الأَهْلُ أَهْلِي وَالبِلَادُ بِلَادِي

أَطْلِقْ لِمَدمعِكَ العِنَانَ وَخَلِّهِ
يَهْمي إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِنَفَادِ
وَدَعِ الضُّلُوعَ تُذِيبهَا نِيرَانُهَا
حَتَّى تُجَلِّلَهَا بِثَوْبِ رَمَادِ
أَصْبَحْتَ فِي بَحْرٍ كَقَلْبِكَ هَائِجٍ
مُتَوَاصِلِ الإِرْغَاءِ وَالإِزْبَادِ
مُتَلَاطِمِ الأَمْوَاجِ تَهْدُرُ فِيهِ مِنْ
هَوجِ الرِّيَاحِ رَوَائِحٌ وَغَوَادِي
وَنَأَتْ دِيَارُ الأَهْلِ عَنْكَ فَلَمْ يَعُدْ
لَكَ مأملٌ بِرُجُوعِ عَهْدِ الوَادِي
أَيَّامَ كُنْتَ بِهِ وَعَيْشُكَ زَاهِرٌ
وَهَوَاكَ بَسَّامٌ وَفِكْرُكَ هَادِي
تَتَصَيَّدُ اللَّذَّاتِ بَيْنَ رِيَاضِهِ
وَعَلَى جُفُونِكَ نَشْوَةُ الصَّيَّادِ
وَتَرَى المُنَى تَرْنُو إِلَيْكَ وَكُلُّهَا
فُرَصٌ تَفُوزُ بِهَا بِلَا ميعَادِ
وَالحُسْنُ يُلْهِمُكَ البَيَانَ فَتَنْثَنِي
وَنُهَاكَ مُبْتَدِعٌ وَقَلْبُكَ شَادِي
حِينًا تُغَنِّي مَعْ بَلَابِلِ دَوْحِهِ
وَتَئِنُّ حِينًا أَنَّةَ الأَعْوَادِ

•••

أَوَّاهُ مِنْ ذِكْرَى القَدِيمِ وَحَبَّذَا
عَوْدُ القَدِيمِ وَإِنْ عَدَتْهُ عَوَادِي
أَشْتَاقُهُ شَوْقَ المُحِبِّ إِلَى الهَوَى
مَهْمَا يَكُنْ فِيهِ مِنِ اسْتِبْدَادِ
وَأُحِبُّهُ بِالرغْمِ عَمَّا نَالَنِي
مِنْهُ وَأُمحِضُهُ صَحِيحَ وِدَادِي
مَهْمَا يَجُرْ وَطَنِي عَلَيَّ وَأَهْلُهُ
فَالأَهْلُ أَهْلِي، وَالبِلَادُ بِلَادِي
أَرْثي لِبُؤْسِهِمُ فَأَنْدُبُ حَالَهُمْ
بِفَمِي، وَأَرثِي حظَّهُمْ بِمِدَادِي
هَذَا لِسَانِي لَا يَجِيءُ بِذِكْرِهِمْ
حَتَّى يُلَعْثِمَهُ أَنِينُ فُؤَادِي
وَيَرَاعَتِي مَا أَنْ تَمُرَّ بِأَبْيَضٍ
إِلَّا وَتُلْبِسُهُ ثِيَابَ حِدَادِ

•••

تَاللهِ إِنِّي قَد وَقَفْتُ عَلَيْهِمُ
رُوحِي وَأَفْكَارِي وَكُلَّ جِهَادِي
وَإِذَا انْتَقَدْتُهُمُ فَمَا لِيَ غَايَةٌ
إِلَّا قِيَادَتُهُمْ لِنَهْجِ سَدَادِ
خَبَطُوا بِظُلْمَاتِ الضَّلَالِ وَلَمْ يَقُمْ
فِيهِمْ إِلَى السُّبْلِ القَوِيمَةِ هَادِي
وَاسْتَعْذَبُوا ذُلَّ القُيُودِ فَأَصْبَحُوا
يَتَفَاخَرُونَ بِنِيرِ الاسْتِعْبَادِ
وَغَدَا بِهِ لُبْنَانُ بَعْدَ عَجِيجِهِ
بِالأُسْدِ مَأْسَدَةً بِلَا آسَادِ
هُمْ ضَيَّعُوا إِرْثَ الجُدُودِ فَنَالَهُمْ
غَضَبُ الجُدُودِ وَلَعْنَةُ الأَحْفَادِ
قَسَمًا بِأَهْلِي لَمْ أُفَارِقْ عَنْ رِضًى
أَهْلِي وَهُمْ ذُخْرِي وَكُلُّ عِمَادِي
لَكِنْ أَنِفْتُ بِأَنْ أَعِيشَ بِمَوْطِنِي
عَبْدًا وَكُنْتُ بِهِ مِنَ الأَسْيَادِ
أَنَا بَعْدَهُمْ لَا يَنْتَهِي شَوْقِي وَلَا
يَدْنُو صفَايَ وَلَا يَطِيبُ رُقَادِي
البَحْرُ تَحْتِي وَاللَّظَى فِي أَضْلُعِي
وَالمَاءُ مِنْ حَوْلِي وَقَلْبِيَ صَادِي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤