من الثواءْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤