أَوَّاه غَرناطة

غَرنَاطَةٌ، أَوَّاهُ غَرْنَاطَهْ!
لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَكِ مِنْ صَوْلَتِكْ!
هَلْ نَهْرُكِ الجَارِي سِوَى أَدْمُعٍ
تَجْرِي عَلَى مَا دَالَ مِنْ دَوْلَتِكْ؟
وَالنِّسْمَةُ الغَادِيَةُ الرَّائِحَهْ
هَلْ هِيَ إِلَّا زَفْرَةٌ نَائِحَهْ؟
مَا عُدْتِ فِي النَّهرِ كَسُلْطَانَةٍ
جَبْهَتُهَا فِي مِائِهِ سَاطِعَهْ
لِلقُبَّةِ الحَمْرَاءِ فِي تَاجِهَا
وَهَجٌ، وَلِلمِئْذَنَةِ اللَّامِعَهْ
آهٍ عَلَى أَمْجَادِكِ الضَّائِعَهْ
شَيَّعْتُهَا بِالنَّظْرَةِ الدَّامِعَهْ!

•••

مَرَّتْ مُرُورَ النَّهْرِ فِي جَرْيِهِ
وَأَوْرَثَتْكِ النَّوحَ فِي عُزْلَتِكْ
غَرْنَاطَةٌ، أوَّاهُ غَرْنَاطَهْ!
لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَكِ مِنْ صَوْلَتِكْ!
للهِ حَمْرَاؤُكِ، تَحْسُو الأَسَى
وَحِيدَةً فِي الرَّوضَةِ الخَالِيَهْ!
لَمْ يَبْقَ لَا زَهْوَةُ نِدْمَانِهَا
وَلَا صَدَى أَعْيَادِهَا المَاضِيَهْ
وَلَمْ يَعُدْ لِلحُبِّ فِيهَا أَنِينْ
يَنْقُلُهُ العُودُ عَنِ العَاشِقِينْ
بَيْنَا يُجِيلُ البَدْرُ أَلْحَاظَهُ
بَاهِتَةً فِي المَرْمَرِ اللَّامِعِ
بَيْنَ أَرِيجِ الزَّهَرِ المُنْتَشِي
وَبَيْنَ شَدْوِ البُلْبُلِ السَّاجِعِ
وَقَصْرُهَا الخَاوِي بِأَرْجَائِهِ
كَمْ غَمَرَ اللَّيْلَ بِضَوْضَائِهِ!
إِذِ الجَوَارِي خَاطِرَاتٌ عَلَى
سَجَّادِهِ جَارِيَةً جَارِيَهْ
أَرْوَعُ مَا فِي الشَّرْقِ مِنْ رَقْصِهِ
تَنْسُجُهُ أَقْدَامُهَا العَارِيَهْ

•••

غَرْنَاطَةٌ، أَوَّاهُ غَرنَاطَةْ!
مَا أَنْتِ إِلَّا خِرَبٌ قَابِعَهْ
تَحْمِلُ أَسْرَابُ السُّنونوِ إِلَى
أَفْرِيقيَا أَنْبَاءَكِ الفَاجِعَهْ
هُنَاكَ أَبْنَاؤُكِ مِنْ بَأْسِهِمْ
بَاكُونَ، لَا بَاكُونَ مِنْ يَأْسِهِمْ
عَرَّوْا مِنَ الأَغْمَادِ بيضَ الظُّبَى
ووَشَّحُوا الخَيْلَ بِبِيضِ السُّرُوجْ
وَيَمَّمُوا البحْرَ فَلَمَّا بَدَتْ
مِنْكِ عَلَى الأُفقِ جِبَالُ الثُّلُوجْ
خَرُّوا عَلَى أَوْجُهِهِمْ رَاكِعِينْ
وَزَفَرُوا مِن قَهْرِهِمْ صَارِخِينْ:
«غَرْنَاطَةٌ، أَوَّاهُ غَرْنَاطَهْ!
ضِعْتِ فَيَا لَلعِظَمِ الضَّائِعَهْ!»
فَيَزْفُرُ المَوْجُ وَيَبْكِي لَهُمْ
حِينَ يَرَى أَعْيُنَهُمْ دَامِعَهْ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤