سليمان البستاني
أَجْدَى كِفَاحُكَ لَوْ يُفِيدُ كِفَاحُ
               
               وَوَقَى سِلَاحُكَ لَوْ يَذُودُ سِلَاحُ
               
            وَإِذَا المَنِيَّةُ حَانَ حِينُ وُقُوعِهَا
               
               عَجِزَ الطَّبِيبُ وَأَخْفَقَ الجَرَّاحُ
               
            مَا أَنْ نَقُولَ: أَضَاءَ مِصْبَاحٌ هُنَا
               
               حَتَّى نَقُولَ: خَبَا هُنَا مِصْبَاحُ
               
            يَا رَوْضُ لَا عَادَ الرَّبِيعُ وَزَهْوُهُ
               
               يَا رَوْضُ مَاتَ هَزَارُكَ الصَّدَّاحُ
               
            فَلِمَنْ تُرَى يُصْغِي غَدِيرُكَ بَعْدَهُ؟
               
               وَلِمَنْ تُصَفِّقُ فَوْقَكَ الأَدْوَاحُ؟
               
            لَا الوَرْدُ وَرْدٌ فِيكَ بَعْدَ نُزُولِهِ
               
               بَيْنَ القُبُورِ وَلَا الأَقَاحُ أَقَاحُ
               
            أَيُضِيعُ رَوْضُ العِلْمِ بُسْتَانِيَّهُ
               
               وَيَدُومُ فِيهِ جَمَالُهُ الوَضَّاحُ
               
            وَيُرَى سُلَيْمَانٌ ضَجِيعًا فِي الثَّرَى
               
               وَيَضُوعُ زَهْرُ الحِكْمَةِ الفَوَّاحُ؟!
               
            •••
«هومير» قُمْ رَحِّبْ بِضَيْفِكَ وَاحْتَفِلْ
               
               بِقُدُومِهِ حَيْثُ الخُلُودُ مُتَاحُ
               
            أَرْدَاهُ دَاؤُكَ وَهْوَ دَاءُ نَوَابِغٍ
               
               أَصْمَى عُيُونَهُمُ الذكا الفَضَّاحُ
               
            وَلَقَدْ تَرَى الأَحْدَاقُ وَهْيَ مَرِيضَةٌ
               
               مَا لَا تَرَى الأَحْدَاقُ وَهْيَ صِحَاحُ
               
            وَشَّى نُبُوغَكَ فِي الحَيَاةِ نُبُوغُهُ
               
               فَتَمَازَجَتْ قَبْلَ اللِّقَا الأَرْوَاحُ
               
            هَذِي بَدَائِعُكَ المِلَاحُ تَزِينُهَا
               
               مِنْهُ بَدَائِعُ، لَا تُنَالُ، مِلَاحُ
               
            لُغَةُ الرَّسُولِ وِشَاحُهَا أَكْرِمْ بِهَا
               
               فِي أَصْلِهَا آيًا وَنِعْمَ وِشَاحُ!
               
            سَكِرَتْ بِهَا الدُّنْيَا وَمَا كَلِمَاتُهَا
               
               رَاحٌ وَلَا أَبْيَاتُهَا أَقْدَاحُ
               
            لَكِنْ هُنَالِكَ كُلُّ سَطْرٍ سُورَةٌ
               
               فِيهَا وَكُلُّ صَحِيفَةٍ إِصْحَاحُ
               
            •••
مَاتَ السِّيَاسِيُّ الوَزِيرُ وَلَمْ يَمُتْ
               
               إِلَّا وَزِينةُ بُرْدَتَيْهِ صَلَاحُ
               
            وَعَلَى مَآثِرِهِ وَفِي آثَارِهِ
               
               غُرَرٌ كَآيَاتِ الصَّبَاحِ صِبَاحُ
               
            عَلِقَ السِّيَاسَةَ وَهْيَ بِكْرٌ حُرَّةٌ
               
               وَأَشَاحَ عَنْهَا الوَجْهَ وَهْيَ وَقَاحُ
               
            تَاللهِ مَا تَنْسَى فُرُوقُ إِبَائِهِ
               
               لَمَّا دَعَا دَاعِي الجِهَادِ وَصَاحُوا
               
            يَوْمَ اسْتَعَدَّتْ لِلكِفَاحِ فَرَدَّدَتْ
               
               صَوْتَ الضَّمِيرِ قَوَاضِبٌ وَصِفَاحُ
               
            وَرَأَتْ سُلَيْمَانًا يَقُولُ وَنَفْسُهُ
               
               عَصَفَتْ بِهَا مِمَّا رَآهُ رِيَاحُ
               
            أُنا لَا أُظَاهِرُكُمْ عَلَى حَربٍ وَلَوْ
               
               كَانَ النَّصِيبَ النصرُ وَالأرْبَاحُ
               
            فَإِذَا تَشَبَّثْتُمْ بِخوضِ غِمَارِهَا
               
               أَنَا أَسْتَقِيلُ وَمَا عَلَيَّ جُنَاحُ
               
            •••
يَا قَصْرَ يَلْدِزَ أَنْتَ أَعْدَلُ شَاهِدٍ
               
               لَوْ أَمْكَنَ الإِفْصَاحُ وَالإِيضَاحُ
               
            مَرَّ الزَّمَانُ بِحُلْوِهِ وَبِمُرِّهِ
               
               وَمَشَى الرَّحِيمُ عَلَيْكَ وَالسَّفَّاحُ
               
            وَسَخِرْتَ بِالأيَّامِ حَتَّى بُدِّلَتْ
               
               فَعَدَا عَلَيْكَ قَضَاؤُهَا المُجْتَاحُ
               
            وَهوى عُلَاكَ بِمَنْ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ
               
               حُلْمُ الكَرَى وَكَأَنَّهُمْ أَشْبَاحُ
               
            وَلَوَ انَّ قَادَةَ بَابِكَ العَالِي وَعَوْا
               
               مَا قَالَ، مَا فَقَدُوا العُرُوشَ وَطَاحُوا
               
            وَإِذَا السَّفِينُ غَوَى حِجَى مُلَّاحِهِ
               
               غَرِقَ السَّفينُ وَأُدْرِجَ المَلَّاحُ
               
            يَا للسياسَةِ! كَمْ لَهَا مِنْ نَشْوَةٍ!
               
               آلُ الغُرُورِ مُدَامُهَا لَا الرَّاحُ
               
            وَلَوَ انَّ أَرْبَابَ السياسَةِ مِثْلُهُ
               
               مَا كَانَ حَرْبٌ فِي الورَى وَسِلَاحُ
               
            •••
إِيهٍ رَبِيبَ الأرزِ وابْنَ جِبَالِهِ
               
               رَفرِفْ بروحِكَ فَالخُلُودُ جَنَاحُ
               
            وَعِظِ الوَرَى فَمَمَاتُ مِثْلِكَ مِلْؤُهُ
               
               عِبَرٌ، وَإِنْ سَكَتَ اللِّسَانُ، فِصَاحُ
               
            قَالُوا تَقَدَّمَتِ الشُّعُوبُ فَقُلْ لَهُمْ
               
               هَذَا التَّقَدُّمُ لِلهَلَاكِ رَوَاحُ
               
            مَا زَالَ قَتْلُ النَّاسِ شَرْعًا جَائِزًا
               
               لَا أَمْنَ نُؤْمِلُهُ وَلَا إِصْلَاحُ
               
            فِيمَ التَّنَازعُ وَالحَياةُ قَصِيرةٌ
               
               وجَمِيعُنَا فِي ساحِهَا سُيَّاحُ؟!
               
            أينَ التَّمدُّنُ يا دُعَاةَ وجودِهِ
               
               وَالأَرضُ يخضِبُهَا الدَّمُ السحَّاحُ؟!
               
            لَمْ تَنْدَمِلْ فِيهَا جِرَاحُ شُعُوبِهَا
               
               إِلَّا لتَخْلُفُهَا هُنَاكَ جِرَاحُ
               
            إِنْ كَانَ هَذَا فِي الحَيَاةِ تَمَدُّنًا
               
               فَلْيَهْنَأ القَرَوِيُّ وَالفَلَّاحُ