تمهيد

  • شهد العقد الأخير من القرن العشرين انهيار الاتحاد السوفيتي، وخروج دول أوروبا الشرقية والجمهوريات الإسلامية الجديدة — والبقية تأتي — من الستار الحديدي.

  • عد الكثيرون ذلك بمثابة شهادة وفاة للشيوعية، وفي نفس الوقت شهادة صلاحية للرأسمالية، بل غالى البعض واعتبره شهادة تفوق أبدي للرأسمالية، إن لم يكن احتكارًا ووحدانية بين النظم الاقتصادية والاجتماعية.

  • فما هي الرأسمالية؟

    وهل لها وجه واحد أم أكثر؟

    كيف تطورت … وكيف ستتطور؟

  • يعرض ميشيل البير في هذا الكتاب لنماذج رأسمالية ثلاثة … النموذج الأمريكي — ومعه لحد ما الإنجليزي — الباهر والكاسح إعلاميًّا … والنموذج الرايني — ألمانيا والسويد وسويسرا — الفعَّال والعادل لحد ما … عديم الجاذبية والباهت إعلاميًّا لحدٍّ كبير … حتى إنه شبهه عند المقارنة بالنموذج الأمريكي بعفة جونون أمام مفاتن فينوس … ثم النموذج الياباني.

  • يقارن المؤلف بين الأهداف الرئيسية لكل نموذج، ووسائله ونتائجه … من خلال التعليم … الصحة العامة … البطالة … الدخول وتفاوتها … الادخار … المديونية … الضرائب … المنشآت والبنوك والبورصات … التأمينات … القانون والقضاة والمحامون … الأخلاق والجريمة.

  • ويثير كثيرًا من التساؤلات عن المتناقضات الظاهرة، فكيف أصبحت أمريكا — التي احتفظت بيد على الكتاب المقدس ويد على الدستور — من كافة البلدان المتقدمة، الدولة الأولى في عالم الإجرام والمخدرات، والأخيرة في مجال التطعيم ضد الأمراض ومعدلات الإدلاء بالأصوات في الانتخابات؟ وكيف وصل الأمر في التعليم للتقرير المشهور أمة في خطر، وأن نظام التعليم الأمريكي على حافة السقوط؟١
    ونقل عن الإحصائيات الأمريكية حصول ٢٫٥ مليون أمريكي غني على نفس دخل اﻟ ١٠٠ مليون أمريكي أسفل المقياس.٢ ثم نقل انتقاد آكيو موريتا، رئيس ومدير عام سوني: «بينما نخطط نحن لعشر سنوات، فإنهم لا يهتمون إلا بأرباح العشر دقائق القادمة … وبهذا الإيقاع أصبح الاقتصاد الأمريكي مجرد شبح.»
  • ولكن في أمريكا أحسن العقول … وبعض جامعاتها الأحسن في العالم … ومنها أغلب الاختراعات والأفكار الجديدة … وهي حلم شباب كل العالم عدا أوروبا الغربية واليابان … وهي محط أنظار أكثر حكومات العالم الثالث، بل والثاني سابقًا … وهي أكبر سوق في العالم … وأخيرًا هي من حمى أوروبا الغربية من الشيوعية.

  • ثم انتقل للنموذج الرايني، وفيه اقتصاد السوق الاجتماعي،٣ حيث لا يمكن ترك السوق وحده ليحكم الحياة الاجتماعية. ويقترح المؤلف ثلاثة معايير لقياس التفوق الاجتماعي، أحدها الحد من تفاوت الدخول، ثم يقارن بين حجم الطبقات المتوسطة؛ في أمريكا ٥٪، وألمانيا ٧٥٪، والسويد وسويسرا ٨٠٪.
  • ونقل تصريحًا فلسفيًّا اقتصاديًّا اجتماعيًّا عسكريًا أدلى به هافل الأديب التشيكي ورئيس الجمهورية: «منطقة اليأس وعدم الاستقرار والفوضى في شرق أوروبا، لن يكون تهديدها لأوروبا الغربية أقل من الفرق المدرعة لحلف وارسو.»٤
  • واختتم المؤلف كتابه بملحقين، قالت مسز تاتشر — الحليف المخلص المحبوب لريجان — في أحدهما: «أوروبا لا يمكن أن تكون مثل أمريكا، لأن تاريخ أوروبا مختلف عن تاريخ أمريكا.»

١  ولا يملك المرء إلا أن يعجب لتوالي بعثات مدرسي وموجهي وزارة التعليم لأمريكا، وانتشار المدارس والمؤسسات التعليمية الأمريكية البالغة الغلاء في مصر.
٢  قال كلينتون في كتابه رؤية لتغيير أمريكا الذي وضعه قبيل انتخابه رئيسًا: خلال عقد الثمانينيات حصل الواحد في المائة الأكثر ثراءً على ٧٠٪ من إيرادات الدخل.
٣  نص الدستور الألماني الصادر في التسعينيات على أن ألمانيا جمهورية ديموقراطية اتحادية تقوم على سيادة القانون والتكاتف الاجتماعي.
٤  في البنوك المصرية ودائع تقارب ١٥٠ مليار جنيه، وتراوحت تقديرات ودائع المصريين خارج مصر بين ٤٠–۲۰۰ مليار دولار، بينما متوسط الدخل في مصر ٦٠٠–۹۰۰ دولار في السنة، والبطالة حول اﻟ ٣ ملايين!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤