لُفَافة التَّبغ

تَرَانِي دَوْمًا وَاللُّفَافَةُ فِي فَمِي
تَذُوبُ كَمَا ذَابَ المُحِبُّ مِنَ الوَجْدِ
وَأَلْثَمُهَا لَا لَثْمَةَ الوَجْدِ إِنَّمَا
لِمَامًا كَتَقْبِيلِ الفَرَاشَةِ لِلوَرْدِ
فَتَبْعَثُ حَوْلِي زَفْرَةً مِنْ دُخَانِهَا
تَضَوَّعَ مِنْهَا الحُبُّ فِي نَفْحَةِ النَّدِّ
فَتَحْسَبُنَا صَبَّيْنِ أَشْكُو لَهَا الهَوَى
وَتَبْعَثُ أَنْفَاسَ الصَّبَابَةِ عَنْ عَمْدِ
وَتَحْسَبُ أَسْلَاكَ الدُّخَانِ حِيَالَنَا
دُخَانَ لظَى القَلْبَيْنِ يَصْعَدُ مِنْ وَقْدِ
فَيَا لَكِ فِي قَلْبِ المُحِبِّينَ غَيْرَةً
تَحُولُ عَلَى العَيْنَيْنِ نَارًا مِنَ الحِقْدِ!

•••

وَإِنْ أَنْسَ لَا أَنْسَى وُقُوفِي أَمَامَهَا
وَفِي نَفْسِهَا شَكٌّ بِصِدْقِيَ فِي وُدِّي
فَقَالَتْ: لِيَهْنِئْكَ الهَوَى مِنْ لفَافَةٍ
تَعَشَّقْتَهَا قَبْلِي، وَمَا زِلْتَ مِنْ بَعْدِي
نَحِيلَةُ جسمٍ ألْبَسَتْكَ نُحُولَهَا
وَصَدَّتْكَ عَنْ وَصْلِي، وَأَعْمَتْكَ عَنْ صَدِّي
عَلَى بُعْدِهَا مَا كُنْتَ تَصْبِرُ سَاعَةً
وَتَصْبِرُ أَيَّامًا طِوَالًا عَلَى بُعْدِي
فَدَعْنِيَ إِنِّي أَكْرَهُ الشِّرْكَ فِي الهَوَى
وَمَا نَالَنِي إِلَّا الَّذِي هَامَ بِي وَحْدِي
فَلَا يَسَعُ القَلْبُ اثْنَتَيْنِ بِحُبِّهِ
وَهَلْ يَسْتَوِي سَيْفَانِ لَوْ شِئْتَ فِي غِمْدِ؟

•••

فَقُلْتُ لَهَا: مَهْلًا فَمَا كُنْتُ مُذْنِبًا
وَهَا أَنَا بَاقٍ فِي هَوَاكِ عَلَى عَهْدِي
أَتَعْرُوكِ مِنْ هَذِي اللفَافَةِ غَيْرَةٌ
وَمَا بُعْدُهَا يُشْقِي وَلَا قُرْبُهَا يُجْدِي
وَلَمْ تُلْهِ قَلْبِي عَنْ هَوَاكِ دَقِيقَةً
وَإِنْ تَكُ تُلْهِي الزَّاهِدِينَ عَنِ الزُّهْدِ
وَلَكِنَّهَا إِنْ غِبْتِ كَانَتْ نَدِيمَتِي
عَلَى رُغْمِ أَنْ لَيْسَتْ تُعِيدُ وَلَا تُبْدِي
أَرَاكِ خَيَالًا فِي ضَبَابِ دُخَانِهَا
تَغَلْغَلَ مِن أَحْلَامِيَ البِيضِ فِي بُرْدِ
أَرَى فِيهِ حِينًا شَكْلَ عَيْنٍ جَمِيلَةٍ
وَأَلْمِسُ حِينًا فِيهِ تَكْوِيرَةَ النَّهْدِ
وَإِنْ مَضَّنِي سُهْدٌ وَطَالَ بِيَ الدُّجَى
وَكَانَتْ بِقُرْبِي، مَا تَذَمَّرتُ مِنْ سُهْدِي
وَإِنْ قُمْتُ أَسْتَوْحِي، أَمَدَّتْ قَرِيحَتِي
فَحَلَّقْتُ فِي جَوِّ البَيَانِ بِلَا جُهْدِ
يُعَلِّمُنِي المَنْثُورُ نَثْرَ دُخَانِهَا
وَيُوحِي لِيَ المَنْظُومُ مَا فِيهِ مِنْ عَقْدِ
وَإِنْ تَجِدِي شَكًّا بِقَوْلِي فَجَرِّبِي
بِوَاحِدَةٍ، تُمْسِي وَعِنْدَكِ مَا عِنْدِي
وَكَانَ دُخَانٌ مُوصِلٌ قُبُلَاتِنَا
عَلَى رُغْمِ بُعْدِ الخَدِّ مِنَّا عَنِ الخَدِّ
سَكَبْنَا بِهِ الرُّوحَيْنِ فَاعْتَنَقَا مَعًا
يَحُومَانِ فِي جَوٍّ إِلَى اللهِ مُمْتَدِّ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤