شعلة العذاب
١
لغز الوجود
            
            بُرْعُمَ الزَّهْرِ مَا وُجِدْتَ لِتَبْقَى
               
               بَلْ لِيَمْضِيَ بِكَ الخَرِيفْ
               
               هَذِهِ حَالُنَا خُلِقْنَا لِنَشْقَى
               
               وَلِتَقْضِيَ بِنَا الحُتُوفْ
               
               •••
كَيْفَ جِئْنَا الدُّنْيَا؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْنَا؟
                  
                  وَإِلَى أَيِّ عَالَمٍ سَوْفَ نُفْضِي؟
                  
               هَلْ حَيِينَا قَبْلَ الوُجُودِ؟ وَهَلْ نُبْـ
                  
                  ـعَثُ بَعْدَ الرَّدَى؟ وَفِي أَيِّ أَرْضِ؟
                  
               هُوَ كُنْهُ الحَيَاةِ مَا زَالَ سِرًّا
                  
                  كُلُّ حُكْمٍ فِيهِ يَئُولُ لِنَقْضِ!
                  
               كَيْفَ أَجْلُو غَدِي؟ وَأُدْرِكُ أَمْسِي؟
                  
                  وَأَنَا حِرْتُ كَيْفَ يَوْمِي سَيَمْضِي
                  
               قَدْ حَيِينَا قَبْلَ الوِلَادَةِ لَكِنْ
                  
                  بِجُدُودٍ قَضَوْا كَمَا سَوْفَ نَقْضِي
                  
               وَسَنَحْيَا بَعْدَ الرَّدَى بِبَنِينَا
                  
                  فِي كِيَانِ نُعْطِيهِ بَعْضًا لِبَعْضِ
                  
               كَانَ بَذْرُ النَّبَاتِ نَبْتًا وَأَذْوَى
                  
                  فَجَنَيْنَا مِنْ بَذْرِهِ كُلَّ غَضِّ
                  
               ذَاكَ شَأْنِي بِالجِسْمِ فِي الأَرْضِ لَكِنْ
                  
                  جَوْهَرِي فِي مَصِيرِهِ غَيْرُ عَرْضِي!
                  
               إِنَّنِي شَاعِرٌ بِرُوحِيَ فَوْقَ الـ
                  
                  ـمَوْتِ تَمْشِي بِكُلِّ حُبِّي وَبُغْضِي!
                  
               إِيهِ يَا مَوْتُ! لَنْ تَمَسَّ خُلُودِي
                  
                  فَاقْضِ مَا شِئْتَ لَسْتَ وَحْدَكَ تَقْضِي
                  
               وَإِذَا كُنْتَ مَالِكًا أَمْرَ رُوحِي
                  
                  مِثْلَمَا أَنْتَ مَالِكٌ أَمْرَ نَبْضِي
                  
               فَأَنَا خَالِدٌ بِشِعْرِي عَلَى رُغْـ
                  
                  ـمِ زَمَانٍ عَنْ قِيمَةِ الشِّعْرِ يُغْضِي!
                  
               ٢
فِي هَيْكَلِ الذِّكْرَى
            
            ارْجِعِي القَهْقَرَى أَيَا ذِكْرَيَاتِي
               
               إِنَّ قَلْبِي ذَوَى وَمَاتْ
               
               وَأَنَا عَائِشٌ بِمَاضِي حَيَاتِي
               
               فَهوَ حَسْبِي مِنَ الحَيَاةْ
               
               •••
لَيْسَ فِكْرِي إِلَّا صَحَائِفَ بَيْضَا
                  
                  ءَ عَلَيْهَا الذِّكْرَى تَخُطُّ وَتَمْحُو
                  
               فَأَرَى فِيهِ مِنْ حَوَادِثِ أَيَّا
                  
                  مِيَ مَا لَمْ يَفُتْهُ مَتْنٌ وَشَرْحُ
                  
               مَعرَضٌ لِلرُّسُومِ فِيهِ غُمُوضٌ
                  
                  وَوُضُوحٌ وَفِيهِ حُسْنٌ وَقُبْحُ
                  
               إِنَّمَا تَلْمَحُ الصَّفَاءَ عَلَيْهِ
                  
                  لَمْحَةً وَالصَّفَاءُ فِي العَيْشِ لَمْحُ
                  
               وَتُحِسُّ العَذَابَ بِالنَّارِ مَحْفُو
                  
                  رًا فَحَاذِرْ مَا زَالَ لِلْجَمْرِ لَفْحُ
                  
               طُوِيَتْ بَسْمَةٌ لِيُنْشَرَ دَمْعٌ
                  
                  وَخَبَتْ بَهْجَةٌ لِيَلْمَعَ جُرْحُ!
                  
               هُوَ سِفْرٌ قَلَّبْتُهُ فَإِذَا بِي
                  
                  وَفُؤَادِي فِي دَفَّتَيْهِ يَسُحُّ
                  
               يَا فُؤَادِي وَأَنْتَ مِنِّيَ كُلِّي
                  
                  لَيْتَ حُكْمِي يَوْمًا عَلَيْكَ يَصِحُّ
                  
               أَنْتَ مَهْدُ المُنَى وَهَذِي بَقَايَا
                  
                  هَا أَكَبَّتْ عَلَيْكَ تَغْفُو وَتَصْحُو
                  
               خِلْقَةُ الحُبِّ أَنْتَ كُلُّ خَفُوقٍ
                  
                  فِيكَ حُبٌّ، وَكُلُّ بُغْضِكَ صَفْحُ
                  
               فِيكَ كَنْزٌ لَمْ تُعْطِ إِلَّا قَلِيلًا
                  
                  مِنْهُ، وَالحُسْنُ لَا يَزَالُ يُلِحُّ
                  
               إِنَّ جُودَ الفَقِيرِ بِالنَّزْرِ جُودٌ
                  
                  حَيْثُ جُودُ الغَنِيِّ بِالوَفْرِ شحُّ!
                  
               ٣
بيْنَ المَهْدِ وَاللَّحْدِ
            
            بَسْمَةَ الأَهْلِ يَوْمَ نُولَدُ حُولي
               
               عَبَرَاتٍ عَلَى المُهُودْ
               
               دَمْعَةَ الأَهْلِ يَوْمَ نُلْحَدُ سِيلِي
               
               بَسَمَاتٍ عَلَى اللُّحُودْ
               
               •••
لَيْتَ شِعْرِي! لِمَنْ بَسَمْتُمْ؟ أَلِلآ
                  
                  تِي إِلَى الكَوْنِ مُسْتَهِلًّا بِعَبْرَهْ!
                  
               وَعَلَى مَنْ بَكَيْتُمُ؟ أَعَلَى الرَّا
                  
                  حِلِ عَنْهُ، وَزَادُهُ مِنْهُ حَسْرَهْ
                  
               يُولَدُ الطِّفْلُ لِلعَذَابِ، وَهَذِي
                  
                  سُنَّةُ الدَّهْرِ وُقِّيَ الطِّفْلُ شَرَّهْ
                  
               بَيْنَ أَوْجَاعِ أُمِّه دَخَلَ المَهْـ
                  
                  ـدَ وَبَيْنَ الأَوْجَاعِ يَدْخُلُ قَبْرَهْ
                  
               بَشَّرَتْ بِالجَنِينِ وَهيَ نَذِيرٌ
                  
                  لَا بَشِيرٌ فَالسُّوءُ يَمْلَأُ عُمْرَهْ
                  
               مَا وَلِيدُ الآلَامِ غَيْرَ أَسِيرٍ
                  
                  وَالرَّدَى وَحْدَهُ يُحَرِّرُ أَسرَهْ
                  
               ضَاقَتِ الأَرْضُ فِي الحَيَاةِ عَلَيْهِ
                  
                  وَكَفَتْهُ فِي المَوْتِ أَضْيَقُ حُفرَهْ
                  
               إِنَّ مَنْ جَاءَ مَهْدَهُ مُكْرَهًا يَمْـ
                  
                  ـضِي إِلَى لَحْدِهِ غَدًا وَهْوَ مُكْرَهْ!
                  
               وَهْوَ إِنْ مَاتَ لَيْسَ يَخْسَرُ إِلَّا
                  
                  عَيْشَ بُؤْسٍ فَكَيْفَ يَرْهَبُ خُسْرَهْ؟
                  
               مَنْ يَمُتْ أَلْفَ مَرَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ
                  
                  وَهْوَ حَيٌّ يَسْتَهْوِنُ المَوْتَ مَرَّهْ!
                  
               مَلَأَ الشَّوْكُ رَوْضَ عَيْشِكَ فَانْزَعْ
                  
                  كُلَّ أَشْوَاكِهِ لِتَبْلُغَ زَهْرَهْ
                  
               «تَعَبٌ كُلُّهَا الحَيَاةُ» وَهَذَا
                  
                  كُلُّ مَا قَالَ فَيْلَسُوفُ المَعَرَّهْ!
                  
               ٤
يَوْمُ مَوْلِدِي
            
            إِيهِ يَا يَوْمَ مَوْلِدِي هِجْتَ فِيَّا
               
               خَيْرَ عِبْرهْ، وَشرَّ ذِكْرَى
               
               لِجَنِينٍ رَأَى الوُجُودَ فَحَيَّا
               
               فِيكَ فَجْرهْ، لَا كَانَ فَجْرَا
               
               •••
فَوْقَ حِضْنِ الرَّبِيعِ فِي مِثْلِ هَذَا الـ
                  
                  ـيَوْمِ بَعْدَ العِشْرِينَ مِنْ نَوَّارِهْ
                  
               خَلَعتْ وَرْدَةٌ عَلَى الأَرْضِ عَنْهَا
                  
                  كُمَّهَا، وَالدُّجَى صَرِيعُ احْتِضَارِهْ
                  
               فَإِذَا بِالدُّمُوعِ فِي بُرْدَتَيْهَا
                  
                  يَمْسَحُ الصُّبْحُ مَاءَهَا بإِزَارِهْ
                  
               لَمْ تَكُنْ وَرْدَةً وَلَكِنْ وَلِيدًا
                  
                  نَسِيَ الفَجْرُ نَجْمَةً فِي عِذَارِهْ
                  
               حَضَنَتْهُ الحَيَاةُ تَحْتَ سِتَارِ الـ
                  
                  ـلَّيْلِ طِفْلًا لَمْ يُكْسَ غَيْرَ سِتَارِهْ
                  
               دَغْدَغَ الطُّهْرُ مُقْلَتَيْهِ فَكَانَتْ
                  
                  سَاذِجَاتُ الأَلْحَاظِ مِنْ آثَارِهْ
                  
               وَكَسَتْ قُبْلَةُ الحَيَاءِ مُحَيَّا
                  
                  هُ فَأَبْقَتْ نَضَارَةً فِي نُضَارِهْ
                  
               وَرَمَى الحُبُّ نَبْلَةً فِي حَنَايَا
                  
                  هُ فَكَانَتْ لِلشِّعرِ بَدْءَ شرَارِهْ
                  
               ذَاكَ عَهْدُ الحَيَاةِ بِي قَادِمٌ لِلـ
                  
                  ـمَهْدِ لَمْ يَدْرِ لَيْلَهُ مِنْ نَهارِهْ
                  
               ذَرَفَتْ عَيْنُهُ لَدَى رُؤْيَةِ النُّو
                  
                  رِ دُمُوعًا جَرَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهْ
                  
               نَطَقَتْ عَنْهُ وَهوَ عَيٌّ، فَكَانَتْ
                  
                  أَوَّلَ المُفْصِحَاتِ عَنْ أَفْكَارِهْ
                  
               هَكَذَا الزَّهْرُ يَسْكُبُ الدَّمْعَ عِنْدَ الـ
                  
                  ـفَجْرِ مُسْتَقْبِلًا سنَى أَنْوَارِهْ!
                  
               ٥
بَسَمَاتٌ
            
            أَيُّهَا الوَرْدُ وَالضُّحَى فَضَّ كُمَّكْ
               
               كَيفَ تَبْكِي بِلَا سَبَبْ
               
               لَمْ تُثِرْ بَعْدُ شَقْوَةُ العُمْرِ غَمَّكْ
               
               فَالتَّشَكِّي إِذَنْ عَجَبْ
               
               •••
كَيْفَ تَبْكِي وَالفَجْرُ يَفْتَرُّ لِلأَرْ
                  
                  ضِ فَيَمْحُو قُطُوبَهَا بِافْتِرَارِهْ؟
                  
               مَا عَرَفْتَ الوُجُودَ بَعْدُ، وَلَا مَا
                  
                  فِيهِ مِنْ صَفْوِهِ وَمِنْ أَكْدَارِهْ!
                  
               مَا عَرَفْتَ الرَّبِيعَ غَضًّا جَمِيلًا
                  
                  لِلأَمَانِيِّ بَسْمَةٌ فِي اخْضِرَارِهْ!
                  
               لَا وَلَا الصَّيْفَ نَاسِجًا فِي مُحَيَّا
                  
                  كَ خُيُوطَ الحَيَاةِ مِنْ أَنْوَارِهْ!
                  
               مَا رَأَيْتَ الخَرِيفَ فِي صَدْرِكَ العَا
                  
                  رِي يُوَشِّي عَقِيقَهُ بِنُضَارِهْ!
                  
               وَالشِّتَاءَ الحَزِينَ يَغْسِلُ سَاقَيْـ
                  
                  ـكَ بِدَمْعٍ يَنْهَلُّ فِي أَمْطَارِهْ!
                  
               مَا عَرَفْتَ النَّسِيمَ رُوحًا خَفيًّا
                  
                  عِطْرُ أَنْفَاسِهِ دَلِيلُ مَزَارِهْ!
                  
               تَمْتَمَاتُ الغَرَامِ تُسْمَعُ مِنْ فِيـ
                  
                  ـهِ وَهَمْسُ السَّمَاءِ مِنْ مِزْمَارِهْ
                  
               دَغْدَغَ الرَّوْضَ عَابِثًا بِنَدَاهُ
                  
                  سَاكِبًا رُوحَهُ عَلَى أَزْهَارِهْ!
                  
               مَا رَأَيْتَ الفرَاشَ يَطْوِي جَنَاحَيْـ
                  
                  ـهِ وَيَهْوِي عَلَيْكَ بَعْدَ مَطَارِهْ!
                  
               يَتَمَلَّى مِنْ كَأْسِ كُمِّكَ نَهلًا
                  
                  ثُمَّ يَلْوِي بِنَشْوَةٍ مِنْ عُقَارِهْ
                  
               قَلْبُهُ ذَائِبٌ عَلَى شَفَتَيْهِ
                  
                  قُبَلًا لَمْ تَزَلْ تَؤُجُّ بِنَارِهْ!
                  
               ٦
دموع
            
            ذَاكَ مَا وَشْوَشَتْهُ لِلزَّهْرِ نَفْسِي
               
               نَقَلَتْهُ لَهُ النِّسَمْ
               
               فَأَتَانِي الجَوَابُ فِي مِثْلِ هَمْسِ
               
               وَشَّحَتْهُ يَدُ الأَلَمْ
               
               •••
نَظَرَتْ وَرْدَةٌ إِلَيَّ وَقَالَتْ:
                  
                  أَنْتَ مِثْلِي فِي الكَوْنِ لِلكَوْنِ كَارِهْ
                  
               فَلِمَاذَا تَلُومُنِي وَبُكَائِي
                  
                  كَانَ مِمَّا أَخَافُ مِنْ أَخْطَارِهْ؟
                  
               وَيْحَ نَفْسِي مِنَ الرَّبِيعِ فَفِيهِ
                  
                  أُجْتَنَى بَيْنَ آسِهِ وَبَهَارِهْ!
                  
               وَمِنَ الصَّيْفِ فَهْوَ يُحْرِقُ أَكْمَا
                  
                  مِي عَلَى رُغْمِهَا بِلَفْحَةِ نَارِهْ!
                  
               كَيْفَ أَهْوَى الخَرِيفَ يَنْثُرُ أَوْرَا
                  
                  قِي وَيَكْسُو اخْضِرَارَهَا بِاصْفِرَارِهْ
                  
               وَأُحِبُّ الشِّتَاءَ يُفْنِي بَقَايَا
                  
                  يَ عَلَى ثَلْجِهِ وَفِي تَيَّارِهْ؟
                  
               وَالنَّسِيمُ البَلِيلُ؟ هَلْ هُوَ إِلَّا
                  
                  قَاتِلِي بَيْنَ وَصْلِهِ وَنِفَارِهْ؟
                  
               يَتَصَابَى حَتَّى أُسَلِّمَهُ نَفْـ
                  
                  ـسِي فَيَجْفُو وَالعِطْرُ مِلْءُ إِزَارِهْ!
                  
               ثُمَّ يَرْتَدُّ وَهْوَ رِيحٌ فَيُرْدِيـ
                  
                  ـنِي وَيَمْشِي مُهَيْمِنًا لِانْتِصَارِهْ!
                  
               وَالفَرَاشُ الجَمِيلُ يَمْلَأُ جَفْنِي
                  
                  فِتْنَةً وَهْوَ حَائِمٌ في جِوَارِهْ!
                  
               يَرْتَمِي خِلْسَةً عَلَيَّ فَيَجْنِي
                  
                  قُبْلَةً وَهْوَ مُمْعِنٌ بِفِرَارِهْ!
                  
               يَتَخَطَّى هَذِي وَتِلْكَ مِنَ الوَرْ
                  
                  دِ فَيَا طُولَ لَوْعَتِي فِي انْتِظَارِهْ!
                  
               ٧
مَرْحَبًا بِالعَذَابِ يَلْتَهِمُ العَيْـ
                  
                  ـنَ التِهَامًا وَيَنْهَشُ القَلْبَ نَهْشَا
                  
               مُشْبِعًا نَهْمَةً إِلَى الدَّمِ حَرَّى
                  
                  نَاقِعًا غُلَّةً إِلَى الدَّمْعِ عَطْشَى